المبحث الخامس: الصفات الشرعية لأهل التطرف
أولاً/ حداثة السن وقلة العلم
لقد وصفهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بقوله: (يخرج قوم في آخر الزمان أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتهم فاقتلهم، فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة).
فحديث السِّنْ في الغالب أقرب إلى الجهل والطيش، والتسرع وعدم الروية، وجنوح الفكر والتطرف في الرأي، من كبير السن، الذي عركته الحياة، وحنكته التجارب وأدرك أهمية النظر في المآلات والعواقب ووصفهم كذلك بأنهم (يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم) وهذا أيضاً دليل على جهلهم وضعف بصيرتهم، فإنهم مع كثرة قراءتهم للقرآن لا يجاوز حناجرهم، فهم لا يعونه بعقولهم ولا يفقهون مواعظه ونذره، ولا يعلمون أحكامه وحدوده.
وقد بلغ من فرط جهلهم، وقلة توفيقهم أنهم كما وصفهم النبي (صلى الله عليه وسلم) في حديث آخر: (يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان).
ثانياً/ إعجابهم بأنفسهم وأعمالهم
روى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة رضي الله عنه قال: قال النبي (صلى الله عليه وسلم): (سيكون في أمتي اختلاف وفرقة، وسيأتي قوم يعجبونكم، أو تعجبهم أنفسهم، يدعون إلى الله، وليسوا من الله في شيء، يحسبون أنهم على شيء، وليسوا على شيء، فإذا خرجوا عليكم، فاقتلوهم، الذي يقتلهم أولى بالله منهم"، قالوا: وما سمتهم؟ قال: "الحلق").
وعن عمر رضي الله عنه أنه قال: إن أخوف ما أخاف عليكم إعجاب المرء برأيه، فمَنْ قال: إنه مؤمن، فهو كافر، ومَنْ قال: هو عالم، فهو جاهل، ومَنْ قال: هو في الجنة، فهو في النار.
ثالثاً/ الطعن في العلماء الربانين وتَنَقُّصِهِمْ
من صفاتهم الواضحة الجرأة على العلماء الربانين، والطعن في نواياهم، واتهامهم بالمداهنة للحاكم، وأنهم مشايخ سلطة ودولة فلا يعتدون بقول عالم مهما كان من غير القرون الثلاثة المفضلة أو من الأحياء الثقاة، وإنما يعدونهم في ضلالة، وبعضهم يكفرهم وينقل ذلك بوضوح وجلاء دون مراعاة للنص الشرعي.
رابعاً/ تقديم العقل على النقل
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينما رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقسم قسماً، إذ جاءه ابن ذي الخويصرة التميمي، فقال: اعدل يا رسول الله، فقال: ويلك، ومن يعدل إن لم أعدل، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله، ائذن لي فأضرب عنقه، فقال (صلى الله عليه وسلم): دعه، فإن له أصحاباً، يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فينظر في قذذه، فلا ينظر شيئاً، ثم ينظر في نصله، فلا يجد شيئاً، ثم ينظر في رصافه، فلا يجد شيئاً، قد سبق الفرث والدم، آيتهم رجل أسود، إحدى يديه، أو قال: يداه، مثل ثدي المرأة، أو مثل البضعة، تدردر، يخرجون على حين فترة من الناس قال: فنزلت: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ).
خامساً/ سوء الظن
ودليل ذلك اتهامهم الرسول (صلى الله عليه وسلم) بعدم الإخلاص في القسمة كما سبق معنا في قصة ذي الخويصرة لأنهم لم يفهموا مقصده السامي لقصر نظرهم ومرض قلوبهم.
سادساً/ كثرة عبادتهم وفضائل أعمالهم
كما وصف النبي (صلى الله عليه وسلم) الخوارج بقوله: (تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم) لأنهم كانوا يصومون النهار ويقومون الليل، وتحقرون: بكسر القاف، أي: تستقلون صلاتكم.
سابعاً/ التَّعَدِّي على ولي الأمر الذي اجتمع عليه الناس
قال ابن حجر رحمه الله: (وهذه صفة الخوارج الذين كانوا لا يطيعون الخلفاء).
ويظهر ذلك جلياً في جريمة قتل عثمان رضي الله عنه حين تكلموا فيه إلى أن قالوا: هذا ما يصلح للخلافة، وهمُّوا بعزله، وصاروا لمُحاصرته فحاصروه في داره أياماً، وكانوا أهل جفاء، ووثب عليه ثلاثون، فذبحوه والمُصحف بين يديه، وهو شيخ كبير وستأتي.
ثامناً/ التحزبات السرية
التي نتجت عن قراءات خاصة ومفاهيم خاطئة لا يعرفها أهل العلم ولا يقرونها بل يحذرون منها، يقول عمر بن عبد العزيز رحمه الله: (إذا رأيت قوماً يتناجون في شيء من الدين دون العامَّة فاعلم أنهم على تأسيس ضلالة).
وهذه التحزبات والتجمعات يصدق عليها قول الحسن البصري رحمه الله: (خرج عثمان بن عفان رضي الله عنه علينا يوماً يخطبنا فقطعوا عليه كلامه فتراموا بالبطحاء حتى جعلت ما أُبصر أديم السماء قال: وسمعنا صوتاً من بعض حُجر أزواج النبي (صلى الله عليه وسلم) فقيل هذا صوت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قال سمعتها وهي تقول: (ألا إن نبيكم قد بَرِئَ مِمَّنْ فرَّق دينه واحتزب).
إنَّ دراسةً فاحصةً للجذور الفكرية للجماعات والأحزاب في حياة المسلمين المعاصرة تتطلبُ نظرةً عميقةً لهذه الفِرقِ والجماعات والأحزابِ الدّاعيةِ إلى ذواتِها حصراً،حيثُ تُصور كل فرقةٍ وجماعةٍ وحزب إلى الناس أنها هي القائمةُ على الإسلام، وكلَّ من عداها مخالفٌ لها، وهذا التصور القاصر نراهُ عندَ الجميع مطرداً ومتفقاً عليه.
وأضاف بعض العلماء من الأسباب:
* التعصب للرأي.
* التمحور حول الشخصيات والأحـزاب والجماعات.
* التقليد الأعمى وضلال الأفكار.
* الانطواء والتقوقع.
* عدم الاتزان الفكري.
* التجرؤ على الفتوى.
* التعامل الخاطئ لقضايا الإسلام.
فضلاً عن التزام التشديد دائماً في حديثهم وأفعالهم الذي يوضح لنا الملامح والمفاسد الشرعية للغلو والتطرف التي تسبب تراجعا في الدعوة إلى الله ونشر الخير بين الناس وتعميم التسامح والحب والتكافل بين أفراد المجتمع المسلم وخاصة فئة الشباب والناشئة من صغار السن الذين يحتاجون لتربية أشمل وأعمق في فهم حقيقة التدين والالتزام والاستقامة والثبات عليها.
أن الغلو والتطرف يحكي أثاراً سيئة على المجتمع الذي يعيش فيه طآئفة من الغلاة والمتطرفين.
ويترتب على أفعالهم وتصوراتهم عدد من المفاسد المتمثلة فيما يلي:
* أنه بدعــة في الديـن.
* سبب لهلاك الأمم.
* الغلو فيه مشابهة للنصارى.
* فيه مشقة على النفس.
* فيه التنفير من الدين وسماحته.
* سبب للخروج عن الدين.
* التشدد في تفسير النصوص الشرعية بما يعارض مقاصد الشريعة.
* التكلف في التعمق في معاني القرآن الكريم.
* يلزم الشخص نفسه بما لم يوجبه الله عليه كما فعل بنو إسرائيل.
* يحِّرم الشخص على نفسه أموراً لم يحرمها الله على الناس.
* يترك الأمور الضرورية كالأكل والشرب والزواج والنوم.
* الغلو في الموقف من الآخرين مدحاً أو ذماً.
* ترك الحلال وتحريمه على النفس ظناً أنه من التدين.