أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: الهدي النبوي في التربية.. (4) الإقناع.. الأحد 21 أكتوبر 2018, 9:42 pm | |
| الهدي النبوي في التربية... (4) الإقناع.. فضيلة الشيخ: سليمان بن جاسر الجاسر غفر اللهُ له ولوالديه وللمسلمين
الأصل أن يربى الناس على التسليم للأمور بالفعل وللنواهي بالترك، لكن بعض النفوس أحيانًا قد تكون شاردة تعيش حالة من التصميم حتى ولو كانت على خطأ، ولا يوقظ هذه النفوس إلا شيء من الإقناع، بردِّها للجادة، وتأكيد معاني الخير فيها.
روى البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه رجلًا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، وُلد لي غلام أسود، فقال: «هل لك من إبل؟» قال: نعم، قال: «ما لونها؟» قال: حُمر. قال: «هل فيها من أَوْرَقَ؟” (1) قال: نعم، قال: «فأنَّى ذلك؟» قال: نزعه عرق. قال: «فلعل ابنك هذا نزعه” (2).
والملاحظ هنا في الإقناع النبوي الاستفادة من البيئة المحيطة، وكذا الاستفادة من البدهيات التي يؤمن بها المحاور، وهذا في حد ذاته من مؤكدات الإقناع والدواعي إلى قبول الكلام وعدم الحيد عنه.
ومثل ذلك ما أخرجه الإمام أحمد عن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: إن شابًا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه، قالوا: مه مه، فقال: «ادنه» فدنا منه قريبًا قال: فجلس، قال: «أتحبه لأمك؟» قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: «ولا الناس يحبونه لأمهاتهم» قال: «أفتحبه لابنتك؟» قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك، قال: «ولا الناس يحبونه لبناتهم» قال: «أفتحبه لأختك؟» قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: «ولا الناس يحبونه لأخواتهم» قال: «أفتحبه لعمتك؟» قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: «ولا الناس يحبونه لعماتهم» قال: «أفتحبه لخالتك؟» قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: «ولا الناس يحبونه لخالاتهم» قال: فوضع يده عليه، وقال: «اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه» فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء(3).
إن النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث لم يكتف بدرجة قليلة من الإقناع، بل مارس معه تأكيد الإقناع -إن صح التعبير- وكان يكفي قوله: أتحبه لأمك، لكنه عدد محارمه زيادة في الإقناع وإظهار شناعة الفعل ونكارته، ودلالة على أن ما يتصور أن نزني به من النساء لا تخلو من أن تكون أمًا لأحدٍ أو بنتًا أو عمة أو خالة وهكذا.
ويخاطب النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الشاب أمام أصحابه، وأدرك المربي المعلم -صلى الله عليه وسلم- لديه جانبًا لم يدركه فيه أصحابه، فما هو؟ لقد جاء هذا الشاب يستأذن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولو كان قليل الورع عديم الديانة لم ير أنه بحاجة للاستئذان، بل كان سيمارس ما يريد سرًا، فأدرك -صلى الله عليه وسلم- هذا الجانب الخير فيه، فماذا كانت النتيجة؟ «فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء» وختم له المربي الأول بالدعاء له، فما أجمل أن نقتدي به -صلى الله عليه وسلم- في تربيته وتعاملاته.
وعند البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: أخذ الحسين بن علي -رضي الله عنهما- تمرة من تمر الصدقة، فجعلها في فيه فقال -صلى الله عليه وسلم-: «كِخْ، كِخْ» ليطرحها، ثم قال: «أما شعرت أنَّا لا نأكل الصدقة؟” (4 ).
يا تُرى كم كان عمر الحسين بن علي -رضي الله عنهما- وقتئذ؟ لقد مات النبي -صلى الله عليه وسلم- وعمر الحسين لم يجاوز الثامنة؛ ومع ذلك خاطبه -صلى الله عليه وسلم- خطاب الكبار، ومارس معه الإقناع؛ فكأنه يقول له: أنا لم أخرجها من فمك شُحًا أو طمعًا أو أن فيها ضررًا عليك، لا.. إن السبب في ذلك أنا لا نأكل الصدقة.
حين تجد مع ابنك صورة محرمة أو تجد عليه لباسًا بعيدًا عن روح الإسلام؛ فإن جلسة إقناع تؤكد فيها شخصية المسلم وتميُّزه كافية في التغيير بإذن الله، وعلى أقل تقدير كافية في هز القناعات السابقة وزعزعتها، وهذا سيجعل فرصة التخلي عنها في المستقبل أكبر بإذن الله تعالى. ___________________________________ (1) أَوْرَق: هو الذي فيه سواد ليس بصاف، وقيل: الأغبر الذي في لونه بياض إلى سواد. (2) رواه البخاري (2633). (3) رواه أحمد (5/256). (4) رواه البخاري (1491).
المصدر: http://almoslim.net/tarbawi/288251 |
|