الحج أحكامه وصفته
تأليف
عبدالله بن عبدالرحمن السعد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد :
فهذا هو الأثر الثاني من آثار شيخنا الشيخ / أبي عبد الرحمن عبدالله بن عبدالرحمن السعد ، وهو بعنوان « الحج أحكامه وصفته » ( ) .
وأصل هذا الكتاب محاضرة ألقاها فضيلة شيخنا قبل عدة سنوات بعنوان « الحج رواية ودراية » ألقيت في سنة (1413) تقريبا ، وكان المقصود من المحاضرة ذكر صفة الحج باختصار دون التوسع في الكلام على المسائل والأحكام الأخرى المتعلقة بالحج ، وقد تم تفريغ هذه المحاضرة ، وإعدادها للنشر مع توثيق ما فيها من نقول , وأضيف إليها جملة من المسائل والأحكام من شرح قديم لفضيلة الشيخ على كتاب « بلوغ المرام » للحافظ ابن حجر ، ألقي في سنة ( 1411 ) تقريباً .
ثم بعد ذلك عُرض الكتاب على فضيلة الشيخ فقام بمراجعته وتعديل ما يحتاج إلى تعديل مع إضافات كثيرة ، وقدّم له بمقدمة مهمة في التنبيه على أهمية التوحيد والتحذير من الشرك وصوره ووسائله .
وخروج هذا الأثر إنما كان بفضل الله جل وعلا أولا وأخيرا ، ثم بالتعاون المثمر بين الإخوة في المكتب العلمي بـ«دار المحدِّث» , وأخص منهم أخي الشيخ / سامي بن جادالله ، والإخوة القائمين على «ملتقى أهل الحديث» وأخص منهم أخي الشيخ / عبدالرحمن الفقيه ، وأخي الشيخ / خليل بن محمد ، فجزى الله خيرًا كل من ساهم في خروج هذا العمل ، والشكر والدعاء موصول للإخوة المشايخ / عبد الرحمن الزغيبي , وعادل الزرقي , وعبدالله الدهيشي , وعبدالرحيم الشهري , ووائل النايل , وكلهم من طلبة الشيخ وتلاميذه وفقهم الله جميعا لما يحبه ويرضاه .
وأخيراً نسأل الله عز وجل أن ينفع بهذا العمل ، وأن يوفق لإخراج بقية آثار شيخنا الفاضل ، وأن يجعل ذلك في ميزان حسناته ، والله ولي التوفيق .
د . علي بن عبد الله الصياح
16/11/1426
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا .
من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد :
ثبت في « الصحيحين » من حديث حنظلة بن أبي سفيان ، عن عكرمة بن خالد ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله ﷺ : « بني الإسلام على خمس ، شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والحج ، وصوم رمضان » ( ) .
دل هذا الحديث على أن الإسلام مبني على خمسة أركان , أولها وأعظمها هو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله .
وهذه الكلمة هي كلمة التوحيد , ومعناها : لا معبود بحق إلا الله .
وتوحيد الله عز وجل وإفراده بالعبادة ، وإثبات ما أثبته لنفسه أو أثبته له رسوله ﷺ من نعوت الجلال وصفات الكمال ، ومحبة أوليائه ومعادات أعدائه والبراءة منهم ومن أفعالهم ؛ هو دين الإسلام الذي لا يقبل الله ديناً سواه ؛ قال الله تعالى : { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } [ آل عمران : 85 ] .
وقد بعث الله تعالى بذلك أنبياءه ؛ قال الله تعالى : { ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } [ النحل : 36 ] .
وقال تعالى : { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون } [ الأنبياء : 25 ] .
وقال تعالى : { يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم } [ البقرة : 21 ]
ولذلك كان كل رسول يقول لقومه : { يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره } ، كما قال تعالى عن نوح عليه السلام : { لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال ياقوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره } [ الأعراف : 59 ] ، إلى آخرهم وهو نبينا محمد عليه الصلاة والسلام فقال : { قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحي ويميت فآمنوا بالله ورسوله } [ الأعراف : 158 ] .
فعلى هذا لا بد من تعلم التوحيد والعمل به ، ومعرفة ما يضاده وتركه والبراءة منه ؛ حتى يقوم الإنسان بدين الإسلام الذي كلفه الله تعالى به .
وقد قال الله تعالى لأفضل الرسل وخاتمهم وسيد ولد آدم نبينا محمد ﷺ : { فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك للمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم } [ محمد : 19 ] .
وهذه الآية الكريمة ينبغي لكل مسلم أن يقف عندها ويتدبرها ؛ فإذا كان الرسول ﷺ وهو من هو يأمره ربه عز وجل بالعلم بأن لا إله إلا الله إذن ما بالك بغيره ؟!
ومن المعلوم أن هذه الآية ليست هي أول ما نزل ، بل سبقتها آيات وسور قبلها ؛ لأن «سورة محمد ﷺ» التي فيها هذه الآية مدنية ، والآيات التي سبقتها فيها الإعلام بأنه لا إله إلا الله تعالى , وفيها الأمر لرسوله ﷺ أن يدعو الناس إلى عبادة الله تعالى وحده لا شريك له , وبقي على هذا مدة طويلة , ومع ذلك كله يقول له تعالى : { فاعلم أنه لا إله إلا الله } .
وقد أمر ربنا عز وجل نبيه ﷺ في آيات كثيرة بتوحيد الله عز وجل ؛ قال تعالى : { قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين . لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين } [ الأنعام : 162 ، 163 ] .
وقال تعالى : { قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين . وأمرت لأن أكون أول المسلمين . قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم . قل الله أعبد مخلصا له ديني } [ الزمر : 11 ـ 14 ] .
وقال تعالى : { إنا أعطيناك الكوثر . فصل لربك وانحر } [ الكوثر : 1 ، 2 ] .
وقال تعالى : { قل هو الله أحد } [ الإخلاص : 1 ] .
إلى غير ذلك من النصوص التي فيها الأمر للرسول ﷺ بتوحيد الله تعالى وعبادته .
وقال تعالى محذرا نبيه ﷺ والأنبياء صلى الله عليهم وسلم من قبله من الوقوع في الشرك - مع أن الله تعالى قد عصمه وإخوانه الأنبياء من الوقوع في ذلك - : { ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين . بل الله فاعبد وكن من الشاكرين }[ الزمر : 65 ، 66 ] .
قال أبو جعفر ابن جرير في « تفسيره » ( 24 /24 ) عند تفسير هذه الآية : ( يقول تعالى ذكره : ولقد أوحى إليك ـ يامحمد ـ ربك وإلى الذين من قبلك من الرسل { لئن أشركت ليحبطن عملك } يقول : لئن أشركت بالله شيئا يا محمد ليبطلن عملك ولا تنال به ثوابا ً ولا تدرك جزاء إلا جزاء من أشرك بالله .. { وإلى الذين من قبلك } من الرسل من ذلك مثل الذي أوحي إليك منه ؛ فاحذر أن تشرك بالله شيئاً فتهلك ) اهـ .
وقد خاف خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام أن يقع في الشرك ؛ قال الله تعالى عنه : { وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام . رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم } [ إبراهيم : 35 ، 36 ] .
مع أن إبراهيم عليه السلام هو الذي كسّر الأصنام بيده ، وهو الذي أراد أن يذبح ابنه طاعة لربه ، ومع ذلك خاف أن يقع في عبادة الأصنام ، فكيف بغيره ؟ ولذلك قال مغيرة ـ وهو ابن مقسم الضبي ـ : كان إبراهيم التيمي يقص ويقول في قصصه : من يأمن البلاء بعد خليل الله إبراهيم ؟!
وقد خاف نبينا محمد ﷺ على أمته الوقوع في الشرك وحذّرهم منه ؛ قال الإمام أحمد في « مسنده » ( 4/403 ) وابن أبي شيبة في « مصنفه » ( 10/37 ) : ثنا ابن نمير ثنا عبد الملك ـ يعني ابن أبي سليمان ـ العرزمي عن أبي علي ـ رجل من بني كاهل ـ قال : خطبنا أبو موسى الأشعري فقال : يا أيها الناس اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل . فقام إليه عبد الله بن حزن وقيس بن المضارب فقالا : والله لتخرجن مما قلت ، أو لنأتين عمر مأذونا لنا أو غير مأذون . قال : بل أخرج مما قلت ، خطبنا رسول الله ﷺ ذات يوم فقال : « أيها الناس اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل » . فقال له من شاء الله أن يقول : وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله ؟ فقال : قولوا : « اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك به شيئاً نعلمه ، ونستغفرك لما لا نعلم » وهذا سياق أحمد ( ) .
وخاف عليه الصلاة والسلام على أمته أيضاً شرك السرائر وحذّر أمته من ذلك :
فأخرج أحمد ( 5/428 ، 429 ) وأبو محمد الضراب في « ذم الرياء » ( 31 ) والبيهقي في « الشعب » ( 6412 ) كلهم من طريق عمرو بن أبي عمرو عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد أن رسول الله ﷺ قال : « إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر » قالوا : وما الشرك الأصغر ؟ قال : « الرياء ؛ إن الله تبارك وتعالى يقول يوم يجازي العباد بأعمالهم : اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون بأعمالكم في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاءً » وإسناده جيد ( ) .
وما خافه ﷺ على أمته وحذّرهم منه يجب عليهم أن يحذروا منه ويخافوا من الوقوع فيه ؛ وذلك بتعلّم التوحيد ومعرفة ما يضاده والعمل بذلك .
وقد أخبر عليه الصلاة والسلام أن من أمته من سيقع في الشرك ويعبد الأوثان ؛ أخرج أحمد ( 5/278 ، 284 ) وأبو داود ( 4252 ) وابن ماجه ( 3952 ) والحاكم ( 4/449 ) وأبو نعيم في « دلائل النبوة » ( ص : 469 ) وفي « الحلية » ( 2/289 ) والبيهقي ( 9/181 ) من طرق عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان قال : قال رسول الله ﷺ : « زُويت لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها ... ولا تقوم الساعة حتى يلحق قبائل من أمتي بالمشركين ، وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان ... » ( ) .
وقال البخاري في « صحيحه » (7166) في كتاب الفتن :
باب تغيّر الزمان حتى تعبد الأوثان
ثنا أبو اليمان ثنا شعيب عن الزهري قال : قال سعيد بن المسيب : أخبرني أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال : « لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة » ( ) .
وذو الخلصة : طاغية دوس التي كانوا يعبدون في الجاهلية .
وقد بوّب عليه ابن حبان بقوله : ذكر الأخبار عن ظهور أمارات أهل الجاهلية في المسلمين .
وقد وقع بعض الصحابة ـ وبعضهم كان حديث عهد بالإسلام ـ في شيء من الشرك ، وعند ما بيّن لهم رسول الله ﷺ أن هذا من الشرك رجعوا .
كما جاء من طريق محمد بن شهاب الزهري عن سنان بن أبي سنان الديلي عن أبي واقد الليثي قال : خرجنا مع رسول الله ﷺ قِبَل حنين فمررنا بالسدرة فقلنا : أي رسول الله اجعل لنا هذه ذات أنواط كما للكفار ذات أنواط ـ وكان الكفار ينوطون سلاحهم بسدرة ويعكفون حولها ـ قال النبي ﷺ : ( الله أكبر ! هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى { اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة } [ الأعراف : 138 ] إنكم تركبون سنن الذين من قبلكم ) ( ) .
وجاء من حديث عبد الملك بن عمير عن ربعي بن حراش عن الطفيل أخي عائشة قال : قال رجل من المشركين لرجل من المسلمين : نعم القوم أنتم لولا أنكم تقولون ما شاء الله وشاء محمد . فسمع النبي ﷺ فقال : ( لا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد ، ولكن قولوا : ما شاء الله ثم شاء محمد ) ( ) .
وأخرج البخاري ( 6646 ) من حديث نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ أدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يسير في ركب يحلف بأبيه ؛ فقال : ( ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت ) .
وفي طريق آخر عنده ( 6647 ) من حديث سالم عن ابن عمر قال سمعت عمر يقول : « فو الله ما حلفت بها منذ سمعت النبي ﷺ ذاكراً ولا آثراً » ، وأخرج الحديث مسلم ( 1646 ) ، وفي الباب أحاديث أخرى .
فإذا كان بعض الصحابة رضي الله عنهم مع علوّ مكانتهم ورفيع درجتهم ووفور علمهم قد وقع منهم شيء من الشرك ، إذن فكيف بغيرهم ؟!
فالواجب على كل مسلم الاعتناء بهذا الأمر غاية الاعتناء كيف لا والشرك بالله تعالى أكبر الذنوب وأعظمها وأشدها خطراً على دين المرء ؟! قال تعالى : { إن الله لا يغفر أن يشرك به . ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } ، وقال تعالى : { إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار } .
وفي «الصحيحين» ( ) من طريق أبي وائل عن عمر بن شرحبيل عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : سألت رسول الله ﷺ : أي الذنب أعظم عند الله قال : « أن تجعل لله ندا وهو خلقك .. » الحديث .
وهو من أكثر الذنوب انتشاراً ، قال تعالى : { وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون } .
والشرك أبوابه كثيرة وصوره عديدة أخرج عبد الله بن الإمام أحمد في كتابه « السنة » ( ) من طريق مسروق وعبد الرحمن بن يزيد كلاهما عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : الربا بضع وسبعون باباً ، والشرك نحو ذلك .
ويكون العلم بالتوحيد ومعرفته والحذر من الشرك وتركه بتدبر كتاب الله عز وجل وسنة رسوله ﷺ ، ثم بمطالعة ما كتبه أهل العلم في ذلك .
* * *
وهذه أمثلة من صور الشرك :
أولا : دعاء غير الله تعالى .
مع الأسف الشديد أن كثيرا من الناس في حالة الشدة والضيق يلجأون إلى غير الله تعالى فيما لا يقدر عليه إلا الله , فيلجأون إلى المخلوقين في تفريج كربتهم وإزالة مصيبتهم , وهذا – والعياذ بالله - من الشرك الأكبر .
قال تعالى : ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ ﴾ [الأحقاف:5].
وقال تعالى : ﴿ وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ﴾ [المؤمنون:117] .
وقال تعالى : ﴿ لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ ﴾ [الرعد:14] .
أمر الله تعالى لخلقه بدعائه :
قال تعالى : ﴿ قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ﴾[لأعراف:29] .
وقال تعالى : ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِين ﴾ [ الأعراف: 55- 56 ] .
وقال تعالى : ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [لأعراف:180] .
وقال تعالى : ﴿ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً﴾ [الإسراء:110] .
وقال تعالى : ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ﴾ [النمل:62] .
وقال تعالى : ﴿ فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ [غافر:14] .
وقال تعالى : ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر:60] .
ووعد الله تعالى من دعاه بأنه يستجيب له ، وأخبر سبحانه أنه قريب من عباده ، قال تعالى : ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة:186] .
وقال تعالى : ﴿ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً﴾ [النساء: 32] .
دعاء الأنبياء والرسل والملائكة والصالحين لله :
وكان الأنبياء والرسل وأولهم نبينا محمد ﷺ يلجأون إلى الله تعالى في حالة الشدة .
قال تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام : ﴿ وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً ﴾ [ الإسراء:80 ] .
وقال أيضًا : ﴿ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً ﴾ [ طـه:114 ] .
وقال له أيضًا : ﴿ وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ ﴾ [ المؤمنون: 97- 98 ] .
وقوله تعالى : ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ﴾ [ الفلق:1- 5 ] .
وقوله تعالى : ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ﴾ [الناس:1- 6 ].
وقال تعالى عن آدم عليه السلام وزوجه : ﴿ قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [لأعراف:23] .
وقد استجاب الله تعالى لهما – فقال عز وجل : ﴿ ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى﴾ [ طـه:122] .
وقال عن نوح عليه السلام : ﴿ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [لأعراف:151] .
قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام : ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾ [إبراهيم:35] .
قال تعالى : ﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [ البقرة:127- 128] .
وقال أيضًا : ﴿ رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ * وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ * وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ * وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ ﴾ [ الشعراء 83–87 ] .
وقال عن موسى عليه السلام : ﴿ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [لأعراف:151] .
وقال أيضًا : ﴿ قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّر لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً * وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيراً * قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى ﴾ [ طه : 25- 36 ] .
وقال أيضًا : ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [القصص:16] .
وقال عز وجل مخبرًا عن الملائكة في دعائها لربها تعالى : ﴿ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [غافر:7- 8 ] .
وكذلك أهل الإيمان والصلاح يلجأون إلى الله ويدعونه في غفران ذنوبهم وتفريج كروبهم وقضاء حاجاتهم كما قال الله تعالى عنهم : ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [ البقرة:285- 286 ] .
وقال تعالى : ﴿ رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ * رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴾ [ آل عمران:9 ] .
وقال تعالى : ﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ﴾ [ آل عمران:195] .
وقال تعالى : ﴿ إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً ﴾ [ الكهف:10] .
وقال تعالى : ﴿ إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ﴾ [ المؤمنون:109] .
وقال تعالى : ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً ﴾ [ الفرقان:65] .
وقال تعالى : ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ﴾ [ الفرقان:74 ] .
والآيات في هذا المعنى كثيرة .
بل هذا ما علمناه إياه ربنا عز وجل أن ندعوه وحده لا شريك له وبين لنا ذلك في كتابه فقال في أعظم سورة في القرآن الكريم وهي سورة الفاتحة : ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ ﴾ [ الفاتحة:5- 7 ] .
وقد أمرنا الله عز وجل بالدعاء للوالدين وبين أن هذا من البر بهما والإحسان إليهما فقال : ﴿ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً ﴾ [ الإسراء:24] .
ثم يقال لهؤلاء الذين يدعون المخلوقين من دون الله تعالى إن الذين تدعونهم لا يسمعوا دعائكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم قال تعالى : ﴿ أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ * وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ * وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ * إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ * إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ * وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ * وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ﴾ [ الأعراف : 191- 198 ] .
ثانيا : الذبح لغير الله :
الذبح لله عز وجل من أعظم العبادات , ولهذا قرنه الله عز وجل بالصلاة في مواضع من كتابه , قال تعالى : ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ) ، وقال تعالى : ( فصل لربك وانحر ) .
وإذا كان الذبح من العبادات فلا يجوز صرفه لغير الله , وثبت في «صحيح مسلم» من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : حدثني رسول الله ﷺ بأربع كلمات : « لعن الله من ذبح لغير الله , لعن الله من لعن والديه , لعن الله من آوى محدثا , لعن الله من غير منار الأرض » .
وقد جاء من طريق طارق بن شهاب عن سلمان قال : دخل رجل الجنة في ذباب , ودخل النار رجل في ذباب . قالوا : وكيف ذلك ؟ قال : مر رجلان على قوم لهم صنم لا يجوزه أحد حتى يقرب له شيئا , فقالوا لأحدهما : قرب . قال : ليس عندي شيء . فقالوا له : قرب ولو ذبابا . فقرب ذبابا فخلوا سبيله . قال : فدخل النار , وقالوا للآخر : قرب ولو ذبابا . قال : ما كنت لأقرب لأحد شيئا دون الله عز وجل . قال : فضربوا عقه . قال : فدخل الجنة ( ) .
هذا في ذباب فكيف بمن يذبح لغير الله تعالى؟! مع أن الناظر في حال الناس اليوم يجد الكثير ممن ينتسب للإسلام يذبحون لغير الله عز وجل , فمنهم من يذبح للجن , ومنهم من يذبح للنبي ﷺ أو لعلي أو للحسين رضي الله عنهما , ومنهم من يذبح للأولياء والصالحين .
وأيضا من الناس من يذكر غير اسم الله عز وجل على الذبيحة , وهذا من الشرك أيضا , وقد قال تعالى : ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ﴾[البقرة: 173] , وقال تعالى : ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ﴾ [المائدة: 3] .
ثالثا : ادعاء علم الغيب :
من أبواب الشرك ادعاء علم الغيب ، وقد أخبر الله عز وجل أن الغيب له وحده لا شريك له ، قال تعالى : { قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون } .
وقال تعالى : {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير } .
وقد بين الله تعالى في كتابه أنه يخبر رسله من الملائكة أو البشر ببعض الغيب حتى يكون دليلاً على صحة رسالتهم وصدق نبوتهم وهذا بالنسبة للرسول البشري .
قال تعالى : {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول ... }.
وقال تعالى : {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء }.
وكما دلّ الشرع على هذا دلّ العقل على أن الإنسان لا يعلم الغيب فمن زعم لأحد بعلم الغيب سوى الله تعالى فقد خالف الشرع وناقض العقل وكفر بالله العظيم .
أخرج الإمام أحمد ( 2/429 ) وإسحاق بن راهويه ( 1/434 ) في «مسنديهما» والحاكم ( 1/8 ) وعنه البيهقي ( 8/135 ) وغيره من طرق عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : « من أتى عرّافاً أو كاهناً فسأله فصدَّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ﷺ » ( ) .
ففي هذا الحديث حكم عليه الصلاة والسلام بكفر من أتى إلى العرافين والكهان وصدقهم بما يقولون .
قال الطيبي : لم يكتف بكفره بل ضم إليه بما أنزل على محمد ﷺ . ( ) ا . هـ .
وقال أبو بكر بن العربي في « أحكام القرآن » ( 2/739 ) ونقله عنه القرطبي في « تفسيره » ( 7/2 ) : وأما من ادّعى علم الكسب في مستقبل العمر فهو كافر أو أخبر عن الكوائن الجملية أو المفصَّلة فيما يكون قبل أن يكون فلا ريبة في كفره أيضاً . ا . هـ .
وقد أخبر النبي ﷺ أن ادعاء معرفة الغيب عن طريق النجوم شعبة من شعب السحر أخرج ابن أبي شيبة ( 8/414 ) وأحمد ( 1/227 , 311 ) وأبو داود ( 3905 ) وابن ماجه ( 3726 ) والطبراني في « الكبير » ( 11278 ) وغيرهم كلهم من طريق عبيد الله بن الأخنس عن الوليد بن عبد الله عن يوسف ابن ماهك ( ) عن ابن عباس قال : قال رسول الله ﷺ : « من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد » .
والسحر معلوم حكمه وأخرج معمر في « جامعه » المطبوع في نهاية « مصنف عبد الرزاق » ( 19805 ) عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال : « إن قوما يحسبون أبا جاد وينظرون في النجوم ولا أرى لمن فعل ذلك من خلاق » ( ) .
وقد كثر ادعاء علم الغيب وكثر تصديق الناس بهم ، ومن ذلك قراءة الفنجان , وقراءة الكف , وضرب الودع , والخط في الأرض , فالواجب على أهل العلم والدعاة تحذير الناس من ذلك ودعوتهم إلى التزام العقيدة السلفية التي جاءت في الكتاب والسنة .
قلت : هذه بعض الأمثلة على صور الشرك , وهي كثيرة كما تقدم , فلا بد من الرجوع إلى كتب أهل العلم لمعرفة صور الشرك وأنواعه وأقسامه حتى يحذر منه العبد , وبالله التوفيق .
* * *
واعلم وفقك الله تعالى أن الشارع الحكيم كما حرم الشرك بجميع صوره وأنواعه فقد سدّ جميع طرق الشرك ، وحرّم وسائله ، وأغلق أبوابه ، تحقيقاً للتوحيد وحماية لجنابه .
قال الله تعالى: ﴿ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلاَ تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ﴾ [سبأ: 22-23] .
قال أبو عبدالله محمد بن أبي بكر الزرعي تعليقاً على هذه الآية : « وقد قطع الله الأسباب التي يتعلق بها المشركون جميعها ، قطعاً يعلم من تأمله وعرفه أن من اتخذ من دون الله ولياً فمثله كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً ، وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت ، فالمشرك إنما يتخذ معبوده لما يحصل له به من النفع ، والنفع لا يكون إلا ممن يكون فيه خصلة من هذه الأربع: إما مالك لما يريد عابده منه ، فإن لم يكن مالكاً كان شريكاً للمالك ، فـإن لم يكن شريكاً له ، كان معيناً له وظهيراً، فإن لم يكن معيناً ولا ظهيراً كان شفيعاً عنده ، فنفى سبحانه المراتب الأربع نفـياً مرتباً متنقلاً من الأعلى إلى ما دونه ، فنفى الملك والشركة والمظاهرة والشفاعة التي يطلبها المشرك ، وأثبت شفـاعة لا نصيب فيها لمشرك وهي الشفاعة بإذنه...» اهـ .
ومن وسائل الشرك التي سدّها الشارع تتبع ( ) آثار الصالحين وتقديسها ، بالصلاة فيها، والدعاء عندها، والتمسح بها .