| المجلد الخامس | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: المجلد الخامس السبت 28 نوفمبر 2015, 8:32 am | |
| المجلد الخامس ----------- طُبِعَ عَلَى نَفَقَةِ مَنْ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وجْهَ اللهِ وَالدَار الآخرةَ فجَزاهُ اللهُ عن الإسلام والمسلمينَ خيرًا وغَفَر له ولوالديه ولمن يُعيدُ طِبَاعَتَه أو يُعِيْنُ عليها أو يَتَسبَب لها أو يُشِيرُ على مَنْ يُؤمِلُ فيه الخيرَ أن يَطبَعَه وقفًا للهِ تعالى يُوزَّع على إخوانِهِ المسلمين... اللهم صل على محمد وعلى آله وسلم.
ومَنْ أراد طباعته ابتغاء وجه الله تعالى لا يريد به عرضًا من الدنيا؛ فقد أذن له، وجزى الله خيرًا مَنْ طبعه وقفًا أو أعان على طبعه أو تسبب لطبعه وتوزيعه على إخوانه المسلمين؛ فقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «مَن دَلَّ على خيرٍ فله مثل أجر فاعله» رواه مسلم، وورد عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة صانعه يحتسب في صنعته الخير والرامي به ومنبله» الحديث رواه أبو داود.
وورد عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» الحديث رواه مسلم.
طُبِع على نفقة: جماعة من المحسنين، جزاهم الله عن الإسلام والمسلمين أحسن الجزاء، وكثر أمثالهم في المسلمين... اللهم صل على محمد وآله وسلم.
يا طالبًا لعلوم الشرع مُجتهدًا ... تَبغي الفوائدَ دَانِيها وقاصِيها في الفقه أسئلةٌ تُهدَى وأجوبَةٌ ... أَلْمم بها تَرتوي من عَذب صافيها كَم حُكْمُ شَرْعِ بقال الله مُقترنًا ... أو قالهُ المُصْطَفى أودَعْتُهُ فِيها
بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الحجر س1: ما الحجر لغةً واصطلاحًا؟ وما الأصل في مشروعيته؟ وكم أسبابه؟ وهل الأولى ذكر الحجر بعد الصلح أم بعد الرهن وجه ذلك وبيِّن من هو المفلس؟ ولِمَ سمي بذلك؟ وإلى كم ينقسم الحجر؟ وكم أقسامه؟ وما هي أقسام كل قسم؟ واذكر ما يتعلق بذلك من مطالبة أو قيد أو تعميم لحكم أو دليل أو تعليل أو خلاف أو ترجيح.
ج: الحجر لغةً: التضييق والمنع، ومنه سمي الحرام حجرًا؛ لقوله تعالى: {وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً} أي حرامًا محرما، وسمي العقل حجرًا؛ لأنه يمنع صاحبه من ارتكاب ما يقبح وتضر عاقبته.
وشرعًا: منع مالك من تصدقه في ماله غالبًا سواء كن المنع من قبل الشرع كالصغير والسفيه والمجنون أو الحاكم كمنعه المشتري من التصرف في ما له حتى يقبض الثمن على ما تقدم.
والأصل في مشروعيته: قوله تعالى: { وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ } أي أموالهم؛ لكن أضيفت إلى الأولياء؛ لأنهم قائمون عليها مدبرون لها.
وقوله: {وَابْتَلُوا اليَتَامَى}، وقوله: {فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ}.
وقد فسر الشافعي -رحمه الله- السفيه بالمبذر والضعيف بالصبي والكبير المختل والذي لا يستطيع أن يمل بالمغلوب على عقله فأخبر الله تعالى أن هؤلاء ينوب عنهم أولياؤهم فدل على ثبوت الحجر عليهم.
وأسباب الحجر عشرة: الأولى: أن يكون الشروع فيه بعد انتهاء الكلام على متعلق الرهن، وكان منه الحجر الخاص على الراهن ومنعه من التصرف في الرهن إلا بإذن المرتهن.
والمفلس لغةً: من لا مال له، ولا ما يدفع به حاجته، فهو المعدم، ومنه أفلس بالحجة أي عدمها، ومنه الخبر المشهور: «من تعدون المفلس فيكم؟» قالوا: من لا درهم له ولا متاع، قال: «ليس ذلك المفلس؛ ولكن المفلس من يأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال، ويأتي وقد ظلم هذا، وأخذ من عرض هذا، فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته؛ فإن بقي عليه شيء أخذ من سيئاتهم فرد عليه، ثم طرح في النار» رواه مسلم بمعناه، فقولهم ذلك إخبار عن حقيقة المفلس؛ لنه عرهم ولغتهم وقوله ليس ذلك المفلس تجوز لم يرد به نفي الحقيقة، بل إنما أراد فلس الآخرة؛ لأنه أشد وأعظم حتى إن فلس الدنيا عنده بمنزلة الغنى الواسع وسُمِيَ بذلك؛ لأنه لا مال له إلا الفلوس، وهي أدنى أنواع المال، والمفلس عند الفقهاء من دينه أكثر من ماله، وسُمي مُفلسًا وإن كان ذا مال لاستحقاق ماله الصرف في جهة دينه فكأنه معدوم أو لما يؤول إليه مِن عدم ماله بعد وفاء دينه أو لأنه يمنع من التصرف في ماله من حاكم مَن عليه دينٌ حالٌ يعجز عنه من تصرفه في ماله الموجود حال الحجر والمتجدد بعده بإرث أو هبة أو غيرها مدة الحجر أي إلى وفاء دينه أو حكمه بفكه ولا حجر على مكلّف رشيد لا دين عليه ولا على من دينُه مؤجل ولا على قادر على الوفاء ولا من التصرف في ذمته والحجر الذي يمنع الإنسان التصرف في ماله على ضربين: أحدهما: الحجر لحق الغير كالحجر على المفلس لحق الغرماء، وعلى راهن لحق المرتهن في الرهن بعد لزومه وعلى مريض مرض الموت المخوف فيما زاد على الثلث لحق الورثة وعلى قن ومكاتب لحق سيدهما وعلى مرتد لحق المسلمين؛ لأن تركته فيء يُمنع من التصرف في ماله لئلا يفوتَه عليهم، وعلى مُشتر في جميع ماله إذا كان الثمن في البلد أو قريبًا منه بعد تسليمه المبيع لحق البائع حتى يُوفيه وتقدم وعلى شقص مشفوع بعد طلب شفيع له إن قلنا لا يملكه بالطلب لحق الشفيع والمذهب أنه يملكه بالطلب فلم يكن للمشتري شيء يحجر عليه فيه، القسم الثاني: الحجر على الشخص لحظ نفسه كالحجر على الصغير والمجنون والسفيه؛ لأن مصلحته عائدة إليهم والحجر عليهم في أموالهم وذممهم عام ولا يطالب مدين لم يحل ولا يحل ولا يحجر عليه بَدينٍ لم يحل؛ لأنه لا يلزم أداؤه قبل حلوله.
مسائل فيها احترازات ومصالح لصاحب الدين والمدين س2: من الغريم؟ وهل له منعُ مَديِنه إذ أراد سفرًا من أو تحليله مما أحرم به؟ ومتى يجب وفاء دَيِن حال؟ دلل على ما تقول.
وماذا يُعمل مع مَن خيف هروبه؟ وهل يُمكن من طلب تمكينه من الإيفاء؟ وإذا مطل المدين رب الدين حتى شكاه، فماذا يلزم الحاكم نحوه؟ وما الحكم فيما غرم بسبب المطل أو تغيب مضمون أو أهمل شريك بناء حائط بستان اتفقا عليه فتلف من ثمرته بسبب ذلك؟ واذكر ما تستحضره من دليل أو تفصيل أو تعليل أو خلاف.
ج: الغريم هنا رب الدين. قال الجوهري: الغريم الذي عليه الدين، وقد يكون الذي له الدين.
قال كثير عزة: قضى كل ذي دين فوفى غريمه وعزة ممطول معنى غريمها
ولغريم المدين إن أراد سفرًا منع مدينه من السفر ولو كان غير مخيف أو كان المدين لا يحل أجله قبل مدة السفر وليس بدين الغريم الذي يريد مدينه السفر رهن يحرز الدين أي يفي به أو ليس به كفيل مليء قادر بالدين حتى يوثق بالرهن أو الكفيل المليء لما منه من الضرر عليه بتأخير حقه بسفره وقدومه عند محله غير متيقن ولا ظاهر؛ فإن كان الرهن لا يحرز والكفيل غير مليء فله منعه حتى يوثق بالباقي، وقيل ليس له منعه إذا كان الدين لا يحل قبل مدة السفر إذا لم يخش غيبته المستمرة؛ لأن الغريم قبل حلول دينه على غريمه ليس له مطالبته ولا حبسه ولا منعه من شيء من عوائده التي لا تضر بالغريم، وأيضًا العرف جار بين الناس أنهم لا يمنعون غرماءهم الذين لا تحل ديونهم في السفر، وأيضًا كثير من الناس معاملاتهم تضطر إلى السفر ومنعه ضرر كبير وتفويت لمصالحه وربما عاد الضرر على الغريم، فهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس، والله أعلم.
وإن أراد الغريم مدين وضام السفر معًا فله منعهما ومنع أيهما حتى يوثق كما سبق وليس الغريم من أراد سفرًا لجهاد متعين لاستنفار الإمام منعه؛ لأن هذا أي الجهاد نفعه عام بخلاف الحج.
قال في «الإنصاف»: اختار الشيخ تقي الدين -رحمه الله- أن من أراد سفرًا وهو عاجز عن وفاء دينه أن للغريم منعه حتى يقيم كفيلًا ببدنه.
قال في «الفروع»: وهو متجه، قلت من «قواعد المذهب»: أن العاجز عن وفاء دينه إذا كان له حرفة يلزم بإيجار نفسه لقضاء الدَين فلا يبعد أن يمنع ليعمل. اهـ. ولا يملك ربُّ دَين تحليل المدين إن أحرم ولو بنقل لوجوب إتمامه.
قال الشيخ تقي الدين: له منع عاجز حتى يقيم كفيلًا ببدنه، أي: لأنه قد يحصل له ميسرة ولا يتمكن من مطالبته لغيبته عن بلده فيطلبه من الكفيل، ويجب وفاء دَين حال فورًا على مدين قادر بطلب ربه؛ لما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مطل الغني ظلم»، والطلب يتحقق المطل ويمهل مدين بقدر ما يتمكن به من الوفاء بأن طولب بمسجد أو سوق وماله بداره أو حانوته أو بلد آخر فيمهل بقدر ما يحضره فيه، ويحتاط رب دين إن خيف هروب المدين بملازمته إلى وفائه أو يحتاط بكفيل مليء أو توكيل في حفظه جمعًا بين الحقين، وكذا لو طلب تمكينه من الإيفاء محبوسٌ فيكمن منه ويُحتاط إن خيف هروبه كما تقدم، وكذا لو توكل إنسان في وفاء حق وطلب الإمهال لإحضار الحق فيمكن به كالموكل، وإن مَطَلَ المدينُ ربَّ الدَين حتى شكاه رَبُّ الدين وجب على حاكم ثبت لديه أمرُهُ بوفائه بطلب غريمه إن علم قدرته عليه أو جهل حاله لتعينه عليه ولم يحجر عليه لعدم الحاجة إليه ويقضي دينه بمال فيه شبهة نصًا؛ لأنها لا تُنفى شبهة بترك واجب وما غرم ربُّ دينٍ بسبب مطل مدين أحوج رب الدين إلى شكواه فعلى مماطل لتسببه في غرمه أشبه ما لو تعدى على مال لحمله أجرة وحمله لبلد آخر وغاب ثم غرم مالك أجرة حمله لعوده إلى محله الأول؛ فإنه يرجع به على من تعدى بنقله، وإن تغيب مضمون قادر على الوفاء فغرم ضامن بسببه أو غرم شخص لكذب عليه عند وليّ الأمر رجع الغارم بما غرمه على مضمون كاذب لتسببه.
قال في «شرح المنتهى»: ولعل المراد إن ضمنه بإذنه وإلا فلا فعل له في ذلك ولا تسبب وإن أهمل شريك بناء حائط بستان بينه وبين آخر فأكثر، وقد اتفق الشريكان على البناء وبنى شريكه فما تلف من ثمرة البستان بسبب ذلك الإهمال ضمن مهمل حصة شريكه منه لحصول تلفه بسبب تفريطه؛ فإن أهملا البناء فلا ضمان على كل منهما.
مسائل حول امتناع المدين عن أداء ما عليه س3: تكلم بوضوح عن أحكام ما يلي: إذا أحضر مُدّعى عليه مدّعي به لحمله مؤنة ولم يثبت لمدّع فعلى من مؤنة إحضاره وردّه إلى محله، إذا أبى مدين وفاء ما عليه فما الحكم؟ وما الذي يترتب على ذلك؟ ومن أول من حبس على الدَين؟ وكيف كان عمل الخصمين قبل ذلك؟ وما الذي يعمل مع محبوس موسر أبى دفع ما عليه؟ وإذا أصر على عدم القضاء فماذا يعمل معه؟ واذكر ما تستحضرهُ من دليل أو تعليل.
ج: إذا أحضر مدعى عليه مدعي به لحمله مؤنة لتقع الدعوى على عينه ولم يثبت المدّعي لزم المدّعى مؤنة إحضاره وردّه إلى محله؛ لأنه ألجأه إلى ذلك فيؤخذ من هذه المسائل الرجوع بالغرم على من تسبب فيه ظلمًا؛ فإن أبى مدين وفاء ما عليه بعد أمر حاكم له بطلب ربه حَبَسَهُ؛ لحديث عمرو بن الشريد عن أبيه مرفوعًا: «لَيُّ الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته» رواه أحمد وأبو داود وغيرهما، قال أحمد: قال وكيع: عرضه شكواه وعقوبته حبسه.
وفي «المغني»: إذا امتنع الموسر من قضاء الدين فلغريمه ملازمته ومطالبته والإغلاظ عليه بالقول، فليقول: يا ظالم يا معتدي ونحوه للخبر وحديث: «إن لصاحب الحق مقالًا» اهـ.
قلت: وفي قوله تعالى: {لاَ يُحِبُّ اللَّهُ الجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ القَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ} ما يدل على أنه يجوز لمن ظُلم أن يتكلم بالكلام الذي هو من السوء في جانب من ظلمه، وليس للحاكم إخراج المدين من الحبس حتى يتبين له أمره؛ لأن حبسه حكم فلم يكن له رفعه بغير رضا المحكوم له وأول مَن حبس على الدين شريح.
وكان الخصمان يتلازمان وتجب تخليَة المحبوس إن بان معسرًا رضي غريمه أولًا فيخرجه منه لقوله تعالى: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} وقد ورد في إنظار المعسر أحاديث تدل على عظم فصل إنظاره منها ما ورد عن أبي أُمامة أسعد بن زرارة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من سره أن يظله الله يوم لا ظل إلا ظله، فلييسر على معسر أو يضع عنه»، وعن بريدة عن أبيه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «مَنْ أنظر معسرًا فله بكل يوم مثله صدقة»، قال: سمعتك يا رسول الله تقول: «من أنظر معسرًا فله بكل يوم مثلاه صدقة»، قال: «له بكل يوم مثله صدقة قبل أن يحل الدّين، فإذا حل الدين فأنظره فله بكل يوم مثلاه».
وورد أن أبا قتادة كان له دَين على رجل، وكان يأتيه يتقاضاه فيختبئ منه، فجاء ذات يوم فخرج صبيٌ فسأله عنه، فقال: هو في البيت يأكل خزيرة، فناداه، فقال: يا فلان أخرج فقد أخبرت أنك هاهنا فخرج إليه، فقال: ما يُغَيّبُك عني؟ فقال: إني معسر وليس عندي شيء، قال: آلله إنك معسر؟ قال: نعم، فبكى أبو قتادة، ثم قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «من نفس عن غريمه أو محا عنه كان في ظل العرش يوم القيامة» رواه مسلم.
وإن برئ المدين من غريمه بوفاء أو إبراء أو حوالة وجب إطلاقه لسقوط الحق عنه، وكذا إن رضي غريمه بإخراجه من الحبس بأن سأل الحاكم إخراجه وجب إطلاقه؛ لأن حَبْسَه حقٌ لربِّ الدين وقد أسقطه وإن أصَر المَدِينُ المليء على الحبس ولم يقبض الدين باع الحاكم ماله وقضى دينه؛ لما ورد عن كعب بن مالك «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حجر على معاذ ماله وباعه في دَينٍ كان عليه» رواه الدارقطني.
وعن عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال: كان معاذ بن جبل شابًا سخيًا وكان لا يمسك شيئًا فلم يزل يُدّان حتى أغرق ماله كله في الدين، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فكلمه ليكلم غرماءه فلو تركوا لأحد لتركوا لمعاذ لأجل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فباع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- له ماله حتى قام معاذ بغير شيء، رواه سعيد في «سننه» هكذا مرسلًا.
وقال جماعة منهم صاحب الفصول: إذا أصّر على الحبس وصبر عليه ضربه الحاكم، قال في الفصول وغيره: يحبسه؛ فإن أبى عزره، قال: ويكرر حبسه وتعزيره حتى يقضيه.
قال الشيخ: نصَّ عليه الأئمة من أصحاب أحمد وغيرهم ولا أعلم فيه نزاعًا؛ لكن لا يُزاد في كل يوم على أكثر التعزير إن قيل بتقديره، وقال الشيخ: ومن طولب بأداء حق عليه من دَين أو غيره فطلب إمهالًا بقدر ما يتمكن فيه من الأداء أمهل بقدر ذلك كما تقدم.
مسائل حول عسرة المدين س4: تكلم بوضوح عن أحكام ما يلي: مطالبةُ ذي عسرة بما عجز عنه وملازمته والحجر عليه، إذا ادّعى المدين العسرة ودَينه عن عوض أو عرف له مال سابق أو عن غير عوض، وإذا كان هناك بيّنة فما الذي يعتبر فيها؟ وهل يحلف معها، إذا ادعى تلفًا؟ وما الفرق بين ما إذا شهدت بنحو تلف أو بعسرة ومتى تسمع البيّنة، إذا طلب مدّعي العسرة من الحاكم أن يسأل رب الدين عن عسرته، إذا أنكِر مدّعي عسرته وأقام بيّنة بقدرته على الوفاء أو حلف بحسب جوابه، ما بذله الغريم للمحبوس، إنكار المعسر وحلفه، إذا سأل غرماؤه مَن له مال لا يفي بدينه أو سأل بعضهم الحاكم الحجر عليه، إظهار حجرِ سَفَهٍ وفلس والإشهاد على الحجر، واذكر الدليل والتعليل والخلاف والترجيح.
ج: وتحرم مطالبة ذي عسرة بما عجز عنه وتحرم ملازمته والحجر عليه إن كان عاجزًا عن وفاء شيء منه؛ لقوله تعالى: { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ}.
وقوله -صلى الله عليه وسلم- في الذي أصيب في ثماره: «خذوا ما وجدتن وليس لكم إلا ذلك» رواه مسلم.
قال ابن القيم: ولم يحبس النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا يحبس في الدين ولو كان في مقابلته عوض إلا أن يظهر بقرينة أنه قادر مماطل؛ لأن الحبس عقوبة والعقوبة إنما تسوغ بعد تحقق سببها وهي من جنس الحدود، ولا يجوز إيقاعها بالشبهة، بل يتثبت الحاكم ويتأمل حال الخصم ويسأل عنه؛ فإن تبيّن له مطله وظلمه ضربه إلى أن يوفي أو حبسه ولو أنكر غريمه إعساره؛ فإن عقوبة المعذور شرعًا ظلم وإن لم يتبيّن له من حاله شيء أخّره حتى يتبين له حاله وإن ادّعى المدين العسرة ولم يصدقه ربُّ الدين ودينه عن عوض كثمن مبيع وبدل قرض أو عرف له مال سابق، والغالب بقاؤه أو كان دينه عن غير عوض مالي كمهر وعوض خلع وأرش جناية وضمان وقيمة متلف ونفقة زوجة، وكان المدين أقرّ أنه مليء حبس؛ لأن الأصل بقاء المال ومؤاخذة له بإقراره إلا أن يقيم المدين بيّنة بإعساره ويعتبر في البينة الشاهدة بإعْسَارِهِ وأن تخبر باطن حاله؛ لأن الإعسار من الأحوال الباطنة التي لا يطلع عليها في الغالب إلا المخالط، وهذه الشهادة وإن كانت تتضمن النفي فهي تثبت حالة تظهر وتقف عليها المشاهدة وهي العسرة بخلاف ما لو شهدت أنه لا حق له؛ فإنه مما لا يوقف عليه ولا يحلف المدين مع البينة الشاهدة بإعساره لما فيه من تكذيب البيّنة أو أن يدعي تلفًا لما له أو نفاد ماله في نفقة أو غيرها ويقيم بيّنة بالتلف ونحوه ولا يعتبر فيها أن تخبر حاله؛ لأن التلف يطلع عليه مَن خَبَرَ بَاطن حاله وغيره ويحلف المدين مع البيّنة الشاهدة بتلف ماله ونحوه إن طلب رب الحق يمينه؛ لأن اليمين على أمر محتمل غير ما شهدت به البينة، والفرق أن بينة المعسر إن شهدت بنحو تلف حلف معها ولم يعتبر فيها خبرة الباطن، وإن شهدت بعسرة اعتبر فيها خبرة الباطن ولم يحلف معها ويكتفي في الشهادة بعسرته اثنين كالنكاح والرجعة ويكفي في الإعسار أن تشهد به، وفي التلف أن تشهد به فلا يعتبر الجمع بينهما وتسمع بينة الإعسار والتلف ونحوه قَبْل حبْسٍ كما تُسمع بَعد الحبس؛ لأن كل بيّنة جاز سماعها بعد مدة جاز سماعها في الحال وإن سأل مدع حاكمًا تفتيش مدين مُدعيًا أن المال معه لزمه إجابته، أو إلا أن يسأل مدين سؤال مدع عن حاله ويصدقه مدع على عسرته فلا يحبس في المسائل الثلاث.
وهي ما إذا أقام بينة بعسرته أو تلف ماله ونحوه أو صدقه مدع على ذلك، وإن أنكر مدّع عسرته وأقام بيّنة بقدرة المدين على الوفاء ليُسقط عنه اليمين حبس أو حلف مدع بحسب جوابه للمدين حبس المدين حتى يبري أو تظهر عسرته، وإن لم يكن دينه عن عوض كصداق ولم يعرف له مال الأصل بقاؤه ولم يقرّ أنه مليء ولم يحلف مدّع طلب يمينه أن لا يعلم عسرته حلف مدين أنه لا ماله وخلى سبيله؛ لأن الحبس عقوبة ولا يعلم له ذنب يعاقب به ولا يجب الحبس بمكان معين، بل المقصود تعويقه عن التصرف حتى يؤدي ما عليه ولو في دار نفسه بحيث لا يمكن من الخروج، وفي «الاختيارات»: ليس له إثبات إعساره عند غير من حبسه بلا إذنه وليس على محبوس قبول ما يبذله غريمه مما عليه مِنَّةٌ كغير المحبوس وإن قامت بيّنة بمعين لمدين فأنكر ولم يقربه لأحد أو أقربه لزيد مثلًا فكذبه قضى منه دين وإن صدقه زيد أخذه بيمين ولا يثبت الملك للمدين؛ لأنه لا يدعيه.
قال في «الفروع»: وظاهر هذا أن البينة هنا لا يعتبر لها تقدم دعوى وإن كان له بيّنة قدمت لإقرار رب اليد وإن أقر به لغائب، فقال ابن نصر الله: الظاهر أنه يقضي منه دينه؛ لأن قيام البينة به له تكذبه في إقراره مع أنه متهم فيه وحرم إنكاره معسر وحلفه لا حق له، ولو تأول كقوله لا حق علي الآن لظلمه ربُّ الدين فلا ينفعه التأويل.
وفي «الإنصاف»: لو قيل بجوازه إذا تحقق ظلم ربّ الحق له وحبسه ومنعه من القيام على عياله لكان له وجه. اهـ.
وفي «الرعاية»: والغريب العاجز عن بيّنة إعساره يأمر الحاكم مَن يَسأل عنه، فإذا ظن السائل إعساره شهد به عنده.
قال في «الإنصاف»: وقال الشيخ تقي الدين: إن ضاق ماله عن ديونه صار محجورًا عليه بغير حكم حاكم، وهو رواية عن أحمد. وهذا القول أرجح وأقرب إلى الصواب فيما أرى، والله أعلم.
وإن سأل الحاكم غرماء من له مال لا يفي بدينه الحال الحجر عليه أو سأله بعضهم الحجر على المدين لزم الحاكم إجابتهم وحجر عليه؛ لحديث كعب بن مالك «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حجر على معاذ وباع ماله» رواه الخلال.
فإن لم يسأل أحد منهم لم يحجر عليه ولو سأله المفلس ويُسن إظهار حجر سفه وفلس ليعلم الناس حالهما فلا يعاملان إلا على بصيرة وسُنّ الإشهاد على الحجر؛ لذلك ليثبت عند من يقوم مقام الحاكم ولو عزل أو مات فيضمنه ولا يحتاج إلى ابتداء حجر ثان.
من النظم فيما بكتاب الحجر وللحجر أسباب ثمانية أتت ... تفرع من ضربين عند التفقدِ فحجر لحق الغير كالمفلس الذي ... يَهَي ماله عن دينه الحال فاشهدِ فلا تطلبنّ شخصًا بدِينٍ مؤجلٍ ... ولا تحجرن من أجله وتَقَيَّدِ سوى راحلٍ حَلَّ الوَفَا قبل عوده ... كغازٍ وإلا لا وعنه إن تشا اصددِ إذا لم يوثق بالضمين ورهنه ... ومِنْ قَادرٍ يقضي فإن يأب يضهد بحبس فإن يصبر فبع واقض قد قضى ... ديون معاذ أحمد فيه اقتدى وعنه بإفلاس وموت يحل ما ... تأجل إلا أن يوثق ذو اليد بمحرز دَين أو بمقدار إرثه ... وعنه بلا شرط وعنه إن يُلحَّدِ وما كان للناوي وللمفلسين من ... مؤجل دَين لم يحل بما ابتدى وأن يدع الإعسار من كان موسرًا ... ومعتاض دَين عن ديون فقيد إلى أن يقيم الشاهدين بما ادّعى ... ويحلف إن يثبت توى ماله قد وإن يثبت الإعسار لا تحلفنه ... إذا أخبروا في الباطن العسر قيد وعن أحمد الإعسار بعد الغنى فلا ... تثبته إلا مع ثلاثة شهد ويسمع قبل الحبس فيه وبعده ... بعسرته قول الشهود فسدد وإن لم يكن ذا الدَين عوض ولم ... يكن يسار قيل احلف وشردِ وما يتصرف قبل حجر فامضه ... بغير خافٍ عند أصحاب أحمد وإن يعترف من قبل حجر بما حوى ... لهذه فتكذبه فمن ماله أعدد وذاك لهند إن تصدّق وإن تشا الغريم ... يحلف هند لا صاحب السيد
الأحكام التي تتعلق بالحجر على المفلس س5: كم الأحكام التي تتعلق بالحجر على المفلس؟ وما حكم إقرار المفلس على ماله؟ وما حكم تصرفه في ماله ببيع أو غيره؟ وبأي شيء يُكفر المفلس والسفيه وجه ذلك؟ وما حكم تصرف محجور عليه لفلس في ذمته وإذا جنى محجور عليه لفلس فهل يشارك المجني عليه الغرماء؟ وما الذي يتعلق به الحجر؟ وهل يتبع محجور عليه بما لزمه في ذمته بعد الحجر؟ واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل أو خلاف أو ترجيح.
ج: يتعلق بحجر على مفلس أربعة أحكام أحدُها تعلق حق غرمائه بماله الموجود والحادث بنحو إرث؛ لأنه يباع في ديونهم فتعلقت حقوقهم به كالرهن مَن سأل الحجر وغيره فلا يصح أن يقربه المفلس على الغرماء ولو كان المفلس صانعًا كقصار وحائك وأقر بما في يده من المتاع لأربابه لم يقبل ويباع حيث لا بيّنة ويقسم ثمنُهُ بين الغرماء ويتبع به بعد فك الحجر عن، ولا يصح أن يتصرف فيه المفلس بغير تدبير ووصية؛ لأنه لا تأثير لذلك إلا بعد الموت وخروجها، من الثلث؛ ولأن المدر يصح بيعه ولا يعتق إلا إذا خرج من الثلث بعد وفاء الديون.
وفي «المستوعب»: وغيْر صدَقَةٍ بتافهٍ فيصح زاد في «الرعاية» بشرط أن لا يضر.
قال في «الإنصاف»: قلت إذا كانت العادة مما جرت به وتسومح بمثله فينبغي أن يصح تصرفه فيه بلا خلاف.
وفي «شرح المنتهى»: والمراد تصرفًا مستأنفًا كبيع وهبة ووقف وعتق وصداق ونحوه؛ لأنه محجور عليه فيه أشبه الراهن يتصرف في الرهن؛ ولأنه متهم في ذلك؛ فإن كان التصرف غير مستأنف كالفسخ لعيب فيما اشتراه قبل الحجز أو الإمضاء أو الفسخ فيما اشتراه قبله بشرط الخيار، صح؛ لأنه إتمام لتصرف سابق حجره فلم يمنع منه كاسترداد وديعة أودعها قبل حجره، ولا يتقيد بالأحظ وتصرفه قبل الحجر عليه صحيح ولو استغرق دَينه جميع ماله؛ لأنه رشيد غير محجور عليه؛ ولأن سبب المنع الحجر فلا يتقدم سببه ويحرم إن أضر بغريمه، وقيل: لا ينفذ تصرفه ذكره الشيخ تقي الدين وحكاه رواية واختاره، وسأله جعفر من عليه دَين يتصدق بشيء؟ قال: الشيء اليسير، وقضاء دَينه أوجب عليه.
قلت: وهذا القول هو الصواب خصوصًا وقد كثرت حيل الناس، وجزم به في القاعدة الثالثة والخمسين، انتهى من «الإنصاف».
وقال ابن القيم: إذا استغرقت الديون ماله لم يصح تبرعه بما يضر بأرباب الديون سواء حجر عليه الحاكم أو لم يحجر عليه، هذا مذهب مالك، واختاره شيخنا وهو الصحيح، وهو الذي لا يليق بأصول المذهب غيره، بل هو مقتضى أصول الشرع وقواعده؛ لأن حق الغرماء قد تعلق بماله، ولهذا يحجر عليه الحاكم، ولولا تعلق حق الغرماء بماله لم يسع الحاكم الحجر عليه فصار كالمريض مرض الموت، وفي تمكين هذا المدين من التبرع إبطال حقوق الغرماء والشريعة لا تأتي بمثل هذا؛ فإنما جاءت بحفظ حقوق أرباب الحقوق بكل طريق وسد الطرق المفضية إلى إضاعتها. اهـ.
ولا يصح أن يبيع المفلس ماله لغرمائه كلهم أو بعضهم بكل الدَين؛ لأنه ممنوع من التصرف فيه فلم يصح بيعه، كما لو باعه بأقل من الدين؛ ولأن الحاكم لم يحجر عليه إلا لمنعه من التصرف والقول بصحة التصرف يبطله، وهذا بخلاف بيع الرهن للمرتهن؛ لأنه لا نظر للحاكم فيه بخلاف مال المفلس لاحتمال غريم غيرهم وعليه، فلو تصرف في استيفاء دين أو المسامحة فيه ونحوه بإذن الغرماء لم يصح ونقل المجدّ في شرحه أن كلام القاضي وابن عقيل يدل على صحته ونفوذه ويكفّر المفلس بصوم لئلا يضر بغرمائه ويكفّر سفيه بصوم لا يعتق وجوبًا، وقيل: إن السفيه الغني يكفّر بالمال كغيره؛ لعموم الأدلة، وهذا القول هو الذي يترجح عندي، والله أعلم.
وعَلَّلَ أهل القول الأول بقولهم؛ لأن إخراجها من ماله يضر به وللمال المكفر به بدل وهو الصوم فرجع إليه، كما لو وجبت الكفارة على من لا مال له إلا إن فك حجره وقدر على ما يكفّر به قبل تكفيره، فكموسر لم يحجر عليه قبل ذلك فيكفّر بالعتق؛ لأن العبرة في الكفارات وقت الأداء على قوله مرجوح، ويخير من أيسر قبل تكفيره بين فعل العتق والصوم، إذ المعتبر في الكفارات وقت الوجوب، وإن تصرف محجور عليه لفلس في ذمته بشراء أو إقرار ونحوهما كإصداق وضمان، صح؛ لأهليته للتصرف والحجر يتعلق بماله لا بذمته ويتبع محجور عليه لفلس بما لزمه في ذمته بعد الحجر عليه بعد فك الحجر عنه؛ أنه حق عليه منع تعلقه بماله لحق الغرماء السابق عليه، فإذا استوفى فقد زال المعارض وعلم منه أنه لا يشارك الغرماء سواء علم من عامله بعد الحجر أنه محجور عليه أم لا، إلا أن الجاهل يرجع بعين ما باعه أو نحوه بشروطه الآتية، وإن جنى محجور عليه لفلس جناية توجب مالًا أو قصاصًا واختير المال شارك مجني عليه الغرماء لثبوت حقه على الجاني بغير اختيار المجني عليه ولم يرض بتأخيره كالجناية قبل الحجر وقدم مَن جنى عليه من قن المفلس بالقن الجاني لتعلق حقه بعينه، والمراد بلا إذن السيد أو به حيث علم التحريم وعدم وجوب الطاعة وإلا فيذمه سيد فيكون أسوة الغرماء كما لو جنى السيد نفسه.
الحكم الثاني من وجد عين ماله عند من أفلس س6: الحكم الثاني مَنْ وجد عين ماله عند من أفلس تكلم عنها بوضوح، وبين حكم ما إذا قال المفلس: أنا أبيعها وأعطيك ثمنها أو بدلها غريمٌ أو خرجت وعادت في ملكه، وكم الشروط المشترطة لرجوع مرة وجد عين ماله عند مرة أفلس وإذا اختلطت بغيرها أو تغيرت أو تعلق بها حق أو زادت أو نقصت فما الحكم؟ وبأي شيء يكون الرجوع بها؟ وإذا رجع بما أبق أو شبهه بغيره أو فيما ثمنه مجل أو صيدٍ وهو مُحرمٌ، فما الحكم؟ وما الذي لا يمنعُ الرجوع فيها؟ وإذا كان المبيع أرضًا وفيها غراس أو زرع ورجع رب الأرض فيها، فما الحكم؟ وبين ما يترتب على ذلك من الصور والاختلاف والأحكام. واذكر ما يتعلق بذلك من قيود أو محترزاتٍ أو إلزاماتٍ أو ضمانٍ أو موتٍ أو دليلٍ أو تعليلٍ أو تفصيلٍ أو خلافٍ مع الترجيح لأحد القولين.
ج: الحكم الثاني: أن من وجد عين ما باعه للمفلس أو عين ما أقرضه له أو عين ما أعطاه له رأس مال سلم فهو أحق بها أو وجد شيئًا أجره للمفلس ولو كان المؤجر للمفلس غريمُ المفلس ولم يمض مِن مدة الإجارة زمنٌ له أجرة فهو أحق به وإن مضى من المدة شيء فلا فسخ تنزيلًا للمدة منزلة المبيع ومضى بعضها كتلف بعضه، وكذا لو استؤجر لعمل معلوم؛ فإن لم يعمل منه شيئًا فله الفسخ، وإلا فلا أوجد نحو ذلك كشقص أخذه المفلس منه بالشفعة ولو كان بيعه أو قرضه ونحوه بعد حجره جاهلًا بالحجر البائع أو المقرض أو نحوهما فواجد عين ماله فمن تقدم أحق بها؛ لما ورد عن الحسن عن سمرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَن وجَدَ مَتَاعَه عند مفلس بعينه فهو أحق به» رواه أحمد.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من أدرك ماله بعينه عند رجل أفلس أو إنسان قد أفلس هو أحق به من غيره» رواه الجماعة.
وفي لفظ: قال في الرجل الذي يُعْدِم إذا وجد عنده المتاع ولم يُفرقهُ: «إنه لِصَاحِبِه الذي باعَه» رواه مسلم والنسائي.
وفي لفظ: «أيما رجل أفلس فوجد رجل عنده ماله ولم يكن اقتضى من ماله شيئًا فهو له» رواه أحمد.
وعن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ابن هشام: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أيما رجل باع متاعًا فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض الذي باعهُ من ثمنه شيئًا فوجد متاعه بعينه فهو أحق به» الحديث رواه مالك في «الموطأ»، وبه قال عثمان وعليّ، قال ابن المنذر: لا نعلم أحدًا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- خالفهما؛ وأما من عامله بعد الحجر جاهلًا فلأنه معذور وليس مقصر بعدم السؤال عنه؛ لأن الغالب على الناس عدم الحجر؛ فإن علم بالحجر فلا رجوع له فيها لدخوله على بصيرة ويتبع ببدلها على فك الحجر عنه، وحيث كان ربها أحقٌّ بها؛ فإنه يقدم بها، ولو قال المفلس: أنا أبيعها وأعطيك ثمنها، لم يلزم قبوله وله أخذ سلعته نصًا؛ لعموم الخبر؛ فإن بذل الغرماء لصاحب السلعة التي أدركها ربها بيد المفلس الثمن من أموالهم أو خصّوه بثمنها من مال المفلس ليتركها لم يلزم ربّ السلعة قبوله ولو أخذها؛ لعموم ما سبق. وقيل: إنه إذا حصل له ثمن سلعته على أي وجه كان لم يكن له أخذها؛ لأن الشارع إنما خصّه وجعل له الحق في أخذها خوفًا من ضياع ماله فينظر إلى المعنى الشرعي، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس، والله أعلم.
وإن دفع الغراء إلى المفلس الثمن فبذله المفلس لربِّ السلعة لم يكن له الفسخ واستقر البيع لزوال العجز عن تسليم الثمن فزال ملك الفسخ كما لو أسقط الغرماء حقهم عنه أو وُهِبَ له مالٌ فأمكنه الأداء منه أو غلت أعيان ماله فصارت قيمتها وافية بحقوق الغرماء بحيث يمكنه أداء الثمن كله وهو أحق بها إن شاء ولو بعد خروجها عن ملك المفلس وعودها إليه بفسخ أو شراء أو نحو ذلك، كإرث وهبة ووصية، فلو اشتراها المفلس ثم باعها ثم اشتراها فهي لأحد البائعين بقرعة فأيهما قرع كان أحق بها؛ لأنه يصدق على كل منهما أنه أدرك متاعهُ عند من أفلس فتقديم أحدهما ترجيح بلا مرجح فاحتجنا إلى تمييزه بالقرعة؛ فإن ترك أحدُهما فللثاني الأخذ بلا قرعة ولا تقسم بينهما لئلا يفضي إلى سقوط حقهما من الرجوع فيها، فلا يقال كل من البائعين تعلق استحقاقه بها، بل يقال: أحدهما أحق بأخذ لا بعينه فيميز بقرعة والمقروع أسوة الغرماء، وقيل: إنها للبائع الثاني، وهذا القول هو الذي تميل إليه النفس، والله أعلم.
ومن قلنا إنه أحق بمتاعه الذي أدركه له تركه والضرب أسوة الغرماء –وشُرط لرجوع من وجد عين ماله عند من أفلس ستة شروط: واحد في المفلس: هو كونه حيًا، وواحد في العوض، وأربعة في العين، وزاد في «الإقناع» سابعًا: وهو كونه صاحب العين حيًا، وقال به جمع منهم صاحب «الترغيب» و«الرعاية الكبرى»، وقدمه في «الرعاية الصغرى» و«الفائق»، والزركشي، و«التلخيص».
أحدُها: كون مفلس حيًا إلى أخذها؛ لحديث أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أيما رجل باع متاعه فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئًا فوجد متاعه بعينه فهو أحق به، وإن مات المشتري فصحب المتاع أسوة الغرماء» رواه مالك وأبو داود مرسلًا، ورواه أبو داود مسندًا، وقال: حديث مالك أصح؛ ولأن الملك انتقل إلى الورثة أشبه لما لو باعه.
والشرط الثاني: بقاء كل عوض العين في ذمة المفلس للخبر، ولما في الرجوع في قسط باقي العوض من التشقيص وأضرار المفلس والغرماء لكونه لا يرغب فيه كالرغبة في الكامل.
والثالث: كون السلعة في ملك المفلس فلا رجوع إن تلف بعضها أو بيع أو وقف أو نحوه؛ لأن البائع ونحو لم يدرك متاعه، وإنما أدرك بعضه ولا يحصل له بأخذ البعض فصل الخصومة وانقطاع ما بينهما وسواء رضي بأخذ الباقي بكل الثمن أو بقسطه لفوات الشرط إلا إذا جمع العقد عددًا كثوبين فأكثر فيأخذ بائع ونحوه مع تعذر بعض المبيع ونحوه بتلف إحدى العينين أو بعضه ما بقي من العين السالمة؛ لأن السالم من العينين وجده ربه بعينه فيؤخذ؛ لعموم الخبر، أو لا يجمع العقد عددًا لكن كان المبيع ونحوه مكيلًا أو موزونًا كقفيز بر وقنطار حديد تلف بعضه فيأخذ بائع ونحوه مع تعذر بعض المبيع ونحوه بتلف أحد العينين أو بعضه ما بقي؛ لأن السالم من البيع وجده البائع بعينه عند إنسان قد أفلس فهو أحق به.
وهذا بخلاف ما لو كانت العينان بحالها فقبض من الثمن مقدار ثمن أحدهما؛ فإنه يمنع الرجوع في العينين أو في إحداهما، والفرق أن المقبوض من الثمن يقسط على المبيع فيقع القبض من ثن كل واحدة بخلاف التلف؛ فإنه لا يلزم من تلف إحداهما تلف شيء من الأخرى.
والرابع: كون السلعة بحالها، ومعنى ذلك بأن لم تنقص ماليتها لذهاب صفة من صفاتها مع بقاء عينها بأن لم توطأ بكر ولم يجرح قن جرحًا تنقص به قيمته؛ فإن وطئت أو جرح فلا رجوع.
وقيل: لا يمنع الرجوع؛ لأنه فقد صفة فأشْبه نسيان الصنعة واستخلاق الثوب، فإذا رجع نظرنا في الجرح؛ فإن كان ممالًا أرش له كالحاصل بفعل الله تعالى أو فعل بهيمة أو جناية المفلس أو جناية عبده أو جناية العبد على نفسه فليس له مع الرجوع أرش، وإن كان الجرح موجبًا لأرش كجناية الأجنبي فللبائع إذا رجع أن يضرب مع الغرماء بحصة ما نقص من الثمن فينظركم نقص من قيمته فيرجع بقسط ذلك من الثمن؛ لأنه مضمون على المشتري للبائع بالثمن، وهذا القول هو الذي تميل إليه النفس؛ لأن عين ماله باقية لم تتلف، والله أعلم.
ويكون صاحب الحين أسوة الغرماء عند من لم ير الرجوع لما تقدم، وبأن لم تختلط بغير متميز؛ فإن خُلِطَ زيتٌ بزيت ونحوه فلا رجوع؛ لأنه لم يجد عين ماله بخلاف خلط بر بحمص فلا أثر له.
قال في «الإنصاف»: قال الزركشي، وقد يقال: ينبني على الوجهين في أن الخلط هل هو بمنزلة الإتلاف أم لا؟ ولا نسلم أنه لم يجد عين ماله، بل وجده حكمًا. انتهى.
قلت: الصحيح من المذهب أن الخلط ليس بإتلاف وإنما هو اشتراك على ما يأتي بكلام المصنف في باب الغصب في قوله: وإن خلط المغصوب بماله على وجه لا يتميز. اهـ. (5/290).
وقال مالك: يأخذ زيته، وقال الشافعي: إن خلط بمثله أو دونه لم يسقط الرجوع، وله أن يأخذ متاعه بالكيل أو الوزن، وإن خلطه بأجود، ففيه قولان: أحدهما: يسقط حقه من العين، قال الشافعي: وبه أقول، واحتجوا بأن عين ماله موجودة من طريق الحكم فكان له الرجوع، كما لو كانت منفردة؛ ولأنه ليس فيه أكثر من اختلاط ماله بغيره فلم يمنع الرجوع كما لو اشترى ثوبًا فصبغه أو سويقًا ففته. اهـ من «المغني» (5/527)، وهذا القول هو الذي تميل إليه النفس. والله أعلم.
وإن اشترى حنطة فطحنها أو زرعها أو دقيقًا فخبزه أو زيتًا فعمله صابونًا أو ثوبًا فقطعه قميصًا أو غزلًا فنسجه ثوبًا أو خشبًا فنجره أبوابًا أو شريطًا فعمله إبرًا أو شيئًا فعمل به ما أزال اسمه سقط حق الرجوع، وقال الشافعي: فيه قولان: أحدهما – وبه أقول: يأخذ عين ماله ويعطي قيمة عمل المفلس فيها؛ لأن عين ماله موجودة وإنما تغير اسمها فأشبه ما لو كان المبيع حملًا فصار كبشًا أو وديًا فصار نخلًا، وهذا القول هو الذي يترجح عندي؛ لأنه وجد عين ماله. والله أعلم.
وإن كان حبًا فصار زرعًا أو زرعًا فصار حبًا أو نوى فنبت شجرًا أو بيضًا فصار فراخًا سقط حق الرجوع، وقيل: لا يسقط وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي المنصوص عليه منهما؛ لأن الزرْعَ نفس الحَب والفرخ نفس البيضة، وهذا القول أيضًا هو الذي تميل إليه النفس. والله أعلم.
والخامس: كون السلعة لم يتعلق بها حق كشفعة إذا كان قبل الطلب وأما بعده فقد دخل في ملك الشفيع به؛ فإن تعلق بها حق شفعة فلا رجوع لسبق حق الشفيع ثبت بالبيع وحق البائع ثبت بالحجر والسابق أولى، قال في «الفروع»: فله أسوة الغرماء في الأصح، وقيل: لا يمتنع الرجوع، وقيل: الشفيع أحق به، وقيل: إن طالب الشفيع امتنع وإلا فلا والذي يترجح عندي أن له الرجوع لعموم الخبر، والله أعلم.
وإن كان المبيع عبدًا فجنى ثم أفلس المشتري فالبائع أسوة الغرماء؛ لأن الرهن يمنع الرجوع وحق الجناية مقدم عليه فأولى أن يمنع.
وقيل: له الرجوع؛ لأنه حق لا يمنع تصرف المشتري فيه بخلاف الرهن فعلى المذهب حكمه حكم الرهن، وعلى الثاني هو مخير إن شاء رجع فيه ناقصًا بإرش الجناية وإن شاء ضرب بثمنه مع الغرماء؛ فإن رهن المفلس المبيع ثم حجر عليه؛ فإنه يُقدم حق بالمرتهن على حق البائع فلا رجوع لربّه فيه؛ لأن المفلس عقد قبل الحجر عقدًا منع به نفسه من التصرف فيه فمنع باذله بالرجوع فيه كالهبة؛ ولأن رجوعه إضرار المرتهن ولا يزال الضرر بالضرر؛ فإن كان دَين المرتهن دون قيمة الرهن بيع كله ورد باقي ثمنه في المقسم وإن بيع بعضه لوفاء الدين فباقيه بين الغرماء وإن أسقط الحق ربه كإسقاط الشفيع شفعته وَوَلي الجناية أرشها وردّ المرتهن الرهن فكما لو لم يتعلق بالعين حق فلربما أخذها لوجدانها بعينها خالية من تعلق حق غيره بها.
السادس: كون السلعة لم تزد زيادة متصلة كسمن وتعلم صنعة ككتابة ونجارة ونحوها، وتجدد حمل في بهيمة؛ فإن زادت كذلك لا رجوع؛ لأن الزيادة للمفلس لحدوثها في ملكه فلم يستحق ربّ العين أخذها كالحاصلة بفعله؛ ولأنها لم تصل إليه من البائع فلم يستحق أخذها منه كغيرها من أمواله، ويفارق الردّ بالعيب؛ لأنه من المشتري فقد رضي بإسقاط حقه من الزيادة والخبر محمول على من وجد متاعه على صفته ليس بزائد لتعلق حق الغرماء بالزيادة، وروي عن الإمام أحمد أنها لا تمنع وهو مذهب مالك والشافعي؛ لأن مالكًا يخير الغرماء بين أن يعطوه السلعة أو ثمنها الذي باعها به واحتجّوا بالخبر وبأنه فسخ لا تمنع منه الزيادة المنفصلة فلم تمنع المتصلة كالردّ الغيب، وهذا القول الذي يترجح عندي لما تقدم، ولأنها زيادة لا تتميز فتبعت الأصل، والله أعلم.
ولا يُمنع الرجوع الحمل، إن ولدت البهيمة عند المفلس؛ لأنه زيادة منفصلة ككسب العبد ويصح رجوع المدرك لمتاعه عند المفلس بشرطه بقول كرجعت في متاعي أو أخذته أو استرجعته أو فسخت البيع إن كان مبيعًا أو متراخيًا كرجوع أبٍ في هبة فلا يحصل رجوعه بفعل كأخذ العين ولو نوى به الرجوع بلا حاكم لثبوته بالنص كفسخ المعتقة ورجوعُ من أدرك متاعه عند المفلس فسخ، وقد لا يكون ثم عقد يفسخ كاسترجاع زوجٍ الصداق إذا انفسخ النكاح على وجه يسقط قبل فلس المرأة وكانت باعته ونحوه ثم عاد إليها وإلا فيرجع إلى ملكه قهرًا حيث استمر في ملكها بصفته ولا يفتقر الرجوع إلى شروط البيع من المعرفة والقدرة على التسليم؛ لأنه ليس ببيع فلو رجع فيمن أبق صحّ رجوعه وصار الآبق للراجع في متاعه؛ فإن قدر الراجح على الآبق أخذه، وإن عجز عنه أو تلف بموت أو غيره فهو من ماله، أي: الراجح لدخوله في ملكه بالرجوع وإن بان تلفه حين رجع بأن تبين موته قبل رجوعه ظهر بطلان استرجاعه لفوات محل الفسخ ويضرب له بالثمن مع الغرماء وإن رَجَعَ بشيء اشتبه بغيره بأن رجع في عبده مثلًا وله عبيد واختلفَ المفلسُ وربهُ فيه قُدَّمَ تعيين مفلس؛ لأنه ينكر دعوى الراجع إستحقاق الرجوع معه، ومن أراد الرجوع في مبيع ثمنه مؤجل أو في صيد وهو محرم لم يأخذ ما ثمنه مؤجل قبل حلول. قال أحمد: يكون ماله موقوفًا إلى أن يحل دينه فيختار الفسخ أو الترك فلا يباع في الديون الحالة لتعلق حق البائع بعينه، وقيل: له أخذه في الحال؛ لأنه إنما يرجع في المبيع فأي موجب لتأخيره وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس. والله أعلم.
ولا يأخذ المحرم الصيد حال إحرامه؛ لأن الرجوع فيه تمليك له ولا يجوز مع الإحرام كشراء له؛ فإن كان البائع حلالًا والمفلس محرمًا لم يمنع بائع أخذه؛ لأن المانع غير موجود فيه ووقف الصيد إلى أن يحل؛ لأنه لا يدخل في ملكه بغير إرث ولو تلف ما ثمنه مؤجل قبل حلول أجله فمن ضمان مفلس ولا يمنع الرجوع نقص سلعة كهزال ونسيان صنعة ومرض وجنون ونحوه، وتزويج أمة؛ لأنه لا يخرجه عن كونه عين ماله ومتى أخذه ناقصًا فلا شيء له غيره وإلا ضرب بثمنه مع الغرماء ولا يمنعه صبغُ ثوبٍ أو قصرهُ أولتّ سويقٍ بدهنٍ لبقاء العين قائمة مشاهدةً لم يتغير اسمُها ويكون المفلس شريكًا لصاحب الثوب والسويق بما زاد عن قيمتها ما لم ينقص الثوب بالصبغ أو القصارة؛ فإن نقصت قيمته لم يرجع؛ لأنه نقص بفعله فأشبه إتلاف البعض، ورد هذا التعليل في «المغني»: بأنه نقص صفة فلا يمنع الرجوع كنسيان صنعة وهزال، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس؛ لأنه وجد عين ماله. والله أعلم.
ولا رجوع في صبغٍ صُبغ به ولا زيت وُلتَّ به ولا مسامير سمر بها بابًا ولا حجر بُني عليه ولا في خشب سُقِّفَ به وسواءٌ كان الصبغ من رب الثوب أو غيره فيرجع بالثوب وحده ويضربُ مع الغرماء بثمن الصبغ والمفلس شريك بزيادة الصبغ، ولا يمنعُ الرجوع زيادة منفصلة كثمرة وكسبٍ وولدٍ نقص بها البيع أو لم ينقص إذا كان نقص صفة لوجدانه عين ماله لم تنقص عينها ولم يتغير اسمها، والزيادة قيل: إنها لبائع في ولد جارية ونتاج الدابة. قال الإمام في رواية حنبل: في ولد الجارية ونتاج الدابة هو للبائع، وهذا المذهب اختاره أبو بكر والقاضي في «الجامع» والخلاف جزم به في «المنور»، و«منتخب الآدمي» وقدّمه في «المستوعب»،
و«الخلاصة»، و«التخليص»، و«المحرر»، و«المحاويين»، و«الفروع»، و«الفائق».
وقيل: إن الزيادة المنفصلة للمفلس، اختاره ابن حامد وغيره، وصححه في «المغني»، و«الشرح» لأنها حصلت في ملكه يُؤيده الخراجُ بالضمان، قال في «المغني»: يحمل كلام أحمد على أنه باعهما في حال حملهما فيكونان مبيعين؛ ولهذا خص هذين بالذكر، قال: ولا ينبغي أن يقع في هذا خلاف، والذي تميل إليه النفس أن الزيادة المنفصلة للمفلس. والله أعلم.
ولا يمنع رجوعه غرسُ أرض أو بناءٌ فيها لإدراك متاعه بعينه كالثوب إذا صبغ، وكذا زرع أرضٍ ويبقى إلى حصادٍ مجانًا بلا أجرةٍ لعدم تعدِّيه، وإذا رجع ربُّ الأرض فيها فله دفعُ قيمة الغراس والبناء فيملكُه، أو قلعه وضمانُ نقصه؛ لأنهما حصلا في ملكه لغيره بحق كالشفيع والمعير إلا أن يختار المفلس والغرماء القلع؛ فإن اختاره ملكه؛ لأن البائع لا حق له في الغراس والبناء فلا يملك إجبار مالكهما على المعارضة عنهما فعلى هذا يلزمهم إذن تسوية الأرض ويلزمهم أرش نقصها الحاصل به؛ لأن ذلك نقص حصل لتخليص ملك المفلس فكان عليه ويضرب بأرش نقص الارض البائع مع الغرماء كسائر ديون المفلس ولبائع الأرض الرجوع فيها، ولو قبل قلع الغراس والبناء ودفع قيمة الغراس والبناء أو قلعه وضمان نقصه وإن امتنع المفلس والغرماء من القلع لم يُجبروا عليه؛ لأنهما وُضعا بحق وإن أبى الغُرماء القلع وأبى البائع دفع القيمة أو أرش نقص القلع سقط الرجوعُ لما فيه من الضرر على المشتري والغرماء والضرر لا يزال بالضرر، ولو اشترى أرضًا فزرعها ثم أفلس بقي الزرعُ مجانًا إلى الحصاد؛ فإن اتفق المُفلسُ والغرماءُ على الترك أو القطع جاز، وإن اختلفوا وله قيمةٌ بعد القطع قُدِّم قول من يطلبه وإن اشترى غراسًا فغرسه في أرضه ثم أفلس، ولم يزد الغراس فله الرجوع فيه؛ فإن أخذه لزمه تسوية الأرض وأرش نقصها وإن بذل الغرماء.
والمفلس له القيمة لم يُجبر على قبولها، وإن امتنع من القلع فبذلوا القيمة له ليملكه المفلس وأرادوا قلعه وضمان النقص فلهم ذلك، وكذا لو أرادوا قلعه من غير ضمان النقص في الأصح، قاله في «المبدع» وغيره، وإن أراد بعضهم القلع وأراد بعضهم التبقية قُدِمَ قولُ مِن طلب القلع.
وإن اشترى أرضًا من واحد وغراسًا من آخر وغرسه فيها ثم أفلس ولم يزد فلكل الرجوعُ في عين مالهِ ولصاحب الأرض قلعُ الغراس من غير ضمان؛ فإن قلعهُ بائعهُ لزمهُ تسويةُ الأرض وأرشُ نقصها الحاصل به وإن بذل صاحب الغراس قيمة الأرض لصاحبها لم يجبر على ذلك، وفي العكس إذا امتنع من القلع له ذلك في الأصح, قاله في «المبدع». وإن مات بائع حال كونه مدينًا فمشترٍ أحق بمبيعه، ولو قبل قبضه؛ لأنه ملكه بالبيع من جائز التصرف فلا يملك أحد منازعه فيه كما لو لم يمت بائعه مدينًا.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 5:44 pm عدل 2 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الخامس الأحد 29 نوفمبر 2015, 11:58 pm | |
| من النظم فيما يتعلق بإظهار الحجر على المفلس، وفيما يتعلق فيمن وجد عين ماله عند مَنْ أفلس: وإن شارَبُ الدَين فالحجر لازمٌ وإظهاره ندب وإشهاد شهد ومن بعد حجر ماله لحقوقهم سوى العتق في قول تصرفه اردد وأرش الذي يجني كسابق دينه وبع قنه الجاني لخصمً وأفرد وإن جاد بالمال اليسير فجائز كذا أجر حمام وفعلٍ معوَّد وتطليقه من بعده ونكاحه وإقراره فيما سوى المال جود وملتزم الأموال في الحجر لازمٌ له بعد فك الحجر في المتوطد وما لذوي هذي الحقوق طلابه إلى أن يفك الحجر من يشأ يقصدِ وأحكام هذا الفصل تجري جميعها بحجر سفيهٍ غير دين معدد ولا حجر في الإفلاس إلا لحاكم ومع سفه مع فكّ ذا في المجود وقيل بقسم المال والرشد فكّه فإن فكّه فالداني أن يبغ يردد وللأولين أضربٌ بما كان باقيًا وللآخرين أضربٌ بكل المنقد ومَن عِند حَيي مُفْلِسٍ يَلْق عينَ ما له عوضٌ عنه كَمَيْلَ التَّأطُدِ فإن شاء فليرجع بنور بأجودٍ كذا إنْ مَاتَ شارٍ قيلَ قَبل التقيدِ متى لم يزل عن ملكه وصفاته لديك ولم يعلق بحق مجدّدِ وإن زال ملك ثم عاد بعد القَوِى وبالفسخ اقْضِ في ثالثٍ قدِ ومن باعه مِن بعد حجرٍ بذمةٍ له الفسخُ مِن جهل وإلّا فلا أشهد وإن كان مشفوعًا ليأخُذْ بُشْفعةٍ وقيلَ إن بِقي قبلًا وقيل ليردد وإن كان عبدًا قد جَنى قبل حجره فوجهين في عود الذي باع أسند وليس نماءُ العين مانعُ أخذِها سِوى ذي اتصالٍ في مقالٍ مُبَعَّدِ وما قيل لم يمنعْ يكون لُمِفْلِس يُشارِكُ بالنامِي إذا لم يُفرد وقال أبو بكر كنص الإمام ذو انْفصال لبيّاع يعود فبعّد كصبغ وَلَتَّ للسويق بزيته وقيل بذا أمنعٍ كالسمين المرددِ وذا الصبغ لم يرجع وبائعهما معًا يردهما من بعد صبغ بأجود وما نقص وصف مع بقا العين مانعًا ويمنع نقص العين لو بالمعدد ولا ردّ إن زال إسمه أو بُنَي به وسمر أو يخلط بمعنى التفرد ووجهان في نامي الثياب بقصره وفي حامل بعد الشرا لم تولد وإن يلق يؤخذ في القوي بقيمة وإلَّا فبعها معه وأقسمنَّ تسدد وإن كان موجودًا لدى البيع خذ وإن كَبُرْ أَو وُلِدْ كالمتصلْ في المجودِ وإن كان أشجارًا فتفصيل حكمها بأثمارها فرع مشق التعددِ وما بعت بالتأجيل قفه لحينه وقِيل اقبض في الحال غير مفسدِ وخُذْ أحدَ العبدين إن يَتْوَ وَاحِدٌ بتقسطه في منتقى قول أحمد ومن قبل حجر وطؤه البكر مانع ووجهين إن لم تحمل الثيب أسند وإن يبن أو يغرس بأرض مفلس فخذها بما فيها وقيمته اردد وإن يشأ أرباب الديون ليقلعوا ويترك من أرض ببعض التحدد ويخرج وإلّا ردّ من قبل قلعه فلم يضموا نقصًا كقلع قد ابتدى وإن منعوا قلعًا ولم يعط قيمة ففوت رجوع العين في المتجرد وقد قيل لا تسقط ولكن ليجبروا على بيع كل ثم قسم بمبعد وقد قيل لا تسقط ولا تجبرنهم وكالغرس بعد الفسخ في الموجز اعدد
ما هو الحكم الثالث من الأحكام المتعلقة بحجر المفلس؟ س7: ما هو الحكم الثالث من الأحكام المتعلقة بحجر المفلس؟ وما الذي يلزم الحاكم قبله؟ وما حكم إحضار المفلس عند بيع ماله؟ وما الذي يجب تركه للمفلس؟ وما مقدار النفقة الواجب له ولعياله؟ وكم الثياب التي يكفّن بها إذا مات؟ ومن أين تؤخذ أجرة مُنادٍ وكيّال ووزّان وحمّال وإذا عين المفلسُ إنسانًا وعين الغريمُ آخر فَمَنِ المقدمُ تَعْيينُه؟ وما الذي يبدأ به الحاكم في قسم مال المفلس؟ ولماذا؟ وما الذي يلي الأول وما بعده على الترتيب؟ وتكلم بوضوح عن ما إذا استأجر المفلس عينًا أو أجَّرَ عينًا وعلى التقادير التي تتعلق بها من مضي مدة أو تلف عين أو إنهدامها قبل مضي المدة أو ما إلى ذلك، وعن ما إذا كان في الغرماء من دينه مؤجل وعما إذا ظهر رب دين بعد قسم ماله، فما الحكم؟ واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل أو تفصيل أو خلاف أو ترجيح.
ج: الحكم الثالث من الأحكام المتعلقة بحجره أنه يلزم الحاكم قسم مال المفلس الذي من جنس الدين الذي عليه وأنه يلزمه بيع ما ليس من جنس الدين بنقد البلد أو غالبه رواجًا أو الأصلح الذي من جنس الدين كما تقدم في بيع الرهن وبيعه يكون في سوقه استحبابًا؛ لأنه أكثر لطلاّبه وأحوط ويجوز بيعه في غيره؛ لأن الغرض تحصيل الثمن كالوكالة وربما أدّى الاجتهاد إلى أن بيْعَ الشيء في غير سوقه أصلح من بيعه في سوقه بشرط أن يبيعه بثمن مثله المستقر في وقت البيع فلا اعتبار بحال الشراء أو بأكثر من ثمن مثله؛ فإن باع بدون ثمن لم يجز.
وقال في «شرح الإقناع»: مقتضى ما يأتي في الوكالة أنه يصح ويضمن النقص. انتهى. ويقسم الثمن فورًا؛ لأن هذا جُلُّ المقصود من الحجر عليه وتأخيره مطل وظلم الغرماء، ولمّا حجر النبي -صلى الله عليه وسلم- على معاذ باع ماله في دَينه وقسم ثمنه بين غرمائه، وكان شابًا سخيًا، وكان لا يمسك شيئًا فلم يمسك شيئًا فلم يزل يُدان حتى أغرق ماله كله في الدين، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فكلَّمه ليُكلم غُرماءهُ، فكلمهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأبوا، فباع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ماله كله في الدين حتى قام معاذ بغير شيء ويستحب إحضار المفلس عند بيع ماله ليضبط الثمن، ولأنه أعرف بالجيد من متاعه فيتكلم عليه، ولأنه أطيب لنفسه ووكيله كهو، ولا يشترط استئذانه؛ لأنه محجور عليه يحتاج إلى قضاء دينه فجاز بيع ماله بغير إذن كالسفيه.
ويستحب للحاكم أن يحضر الغرماء؛ لأنه لهم وربما رغبوا في شيء فزادوا في ثمنه وأطيب لقلوبهم وأبعد عن التهمة، وربما يجد أحدهم عين ماله فيأخذها، وإن باعه من غير حضورهم كلهم جاز ويأمر الحاكِمُ المفلَّسَ والغرماءَ أن يقيموا مناديًا ينادي على المتاع؛ لأنه مصلحة؛ فإن تراضوا بثقة أمضاه الحاكم، وإن تراضوا بغير ثقة ردّه بخلاف المرهون إذا أنفق الراهن والمرتهن على غير ثقة لم يكن له ردّه والفرق أن للحاكم هنا نظرًا؛ إنه قد يظهر غريم آخر وإن اختار المفلس رجلًا ينادي واختار الغرماء آخر أقر الحاكم الثقة من الرجلين؛ فإن كان ثقتين قدّم الحاكم المتطوع منهما؛ لأنه أحظ؛ فإن كانا متطوعين ضم الحاكم أحدهما إلى الآخر جمعًا بين الحقين وإن كان يجعل قُدِمَ أوثُقهُما وأعرفُهُمَا؛ لأنه أنفعُ؛ فإن تساويا في ذلك قدّم الحاكم من يرى منهما؛ لأنه مرجح لأحدهما على الآخر، ويجب على الحاكم أو أمينه أني ترك للمفلس من ماله ما تدعو إليه حاجته من مسكن وخادم صالحين لمثله؛ لأن ذلك مما لا غنى له عنه، فلم يبع في دينه كلباسه وقوته قاعدة المسكن والخادم والمركب المحتاج إليه ليس بغنى فاضل يمنع أخذ الزكاة ولا يجب به الحج والكفارات ولا يوفي منه الديون والنفقات، وقوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي سعيد، قال: أصيب رجل في ثمار ابتاعها فكثر دينه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «تصدقوا عليه، فلم يبلغ ذلك وفاء دينه»، فقال لغرمائه: «خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك». قضية في عين ويحتمل أنه لم يكن له عقار ولا خادم، ويحتمل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «خذوا ما وجدتم» أي ما وجدتم مما تصدّق به عليه، والظاهر أنه لم يتصدّق عليه بدار وهو محتاج إلى سكناها ولا خادم وهو محتاج إليه، وإن كن له داران يستغني بسكنى إحداهما بيعت الأخرى؛ لأن به غنى عن سكناها وإن كان مسكنه واسعًا لا يسكن مثُله في مثلِه بيع واشُتريَ له مسكن مثله وردّ الفضل على الغرماء كالثياب التي له إذا كانت رفيعة لا يلبس مثلُه مثلها تباع ويُشترى له ما يلبسه مثله ويُرد الفضلُ على الغرماء، وإن كانت الثياب إذا بيعت واشترى له كسوة لا يفضل عن كسوة مثله شيء تركته بحالها، وشرط ترك الخادم له أن لا يكون نفيسًا لا يصلح لمثله وإلا بيع واشترى له ما يصلح لمثله إن كان مله يخدم وردّ الفضل على الغرماء؛ فإن كان المسكن والخادم عين مال الغرماء، لم يُترك للمفلس منه شيء، بل مَن وجد عين ماله فهو أحق بها بالشروط السابقة ولو كان المفلس محتاجًا إلى ذلك لعموم ما سبق من الخبر، وقال شريح ومالك والشافعي: تباع دار المفلس التي لا غنى له عن سكناها ويُكتري له بدلها.
اختاره ابن المنذر لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في الذي أصيب في ثمار ابتاعها فكثر دينه، فقال لغرمائه: «خذوا ما وجدتم».
وهذا ما وجدوه، ولأنه عين ماله المفلس فوجب صرفه في دينه كسائر ماله، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس لعظم خَطر الدين، فقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «اللهم أني أعوذ بك من الكفر والدين»، وقال: «فإذا أراد الله أن يذل عبدًا وضعه، وقال: وشهيد البر يغفر له إلا الدين»، وكان -صلى الله عليه وسلم- إذا أُتي بجنازة ليصلي عليها يقول: «هل عليه دَين؟» فإن قالوا: نعم، ولم يخلف شيئًا، يقول: «صلوا على صاحبكم» الحديث، ويترك الحاكم للمفلس آلة حرفته فلا يبيعها لدعاء حاجته إليها كثيابه ومسكنه؛ فإن لم يكن المفلس صاحب حرفة ترك الحاكم له ما يتجر به لتحصيل مؤنته.
قال ناظم المفردات: وإن يكن في فلس يباع ... لدَينه العقار والمتاع وماله من حرمة فيدفع ... من ماله إليه ما يبتضع
ويجب للمفلس ولعياله من زوجة وخادم وقريب أدنى نفقة مثلهم من مأكل ومشربٍ وكسوةٍ بالمعروف إلى أن يفرغ من قسمة ماله بين الغرماء إن لم يكن للمفلس كسب يفي بنفقته وكسوته؛ فأمّا إن كان يقدر على التكسب فنفقته في كسبه؛ فإنه لا حاجة في إخراج ماله مع غناه بكسبه وإن كان كسبه دون ذلك كملت من ماله، ويكفّن المفلس إذا مات.
قال في «التيسير نظم التحرير»: إنْ فَلَّسَ القاضِي مَدِينًا قُدِّمَا مِن مَالِهِ على جَميع الغُرَمَاء بمأكلٍ ومَشْربٍ ومَسْكَنٍ وَمَلْبَسٍ لا مَنْ بِكَسْبِهِ غَنِى وقَدَّمُوا مؤنَةَ الأمْوَالِ في بَيْعهَا كأجْرَةِ الدّلاّلِ وقُدَّمَ المَدِينُ أيضًا بمُؤنْ عيَالِهِ وبَعْدَ مَوْتٍ بالكفَنْ ونحوه كأجَرِ حَفْرِ القَبْرِ ودَينِهِ إن كان قبلَ الحَجْرِ مَعْ رَهْنِ عَيْنٍ عندَ ربِ الدَّينِ فَيَستَحِقُ أخْذَ تِلكَ العَيْنِ
وكذا مَن مات من الرجال الذين تلزمه نفقتهم في ثلاثة أثواب بيض من قطن مما كان يلبس في حياته وهو ملبوس مثله في الجمع والأعياد، والمرأة في خمسة أثواب.
وقدم في «الرعاية»: يُكفن في ثوب واحد، وإن تلف شيء من مال المفلس تحت يد الأمين الذي من قبل لحاكم فمن مال المفلس وإن بيع شيء ن ماله وأودع ثمنه فتلف عند المودع من غير تعدّ ولا تفريط فمن ضمان مال المفلس ما تلف؛ لأن نماءه له فتلفه عليه كالعروض ويبدأ الأمينُ ببيع أقله بقاءً وأكثره مؤنةً فيبيعُ أولًا ما يُسرع إليه الفسادُ كالطعام الرطب والفاكهة بأنواعها؛ لأن بقاءه متلفُه بيقين ثم بعده يبدأ ببيع الحيوان؛ لأنه مُعرض للإتلاف ويحتاج إلى مؤنة بقائِه.
ثم بعد ذلك يبدأ ببيع الأثاث؛ لأنه يُخاف عليه ويناله الأذى ثم يُبدأ ببيع العقار؛ لأنه لا يُخاف عليه بخلاف غيره وبقاؤه أشهرُ له وأكثرُ لطلابه والعُهدة على المفلس إذا ظهر مستحقًا فقط ويبيع الأمين بنقد البلد؛ لأنه أصلح؛ فإن كان فيه نقودٌ باع بأغلبها رواجًا؛ فإن تساويا باع بجنس الدين وتقدم في الرهن نظيره ويُعط منادٍ وحافظ لمتاع وحافظٍ للثمن ويُعطى الحمالون أجرتهم من مال المفلس؛ لأنه حقٌ عليه لكونه طريقًا إلى وفاء دينه فمؤنته عليه فتقدّم على ديون الغرماء، ومحل ذلك إن لم يُوجد مُتبرعٌ بالنداء والحملِ والحفظِ؛ فإن وجد تبرع بالنداء قُدِمَ على من يطلب أجرةً ونظيرُ أجرةِ المنادي ونحوه ما يُستدانُ على تركةِ الميت لمصلحة التركة؛ فإنه مُقدمٌ على الديون الثابتة في ذمة الميت ويبدأ عند قسم ماله بالمجني عليه إذا كان الجاني عبدًا لمفلس وسواء كانت الجناية قبل الحجر أو بعده؛ لأن الحق متعلق بعينه يفوت بفواتها بخلاف بقية الغرماء فيدفع الحاكم أو أمينه إلى المجني عليه الأقل من الأرش أو من ثمن الجاني ولا شيء للمجني عليه غير الأقل منهما؛ لأن الأقل إن كان هو الأرش فهو لا يستحق إلا أرش الجناية وإن كان ثمن الجاني فهو لا يستحق غيره؛ لأن حقه متعلق بعينه.
هذا إذا كانت الجناية بغير إذن السيد؛ فإن كانت بإذنه أو أمره تعلقت بذمته فيضرب للمجني عليه بجميع أرشها مع الغرماء، كما لو كان السيد هو الجاني؛ لأن العبد إذا كالآلة، وإن لم يف ثمنهُ بأرش الجناية فلا شيء له غيره ثم يبدأ بمن له رهن مقبوض فيختص بثمنه إن كان قَدْرَ دينه سواء كان المفلس حيًا أو ميتًا؛ لأن حقه متعلق بعين الرهن وذمة الراهن بخلاف الغرماء وإن فضل للمرتهن فضلٌ من دينه ضربَ به مع الغرماء؛ لأنه ساواهم في ذلك وإن فَضَلَ من ثمن الرهن فَضْلٌ عن دَينه رُدَّ على المال ليُقْسمَ بين الغرماء؛ لأنه انفكّ من الرهن بالوفاء فصار كسائر مال المفلس، ثم يُبدأ بمن له عينُ مالٍ فيأخذه بشروطه لما تقدم أو له عين مؤجرة استأجرها المفلسُ منه ولم يمض من مدتها شيءٌ فيأخذها؛ لأن حقه متعلق بالعين والمنفعة وهي مملوكة له في هذه المدة، وكذا مؤجر نفسه للمفلس ثم حُجِرَ عليه قبلَ أن يمضي من مدة الإجارة شيءٌ فله فسخُ الإجارة لدخوله فيما سبق.
وإن بطلت الإجارة في أثناء المدة بأن ماتت العين التي استأجرها من المفلس وعجّل له أجرتها ضرب للمستأجر مع الغرماء بما بقي له من الأجرة التي عجّلها كسائر الديون إن لم تكن عين الأجرة باقية وإن كان ذلك بعد قسم ماله رجع على الغرماء بحصِته، ولو باع المفلس شيئًا أو باعه وكيله وقبض المفلس أو وكيله الثمن فتلف وتعذّر وردّه وخرجت السلعة مستحقة وحجز على المفلس ساوى المشتري بما كان دفعه الغرماء فيضرب له به معهم كسائر الديون، وإن أجَّر المفلس دارًا بعينها أو بعيرًا بعينه أو أجَّر شيئًا غيرهما بعينه، ثم أفلس لم تنفسخ الإجارة بالحجر عليه بالفلس لِلُزومها وكان المستأجر أحق بالعين التي استأجرها من الغرماء حتى يستوفي حقَّه؛ فإن هلك البعير المؤجر أو انهدمت الدار المؤجرة قبل انقضاء المدة انفسخت الإجارة لفوات المعقود عليه ويضربُ المستأجرُ مع الغُرماء ببقية الأجرة إن كان عجَّلَها، وإن استأجر جملًا أو نحوه في الذمة ثم أفلس المؤجر، فالمستأجر أسوةُ الغرماء لعدم تعلق حقه بالعين، وإن أجَّرَهُ دارًا ثم أفلس المؤجرُ فاتفق المفلس والغرماء على البيع قبل انقضاء مدة الإجارة فلهم ذلك؛ لأن الحق لا يعدوهم ويبيعونها مُستأجرةً للزُوم الإجارة؛ فإن اختلفوا بأن طلب أحدهم البيع في الحال، والآخر إذا انقضت الإجارة قُدِّمَ قولُ من طلب البيع في الحال؛ لأنه الأصل ولا ضرر فيه، فإذا استوفى المستأجرُ المدة أو المنفعة تسلَّم المشتري العين لِعَدَم المُعارض، وإن اتفق المفلسُ والغرماءُ على تأخير البيع حتى تنقضي مدة الإجارة فلهم ذلك؛ لأن الحق لهم وقد رضوا بتأخيره، ولو باع سلعةً قبل الحجر ولو كان المبيع مكيلًا أو موزونًا قبض ثمنها أولًا ثم أفلس أو مات قبل تقبيضها أي السلعة المبيعة، فالمشتري أحقُ بها من الغرماء؛ لأنها عينُ ملكه وإن كان على المفلس دينُ سلم فوجدَ المُسلِمُ الثمن بعينه فالمسلم أحق به، وإن لم يجد الثمن؛ فإن حلَّ السلم القسمة ضرب المُسلمُ مع الغرماء بقيمة المسلّم فيه كسائر الديون؛ فإن كان في المال من جنس حقه المسلّم فيه أخذ المسلم منه بقدر ما يستحقه بالمحاصة.
وإن لم يكن في مال المفلس من جنس حقه الذي سلم فيه عُزِلَ لِلمُسْلِم من المال قدرَ حقه يخرج له بالمحاصة فيشتري به المسلم فيه فيأخذه وليس له أن يأخذ المعزول بعينه؛ لأنه اعتياض عن المسلم فيه وهو لا يجوز؛ فإن أمكن الحام أو أمينه أن يشتري بالمعزول لرب السلم أكثر مما قدر له أي من المعقود عليه لرخص المسلم فيه اشترى لرب السلم بقدر سلمه ويردّ الباقي مما خرج له بالمحاصة على الغُرماء؛ لأنه لا مستحق له غيرهم ثم يقسم الحاكم أو أمينه ما بقي من مال المفلس بين باقي الغرماء لتساوي حقوقهم في تعلقها بذمة المفلس على قدر ديونهم؛ لأن فيه تسوية بينهم ومراعاة لكمية حقوقهم، فلو قضى الحاكمُ أو المفلسُ بعضهم لم يصح؛ لأنهم شركاؤه فلم يجز اختصاصه دونهم ولا يلزم الغرماء بيان أن لا غريم سواهم بخلاف الورثة لئلا يأخذ أحدهم ما لا حقَّ له فيه فاحتيط بزيادة استظهار؛ ولأن الورثة يستفيض أمرهم ولا يخفى غالبًا فلا يعسر بيانه ولا إنكار وجوده؛ فإن كان في الغرماء مَن له دين مؤجل لم يحلّ؛ لأن الأجل حق للمفلس فلا يسقط بفلسه كسائر حقوقه؛ ولأنه لا يوجب حلول ماله فلا يوجب حلول ما عليه ولم يوقف للدين المؤجل شيء من المال ولا يرجع رب الدين المؤجل على الغرماء إذا حلّ دينه بشيء؛ لأنه لم يستحق مشاركته حال القسمة فلم يستحق الرجوع عليهم بعد؛ لكن إن حلّ دينه قبل القسمة شاركهم لمساواته لهم، وإن حلّ دينه بعد قسمة البعض من المال شاركهم في الباقي من المال ويضرب فيه بجميع دَينه ويضرب باقي الغرماء ببقية ديونهم، وقيل: يحل دفعًا للضرر عن ربّه؛ ولأن الإفلاس يتعلق به الدَين بالمال فأسقط الأجل كالموت، وبه قال مالك، وعن الشافعي كالمذهبين.
وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس لإشتراك الجميع في وجوب الوفاء؛ ولأنه إنما دخل معه في المعاملة بحسب ما عنده من الموجودات وربما كان أحق من أصحاب الديون الحالة لكون مدينهم معسرًا عليهم إنظاره فلمّا استدان دينًا مؤجلًا صارمًا عند المدين أعيان مال صاحب الدين المؤجّل وأعواضه.
وهذا مقتضى اختيار الشيخ تقي الدين؛ لأنه يرى أنه يحجر عليه وإن لم يحجر عليه الحاكم حفظًا لحقوق الناس وردًا للظلم بكل طريق؛ ولكن إن كان مؤجلًا فيه ربح أسقط من الربح بمقدار ما سقط من المدة، فلو باع سلعة تساوي ألفًا ومائتين إلى أجل ومضى نصف الأجل وجب ألف ومائة وسقط مائة مقابل باقي المدة. والله أعلم.
وإن ظهر ربُّ دين حال رجع على كل غريم بقسطه وهو قدر حصته؛ لأنه لو كان حاضرًا لقاسمهم فيقاسم إذا ظهر كغريم الميت يظهر بعد قسم ماله ولم تنقض القسمة؛ لأنهم لم يأخذوا زائدًا على حقهم، وإنما تبين مزاحمتهم فيما قبضوه من حقهم، فلو كان للمفلس ألف اقتسمه غريماه نصفين ثم ظهر ثالث دينه كدين أحدهما رجع الثالث على كل واحد بثلث ما قبضه وهو خمسمائة وثلثها مائة وستة وستون وثلثان.
مسائل يجبر عليها المفلس وأخرى لا يجبر عليها س8: هل يُحلُّ الدين المؤجّل أو الجنون؟ وهل لضامن مطالبة ربّ الحق بقبضه من تركة المضمون عنه؟ وهل يلزم المُفلسُ على إيجار نفسه أو المُفلسة على النكاح أو من لزمه حج أو كفارة على أن يحصل من حرفته ما يحج به أو يكفّر به أو على قبول هدية أو صدقة أو وصية وعلى تزويج أم ولد ليوفي بمهرها دَينه أو على خلع زوجته على عوض يوفي منه دينه أو على رد مبيع أو إمضائه أو أخذ دية أو طلاق زوجة بذلت له أو غيرها؟ ومتى ينفك الحجر عن المفلس؟ وإذا بقي بعض الدين أو طلب الغرماء إعادته أو دّان فحُجر عليه ثانيًا أو فلس ثم أدّان أو أبى المفلس أو وارث الحلف مع شاهد للمفلس، فما الحكم؟ وما الحكم الرابع؟ اذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل أو خلاف أو تفصيل مع الترجيح تراه.
ج: لا يحلّ الدَين المؤجل بجنون ولا موت؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «من ترك حقًا أو مالًا فلورثته» ولأن تعلق الدين بالمال لا يزيل الملك في حق الجاني والراهن والمفلس فلم يمنع نقله. ومحل ذلك إن وثق ورثتهُ ربَّ الدين أو وثق أجنبي ربَّ الدين بأقل الأمرين من قيمة التركة أو الدَين برهن أو كفيل مليء؛ لأن الأجل حق للميت فورث عنه كسائر حقوقه؛ فإن تعذر التوثق لعدم وارث بأن مات عن غير وارثٍ أو حلف وارثًا؛ لكن لم يوثق بذلك حل؛ لأن الورثة قد لا يكونون مليئين ولم يرض بهم الغريم فيؤدي إلى فوات الحق فلو ضمنه ضامن وحلّ على أحدهما لم يحلّ على الآخر ومثاله أن يموت الضامن للمؤجل؛ فإنه يحلّ عليه فقط إذا لم توثق ورثته أو مات المضمون وكان الضامن غير مليء؛ فإنه يحلّ على المضمون فقط بشرطه.
قال الشيخ تقي الدين في الأجرة المؤجلة: لا تحل بالموت في أصح قول العلماء، وإن قلنا: يحل الدين؛ لأن حلولا مع تأخير استيفاء المنفعة ظلم، وإن مات من عليه حال ومؤجَّل والتركة بقدر الحال أو أقل؛ فإن لم يوثق المؤجل حلَّ واشتركا، وإن وثق الورثة أو أجنبي لم يترك لرب المؤجّل شيء وكون ما على الميت من الديون المؤجّلة لا تحل بالموت إن وثق الورثة برهن يحرز أو كفيل مليء. من المفردات قال ناظمها:
ولا يَحِلُّ مَا عَلى المَديُون ... بِمَوتِهِ مِن أجَلِ الدُّيونِ
وقيل: يحلُّ ما على الميت من الديون المؤجلة بموته، وهو قول الشعبي والنخعي وسوار ومالك والثوري وأصحاب الرأي والشافعي؛ لما روى ابن عمر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا مات الرجل وله دين إلى أجل وعليه دين إلى أجل فالذي عليه حال، والذي له إلى أجله» ولأن الأجل جعل رفقًا بمن عليه الدين والرفق بعد الموت أن يُقضي دينه وتبرأ ذمته، والدليل عليه ما روى أبو هريرة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «نفس المؤمن معلقة بدَينه حتى يُقضى عنه» رواه أحمد والترمذي وحسنه، ولخراب ذمة الميت، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس. والله أعلم.
وليس لضامن إذا مات مضمونة مطالبة رب حق يقبض الدين المضمون فيه من تركة مضمون عنه ليبرأ الضامن أو أن يُبريه أي الضامن من الضمان كمال لم يمت الأصل، وقيل: له مطالبة رب الحق من تركة المضمون عنه أو يبريه، قال في «تصحيح الفروع»: قلت: وهو الصواب، وهذا القول هو الراجح عندي. والله أعلم.
وإن بيت على المفلس بقية وله صنعة، فقيل يجبر على إيجار نفسه لقضاء ما بقي من الدين وهو قول عمر بن عبد العزيز وسوار والعنبر وإسحاق؛ لما روي «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- باع سُرَّقًا في دينه، وكان سُرَّقًا دخل المدينة، وذكر أن وراءه مالًا فداينه الناس فركبته ديون، ولم يكن وراءه مال فسمّاه سُرَّقًا وباعه بخمسة أبعرة» رواه الدارقطني بمعناه من رواة خلد بن مسلم الربحي إلا أن فيه كلامًا. والحر لا يباع ثبت أنه باع منافعه؛ ولأن المنافع مجرى الأعيان في صحة العقد عليها وتحريم أخذ الزكاة وثبوت الغنى بها فكذلك في وفاء الدين منها؛ ولأن الإجارة عقد معاوضة فجاز إجباره عليه كبيع ماله ولأنها إجارة لما يملك إجارته فيجبر عليها لوفاء دينه كإجارة أم ولده، وهذا القول من المفردات: قال ناظمها:
ومُفْلِسٌ ذُو صَنْعةٍ فَيؤجرُ ... لِنَفْسِهِ وَإنْ أبَى فَيُجْبَرُ
وقيل: لا يجبر، وهو قول مالك والشافعي؛ لقوله تعالى: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ}؛ ولما روى أبو سعيد أن رجلًا أصيب في ثمرة ابتاعها فكثر دينه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «تصدقوا عليه فتصدقوا عليه فلم يبلغ وفاء دينه»، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك» رواه مسلم؛ ولأنه تكسبٌ للمال فلم يجبر عليه كقبول الهبة والصدقة، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس. والله أعلم.
ويجبر المفلس على إيجار موقوف عليه يستغني عنه وعلى إيجار أمِّ ولده إن استغنى عنها؛ لأنه قادر على وفاء دينه فلزمه كمالك ما يقدر على الوفاء منه، ولا يُجبر من لزَمه حج أو كفارة ونحوهما من حقوق الله تعالى على إيجار نفسه ووقفه وأُمِّ ولده في ذلك؛ لأن ماله لا يباع فيه فنفعه أولى، ولا يجبر المدين المفلس أو غيره على قبول هبة أو صدقة أو عطية أو وصية لما فيه من الضرر عليه من تحمّل المنّة التي تأباها قلوب ذوي المروآت، قال قطرب:
للَّدغ الفِ مَنَّهْ ... وَلَا احْتِمَالُ مِنَّهْ
وقال غيره: (مِنْنُ الرجالِ عَلى القُلُوْبِ أشد من وَقعِ الأسِنَّهْ). ولو كان المتبرع ابنًا له ولا يملك غير المدين وفاء دَينه عنه مع امتناع المدين منه، وكذلك لو بذله غير المدين وامتنع ربّه من أخذه منه، قال الشيخ: ع ن فإن قلت تقدم أن وفاء الدين عن الغير لا يتوقف على إذن المدين حتى أن للموفي الرجوع إذا نواه، قت: يمكن حمل ذلك على ما إذا لم يوجد من المدين امتناع يعذر معه بخلاف ما هنا؛ فإن وفاء الدين ليس بواجب حال الإعسار فلم يقم الموفي عن المدين بواجب؛ لأن المعسر يقول له: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} فما تقدم مقيد فلا تغفل. اهـ.
ولا يملك الحاكم قبض مَا ذكر من هبة وصدقة ووصية وعطية للمدين لوفاء دينه بلا إذن من المدين لفظي أو عرفي؛ لأنه لا يملك إجباره عليه فلم يملك فعله عنه ولا يُجبر المفلسُ على تزويج أم ولد لوفاء دينه مما يأخذ من مهرها لما فيه تحريمها عليه بالنكاح وتعلق حق الزوج ولا تجبر امرأةٌ مدينةٌ على نكاح نفسها لمن يرغب في نكاحها لتأخذ مهرها، وتوفي منه دينها؛ لأنه يترتب عليها بالنكاح من الحقوق ما قد تعجز عنه ولا يجبر رجل على خلع زوجته على عوض يوفي منه دينه؛ لأن عليه فيه ضررًا بتحريم زوجته عليه، وقد يكون له إليها ميل ولا يجبر مدين أيضًا باع أو اشترى بشرط الخيار على رد مبيع ولا على إمضائه، ولو كان فيه حظ؛ لأن ذلك إتمام لتصرّف سابق على الحجر فلم يجبر عليه فيه ولا يجبر على أخذ ديّة عن قود وجب له بجناية عليه أو عنه أو مورثة؛ لأنه يفوت المعنى الذي وجب له القصاص؛ فإن اقتص فلا شيء للغرماء وإن عفا على مال ثبت وتعلقت به حقوق الغرماء ولا يجبر لو بذلت له امرأة مالًا ليتزوجها عليه، لم يجبر على قبوله أو ادّعى على إنسان بشيء فأنكره وبذل له مالًا على أن لا يحلفه ونحو ما تقدم كطلاق زوجة بذلت له أو غيرها عوضًا ليطلقها عليه ويوفي دينه، وينفك حجر المفلس بوفاء دينه لزوال المعنى الذي شرع له الحجر، والحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا ويصح الحكم بفك الحجر مع بقاء بعض الدين؛ لأن حكمه يفكه مع بقاء بعض الدين لا يكون إلا بعد البحث عن فراغ ماله والنظر في الأصلح من بقاء الحجر وفكّه ولا ينفكّ مع بقاء بعض الدين بدون الحكم؛ لأنه ثبت يحكم فلا يزول إلا به لاحتياجه إلى نظر واجتهاد.
وقيل: يزول بقسمة ماله؛ لأنه حجر عليه لأجله، فإذا زال ملكه عنه زال سبب الحجر فزال الحجر كزوال حجر المجنون لزوال جنونه، وإذا طلب غرماء من فك حجره إعادة الحجر عليه لما بقي من دينهم لما يجبهم الحاكم ذلك؛ لأنه لم ينفك حجره حتى لم يبق له شيء؛ فإن ادَّعوْا أن بيده مالًا وبيّنُوا سببهُ ساله الحاكم عنه؛ فإن أنكر حلف وخلى سبيله وإن أقر، وقال لفلان: وأنا وكيله أو عامله سأله الحاكم إن حضر؛ فإن صدقه فلان فله بيمينه وإن أنكره أعيد الحجر بطلبهم وإن كان المقر له غائبًا أقرَّ بيد المفلس إلى أن يحضر ويسأل وإن ادَّان من فُكَّ حجره وعليه بقية دين فحُجر عليه ولو بطلب أرباب الديون التي لزمت بعد فك الحجر الأول تشارك غرماء الحجر الأول وغرماء الحجر الثاني في ماله الموجود إذًا لتساويهم في ثبوت حقوقهم في ذمته كغرماء الميت إلا أن الأولين يُضْرَبُ لهم ببقية ديونهم والآخرين بجميعها، ومَنْ فلس أي ثبت فلسه عند حاكم وحُكم به ثم أدَّان لم يُحبس لوضوح أمره، وإن أبى مُفلس أو أبى وارث الحلف مع شاهد للمفلس أو للوارث بحق فليس لغُرماء المفلس أو الميت الحلفُ لإثباتهم ملكًا لغيرهم تتعلق به حقوقهم بعد ثبوته له فلم يجز كالمرأة تحلف لإثبات ملك زوجها لتعلق نفقتها به، ولا يجبر المفلس ولا الوارث على الحلفِ لأنَّا لا نعلمُ صدق الشاهدِ؛ فإن حلف ثبت المال وتعلق به حق الغرماء.
الحكم الرابع المتمم لأحكام الحجر على المفلس: انقطاع المطالبة عنه لما تقدم من قوله تعالى: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ}، وقوله -صلى الله عليه وسلم- لغرماء معاذ: «خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك»، فمن أقرض المفلس شيئًا أو باعه شيئًا لم يملك مطالبة المفلس ببدله حتى ينفك عنه الحجر؛ لأنه هو الذي أتلف ماله بمعاملة من لا شيء معه؛ لكن إن وجد المقرض أو البائع أعيان ما لهما أخذها كما سبق إن لم يعلما بالحجر.
من النظم فيما يتعلق في نفقة المحجور عليه وما إلى ذلك وأنفق على المحجور من ماله ومن ... يعول إلى أن تقسم المال ترشد وابْقِ الذي يَحتاجُه مِن لباسِهِ ... ومسكنه مع خادم متعود وآلة ما يحتاجه إن كان ضائعًا ... وإلّا فكان ربحه للمعدد إذا لم يطق كسبًا يقوم بهم وإن ... أطاق منع والميت كفنه واللحد وباقَيهُ بِعه بلا إذنه وإن ... تشاوره مع أهل الديون تجود وبِعْ أولًا ما خيف فيه فساده ... وأجر المنادي منه مع فقد مسعد وبِع كل شيء في محل نفاقَه ... وقَسِّمْ على قدر الديون تسدد وليس لِمَجْنِي عليه زيادةٌ ... على قيمة الجاني وإن زاد فاردد كذا الدَين عن رهن فإن لم يف به ... له أسوة الباقين بالمتزيد ومَن بان ذا دين له بعد قسمه ... ليرجع بقدر الدين في المتعددِ ولم ينتقل إرث المدين لوارث ... في الأولى وعنه إنقله بالموت ترشد وبالإرث علق دَين ميت كمفلس ... ولو لم تقل بالموت قد حل واصدد تَصَرُّفَ وارثٍ إلى أن يوثقوا الغـ ... ـريم بقاض أو بقدر المعددِ فإن قدموا يُستَوفَ منهم بحاكم ... فإن فات في قدر الديون ليردد وقال أبو يعلى الديون إن تَرك وفا ... بذمة وارث ولو لم يقيد وأجبر على الإكساب مُفْلِي حِرْفَةٍ ... لِيقض دينًا لازمًا في المؤكد ولا تلزمنه أخذ ما فيه منة ... وقرضًا وتزويج النسا لا تقيد ولا أخذه عقلًا بحتم قصاصه ... وإن لم يجب عينًا فبالعقل قيّدِ ولا حلفه مع شاهد بحقوقه ... وأن يول ذو دَين يؤدب ويردد
فصل في الضرب الثاني من ضربي الحجر س9: تكلم بوضوح عن ما يلي: من هو المحجور عليه لحظ نفسه؟ وما الأصل في ذلك؟ وما حكم تصرفه؟ وإذا دَفعَ إليه إنسانٌ ماله أو أتلف مال غيره أو أعْطى المحجور عليه مالًا أو جنى على نفس أو طرف ونحوه أو أخذَ إنسانٌ من المحجور عليه مالًا ليحفظه فما الحكم؟ ومتى ينفك عنه الحجر؟ وما الذي يستحب عندما يدفع إليه ماله؟ وما الذي يحصل به البلوغ؟ وما الذي لا يعتبر في البلوغ؟ واذكر التفاصيل والتقاسيم إن كان هناك شروط أو محترزات، فاذكرها مع الدليل والتعليل والخلاف والترجيح.
ج: الضرب الثاني: حجر المحجور عليه لحظ نفسه وهو الصبي (1)، أيْ: مَنْ لم يبلغ من ذكر وأنثى والمجنون (2) والسفيه (3)؛ لأن فائدة الحجر عائدة عليهم والحجر عليهم عام بخلاف المفلس ونحوه والأصل فيه قوله تعالى: {وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً} وأضاف الأموال إليهم؛ لأنهم مدبّروها ومن دفع إليهم أو إلى أحدهم ماله ببيع أو قرض رجع فيه إن كان باقيًا؛ لأنه عين ماله وما تلف منه بنفسه كموت قن أو حيوان أو بفعل محجور عليه زمن الحجر كقتله له فهو على مالكه غير مضمون وسواء كان بتعدِّ أو تفريط أو لا؛ لأنه سلطهم عليه برضاه سواء علم بالحجر أو لم يعلم به لتفريطه؛ لأن الحجر في مظنة الشهرة، وقيل: يضمن السفيه إذا جهل أنهُ محجور عليه، واختار في «الرعاية الصغرى» الضمان مطلقًا، واختاره ابن عقيل، قال في «الإنصاف»: وهو الصواب كتصرف العبد بغير إذن سيده.
تتمة: لابد أن يكون الدفع معتبرًا بأن يكون من غير محجور عليه، فدفع نحو صغير كلا دفع فيصير مضمونًا على القابض ويضمن الصبي والسفيه والمجنون ما لم يدفع إليهم إذا أتلفوه؛ لأنه لا تفريط من المالك والإتلاف يستوي فيه الأهل وغيره وحكم المغصوب كذلك لحصوله في يدهم بغير إختيار مالكه، ومن أعطاه السفيه أو الصبي أو المجنون مالًا بغير إذن الولي صار في ضمان آخذه لتعديه بقبضه ممن لا يصح منه دفع حتى يأخذه منه ولي الدافع له؛ لأنه المستحق لقبض مال الدافع وحفظه، ولا يضمن من أخذ من محجور عليه لحظ نفسه مالًا إن أخذه ليحفظه لربه ولم يفرط؛ لأنه محسن بالإعانة على رد الحق ------------------------------- (1، 2، 3) بياض بالأصل. ------------------------------- لمستحقه؛ فإن فرّط ضمن، ومتى عقل مجنون وبلغ صبي رشدًا ذكرين أو أنثيين انفك الحجر عنهما أمّا في الأول فلأن الحجر عليه كان لجنونه، فإذا زال وجب زوال الحجر كزوال علته؛ وأمّا في الثاني فلقوله تعالى: {وَابْتَلُوا اليَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ}، وقيل: لا يزول الحجر إلا بحكم حاكم، وبه قال مالك وبعض أصحاب الشافعي، واختاره القاضي وابن عقيل؛ لأنه موضع اجتهاد ونظر؛ فإنه يحتاج في معرفة البلوغ والرشد إلى اجتهاد فيوقف ذلك على حكم حاكم كزوال الحجر على السفيه، قال أهل القول الأول: إن اشتراط حكم الحاكم زيادة تمنع الدفع عند وجود الرشد حتى يحكم الحاكم، وهذا مخالف لظاهر النص؛ ولأنه حجر ثبت بغير حكم حاكم، فيزول بغير حُكمه كالحجر على المجنون؛ ولأن الحجر عليه إنما كان لعجزه عن التصرف في ماله على وجه المصلحة حفظًا لما له عليه فمتى بلغ ورشد زال الحجر لزوال سببه والذي تطمئن إليه النفس أنه ينفك الحجر بلا حكم حاكم لظاهِر الآية الكريمة. والله أعلم.
ومتى انفك الحجر عنهما دفع إليهما مالهما؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} قال ابن المنذر: اتفقوا على ذلك وسن إعطاؤه ماله بإذن قاضٍ وإشهادٌ برشد ودفعٍ ليأمن التبعة واستحباب ذلك خوفًا من الإنكار، فلو أنكر الدفع إليه قبل قول الدافع، وقال القرطبي على قوله تعالى: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ}: وهذا الإشهاد مستحب عند طائفة من العلماء؛ فإن القول قول الوصي؛ لأنه أمين، وقالت طائفة: هو فرض وهو ظاهر الآية وليس بأمين فيقبل قوله كالوكيل إذا زعم أنه قد رد ما دفع إليه أو المودع وإنما هو أمين للأب ومتى ائتمنه الأب لا يقبل قوله على غيره. اهـ. والذي تطمئن إليه النفس أنه فرض لما تقدم. والله سبحانه أعلم.
ولا ينفك الحجر منهما قبل البلوغ أو العقل مع الرشد ولو صارا شيخين، قال ابن المنذر: أكثر علماء الأمْصَار يرون الحجر على كل مضيّع لماله صغيرًا كان أو كبيرًا للآية، وروى الجوزجاني في المترجم، قال: كان القاسم بن محمد يلي أمر شيخ من قريش ذو أهل ومال لضعف عقل فالدفع معتبر بشرطين: 1- بلوغ النكاح. 2- إيناس الرشد ويحصل البلوغ بخمسة أشياء، ثلاثة يشترك فيها الرجل والمرأة وهي إنزال المني يقظة أو منامًا بإحتلام أو جماع أو غير ذلك، والدليل عليه قوله تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنكُمُ الحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} فأمرهم بالإستئذان بعد الاحتلام فدل على أنه بلوغ.
قال ابن المنذر: أجمعوا على أن الفرائض والأحكام تجب على المحتلم ومما يدل على ذلك أيضًا قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «رفع القلم عن ثلاث عن الصبي حتى يحتلم...» الحديث، وحديث: «لا يُتم بعد إحتلام» رواهما أبو داود.
وروى عطية القرظي قال: عرضنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زمن قريظة: فمن كان محتلمًا أو نبتت عانته قتل فلو لم يكن بالغًا لما قتل، والثاني: السن، وهو يستكمل خمس عشرة سنة؛ لحديث ابن عمر: «عرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني» متفق عليه، وفي رواية البيهقي بإسناد حسن: فلم يجزني ولم يرني بلغت وابتداء الخمس عشرة من انفصال جميع الولد.
والمراد بقول ابن عمر: «وأنا ابن أربع عشرة سنة» أي طعنت فيها، وبقوله: وأنا ابن خمس عشرة سنة، أي: استكملتها؛ لأن غزوة أحد كانت في شوال سنة ثلاث والخندق كانت في جمادى سنة خمس.
قال القمولي: قال الشافعي: رد النبي -صلى الله عليه وسلم- سبعة عشرة من الصحابة وهم أبناء أربع عشرة؛ لأنه لم يرهم بلغوا ثم عرضوا عليه وهم أبناء خمس عشرة فأجازهم منهم زيد بن ثابت ورافع بن خديج وابن عمر.
والثالث: نبات الشعر الخشن القوي حول القبل؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- لما حَكَّمَ سعد بن معاذ في بني قريظة فحكم بقتل مقاتلتهم وسبي ذراريهم وأمر أن يكشف عن مؤتزرهم فمن أنبت فهو من المقاتلة ومن لم ينبت فهو من الذريَّة فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: «لقد حكم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة» متفق عليه.
وروى محمد بن يحيى بن حبان أن غلامًا من الأنصار شبَّبَ بإمرأة في شعره فرُفِع إلى عمر -رضي الله عنه- فلم يجده أنُبت، فقال: لو أنبت الشعر لحددْتك، وإثنان يختصان بالمرأة، أحدهما: الحيض؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار» رواه الترمذي وحسنه، وأخرج البيهقي عن أم سلمة قالت: إذا حاضت الجارية وجب عليها ما يجب على أمها من الستر، والثاني: الحمل؛ لأن الحمل دليل إنزالها فيحكم ببلوغها منذ حملت؛ لأن الله أجرى العادة بخلق الولد من مائهما؛ ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم- في حديث أم سلمة: «تربت يداك فبم يشبهها ولدها» متفق عليه، ويقدر الوقت الذي حكم ببلوغها منه بما قبل وضعها بستة أشهر؛ لأنه اليقين؛ لأنه أقلَّ مدة الحمل إذا كانت توطأ بأن كانت مزوجة، وإن طلقت وكانت لا توطأ فولدت لأكثر مدة الحمل وهي أربع سنين، فأقل من ذلك منذ طلقت فقد بلغت قبل الفرقة؛ لأنه لا يحتمل خلاف ذلك، ويحصل بلوغ خنثى بأحد خمسة أشياء: تمام خمس عشرة سنة، نبات شعر خشن حول الفرجين أو مني من أحدهما أو حيض من قبل أو المني والحيض من فرج واحد أو مني من ذكره وحيض من فرجه؛ لأنه إن كان ذكرًا فقد أمنى وإن كانت أنثى فقد حاضت وكل منهما يحصل به البلوغ ولا اعتبار بالزغب الضعيف؛ لأنه ينبت للصغير ولا يغلظ الصوت، ولا فرق الأنف ولا نهود الثدي ولا بنزل الخصيتين ولا بشعر الإبط ولا بشعر اللحية وغيرها.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 5:45 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الخامس الثلاثاء 01 ديسمبر 2015, 1:16 am | |
| ما يعلم به الرشد س10: ما هو الرشد؟ ومتى يدفع إلى من رشد ماله؟ وبأي شيء يعلم الرشد؟ واذكر معاني ما يتعلق بذلك من مفردات؟ واذكر الدليل والتعليل والخلاف والترجيح.
ج: الرشد: الصلاح في المال؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} قال ابن عباس: يعني صلاحًا في أموالهم، وهذا قول مالك وأبي حنيفة، وقال الشافعي: إصلاح الدين والمال، فإصلاح الدين: أن لا يرتكب من المعاصي ما يسقط به العدالة وإصلاح المال أن يكون حافظًا لماله غير مبذر وهو إختيار ابن عقيل من أصحابنا وهو أليق بمذهبنا، وذكره البيهقي عن ابن عباس والحسن ومقاتل بن حيان، وترجم له باب الرشد، هو الصلاح في الدين، وإصلاح المال.
قال ابن كثير على هذه الآية: قال سعيد بن جبير يعني صلاحًا في دينهم وحفظًا لأموالهم، وكذا روي عن ابن عباس والحسن البصري غير واحد من الأئمة، وهكذا قال الفقهاء: إذا بلغ الغلام مصلحًا لدينه وماله انفك الحجر عنه فيسلم إليه ماله كما يمنع قبول قوله وثبوت الولاية على غيره وإن لم يعرف عنه كذب ولا تبذير، ومما يؤيد القول الأول أن العدالة لا تعتبر في الرشد في الدوام فلا تعتبر في الابتداء كالزهد في الدنيا، قالوا: ولأن هذا مصلح لماله فأشبه العدل يحققه أن الحجر عليه إنما لحفظ ماله عليه، والمؤثر فيه ما أُثِر من تضييع المال أو حفظه، وقولهم: أن الفاسق غير رشيد قلنا هو غير رشيد في دينه؛ أما في ماله وحفظه فهو رشيد ثم هو منتقض بالكافر؛ فإنه غير رشيد في دينه ولا يحجر عليه لذلك، ولا يلزم من منع قبول القول من منع دفع ماله إليه؛ فإن من عرف بكثرة الغلط والنسيان أو من يأكل في السوق ويمد رجليه في مجمع الناس لا تقبل شهادتهم وتدفع أموالهم إليهم ولا يدفع إلى المحجور ماله قبل رشده ولو صار شيخًا لما تقدم ولا يدفع إليه حتى يختبر ويمتحن بما يليق به ويعلم رشده؛ لقوله تعالى: {وَابْتَلُوا اليَتَامَى} الآية فوجب اختباره بتفويض التصرف إليه وهو يختلف؛ فإن كان من أولاد التجار وهم من يبيع ويشتري لطلب الربح فإيناس الرشد منه بأن يتكرر البيع والشراء منه فلا يغبن غالبًا غبنًا فاحشًا وأن يحفظ ما في يده من صرفه فيما لا فائدة فيه كالقمار والغناء وشراء المحرمات كالخمر وآلات اللهو بجميع أنواعها من بكمات وسينمات وتلفزيونات ودخان ومذياع ومجلات خليعة وصور وآلات تصوير والورق وبذله في القمار أو في استئجار أنواع الملاهي وحظورها وسائر أنواع المعاصي؛ لأن العرف يَعُد مَن صرف ماله في ذلك سفيهًا مسرفًا مبذرًا، وقد يُعدّ الشخص سفيهًا لصرفه ماله في المباح، ففي الحرام أولى وأحرى.
وقال الشيخ تقي الدين: الإسراف ما صرفه في المحرمات أو كان صرفه في المباح يضر بعياله أو كان وحده ولم يثق بإيمانه أو أسرف في مباح قدرًا زائدًا على المصلحة. انتهى.
والتبذير: تفريق المال كما يفرق البذر كيفما كان من غير تعمد لمواقعه، وهو الإسراف المذموم لمجاوزته للحد المستحسن شرعًا في الإنفاق وهو الإنفاق في غير الحق.
قال الشافعي: التبذير إنفاق المال في غير حقه ولا تبذير في عمل الخير، وقال بعضهم: الفرق بين الإسراف والتبذير أن الإسراف صرف الشيء فيما ينبغي زائد على ما ينبغي والتبذير صرف الشيء فيما لا ينبغي، والسفه والتبذير أصله الخفة والطيش والحركة.
قال الشاعر: وأبْيَضَ مَوْشِيِّ القَميصِ نَصَبْتُهُ ... على ظَهْرِ مِقْلاةٍ سَفِيهٍ جَدِيلُها يعني خفيف زمامها
وقال الآخر: مَشَينَا كما اهتزتْ رِمَاحٌ تَسَفَّهَتْ ... أَعَاليها مَرُّ الرياحِ النواسِمِ
وليس الصدقة به وصرف في باب برٍ كغزو وحج وصرفه في مطعم ومشرب وملبس ومنكح لا يليق إلَّا به تبذيرًا إذْ لا إسرافَ في الخير وأعمال البر والنفقات الواجبة أو المباحة التي فيها صيانة النفس والعرض والصلة والإحسان إلى الأقارب والجيران والمحبين في الله.
ويختبر ابن المزارع بما يتعلق بالزراعة والقيام على العمال والقوام ويختبر ابن المحترف وهو صاحب الصنعة بما يتعلق بصنعته ويختبر إبن الرئيس والصدر الكبير، وابن الكاتب الذين يُصان أمثالهم عن الأسواق بأن تدفع إليه نفقته مدة لينفقها في مصَالحه؛ فإن صرفها في مصارفها ومرافقها واستوفى على وكيله فيما وكل فيه واستقصى على وكيله، دل ذلك على رشده فيعطى ماله ويشترط في الكل ما تقدم، ابن التاجر من حفظ ما في يده عن صرفه فيما لا فائدة فيه كشراء المحرمات وآلات اللهو بأنواعها وإذا علم رشده وصلاحه أعطى ماله سواء رشَّدَهُ الولي أو لا؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ}.
قال الشيخ: وإن نوزع في الرشد فشهد به شاهدان قُبِلَ؛ لأنه قد يعلم بالإستفاضة ومع عدم البيّنة له اليمين على وليه أنه لا رشده. اهـ.
لأن اليمين على فعل الغير فكانت على نفي العلم، ولو تبرع من لم يعلم رشده وهو تحت الحجر، فقامت بيّنة برشده وقت التبرع نفذ تبرعه، وكذا سائر عقوده؛ لأن العبرة في العقود بما في نفس الأمر لا بما في ظن المكلف، والأنثى إذا أريد اختبارها يفوّض إليها ما يفوّض إلى ربة البيت من الغزال والإستغزال أي دفعها الكتان ونحوه إلى الغَزَّالات بأجرة المثل وتوكيلها في شراء الكتّان ونحوه كالقطن وحفظ الأطعمة من الهر والفأر وغير ذلك؛ فإن وجدت ضابطة لما في يدها مستوفية من وكيلها فهي رشيدة يدفع إليها مالها وإلا فلا، ووقت الاختبار قبل البلوغ؛ لقوله تعالى: {وَابْتَلُوا اليَتَامَى} فظاهرها أن ابتلاءهم قبل البلوغ؛ لأنه سماهم يتامى وإنما يكون ذلك قبل البلوغ؛ لأن اليتيم مَن مات أبوه ولم يبلغ.
ومُدة إختبارهم إلى البلوغ بلفظ حتى فدل على أنه قبله؛ ولأن تأخيره إلى البلوغ يفضي إلى الحجر على البالغ الرشيد؛ لكونه ممتدًا حتى يختبر ويعلم رشده، ولا يختبر إلا المراهق المميّز الذي يعرف البيع والشراء والمصلحة والمفسدة وإلا أدى ضياع المال وحُصُول الضرر، وبيع الاختبار وشراؤه صحيح؛ لقوله تعالى: {وَابْتَلُوا اليَتَامَى} ولا يأمر بغير الصحيح.
من النظم فيما يتعلق في المحجور عليه لحظّه ومن ذي جنون ألغ كل تصرف ومن غير إذن من سفيه وفَوْهَدِ سوى في حقير ثم في إذن خبره تظن لدى التمييز صحيح بأوكد وما للوليّ الإذن إلا لظنه صلاحًا لذي التمييز أو سَفَهٍ قد ويمضي بلا إذن الولي كليهما قبول هبات والوصايا بأجود ورد على من عاملوا عين ماله وإن يَتْوَ لم يضمن لتفريط مُوْرد والزمهما عاريةً ووديعة كذا العبد إن هم أتلفوها بأجود وقيل على عبدٍ فحسب ضمانه وقيل عليه مع سفيه مبدِّد ويلزمهم أرش الجناية كلَهم بأموالهم والعبد في فضله أقصد ومن كان إذْ ضمنته مفلسًا إذا عَقَلْ قَدْرًا ألزمه بغرم المفسد وبالرشد من بعد بلوغ وعقله يفك بدون الحكم حجر بأوطد ومن زال داعي حجره زال حجره بغير قضاء عند كلِ مُسَدَّدٍ ومن قَبْلِ ذا لا تفككّن عند حجره ولو صار شيخًا طاعنًا غيرَ أرشد ويبلغ بالإنزال أو شعر عانة وبالعشر مع خمس سنين فعدد وتزداد بالحمل الفتاة وحملها دليل على إنزالها المتعود وإصلاح مال المرء آية رُشده وقيل مع الإصلاح الدين فازدد ويحصل علم الرشد عند اعتباره بقلةِ غَبُنٍ في تصرف الرشد وإحرازه عن صرفه في محرّم ومكروه أو في غير فائدة زد وعنه وتزويج النسا وولاؤها أو المكث عند الزوج حولًا فترشد وبالسّن كلف مشكلًا ونباتِهِ على القبل منه أو ببادٍ معود من الحيض والإنزال من مخرجيهما فإن خرجا يشكل ويبلغ بأحود ووقت اختبار الرشد قبل بلوغ مَن يُراهِقُ لا بعد البلوغ بأوكد
فصل فيمن له الولاية على المملوك والصغير والمجنون س11: لمن ولاية المملوك والصغير والمجنون وإذا فقد أو تغيرت حاله فلمن تكون؟ وإذا لم يوص من له الولاية فكيف العمل؟ ومن الذين لا ولاية لهم؟ وهل للولي أن يتصرف في مال موليه أو يتبرع أو يحابي أو يزيد على نفقته؟ وماذا يعمل مع من أفسد نفقته أو كسوته؟ وهل للولي أن يبيع أو يشتري أو يرتهن من مال موليه؟ وهل له مكاتبة القن أو عتقه أو تزويجه أو الإذن له في التجارة أو للسفر بمال موليه أو المضاربة به أو قرضه أو هبته أو رهنه أو شراء عقار أو بناؤه أو شراء ضحية أو مداواته أو تركه بمكتب أو تعليمه الخط أو بيع عقار أو قبول وصية؟ وما الذي يستحب حول اليتيم؟ وضّح ذلك مع ذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل أو تفصيل أو قيد أو محترز أو خلاف أو ترجيح.
ج: ولاية مملوك لسيدة؛ لأنه ماله ولو كان سيده غير عدل؛ لأن تصرف الإنسان من ماله لا يتوقف على عدالته وولاية صغير عاقل أو مجنون وبالغ مجنون، ومن بلغ سفيهًا واستمر لأبٍ بالغٍ رشيد لكمال شفقته؛ فإن ألحقَ الولد بإبن عشر فأكثر ولم يثبت بلوغه فلا ولاية له؛ لأنه لم ينفك عنه الحجر، فلا يكون وليًا، وتكون ولاية هذا الولد للحاكم كما يفهم مما في باب الهبة في «الإقناع وشرحه»: ثم الولاية بَعْدَ أبٍ لوصيه؛ لأنه نائب الأب أشبه وكيله في الحياة ولو كان وصيه بجعل وثم متبرع بالنظر له أو كان الأب أو وصيه كافرًا على كافر إن كان عدلًا في دينه بأن يمتثل ما يعتقده واجبًا وينتهي عما يحرمونه ويراعى مروءته، ولا ولاية لكافر على مسلم، قال الله تعالى: {وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} ثم بعد الأب ووصيه تكون الولاية لحاكم لإنقطاع الولاية من جهة الأب فتكون للحاكم كولاية النكاح؛ لأنه ولي مَن لا ولاية له، وتكفي العدالة في الولي ظاهرًا فلا يحتاج حاكم إلى تعديل أب أو وصية وللمكاتب ولاية ولده التابع له دون الحر؛ فإن عدم حاكم أهل فأمين يقوم مقام الحاكم والجد لا ولاية له؛ لأنه لا يدلي بنفسه وإنما يدلي بالأب فهو كالأخ والأم، وسائر العصبات لا ولاية لهم؛ لأن المال محل الخيانة ومن عدا المذكورين أو لا قاصر عنهم غير مأمون على المال، وقيل: للجد ولاية، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي.
قال في «الفائق»: وهو المختار فعليها يقدم على الحاكم بلا نزاع، ويقدم على الوصي على الصحيح.
قال في «الإنصاف»: هو الصواب، وذكر القاضي أن للأُّم ولاية، وقيل: لسائر العصبة أيضًا ولاية بشرط العدالة اختاره الشيخ تقي الدين، ذكره عنه في الفائق، ثم قال: قلت: ويشهد له حجر الإبن على أبيه عند خوفه. انتهى.
وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس، والله سبحانه وتعالى أعلم.
قال في «الإنصاف»: قلت: الذي يظهر أنه حيث قلنا للأُّم والعصبة ولاية أنهم كالجد في التقديم على الحاكم وعلى الوصي على الصحيح. انتهى.
وفي «الاختيارات الفقهية»: وأما تخصيص الولاية بالأب والجد والحاكم فضعيف جدًا، والحاكم العاجز كالعدم. انتهى.
نقل ابن الحكم فيمن عنده مال تطالبه الورثة فيخاف من أمره ترى أن يخبر الحاكم ويدفعه إليه؟ قال الإمام: أما حكامنا اليوم هؤلاء فلا أرى أن يتقدم إلى أحد منهم ولا يدفع إليه شيئًا، وقال في «الغاية وشرحها»: ويتجه وهو أي ما قاله الإمام الصحيح الذي لا ريب فيه وكلامهم أي الأصحاب محمول على حاكمٍ أهل إن وجد وهو أندر من الكبريت الأحمر، وهذا ينفعك.
كل موضع اعتبر فيه الحاكم فاعتمده واحفظه؛ فإن مُهم جدًا. اهـ.
وحرم تصرف ولي صغير وولي مجنون وسفيه إلا بما فيه الأحظ للمحجور عليه؛ لقوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ اليَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، والسفيه والمجنون في معناه وإن تبرع الولي بصدقة أو هبة أو حابة بأن باع من مال موليه بأنقص من ثمنه أو اشترى له بأزيد أو زاد في الإنفاق على من تلزمهما مؤنته بالمعروف ضمن ما تبرع به وما حابى به، والزائد في النفقة لتفريطه، ولِلْوَلي تعجيل نفقة موليه مدةً جرت به عادةُ أهل بلده إن لم يفسدها وتدفع النفقة إن أفسدها يومًا بيوم؛ فإن أفسد النفقة مُولى عليه بإتلاف أو دَفَعَ لغيره أطعمه الوليُّ معاينة، وإلا كان مفرطًا؛ فإن أفسد كسوته ستر عورته فقط في بيت إن لم يمكن التحيل على إبقائها عليه ولو بتهديد وزجر وصياح عليه ومتى أراه الناس ألبسه؛ فإن عاد نزعه عنه ويقيد المجنون إن خيْف عليه، ولا يصح أن يبيع وليُ الصغير والمجنون أو يشتري أو يرتهن من مالهما لنفسه أو يقترض لنفسه من مالهما؛ لأنه مظنة التهمة إلا الأب فله ذلك ويلي طرفي العقد؛ لأنه يلي بنفسه والتهمة منفية بين الوالد وولده إذ من طبعه الشفقة عليه والرحمة والميل إليه وترك حظ نفسه لحظه بخلاف غيره وللأب مكاتبة قنهما أي الصغير والمجنون؛ لأن فيه تحصيلًا لمصلحة الدنيا والآخرة وقيدها بعض الأصحاب بما إذا كان فيها حظ، ولأب وغيره عتقه قنهما على مال؛ لأنه معاوضة فيها حظ أشبه البيع وليس له العتق مجانًا، وقيل: بلى لمصلحة بأن يكون له أمة لها ولد يُساويان مجتمعين مائة ولو أفردت ساوت مائتين ولا يمكن إفرادها بالبيع تتعين الأخرى لتكثر قيمة الباقية، أو تساوي أمةٌ وَولدها مائة ويساوي أحدهما مائة، ولأب وغيره تزويج قن الصغير والمجنون لمصلحة ولو بعضه ببعض كعبده بأمته لإعفافه عن الزنا وإيجاب نفقة الأمة على زوجها ولأب وغيره إذنه أي رقيق محجوره في تجارة بماله كإتجار وليه فيه بنفسه ولأب وغيره سفر مالهما للتجارة وغيرها مع أمن بلد وطريق لجريان العادة به في مال نفسه؛ فإن كان البلد أو طريقه غير أمنٍ لم يجُز.
وفي «الإقناع»: في غير بحر وعلله بعضهم بأنه مظنة عدم السلامة والولي لا يتصرف إلا بالأحظ مع مظنه عدم السلامة ولا يدفع الولي مالهما، إلا إلى الأمناء؛ لأنه لا حظّ لهما في دفعه لغير أمين ولا يُغَررْ الولي بمالهما بأن يعرضه لما هو متردد بين السلامة وعدمها لعدم الحظ لهما، قال ابن نصر الله: وإن دفعه إلى ولده أو غيره ممن ترد شهادته له فهل هو كما لو أتجر فيه بنفسه أو كما لو دفعه إلى أجنبي ظاهرُ إطلاقهم أنه كالأجنبي.
والأظهر أنه كما لو أتجر فيه بنفسه قياسًا على بيع الوكيل ممن ترد شهادته له ولم أجده نقلًا. اهـ.
وللولي الإتجار بالمال بنفسه؛ لحديث ابن عمر مرفوعًا: «مَن ولي يتيمًا له ماله فليتجر به، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة»، وروي موقوفًا على عمر وهو أصح رواية ممن رأى هذا الحديث مرفوعًا؛ ولأنه أحظ للمولى عليه وللمحجور عليه ربحهُ كلُّهُ؛ لأنه نماء مال فلا يستحقه غيره إلا بعقد ولا يعقدها الولي لنفسه للتهمة، وللولي دفع مال محجور عليه لغيره مضاربة بجزءٍ مشاع معلومٍ من ربحه؛ لأن عائشة -رضي الله عنها- أبضعت مال محمد بن أبي بكر، ولنيابة الولي عن محجوره في كل ما فيه مصلحة وللعامل ما شورط عليه ولولي بيع مال موليه إلى أجل لمصلحة وله قرضه ولو بلا رهن لمصلحة بأن يكون ثمن المؤجل أكثر مما يباع به حالًا أو يكون القرض لِمَلِيء ويأمن جحوده خوفًا على المال من نحو سفر وإن أمكن الولي أخذ رهن أو ضمين بثمن أو قرض، فالأولى أخذه إحتياطًا.
قال ناظم المفردات: مالُ اليتيم لِلْوَلي عندنا ... إقْراضُه لِثِقَةٍ تَبَيَّنَا قولانِ في اشتراط أخذ الرهنِ ... والقطعُ باشتراطِهِ في المغني
وإن ترك الولي التوثيق مع إمكانه فضاع المال لم يضمنه الولي؛ لأن الظاهر السلامة.
قال القاضي: ومعنى الحظ في قرض مال الصبي والمجنون: أن يكون للصبي أو المجنون مال في بلد فيريد الولي نقله إلى بلد آخر فيقرضه من رجل في ذلك البلد ليقتضيه بدله في بلده يقصد الوليُّ بذلك حفظه من الغرر في المخاطرة في نقله أو يخاف عليه الهلاك من نهبٍ أو غرق أو غيرهما أو يكون مما يتلف بتطاول المدة أو يكون حديثه خيرًا من قديمه كالحنطة ونحوها فيقرضه خوفًا من السُوْسِ أو مِن أن تنقصَ قيمتُه وأشباه ذلك، وإن لم يكن فيه حظًا لم يجز ولا يقرضه لمودة ومكافأة وله هبتهُ بعوض؛ لأنها في معنى البيع وفيها ما فيه وله رهنه لثقة لحاجة وإيداعه، ولو مع إمكان قرضه لمصلحة وله شراء عقار من مالهما لِيَسْتغلَّ لهما مع بقاء الأصل، وهذا أولى من المضاربة به وله بناء العقار لهما من مالهمَا؛ لأنه في معنى الشراء إلا أن يتمكن من الشراء ويكون أحظ فَيتعيَّن عليه ويكون بناؤه بما جرت به عادة أهل بلده؛ لأنه العرف فيفعله لمصلحة؛ فإن لم تكن فلا، وله شراء ضحية لمحجور عليه موسرًا وحمله في «المغني» على يتيم يعقلها؛ لأنه يوم عيد وفرح فيحصل بذلك جبر قلبه وإلحاقه بمن له أب كالثياب الحسنة مع استحباب التوسعة في هذا اليوم وله مداواة عليه ولو بأجرة لمصلحة ولو بلا إذن حاكم وله حمله بأجره ليشهد الجماعة، وله ترك صبي بمكتب لتعلم خط ونحوه بأجرة؛ لأنه من مصالحه أشبه ثمن مأكوله، وكذا لو تركه بدكان لتعلّم صناعة وله تجهيز صغيرة إذا زوّجها أو كانت مزوجة بما يليق بها من لباس وحلي وفرش على عادتهن في ذلك، وله أيضًا خلط نفقة موليه بماله إذا كان أرفق به وألين لعيشه في الخبز وأمكن في الأدم؛ لقوله تعالى: {وَإِن تُخَالِطُوَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} وإن كان أفراد اليتيم أرفق به أفرده مراعاة لمصلحة.
قال في «الاختيارات الفقهية»: ولو مات من يتجر لنفسه وليتيمه بماله وقد اشترى شيئًا ولم يعرف لمن هو لم يقسم ولم يوقف الأمر حتى يصطلحا، كما يقوله الشافعي: بل مذهب أحمد أنه يقرع فمن قرع حَلف وأخذ ولولي صغير ومجنون بيع عقارهما لمصلحة لكونه ي مكان لا غلة فيه أو فيه غلة يسيرة أو له جار سوء أو ليعمر به عقاره الآخر أو احتاج إلى نفقة أو كسوة أو قضاء دين أو ما لابد منه للصغير والمجنون وليس له ما تندفع به حاجته أو يخاف عليه الهلاك بغرق أو خراب ونحوه أو يكون في بيعه غبطة، وهي أن يبذل فيه زيادة كثيرة على ثمن مثله ولو بلا ضرورة لبيعه وأشباه هذا مما لا ينحصر، وقد نظم البدر الدميني الأسباب التي يباع عقار المحجور عليه لأجلها وعدّها إثنا عشر على مذهب الموالك.
فقال: إذا بيع رَبْعٌ لليتيم فبيعُه لأشياء يُحصيها الذكيُ بفَهْمِهِ قضاءٌ وإنفاق ودعوى مشارك إلى البيع فيما لا سبيل لقَسْمِهِ وتعويضُ كُلٍ أو عقارٍ مُخَرَّبٍ وخوف نزول فيه أو خوف هَدْمِه وبذلُ الكثير الحل في ثمن لَهُ وخِفَّةِ نَفْعٍ فيه أو ثُقْلِ غُرمِهِ وترك جوار الكفر أو خوف عُطْلِهِ فحافظ على فعل الصواب وحكمه
ويجب على ولي الصغير والمجنون قبول وصية لهما بمن يعتق عليهما من أقاربهما إن لم تلزمهما نفقته لإعسار أو غيره كوجود أقرب منهمخا أو قدرة عتيق على تكسب؛ لأن قبول الوصية إذًا مصلحة وإلا بأن لزمتهما نفقته حرم قبول الوصية به لتفويت مالهما بالنفقة عليه، وإن لم يمكن الولي تخليص حق الصغير والمجنون إلا برفع المدين لوال يظلمه رفعه الولي إليه؛ لأنه الذي جر الظلم إلى نفسه كما لو لم يمكن رد المغصوب إلى مالكه إلا بكلفة عظيمة فلربّه إلزام غاصبه برده، ويستحب إكرام اليتيم وإدخال السرور عليه ودفع النقص والإهانة عنه فجبر قلبه من أعظم مصالحه، وكذا الإحسان إليه ومن ذلك تعليمُه وكفالُته ورعايةُ حاله والتلطف به والشفقةُ عليه والعنايةُ بأموره وتنميةُ مالِهِ ونحو ذلك من أنواع الإحسان وقد ورد في الحث على الإحسان إليه آياتٌ وأحاديثٌ منها قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ اليَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ}، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «أنا وكافل اليتيم كاهتين في الجنة»، وقال: «من مسح رأس يتيم لم يمسحه إلا لله كان له بكل شعرة تَمُر عليها يَدُه حسنات»، وقال: «من أوى يتيمًا إلى طعامه وشرابه أوجب الله له الجنة البتة إلا أن يعمل ذنبًا لا يغفر».
وفي حديث أبي الدرداء: «أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟ إرحم اليتيم، وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك يلن قلبك» رواه الطبراني في «الكبير».
من النظم فيما يتعلق في الصغير والمجنون من قبل الولاية على الترتيب وحجر الصبا والجن للأب ثم مَن ... يُوصّيه إن لم يَدْر فِسْقهما اشهدِ وبعدهما للحاكم اجعَلْ وعنه بَلْ ... لجدهما بعد الأب المتوددِ وفي كونه قبل الوصي تَرَدُّدُّ ... وفي كافر عَدْلٍ لَديْهم تَرَدُّدِ وما للولي مِن غيرِ حظٍ تصرفٌ ... ولا عقدُه لِلنَّفس إلا أبًا قد فيبتاع من طفل أبوه لنفسه ... ومن نفسه للطفل غير مصدد وعن أن يزد عن غيره أو يوله ... سوى الأب جوز والكفيل الذي اعدد وفي بيعه لإبن ومن كاتب أو أب ... وإيجارة وجهين فيما يلي أسند ويضمن ما أراده في غير جائز ... ولو فوق إنفاق عليه مقيد ويقبل فيها قوله وله إذا ... كتاب وتزويج الرقيق إن وجب قد وعتق بمال إن رأى فيه حظه ... وتضحية للموسر اخْبأ وقدد وعن أحمد ما أن تصير ضحية ... وقيل لمن يعقل كذا افهم وقيد وتعليمه خطأ بأجر وصنعة ... وتسفير مال والمضاربة اعهد وقرض برهن ثم بيع نَسَاءٍ واشتراء ... عقار والبنا بالمعود وإن يتجر بالمال فالربح كله ... لموليه هذا هو المذهب اعضد وجوز أجر المثل فيه أبو الوفا ... أو النزر من حظ بربح معود وبيع العقار احذره إلا ضرورة ... وغبطتهم كالثلث فوق العود والأولى عدم تقييده بل لحظهم ... يباع كتعويض به خير مَقْصَدِ وموصى به للطفل الملك معتق ... ولا غُرم فليقبل وإلّا ليردد وجوز له إيداع أمواله إن يكن ... أحظ وقرضًا دون رهن لجيد
فصل في عود السفه بعد فك الحجر عنه س12: تكلم بوضوح عن أحكام ما يلي: لِمَن النظر فيمن بلغ سفيهًا واستمر أو مجنونًا، مَن فك عنه الحجر فعاوده السفه، إذا فسق السفيه ولم يبذر أو جن بعد بلوغه ورشده فما الحكم، ولمن النظر: الشيح الكبير إذا اختلّ عقله هل يحجر عليه؟ ماذا يستحب نحو المحجور عليه، تزوج السفيه البالغ، عتق السفيه البالغ لرقيقه، إجبارُ الولي السفيه على الزواج إذا علم أنه يُطلق، إذا أفسد السفيه نفقته أو كسوته، تدبير السفيه ووصيته وعتقه وهبته ووقفه ونذره عبادة، ومطالبته بالقصاص وعفوه وإقراره بنسب أو طلاق أو قصاص، شركته أو حوالته أو الحوالة عليه أو ضمانه أو كفالته... إلخ.
ج: مَن بلغ سفيهًا واستمر أو بلغ مجنونًا، فالنظر في ماله لوليه قبل البلوغ من أب أو وصيه أو الحاكم لما تقدم، ومن فك عنه الحجر بأن بلغ عاقلًا رشيدًا فعاوده السفه أعيدَ الحجر عليه؛ لأن الحجر يدور مع علته وجودًا وعدمًا؛ فإن فسق السفيه ولم يبذر لم يحجر عليه خصوصًا على القول بأن الرشد إصلاح المال، ولا يحجر على من سفه أو جن بعد بلوغه ورشده إلا الحاكم؛ لأن التبذير الذي هو سبب الحجر ثابتًا يختلف فاحتاج إلى الاجتهاد وما احتاج إلى الاجتهاد لم يثبت إلا بحكم حاكم كالحجر على المفلس.
قال في «شرح الإقناع»: وهذا واضح بالنسبة لمن سفه؛ وأما مَن جُنَّ، فالجنون، قال في المبدع: لا يفتقر إلى اجتهاد بغير خلاف ومعناه في «المغني» اهـ.
ولا ينظر في مال من سفه أو جُن بعد بلوغه ورشده وحجر عليه إلا الحاكم؛ لأن الحجر عليهما يفتقر إلى الحاكم وفكّه كذلك فكذا النظرُ في مالهما ولا ينفكُ الحجرُ عنهما إلا بحكمه؛ لأنه حجر ثبت بحكمه لم يزل به كالفلس، وقيل: ينفك بمجرد رشده، قاله أبو الخطاب؛ لأن سبب الحجر زال فيزول بزواله، كما في حق الصبي والمجنون والشيخ الكبير إذا اختل عقله حجر عليه بمنزلة المجنون لعجزه عن التصرف في ماله ونقل المروزي أرى أن يحجر الابنُ على الأب إذا أسرف في ماله بأن يضعه في الفساد وشراء المغنيات ونحوه.
قلت: وكذا صرفه في تلفزيون أو سينما أو صور أو مذياع أو بكمات أو دخان. اهـ.
ومن حجر عليه استحب إظهاره والإشهاد على الحجر عليه لتجنتب معاملته، وتقدّم ولا يصح تزوجه إلا بإذن وليه؛ لأنه تصرف يجب به مال فلم يصح بغير إذن وليه كالشراء إن لم يكن السفيه محتاجًا إلى التزوج وإن كان محتاجًا إلى التزوج صح تزوجه بغير إذن وليه؛ لأنه إذًا مصلحة محضة، والنكاح لم يشرع لِقصد المال وسواء إحتاج لمتعة أو خدمة ويتقيد السفيه إذا تزوج بمهر المثل، فلا يزيد؛ لأن الزيادة تبرع وليس من أهل التبرع، وتلزم الولي لسفيه زيادة زوَّج بها فيدفعها من ماله لتعدّيه ولا تلزم زيادة أذن فيها؛ لأنه لم يباشرها ووجود الإذن كعدمه، ولا تلزم أيضًا السفيه، وفي «الإنصاف»: ويحتمل لزومهُ زيادة أذن فيها كتزويجه بها في أحد الوجهين: والثاني تبطل هي للنهي عنها فلا يلزم أحدًا، قلت: ويحتمل أن تلزم الولي. اهـ.
وللولي إجبار السفيه على النكاح إن امتنع منه لمصلحته كإجباره على غيره من المصالح وكسفيهة فلولَيها إجبارها النكاح لمصلحتها وإن أذن لسفيه وليٌ في تزويج لم يلزم تعيين المرأة في الإذن، قال في «المغني» و«الشرح»: الولي يخيَّر بين أن يعين له المرأة أو يأذن له مطلقًا ونصراه.
قال في «الإنصاف»: وهو الصواب وجزم به ابن رزين في «شرحه»، والوجه الثاني يلزم تعيين المرأة له. اهـ.
وإن علم الولي أن السفيه يُطلق إذا زوَّجه اشترى له أمةً يتسرَّى بها ويصح طلاقه؛ لأن الطلاق ليس إتلافًا إذ الزوجة لا ينفذُ بيع زوجها ولا هبتُه لها ولا تُورثُ عنه لو مات فليستْ بمال بخلاف أمتِهِ وغُرْمِ الشاهد بالطلاق قبل الدخول إذا رجعا نصف المسمى، إنما هو لأجل تفويت الإستمتاع بإيقاع الحيلولة، وإن يتلفا مالًا كرجوع من شهد بما يُوجب القودَ، وقوله: أخطأتُ، وأيضًا فالعبد يصح طلاقُه، فالسفيه أولى ويصح من السفيه نذرُ كل عبادة بدنية من حج وغيره كصوم وصلاةٍ؛ لأنه غير محجور عليه في بدنه لا نذرُ عبادة ماليةٍ كصدقةٍ وأضحيةٍ، وتقدم حكم ما إذا أحرم السفيه بحج فرض أو نفل وحكم نفقته في كتاب الحج والعمرة (ص208) من الجزء الثاني من «الأسئلة والأجوبة الفقهية»، ولا يصح عتق السفيه لرقيقهِ؛ لأنه تبرع أشبه هبته ووقفه، ولا تصح شركةُ السفيه ولا حوالتُه ولا الحوالة عليه ولا ضمانُه لغيره ولا كفالته بيد إنسان؛ لأن ذلك تصرفٌ مالي، فلم يصح منه كالبيع والشراء ويصح تدبيره ووصيته؛ لأنه لا ضرر عليه فيهما، ويصح إستيلاده للأمة المملوكة له وتعتق الأمة المستولدة له بموتِهِ وللسفيه المطالبة بالقصاص؛ لأنه يستقل بما لا يتعلق بالمال مقصودُه وله العفو عن القصاص على مال، ولا يصح عفُوه عن القصاص على غير مال ويأتي إن شاء الله في العفو عن القصاص على غير مال، ويأتي إن شاء الله في العفو عن القصاص وتحرره وأنه يصح وإن أقرَّ بما يُوجب الحدَ من نحو زنا أو قذف أخِذَ به في الحال أو أقرَّ السفيهُ بطلاقٍ أو قصاصٍ أخذ به في الحال.
قال ابن المنذر: هو إجماعُ من تحفظُ عنه من أهل العلم؛ لأنه غير مُتهم في نفسه، والحجر إنما يتعلق بماله فيقبل على نفسه ولا يجب مال عُفي عليه عن قصاص أقرَّ به السفيه لاحتمال التواطئ بينه وبين المقر له؛ فإن فُكَّ حجره أخذه وإن أقر بمال كثمن وقرض وقيمة متلف فبعد فك الحجر يؤخذُ به؛ لأنه مكلف يلزمه ما أقر به كالراهن يُقر الرهن ولا يقبل في الحال لئلا يزول معنى الحجر؛ لكن إن علم الولي صحة ما أقرّ به السفيه لزمه أداؤه في الحال وتصرف ولي السفيه في ماله كتصرف ولي الصغير والمجنون على ما تقدم؛ لأن الحجر عليه لحظِ نفسه أشبه الصغير، وإن أقر السفيه بخلع أخذ به في الحال كطلاقه وظهاره وإيلائه ولا عوض له أن كذبته مختلعة وإن صدقته فلا يقبض العوض؛ إن قبضه لم يصح قبضه على الصحيح من المذهب، وللولي أخذه منها ثانيًا؛ لأن إقباضها للسفيه غيرُ مبرئ ويصح إيلاؤه وظهارهُ ولعانُه ونفيُ النسب باللعان عن السفيه، وإن أقرّ السفيه بنسب ولدٍ أو نحوه صحَّ إقراره ولزمته أحكامُه من نفقةٍ وغيرها كالسكنى والإرث كنفقة الزوجة والخادم، ولا يُفرقُ السفيهُ زكاةَ مالِهِ بنفسه، بل يُفرقها وليهُ كسائر تصرفاته المالية.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 5:46 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الخامس الثلاثاء 01 ديسمبر 2015, 1:37 am | |
| فصل للولي الأكل بالمعروف س13: تكلم بوضوح عن أحكام ما يلي: مقدار ما يأكله الولي من مال المولي عليه، وهل يحتاج إلى من يقدر له؟ وهل يلزمه عوض إذا أيسر؟ وهل يقرأ في مصحف اليتيم؟ وما مقدار ما يأكله ناظر الوقف والوكيل في الصدقة وإذا زال الحجر فادعى الصغير أو السفيه أو المجنون على الولي تعديًا في ماله أو ادّعى ما يوجب ظلمًا من نحو تفريط أو نحوه فَمِنَ القولُ قولُه وإذا ادعى الولي وجودَ ضرورةٍ أو غبطةٍ أو مصلحةٍ أو تلفٍ أو دفع مال، فما الحكم؟ واذكر ما يتعلق بذلك من تفاصيل ومحترزات وأدلة وتعليلات وخلاف وترجيح.
ج: للولي المحتاج غير الحاكم وأمينه أن يأكل من مال المولي عليه بالمعروف؛ لقوله تعالى: {وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} وروى عمرو ابن شعيب، عن أبيه، عن جده: أنَّ رجلًا أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: إني فقير، وليس لي شيء، ولي يتيمٌ، فقال: «كل مِن مالِ يتيمك غيرَ مُسْرفٍ» رواه أبو بكر، ويأكلُ الأقلَّ من أجرة مثله أو قدر كفايته؛ لأنه يستحقه بالفعل والحاجة جميعًا فلم يجز إلا ما وجدا فيه، فإذا كان كفايته أربعة ريالات مثلًا وأجرة عمله ثلاثة أو بالعكس لم يأكل إلا الثلاثة فقط.
ويأكل الوليُ بالمعروف ولو لم يقدره الحاكم؛ وأما الحاكم وأمينه فلا يأكلان شيئًا لاستغنائهم بمالهما في بيت المال، ولا يلزمُ الوليَّ عوض ما أكله إذا أيسر؛ لأن ذلك جعل عوضًا له عن عمله فلم يلزم عوضه كالأجير والمضارب، ولظاهر الآية فإنه تعالى لم يذكر عوضًا بخلاف المضطر إلى طعام غيره لا إستقرار عوضه في ذمته.
قال في «الإنصاف»: تنبيه: تمثل ذلك في غير الأب، فأما الأب فيجوز له الأكلُ مع الحاجة وعدمها في الحكم ولا يلزمُه عوضُه على ما يأتي في باب الهبة، وإن كان الولي غنيًا لم يجز له الأكل من مال المُولى عليه؛ لقوله تعالى: {وَمَن كَانَ غَنِياًّ فَلْيَسْتَعْفِفْ} فإن قدَّر الحاكمُ للولي شيئًا جاز له أخذه مجانًا فلا يغرم بدله بعد ولو مع غناه، وللحاكم القرض حيث رأى فيه مصلحة ولا يَقْرَ الولي ولا غيره في مُصحف اليتيم إن كان ذلك يُخلقه ويُبليه لِما فيه من الضرر عليه، ويأكل ناظر وقف بمعروف إذا لم يشترط الواقف له شيئًا؛ لأنه يساوي الوصي معنىً وحكمًا وليس من المعروف مجاوزة أجرة مثله؛ فإن شرط له الواقف شيئًا فله ما شرط.
وقال الشيخ تقي الدين لناظر الوقف: أخذُ أجرة عمله مع فقره، وقال: ولا يقدم بمعلومه بلا شرط إلا بأخذ أجرة عمله مع فقرة كوصي اليتيم والوكيل في تفريق الصدقة لا يأكل منها شيئًا لأجل العمل؛ لأنه يمكنه موافقة الموكل على الأجرة، بخلاف الوصي ولا يأكل لفقره ولو كان محتاجًا؛ لأنه منفذ ومتى زال الحجر عن الصغير أو المجنون أو السفيه، فادَّعى أحدهم على الولي تعدَّيًا في ماله أو ادعى ما يُوجب ضمانًا من نحو تفريط أو محاباة أو تبرع ونحوه بلا بينةٍ فالقول قول الولي؛ لأنه أمين كالمودع حتى في قدر نفقة عليه وقدر كسوة أو قدر نفقة أو كسوة على مال المحجور عليه من رقيق أو بهائم ويُقبل قولُه في قدر النفقة على من تلزمه نفقته من زوجة وقريب، ويُقبل في قدر نفقة على عقاره إن أنفق عليه في عمارة بالمعروف من ماله أي الولي ليرجع على المحجور عليه ما لم يعلم كذبُ الولي بأن كذب الحس دعواه أو تخالفه عادة وعرف، فلا يقبل قوله لمخالفته الظاهر؛ لكن لو قال الوصيُ: أنفقتُ عليك ثلاثَ سنين، وقال اليتيم: مات أبي منذ سنتين، وأنفقت علي من أوان موته، فقول اليتيم بيمينه؛ لأن الأصل موافقتُه ويُقبل قولُ الولي أيضًا في وجود ضرورةٍ وغبطةٍ ومصلحةٍ اقتضت بيع عقارِ المحجورِ، ولا يُعتبر ثبوتُ ذلك عند الحاكم؛ لكنه أحوط دفعًا للتهمة، ويُقبل قول الولي أيضًا في تلف مال محجورٍ عليه أو بعضه؛ لأنه أمين، وحيث قُلنا القول قولُ الولي؛ فإنه يحلف لاحتمال قول اليتيم غير حاكم فلا يحلف مطلقًا لعدم التُّهمة، ويُقبل قول الولي في دفع المال إليه بعد بلوغه ورشده وعقله إن كان الولي متبرعًا؛ لأنه أمين أشبه المودعِ وإن كان الولي قبض المال لحظه فلم تقبل دعواه الرد كالمرتهن والمستعير، وليس لزوجٍ حجرٌ على امرأتِهِ الرشيدةِ في تبرع في شيء من مالها، ولو زاد تبرعُها على الثلث؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً}، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «يا معشر النساء، تصدقن ولو من حليكن» وكن يتصدقن ويقبل منهن، ولم يستفصل، وقياسها على المرض فاسد؛ لأن المرض سبب يُفضي إلى وصول المال إليهم بالميراث والزوجية، إنما تجعله من أهل الميراث فهي أحد وصفي العلة، فلا يثبتُ الحكم بمجردها كما لا يَثبت لها الحجر على زوجها.
والقول الثاني: ليس لها التصرف في مالها بزيادة على الثلث بغير عوض إلا بإذن زوجها، وبه قال مالك، وحكى عنه في امرأة حلفت بعتق جارية ليس لها غيرها فحنثت ولها زوج فرد ذلك عليها زوجها، قال له: أن يرد عليها وليس لها عتق؛ لما روي أن امرأة كعب بن مالك أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- بحُلي لها، فقال لها النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا يجوز للمرأة عطية حتى يأذن زوجها، فهل استأذنت كعبًا؟» فقالت: نعم، فبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى كعب، فقال: «هل أذِنْت لها أن تتصدق بحُليها»، فقال: نعم، فقبله. رواه ابن ماجه.
وروي أيضًا عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال في خطبة خطبها: «لا يجوز لامرأة عطية في مالها إلا بإذن زوجها، إذ هو مالك عصمتها» رواه أبو داود، ولفظه عن عبد الله بن عمرو: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها» ولأن حق الزوج متعلق بمالها؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «تنكح المرأة لمالها ولجمالها ولدينها»، والعادة أن الزوج يزيد في مهرها من أجل مالها ويتسبط فيه وينتفعُ به وإذا أعسر بالنفقة أنظرته فجرى ذلك مجرى حقوق الورثة المتعلقة بمال المريض.
والقول الأول: قول أبي حنيفة والشافعي وهو ظاهر كلام الخرقي، وهو الذي تطمئن إليه النفس، يؤيده أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أتته زينب امرأة عبد الله ابن مسعود وامرأة أخرى اسمها زينب، فسألته عن الصدقة هل يجزؤهن أن يتصدقن على أزواجهن وأيتام لهن؟ فقال: «نعم» ولم يذكر لهن هذا الشرط، ولأن من وجب أن يدفع ماله إليه لرشده جاز له التصرّف فيه من غير إذنٍ كالغلام، وحديثهم ضعيف وشعيب لم يذكر عبد الله بن عمرو فهو مرسل، ويمكن حمله على أنه لا يجوز عطيتها من ماله بغير إذنه، بدليل أنه يجوز عطيتها ما دون الثلث من مالها، وليس معهم حديث يدل على تحديد المبلغ بالثلث، والتحديد بذلك تحكم ليس فيه توقيف، ولا عليه دليل. والله أعلم.
وليس لحاكم حجر على مقتر على نفسه وعياله؛ لأن فائدة الحجر جمع المال وإمساكه لا إنفاقه، وقال الأزجي: بلى فعليه لا يمنع من عقوده ولا يكف عن التصرف في ماله؛ لكن ينفق عليه جبرًا بالمعروف من ماله.
فصل لولي المميز ولسيد العبد الإذن لهما في التجارة س14: إذا أذن ولي المميّز أو السيّد للعبد في التجارة فهل ينفك الحجر عنهما؟ وإذا أذن الوليُ أو السيدُ للمميزِ أو العبدِ أن يشتري في ذمتَّه أو أقرَّا بشيء أو أجَّر المميزُ أو العبد نفسه أو توكل لغيره أو وكَّل أو عزلَ سيدٌ قِنَّهُ، فما الحكم؟ ما حكم تصرفُ الطفل دون التمييز وشراء العبد من يعتق على سيده لرحم أو غيره أو شراء امرأة سيده أو شراء زوج صاحبة المال، وإذا رأى العبد سيده يتجر فلم ينههُ أو رأى المُميز وليُّه يتَّجِرُ فلم ينههُ، فهل يصير مأذونًا له، وإذا تصرف غير المأذون له ببيعٍ أو شراء أو وُجد ما أخذهُ المميزُ أو العبدُ من مبيع أو غيره أو تلف ما أخذه المميز والعبد فما الحكم؟ واذكر الدليل والتعليل والتفصيل والمحترزات والخلاف والترجيح.
ج: لولي المميز ذكرًا كان أو أنثى ولسيدِ عبدٍ مميز أو بالغٍ الإذنُ لهما في التجارة؛ لقوله تعالى: {وَابْتَلُوا اليَتَامَى} الآية، أي اختبروهم تعلموا رشدهم، وإنما يتحقق ذلك بتفويض الأمر إليهم من البيع والشراء ونحوه؛ ولأن المميّز عاقل محجور عليه، فصح تصرفه بإذن وليه كالعبد الكبير والسفيه، وفارق غير المميّز؛ فإنه لا تحصل المصلحة بتصرّفه لعدم تمييزه ومعرفته ولا حاجة إلى اختباره؛ لأنه قد علم حاله.
وقيل: لا يصح تصرف الصبي المميز بالإذن وهو قول الشافعي؛ لأنه غير مكلف أشبه غير المكلّف؛ ولأن العقل لا يمكن الوقوف منه على الحد الذي يصلح به للتصرف لحقائه وتزايده تزايدًا خفي التدريج، فجعل الشارع له ضابطًا، وهو البلوغ فلا تثبتُ له أحكام العقلاء قبل وجود المظنة، والقول الأول هو الذي تميل إليه النفس.
وقولهم: إن العقل لا يمكن الإطلاع عليه، قال في «الشرح»: يعلم ذلك بآثاره وجريان تفرقاته على وفق المصلحة كما يعلم في حق البالغ؛ فإن معرفة رشده شرط دفع ماله إليه وصحة تصرفه. اهـ. والله أعلم.
ومع تعدد سيد لقن لابُدَّ من إذن الجميع؛ لأن التصرف في شغله نفسه مشترك بينهم فاعتبر الإذن من جميعهم، وإلا كان غاصبًا ومثلُه حرٌ عليه وصيان وينفك الحجرُ عن المميز والعبد، فيما أذن الولي والسيّد لهما فيه فقط، فإذا أذن لهما في التجارة في مائة لم يصح تصرفهما فيما زاد عليها وينفك عنهما الحجر في النوع الذي أمرا بأن يتجرا فيه فقط؛ لأنهما يتصرفان بالإذن من جهة آدمي فوجب أن يتقيدا بما أذن لهما فيه كوكيل ووصي في نوع من التصرفات، فليس له مجاوزته كمن وُكِّلَ أو وُصي إليه في تزويج لشخصٍ مُعين فليس له أن يزوِّج من غيره، وكمنْ وكَّلهُ رشيدٌ في بيعِ عينٍ من مالٍ فليس للوكيل بيعُ غيرها عن ملكه ويستفيد وكيل في بيع عين أو إجارتها ونحوه العقد الأول فقط؛ فإذا عادت العين لِمُلْكِ المُوكل ثانيًا لم يملك الوكيل العقد عليها ثانيًا بلا إذن متجدد إلا أن رد المبيع ونحوه عليه لفسخ بنحو عيب وخيار فيبيعه ثانيًا؛ لأن العادة جارية بذلك ومأذونٌ له في التجارة، ومن حُرٍ وقنٍّ مُميز في بيع نسيئة وغيره كبعَوضِ كمضارب، فيصح لا كوكيل؛ لأن الغرض هنا الربح كالمضاربة، وإن أذن الولي أو السيدُ للمُميز أو العبد أن يشتري في ذمته جاز له الشراء في ذمته عملًا بالإذن، ويصح إقرار المميّز والعبد بقدر ما أذن لهما فيه؛ لأن الحجر انفك عنهما فيه، وليس لأحد منهما أن يُوكِّلَ فيما يتولى مثلُه من العمل بنفسه إذا لم يُعجزْهُ؛ لأنهما يتصرّفان بالإذن فاختصا بما أذن لهما فيه كالوكيل وإن أذن الولي للمميز أو السيدُ للعبد في جميع أنواع التجارة، لم يجزُ أن يُؤجرَ نفسَه ولا أن يتوكَّلَ لغيره، ولو لم يُقيد الولي أو السيدُ عليه؛ لأنه عقدٌ على نفسه فلا يملكُه إلا بالإذن كبيع نفسه وتزويجه؛ ولأن ذلك يشغله عن التجارة والمقصودة بالإذن، وإن وكل المميز أو العبد المأذونُ له فكوكيل يصح فيما يعجزه وفيما لا يتولى مثله بنفسه فقط، ومتى عزل سيدٌ قنه المأذون له إنعزل وكيل القن كإنعزال وكيل وكيلٍ بعزله وكانعزال وكيل مضارب بفسخ رب المال المضاربة؛ لأنه يتصرف لغيره بإذنه وتوكيله نوع إذنه؛ فإذا بطل الإذن بطل ما يبني عليه بخلاف وكيل صبي أذن له وليه أن يتجر بماله ووكَّل ثم منعه وليهُ من التجارة فلا ينعزل وكيلهُ، وبخلاف مرتهن أذن لراهنٍ في بيع رهنٍ فوكل فيه الراهنُ ثم رجع المرتهن فيه عن إذنه فلا ينعزلُ وكيلُ الراهن، وبخلاف مكاتب أذن له سيدُه فيما يحتاج إلى إذنه فوكّل فيه ثم منعه سيده فلا ينعزل وكيله؛ لأن كلًّا من هؤلاء الثلاثة متصرف لنفسه في ماله فلا ينعزل وكيله بتغير الحال؛ فإذا زال المانع تصرّف بالإذن الأول، ولا حاجة إلى تجديد عقد، والمجنون والطفل دون التمييز لا يصح تصرّفهما بإذن ولا غيره لعدم الإعتداد بقولهما، ويصح شراء العبد من يعتق على سيده لرحم أو غيره كتعليق بأن قال السّيدَ لعبدٍ: إن اشتريتك فأنت حرٌ فاشتراه مأذونُه، أو قال: إن ملكت عبد زيدٍ فهو حرٌ، فاشتراه مأذونه.
قال في «شرح الإقناع»: قلت: الظاهر أنه ليس له شراء من اعترف سيده بحريته؛ لأنه إفتداء وتبرع فلا يملكه. اهـ.
وللعبد شراء امرأة سيدهِ، وله شراءُ زوجِ صاحبة المال وينفسخُ نكاحها، وقيل: إنه لا يدخل في الإذن في التجارة أن يشتري قن مأذون له في التجارة من يعتق على مالكه لرحم أو قول؛ لأنه إنما إذن له أن يبيع ويشتري ما تحصل به التجارة لا أن يشتري ما يُنافيها، فهو في شراء رحم سيدهِ وزوجه غير مأذون لفظًا ولا عرفًا، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس. والله أعلم.
وإن رأى العبد سيدُه يتجر فلم ينهه لم يصر مأذونًا، وكذا إن رأى المميز وليُه يتجر فلم ينهه لم يصر مأذونًا له؛ لأنه تصرف يفتقر إلى الإذن، فلم يقم السكوت مقامه، كما لو تصرف أحد الراهنين في الرهن، والآخر ساكت، وكتصرف الأجانب فيحرم على عالم بأنه غير مأذون له معاملته لعدم صحة تصرفه؛ لأنه محجور عليه كالسفيه، وإذا تصرّف المميز أو العبد غَير المأذون له ببيع أو شراء بعين المال أو في ذمته أو تصرّف بقرض لم يصح التصرّف؛ لأنه محجور عليه ثم إن وجد ما أخذ المميز أو العبد من بيع أو غيره فلربّه أخذه من العبد أو المميّز وله أخذه من السيّد أو الولي إن كان بيده، وله أخذه حيث كان لفساد العبد؛ فإن تلف ما أخذه المميز أو العبد بنحو بيع في يد السيّد أو غيره رجع عليه مالكه ببدل ماله؛ لأنه تلف بيده بغير حق، وإن شاء المالك كان ما تلف بيد السيد متعلقًا برقبة العبد؛ لأنه الذي أحال بينه وبين ماله، فيخبر المال بين أن يرجع على السيّد أو العبد، وإن أهلك العبد ما قبضه ببيع أو غيره بغير إذن سيده تعلق البدل برقبته يفديه سيده أو يسلمه لمستحق البدل أو يبيعه إن لم يعتقه؛ فإن أعتقه لزم السيد الذي كان عليه قبل العتق، وهو أقله الأمرين من قيمته؛ فإذا تعلق برقبته مائة وقيمته خمسون فأعتقه سيده لم يلزمه سوى الخمسين؛ لأنه لم يفوت إلا خمسين، ويضمن ما قبضه العبد ببيع وقرض ونحوه بمثله إن كان مثليًا وإلا بقيمته؛ لأنه مقبوض بعقد فاسد؛ وأما ما قبضهُ المميزُ المأذونُ وأتلفه أو تلف فغير مضمون عليه، ويتعلق دَين مأذونٍ له في التجارة بذمة سيّده بالغًا ما بلغ؛ أنه غرّ الناس بمعاملته.
15- حكم استدانه العبد أو اقترضه س15: ما حكم استدانة العبدُ المأذون له أو اقترضه؟ وإذا حُجر على سيده أو جُن أو مات فهل يبطل الإذن؟ وبم تتعلق أروش جنايات العبد وقيم متلفاته؟ وما حكم بيع العبد المأذون له شيئًا؟ وإذا ثبت على العبد دين أو أرش جناية ثم ملكهُ من له الدين أو الأرشُ أو حَجَرَ على العبد المأذون وفي يده مال ثم أذن له فأقر بالمال أو كَسَبَ عبدٌ غيرُ مكاتب من مباح فما حكم ذلك؟ وما حكم معاملة من شك في الإذن له أو وجد إنسانٌ بما اشتراه من قنٍ عيبًا؟ وما الذي لا يبطلُ به الإذنُ؟ وما حكم تبرع المأذون له أو هديتهُ أو دعوتُه؟ وهل للقن الصدقةُ من قُوته؟ وهل للمرأة الصدقةُ من بيت زوجها بغير إذنه؟ وهل له الصدقة بطعامها؟ وهل لمن يقوم مقام المرأة الصدقة؟ وضح ذلك مع ذكر الدليل والتعليل والخلاف والتفصيل والترجيح.
ج: ما استدانه العبد المأذون له أو اقترضه بإذن السيد حكمه حكم ما استدانه للتجارة بإذنه، فيتعلق بذمة السيّد ولو زاد على قيمة العبد ويبطل الإذن بالحجر على سيده لسفه أو فلس وبموته وجنونه المُطْبَق وبسائر ما يبطل الوكالة؛ لأن إذنه له كالوكالة يبطل بما يبطلها، وتتعلق أروش جنايات العبد وقيمٌ مُتلقاته برقبته سواء كان مأذونًا له في التجارة أو لا، إذ الإذن في التجارة لا يتضمن الإذن في الجنايات والإتلافات، ولا فرق فيما لزمه من الديون بين أن يكون لزمه في التجارة المأذون له فيها أو فيما لم يؤذن له فيه مثل أن يأذن له في التجارة في البُر فيتجر في غيره من أنواع التجارة أو يستدين لغير ذلك؛ لأن إذنه له في التجارة لا ينفك عن التغرير إذ يظن الناس أنه مأذون له في ذلك أيضًا فيعاملونه، وإذا باع السيدُ عبدَه المأذونَ له شيئًا أو اشتراه منه لم يصح؛ لأن العبد وما بيده ملكٌ للسيد وليس له أن يسافر بلا إذن سيده بخلاف المضارف والمكاتب؛ لأن ملك السيد في رقبته وماله أقوى، وإذا ثبت على العبد دينٌ أو أرشُ جناية ثم ملكه مَنْ له الدين أو الأرش بغير شراء سقط عنه ذلك الدين أو الأرش لعدم البدل عن الرقبة الذي يتحول إليه الدين، وإن ملكه بشراء؛ فإن كان الدين متعلقًا بذمته سقط أيضًا؛ لأن السيد لا يثبت له الدين في ذمة مملوكه وإن كان متعلقًا برقبته تحوّل إلى ثمنه؛ لأنه بدله فيقوم مقامه ومن هنا يعلم أن دين العبد على ثلاثة أقسام: قسم يتعلق بذمة السيد وهي الديون التي أذن له فيها، وقسم يتعلق برقبته، وهي ما لم يؤذن له فيه مما ثبت ببينة من الإتلافات أو بتصديق السيد، وقسم يتعلق بذمته وهو ما لم يثبت بغير إقرار العبد فقط، وإن حجر السيدُ على عبده المأذون له وفي يده مال فأقر به، لم يصح إقراره لحق السيد، ثم إن أذن السيد له فأقر المأذون به، أي بما يده من المال المعين صح إقراره؛ لأن المانع من صحة إقراره الحجرُ عليه، وقد زال؛ ولأن تصرفه صحيح فصح إقراره كالحر وما كسب عبدٌ غيرُ مكاتبٍ من مباح أو قبلُه من نحو هبة فلسيده ولمن يريد بيعًا أو شراءً ونحوه معاملةُ عبد ولو لم يثبت كونُه مأذونًا له؛ لأن الأصل صحة التصرف ومَن وجَدَ بما اشتراه من قنٍ عيبًا، فأراد رده على القنّ، فقال: أنا غير مأذون لي في التجارة لم يقبل منه؛ لأنه إنما أراد أن يدفع عن نفسه ولو صَدَّقَهُ سيدُه.
ونقل مهنا فيمن قدم ومعه متاع يبيعه فاشتراه الناس منه، فقال: أنا غير مأذون لي في التجارة، قال: هو عليه في ثنه مأذونًا أو غير مأذن؛ ولأنه يدعي فساد العقد والخصم يدّعي صحته، وقال الشيخ تقي الدين: إن علم السيد بتصرفه لم يقبل ولو قدر صدقه فتسليطه عدوان منه فيضمنه ولا يعامل صغير لم يعلم أنه مأذون له إلا في مثل ما يعامل مثله؛ لأن الأصل عدم الإذن وتقدم في البيع يصح تصرفه باليسير ولا يبطل إذن العبد في التجارة بإباقٍ وتبذيرٍ وإيلادٍ وكتابةٍ وحريةٍ وأسرٍ وحبسٍ بدين وغصْب؛ لأن ذلك لا يمنع ابتداء الإذن له في التجارة فلا يمنع استدامته ولا يصح تبع مأذون له بدرهم ولا بكسوة ثياب ونحوها؛ لأن ذلك ليس من التجارة ولا يحتاج إليه كغير المأذون له ويجوز للمأذون له هدية مأكول وإعادة دابة وعمل دعوة وإعادة ثوبه بلا إسراف؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- كان يجيب دعوة المملوك؛ ولأنه مما جرت عادة التجار فيما بينهم فيدخل في عموم الإذن.
وقال في «النهاية»: الأظهر أنه لا يجوز؛ لأنه تبرع بمال مولاه فلم يجز كنكاحه وكمكاتب في الأصح. اهـ.
ولقنٍّ غير مأذون له صدقة من قوته برغيف ونحوه إذا لم يُضِرَّ به؛ لأنه مما جرت العادة بالمسامحة فيه، وللمرأة الصدقة من بيت زوجها بغير إذنه برغيف ونحوه؛ لحديث عائشة: «إذا أنفقت المرأة من طعام زوجها غير مفسدة كان له أجرها بما أنفقت، ولزوجها أجر ما كسب، وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم من أجر بعضٍ شيئًا» متفق عليه.
ولم تذكر إذنًا؛ ولأن العادة السماح وطيب النفس به إلا أن يمنعها الزوج ذلك أو يكون الزوج بخيلًا فتشكّ في رضاه فيحرم عليها الصدقة بشيء من ماله في الحالتين وهما إذا منعها أو كان بخيلًا وشكّت في رضاه، وكذا إذا اضطربَ عُرفٌ وشكّت في رضاه؛ لأن الأصل عدم رضاه، إذًا كما يحرم على الرجل الصدقة بطعام المرأة بغير إذنها؛ لأن العادة لم تجر به؛ فإن كان في بيت الرجل من يقوم مقام امرأته كجاريته وأخته وغلامه المتصرّف في بيت سيّده وطعامه فهو كزوجة يجوز له الصدقة بنحو رغيف من ماله ما لم يمنعه أو يكون بخيلًا أو يضطرب عرف بأن يكون عادة البعض الإعطاء وعادة آخرين المنع أو يشكّ في رضا ربّ البيت فيحرم الإعطاء من ماله بغير إذنه: وإن كانت المرأة الممنوعة من التصرف في بيت زوجها كالتي يطعمها بالفرض بأن فرض لها الحاكم عليه دراهم كل يوم فليس لها أن تتصرف في مال زوجها بغير إذنه لا مما هو مفروض لها؛ لأنها تملكه بقبضها له.
من النظم فيما يتعلق في عود السفيه أو أكل الأولياء من مال اليتيم بقدر العمل وما يتعلق بالإذن: ----------------------- ومَن فُكّ عنه عند إيناس رشده فعاود جهلًا موجب الحجر يُردَدِ ولا أمر في ذي الحجر إلا لحاكم ويبطل حق الأوليا بالتَرشدِ ويَنفذُ مع إذن الولي نكاحُه ومن غير إذنٍ عند مُمَلي المُجَرَّدِ وأمواله عند التصرف حكمها كأموال مجنون وطفل مُمَهَّد وللأوليا مِن مال موليهم أبِح كأجرتهم أو سد فقر بأزهد وقيل يجب الاجتناب مع الغني ولكن مباحٌ قدر أجر مفسدِ ويخرج في نظار وقف كمثلهم وإن أيسروا لم يرددوا في المؤكدِ وإن كان واليهم أبى أن يرده لأن له أخْذًا بِغير تردد ويقبل قول الأولياء بنفي ما ادعى موجبًا تضمينهم من مرشد وقيل بل أقبل قول موليهم متى ادَّعوا رد مال دون إحضار شُهَّدِ وإن قال مِن حَوْلٍ أبى مَاتَ قَائِلٌ من اثنين فاقبل مطلقًا قول فوهد وتدبير واعٍ والوصايا وخلعه صحيح كذا الإيلاد دون تقيّد وإقرار واع بالقصاص ونسبة وحدّ وتطليق أجزوا ليحدد وإحرامه بالحج نفلًا ككلفة المقيم أجز بل إن نما اصدد بأجود ويلزمه تحليله بصيامه كذا كل تكفير عليه لِيُعْدَدِ والغ في الأولى عتقه كاعترافه بمال الذي حُجِّرْهُ وَبَعِّدْ بِمُبْعَدِ وحتم وإن لم يعترف مع علمه قضى كل دين بل متى مات يُصْدَدِ ولا يَحْجُرن زوجُ رشيدة إن تجُدْ بأكثر من ثلثٍ لها في الموطد
الإذن وإذن الذي تمييزهم في تجارة يجوز على القول الأصح المسدّد ويجوز بلا خلف لعد ولا تُبِحْ لِكُلِهِمَا غير المسمّى المقّيد فإن يتصرّف دون إذن وليها يُرَدُ وقيل إنْ تُمضِ بعد يجود كذاك وكيلٌ والوصي وشراء من على آذِن يَعُتقْ ليلغ بأجود وإذنك في كل التجارة لم يبح إجارة نفس أو توكّل أعبدُ وليس له فيما يباشر مثله من الفعل توكيلٌ إذا في المؤكد وليس بإذن ترك إذن وليهم لهم عند فعل الإتجار فقلد وتصريف عبد غير ماضٍ بلا رضى المليك وأن يتلف ففي نفسه طد ويُسَلَّم أو يُغدى وعنه بذمةٍ فيتبع بعد العتق من غير عندد وعنه بلا إذن تصرّفه أجز وخذ بعد عتقٍ بالمسمَّى فبعد وفي ذمة المولى ديون تجارة العبيد بإذن واقتراضٍ بأوكد وعنه بنفس العبد مثل جناية وقل بكلا الأمرين في ثالث زد ولغو تبايعه لمأذون عَبْدِه سوى مستدين قدره بمبعد وإقرارُه فيما أجيز له أجز ولو بعد إذنٍ بعد حجر مجدد وليس إبَاقٌ مبطلًا إذنَ آبقٍ وإن يتبرع بالدراهم يعتدي وكسوة ثوبٍ بل ليُهْدِ مَآكِلًا وإن شا يُعِر ظهرًا إذا لم يزيد وذو الحجر إن يُهْدِ الرغيفَ ونحوه مِن القوت ما لم يؤذ جوّز بأوكَدِ وللعُرس أعطا ذاك من بيت زوجها في الأولى بلا إذنٍ إذا لم يُصَدِدِ في كسب العبد وما حاز قنّ لربّه ولو هبة أو من وصية ملحد ويملك بالتمليك من كل مالك في الأولى وقرره بعتق وأكّد وبالإذن إن شاء التسرّي أبح له وإطعام تكفيرٍ كعتق بأوكد وقد قيل لا يقبل هبات بلا رضى ولا ملك في الأخرى فيعكس ما ابتدى
16- الوكالة س16: ما هي الوكالة؟ وما هي أركانها؟ وما هي شروط صحة الوكالة؟ وما حكمها؟ وما هي أدلة حكمها باستقصاء؟ واذكر أوجه الدلالة من الأدلة وكل ما له تعلق بما ذكر من تعليق أو تنجيز.
ج: الوكالة -بفتح الواو وكسرها-: التفويض، يقال: وكلَّه أي فوّض إليه، وَوَكَلْتُ أمري إلى الله، أي: فوضته إليه واكتفيت به، وتطلق أيضًا بمعنى الحفظ، ومنه حسبنا الله ونعم الوكيل، أي: الحفيظ.
والوكالة شرعًا: استنابة جَائِزِ التصرف مثلَه في الحياة فيما تدخله النيابة من حقوق الله وحقوق الآدميين مِن قولٍ أو فِعل، فالقول كالعقد والفسخ، والفعل كالقبض والإقباض، وهي جائزة بالكتاب والسُّنة والإجماع؛ أما الكتاب: فقوله تعالى: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} فجوّز العمل عليها، وذلك بحكم النيابة عن المستحقين، وقوله تعالى: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى المَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ} وهذه وكالة واستدل لذلك بعض العلماء بقوله تعالى: {اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي} الآية؛ فإنه توكيل لهم من يوسف على إلقائهم قميصَه عن وجهِ أبيه ليرتدّ بصيرًا، واستدل بعضهم أيضًا بقوله تعالى عن يوسف: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ} الآية؛ فإنه توكيل على ما في خزائن الأرض.
وأما السُّنة: فمنها: حديث عروة بن الجعد البارقي: «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أعطاه دينارًا ليشتري به له شاة فاشترى له به شاتين فباع إحداهما بدينار، وجاءه بدينار وشاة، فدعا له بالبركة في بيعه، فكان لو اشترى ترابًا لربح فيه» رواه الإمام أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني، وفيه التوكيل على الشراء.
وعن حكيم بن حزام -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعثه ليشتري له أضحية بدينار، فاشترى أضحية بدينار فأربح فيها دينارًا فاشترى أخرى مكانها، فجاء بالأضحية والدينار إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: «ضح بالشاة، وتصدّق بالدينار» رواه الترمذي.
وفيه التوكيل بالشراء، وعن معن بن يزيد قال: كان أبي خرج بدنانير يتصدق بها، فوضعها عند رجل في المسجد، فجئت فأخذتها، فأتيته بها، فقال: والله ما إياك أردت، فخاصمته إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: «لك ما نويت يا يزيد، ولك يا مَعْنُ ما أخذت» رواه أحمد والبخاري.
ومنها: حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: أردت الخروج إلى خيبر، فأتيت النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقلت: أني أردت الخروج إلى خيبر، فوقف، فقال: «إذا أتيت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقًا؛ فإن ابتغى منك آية فضع يدك على ترقوته» أخرجه أبو داود والدارقطني.
وفيه التصريح منه -صلى الله عليه وسلم- بأن له وكيلًا، ومن ذلك حديث علي -رضي الله عنه- قال: «أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أقوم على بدنه وأن أتصدق بلحومها وجلودها وأجلتّها» الحديث متفق عليه، وفيه التوكيل على القيام على البدن والتصدق بلحومها وأجلتّها وجلودها.
ومن ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: «واغد يا أنيس إلى امرأة هذا؛ فإن اعترفت فارجمها» وهو صريح في التوكيل في إقامة الحدود.
ومن ذلك حديث عقبة بن عامر: «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أعطاه غنمًا يقسمها على أصحابه» الحديث متفق عليه، وفيه الوكالة في تفسيمها ووكل -صلى الله عليه وسلم- عمرو بن أمية الضمري في تزويج أم حبيبة، وأبا رافع في قبول نكاح ميمونة، وحديث أبي هريرة في حفظ زكاة رمضان، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما جهز جيش غزوة مؤتة في نحو ثلاثة آلاف في سنة (8) ثمان من الهجرة إلى البلقاء من الشام: «أميركم زيد؛ فإن قتل فجعفر؛ فإن قتل فعبد الله بن رواحة» إلى غير ذلك من الأدلة.
وأمّا الإجماع: فقد أجمع المسلمون على جواز الوكالة وصحتها في الجملة؛ ولأن الحاجة تدعو إلى الوكالة؛ فإنه يمكن كل أحد فعل ما يحتاج إليه بنفسه، وقد يكون للإنسان مال ولا يحسن الإتجار فيه، وقد يحسن ولا يتفرغ إليه لكثرة أشغاله.
وأركانها أربعة: مُوَكَّل وَوَكيْل، ومُوكَلٌ فيه، وصيغة.
وقد نظمتُها في بيت: مَوَكَّلَ ووكيل صِيْغَةُ وَكَذَا مْوكلٌ فيه فاحْفَظْ حِفْظَ مَن فَهِمَا
وشروط صحتها خمسة: أولًا: تعيين الوكيل. ثانيًا: أن يكون جائز التصرف. ثالثًا: أن يكون فيما تدخله النيابة. رابعًا: أن يكون الوكيل والموكل ممن يصح ذلك منه لنفسه. خامسًا: أن تكون الوكالة في شيء معين.
وأقسام النيابة عن الغير ثلاثة أقسام: نائب خاص كالوكيل، والوصي الخاص المعين باسمه أو وصفه، ونائب عام، كنيابة الحاكم عن الغائب ونظره في الأوقاف والوصايا التي لا وصي لها ولا ناظر.
ونائب ضرورة كنيابة الملتقط على ما يجده مع اللقيط من مال لينفقه عليه ونيابة من مات في محل لا وصي فيه ولا حاكم.
وتَصح الوكالة مطلقة ومُنجَّزة ومؤقتة كأنْتَ وكيلي شهرًا أو سنة، فلا يصح تصرف الوكيل قبل المدة التي ضربها له الموكِل ولا بعدها، وتصح الوكالة معلقة بشرط كوصية وإباحة أكل وقضاء وإمارة وصفة التعليق بشرط نحو إذا قدم الحاج فافعل كذا، أو إذا جاء الشتاء فاشتر لنا كذا، أو إذا طلب أهلي منك شيئًا فادفعه إليهم، وإذا دخل رمضان فقد وكلتك في كذا، أو أنت وكيلي، وتصح بكل قول يدل على الإذن في التصرف نحو افعل كذا، أو أذنت لك فيه أو بعهُ أو اعْتِقْهُ وكاتبه ونحو ذلك، كأقمتك مقامي أو جعلتك نائبًا عني؛ لأنه لفظ دل على الإذن فصح كلفظ الوكالة الصريح.
قال في «الفروع»: ودل كلام القاضي على انعقادها بفعل دالٍ كبيع وهو ظاهر كلام الشيخ فيمن دفع ثوبه إلى قصّار أو خيّاط وهو أظهر كالقبول. انتهى.
وقال ابن نصر الله: ويتخرج انعقادها بالخط والكتابة الدالة، ولم يتعرض له الأصحاب ولعله داخل في قوله بفعل دال؛ لأن الكتابة فعل يدل على المعنى. اهـ حاشية.
ويصح قبول الوكالة بكل قول أو فعل من الوكيل يدل على القبول؛ لأن وكلاء النبي -صلى الله عليه وسلم- لم ينقل عنهم سوى امتثال أوامره؛ ولأن إذن في التصرف فجاز قبوله بالفعل كأكل الطعام ولو لم يعلم الوكيل بالوكالة له مثل أو وكله في بيع داره أو بستانه أو دكانه، ولو لم يعلم الوكيل فباعها نفذ بيعه؛ لأن الاعتبار في العقود بما في نفس الأمر لا بما في ظن المكلف وتقدم في البيع، ويصح قبول الوكالة على الفور والتراخي بأن يوكله في بيع شيء فيبيعه بعد سنة أو يبلغه أنه وكله منذ شهر، فيقول: قبلت؛ لأن قبول وكلائه -صلى الله عليه وسلم- كان بفعلهم وكان متراخيًا عن توكيله إياهم؛ ولأنه إذن في التصرف والإذن قائم ما لم يرجع عنه أشبه الإباحة، وكذا سائر العقود الجائزة كشركة ومضاربة ومساقات ومزارعة في أن القبول يصح بالفعل فورًا ومتراخيًا لما سبق، ولو أبى الوكيل أن يقبل الوكالة فكعزله نَفْسه كالموصى له إذا لم يقبل الوصية ولم يردها يحكم عليه بالرد، وعلى قياس ذلك باقي العقود الجائزة وتقدم أنه يُشترط لصحَّة وكالة تعيين وكيل، فلو قال: وكلت أحد هذين لم تصح للجهالة، ولو وكل زيدًا وهو لا يعرفه، لم تصح لوقوع الاشتراك في العلم فلابد من معرفة المقصود؛ إما بنسبة أو إشارة إليه أو نحو ذلك مما يعينه أو لم يعرف الوكيل موكله بأن قيل له: وكلك زيد، ولم ينسب له ولم يذكر له من وصفه أو ما يميزه لم يصح ذلك للجهالة.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 5:47 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الخامس الثلاثاء 01 ديسمبر 2015, 1:52 am | |
| 17- مَنْ يصح منه التوكيل س17: مَنْ الذي يصح منه التوكيل؟ وما الذي يُستثنى من ذلك؟ وما حكم التوكيل في بيع ما سيملكه أو في طلاق مَنْ يتزوجها؟ وما حكم توكيل العبد والمكاتب والسفيه ووكالة المميز؟ وما الذي يصح فيه التوكيل؟ وما حكم توكيل الكافر في شراء ما يحرم على المسلم؟ وما حكم توكّل الكافر عن المسلم وبالعكس، وإذا قال: إن ملكت فلانًا، فقد وكلتك في عتقه أو في بيع ما سيملكه تبعًا للمبيع، فما الحكم؟
ج: لا يصح التوكيل في شيء من بيع أو عتق أو طلاق أو نحوها إلا ممن يصح تصرفه في الذي وكَّلَ فيه؛ لأن من لا يصح تصرفه لنفسه فنائبه أولى: يَجوزُ أن يُوكل الإنسانُ في مَا كان فيه جائزَ التَّصرفِ فلا يصح توكيل سفيه في نحو عتق عبده سوى توكيل أعمى رشيد، وموكل غائب في ما لم يره كشقص، وكمن يريد شراء عقار لم يره وكمن وكَل عالمًا بالمبيع بصيرًا فيما يحتاج لرؤية كجوهر وعقار فيصح وإن لم يصح ذلك منه لنفسه؛ لأن منعهما من التصرف في ذلك لعجزهما عن العلم بالمبيع لا لمعنى يقتضي منع الموكَّل من التوكيل.
ومثل التوكيل فيما ذكر توكُلٌ عن غيره فلا يصح أن يتوكّل في شيء إلا ممن يصح منه لنفسه، فلا يصح أن يوجب عن غيره نكاحًا من لا يصح منه إيجابه لموليته؛ لأنه إذا لم يجز أن يتولاه أصَالة فلم يجز بالنيابة كالمرأة ولا يقبل النكاح من لا يصح منه قبوله لنفسه ككافر يتوكل في قبول نكاح مسلمة لمسلم.
ولا يصح أن يتوكل مسلم عن كافر في نكاح إبنته؛ لأنه من شرط الولاية إتفاق الدينين إلا في سيّد زوّج أمتَه الكافرة لكافر فيصح سواء كان الموكل الكافر كتابيًا أو غير كتابي، كما لا يصح أن يتوكّل كافر عن مسلم في تزويج إبنته، ولا يصح أن يتوكّل كافر عن مسلم في شراء قنّ مسلمٍ ولا في شراء مصحف ولا في معاقبة المسلم إذا وجب عليه حد سوى قبول نكاح نحو أخته كعمته وخالته وحماته لأجنبي؛ لأن المنع منه لنفسه إنما هو على سبيل التنزيه لا لمعنى فيه يقتضي منع التوكيل، سوى توكل حر واجد الطول نكاح أمة لمن تباح له الأمة من حر أو عبد عادم الطول خائف العنت وسري توكّل غني قبض زكاة لفقير، فيصح؛ لأن المنع في هذه لنفسه للتنزيه له لا لمعنى فيه يقتضي منع التوكيل وسوى طلاق امرأة نفسها وطلاق غيرها كضرتها أو غيرها بوكالة فيصح فيهن؛ لأنها لما ملكت طلاق نفسها بجعله إليها ملكت طلاق غيرها بالوكالة، ويصح توكيل مسلم كافرًا فيما تصح تصرف الكافر فيه كبيع وشراء، ولا يصح توكيل الكافر ولا مسلم في شراء خمر ولا عنب يُراد له ولا في شراء خنزير وطُنبور وجنك وعُود، وكل ما يحرم على الموكل استعماله كالدخان والتلفزيون والسينما والبكم والإسطوانات وخاتم ذهب لرجل وثياب أنثى لرجل وثياب رجل لأنثى لحرمة التشبه والصور مجسدة أو غير مجسدة والمذياع، وما قصد به فعل محرم كأمواس ومقاص ومكائن لحلق اللحى أو قصّها، وكل ما يحرم إتخاذه كأواني الذهب والفضة ونحوها؛ لأنه أقام الوكيل مقام نفسه فامتنع عليه ما يمتنع على موكله.
قال في نظم «أسهل المسالك»: وكل ما جاز له أن يفعلا ... بنفسه يجوز أن يوكلا
وإن وكل إنسان عبد غيره صح فيما يملك العبد فعله بدون إذن سيّده كالصدقة بالرغيف ونحوه، والطلاق، والرجعة؛ وأما ما لا يملك العبد كالبيع والإجارة والشراء ولو في شراء نفسه من سيّده، فيصح إن أذن سيّده؛ لأن المنع لحقه، فإذا أذن صار كالحر، وإذا جاز الشراء له من غيره جاز من سيّده فلا يجوز له أن يتوكل؛ لأنه محجور عليه لحق سيّده فيما لا يملكه العبد كعقد بيع وإجارة وإيجاب نكاح وقبول وعتق قنَّ لآخر فلا يملك ذلك؛ لأن الحاجة تدعو إلى ذلك بلا إذن سيده، وكالعبد كل محجور عليه لصغر أو جنون أو سفه لا يتوكل واحد منهم بلا إذنه إلا الصغير فله أن يتوكّل في الطلاق، وإذا كان بعقله ولو لم يأذن له وليه بخلاف نحو طلاق؛ لأنه يجوز التوكيل في الإنشاء فجاز في الإزالة بطريق الأولى وبخلاف رجعة وصدقة بنحو رغيف وفلس وتمرة فلا يفتقر إلى إذن السيّد.
ولمكاتب أن يوكل في كل ما يتصرف فيه بنفسه من بيع وشراء وشركة وللمكاتب أن يتوكّل بجعل؛ لأنه من اكتساب المال ولا يمنع المكاتب من الإكتساب.
وليس له أن يتوكل لغيره بغير جعل إلا بإذن سيده؛ لأن منافعه كأعيان ماله وليس له بذل ماله بغير عوض بلا إذن سيده؛ فإن أذنه جاز والمدبّر والمعلّق عتقه بصفة كالقنّ، وكذا المبعض؛ لأن التصرف يقع بجميع بدنه، ويصح إذا كان بينه وبين سيده مهاياة في نوبته لعدم لحوق الضرر بالسيّد، ولا تصح الوكالة في بيع ما سيملكه أو في طلاق من يتزوجها؛ لأن الموكل لا يملكه حين التوكّل، ولا يصح إن ملكت فلانًا فقد وكلتك في عتقه؛ لأنه يصح تعليقه على ملكه بخلاف إن تزوجت فلانة فقد وكّلت في طلاقها، وتصح الوكالة في بيع ما سيملكه عقب الوكالة تبعًا للمبيع المملوك له وقت التوكيل.
كقول الموكل لوكيله بع هذا الحيوان وما يحدث منه نتاج أو بعه واشتر بثمنه كذا؛ فأما قول الموكل بع ما يحصل من نحو لبن البهيمة كنتاجها وصُوفها وشعرها ووبرها، فلا يصح؛ لأنه غير موجود حين التوكل وبع اللبن إذا حصل يصح؛ لأنه تعليق، وتقدم أن تعليق الوكالة صحيح.
18- تصرف الوكيل وما يتعلق بذلك س18: تكلم بوضوح عما يلي: إذا تَصرفَ الوكيلُ فيما وكِّلَ فيه بخبر من ظنَّ صدقهُ، ما الذي يترتب على ذلك إذا حكم بالوكالة ثم قال أحد الشاهدين أو غيرهما عزلَه إذا أبى وكيلٌ قبولها، إذا قال إنسان لوكيل غائبٍ في مطالبة تثبت: احلف أن لك مطالبتي أو احلف أنه ما عزلك، وقال عن دين ثابت في ذمة مُدعي عليه: موكلك أخذَ حقهُ، أو قال عبد: اشتريت نفسي لزيد مُوكلي بإذن سيدي وصدَّقه زيدٌ وسيده، أو قال السيد: ما اشتريت نفسك إلا لنفسك، فما الحكم؟ وما الذي يترتب على ذلك؟ ومثّل لما يحتاج إلى تمثيل وفصّل ما يحتاج لتفصيل، واذكر الدليل والتعليل والخلاف والترجيح.
ج: للوكيل التصرف فيما وكله فيه بخبر مَن ظن صدقه بتوكّل زيد مثلًا له؛ لأن الأصل صدقه كقبول هدية وإذن غلام في دخول ويضمن الوكيل ما ترتب من تصرفه إن أنكر زيد التوكيل، ولا يرجع الوكيل على مخبره بالوكالة لتقصيره بعدم التفحّص عن حقيقة الحال، ولا يخفى أن هذا مبني على القول بأن المباشر ليس له الرجوع على الميت، ومقتضى القواعد أن للوكيل الرجوع على مخبره؛ لأنه غرّه والذي تميل إليه النفس أنه لا يرجع لتفريطه بعدم التثبت. والله أعلم.
ولو شهد بالوكالة اثنان، ثم قال أحدهما: عزله، ولم يحكم بالوكالة حاكم قبل قوله عزَلَه، ولم تثبت الوكالة لرجوع شاهدها قبل الحكم وإن حكم بالوكالة، ثم قال أحد الشاهدين: عزله، أو قال غيرهما بعد الحكم أو قبله لم يقدح ذلك في الوكالة لنفوذ الحكم بالشهادة ولم يثبت العزل، وإن قالا عزله ثبت العز لتمام الشهادة به كتمامها بالتوكيل ولو أن القائل لذلك شاهد الوكالة وليس ذلك رجوع عن الشهادة، وإن شهد اثنان أن فلانًا الغائب وكَّل هذا الحاضر، فقال الوكيل: ما علمتُ، وأنا أتصرفُ عنه ثبتت الوكالة؛ لأن معناه إلى الآن لم أعلم وقبول الوكالة يجوز متراخيًا ولا يضر جهله بالتوكيل.
وإن قال: ما أعلم صدق الشاهدين، لم تثبت لقدحه في شهادتهما، وإن قال: ما علمتُ، فقيل: فسر؛ فإن فسر بالأول ثبتت وكالتُه إن فسر بالثاني لم تثبت، وإن أبى وكيل قبول الوكالة، فقال: لا أقبلها فكعزله نفسه؛ لأن الوكالة لم تتم.
ومن قال لوكيل غائب في مطالبة ثبتت وكالتُه ببينة أو إقرار غريمٍ: أن لك مطالبتي لم يسمع قوله، المعنى لم يُلتفت إلى قول المدّعى عليه ذلك؛ لأنه دعوى للغير إلا أن يدّعي المطلوب علم العزل فيحلف الوكيل على نفي العلم لاحتمال صدق المدّعى عليه وإن نكل عن اليمين، فلا طلب للوكيل لاحتمال صدق الغريم فيمتنع الطلب، ولو قال من ادّعى عليه وكيل غائبٍ عن دين ثابتٍ في ذمةٍ المدعى عليه: مُوكلك أخذ حقهُ، لم يُقبل قوله بلا بينة؛ لأنه مُقر مُدَّعي الوفاء ولا يؤخر، أي لا يحكم على الوكيل بتأخير طلبه حتى يحضر موكله ليحلف الموكل أو يعترف بالأخذ؛ لأن ذلك وسيلة لتأخير مُتيقن لمشكوك فيه، كما لو ادّعى المدّعي عليه وفاء للموكل وادّعى غيبة البينة التي أقبض بحضورها فلا يؤخر المدعي لحضور البينة.
ولو قال عبد: اشتريتُ نفسي لزيد مُوكّلي بإذنِ سيدي وصدقه زيدٌ وسيده صح الشراء ولزم زيدًا الثمن الذي وقع به العقد؛ لأن ذلك مقتضى البيع، وإن قال السيد: ما اشتريت نفسك إلا لنفسك، فقال العبد: بل اشتريت نفسي لزيد، فكذبه زيد، العبدُ لإقرار السيد على نفسه بما يعتق به العبد ولزم العبد الثمنُ في ذمته؛ لأن العبد لم يحصل لزيد ولا يدعيه سيّده عليه، والظاهر ممن باشر العقد أنه له وإن صدقه السيد وكذّبه زيد؛ فإن كذبه بالوكالة حلف وبرئ، وللسيّد فسخ البيع لتعذر الثمن وإن صدقهُ في الوكالة وكذّبه في شراء نفسه له، فقوله القنّ؛ لأن الوكيل يقبل قوله في التصرف المأذون فيه.
ما تصح فيه الوكالة وما لا تصح فيه س19: تكلم بوضوح عما تصح فيه الوكالة، وما لا تصح فيه، ومثّل لما يحتاج إلى تمثيل، وفصّل لما يحتاج إلى تفصيل، واذكر الدليل والتعليل والخلاف والترجيح.
ج: تصحّ في كل حق آدمي يتعلق بالمال أو ما يجري مجرى المال من عقد كبيع وهبة وإجارة ونكاح؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- وكل في الشراء والنكاح، وألحق بهما سائر العقود، ويصح التوكيل في فسخ لنحو عيب وطلاق؛ لأن ما جاز التوكيل في عقده جاز ي حلِّهِ بطريق الأولى ويصح التوكيل في رجعة؛ لأن التوكيل حيث ملك به إنشاء النكاح ملك به تجديده بالرجعة من باب أولى، وقال في «الغاية وشرحها»: ويتجه باحتمال قوي لا تصح الوكالة إن وكلها، أي الزوجة في رجعة نفسها أو رجعة غيرها من مطلقاته؛ أنها ممنوعة من مباشرة التصرف في إيجاب نكاح نفسها ابتداء فمنعت من التوكل في الرجعة المقتضية لاستمرار النكاح دوامًا إذ لا فرق بينهما.
وتصح الوكالة في تملّك مباح من صيد وحشيش؛ لأنه تملّك مالٍ لا يتعين عليه فجاز التوكيل فيه كالاتهاب والابتياع بخلاف الالتقاط؛ لأن المغلب فيه الائتمان وتصح في صلح؛ لأنه عقد على مال أشبه البيع وإقرار؛ لأنه قول يلزم به الموكل مال أشبه التوكيل في الضمان وصفته أن يقول: وكلتك في الإقرار، فلو قال له عني لم يكن ذلك وكالة ذكره المجد، ويصح التوكيل في الإقرار بمجهول ويرجع في تفسيره إلى الموكل.
وليس توكيله في الإقرار، بإقرار كتوكيله في وصية أو هبة فليس بوصية ولا هبة. المعنى: أن مجرد الوكالة ليس بإقرار حتى توجد الصيغة من الوكيل، فإذا وجدت من الوكيل بإقرار بشيء أو وصية أو هبة صار إقرارًا وأمّا مجرد التوكيل بذلك ليس إقرارًا ويصح التوكيل في عتق وإبراء لتعلقهما بالمال ولو لأنفسهما أن عُيّنا، كأن يقول سيد لقنّه: أعتق نفسك، أو يقول رب الدين لغريمه: وكلتك في أن تبرئ نفسك، فلو وكل عبده في إعتاق عبيده لم يدخل أو وكل امرأته في طلاق نسائه لم تدخل، أو وكل غريمه في إبراء غُرمائه لم يدخل، أو قال لإنسان: تصدق بهذا المال لم يدخل الوكيل في ذلك، فلا يملك العبد عتق نفسه، ولا يملك الوكيل في التصدق أخذ شيء من المال لنفسه إلا بالنص الصريح من الموكل.
وتصح الوكالة في كل حق لله تعالى تدخله النيابة من إثبات حد واستيفائه مِمَّن وجب عليه؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «واغدو يا أنيس إلى امرأة هذا؛ فإن اعترفت فارجمها» فاعترفت، فأمر بها فرجمت، متفق عليه.
وكّله في الإثبات والاستيفاء جميعًا، ويصح أن يوكل السيد إنسانًا في إثبات حد وجب على العبد، وفي استيفائه منه.
وفي «الغاية وشرحها»: ويتجه صحتها من حاكم في إثبات حدّ خلافًا أبي الخطاب حيث منع جواز الوكالة في الإثبات، وله أيضًا أن يوكّل في إستيفائه لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- برجم ماعز، فرجموه، ووكّل عثمان عليًا في إقامة حد الشرب على الوليد بن عقبة، ووكل عليٌ الحسن في ذلك، فأبى الحسن فوكّل عبد الله بن جعفر، فأقامه، وعليٌ يَعُد، رواه مسلم.
ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك؛ لأن الإمام لا يمكنه تولي ذلك بنفسه. اهـ.
ويصح من الوكيل استيفاء ما وكل فيه بحضرة موكل وغيبته؛ لعموم الأدلة، ولأن ما جاز استيفاؤه في حضرة الموكل جاز في غيبته كسائر الحقوق حتى في استيفاء حد قذف وقود.
وتصح في عبادة تتعلق بالمال كتفرقة صدقة وتفرقة نذر وتفرقة زكاة؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام- كان يبعث عماله بالصدقات وتفريقها، وقال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: «أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم» الحديث متفق عليه.
وتصح في تفرقة كفّارة؛ لأنه كتفرقة الزكاة، وتصح وكالة في إخراج زكاة بقول الموكل لوكيله أخرج زكاة مالي من مالك أو أخرج كفارتِي من مالك؛ لأنه اقتراض من مال وكيله وتوكيل له في إخراجه.
وتصحّ الوكالة في فعل حجٍ وعمرة فيستنيبُ من يفعلهما عنه مطلقًا في النفل، ومع العجز في الفرض على ما سبق في الحج، وتدخل ركعتا الطواف تبعًا للطواف وإن كانت الصلاة لا تدخلها النيابة، وفي «الغاية وشرحها»: ويتجه باحتمال قوي، وكذا يدخل في الوكالة صوم الوكيل عن موكّله الثلاثة أيام في الحج السابع والثامن والتاسع من ذي الحجة إذا كان متمتعًا وهو متجه، وحيث صحّت الثلاثة أيام فلا مانع من صحة العشرة قبل العود إن كان وكيلًا عن حيَّ عاجز عن الصوم. اهـ.
ولا تصحُ الوكالة في عبادة بدنية محضة لا تتعلق بالمال كصلاة وصوم لتعلقهما ببدن من هُما عليه والصوم المنذور يفعل عن الميت أداء لما وجب عليه وتقدم في بابه، وليس فعل الصوم عن ميت بوكالة؛ لأن الميت لا يستنيب الولي، وإنما أمره الشرع به إبراء لذمة الميت، وطهارةٍ من حدثٍ واعتكاف وغسلِ جمعةٍ وتجديد وضوء؛ لأن الثواب عليه لأمر يختص المعتكف به وهو لبث ذاته في المسجد فلا تدخله النيابة، وتصح الوكالة في تطهير البدن والثوب من النجاسة، ويصح أيضًا أن ينوي رفع الحدث ويستنيب من يصب له الماء ويغسلُ له أعضاءَه: ولا تصح الوكالة في ظهارٍ؛ لأنه قول منكر وزورٌ أشبه بقية المعاصي، ولا في لِعانٍ وإيلاءٍ ونذرٍ وقسامةٍ؛ لأنها تتعلقُ بعين الحالف والناذر فلا تدخلها النيابة كبقية العبادات البدنية، ولا في قسم لزوجات؛ لأن ذلك يختص بالزوج ولا يوجد في غيره، ولا في شهادة لا تتعلق بعين الشاهد لكونها خبرًا عمَّا رآه أو سمعه، ولا يتحقق هذا المعنى في نائبه؛ فإن استناب كان النائب شاهدًا على شهادته لكونه يؤدي ما سمعه من شاهد الأصل وليس بوكيل، ولا تصحّ الوكالة في الإلتقاط؛ لأن المُغلَّب فيه الإئتمان والملتقط أحق به من الآمر ولا في اغتنام؛ لأنه إنما يُستحقُ بالحضور فلا يملك غائبٌ المطالبة به، ولا في جزيةٍ لفوات الصَّغار عمَّن وجب عليه، ولا في معصية من زنى وغيره؛ لقوله تعالى: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ولا في رضاع؛ لأنه مختص بالمرضعة؛ لأن لبنها ينبت لحم الرضيع وينشز عظمه.
والحاصل أن لحقوق ثلاثة أنواع: نوع تضع الوكالةُ فيه مطلقًا، وهو ما تدخله النيابة من حقوق الله تعالى وحقوق الآدميين.
ونوعٌ لا تصح فيه مطلقًا كالصلاة والظِّهار، ونوع تصح فيه مع العجز دون القدرة كحج فرض وعمرته.
قال صاحب «التيسير»: يجوز للمكلف التوكيلُ في ما كان فيه جَائز التصرّف ولم يَجُزْ في مُطْلَق المجهول كالإذن في الكثير والقليل وليَمْتَنِعْ في حَمْل حَدٍ وقودْ وقَبْضه مال الربا حيث عقد وقبضِ رأسِ المالِ في عَقدِ السَّلَمْ والوَطء مَعْ شَهادَةٍ بهَا التَزَمْ واللَّعْنِ والإيلاء والظِهارِ وَسَائِر الأيمانِ والإقرار وهكذا عبادة فلا تشكْ في المنع فيها مُطْلقًا إلا النسكْ
وتصح الوكالة في بيع مال الموكّل كله؛ لأنه يعرف ماله فلا غرر، وتصح في بيع ما شاء الوكيل من مال الموكل؛ لأنه إذا جاز التوكيل في الجميع ففي بعضه أولى، وكذا تصح الوكالة في طلاق جميع نسائه أو ما شاء منهن أو عتق جميع عبيده أو ما شاء منهم، وقال ابن مفلح في كتاب «الفروع»: وظاهر كلامهم له بيع كل ماله، وذكر الأزجي لَا لأنَّ مِن للتبعيض. اهـ.
فلا يبيع إلا واحدًا لا الكل لاستعمال هذا في الأقل غالبًا، والذي تميل إليه النفس أن له بيع كل ماله. والله أعلم.
وتصح الوكالة في المطالبة بحقوق الموكّل كلها أو ما شاء منها، وفي الإبراء منها كلها وما شاء منها.
ولا يصح التوكيل في عقد فاسد كبلا ولي أو شراء شيء بلا رؤية؛ لأن الموكل لا يملكه ولم يأذن الشرع فيه، بل حرمه، فلا يصح ولا يملك الصحيح مما وكله به كإجرائه عقد التزويج بولي، وشرائه الشيء بعد الرؤية فلم يصح لمخالفته اشتراط الموكل.
قال في «الإنصاف»: إذا وكله في بيع فاسد فباع بيعًا صحيحًا، لم يصح، قطع به الأصحاب، والذي يترجح عندي صحته إذا لم يحصل ضرر على المالك ولا نقص. والله أعلم.
ولا يصح التوكيل في كل قليل وكثير، ذكره الأزجي إتفاق الأصحاب؛ لأنه يدخل فيه كل شيء من هبة ماله، وطلاق نسائه، وإعتاق أرقائه، وتزويج نساء كثيرة، ويلزمه المهور الكثيرة فيعظم الغرر والضرر؛ ولأن التوكيل لابد أن يكون في تصرف معلوم، وقيل: يصح كما لو وكله في بيع ماله كله أو المطالبة بحقوقه كلها أو الإبراء منها أو بما شاء منها فمتى عرف فيه الوكالة صحّ التوكيل، ولو عمّت الوكالة كل ماله التصرف فيه حيث لا محذور.
وهذا القول هو الذي تميل إليه النفس. والله أعلم.
ولا يصح التوكيل إن قال: اشتر ما شئت، أو اشتر عبدًا بما شئت؛ لأن ما يمكن شراؤه، والشراء به يكثر فيكثر فيه الغرر حتَّى يُبين للوكيل نوع وقدر الثمن؛ لأنه إذا ذكر نوعًا فقد أذن في أعلاه ثمنًا فيقل الغرر فيه وقدر الثمن يشتري به؛ لأن الغرر لا ينتفي إلا بذكر الشيئين، ما لم يكن مقدار ثمن المبيع معلومًا بين الناس كمكيل وموزون؛ لأنه لا غرر فيه ولا ضرر، وإن قال لوكيله: اشتر كذا وكذا، لا يصح التوكيل للجهالة، وقيل: يصح إذا قال: اشتر لي عبدًا بما شئت، والذي تطمئن إليه النفس صحة ذلك إذ لا محذور فيه ولا دليل على المنع. والله أعلم.
ومثل قوله: وكلتك في كل قليل وكثير، لو قال لوكيله: اشتر لي ما شئت من المتاع الفلاني، لم يصح؛ لأنه قد يشتري ما لا يقدر على ثمنه، والذي يترجح عندي صحته. والله أعلم.
20- مسائل حول إطلاق التوكيل س20: ما الذي يقتضيه الإطلاق في قول الموكل لوكيله: اشتر عبدًا؟ وما مثال العقود الجائز؟ وهل فسادها يمنع نفوذ التصرف فيها؟ وما الذي يملك مَنْ وُكلَ في شراء طعام؟ وما حكم التوكل لمن ظن ظلمه والمخاصمة عن الغير ممن غير عالم بحقيقة أمره، وإذا وكّل في قبض دين أو غيره، فهل يملك الخصومة أو وكّل في الخصومة؟ فهل يملك القبض؟ وما الحكم فيما إذا قال: أجب خصمي عني أو اقبض حقي اليوم أو أقبض حقي من فلان أو أقبض حقي الذي قبله أو عليه أو وكّله في خلع بمحرم فخالع به أو بمباح؟ وهل للوكيل التوكيل؟ وما حكم توكيل الخائن أو أمينًا ثم خان أو وصي يوكل أو حاكم يستنيب أو قول موكّل لوكيل: وكّل عنك أو عني أو وكّل ويطلق؟ وما الذي يترتب على ذلك؟ واذكر الدليل والتعليل والخلاف والترجيح.
ج: الإطلاق في قول الموكّل لوكيله اشتر عبدًا يقتضي أن لا يملك الوكيل إلا شراء عبد مسلم؛ لأن الكفر عيب في الرقيق والعقود الجائزة كالشركة والمضاربة والوكالة إذا كانت فاسدة؛ فإن فسادها لا يمنع نفوذ التصرف فيها بالإذن ووكيل في طعام يملك شراء البر فقط؛ لأن الطعام هو البر عند الإطلاق في لسان أهل الحجاز.
وقال ابن عقيل: في الفنون لا تصح الوكالة ممن عَلِم ظُلْمَ موكَله في الخصومة، وكذا لو ظنّ ظلمه وبالغ القاضي فمنع أن يخاصم عن غيره، وقال: قوله تعالى: {وَلاَ تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيماً} يدل على أن لا يجوز لأحد أن يخاصم عن غيره وهو غير عالم بحقيقة أمره.
قال في «المغني» و«الشرح»: في الصلح على المنكر يشترط أن يعلم صدق المدعي فلا يحل دعوى ما لم يعلم ثبوته.
وفي «الغاية وشرحها»: ويتجه إن كان الموكّل ممن يعرف بالصدق والأمانة وعدم التعدّي على الغير اعتمد قوله، وصحت الوكالة عنه، وإن كان ممن يعرف بالكذب والاستشراف لما في أيدي الناس فلا يعتمد على قوله، ولا تصح الوكالة عنه لئلا يقع الوكيل في المحظور من أجله، ومن وُكل في قبض دين أو غيره كان وكيلًا في خصومة سواء علم الغريم ببذل ما عليه أن جحده أو مطله؛ لأنه لا يتوصّل إلى القبض إلا بالإثبات، فالإذن فيه أُذِن فيه عرفًا ومثله من وكل في قسم شيء أو بيعه أو طلب شفعة فيملك بذلك تثبيت ما وكل فيه؛ لأنه طريق لتوصل إليه، والوكيل في الخصومة لا يكون وكيلًا في القبض؛ لأن الإذن لم يتناوله نطقًا ولا عرفًا؛ ولأنه قد يرضي للخصومة من لا يرضاه للقبض وليس لوكيل في خصومة إقرار على موكله بقود ولا قذف وكالولي لا يصح إقراره على مولاه، وإذا قال إنسان لآخر: أجب خصمي عني وكالة في خصومة، وقوله: اقبض حقي اليوم أو الليلة أو بع ثوبي اليوم أو اليلة لم يملك فعل ما وكل فيه اليوم أو الليلة غدًا؛ لأنه لم يتناوله نطقه إذنًا ولا عرفًا؛ ولأنه قد يؤثر التصرف في زمن الحاجة دون غيره، ولهذا لما عين الله لعبادته وقتًا لم يجز تقديمها عليه، ولا تأخيرها عنه؛ وإنما صح فعلها قضاء؛ لأن الذمة لما اشتغلت كان الفعل مطلوب القضاء، وإن قال لوكيله: اقبض حقي من فلان ملك قبض حقه من فلان ومن وكيله لقيامه مقام موكله، فيجري مجرى إقباضه ولا يملك القبض من ورثته؛ لأنه لم يؤمر بذلك ولا يقتضيه العرف؛ لأن الحق انتقل إلى الوارث واستحق الطلب عليه بطريق الأصالة بخلاف الوكيل، ولهذا لو حلف إنسان لا يفعل شيئًا حنث بفعل وكيله، وإن قال له: اقبض حقي الذي قبل فلان أو اقبض حقي الذي على فلان ملك قبض حقه منه ومن وكيله حتى مِن وارثه؛ لأن الوكالة اقتضت قبْض حقِه مُطلقًا فشمل القبضُ من وارثه؛ لأنه حقه.
ووكيل الزوج في خلع بمحرم كخمر وخنزير وسينما وتلفزيون ومذياع وبكم وصور وآلة تصوير فيلغوا إذا لم يأت بلفظ طلاق أو نية، فلو خالع وكيل في خلع بمُحرم أو بمباح أكثر من مهرها صح الخلع بقيمه قاله في «الفروع».
وقال في «الرعاية»: وإن خالعها على مباح صحّ الخلع وفسد العوض وله قيمة العوض لا هو. انتهى.
فلا يلزم الزوج قبول المخالع عوضًا إذ لو لزمه أخذ العوض للزمه أخذ القيمة، ولوكيل توكيل فيما يعجزه فعله لكثرته لدلالة الحال على الإذن فيه، وحيث اقتضت الوكالة جواز التوكيل جاز في جميعه كما لو أذن فيه لفظًا وله التوكيل فيما لا يتولى مثله بنفسه إذا كان العمل مما يرتفع الوكيل عن مثله كالأعمال الدنيئة في حق أشراف الناس المرتفعين عن فعلها عادة؛ فإن الإذن ينصرف إلى ما جرت به العادة، ولا يصح أن يوكل وكيل فيما يتولى مثله بنفسه ولم يعجزه بأن كان قادرًا عليه؛ لأنه غير مأذون في التوكيل ولا تضمَّنه الإذن له فلم يجز، كما لو نهاه؛ ولأنه استؤمن فيما يمكنه النهوضُ فيه فلا يوليه غيره كالوديعة إلا بإذن مُوكله له أن يوكله فيجوز بلا خلاف؛ لأنه عقد أُذِنَ له فيه أشبه سائر العقود، ويتعين على وكيل حيث جاز له أن يُوكل أمينٌ فلا يجوز له استنابة غيره؛ لأنه ينظر لموكله بالحظ ولا حظ له في إقامة غيره وإن عيَّن الموكلُ وكيلًا بأن قال له: وكّل زيدًا مثلًا فله توكيله، وإن لم يكن أمينًا؛ لأنه قطع نظره لتعيينه له، وإن وكل أمينًا فخان عليه عزله؛ لأن تركه يتصرف تضييع وتفريط، وكالوكيل فيما تقدم تفصيله وصيُّ يَوكَّلُ أو حاكم يستنيب؛ لأن كلًّا منهما مُتصرف لغيره.
قال في «الإنصاف»: وهذا إحدى الطريقتين للأصحاب وهو المذهب والطريقة الثانية يجوز للوصي التوكيل وإن منعناه في التوكيل ورجّحه القاضي وابن عقيل وأبو الخطاب وقدمه في «المحرر» و«النظم»، قلت: وهو الصواب؛ لأنه متصرف بالولاية وليس وكيلًا محضًا، وذكر أيضًا للحاكم طريقتين للأصحاب. اهـ.
وقول موكل لوكيله: وكل عنك، يصح؛ فإن فعل فالوكيل وكيل وكيله، فله عزله وينعزل بموت الوكيل الأول وعزله، ووكّل عني أو وكّل ويطلق فلا يقول: عنك ولا عني فوكّل فهو وكيل موكله فلا ينعزل بموت الوكيل الأول ولا عزله ولا يملك الأول عزله؛ لأنه ليس وكيله، وإن مات الموكّل أو جن ونحوه انعزلا سواء كان أحدهما فرع الآخر أو لا، ولو قال الشخص: وكل فلانًا عني في بيع كذا، فقال الوكيل للثاني: بع، ولم يشعره أنه وكيل الموكل، فقال الشيخ: لا يحتاج إلى تبيين؛ لأنه وكيله أو وكيل فلان ذكره في «الاختيارات الفقهية»، وحيث قلنا: إن الوكيل الثاني وكيل الموكل؛ فإنه ينعزل بعزله وبموته وجنونه وحجر عليه وقولُ المُوْصى لوصية أوص إلى من يكون وصيًا لي؛ فإنه يكون من أوصى إليه الوصي وصيًا للموصي الأول، ولا يوصي وكيل وإن أذنَ له موكله لعدم تناول اللفظ له ولبطلان الوكالة بموت الوكيل.
من النظم فيما يتعلق بالوكالة وكل مقال يفهم الإذن صححن به عقدها من مطلق ومقيد وعنه سوى فوضت أمر كذا له ووكلت فيه فارددنه وبعد وبالقول أو بالفعل صحح قبولها على الفور أو من بعد وقت معبد ولا تمض توكيل الفتى وتوكلًا سوى في محل جاز تصريفه قد سوى قابلي عقد النكاح لأهله وإيجابه من غير أهل بمبعد وأما قبول الموسرين الزكاة أو شبيهًا به للمدقعين فجرد وفي كل حق الآدمي يصح من طلاقٍ وعتق وارتجاعٍ ومعَقد وفسخٍ وتحصيل المباحات كلها سوى مغنمٍ بالحوز ملك لحشد وفي الحج أو تفريق واجب ماله وإثباتٍ واستيفاء حد مجدد ولو غاب ذو الدعوى وقد قيل لا تجز قصاصًا وحد القذف إلا بمشهد وليس صحيحًا ظهار ومرضع ولا في لعان واليمين المؤكد ولا في عبادات سوى حجة وما تضمن أو في ركعتي طائف قد وصب وإيصال الطهور لعضوه بكُرْهٍ وغسل للنجاسات فاشهد وليس بلا إذن توكل في سوى المضر وما ينفيه عرف بأوكد وذاك مباح للوصي وحاكم وتاجر أموال الضراب بأجود وكل ولي منكح غير مجبر وقيل هُمُوا مثل الوكيل المقيد فإن منع التوكيل لمَّا يجز له وبالإذن في الثاني وكيل لمبتدي وإن قال وَكِّلْه لنفسك يكن له كذا جائز من دون إذن ليعدد وليس له توكيل غير الأمين بل بنص وتوكيل الموكل جود وليس بلا إذن لعبد توكل وجوز شراه النفس معها بأجود وعقد جوَاز لا لزوم وكالة فكل له فسخ وبالموت أفسد وبالحجر في حق السفيه وهكذا جميع العقود الجائزات لتعدد وفسق مناف للوكالة مبطل كذا بجنون مطبق متأطد وغيبة عقل آيب غير مبطل وفي جحده التوكيل وجهين أسند وفي رد لمَّا تُنافِي تصرفًا وعتقك من وكلته من مُعَّبد وجن يعاود مع تعدي وكيلهم وبالوطء أبطل في طلاق منكد وفي عتق عبد بالكتابة أبطلن كذا بتدبير بغير تردد ويملك ما لم يعزل الفعل دائمًا إذا وقع التوكيل غير مقيد وليس بعيدًا منعنا عزل نفسه إذا كان عنه ربه ذو تبعد ويَنْفذ تصريف الوكيل لجهله لمبطلها من قبله في المسدد وفعل وكيل المرء في الحكم فعله فأنت مقر إن في الإقرار تُسْنَدِ وليس مفيد للعموم خصوصها ولا مرتض باثنين راض بمفرد ولا يعقدن مع نفسه البيع والشرا في الأولى وإن يؤذن له فليجود كذاك وكيل في التزوج مطلقًا يزوجه من بنته امنع بأجود ومن يتوكل مطلقًا لا يبع نسا ولا بسوى معهود نقد معدد وقيل أجز بيع النسا لمضارب على أشهر القولين فيه فقيد ودعواهما في ذالكم إذن مالك فقولهما المقبول في المتجود وإن جاوز التقدير والعرف في الشرا وباعا بإذن منه صحح بأوكد ويضمن كل نقصه ومزيده وقيل كتعريف الفضولي فاعدد وإن زيد عن مقدار مثل به أن بيع به اردد كذا وقت الخيار بمبعد وأما بأدنى منه إن شريا أجز كذلك إن باع بذاك وأزيد وإن بعت بالدينار مع إذن دِرْهمٍ ونقد بسعر الصرف صحح بأجود إذا لم يضر الحفظ والبيع بالعبا معادل دينار وأوفى ليردّدِ وإن قلت بع عبدي فإن باع واحدًا بقيمته صححه لا بعض مفرد وقيل أجز بعضًا بقيمة كله وفي بيع باقيه أجز في المجود ومن يتزوج لامرئ دون نفسه وأخرى سوى من عين اردد بأوطد
21- بيع الوكيل نساء أو بعرض أو بعير نقد البلد إلخ س21: تكلم بوضوح عن أحكام ما يلي: عقد الوكيل مع فقير أو قاطع طريق، من وكل اثنين فأكثر في بيع وارد أحدهما الانفراد بالتصرف، بيع الوكيل نساء أو بعرض أو منفعة أو فلوس أو بغير نقد البلد أو غير غالبه رواجًا أو بغير الأصلح، أو أنكر الموكل الإذن، وما الذي يترتب على ما سبق؟ وإذا قال موكل لإثنين أيكما باع فبيعه جائز أو باع الوكيل بغير ما يباع به عرفًا: إذا غاب أحد وكيلين، فهل للحاضر التصرف أو ضم أمين إليه أو أثبت أحدهما الوكالة والآخر غائب، فما الحكم؟ وما الذي يترتب على ذلك؟
ج: لا يعقد الوكيل عقدًا وكُّلِ فيه كعقد بيعٍ وإجارةٍ مع فقير بذمته لتعسر الاستيفاء منه، ولا يعقد مع قاطع طريق لما فيه من إضرار الموكل، ولا ينفرد وكيل من عدد، فمن وكل اثنين فأكثر في بيع أو غيره ولو واحدًا بعد واحد ولم يعزل الأول، فليس لواحد أن ينفرد بالتصرف إلا بإذن؛ لأن الموكل لم يرض بتصرفه منفردًا بدليل إضافة الغير إليه فلو وكل اثنين في حفظ ماله حفظا معًا في حرز لهما، فلو غاب أحدهما لم يكن للآخر أن يتصرف، وليس للحاكم ضم أمين إليه ليتصرفا معًا؛ لأن قول الموكل إفعلا، يقتضي اجتماعهما على فعله، بخلاف بعتكما حيث كان منقسمًا بينهما؛ لأنه لا يمكن أن يكون الملك لهما على الاجتماع ولا يبيع وكيل نساء إلا بإذن؛ فإن فعل لم يصح لانصراف الإطلاق إلى الحلول ولا يبيع بغير نقد كمنفعة أو عرض كثوب وفلوس؛ فإن فعل لم يصح؛ لأن الإطلاق محمول على العرف، والعرف كون الثمن من النقدين إلا بإذن موكل أو قرينة كبيع حزم بقل بفلوس وإن قال الموكل لوكيله: إصنع ما شئت، أو تصرف كيف شئت، فله أن يبيع حالًا ونساءً وبمنفعة وعرض؛ فإن باع نساء أو بعرض و منفعة بدون الإذن فتصرفه باطل، والفرق بين الوكيل والمضارب حيث يبيع نساء وبعرض، أن المقصود في المضاربة الربح، وهو في النساء ونحوه أكثر، ولا يتعين ذلك في الوكالة، بل ربما تحصيل الثمن لدفع حاجته فيفوت بتأخير الثمن؛ ولأن استيفاء الثمن وتنصيفه في المضاربة على المضارب فيعود الضرر عليه بخلاف الوكالة، وإن عيَّن له شيئًا تعين ولم تجز مخالفته؛ لأنه متصرف بإذنه ولا يصح البيع لو باع الوكيل بغير نقد البلد؛ لأن إطلاق النقد ينصرف إلى نقد البلد أو باع بنقد غير غالبه رواجًا إن كان في البلد نقود مختلفة أو باع بغير الأصلح أن تساوت النقود رواجًا؛ لأنه الذي ينصرف إليه الإطلاق هذا إذا لم يعين الموكل نقد وإن عين الموكّل نقدًا بأن قال: بع بنقد كذا، فيتعين ما عينه الموكل، وإذا وكل شخصًا في بيع عبد ونحوه فباعه نساء، فقال: ما أذنت لك في بيعه إلا نقدًا، وأنكر موكل الإذن في النسا؛ فإن صدّق وكيله وصدّق المشتري الموكّل فسد البيع لتصديقهما له، ويطالب الموكل من شاء منهما، أي من الوكيل والمشتري بالعبد إن كان باقيًا وبقيمته إن تلف؛ فإن أخذ القيمة من الوكيل رجع على المشتري بها وأخذها منه؛ لأن قرار الضمان على المشتري لحصول التلف في يده وبتصديق الوكيل وحده يضمن الوكيل دون المشتري وإن صدق المشتري وحده يرد المبيع وللموكّل الرجوع على المصدّق منهما بغير يمين.
قال في «الشرح»: وقال ويحلف على المكذب ويرجع على حسب ما ذكر هذا إن اعترف المشتري بالوكالة وإن أنكر ذاك، وقال: إنما بعتني ملكك، فالقول قوله مع يمينه إنه لا يعلم كونه وكيلًا وأذن في البيع نسيئة حلف الموكل ويرجع في العين إن كانت قائمة وإن كانت تالفة رجع بقيمتها على من شاء منهما، وإن كان وكيلين صح إنفراد أحدهما عن الآخر في صورة هي قوله: أيكما باع سلعتي، فبيعه جائز لحصول مقصود الموكل في بيع حدهما، وكما يصح الانفراد في قوله: أيكما باع سلعتي، فبيعه جائز، صح بيع ما يباع مثله بفلوس عرفًا كخبز وحُزمة بقل وكل تافه إذا بيع بها عملًا بالعرف.
ولو وكّل إنسان وكيلين فغاب أحد الوكيلين ولم يكن جعل الانفراد لكل منهما لم يكن للوكيل الحاضر لتصرف مع غيبة الآخر، ولا لحاكم ضم أمين إلى الوكيل الحاضر ليتصرف الحاضر والأمين.
بخلاف موت أحد الوصيين من قبل ميت؛ لأن للحاكم نظرًا في حق ميت ويتيم ولذلك يقيم وصيًا لميت لم يوص إلى أحد بخلاف الموكل؛ فإنه رشيد جائز التصرف فلا ولاية للحاكم عليه وإن أثبت أحد الوكالة لدى حاكم، والآخر غائب وحكم بها الحاكم ثبتت الوكالة له وللغائب تبعًا، ولا يتصرف الحاضر وحده، بل إذا حضر الغائب تصرفا معًا.
لا يقال: هو حكم للغائب؛ لأنه يجوز تبعًا لحق الحاضر كما يجوز أني حكم بالوقف لمن لم يخلق لأجل مَن يستحقه في الحال، وإذا حضر الغائب فلا يحتاج إلى إقامة بينة بالوكالة لثبوتها له بالتبعية، وإن جحد الوكيل الغائب الوكالة الثابتة له بالتبعية، بأن قال: لست بوكيل، أو عزل الغائب نفسه إنعزل ولم يتصرف الآخر بانفراده؛ لأن الموكّل لم يأذنه في ذلك، وهكذا كل تصرف من بيع وإجارة واقتضاء وإبراء ونحوها.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 5:49 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الخامس الثلاثاء 01 ديسمبر 2015, 2:04 am | |
| 22- ذكر بعض العقود الجائزة وما تبطل به الوكالة وما لا تبطل به س22: تكلم بوضوح عن أحكام ما يلي: الوكالة، الشركة، المضاربة، المساقاة، المزارعة، الوديعة، الجعالة، وبأي شيء تبطل هذه العقود، واذكر ما تبطل به الوكالة وما لا تبطل به، ومثّل لما لا يتضح إلا بالتمثيل، وفصّل ما يحتاج إلى تفصيل وبيّن المحترزات وما يترتب على لك من ضمان أو غيره، واذكر الدليل والتعليل والخلاف والترجيح؟
ج: الوكالة والشركة والمضاربة والمساقاة والمزارعة والوديعة والجعالة والمسابقة والعارية: عقود جائزة من الطرفين؛ لأن غايتها إذن وبذل نفع، وكلاهما جائز، ولكل من المتعاقدين فسخها.
وتبطل هذه العقود كلها بموت أحد المتعاقدين؛ لأنها تعتمد الحياة؛ لكن لو وكل ولي يتيم وناظر وقف أو عقد ولي اليتيم وناظر الوقف عقدًا جائزًا غير الوكالة كشركة ومضاربة لم تنفسخ بموت ولي اليتيم وناظر الوقف ذكره في القواعد، واقتصر عليه في «الإنصاف»، وقيل: إن المساقاة والمزارعة عقدان لا زمان لدخولهما في الأمر بالعقود والعهود، ولكون المقصود منهما الكسب والعوض وليسا من عقود التبرعات أو من عقود الوكالات حتى يسمح لأحدهما فسخها، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس. والله أعلم.
ولا تنفسخ بعزل ولي اليتيم وناظر الوقف؛ لأن متصرف على غيره.
وتبطل الوكالة بجنون مُطبقًا من الموكل أو الوكيل؛ لأن الوكالة تعتمد العقل، فإذا انتض انتفت صحتها لانتفاء ما تعتمد عليه، وهو أهلية التصرف، ولا تبطل الوكالة بإغماء؛ لأنه يحدث ثم يزول، وبحجرٍ على أحدها لسفه فيما لا يتصرف فيه السفيه كبيع وشراء حيث اعتبر رشده لعدم أهلته للتصرف بخلاف نحو طلاق، وتبطل الوكالة أيضًا بفلس موكل فيما حجر فيه كتصرف في عين ماله لانقطاع تصرفه فيه بخلاف ما لو وكل في تصرف في الذمة وتبطل بفعلهما اختيارًا ما يفسقان به فيما ينافه الفسق كإيجاب نكاح واستيفاء حدج وإثباته لخروجه بالفسق عن أهلية ذلك التصرف، بخلاف الوكيل في قبول نكاح أو في بيع أو شراء فلا ينعزل بفسق موكله ولا بفسقه؛ لأنه يجوز منه ذلك لنفسه فجاز لغيره كالعدل إذا وكل فيما يشترط فيه الأمانة كوكيل ولي اليتيم وولي وقف على المساكين ونحوه، سق فينعزل بفسقه، وفسق موكله لخروجه عن أهلية التصرف، وتبطل بردة موكل لمنعه من التصرف في ماله ما دام مرتدًا ولا تبطل بردة وكيل إلا فيما ينافيها كإرتداد وكيل في حج وفي قبول نكاح مسلمة وإيجابه فتبطل بذلك وتبطل أيضًا بردة وكيل في قبول نكاح قنّ مسلم، وتبطل بتدبيره أو كتابته قِنًّا وكّل في عتقه لدلالة التدبير والكتابة على الرجوع، ولا تبطل الوكالة إن وكّل القنّ في شيء ولو عتق أو بيع ونحوه بأن وهبه أو كاتبه؛ لأن ذلك لا يمنع ابتداء الوكالة فلا يمنع استدامتها، وكذا إن وكّل إنسان عن غيره فاعتقه السيد أو باعه أو وهبه أو كاتبه أو أبق العبد؛ لكن في صورة البيع والهبة إن رضي المشتري ببقائه على الوكالة، إن لم يكن المشتري والمتهب الموكل، فالوكالة باقية.
وإن لم يرض من ملكه من مشتر ومتهب ببقاء وكالة العبد بطلت الوكالة؛ لأن العبد لا يتصرف بغير إذن مالكه؛ وأما إن اشتراه أو اتهبه الموكل من مالكه فلا بطلان؛ لأن ملكه إياه لا ينافي إذنه في البيع والشراء، ولا تبطل الوكالة بسكنى الموكل داره بعد أن وكله في بيعها ونحوه؛ لأن ذلك لا يدل على رجوعه عن الوكالة ولا ينافيها ولا تبطل الوكالة ببيع الموكل بيعًا فاسدًا شيئًا وكّل في بيعه؛ لأن البيع الفاسد لا ينقل الملك وتبطل الوكالة بوطء الموكّل زوجة وكّل في طلاقها؛ لأن الوطء دليل رغبة فيها، واختيار إمساكها، ولذلك كان رجعة في المطلقة رجعيًا، وقيل: لا تبطل، وهذا أقرب وأرجع. والله أعلم.
ولا تبطل بقبلته أو مباشرته لها، ولو وكّله في عتق عبد فكاتبه أو دّبره بطلت الوكالة، والذي يترجح عندي صحة عتقه. والله أعلم.
ولا تبطل الوكالة إن وُكَّلتْ في شيء من بيع ونحوه فبانت منه أو أبانها، ولا تبطل الوكالة بوطء سيدٍ أمةً وكَّل في عتقها، وتبطل بتوكيل السيّد وكيلًا في عتق قنَّ بعد أن كان وكَّله آخر في شرائه منه فتبطل الوكالة من الشراء بمجرد توكيل السيد في العتق المقترن بقبول الوكيل الوكالة في العتق وتبطل الوكالة بإقرار الوكيل على موكله بقبض ما وكل الوكيل في قبضه أو الخصومة، لا إعتراف الوكيل بذهاب محل الوكالة بالقبض وتبطل بدلالة رجوع الموكل والوكيل عنها، وتبطل بمجرد علم الوكيل ظلم الموكّل.
وتقدم أن الوكالة لا تصح فيما إذا علم أو ظن ظلم موكله، وتبطل وكالة وكيل، قيل له: اشتر كذا بيننا، فقال مقول له: نعم، ثم قال: نعم لإنسان آخر بعد قوله اشتراه بيننا، فقد عزل نفسه من وكالة الأول؛ لأن إجابته للثاني دليل رجوعه عن إجابة الأول، ويكون الشقص المبيع للوكيل، وللثاني نصفين؛ لأنه لا مفضل لأحدهما على الآخر، وإذا وكل إنسان شخصًا ثم وكل بعده آخر من غير الأول؛ فإن أتى في كلامه أو قرينة حاله ما يدل على عزل الأول فتوكيل الثاني عزل للأول، وإن وكّل الثاني من غير تعرض لعزل الأول لا لفظًا ولا عرفًا، فالأصل بقاء وكالته، فيشتركان في التصرّف والتصريف والتدبير، ويصير نظير ما لو وكّلهما دفعة واحدة، فكل واحد ينيب فيه اثنين فأكثر ولم يذكر أن كلًا منهما التصرف بانفراده؛ فإنه لا ينفرد أحدهما دون الآخر وتبطل الوكالة بتلف الموكّل في التصرف فيها لذهاب محل الوكالة، وكذا تبطل بتوكيل إنسان في نقل امرأته أو بيع عبده، فتقوم بينة بطلاق الزوجة أو عتق العبد وتبطل الوكالة بدفع عوض لم يؤمر به كدفع دينار ودرهم، يشتري بالدينار ثوبًا وبالدرهم كتابًا، فاشترى بالدينار كتابًا وبالدرهم ثوبًا؛ لأنه عكس فلم يصح الشراء لإلزامه الموكل ثمنًا لم يلتزمه ولا رضي بلزومه، أو قال: اشتر بهذا الدينار ثوبًا وبهذا كتابًا، فتلف دينار الكتاب مثلًا، واشتراه بدينار الثوب، فلا يصح الشراء لئلا يلزم الموكّل ثمن لم يلتزمه ولا رضي بلزومه، والذي يترجح صحته في المسألتين إذا أجاز الموكّل ذلك. والله أعلم.
ولا تبطل الوكالة بتعدَّ كلبس الثوب وركوب الدابة ونحوهما؛ لأن الوكالة إذن في التصريح مع إستئمان، فإذا زال أحدهما لم يزل الآخر ويضمن الوكيل ما تعدّى فيه أو فرط ولا يزول الضمان عن عين ما وقع فيه التعدي بحال ثم إن تصرّف كما مر صح تصرفه لبقاء الإذن وبرئ بقبضه العوض، فإذا تلف بيده بلا تعدّ ولا تفريط لم يضمنه؛ لأنه لم يتعد فيه.
قال في «شرح المنتهى»: قوله بقبضه العوض ليس قيدًا في براءته، بل يبرأ بمجرد تسليم العين وإذا قبض العوض لم يكن مضمونًا عليه وإن كان بدلًا عن ما هو مضمونًا عليه لما تقدم. اهـ.
ولا تبطل الوكالة بجحود الوكيل أو الموكل الوكالة؛ لأنه يدل على رفع الإذن السابق كما لو أنكر زوجية امرأة، ثم قامت بها البينة؛ فإنه لا يكون طلاقًا، وينعزل وكيل بموت موكله وبعزله إياه ولو لم يعلم.
قال في «الفروع»: اختاره الأكثر، وذكر شيخنا أنه أشهر، قال في «الإنصاف»: وهو المذهب والرواية الثانية لا ينعزل قبل علمه بموت الموكّل أو عزله؛ لما فيه من الضرر المترتب على ذلك؛ فإنه ربما باع جارية ووطئها المشتري أو غير ذلك.
وقيل: ينعزل بالموت قبل بلوغه لا بالعزل حتى يبلغه ذكر الشيخ تقي الدين.
وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس، والله سبحانه وتعالى أعلم. وينبني على الروايتين تضمينه وعدمه، قال الشيخ: لا يضمن مُطلقًا، قال في «الإنصاف»: وهو الصواب بكل لفظ دل على العزل كقول الموكّل فسخت الوكالة أو أبطلتها أو نقضتها، أو قوله: صرفتك عنها، وينعزل الوكيل بنهي الموكل له عن فعل ما أمره به ولو لم يبلغه، كما ينعزل شريك ومضارب بعزل أو موت شريكه ولو لم يبلغه.
والشركة والمضاربة كالوكالة خلافًا ومذهبًا، ويضمن الوكيل إن تصرف بعد العزل أو الموت لبطلان الوكالة إلا فيما يأتي في باب العفو عن القصاص من أن الوكيل في الاستيفاء لو اقتص ولم يعلم بعفو موكله لا ضمان عليهما.
23- مسائل حول إدّعاء الموكل على وكيله س23: تكلم بوضوح عن أحكام ما يلي: إذا ادّعى موكل عزل وكيله بعد الترف أو قول موكل إنه أخرج زكاته قبل دفع وكيله زكاته للساعي أو للفقير، وذكر ما يترتب على ذلك: ما بيد وكيل بعد عزل، إقرار وكيل على موكله بعيب، من ادّعى على وكيل غائب بحق فأنكره الوكيل وشهد بالحق بيّنة، الوكالة الدورية، واذكر الدليل والتعليل والخلاف والترجيح.
ج: لا تقبل دعوى موكل العزل لوكيله بعد تصرف الوكيل فيما وكل فيه في غير طلاق، ويأتي إن شاء الله أن الموكل إذا ادعى عزل وكيله قبل أن يوقع الطلاق يُدين، وكذا شريك ورب مال مضاربة بلا بينة بالعزل لتعلق حق الغير به؛ فإن أقام بينة عمل بها وإلا يقم بينة فلا تقبل دعواه العزل؛ لأن الأصل بقاء الوكالة وعدم الضمان وبقاء الشركة وبراءة ذمة الوكيل والشريك والمضارب من ضمان ما أذن له فيه بعد الوقت الذي ادّعى عزله فيه، ويقبل قول موكّل في إخراج زكاته أنه أخرج زكاته قبل دفع وكيله زكاته للساعي؛ لأنها عبادة، والقول قول مَن وجبت عليه في أدائها وزمنه؛ ولأنه انعزل من طريق الحكم بإخراج المالك زكاة نفسه، وتؤخذ الزكاة التي دفعها الوكيل من الساعي إن بيت بيده لفساد القبض؛ فإن فرقها الساعي على مستحقها أو تلفت بيده فلا رجوع، ولو دفع الوكيل الزكاة لنحو فقير فلا يقبل قول الموكل إنه كان أخرج قبل ذلك حتى ينتزعها من الفقير بلا بينة، ويضمن وكيل ما دفعه إلى الساعي؛ لأنه قد عزل من الوكالة بدفع موكّله ومتى صح العزل في الوكالة والشركة والمضاربة كان ما بيد وكيل بعد عزل أمانة لا يضمنه بغير تعدّ منه ولا تفريط، حيث لم يتصرّف؛ وأما ما تلف بتصرفه فيضمنه لما سبق كمودع عزل، فتصير الوديعة بعد عزله أو موت مودعه أمانة لا يضمن تلفها عنده بلا تعدّ ولا تفريط، ولو نقلها من محل إلى محل آخر أو سافر بها مع غيبة ربّها وكان السفر أحفظ لها، ولم ينعزل قبل علمه بموت المودع أو عزله، وكالرهن إذا انتهت مدته أو فسخ عقده فيبقى أمانة بيد مرتهن، وكالهبة إذا رجع فيها أب فتبقى أمانة بيد ولده، قال في «الغاية وشرحها»: وظاهر كلام الأصحاب أن الأمانات كلها يجب حفظها على من هي بيده، ولا يجب عليه الرد إلى مالكها فورًا قبل طلبه لها؛ وأما بعد الطلب فيجب ردّها على الفور؛ فإن تراخى بعد الطلب وتلف ضمنها، ويأتي إن شاء الله في الوديعة بأتم من هذا. اهـ.
ويقبل إقرار وكيل على موكله بعيب يمكن حدوثه فيما باعه؛ لأنه أمين، فقبل قوله في صفة البيع كقدر ثمنه إن ادعى المشتري أن المبيع معيب، وأنكره الوكيل فالتمس يمينه على نفي العيب فنكل عن اليمين على نفي العيب في المبيع، إن قيل القول قول البائع فرد عليه المبيع بنكوله رد بالبناء للمفعول على موكل لتعلق حقوق العقد كما لو باشره؛ وأما إذا لم يمكن حدوثه لا احتياج إلى إقراره، وإنما اعتبر إقراره في الممكن حدوثه؛ لأنه أمين يقبل قوله في صفة المبيع كما يقبل في قدر الثمن، ومن ادّعى على وكيلٍ غائبٍ بحق فأنكر الوكيل فشهد بالحق بيّنة حكم للمدعي بالحق، فإذا حضر الموكل الغائب وجحد الوكالة لم يؤثر جحوده في الحكم، أو ادّعى أنه عزله لم يؤثر ذلك في الحكم؛ لأن القضاء على الغائب صحيح وإن لم يكن وكيل.
الوكالة الدورية: قول إنسان لآخر وكَّلتُك وكلما عزلْتُك أو كلما انعزلت فقد وكلتك، أو كلما انعزلت فأنت وكيلي فكُلَّما انْعَزَل أو عزله عاد وكيلًا، وسُميت دورية؛ لدورانها على العزل.
قال في «التلخيص»: هي صحيحة على أصلنا في صحة التعليق؛ لأن تعليق الوكالة صحيح.
وقال الشيخ تقي الدين -رحمه الله-: لا تصح الوكالة الدورية؛ لأنه يؤدي إلى أن تصير العقود الجائزة لازمة، وذلك تغيير لقاعدة الشرع وليس المقود المعلق إيقاعُ الفسخ وإنما قصده الامتناع من التوكيل وحله قبل وقوعه، والعقود لا تنفسخ قبل انعقادها. انتهى. ذكره ابن رجب في القاعدة الثامنة عشر بعد المائة، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس. والله أعلم.
24- حكم عقود الوكيل وما يمتنع عليه منها وما يترتب على تصرفه من ضمان س24: بِمَ تتعلق حقوق العقد؟ وما مثالها؟ وبِمَ ينتقل الملك ولمن ينتقل ومن المطالب بالثمن؟ وهل يبرأ بإبراء البائع؟ ولمن ما وهب للوكيل في مدة الخيارين؟ وهل للموكل أن يرد ما وجده معيبًا؟ وهل يحنث الموكل ببيع وكيله؟ وإذا اشترى وكيل في ذمة، فما الحكم؟ وإذا لم يحضر الموكل خيار المجلس، فما الحكم؟ وهل للوكيل أن يبيع على نفسه أو يشتري منها لموكله؟ ومن الذي يماثل ذلك في الحكم؟ وهل للوكيل أن يبيع ما وكل في بيعه على ولده أو مكاتبه ونحوهم؟ واذكر الدليل والتعليل والتفصيل والخلاف والترجيح.
ج: حقوق العقد كتسليم الثمن وقبض المبيع وضمان الدرك والرد بالعيب ونحوه، وسواء كان العقد مما تجوز إضافته إلى الوكيل كالمبيع والإجارة أو لا، كالنكاح مُتعلقة بموكل لوقوع العقد له فلا يعتق من اشتراه وكيل من أقاربه كأبيه وأخيه ممن يعتق على وكيل إذا اشتراه لموكله؛ لأن الملك لم ينتقل للوكيل؛ لأنه لا يملكه، وكذا لو قال للعبد: إن اشتريتك فأنت حر، فاشتراه بالوكالة، لم يعتق على الوكيل، وينتقل ملك من بائع لموكل بمجرد العقد؛ لأن الوكيل قبله له أشبه ما لو تزوج له، وكالأب والوصي، ويطالب الموكل بثمن ما اشتراه وكيله له ويبرأ منه موكل بإبراء بائع وكيلًا لم يعلم بائع أنه وكيل لتعلقه بذمته ولا يرجع وكيل على موكل بشيء، وإن علمه بائع وكيلًا فأبرأه لم يصح؛ لأنه لا حق له عليه يبريه منه ولموكل أن يرد بعيب ما اشتراه له وكيله؛ لأنه حق له فملك الطلب به كسائر حقوقه، ويحنث موكّل بحلفه أنه لا يبيع الشخص الفلاني ببيع وكيله إياه؛ أن حقوق العقد متعلقة بالموكّل دون الوكيل، ويضمن الموكّل العهدة إن ظهر المبيع مستحقًا أو الثمن ونحو ذلك من سائر ما يتعلق بالعقد، ومحل ذلك إن أعلم الوكيل العاقد بوكالته سواء كان العاقد بائعًا للوكيل أو مشتريًا منه وإن لم يعلمه بوكالته فضمان العهدة عليه إبتداء للتغرير، والقرار على الموكّل، ويملك مشتر طلب بائع بإقباض ما باع له وكيله؛ لكن إن باع وكيل بثمن في الذمة، فلكل من وكيل وموكّل الطلب به لصحة قبض كل منهما له.
وإن اشترى وكيل بثمن في ذمته ثبت في ذمة الموكّل أصلًا، وفي ذمة الوكيل تبعًا كما يثبت الدين في ذمة المضمون أصلًا، وفي ذمة الضامن تبعًا، وللبائع مطالبة من شاء منهما من وكيل وموكل ويبرآن ببراءة موكل لا إن أبرأ وكيل فقط فلا يبرأ الموكل، وهذا إذا كان البائع عالمًا بأنه وكيل ليوافق ما سبق.
وقال الشيخ تقي الدين فيمن وكل في بيع أو استئجار: إن لم يسم موكله في العقد فضامن، وإلا فروايتان، وقال: ظاهر المذهب يضمنه، قال: ومثله الوكيل في الاقتراض. اهـ.
ويختص وكيل بخيار مجلس لم يحضره موكّل؛ لأن ذلك من تعلق العاقد كالإيجاب والقبول؛ فإن حضره موكّل كان الأمر له إن شاء حجر على الوكيل في ذلك، وإن شاء أبقاه مع كون الوكيل يملكه؛ لأن الخيار حقيقة للموكّل.
ولا يصح بيعُ وكيل لنفسه بأن يشتري ما وكّل في بيعه من نفسه، ولا يَصح شراءُ وكيلٍ من نفسه لموكله بن وكّل في شراء شيء معين فاشتراه من نفسه لموكله؛ لأنه خلاف العرف في ذلك؛ لأن العرف بيعه لغيره فتحمُل الوكالة عليه وللحوق التهمة له في ذلك، وهذا مذهب الشافعي وأصحاب الرأي، والرواية الثانية يجوز بشرطين أن يزيد على مبلغ ثمنه في النداء، والثاني: أن يتولى النداء غيره، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس، والله سبحانه أعلم.
وإن أذن موكّل لوكيله في بيعه من نفسه أو شرائه منها صح للتوكيل ذلك فيصح للوكيل إذا تولى طرفي العقد فيهما، كأب الصغير ونحو ذلك إذا باع من ماله لولده أو اشترى منه له؛ لأن دينه وأمانته وشفعته تحمله على عمل الحق، وربما زاده خيرًا ما لم يكن الإبن بالغًا أو ولد زنا؛ لأنه لا ولاية له عليهما؛ وأما الولي نحو الصغير إذا كان غير أب، وباع ماله لموليه أو اشترى منه لنفسه فلا يصح، وكتوكيل جائز التصرف في بيعه وتوكيل آخر لذلك الوكيل في شرائه فيتولى طرفي عقده، ومثلُ عقد البيع نكاحٌ بأن يُوكّل الولي الزوج أو عكسه أو يُوكل واحدًا أو يُزوج عبده الصغير بأمته فيتولى طرفي العقد، ومثلُه دعوى بأن يوكّله المتداعيان في الدعوى والجواب عنها وإقامة الحجة لكل منهما وولد الوكيل، وإن نزل ووالده وإن علا، ومكاتبه ونحوهم، كزوجته وكل من لا يقبل شهادته له كولد بنته ووالد أمه كنفسه، فلا يجوز للوكيل أن يبيع لأحدهم ولا أن يشتري منه؛ لأنه يُتهم في حقَّهم؛ ولأنه يميل إلى ترك الاستقصاء عليهم في الثمن كتهمته في حق نفسه، هذا مع الإطلاق؛ وأما مع الإذن فيجوز ويصح بيعُ الوكيل في البيع لإخوته وأقاربه كعمه وابن أخيه.
قال في «الإنصاف»: قلتُ وحيثُ حَصَل في ذلك تُهمةٌ لا يصح، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس. والله سبحانه أعلم.
وكالوكيل فيما تقدم من البيع ونحوه حاكمٌ وأمينه ووصي وناظر وقف ومضارب وشريك عنان ووجوه، فلا يبيع أحد منهم من نفسه ولا ولده ووالده ونحوه ممن لا تقبل شهادته له ولا يشتري من نفسه ولا من ولده ووالده لما تقدم؛ وأما إجارة ناظر الوقف، فقال ابن عبد الهادي في «جمع الجوامع»: إن كان الوقف على نفس الناظر فإجارته لولده صحيحة بلا نزاع وإن كان الوقف على غيره ففيه تردد، ويحتمل أوجه منها الصحة، وحكم به جماعة من قضاتنا منهم البرهان بن مفلح.
والثاني: تصح بأجرة المثل فقط، والثالث: لا تصح مطلقًا، وهو الذي أفتى به بعض إخواننا، والمختار من ذلك الثاني. انتهى كلامه ملخصًا.
قال في «شرح الإقناع»: والذي أفتى به مشايخنا عدم الصحة.
وقال في «شرح الغاية»: عدم الصحة لا يعدل عن فحواه ولا تميل الأسس السليمة إلى سواه خصوصًا في هذا الزمان الذي تُعجِزُ حيلُ أهله حُكماء اليونان. اهـ.
وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس. والله سبحانه أعلم.
25- مسائل حول بيع الوكيل بأزيد ممن قدر أو بعض المبيع س25: إذا باع وكيل بزائد أو باع مضارب بزائد على مقدر أو على ثمن المثل أو بأنقص عن مقدر أو اشتريا بأزيد عن مقدر أو ثمن المثل، فما الحكم؟ وتعرض للضمان حول الوكيل والمضارب إذا زِيْدَ على ثمن مثل قبل فهل للوكيل أو المضارب بيعها بثمن المثل أو فسخ البيع، وإذا قال الموكل لوكيله: بع هذا الكتاب بدرهم فباعه بدرهم وعرض، أو باع بدينار، أو قال لوكيله: بع هذا بألف نساء فباع به حالًا أو بعه فباع بعضه بدون ثمن كله، أو بعه بسوق كذا بألف فباع به في آخر، أو اشتراه بكذا فاشتراه به مؤجلًا، أو قال: اشتر لي شاة بدينار فاشترى به شاتين تساويه إحداهما أو شاة تساويه بأقل، فما الحكم؟ وضح ذلك مع ذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل أو خلاف.
ج: إذا باع وكيل في بيع أو باع مضارب بزائد على ثمن مقدر وهو ما قدر له ربَّ المال صح البيع، أو باع مضارب بزائد على ثمن مثل إن لم يقدر لهما ثمنًا، ولو كان الزائد من غير جنس ما أمر الوكيل والمضارب بالبيع به صحَّ البيعُ لوقوعه بالمأذون فيه وزيادة تنفع ولا تضر؛ لأن من رضي بمائة دينار لا يكره أن يزاد عليها ثوبًا أو نحوه.
وإن قال: بعه بمائة درهم فباعه بمائة دينار أو بتسعين درهمًا وعشرة دنانير أو بمائة ثوب أو ثمانين درهمًا وعشرين ثوبًا، لم يصح للمخالفة، والذي يترجح أنه يصح فيما إذا جعل مكان الدرهم أو الدراهم أو بعضها دنانير؛ لأنه مأذون فيه عرفًا؛ لأن من رضي بدرهم رضي مكانه دينارًا. والله أعلم.
وكذا يصح البيع إن باع الوكيل أو المضارب بأنقص عن مقدر أو ثمن مثل أو اشترى بأزيد عن مقدر أو ثمن مثل؛ لأن من صح بيعهُ وشراؤه بثمن صح بأنقص منه وأزيد كالمريض ويضمن الوكيل والمضارب في شراء بأزيد من مقدر أو ثمن مثل الزائد عنهما ويضمنان في بيع كلُّ النقص عن مقدر ويضمنان في بيع إن لم يقدر لهما ثمن كلّ ما لا يتغابنُ بمثله عادةً كعشرين من مائة بخلاف ما يُتغابن به كالدرهم ن عشرة لعُسْرة التحرز منه، وحيث نقص ما لا يتغابن به ضمِنَا جميعَ ما نَقَصَ عن ثمن مثل؛ لأنه تفريط بترك الاحتياط وطلب الحظ لآذن وبقاء العقد وتضمين المفرط جمعٌ بين المصالح، وكذا شريك ووصي وناظر وقف أو بيت مال ونحوهم.
قال الشيخ تقي الدين: وهذا ظاهر فيما إذا فرّط؛ وأما إذا احتاط في البيع والشراء، ثم ظهر غبن أو عيب لم يُقصر فيه، فهذا معذور يشبه خطأ الإمام أو الحاكم ويشبه تصرّفه قبل علمه بالعزل وأبين من هذا الناظر والوصي والإمام والقاضي إذا باع أو أجّر أو زارع أو ضارب، ثم تبين أنه بدون القيمة بعد الاجتهاد، أو تصرّف تصرفًا ثم تبين الخطأ فيه، مثل أن يأمر بعمارة أو غرس ونحو ذلك، ثم تبين أن المصلحة كانت في خلافه، وهذا باب واسع.
وكذلك المضارب والشريك؛ فإن عامة من يتصرّف لغيره بوكالة أو ولاية قد يجتهد ثم يظهر فوات المصلحة أو حصول المفسدة فلا لوم عليه فيهما وتضمين مثل هذا فيه نظر وهو شبيه بما إذا قتل في دار الحرب من يظنه حربيًا فبان مسلمًا؛ فإن جماع هذا إنه مجتهد مأمور بعمل إجتهد فيه، وكيف يجتمع عليه الأمر والضمان؟ هذا الضرب هو خطأ في الاعتقاد والقصد لا في العمل، وأصول المذهب تشهد له بروايتين.
قال ناظم المفردات: مُوَكّلٌ قدَّر لِلْوَكيل قدرًا به يَبيعُ يَا خَليل فباعَ بالأقَّل مِمَّا قَدَّرا أو زَادَ عَن ذاك الوكيلُ في الشرا وهكذا في مُطلقَ التوكيل إنْ زَادَا أو نَقَصَ في التمثيل عن ثمن المثلِ مَضَى انعقادًا ويَضْمنُ النقصَ كذا ما زادَا هذا هو المنصوصُ في القولين قال به الأكثرُ في الحالينِ
والذي يترجح عندي إنه إذا باع بأقل مما قدره له أنه لا ينفذ تصرفه إلا بالإجازة؛ لأن الإذن إنما حصل على هذه الصفة، وأنه إذا باع أو اشترى بأكثر من ثمن مثل أو بأقل من ثمن مثل مع احتياطه واجتهاده إنه غير ضامن على الإذن فلا يكون من ضمانه. والله أعلم.
ولا يضمن قنَّ إذنه سيده في بيع وشراء فباع بأنقص أو اشترى بأزيد لسيده، ولا يضمن صغير أذن له وليه في التجارة فباع بأنقص أو اشترى بأزيد، كما لو أتلف مال نفسه؛ لأن الإنسان لا يثبت له الدين على نفسه.
قال في «الإنصاف»: ويصح البيع على الصحيح من الذهب، وقدمه في «الفروع».
وإن زيد في ثمن سلعة يريد الوكيل أو المضارب بيعها على ثمن مثل قبل بيع لم يجز لوكيل ولا لمضارب بيعها بثمن مثل؛ لأن عليه طلب الحظ لآذنه وبيعها كذلك مع من يزيد يُنافيه وإن زيد على ثمن مثلها بعد أن بيعت في مدة خيار مجلس أو شرط لم يلزم وكيلًا ولا مضاربًا فسخُ بيعٍ؛ لأن الزيادة إذًا منهي عنها، فلا يلزم الرجوع إليها وقد لا يثبت المزايد عليها، وقال الشيخ عن على قوله: لم يلزم فسخ، ينبغي تقييد بما إذا زاد غير عالم بالأول، وإنما لم يلزم الفسخ هنا مع لزومه فيما تقدم في الحجر في أمين الحاكم؛ لأن مال المفلس بيع لوفاء دينه، وهو واجب بحسب الإمكان بخلاف ما هنا؛ فإن خالف الوكيل وباع مع حضور من يزيد على ثمن المثل، فمقتضى ما سبق يصح البيع، وظاهر كلامهم ولا ضمان ولم أره مصرحًا به، قاله في «شرح الإقناع»، وقد يقال: بل هو مفرد في الحالة المذكورة، فيضمن لتحقق تفريطه أخذًا مما سيأتي، وكلامهم هنا لا ينافيه. اهـ.
ومن قال لوكيله في بيع نحو ثوب: بعه بدرهم، فباعه بالدرهم، وبعرض كفلس وكتاب، صح، أو باعه بدينار، صح البيع؛ لأنه في الأولى باع بالمأذون فيه حقيقة وزيادة تنفع الموكل ولا تضره، وفي الثانية باع بمأذون عرفًا؛ فإن من رضي بدرهم رضي مكانه بدينار ولو قال لوكيله: بع هذا بألف نساء، فباع بالألف حالًا صَحَّ ولو مع ضرر يلحق الموكل بحفظ الثمن؛ لأنه زاده خيرًا ما لم ينهه عن البيع حالًا؛ فإن نهاه لم يصح للمخالفة، وكل تصرف خالف الوكيل فيه الموكل فكتصرّف فضولي، والذي يترجح عندي أنه مع لحوق الضرر بالموكل لا يصح. والله أعلم.
وإن قال موكل لوكيله في بيع شيء: بعه، فباع بعضه بدون ثمن كله، لم يصح البيع لضرر الموكل بتشقيصه، ولم يأذن فيه نطقًا ولا عرفًا؛ فإن باع بعضه بثمن كله صح للإذن فيه عرفًا؛ لأن من رضي بالمائة مثلًا عن الكل رضيها عن البعض؛ ولأنه حصل له المائة وأبقى له زيادة تنفعه ولا تضره وله بيع باقيه بمقتضى الإذن أشبه ما لو باعه صفقة بزيادة على الثمن ما لم يبع الوكيل باقيه فبيع الأول موقوف؛ فإن بيع الباقي تبينًا صحة الأول وإلا تبيّنا بطلانه، وإن رضي مُوكله ببيع البعض صحَّ أو يكن ما وكّل في بيعه عبيدًا أو صبرة ونحوها مما لا ينقصه تفريق فيصح لاقتضاء العرف؛ لذلك وعدم الضرر على الموكل في الإفراد؛ لأنه لا نقص فيه ولا تشقيص ما لم يقل موكل لوكيله بع هذا صفقة لدلالة تنصيصه عليه على غرضه فيه، وكذا شراء فيصح شراء شيء واحد ممن أمر بشرائهما، ولو قال: اشتر لي عشرة شياة أو عشرة أمداد برًا وعشرة أرطال حرير؛ فإنه يصح أن يشتري له ذلك صفقة وشيئًا بعد شيء لا إن أمره بشرائهما صفقة فاشتراهما واحدصا بعد واحد، فلا يصح وإن قال: اشتر لي عبدين صفقة، فاشترى عبدين لإثنين مشتركين بينهما من وكيلهما أو من أحدهما بإذن الآخر جاز، وإن قال: بع هذا العبد بمائة فباع نصفه بالمائة صح البيع؛ لأن حصل غرضه وزاده زيادة تنفعه ولا تضره، وللوكيل بيع النصف الآخر؛ لأنه مأذون في بيعه فأشبه ما لو باع العبد كله بمثلي ثمنه.
وإن قال: بعه بألف في سوق كذا، فباعه بالألف في سوق آخر، صح البيع؛ لأن القصد بيعه وتنصيصه على أحد السوقين مع استوائهما في الغرض إذن في الآخر كمن استأجر أو استعار أرضًا لزراعة شيء؛ فإنه إذن في زراعة مثله ما لم ينهه الموكل عن البيع في غيره، فلا يصح للمخالفة، ولا يصح إن كان للموكّل في السوق الذي عيّنه غرض صحيح إذا باع في غيره كحلِّ نقده أو أن الثمن فيه أكثر أو جودة نقده أو مودة أهله أو صلاحهم، فلم يجز في غيره لتفويت غرضه عليه.
وإن قال: بعه لزيد، فباعه لغيره، لم يصح البيع للمخالفة؛ لأنه قد يقصد نفع زيد فلا يجوز مخالفته.
قال في «المغني» و«الشرح»: إلا أن يعلم بقرينة أو صريح أنه لا غرض له في عين المشتري.
وإن قال لوكيله في شراء شيء اشتراه مثلًا بمائة فاشتراه الوكيل بها مؤجلًا صح؛ لأنه زاده خيرًا، وقيل: لا يصح إن حصل ضرر، وجزم به في «الوجيز».
قال في «الإنصاف»: وهو الصواب، وهذا هو الذي يترجح عندي. والله أعلم.
وإن قال له: اشتر شاة بدينار فاشترى به شاتين تساوي الدينار إحداهما، صح لحديث عروة بن الجعد: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث معه بدينار يشتري له به أضحية، فاشترى له اثنين، فباع واحدة بدينار وأتاه بالأخرى، فدعا له بالبركة، فكان لو اشترى ترابًا لربح فيه.
وفي رواية قال: هذا ديناركم وهذه شاتكم، قال: «كيف صَنَعتَ» فذكره، ورواه البخاري في ضمن حديث متصل لعروة؛ ولأنه حصل المأذون فيه وزيادة أو اشترى له شاة تساوي الدينار بأقل من الدينار صح، وكان الزائد للموكَّل؛ لأنه مأذون له عرفًا فيه وقد حصل المقصود وزيادة، وإن تساوِ الدينار إحداهما فلا يصح الشراء؛ لأنه لم يتحصل المقصود له فلم يقع البيع له لكونه غير مأذون لفظًا ولا عرفًا.
وإن قال لوكيله: اشتر عبدًا لم يصح شراء إثنين معًا؛ لأنه لم يأذن له لفظًا ولا عرفًا، ولو كان أحدهما يساوي ما عينه من الثمن ولو اشتراهما واحدًا بعد واحد صح شراء الأول، والذي يترجح عندي أن غير الشياه مثلها في الحكم، فلو قال لوكيله مثلًا: اشتر لي ثوبًا بدينار فاشترى بالدينار ثوبين، وكان أحدهما يساوي الدينار صح؛ لحصول غرض الموكل وزيادة. والله أعلم. ويصح شاء واحد ممن أمر بشرائهما.
من النظم فيما يتعلق بالوكالة: وإن قال بِعْ عَبْدِي وَوَكَّلَهُ فتىً لِيَبْتَاعَه توكيلُ الاثنين أطدِ ونحو اشترِ عبدًا بنقد مقدّر فيشري به مرجًا أجزه بأجود ونحو اشتر شاة بثمن إذا اشترى اثنين تساوي الثمن إحداهما أطد ونحو اشترِ بالعين من يشتري نسا فينقده الزم به في المؤكد وفي عكس هذا العقد صحح لامرئ وقيل إذا لم يرض بالعقد أفسد وجانب بلا إذن شِرا تعيب ولو عَيَّن اردد دون إذن بأجود وإن قال خصم رضى العيب ربه فأبرأ أو استوفى الثمن لم يقلد ليحلف وكيل إنه غير عالم نصحه دعواه ويقبض ويردد فإن صدق الدعوى الموكلُ بعد ما رددت يصح الرد منك بأجود فإن يرضَ بالعيب الوكيل فرد الْمُوَكِّلْ على وجهين مَبْنَى التَّرددِ فإن خالفَ التعيين في أجلٍ وفي زمانٍ وشخصٍ ثم نقدٍ ليفسد وليس خلاف المرء في السُوقِ مُبْطلٌ إذا استَويَا في السعر مع حُسن مقصد ومَن يشتر الشيء المُسَمَّى مُؤجَّلًا بقيمة تعجيل ولم يُنْهَ جوِّدِ وعن بائعٍ والمشتري العوض انقل ابتداءً إلى ملْكٍ الموكل تَرْشُدِ وتَلْزمَه الأثمانُ ثم وكيلُه كَضامِنِه مَن شاءَ مَن باعَ يَقصُد ومَا مِن حُقوق العقدِ شيء بلازِمِ الوكيل ولكن لِلْوكِيلِ فاقصِدِ ويملك تسليمًا لما باع واشترى ودون دليل لم يقبض بأجود فإن يَتَعَذَّر قبض ما لم يَجُزْ يُرى وإلا فلا والقبضَ جَوزْ بمعبد وليسَ بَعِيدًا مَنْعَنَا عَزْل نفْسِهِ إذا غابَ عَنه رَبُه ذَا تَبَعُّدِ ولا يملكُ الإبرا ولا قرار نائب الخِصَامِ بقبض المالك الثمنَ اشهَدِ ولا قبضَ أيضًا ولا بُرْأ نفسِهِ إذا مَلكَ الإبراءَ يَا ذا التَسَدُدِ ويملك مَن وَكَّلْتَ في القبض يا فَتَى الْخُصومَةَ في الأقوى ولو مَعْ تجَرُدِ وتوكيلُه في فاسدِ البيع باطلٌ وفي كل شيءٍ ألْغِ لِلْجهل وَارْدُد ونحو اشترِ عَبدًا بماشِيَةٍ ومَن تَشاءُ في الأولى الغِ مَا لم تقيَّدِ ونحو بمالي ابتعْ وبعْهُ وخلِّصَنْ حُقُوقي جَمِيعًا جَائِزَ غيرَ مُفْسَدِ ونحو اشترِ عبدًا وثوبًا لذا أجز كثوبٍ وعبدٍ دونَ قَيْدٍ بمُبْعَدِ ونحو اقبضنْ مِن ذا حُقوقي مَتَى يَمُتْ فليس لَه مِن وَارِثٍ قَبَضُ مُوْرِدِ وإنْ قَالَ خُذْ مَالِي مِن الحقِ عِنَدهُ فَمَلِّكَ مِن وَرَّاثِهِ القبضَ تَرشُدَ ومَن يَقْضِ دَينًا والموكلُ حاضرٌ ولم يَقُلْ اشْهَدْ بالقضاء فَيجَحْدِ فلا غُرْمَ في حقِ الوكيلِ وإن قَضَى بغَيْتِهِ ضمِّنْه إن لم يُشَهّدِ ولو مَعَ تَصْديقِ المُوكلِ في القضاءِ لِفُقْدانِ الإبرا بالقضا مَعْ تَقَصُّدِ ولا غُرمَ في قَولٍ كإيدَاعِ نائبٍ لأن بها الإشهادُ غَيرَ مُعَوَّدِ
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 5:49 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الخامس الثلاثاء 01 ديسمبر 2015, 2:12 am | |
| 26 - شراء الوكيل معيب وادّعاؤه رضا موكّل بالعيب وشراؤه غير ما أمر بشرائه... إلخ. س26: هل للوكيل شراء معيب؟ وضح ذلك مع ما يترتب عليه من تفصيل أو نحوه، وإذا ادّعى بائع رضي موكل أو أسقط وكيل خياره أو أنكر بائع أن الشراء وقع لموكّل، أو قال موكّل لوكيله: اشتر لي بعين هذا الدينار، فاشترى له في ذمته أو عكسه أو أطلق الموكّل أو خلط المال الوكيل بدراهمه، فضاع الكل، أو قال: بعه لزيد، فباعه لغيره، فما الحكم؟ وإذا وكل إنسان في بيع شيء، فهل يملك تسليمه وقبض ثمنه وإذا تعذر قبض الثمن على موكّل أو أخر وكيل تسليم الثمن، فما الحكم؟ وما الدليل والتعليل؟ واذكر ما في ذلك من خلاف وترجيح وتفصيل.
ج: ليس للوكيل شراء معيب مع الإطلاق؛ لأنه يقتضي السلامة ولذلك جاز له الرد بالعيب؛ فإن علم بعيبه قبل شرائه لزم الوكيل الشراء لدخول في العقد على العيب ما لم يرضَ موكله بعيبه؛ فإن رضي به فله؛ لأنه نوى العقد له وإن جهل وكيل عيبه حال العقد صح، وكان كشراء موكّل بنفسه لمشقة التحرر من ذلك؛ فإن رضي موكل معيبًا فليس لوكيل رده؛ لأن الحق للموكل وإن سخط أو كان غائبًا فللوكيل رده على بائعه لقيامه مقام موكّله، وكذا خيار غب أو تدليس؛ فإن ادّعى بائع رضي موكله بالعيب والموكّل غائب حلف وكيلُ أنه لا يعلم رضى موكله وردُّه للعيب، ثم إن حضر موكل فصدق بائعًا على رضاه بعيبه أو قامت به بينة لم يصح الردّ لانعزال الوكيل من الرد برضى موكله بالعيب والمعيب باق لموكله، فله استرجاعه ولو كانت دعوى الرضى مِن قَبِلَ الموكل، وإن لم يدَّع بائعٌ رِضيَ موكل، وقال له: توقف حتى يحضر الموكل، فربما رضي بالعيب لم يلزم الوكيل ذلك، لاحتمال هرب البائع أو فوات الثمن بتلفه وإن طاوعه لم يسقط رد موكل، وإن أسقط وكيل اشترى معيبًا خيارهُ ولم يرض موكله بالعيب فله رده لتعلق الحق به، وإن أنكر بائع أن الشراء وقع لموكل ولا بينة حلف بائع أنه لا يعلم أن الشراء وقع له ولزم البيع الوكيل لرضاه بالعيب والظاهر صدور العقد لمن باشره فيغرم الثمن، وإن صدق بائع أن الشراء لموكّله أو قامت بيّنة فله الرد، وإن وجد من الوكيل ما يسقطه، ولا يرد وكيل ما عينه الموكل له كاشتر هذا العبد أو الثوب بعيب وجده فيه قبل إعلامه الموكّل لقطعه نظر وكيله بتعيينه فربما رضي به على جميع أحواله؛ فإن علم الوكيل عيب ما عينه له قبل الشراء فله شراؤه، وإن قال لوكيله: اشتر لي كذا بعين الدينار مثلًا، فاشترى له في ذمته ثم نقد ما عيَّنهُ له أو غيره لم يلم الشراء موكلًا لمخالفته الموكّل فيما له فيه غرض صحيح؛ لأن الثمن المعين ينفسخ العقد بتلفه أو كونه مغصوبًا ولا يلزمه ثمنه في ذمته وحينئذٍ يقع الشراء للوكيل، والذي يترجح عندي أنه يقف على إجازة الموكل؛ فإن أجازه لزمه، وإلا فلا. والله أعلم.
وإن قال الموكل لوكيله: اشتر لي في ذمتك وأنقد هذه الدراهم، فاشترى الوكيل بعينها صح الشراء الموكّل، ويلزمه لإذنه في عقد يلزمه به الثمن مع بقائه وتلفه فكان إذنًا في عقد لا يلزمه الثمن إلا مع بقائه دون تلفه وإن أطلق الموكّل، فقال: اشتر لي كذا بكذا، ولم يقل بعينه، ولا في الذمة، جاز الشراء بالعين، وفي الذمة؛ لتناول الإطلاق لهما، وإن قال لوكيله: بعه لزيد، فباعه الوكيل لغير زيد، لم يصح البيع سواء قدر له الثمن أو لم يقدره؛ لأنه قد يكون غرضه في تمليكه لزيد دون غيره، إلا أن علم الوكيل ولو بقرينة أنه لا غرض له في عين زيد، ومَن وكل في بيع شيء ملك تسليمه لمشتريه؛ لأنه من تمام البيع ولا يملك الوكيل قبض ثمن المبيع مطلقًا سواء دلت عليه قرينة كأمره ببيعة في محل ليس فيه الموكل أو لا؛ لأنه قد يوكل في البيع من لا يأمنه على قبض الثمن.
قال في «الشرح الكبير»: ويحتمل أن يملك قبض الثمن؛ لأنه من موجب البيع فملكه كتسليم المبيع، فعلى هذا ليس له تسليم المبيع إلا بقبض الثمن أو حضوره؛ فإن سلمه قبل قبض ثمنه ضمنه.
قال شيخنا: والأولى أن ينظر فيه؛ فإن دلّت قرينة الحال على قبض الثمن مثلُ توكيله في بيع ثوب في سوق غائب عن الموكل أو موضع يضيع الثمن بترك الوكيل كان إذنًا في قبضه ضمنه؛ لأن ظاهر حال الموكل أنه إنما أمره بالبيع لتحصيل ثمنه فلا يرضى بتضييعه، ولهذا يُعدُ من فعل ذلك مفرطًا وإن لم تدل قرينة على ذلك لم يكن له قبضه. اهـ.
والذي تطمئن إليه النفس أن قبض الوكيل للثمن وللمثمن يرجع فيه إلى العادة والعرف. والله أعلم.
وإن تعذر قبض ثمن على موكّل كموت المشتري مفلسًا أو كون المبيع مُستحقًا أو معيبًا لم يلزم الوكيل شيء من الثمن لعدم تفريطه كحاكم وأمينه يبيعان شيئًا لغائب أو محجور عليه وفات الثمن، لا شيء عليهما وكتعذر قبض الثمن لهرب ونحوه ما لم يفض ترك قبض ثمن مبيع إلى ربا؛ فإن أفضى إلى ربا نسيئة كبيعه قفيز بر بمثله أو بشعير فباعه به، ولم يحضر موكله المجلس ملك الوكيل قبض الثمن للإذن فيه شرعًا وعرفًا إذ لا يتم البيع إلا به وكذا الشراء، فالوكيل فيه يملك تسليم الثمن ولا يملك تسليم المبيع إلا بإذن صريح أو قرينة على ما تقدم وإن أخر وكيل في شراء تسليم ثمنه بلا عذر في التأخير فتلف ضمنه لتفريطه؛ فإن كان عذر نحو امتناع من قبضه لم يضمنه.
27- بحوث حول تصرفات الوكيل ومسائل تتعلق به وبمعامله س27: هل للوكيل تقليب المبيع على مشتر أو بيعه ببلد آخر وإذا أمر إنسان يدفع شيء إلى معين ليصنعه فدَفعه ونسيه فهل يضمن؟ وإذا وكل في قبض دراهم أو دنانير، فهل يصارف؟ واذكر ما يترتب على ذلك، وإذا وكّل في قبض دينار أو ثوب فأخذ أكثر أو أخذ وكيل في قبض دينَ رَهْنًا أوْ وَكَّلَ غيره في قضاءِ دينٍ وَلم يشهد الوكيل، وأنرك الغريم أو وكل في إيداع، ولم يشهد الوكيل أو قال: أشهدت، فماتوا، أو قال: أذنت لي في القضاء، فما الحكم؟ وإذا وكل في خصومة فهل يكون وكيلًا في قبض أو بالعكس؟ وإذا قال: أجب خصمي عني أو اقبض حقي اليوم أو من فلان أو الذي قبله فما الحكم؟ وما الدليل وما التعليل والخلاف والترجيح؟
ج: ليس لوكيل في بيع تقليب المبيع على مشتر إلا بحضرة موكّل؛ لأن الإذن في البيع لا يتناوله؛ فإن حضر الموكّل جاز لدلالة الحال على رضاه به، وإلا بأن دفعه إليه ليقلبه بحيث يغيب به عن الوكيل فأخذه ليريه أهله ضمن الوكيل لتعديه، وفي «الفروع»: ويتوجه العرف. اهـ.
وهذا هو الذي تطمئن إليه النفس. والله أعلم.
وليس لوكيلٍ في بيع شيء بيعُه ببلد آخر لعدم تعارفه فلا يقتضيه الإطلاق فيضمن تلفه قبل بيعه لتعديه، ويصح بيعه له ببلد آخر لما تقدم أن الوكالة لا تبطل بتعديه ومع مؤنة نقل للمبيع لا يصح بيعه ببلد آخر؛ لأن فيه دلالة على رجوعه عن التوكيل؛ لأن مثل ذلك لا يفعله بغير إذن صريح إلا المتصرف لنفسه، ومن أمر بدفع شيء كثوب أمره مالكه بدفعه إلى نحو قصّار أو صبَّاغ معين ليصبغه فدفعه إلى من أمر به بدفعه له ونسيه فضاع لم يضمن؛ لأنه لم يتعد ولم يفرط، بل فعل ما أمر به، وإن أطلق مالك بأن قال مثلًا: إدفعه إلى من يقصّره أو يصبغه، فدفعه الوكيل إلى مَن لا يعرف عينه كما لو ناوله مِن وراء ستر ولا يعرف اسمُه ولا دكانه، بل دفعه بغير دكانه، ولم يسأل عنه ولا عن اسمه، فضاع ضمن لتفريطه، وأطلق أبو الخطاب إذا دفعه إليه لم يضمن إذا اشتبه عليه ومَن وكل في قبض درهم فأكثر أو قَبِلَ دينار فأكثر ممن عليه دراهم أو دنانير لم يصارف المدين بأن يقبض عن الدنانير دراهم أو عن الدراهم دنانير؛ لأن لم يأمره بمصارفته ويكون من ضمان الباعث إن تلف؛ لأنه دفع إلى الرسول غير ما أمِرَ به، فهو وكيل للدافع في تأديته إلى صاحب الدين إلا إن أخبر الرسول المدين أن ربّ الدين أذنهُ في ذلك فيكون من ضمان الرسول؛ لأنه غرّه.
قال الشيخ عثمان: ولا يعارض هذا ما سبق في الضمان من أن الرسول المخالف يكون ضمان ما خالف فيه على المرسل الأول، ويستقر على الرسول؛ لأن ذلك فيما إذا كان المأمور بقبضه عين مال المرسل كالوديعة، بخلاف ما هنا؛ فإنه في الدين وهو لا يملك إلا بقبضه، وسوى في «الإقناع» بين المسألتين، فجعل الضمان على الباعث، أي المدين، أو من عنده المال، ويرجع على الرسول في الأخيرة، أي صورة الوديعة، وإن أخذ وكيل في قبض دين رهنًا أساء بأخذه؛ لأنه غير مأذون فيه ولم يضمن الرهن وكيل؛ لأنه رهن فاسد، وفاسد العقود كصحيحها في الضمان وعدمه، ومن وكل غيره لو كان الوكيل مودعًا في قضاء دين فقضاه، ولم يشهد الوكيل بالقضاء، وأنكر غريم القضاء لم يقبل قول وكيل عليه؛ لأنه لم يأتمنه، وكما لو ادعاه الموكل وضمن وكيل لموكله ما أنكره رب الدين لتفريطه بترك الإشهاد، ولهذا إنما ضمن ما ليس بحضرة موكل، وقيل: يتبع العرف والعوائد تختلف بحسب الديون وحسب الغرماء فمن كان دينه مؤجلًا بوثيقة ووكل المدين من يقضيه دين ثم قضاه بلا إشهاد عليه، فهذا مفرط والمفرط ضامن؛ لأنه مأمور بقضاء مبرئ للذمة؛ وأما إن كان عنده طلب الآخر بلا وثيقة ولم يأمره بالإشهاد، بل أمره أن يعطيه حقه، والمقضي أمين، فهذا لا يعده الناس مفرطًا فلا ضمان عليه إن لم يشهد؛ فإن حضر مع ترك الإشهاد فقد رضي بفعل وكيله، كقوله: اقضه، ولا تشهد بخلاف حال غيبته لا يقال هُوَ لم يأمره بالإشهاد فلا يكون مفرطًا بتركه؛ لأنه إنما أذنه في قضاء مبرئ ولم يفعل، ولهذا يضمن ولو صدقه موكل وكذب رب الدين بخلاف توكيل في إيداع فلا يضمن وكيل لم يشهد على الوديع إذا أنكر لقبول قوله في الرد والتلف، فلا فائدة للموكل في الاستيثاق عليه؛ فإن أنكر الوديعُ دفعَ الوكيل الوديعة إليه فقول وكيلٍ بيمينه؛ لأنهما اختلفا في تصرفه وفيما وكِّل فيه، فكان القولُ قولُه فيه، وإن قال وكيلٌ في قضاء دين أشهدتُ على رب الدين بالقضاء شهودًا فماتوا، وأنكره موكلٌ، أو قال له: قضيتُ بحضرتك، فقال: بل بغيبتي حَلَف موكلٌ لاحتمال صدقِ الوكيل وقضي له بالضمان؛ لأن الأصل معه ومن وُكِّلَ في قبض دين أو عين كان وكيلًا في خصومة سواء على رب الحق ببذل الغريم ما عليه أو جحده أو مطله؛ لأنه لا يتوصل إلى القبض إلا بالإثبات، فالإذن في القبض إذن فيه عرفًا.
قال في «شرح المنتهى»: قلت: ومثله من وكّل في قسم شيء أو بيعه أو طلب شفعة فيملك بذلك تثبت ما وكّل فيه؛ لأنه طريق للتوصل إليه. اهـ.
وإن وكّله في الخصومة لا يكون وكيلًا في القبض ولا إقرار عليه؛ لأن الإذن لا يتناوله نطقًا ولا عرفًا؛ لأنه قد يرضى للخصومة من لا يرضاه للقبض إذ معنى الوكالة في الخصومة الوكالة في إثبات الحق، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: يملكُ قبضه؛ لأن المقصود من التثبت قبضه أو تحصيلُه؛ ولأنه مأمور بقطع الخصومة ولا تنقطع إلا به.
وقال في «الإنصاف»: الذي ينبغي أن يكون وكيلًا في القبض إن دلت عليه قرينة كما اختاره المصنف وجماعة فيما وكّله في بيع شيء أنه لا يملك قبضه إلا بقرينة، وهذا هو الذي تميل إليه النفس. والله أعلم.
وإذ قال إنسان لآخر: أجب خصمي عني، فيحتمل أن يكون كتوكيله في خصومة، ويحتمل بطلان الوكالة بهذا اللفظ.
قال في «تصحيح الفروع»: الصواب الرجوع في ذلك إلى القرائن؛ فإن دلت على شيء كان وإلّا فهي الخصُومة أقرب. اهـ.
وفي الفنون لا تَصِحُ الوكالة ممَّنْ عِلَم ظُلم مُوكله في الخصومة.
وفي كلام القاضي لا يجوز لأحد أن يخاصم عن غيره في إثبات حب أو نفيه وهو غير عالم بحقيقة أمره، وإذا قال لوكيله: اقبض حقي اليوم أو يوم كذا، ونحوه لم يملك فعل ما وكل فيه اليوم غدًا؛ لأن الإذن لم يتناوله، ولأنه قد يؤثر التصرف زمن الحاجة، فالوكالة تقيدت بزمن معين، ولهذا لما عين الله لعبادته وقتًا لم يجز تأخيرها عنه، وإنما صح فعلها قضاء؛ لأن الذمة لما اشتغلت كان الفعل مطلوب القضاء، وإن قال لوكيله: اقبض حقي من فلان ملك قبض حقه من فلان ومن وكيله لقيامه مقامه فيجري مجرى إقباضه ولا يملك قبضه من وارثه؛ أنه لم يؤثر به ولا يقتضيه العرف.
لا يقال: الوارث قائم مقام المورّث فهو كالوكيل؛ لأن الوكيل إذا دفع بإذنه جرى مجرى تسليمه وليس الوارث كذلك؛ فإن الحق انتقل إليه واستحقت المطالبة عليه لا بطريق النيابة عن المورّث، ولهذا لو حلف لا يفعل شيئًا حنث بفعل وكيله دون مورثه، وقيل: ينظر؛ فإن تبين من مراده أنه وكّله على استحصال حقه بقطع النظر عمن يقبض منه، فلا شك أنه يملك قبضه من وارثه كما يملك قبضه من وكيل زيد وإن صرح أن قصده أن يقبض من زيد فقط، وأنه لا يرغب قبضه من وارثه، فهذا لا يملكه إلا بإذن ظاهر؛ لأنه قد يرى بقاء الحق عندهم دونه، وهذا التفصيل هو الذي تطمئن إليه النفس. والله أعلم.
إن قال له: اقبض حقي الذي قبل زيد مثلًا أو الذي عليه ملك قبضه منه ومن وكيله ومن وارثه لاقتضاء الوكالة قبضه مطلقًا فشمل القبض من وارثه؛ لأنه حقه.
28- الوكيل أمين س28: تكلم بوضوح عن أحكام ما يلي: ما تلف بيد الوكيل، إقرار وكيل على موكله، الاختلاف في رد عين أو ثمنها، رد عين أو ثمنها إلى الورثة، قول ورثة وكيل في دفع لموكل أو أجبر أو مستأجر في رد عين، دعوى من تقدم التلف، إذا قال وكيل لموكله: أذنت لي في البيع نساء، وأنكر الموكل، أو قال له: أذنت في البيع بغير نقد البلد أو اختلفا في صفة الإذن، فمن القول قوله؟ واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل أو خلاف أو ترجيح أو تفصيل.
ج: الوكيل أمين لا يضمن ما تلف بيده بلا تفريط؛ لأنه نائب المالك في اليد والتصرف، فالهلاك في يده كالهلاك في يد المالك كالمودع والوصي ونحوه، وسواء كان متبرعًا أو بجعل؛ فإن فرّط أو تعدّى ضمن ويصدق وكيل بيمينه في دعوى تلف عين أو ثمنها إذا قبضه، وقال موكل: لم يتلف كالوديع ويصدق بيمينه في نفي تفريط ادعاه موكّله؛ لأنه أمين، ولا يكلف بيّنة؛ لأنه مما يتعذر إقامة البيّنة عليه ولئلا يمنع الناس من الدخول في الأمانات مع الحاجة إليها وفي ح م ص ولو قبض الوكيل الدراهم ثمنًا، ثم ردت عليه دراهم زائفة مدعيًا الرادُّ أنها التي أعطاها الوكيل فصدقه قبل قوله على موكّله وإن قبضها الوكيل ولم يعرفها لزمته دون الموكّل وإن لم يقبلها فللبائع بها عليه اليمين أنه لا يعلم أنها تلك الدراهم، وكذا له على الموكل اليمين.
كذلك قال المجد: هذا مذهب مالك وقياس نص إمامنا. اهـ.
ويقبل إقرار الوكيل على موكّله في كلا وكل فيه من بيع وإجارة وصرف وغيرها، ولو كان الموكل فيه نكاحًا؛ لأنه يملك التصرف فقبل قوله فيه كولي المحبرة، فيقبل قول وكيل أنه قبض الثمن من مشتر وتلف بيده، وفي قدر ثمن ونحوه؛ لكنلا يصدق فيما لا يشتبه من قليل ثمن ادعى أنه باع به أو كثيره أن اشتراه ذكره المجد. المعنى أنه لا يصدق فيما يخالفه الظاهر أو يكذبه الحسّ.
وإذا وكل البائع والمشتري، وعقد الوكيلان واتفقا على الثمن، واختلف الموكلان فيه، قال القاضي: يتحالف البائع والمشتري، وصحح المجد لا تحالف وأنه يُقبل قولُ الوكيلين، وإن اختلف الوكيل والموكل في رد عين أو في رد ثمنها بعد بيعها، فالقول قول وكيل متبرع؛ لأنه قبض العين لنفع مالِكها لا غيرَ كالمودع، ولا يُقبل قولُ وكيل بجعل أنه رَدَّ العين؛ لأن في قبضه نفعًا لنفسه أشبه المستعير، ويُقبل قولُ وصيٍ وعامل وقفٍ وناظره إذا كانوا مُتبرعين لا إن كانوا بجعل فلا يقبل قولهم في رد العين، ومن قلنا القول قوله فهو مع يمينه، وأجير ومستأجر ونحوه ممن قبض العين لحظة فلا تقبل دعواه الرد، وإن طلب ثمن من وكيل، فقال: لم أقبضه بعد، فأقام المشتري بيّنة عليه بقبضه ألزم الوكيل ولم يقبل قوله في رد ولا تلف؛ لأنه صار خائنًا بجحده، قاله المجد.
قال في «الإقناع وشرحه»: وإذا قبض الوكيل ثمن المبيع فهو أمانة في يده ولا يلزمه تسليمه قبل طلبه ولا يضمنه إذا تلف بتأخيره كالوديعة بخلاف الثوب الذي أطارته الريح إلى داره؛ لأن الوكيل مأذون له في القبض صريحًا أو ضمنًا بخلاف صاحب الدار؛ فإن أخر رده بعد طلبه مع إمكانه فتلف، ضمنه الوكيل لتعديه بإمساكه بعد الطلب وتمكنه منه، وإن تلف قبل التمكن من رده لم يضمنه، ولا يقبل قول وكيل في رد ما ذكر من العين أو الثمن إلى ورثة موكل؛ لأنهم لم يأتمنوه، ولا يقبل قول وكيل في رد إلى غير من ائتمنه كدفع إلى زوجة الموكل؛ لأنها لم تأتمنه عليه ولا هو مأذون بالدفع إليها، فلم يبرأ إلا إن دفعه بإذن الموكل؛ فإن أذن بالدفع لزوجته أو غيرها بأن أذن له بدفع دينار لزيد قرضًا فدفعه له وأنكره زيد لم يضمن الوكيل؛ لأنه فعل ما هو مأذون في فعله.
قال في «الإنصاف»: فائدة لو ادعى الرد إلى من ائتمنه بإذن الموكل قبل قول الوكيل على الصحيح من المذهب نص عليه، واختاره أبو الحسن التميمي قاله في القاعدة الرابعة والأربعين. اهـ.
وما يأتي في الوديعة من قبول قول الوديع في الرد إلى من يحفظ ماله عادة فليس مما نحن فيه، ولا يقبل قول ورثة وكيل في دفع لموكل؛ لأنه لم يأتمنهم ولا يقبل قول أجير مُشترك كصباغ وصائغ وخياط في رد العين، ولا يقبل قول أجير خاص لقبضِه العَين لحظ نفسه ولا فرق بينه وبين الأجير المشترك ي كون كل منهما لا تقبل دعواه؛ لأن القاعدة أن من قبض العين لحظ نفسه لا يقبل قوله في الرد إلا ببينة وكُلٌ من المشترك والخاص قبض العين لحظ نفسه فلا يقبل إلا ببيّنة. والله أعلم.
ولا يقبل قول مستأجر دابة أو سيارة أو نحوهما في ردها ولا مضارب ومرتهن وكلِّ من قبض العين لنفع نفسه إلا ببينة، ومن ادعى من وكيل ومرتهن ومضارب ومودع التلف بحادث ظاهر كحريق ونهب جيش ونحوهما لم يقبل قوله إلا ببينة تشهد بوجود الحادث في تلك الناحية؛ لأنه لا يتعذر إقامة البيّنة عليه غالبًا؛ ولأن الأصل عدمه ويقبل قول مدَعي التلف بسبب ظاهر بعد إقامة البيّنة عليه في أن العين تلفت به بيمينه لتعذر إقامة البيّنة على تلفها به، كما لو تلفت بسبب خفي، وإن قال وكيل لموكله: أذنت لي في البيع نساء، أي إلى أجل، وأنكره موكل، فقول وكيل أو قال وكيل لموكله: أذنت لي في البيع بغير نقد البلد أو بعرض، وأنكره موكل فول وكيل، أو اختلفا في صفة الإذن كقول الوكيل وكلتني في شراء عبد، فقال الموكل: بل في شراء أمة أو بالعكس، أو قال الوكيل: وكلتني أن أشتري لك بعشرة، فقال الموكل: بل بعشرين أو بالعكس، فالقول قول وكيل؛ لأنه أمين كمضارب اختلف مع رب المال في مثل ذلك وكخياط إذا قال: أذنتني في تفصيله قباءً، وقال ربه: بل قميصًا ونحوه، وقيل: القول قول الموكل وهو قول أصحاب الرأي والشافعي وابن المنذر؛ لأنه يقل قوله في أصل الوكالة، فكذا في صفتها، قالوا: وهذا أصح لوجهين: أحدهما أنهما اختلفا في التوكيل الذي يدعيه الوكيل فكان القول قول من ينفيه، كما لو لم يقر الموكل بتوكيله في غيره، والثاني: أنهما اختلفا في صفة قول الموكل فكان القول قوله في صفة كلامه، كما لو اختلف الزوجان في صفة الطلاق، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس. والله أعلم.
29- مسائل حول اختلاف الموكل والوكيل وحكم التوكيل بجعل وبغير جعل إلخ. س29: تكلم عن أحكام ما يلي: إذا قال الوكيل أمرتني ببيعها، وقال الموكل: بل برهنها أو في أصل الوكالة اختلفا من قال لآخر: وكلتني أن أتزوج لك فلانة ففعلت وصدَّقت الوكيل وأنكر موكل فما الحكم؟ وما الذي يترتب على ذلك؟ وما حكم التوكيل بجعل وبلا جعل، وإذا جعل له من كل ثوب كذا أو قال كل ثوب اشتريته فلك على شرائه، كذا أو بع ثوبي بكذا فما زاد فلك، فما الحكم؟ ومتى يستحق الجعل؟ واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل أو خلاف أو ترجيح.
ج: إذا باع الوكيل السلعة، وقال للموكل: بذلك أمرتني، فقال: بل أمرتك برهنها صدق ربها فَاتتْ أو لم تَفُت؛ لأن الاختلاف هنا في جنس التصرف وإن اختلفا في أصل الوكالة فقول منكر؛ لأن الأصل عدم الوكالة.
فائدة: لا ضمان على وكيل بشرط بأن قال له: وكلتك بشرط ضمان ما يتلف منك، فإذا تلف منه شيء بغير تفريط لم يضمنه؛ لأنه أمين، والشرط لاغ؛ لأنه ينافي مقتضى العقد.
وإن قال لآخر: وكلتني أن أتزوج لك فلانة على كذا، ففعلتُ، تزوجتها لك، وصدٌّت فُلانة مُدَّعي الوكالة، وأنكر الآخر، وهو المدعى عليه الوكالة، فقوله بلا يمين؛ لأنهما اختلفا في أصل الوكالة فقبل قول المنكر؛ لأن الأصل عدمها ولم يثبت أنه أمين له حتى يقبل، قال في «الشرح»: فأما إن ادعت المرأة فينبغي أن يستحلف؛ لأنها تدعي الصداق في ذمته، فإذا حلف لم يلزمه الصداق ولم يلزم الوكيل منه شيء؛ لأن دعوى المرأة على الموكّل وحقوق العقد لا تتعلق بالوكيل وهذا هو الذي تطمئن إليه النفس. والله أعلم.
ثم إن تزوجها الموكّل بعقد جديد، أقر العقد وإن لم يتزوجها لزمه تطليقها لاحتمال كذبه في إنكاره ولا ضرر عليه، ويحرم نكاحها غيره قبل طلاقها؛ لأنها معترفة أنها زوجته فتؤخذ بإقرارها، وإنكاره ليس بطلاق وإذا صدقت الوكيل واعترفت بالإصابة لزمها الإعتداد إذا طلقها، ولا يلزم وكيلًا شيء للمرأة من مهر ولا غيره؛ لأن حقوق العقد إنما تتعلق بالموكل؛ لكن إن ضمن الوكيل المهر رجعت إليه بنصف المهر؛ لأنه ضمنه عن الموكل وهو معترف بأنه في ذمته، وإن مات من تزوج له مدعي الوكالة لم ترث المرأة إن لم يكن صدق على الوكالة أو ورثته إلا أن قامت بها بيّنة، ويصح التوكيل بلا جعل؛ لأنه –عليه الصلاة والسلام- وكّل أنيسًا في إقامة الحد وعروة بن الجعد في الشراء، بل جعل، ويصح التوكيل بجعل معلوم كدرهم أو دينار أو ثوب صفته كذا بأيام معلومة بأن يوكله عشرة أيام كل يوم بدرهم أو يعطيه من الألف مثلًا شيئًا معلومًا كعشرة؛ لأنه –عليه الصلاة والسلام- كان يبعث عماله لقبض الصدقات ويعطيهم عليها؛ ولأن التوكيل تصرّف للغير لا يلزمه فعله فجاز أخذ الجعل عليه كرد الآبق، ولا يصح التوكيل بجعل مجهول لفساد العوض، ويصح تصرف الوكيل بعموم الإذن في التصرف وللوكيل حينئذ أجرة مثله؛ لأنه عمل بعوض لم يسلم له، وإن عين موكل ثيابًا معينة في بيع وشراء بأن قال لوكيله: كل ثوب بعته من هذه الثياب فلك على بيعه كذا، أو كل ثوب اشتريته من هذه الثياب فلك على شرائه كذا وعينه، ولو كان البيع أو الشراء من غير إنسان معين صح البيع والشراء؛ لأنه مأذون فيه ولا يفتقر عقده مع من عينه له إذ لا فرق بين ما إذا قال له: اشتر لي ثيابًا من زيد ولك كذا، وبين ما إذا قال: اشتر لي ثيابًا صفتها كذا، أو يطلق؛ لأن المقصود حصول البيع أو الشراء وزوال الجهالة وقد حصل، وإذا قال موكّل: بع ثوبي هذا بكذا، فما زاد عنه فلك، صح، قال: هل هذا إلا كالمضاربة واحتج بأنه يروى عن ابن عباس ووجه شبهه بالمضاربة أنه عيْن تُتَمَّى بالعمل عليها وهو البيع، فإذا باع الوكيل الثوب بزائد عما عينه له ولو من غير جنس الثمن، فهو له وإلا فلا شيء له كما لو لم يربح مال المضاربة وكرهه النخعي وحماد وأبو حنيفة والثوري والشافعي وابن المنذر؛ لأنه أجر مجهول يحتمل الوجود والعدم، وهذا القول هو الذي تميل إليه النفس. والله أعلم.
ويستحقُ الوكيل جعله قبل تسليم ثمنه؛ لأنه وفَّى بالعمل ولا يلزم استخلاص الثمن من المشتري إلا إن اشتراط الموكل على الوكيل في استحقاقه الجعل تسليم الثمن؛ لأنه لم يوف بالعمل، وصفة اشتراطه أن يقول له إن بعث وسلمت إلي الثمن فلك كذا، فلا يستحقه قبل تسليم الثمن؛ لأنه لم يوف بالعمل المشترط عليه.
من عليه حق وادعى إنسان أنه وكيل ربه في قبضه أو أنه وصية إلخ س30: تكلم بوضوح عن أحكام ما يلي: من عليه حق فادعى إنسان أنه وكيل ربّه في قبضه أو وصيه أو أحيل به فصدقه، فهل يلزم الدفع إليه؟ وما الذي يترتب على ذلك من المسائل والأحكام والضمان والاعتراف؟ مَن قَبِل قوله في رد وطلب منه الرد فهل يلزمه الرد أم له أن يؤخر المستعير ونحوه ممن لا يقبل قوله في الرد كالمرتهن والوكيل بجعل ومقترض وغاصب لا بيّنة عليه هل يلزمه الدفع بطلب ربِّ الحق أم له التأخير ليشهد، وإذا كان في الدين وثيقة فهل يلزم ربّ الحق دفعها وإذا شهد واحد أنه وكله يوم الجمعة وآخر أنه يوم السبت أو شهد أحدهُما أنه وكله بالعربية والآخر بالعجمية شهد، أو أحدهما أنه أقر عنده بالتوكيل بالعربية والآخر أنه أقر بالعجمية أو أنه وكّله والآخر أنه أذن له بالتصرف أو شهد أحدهما أنه أقر عنده أنه وكّله في بيع عبده والآخر أنه أقر عنده أنه وكّله في بيع عبده وجاريته أو نحو ذلك فما الحكم؟ وهل تقبل شهادة الوكيل على موكله، وإذا كانت أمة بين نفسين فشهدا أن زيدًا وكّله زوجُها في طلاقها، أو شهدا بعزل الوكيل في الطلاق فما الحكم؟ واذكر ما حول هذا البحث من أحكام، واذكر الأدلة والتعليلات والخلاف والترجيح.
ج: مَن عليه حق مِن دين أو عين عارية أو وديعة أو نحوها فادّعَى إنسان أنه وكيل ربه في قبضه أو أنه وصي ربه أو أنه أحيل بالدين من ربه عليه فصدق من عليه الحق مُدعي الوكالة أو الوصية أو الحوالة، ولا بيّنة مع المدعي لم يلزم من عليه الحق دفع إلى المدّعي لجواز أن ينكر رب الحق الوكالة أو الحوالة أو يظهر حيًا في دعوى الوصية، فلا يبرأ من عليه الحق بهذا الدفع فيرجع على المحق، وإن كذب من عليه الحق المدّعي لذلك لم يستحلف لعدم فائدة استحلافه؛ لأنه لا يقضي عليه بالنكول، وإن دفع من عليه الحق للمدعي ذلك وأنكر صاحب الحق كونه وكّله أو أحال حلف ربّ الحق أنه لم يوكل المدفوع إليه من ذلك ولا أحاله عليه لاحتمال صدق المدّعي؛ وأما في دعوى الوصية فلا يحتاج إلى حلف ورجع رب الحق على دافع وحده إن كان المدفوع دينًا لعدم براءته بدفعه لغير ربّه أو وكيله ولم يثبت وكالة المدفوع إليه؛ ولأن الذي أخذه مدّعي الوكالة أو الحوالة عين مال الدافع في زعم ربّ الحق فتعين رجوعه على الدافع؛ فإن نكل لم يرجع بشيء، وفي مسألة الوصية يرجع بظهوره حيًا ورجع دافع على مدعي الوكالة أو الحوالة أو الوصية بما دفعه مع بقائه؛ لأنه عين ماله؛ لأن المدعي والدافع يزعمان أن صار ملكًا لصاحب الحق وأنا ظالم للدافع بالأخذ منه، فيرجع الدافع فيما أخذه منه المدّعي ويكون قصاصًا مما أخذه منه صَاحِب الحق أو يرجع دافع على قابض ببدله مع تعدي القاضي أو تفريطه في تلف به؛ لأن من وجب عليه ردّ شيء مع بقائه وجب عليه ردّ بدله مع إتلافه إياه؛ فإن تلف بيد مدّعي الوكالة بلا تعدّ ولا تفريط لم يضمنه ولم يرجع عليه دافع بشيء؛ لأنه مقر بأنه أمين حيثُ صَدَّقَه في دَعْواه الوكالة أو الوصية وأن دَعْوى حوالة فَيرجعُ دافعٌ على قابض مطلقًا سواء بقي في يده أو تلف بتعد أو تفريط أو لا؛ لأنه قبض لنفسه فقد دخل على أنه مضمون عليه وإن كان المدفوع لمدعي وكالة أو وصية عينًا كوديعة أو عارية أو غَصْبٍ أو مقبوض على وجه سوم ووجدَ العينَ ربُها بيد القابض أو غيره أخذها ثم هي بيده؛ لأنها حينُ حقِهِ وله مطالبةُ من شاء بردّها؛ فإن شاء طالب الوديع ونحوه؛ لأنه حال بينه وبين ماله، وإن شاء طالب مدّعي الوكالة؛ لأنه قبض عين ماله بغير حق؛ فإن طالب الدافع فللدافع مطالبة الوكيل بها وأخذه من يده ليسلمها لربها ويبرأ من عهدتها هذا إن كانت باقية وإن كانت تالفة أو تعذر ردها ضَمَّن أيهُما شاء من الدافع والمدفوع إليه برد بدلها؛ لأن القابض قبض ما لا يستحقه والدافع تعدّى بالدفع إلى من لا يستحقه فتوجهت المطالبة على كل منهما، ولا يرجع الدافع للعين بها إن ضمنَّه ربُها على غير مُتْلفٍ أو مُفَرِطٍ لاعتراف كل منهما بأن ما أخذه من المال ظلم واعترف الدافع بأنه لم يحصل من القابض ما يوجب الضمان فلا يرجعه إليه بظلم غيره هذا كله إذا صدق من عليه الحق المدعي؛ وأما مع عدم تصديق دافع المدعي الوكالة ونحوها، فيرجع دافع على قابض بما دفعه إليه مطلقًا سواء كان دَينًا بقي أو تلف ذكره الشيخ تقي الدين وفاقًا؛ لأنه لم يقر بوكالته ولم تثبت بينة قال: ومجرد التسليم ليس تصديقًا، وقال: وإن صدق ضمن أيضًا في أحد القولين في مذهب الإمام أحمد، بل نصه: لأنه إن لم يتبين صدقه فقد غرَّه وإن ادّعى شخص موت رب الحق وأنه وارثه لزم من عليه الحقُ دفعُ الحق لمدَّعي إرثه مع تصديق مدّعي الإرث له لإقراره له بالحق وأنه يبرأ بالدفع له أشبه المورث ولزم حلفه أي من عليه الحق على نفي العلم ع إنكاره موت ربّ الحق وأن المطالب وارثه؛ لأن من لزمه الدفعُ مع الإقرار لزمه اليمينُ مع الإنكار، والسبب في أنه يحلف على نفي العلم؛ لأن اليمين هنا على نفي فعل الغير فكانت على نفي العلم، ومن قبل قوله في رد كوديع ووكيل ووصي متبرع وطلب منه الرد لزمه الرد ولا يؤخره ليشهدَ على رب الحق لعدم الحاجة إليه لقبول دعواه الرد، وكذا مستعير ونحوه ممن لا يقبل قوله في الرد كمرتهن ووكيل بجعل ومقترض وغاصب لا بيّنة عليه فيلزمه الدفعُ بطلب رب الحق ولا يُؤخر ليشهد؛ لأنه لا ضرر عليه فيه لتمكُنه من الجواب بنحو لا يستحقٌ عليَّ شيئًا ويحف عليه كذلك، وقيل: يمكن من كل ما يدفع عند الضرر المحتمل، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس. والله سبحانه أعلم.
وإن كان عليه بينّة بذلك أخرّ الردَّ ليشهد عليه لئلا يُنكره فلا يقبل قولُه في الرد، وإن قال: لا يستحق عليَّ شيئًا قامت عليه البينة كدين بحجة فللمدين تأخيره ليشهد لما تقدم، ولا يلزم ربّ الحق دفع الوثيقة المكتوبة فيها الدين ونحوه لمدين؛ لأنها ملكه فلا يلزم تسليمها لغيره، بل يلزم ربّ الحق الإشهاد بأخذ الحق؛ لأن بيّنة الأخذ تسقط البيّنة الأولى كما لا يلزم البائع دفع حجة ما باعه لمشتر، ولو شهد شاهد واحد أنه وكلّه يوم الجمعة وشهد شاهد آخر أنه وكله يوم السبت لم تتم الشهادة؛ لأن التوكيل يوم الجمعة غير التوكيل يوم السبت فلم تكمل شهادتهما على فعل واحد أو شهد أحدهما أنه وكّله بالعربية وشهد الآخر أنه وكّله بالعجمية لم تتم الشهادة؛ لأن التوكيل بالعربية غير التوكيل بالعجمية، فلم تكمل الشهادة على فعل واحد، ولو شهد أحدهما أنه أقر عنده بالتوكيل بالعربية وشهد الآخر أنه أقر بالعجمية كملت الشهادة، لعدم التنافي، أو شهد أحدهما أنه وكّله وشهد الآخر أنه أذن له في التصرف كملت الشهادة لاتحاد المعنى؛ ولأنهما لم يحكيا لفظ الموكّل وإنما عبرا عنه بلفظهما واختلاف لفظهما لا يؤثر إذا اتفقا على معناه، ولو شهد أحدهما أنه أقر عنده أنه وكله في بيع عبده وشهد الآخر أنه أقر عنده أنه وكله في بيع عبده وفي بيع جاريته تمت الشهادة وحكم بصحة الوكالة في العبد لاتفاقهما عليه وزيادة، والثاني لا يقدح في تصرفه في الأول فلا يضره، وله أن يحلف مع الشاهد الثاني.
وتثبت الوكالة أيضًا في الجارية وإن لم يحلف فلا، وكذلك لو شهدا أحدهما أنه وكّله في بيع لزيد وشهد الآخر أنه وكّله في بيعه لزيد وإن شاء لعمرو فيحكم بالوكالة في بيعه لزيد وإن حَلَفَ مع الآخر تثبت أيضًا؛ لأن الشهادة في الوكالة في المال تثبت بما يثبت به المال، ويأتي إن شاء الله في الشهادات، وتقبل شهادة الوكيل على موكّله لعدم التُهمة كشهادة الأب على ولده وأولى وتقبل شهادة الوكيل لموكّله فيما لم يوكّله فيه؛ لأنه أجنبي بالنسبة إليه؛ فإن شهد الوكيل بما كان وكيلًا فيه بعد عزله من الوكالة لم تقبل شهادته سواء كان خاصم فيه بالوكالة أو لم يخاصم؛ لأنه بعقد الوكالة صار خصمًا فيه، وقيل: ترد إن كان خاصم وإلا فلا وإن كانت أمة بين نفسين فشهدا أن زيدًا وكّله زوجُها في طلاقها لم تقبل أو شهدا بعزل الوكيل في الطلاق لم تقبل شهادتهما؛ لأنها تجرُ نفعًا؛ أما في الأولى فلعود منفعة البضع إليهما.
وأما في الثانية فلبقاء النفقة على الزوج ولا تقبل شهادة إبني الرجل له بالوكالة ولا شهادة أبوية له بالوكالة، ولا شهادة أبيه وإبنه؛ لأنها شهادة فرع لأصل، وعكسه ويثِّبتُ العزلُ بشهادة أبوي الموكل أو ابنيْه أو أبيه وابنه؛ لأنهما يشهدان لمن لا يطلبها فهي كالشهادة عليه، وإن ادّعى مكاتب الوكالة فشهد له سيده أو أبناء سيده أو أبواه لم تقبل شهادتهما؛ لأن شهادة مالك لرقيقه أو شهادة فرع أو أصل لرقيق أصله أو فرعه وإذا حضر رجلان عند الحاكم، فأقر أحدهما، فقال أحدهما: أنه وكّله الآخر ولم يسمع الإقرار شاهدان مع الحاكم ثم غاب الموكل وحصر الوكيل فقدم خصمًا لموكّله، وقال: أنا وكيل فلان فأنكر الخصم كونه وكيلًا لم تسمع دعواه حتى تقوم البيّنة بوكالته؛ لأن الحاكم لا يحكم بعمله في غير تعديل وجرح، ومن أخبر بوكالة وظن صدق مخبره، تصرف إعتمادًا على غلبة الظن وإذا تصرّف وأنكر المخبر عنه ضمّن الوكيل ما فات بتصرفه إن لم تثبت وكالته لتبين أنه تصرّف بغير حَق. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.
من النظم فيما يتعلق بالوكالة وأن الوكيل أمين لا يضمن ما تلف بيده بلا تعدّ ولا تفريط ومَن وَكَّلَ الإنسان فهو أمينُه فلا غُرمَ في تَاوٍ على غَير مُعْتَدِ وفي عَدَمِ التَّفْريط والهُلْكِ قولُه مَعَ الحَلِفِ المَقْبولِ لا قولَ مسند ورُدَّ ادّعَا هُلْكٍ بنحو حَريق مِن سِوى مُثَبِتٍ أسبابَ هُلْك بشُهَّدِ من يقبل قوله من الأمناء كذا كُلُ مَن قد حَاز مالًا أمَانَةً كَمُسْتَأجِرٍ ثم المضارب فاعدد ومرتهنٌ ثم الشريكُ ومُوْدَعٌ وموص وقاضٍ قوله اقبل كما ابتدى وإن قال بعتُ العينَ ثم قبضتُ مَا به بعْتُها لاجْتِيْحَ يُقبَل بأوْطَدِ وفي الرَدِّ فاقبلْ مِن وكيلٍ تطَوعًا كالإيداع بَلْ في ذا بجُعْلٍ تَرَددِ كذا كل ذي نفعٍ بقبض أمانة كمرتهن أو مؤجر لمُدِّدِ فإن قال لم أقْبضِ فاثُبتَ فادَّعَى هَلاكًا ولَو أثْبَت في الأقْوَى لِيَرددِ ووجهان في المقبول في الاختلاف في صفات التوكّل كالنسا والتفقد ويقبل من ذي شركة وتوكّل أقرّ بعيبٍ في المبيع المرددِ ويقبل إقرار الوكيل بفعل ما له فوضوا حتى النكاح بأجودِ ومِن جَاحِدٍ أصل الوكالة فاقْبَلَن ولو صَدَّقَتْ عِرسٌ وكيلًا فَسدد ويقبل من غير اليمين جحوده الوكالة ألزمه اليمين وَأكِّد ونصف صداق الخود خذ من وكيله وألزمه تطليقًا على المتأطدِ وتوكيله بالجعل تلك إجارة يسامح فيها بالجهالة فاشهد وإن قال بع هذا المتاع بتسعة وما زاد عنها خذه صحح وارفد فإن زاد شيئًا كان أجرًا لفعله فإن لم يزد يحرم ونقص قد ابتدى ومَن ولي التفريق للصدقات لم تحلّ له إلا بشرطٍ مُقَيَّدِ وما الدفع حتمًا مِن مَدين يُصدِق الوكيل ولا يحلف لتكذيبه زد وإن تدفعن يرجع بذا الحق ربّه عليك متى ينكر ليحلف وينقد فإن كان ذا المدفوع عندك مودّعًا فلقاه يعطاه وإن يتو يقصد لتضمينه من شاء لا يرجعن على الأجير لتصديق وتضمين معتدي وإن يدعي إني أحلت به ادفعن لتصديقه واحلف لجحد بأجودِ وإن قال هذا الحق بالإرث حزته فسلمه إن صدقت واحلف بمجحد ومن ملزم حقًا بلا شُهَّدٍ ومَن له القول في رد به دون شهد ويملك للإشهاد بالقبض جنس ما يبينه أو إن يقل ردّ يردد
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 5:50 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الخامس الإثنين 07 ديسمبر 2015, 3:35 pm | |
| 31- كتاب الشركة س31: ما هي الشركة؟ وبأي شيء ثَبتت؟ وما هي أنواعها؟ ومن الذي تجوز منه؟ وما حكم مشاركة المسلم للكافر أو من ماله حرام أو يتعامل بالمحرمات؟ واذكر الدليل والتعليل والخلاف والترجيح.
ج: الشركة -بفتح الشين مع كسر الراء وسكونها وبكسر الشين مع سكون الراء بوزن سَرِقةٍ ونِعْمَةٍ ومتمرةٍ- هي: اجتماع في استحقاق وتصرف، وهي ثابتة بالكتاب والسُّنة والإجماع؛ أما الكتاب: فقوله تعالى: {وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} الآية، والخلطاء: الشركاء.
وأما السُّنة: فعن أبي هريرة رضي الله عنه رفعه قال: «إن الله يقول: أنا ثالث الشريكين ما لم يَخُنْ أحدهما صاحبه، فإذا خان خرجت من بينهما» رواه أبو داود، وعن السائب بن أبي السائب أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: «كنت شريكي في الجاهلية، فكنت خير شريك لا تداريني ولا تماريني» رواه أبو داود وابن ماجه، ولفظه: «كنت شريكي فنعم الشريك، لا تداريني ولا تماريني»، وعن أبي المنهال «أن زيد بن أرقم والبراء بن عازب كانا شريكين فاشتريا فضةً بنقد ونسيئة، فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم-، فرده» رواه أحمد والبخاري، وعن أبي عبيدة عن عبد الله قال: «اشتركت أنا وعمار وسعد فيما نصيب يوم بدر، قال: فجاء سعد بأسيرين، ولم أجيء أنا وعمار بشيء» رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه.
وفي «الصحيحين» وغيرهما: عن أبي موسى -رضي الله عنه-: أن رسول -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الأشعريين إذا قلَّ طعامهم»، وفي رواية: «إذا أرسلوا أو قل طعامهم جمعوا متاعهم»، وفي رواية: «جمعوا ما عندهم ثم اقتسَمُوهُ بالسوية»، وفي رواية: «في إناء واحد بالسوية فهم مني وأنا منهم».
وللبخاري من حديث جابر: «أن الصحابة اشتركوا في أزوادهم في غزوة الساحل»، ومن حديث سلمة: «إنهم جمعوا أزوادهم فدعا لهم فيها بالبركة».
وعن رويقع بن ثابت قال: «إن كان أحدنا في زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليأخذ نِضْوَ أخيه على أن له النِصف مما يَغْنَم ولنا النصف وإن كان أحدنا ليطير له النصل والريش وللآخر القدح» رواه أحمد وأبو داود، وعن حكيم ابن حزام -صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يشترط على الرجل إذا أعطاه مالًا مقارضة يضرب له به أن لا تجعل مالي في كبدٍ رَطْبةٍ ولا تحمله في بحر ولا تنزل به بطن مسيل؛ فإن فعلت شيئًا من ذلك فقد ضمنتَ مالي. رواه الدارقطني.
وكان عثمان -رضي الله عنه- كثيرًا ما يعطي ماله قِراضًا لمن يعمل فيه ويشترط عليه الربح بينهما، وكان ابن عمر وغيره يقولون لمن يقارض: إذا نقص المال أو هلك تضمنه، فيقول: نعم، فيعطيه، وكان عليّ -رضي الله عنه- يقول في المضاربة أو الشريكين: لوضيعة على المال والربح على ما اصطلحوا عليه، ومن قاسم الربح فلا ضمان عليه.
وأجمع المسلمون على جواز الشركة في الجملة وإنما اختلفوا في أنواع منها نبينّها –إن شاء الله تعالى-، وهي قسمان: أحدهما: اجتماع في استحقاق كشركة إرث بأن ملك اثنان أو جماعة عبدًا أو دارًا أو نحوهما، ووصية كما لو ورث اثنان أو جماعة عبدًا أو نحوه موصي بنفعه أجنبي؛ فإن الورثة شركاء في رقبته فقط، وهبة عين كملك اثنين أو أكثر عبدًا أو نحوه بهبة أو مغنم، أو منفعة دون العين كما لو وصي لإثنين أو أكثر بمنفعة عبد أو نحو ذلك؛ فإن الموصي لهم شركاء في المنفعة دون الرقبة ويلحق بذلك ما إذا اشتركا في حق الرقبة كما لو قذفهما إنسان بكلمة واحدة؛ فإنَّه يُحَدُ لهما حدًا واحدًا، ويأتي –إن شاء الله تعالى-.
وفي «التيسير نظم التحرير»: وقُسِمَتْ نوعَين نوعٌ قد جَرى في الملكِ مُطلقًا كإرثٍ وشِرا وما جَرَى بالعَقدِ وهو الثاني فَشرِكةُ العِنانِ والأبدَانِ وشركةُ الوجُوه والمفاوضَه وما عَدا العِنانِ غَيرَ ناهِضَهْ
والقسم الثاني: اجتماع في تصرّف، وهي شركة العقود المقصودة هنا، وتكره شركة مسلم مع كافر كمجوسي؛ لأنه لا يؤمن معاملته بالربا وبيع الخمر وكل ما يحرم استعماله.
ولا تكره الشركة مع كتابيّ لا يلي التصرف، بل يليه المسلم؛ لحديث الخلال عن عطاء، قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن مشاركة اليهودي والنصراني إلا أن يكون البيع والشراء بيد المسلم، ولانتفاء المحظور بتولي المسلم التصرف.
وقيل: تكره، وهذا القول أرجح لقول ابن عباس: أكره أن يشارك المسلم اليهودي، وعلى القول الأول: ما يشتريه كافر من نحو خمر بمال الشركة أو المضاربة ففاسد، ويضمنّه؛ لأن العقد يقع للمسلم، ولا يثبت ملك مسلم على خمر أشبه شراؤه ميتة ومعاملته بالربا.
قلت: ومثله شراء سينما وتلفزيون وصور ومذياع ودخان وسائر المحرمات على المسلم ففاسد الشراء ويضمنه، وما خفي أمره على المسلم، فالأصل حلّه، وتكره معاملة مَن في ماله حلال وحَرام يُجْهَل، قُلتُ: ومعاملة من يتعاطى بيع المحرمات كالصور والسينمات والتلفزيونات والبكم والإسطوانات والمذياع والدُّخان، وكذا تكره إجابة دعوته وأكل هديته وصدقته ونحوها، وكذا تكره معاملة من أكثر دخله من أسهم له أو فلوس له فيما يَسْتَمِدُّ منه أهل المعاصي تنويرًا أو لتصليح آلات الملاهي وأنواع المحرمات، وكذا من أكثر دخله من حرفة التصوير أو حلق اللحى أو تصليح آلات اللَّهو أو كتب المبتدعة أو المجلات الخليعة طبعًا أو توريدًا أو تفريدًا، وكذا تكره معاملة من أكثر دخله من مشاركته في الأسمدة النجسة لحرمة بيعها وشرائها أو يتعاطى الكتب التي تحتوي على الصور أو قطع غيار لآلات الملاهي أو يتعامل بالربا أو بالغش للمسلمين، أو نحو ذلك مما هو معصية أو معين عليها.
ويأتي -إن شاء الله- في باب وليمة العرس بأتم من هذا، وتقوى الكراهة وتضعف بحسب كثرة الحرام، وقلّته؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه» الحديث.
32- شركة العنان س32: ما هي شركة العنان؟ ولِمَ سمّيت بذلك؟ وما حكمها؟ وهل لها شروط؟ وبأي شيء تنعقد؟ ومثّل لما تصح به وما لا تصح به، وهل التصرف نافذ من الجميع؟ وهل لابد من خلط الأموال أو أن تكون بأيديهم؟ وتكلم عما إذا تلف المال أو شيء منه أو شرط لبعضهم جزءًا من الربح أو ربح دراهم مُعينة أو أحد السفرتين أو ما يربح في يوم أو شهر أو سنة معينة؟ وهل المساقاة والمزارعة كشركة العنان في ذلك؟ وإذا اشترى بعض الشركاء شيئًا أو أبرأ أو أقر فما الحكم، وكيف تكون الوضعية، وإذا قال: عزلت شريكي أو فسخت الشركة، أو قال: ربُّ اليد إنما بيده له أو اختلفا في القسمة أو كانت المضاربة بنقرة أو بمغشوشة أو بفلوس، فما الحكم؟ واذكر الدليل والتعليل والخلاف والترجيح.
ج: هي أن يشترك اثنان فأكثر في مال يتجران فيه ويكون الربح بينهما بحسب ما يتفقان عليه، وسميت بذلك؛ لأن الشريكين يتساويان في المال والتصرف كالفارسين إذا استويا بين فرسيهما وتساويا في السير، وقيل: مشتقة من عَنَّ إذا ظهر.
ومنه قول امرئ القيس: فَعَنَّ لنا سِرْبٌ كأنَّ نِعَاجَهُ عَذَارٍ دوارٍ في مُلاءٍ مُذَيَّلِ
وقال المتنبي: وَزَاركَ بي دُونَ المُلوكِ تَحَرُّجِي إذا عَنَّ بَحْرٌ لم يَجُز لي التَّيَمُّمُ
أي ظهَر، ويقال: عَنَّت لِفلان حاجةٌ إذا عرضت؛ لأن كل واحد من الشريكين قد عَنَّ أي عَرَض له مشاركةُ صاحبه، وشركة العنان مشهورة عند العرب.
قال الجعفري: وشاركنا قريشًا في تقاها وفي أحسابها شرك العنان
وهي جائزة إجماعًا، ذكره ابن المنذر، وإن اختلف في بعض شروطها، وشروطها أربعة: فشركة العِنَان أن يُحْضِرُ كُل واحد من عدد اثنين فأكثر جائز التصرف فلا تعقد على ما في الذمة ولا مع صغير ولا سفيه من ماله فلا تعقد بنحو مغصوب ويحضرا نقدًا ذهبًا أو فضة مضروبًا أي مسكوكًا معلومًا قدرًا وصفةً ولو كان النقد مغشوشًا قليلًا لِعُسْر التحرز منه لا كثيرًا، أو كان النقدين من جنسين كذهب وفضة أو كان متفاوتًا بأن أحضر أحدهما مائة والآخر مائتين أو كان شائعًا بين الشركاء إن علم كل منهم قدر ماله كما لو ورّثوه لأحدهم النصف ولآخر الثلث ولآخر السدس واشتركوا فيه قبل قسمته.
ولا تَصح على عَرضٍ؛ لأن الشركة إما أن تقع على عين العرض أو قيمته أو ثمنه وعينُها لا يجوز عقدُ الشركة عليها؛ لأنها تقضي الرجوع عند فسخها برأس المال أو مثله ولا مثل لها يرجع إليه وقيمتها، ولا يجوز عقدها عليها؛ لأنها قد تزيد في أحدهما قبل بيعه فيشاركه الآخر في العين المملوكة وثمنها معدوم حال العقد وغير مملوك لهما، واشترط كون النقد مضروبًا دراهم أو دنانير؛ لأنها قيمة المتلفات وأثمان البياعات وغير المضروب كالعروض واشتراط إحضاره عند العقد لتقدير العمل وتحقيق الشركة كالمضارب والعلم به؛ لأنه لابد من الرجوع برأس المال ولا يمكن مع جهله.
قال في «الإنصاف»: قال ابن رزين في «شرحه»: وعنه تصح بالعروض، وهي أظهر، واختاره أبو بكر وأبو الخطاب وابن عبدوس في «تذكرته»، وصاحب «الفائق»، وجزم به في «المنور»، وقدم في «المحرر» والنظم، قلت: وهو الصواب على الرواية الثانية بجعل رأس المال قيمتها وقت العقد كما قال المصنّف يرجع كل واحد منهما عند المفارقة بقيمة ماله عند العقد، كما جعلنا قميتها نصابًا، وسواء كانت مثلية أو غير مثلية. اهـ.
وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس؛ لأن مقصود الشركة جواز تصرفهما في المالين جميعًا وكون ربح المال بينهما وهو حاصل في العروش كحصوله في الأثمان فتصح الشركة والمضاربة بها كالأثمان، وأيضًا الحاجة داعية إلى هذا وكما أن غير النقدين يصح أن يكون ثمنًا في البيع ونحوه وأجرة الإجارة ونحوها فيصح أن يكون رأس مال الشركة والمضاربة، وأيضًا المشاركات أوسع من المعاوضات، وقولهم: بأن النقدين قيم المتلفات وأثمان المبيعات، يقال: هذا في الغالب وإلا فقد تكون العروض قيمًا للمتلفات وأثمانًا للمبيعات. والله أعلم.
وقال شيخنا عبد الرحمن الناصر السعدي –رحمه الله-: قول الأصحاب –رحمهم الله- في شركة العنان، وكذا المضاربة إذا كانت من متعددين، ولا يشترط أن يكون المالان من جنس واحد، فيصح أن يخرج أحدهما دنانير والآخر دراهم، وعند التراجع كل منهما بما أخرج ويقسمان الباقي هذا بناء منهم على ثبات النقدين وبقاءهما بقاءً مستمرًا بسعر واحد لا يزيد ولا ينقص كما هو في الأوقات الماضية، إذا كانت الدراهم والدنانير قيم الأشياء ونسبة بعضها لبعض لا تزيد ولا تنقص؛ وأما في هذه الأوقات فقد تغيرت الحوال وصار النقدان بمنزلة السلع تزيد وتنقص وليس لهما قرار يربطهما فهذا لا يدخل في كلام الأصحاب قطعًا؛ وأما في هذا الوقت فيتعين إذا أخرج أحدهما ذهبًا، والآخر فضة أن يجعل رأس ماليهما متفقًا إما ذهب تقوم به الفضة أو فضة يقوم به الذهب، فهذا هو العدل وهو مقصود الشركات كلها إذا كانت مبنية على العدل واستواء الشريكين في المغنم والمغرم وتحريم ما ينافي هذا ويضاده؛ لأن تجويز كون مال أحدهما ذهبًا ومال الآخر فضة مع عدم قرارهما يقتضي أنه عند التراجع والقسمة إذا كان أحد النقدين زائدًا سعرًا أن يستوعب صاحبه الربح كله ويبقى الآخر محرومًا فكما لا يجوز لأحدهما أن يشترط له ربح أحد الزمانين أو أحد السفرتين أو ربح السلعة الفلانية، وللآخر ربح الشيء الآخر، فهذا كذلك، بل أولى للغرر والخطر؛ لأنه قمار ظاهر وهو مقصود الأصحاب، ولا ريب؛ لأن تعليلاتهم تدل عليه انتهى، ويعملان في المال ببدنيهما وربحه كُلٌ له مِنهُ بنسبةِ مَالِهِ بأن شَرطُوا لرب النصفِ نصف الربح ولرب الثلث ثلث الربح ولرب السدس سُدس الربح مثلًا أو على أن لكل منهم جزء مشاعًا معلومًا ولو أكثر من نسبة ماله كأن جعل لرب السدس نصف الربح لقوة حذقه أو يقال على أن الربح بيننا فيستوون فيه لإضافته إليهم إضافة واحدة بلا ترجيح أو ليعمل فيه البعض من أرباب الأموال على أن يكون للعامل منهم أكثر من ربح ماله كأن تعاقدوا على أن يعمل رب السدس، وله الثلث من الربح أو النصف ونحوه وتكون الشركة إذا تعاقدوا على أن يعمل بعضُهم كذلك عنانًا من حيث إحضار كل منهم لماله ومضاربة؛ لأن ما يأخذه العامل زائدًا عن ربح ماله في نظير عمله في ماله غيره، ولا تصح إن أحضر كل منهم مالًا على أن يعمل فيه بعضهم، وله في الربح بقدر ماله؛ لأنه إبضاع لا شركة وهو دفع المال لمن يعمل فيه بلا عوض، ولا تصح إن عقدوها على أن يعمل أحدهم بدون ربح ماله؛ لأن من لم يعمل لا يستحق ربح مال غيره ولا بعضه، وفيه مخالفة لموضوع الشركة وكونها لا تصح في الصورتين لفوات شرطها إذن وهو شرط جزء زائد على ربح مال العامل؛ لكن التصرّف صحيح لعموم الإذن، ولكل ربح ماله ولا أجرة لعامل لتبرُّعه بعمله وتنعقد الشركة بمَا يَدل على الرضى من قول أو فعل يدل على إذن كل منهما للآخر في التصرف وائتمانه، ويغني لفظ الشركة عن إذن صريح في التصرف لدلالته عليه وينفذ التصرّف في المال جميعه من كل الشركاء بحكم الملك في نصيبه وبالوكالة في نصيب شريكه؛ لأنها مبنية على الوكالة والأمانة، ولا يشترط للشركة خلط أموالها ولا أن تكون بأيدي الشركاء؛ لأنها عقد على التصرف كالوكالة، ولذلك صحت على جنسين، ولأن مورد العقد العمل وبإعلام الربح يُعلم العمل والربح نتيجة العمل؛ لأنه سببه والمال تبع للعمل، فلا يشترط خلطه وما تلف من أموال الشركاء قبل خلط فهو من ضمان جميع الشركاء، كما لو زاد؛ لأن من مُوْجَبِ الشركة تعلق الضمان والزيادة، بالشركاء خُلطَ المال أو لم يخلط لصحة قسم المال بمجرد لفظ كخرص ثمر على شجر مشترك فكذلك الشركة، احتج به أحمد، وقيل: إذا تلف قبل الاختلاط فهو من ضمان صاحبه، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس. وقال أبو حنيفة: متى تلف أحد المالين فهو من ضمان صَاحبه. والله أعلم.
ولا تصح الشركة إن لم يذكر الربح في العقد كالمضاربة؛ لأنه المقصود منها فلا يجوز الإخلال به، ولا يصح أن يشترط لبعض الشركاء جزء من الربح مجهول كحِصَّةٍ أو نصيبٍ أو مثل ما شرط لفلان مع جهله أو ثلثا الربح إلا عشرة دراهم؛ لأن الجهالة تمنع تسليم الواجب؛ ولأن الربح هو المقصود فلا تصح مع جهله كثمن وأجرة، ولا يصح أن يشترط لبعضهم فيها دراهم معلومة كمائة؛ لأن المال قد لا يربح غيرها فيأخذ جميع الربح فيختص به من سّمي له وهو مناف لموضوع الشركة وقد لا يربح فيأخذا جزء من المال، وقد يربح كثيرًا فيتضرر مَن شرطت له، ولا تصح إن شرط لبعضهم فيها ربح عين معينة كربح ثوب بعينه، أو ربح عين مجهولة كربح ثوب أو أحد هذين الثوبين أو شرط لأحدهم فيها ربح أحد السفرتين أو ما يربح المال في يوم أو شهرٍ أو سنة مُعَينةٍ؛ لأنه قد يربح في ذلك دون غيره فيختص به من شرط له وهو مناف لموضوع الشركة، وكذا مساقاة ومزارعة فلا يصحان إن شرط لعامل جزء مجهول أو آصعٌ معلومة أو ثمرة شجرة معينة أو مجهولة أو زرع ناحية بعينها ونحوه، وما يشتريه البعض من الشركاء بعد عقد الشركة فهو للجميع؛ لأن كلًا منهم وكيلُ الباقين وأمينُهم إلا أن ينوي الشراء لنفسه فيختص به وما أبرأه البعضً من مالها فمن نصيبه، وما أقر به البعض قبل فسخ الشركة من دين أو عين للشركة فهو من نصيبه فيكون ذلك في قدر ما يخصه من المبري منه أو المقر كنصفه، وثلثه مثلًا؛ لأن شركاءه أذنوا له بالتجارة، وليس الإقرار داخلًا فيها وإن أقر البعض بمتعلق بالشركة كأجرة دلّال وحمّال وأجرة مخزن كحافظ فهو من مال الجميع؛ لأنه من توابع التجارة والوضيعة وهي الخسران في مال الشركة بقدر مال كل من الشركاء سواء كان التلف أو نقصان ثمن أو غيره؛ لأنها تابعة للمال، ومَن قال من شريكين عزلتُ شريكي صَحَّ تصرفُ المعزولُ في قدر نصيبه من المال فقط، وصح تصرفُ العازل في جميع المال لعدم رجوع المعزول عن إذنه، ولو قال أحدهما: فسختُ الشركة انعزلا فلا يتصرف كل منهما إلا في قدر نصيبه من المال؛ أن فسخ الشركة يقتضي عزل نفسه من التصرف في مال صاحبه وعزل صاحبه من التصرف في مال نفسه، وسواء كان المال نقدًا أو عرضًا؛ لأن الشركة وكالة والربح يدخل ضمنًا وحق المضارب أصلي ويُقبل قولُ رب اليد، وهو واضع يده على شيء إنما بيده له لظاهر اليد ويُقبل قولُ منكرٍ للقسمة إذا ادَّعاها الآخر؛ لأن الأصل عدمُها ولا تصح شركة عنان ولا مضاربة بنُقرةٍ وهي الفضة التي لم تضرب؛ لأنها كالعروض، ولا تصح بمغشوشة غشًا كثيرًا ولا فلوسٍ ولو كانت المغشوشةُ والفلوسُ نافقتين؛ لأنها كالعروض بل الفلوس عروض.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 5:50 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الخامس الإثنين 07 ديسمبر 2015, 3:44 pm | |
| 33- لكل من الشركاء أن يبيع ويشتري ويأخذ ويعطي ويرد بعيب... إلخ. س33: تكلم بوضوح حول ما لكل من الشركاء عمله وما يلحقه من ضمان، وما لا يجوز له فعله نحو الشركة واذكر المحترزات والتفاصيل، واذكر الأدلة والتعليلات والخلاف والترجيح.
ج: لكل من الشركاء أن يبيع من مال الشركة ويشتري به مساومة ومرابحة ومواضعة وتولية وكَيْفَ ما رأى المصلحة؛ أنه عادة الشركاء وله أن يأخذ ثمنًا ومثمنًا ويعطي ثمنًا ومثمنًا، ويطالب بالدين ويخاصم فيه؛ لأن من ملك قبض شيء ملك الطلب به والمخاصمة فيه بدليل ما لو وكله في قبض دينه، ويُحيل ويحتال؛ لأن الحوالة عقدُ معاوضةٍ وهو يملكها ويردَّ بعيب للحظ فيما ولي هو أو شريكه شراءه، ولو رضي شريكه كما لو رضي بإهمال المال بلا عمل فلشريكه إجباره عليه، لأجل الربح ما لم يفسخ الشركة بخلاف أحد اثنين اشتريا معيبًا فرضي أحدهما بعيبه؛ فإن الآخر إنما يرد في نصيبه، والفرق أن كلا من الشريكين هنا محجور عليه لحظ شريكه؛ ولأن القصد هنا حصول الربح، ولكل من الشركاء أن يقر بالعيب فيما بيع من مالها؛ لأنه من متعلقاتها وله إعطاء أرشه وأن يحطَّ من ثمنه أو يؤخره للعيب، وأن يُقايل فيما باعه أو اشتراه؛ لأنه قد يكون فيها حظ وأن يؤجر ويستأجر مِن مالها لجريان المنافع مَجْرى الأعيان، وله أن يقبض أجرة المؤجرة، ويعطي أجرة المستأجرة، وأن يبيع نساء لمن يعرف ويتمكن من أخذ الثمن منه عند حلوله وأن يشتري معيبًا؛ لأن المقصود هنا الربح وله شائبة ملك فغلبت حتى صار كأنه متصرف لنفسه بخلاف الوكيل فهو نائب محض عن غيره فتوقف على إذن صريح في ذلك، وله أن يفعل كل ما فيه حظ للشركة كحبس غريم، ولو أبى الشريك الآخر حبسه وله أن يودع مال الشركة لحاجة إلى الإيداع؛ لأنه عادة التجار، وله أن يرهن ويرتهن عند الحاجة؛ لأن الرهن يُراد للإيفاء، والارتهان يُراد للاستيفاء، وهو يملكهما فكذا ما يُراد لهما وله أن يسافر بالمال مع أمن الطريق والبلد فحيث كان الغالب السلامة فلا ضمان وحيث كان الغالب العطب، أو استواء الأمرين ضمن، ومثله ولي يتيم ومضارب فلهما أن يُسافرا بالمال مع الأمن لانصراف الإذن المُطلق إلى ما جرت به العادة وعادة التجار جارية بالتجارة سفرًا وحضرًا وإن لم يكن أمنًا لم يجز وضمن لتعديه، ومتى لم يعلم شريك سافر بالمال خوفَه لم يضمن أو لم يعلم ولي يتيم سافر بماله إلى محل مخُوفٍ خوفه أو باع شريك أو وليُ يتيم لمفلَّسٍ ولم يَعْلَمَا فَلَسَ مشتر ففات الثمن، لم يضمن أحدهما ما فات بسببه لعسر التحرز عنه ولغالب السلامة بخلاف شراء الشريك أو ولي اليتيم خمرًا للشركة أو لليتيم جاهلًا به فيضمن نصًا؛ لأنه لا يخفى غالبًا، وإن علم شريك أو ولي يتيم عقوبة سلطان ببلد بأخذ مالٍ فسافر فأخذ السلطان مال الشركة أو اليتيم ضَمن المسافر ما أخذ منه لتعريضه للآخذ.
فلو لم يعلم إلا بعد سفره ولم يتمكن من الخروج من البلد الخوف فلا ضمان عليه، ولا يجوزو للشريك أن يكاتب قنا من الشركة؛ لأنه لم يأذن فيه شركيه والشركة تنعقد على التجارة، وليست منها ولا أن يزوجه لما ذكر؛ ولأن التزويج للعبد ضرر محض ولا أن يعتقه ولو لمال إلا بإذن؛ لأنه ليس من التجارة المقصودة بالشركة ولا أن يهب من مال الشركة إلا بإذن ولا أن يقرض أو يحابي في بيع أو شراء فيبيع بأنقص من ثمن المثل أو يشتري بأكثر منه؛ لأن الشركة انعقدت على التجارة بالمال وهذه ليست منها، ولا أن يضارب بالمال؛ لأن ذلك يُثبت بالمال حقوقًا ويستحق ربحه لغيره ولا أن يشارك في مال الشركة ولا أن يخلط مال الشركة بماله ولا مال غيره؛ لأنه يتضمن إيجاب حقوق في المال، وليس هو من التجارة المأذون فيها، ولا أن يأخذ بمال الشركة سفتجه -بفتح السين وضمها وفتح التاء- فارسي معرب، والجمع: سفاتج، ويسميه التجار بولصة، وكلاهما ليس بعربي، وهي بأن يدفع الشريك من مال الشركة لإنسان على سبيل القرض مالًا، ويأخذ من المدفوع إليه كتابًا إلى وكيله ببلد آخر ليستوفي منه ما أخذه منه موكله، أو يعطي السفتجة بأن يشتري الشريك عرضًا للشركة ويعطي بثمنه كتابًا إلى وكيل المشتري ببلد آخر ليستوفي البائع منه الثمن؛ لأن فيه خطرًا لم يؤذن فيه، وقيل: يجوزو أخذها.
قال في «الفروع»: وإلا صح ويجوز أخذ سفتجةٍ، قال في «الإنصاف»: قلت: وهو الصواب لأنه لا ضرر فيها إذا كان لمصلحة، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس وكذا إعطاء السفتجة إذا كان لمصلحة ولا ضرر فيها فيما أرى. والله سبحانه وتعالى أعلم.
قال في «الاختيارات الفقهية»: ولو كتب ربّ المال للجابي أو للسمسار ورقة ليسلمها إلى الصيرفي المتسلم ماله، وأمره أن لا يسلمه حتى يقبض منه فخالف ضمن لتفريطه ويُصدق الصيرفي مع يمنيه، والورقة شاهدة له؛ لأنه العادة. اهـ.
ولا للشريك أن يبضع من الشركة، والإبضاع: أن يدفع من مال الشركة إلى من يتجر فيه متبرعًا ويكون الربح كله للدافع وشريكه، وليس له أني ستدين على مال الشركة؛ لأنه يدخل فيها أكثر مما رضي الشريك بالمشاركة فيه فلم يجز، كما لو ضم إليها شيئًا من ماله والاستدانة بأن يشتري بأكثر من رأس المال أو يشتري بثمن ليس معه من جنسه؛ لأنه يدخل فيها أكثر مما رضي الشريك بالشركة فيه كما تقدم، إلا في النقدين بأن يشتري بفضة ومعه ذهب أوب ذهب ومعه فضة؛ لانه عادة التجار ولا يمكن الفرار منه إلا أن يأذن الشريكُ في كل ما تقدم من المسائل؛ فإن أذن في شيء منها جاز، ولو قال الشريك لشريكه: اعمل برأيك ورأى مصلحةً جاز له أن يعمل كل ما يقع في التجارة من الإبضاع والمضاربة بالمال والمشاركة بالمال والمزارعة ونحوها لدلالة الإذن عليه بخلاف التبرع والقرض والعتق ونحوها للقرينة.
34- مسائل تتعلق باستدانة الشريك وما يتولاها كل من الشركاء وبيان أقسام الشركة س34: تكلم بوضوح عن أحكام ما يلي: ما استدان شريك بدون إذن شريكه، إذا أخر أحدهما حقه من دَين، تقاسم الدين في الذمم الذي على كل من الشركاء توليه، إذا فعل ما عليه توليه بنائب بأجرة، ما جرت العادة أن يستنيب فيه، بذل خفارة وعشر على المال، الاشتراط في الشركة نوعان فما هي الأمثلة الموضحة لذلك؟ وإذا كان لأحدهما ضابط فاذكره، وإذا فسدت شركة العنان فما صفة تقسيم الربح؟ وما صفة توزيع الوضيعة؟ وماذا يلزم من تعدَّي من الشركاء؟ وهل يفرق بين العقد الفاسد والصحيح في الضمان وعدمه؟ وما الذي تبطل به الشركة، وإذا مات أحد الشريكين وله وارث أو مُولى عليه أو كان الميت قد وصى بمال الشركة أو بعضه، فما الحكم؟ وما الفرق بين الباطل والفاسد في الفقه؟ واذكر الدليل والتعليل والخلاف والترجيح.
ج: ما استدان شريك بدون إذن شريكه باقتراض أو شراء أو بضاعة ضمها إلى مال الشركة أو بثمن نسيئة ليس عنده من جنسه غير النقدين فعلى المُستدين وحده المطالبة بما استدانه وربحه له؛ لأنه لم يقع للشركة، وإن أخرَّ أحدُهما حقه من الدين الحال جاز لصحة انفراده بإسقاط حقه من الطلب به كالإبراء بخلاف حق الشريك، وقال أبو حنيفة: لا يجوز؛ ولكن القول الأول هو الذي تطمئن إليه النفس. والله أعلم.
وللذي أخر حقه من الدين مشاركة شريكه الذي لم يؤخر لاشتراكه بينهما، وإن تقاسما دينًا في ذمة شخص أو أكثر، لم يصح؛ لأن الذمم لا تتكافأ ولا تتعادل والقسمة تقتضيهما؛ لأنها بغير تعديل البيع وبيع الدين غير جائز؛ فإن تقاسما ثم هلك بعض الدين فالباقي بينهما والهالك عليهما، وقيل: يصح صححه في النظم، واختاره الشيخ تقي الدين، وقدمه في «الرعايتين»، وبه قال الحسن وإسحاق؛ لأن الاختلاف لا يمنع القسمة كاختلاف الأعيان فعليها لا رجوع إذا أبرأ كل منهما صاحبه، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس. والله سبحانه أعلم.
ومحل الخلاف إذا كان في ذمتين فأكثر؛ وأما إن كان في ذمة واحدة فلا يصح قولًا واحدًا قاله في «المغني» و«الشرح».
وقال الشيخ تقي الدين –رحمه الله-: يجوز أيضًا، وهذا القول هو الذي تميل إليه النفس. والله أعلم.
وعلى كل من الشركاء تولي ما جرت عادة بتوليته من نشر ثوب وطيه وختم وإحراز لمالها وقبض نقده لحمل إطلاق الإذن على العرف، ومقتضاه تولي مثل هذه الأمور بنفسه؛ فإن فعل ما عليه توليه بنائب بأجرة فهي عليه؛ لأنه بذلها عوضًا عما عليه، وما جرت عادة بأن يستنيب فيه، كالنداء على المتاع فله أن يستأجر من مال الشركة إنسانًا حتى شريكه لفعله إذا كان فعله مما لا يستحق أجرته إلا بعمل كنقل طعام ونحوه، ككيله وكاستئجار غرائر شريكه لنقله فيها أو داره ليحرز فيها، وليس للشريك فعل ما جرت العادة بعدم توليه بنفسه ليأخذ أجرته بلا استئجار صاحبه له؛ لأنه قد تبرع بما لا يلزم فلم يستحق شيئًا كالمرأة التي تستحق الاستخدام إذا خدمت المرأة نفسها، ويحرم على شريك في زرع فرك شيء من سنبله يأكله بلا إذن شريكه.
قال في «الفروع»: ويتوجه عكسه. اهـ. لأن ذلك شيء قليل معلوم فيه رضي الشريك غالبًا، وهذا هو القول الذي تميل إليه النفس. والله سبحانه أعلم.
وللشريك بذل خفارة وعشر على المال فيحْتَسِبُهُ الشريك أو العامل على رب المال كنفقة العبد المشترك، وكذا ما يبذل لمحارب ونحوه، ولو من مال يتيم ولا ينفق أحدهما أكثر من الآخر بدون إذنه، والأحوط أن يتفقان على شيء من النفقة لكل منهما.
قال الإمام أحمد: ما أنفق على المال المشترك، فعلى المال بالحصص كنفقة العبد المشترك.
فائدة: إذا كان بينهما دَين مشترك بإرث أو إتلاف.
قال الشيخ تقي الدين -رحمه الله-: أو ضريبة سبب استحقاقها واحد فللشريك الأخذ من الغريم، ومن القابض على الصحيح من المذهب؛ لأنهما سواء في الملك وعنه يختص به، وقاله جماعة منهم أبو العالية وابن سيرين، كما لو تلف المقبوض في يد قابضه تعين حقه فيه، ولم يرجع على الغريم، لعدم تعديه؛ لأنه قدر حقه مع أن الأصحاب ذكروا لو أخرجه القابض برهن أو قضاء دين فله أخذه من يده كمقبوض بعقد فاسد.
قال في «الفروع»: فيتوجه منه تعديه في التي قبلها ويضمنه وهو وجه.
واختاره الشيخ تقي الدين، ويتوجه من عدم تعديه صحة تصرفه في التفرقة نظر ظاهر. انتهى.
والإشتراك في الشركة نوعان: نوع صحيح: كأن يشترط أحدهما على الآخر أن لا يتجر إلا في نوع كذا كالحرير والبز وثياب الكتاب ونحوها، سواء كان مما يعم وجوده في ذلك البلد أو لا، أو يشترط أن لا يتجر إلا في بلد بعينه كمكة ودمشق، أو أن لا يبيع إلا بنقد كذا كدراهم أو دنانير صفتها كذا، أو أن لا يشتري ولا يبيع إلا من فلان أو أن لا يسافر بالمال؛ لأن الشركة تصرف بإذن فصح تخصيصُهَا بالنوع والبلد والنقد والشخص كالوكالة، وبهذا قال أبو حنيفة، وقال مالك والشافعي إذا شرط أن لا يشتري إلا من رجل بعينه أو سلعةٍ بعينها، أو ما لا يعم وجُوده كالياقوت الأحمر والخيل البلق، لم يصح؛ لأنه يفوت مقصود الشركة والمضاربة وهو التقلب وطلب الربح، فلم يصح، كما لو شرط أن لا يبيع ولا يشتري إلا من فلان، أو أن لا يبيع إلا بمثل ما اشترى به، والقول الأول هو الذي تطمئن إليه النفس يؤيده حديث: «المسلمون على شروطهم إلا شرطًا حرَّم حلالًا، أو أحل حرامًا» رواه الترمذي وصححه. والله أعلم.
والنوع الثاني فاسد، وهو قسمان: قسم مفسد للشركة: وهو ما يعود بجهالة الربح كشرط دراهم لزيد الأجنبي والباقي من الربح لهما أو اشتراط ربح ما يشتري من رقيق لأحدهما، وما يشتري من ثياب للآخر أو لأحدهما ربح، هذا الكيس وللآخر ربح الكيس الآخر فتفسد الشركة والمضاربة بذلك لإفضائه إلى جهل حق كل منهما من الربح أو إلى فواته؛ ولأن الجهالة تمنع من التسليم فتقضي إلى التنازع.
وقسم فاسد غير مفسد للشركة: كاشتراط أحدهما على الآخر ضمان المال إن تلف بلا تعد ولا تفريط أو أن عليه من الخسارة أكثر من قدر ماله أو أن يعطيه برأس ماله أو ما يختار من السلع التي يشتريها أ أن يرتفق بها كلبس ثوب أو استخدام عبد أو ركوب دابة أو يشترط ربّ المال على المال في المضاربة أن يضارب في مال آخر أو يأخذ بضاعة أو قرضًا أو أن يخدمه في كذا، أو أبدًا أو أن لا يبيع إلا برأس المال أو أقل أو أن لا يبيع إلا ممن اشترى منه أو يشترط على المضارب خدمة شهر أو سنة ونحوه، فهذه الشروط كلها فاسدة لتفويتها المقصود من عقد الشركة أو منع الفسخ الجائز بحكم الأصل والشركة والمضاربة صيحة كالشروط الفاسدة في البيع والنكاح ونحوهما.
وإذا فسدت الشركة بجهالة الربح أو غيرها قسم ربح شركة عنان وربح شركة وجوه على قدر المالين؛ لأنه نماؤها كما لو كان العمل من غير الشريكين وقسمٌ أجرٌ ما تقبَّله الشريكان من عَمَلٍ في شركة أبدانٍ عليهما بالسَّوية؛ لأنه استحق بالعمل وهو منهما، وقُسمت وضيعة على قدْر مالِ كل من الشركاء ورجع كل من الشريكين في شركة عنان وشركة وجوه وشركة أبدان بأجرة نصف عمله، لعمله في نصيب شريكه بعقد يبتغي به الفضل في ثاني الحال، فوجب أن يقابل العمل فيه عوضًا كالمضاربة، فإذا كان عمل أحدهما مثلًا يساوي عشرة دراهم والآخر خمسة تقاصا بدرهمين ونصف، ورجع ذو العشرة بدرهمين ونصف، ويرجع كل من ثلاثة شركاء على شريكيه بأجرة ثلثي عمله، وعنه إن فسدت بغير جهالة، وقيل: إن فسد بغير جهالة الربح وجب المسمى.
وذكره الشيخ تقي الدين –رحمه الله تعالى- ظاهر المذهب، وأوجب الشيخ تقي الدين في الفاسد نصيب لمثل فيجب من الربح جزء جرت العادة في مثله، وأنه قياس مذهب أحمد؛ لأنها عنده مشاركة لا من باب الإجارة. اهـ.
ومن تعدى من الشركاء مخالفة أو إتلاف صار ضامنًا لما بيده من المال صحت الشركة أو فسدت لتصرفه في ملك غيره بما لم يأذن فيه كالغاصب وَربْحُ مال تُعُدِّي فيه لربه؛ لأنه نماء مال تصرف فيه غير مالكه بغير إذنه فكان لمالكه كما لو غصب حنطة وزرعها.
والخلاصة: أنه إذا تعدى العامل ما أمر به رب المال بأن فعل ما ليس له فعله، واشترى شيئًا نهى عنه ثم ظهر ربح، ففيه ثلاث روايات: إحداها: له أجرة مثله؛ لأنه عمل ما يستحق به العوض ولم يسلم له المسمى، فكان له أجرة مثله كالمضاربة الفاسدة، والثانية: لا شيء له والربح كله للمالك؛ لأنه عقدَ عقدًا لم يؤذن له فيه، فلم يكن له شيء كالغاصب وهذه هي المذهب وعنه يتصدقان بالربح؛ لأنه ربح ما لم يضمن، وهو منهى عنه فيتصدق به.
قال ناظم المفردات: وإن تعدى عام لما أمِرَا ... به الشريك ثم ربح ظهرا فأجرة المثل له وعنه لا ... والربح للمالك نصًا نقلًا وعنه بل صدقة ذا يحسن ... لأن ذاك ربح ما لا يضمن
وعقد فاسد في كل أمانة وتبرع كمضاربة وشركة ووكالة ووديعة ورهن وهبة وصدقة وهدية ووقف ونحوها، كعقد صحيح في ضمان وعدمه، فلا يضمن منهما ما لا يضمن في العقد الصحيح لدخولهما على ذلك بحكم العقد، وإنما ضمن قابض الزكاة إذا كان غير أهل لقبضها ما قبضه؛ لأنه لم يملكه به وهو مفرط بقبض ما لا يجوز له قبضه فهو من القبض الباطل لا الفاسد، وكل عقد لازم أو جائز يجب الضمان في صحيحه يجب في فاسده كبيع وإجارة ونكاح ونحوهما كقرض.
قال في «شرح المنتهى»: والحاصل أن الصحيح من العقود إن أوجب الضمان ففاسده كذلك، وإن كان لا يوجبه فكذلك فاسده، وليس المراد أن كل حال ضمن فيها في الصحيح ضمن فيها في الفاسد؛ فإن البيع الصحيح لا تضمن فيه المنفعة، بل العين بالثمن والمقبوض ببيع فاسد يجب ضمان الأجرة فيه، والإجارة الصحيحة تجب فيها الأجرة بتسليم العين المعقود عليها انتفع المستأجر أو لم ينتفع، وفي الإجارة الفاسدة روايتان، والنكاح الصحيح يستقر فيه المهر بالخلوة دون الفاسد.
قال الشيخ تقي الدين: الربح الحاصل من مال لم يأذن مالكه في التجارة فيه، قيل للمالك، وقيل للعامل، وقيل يتصدقان به، وقيل بينهما على قدر النفعين بحسب معرفة أهل الخبرة، قال: وهو أصحها إلا أن يتجر به على غير وجه العدوان، مثل أن يعتقد أنه مال نفسه فيبين مال غيره، فهنا يقتسمان الربح بلا ريب إنصاف؛ وأما الفرق بين الباطل والفاسد، فقال في «شرح مختصر التحرير» لصاحب «المنتهى»: وفرق أصحابنا وأصحاب الشافعي بين الباطل والفاسد في الفقه في مسائل كثيرة، قال في «شرح التحرير»: قلت: غالب المسائل التي حكموا عليها بالفساد إذا كانت مختلفًا فيها بين العلماء والتي حكموا عليها بالبطلان.
إذا كانت مجمعًا عليها إذ الخلاف فيها شاذ ثم وجدت بعض أصحابنا، قال: الفاسد من النكاح ما يسوغ فيه الاجتهاد، والباطل ما كان مجمعًا على بطلانه. انتهى.
وقال في «الغاية»: ويتجه المراد بالفاسد ما اختل شرطه، والباطل ما اختل ركنه، والصحيح ما توافر فيه فالعقد مع نحو صغير باطل فيضمن آخذ منه. انتهى.
وتبطل الشركة بموت أحد الشريكين وبجنونه المطبق وبالحجر عليه لفلس أو سفه أو فيما حجر عليه فيه وبالفسخ من أحدهما وسائر ما يبطل الوكالة؛ فإن عزل أحدهما صاحبه انعزل المعزول ولو لم يعلم كالوكيل ولم يكن له أن يتصرف إلا في قدر نصيبه من المال؛ فإن تصرف في أكثر ضمن الزائد وللعازل التصرف في جميع مال الشركة؛ لأنها باقية في حقه؛ لأن شريكه لم يعزله بخلاف ما إذا فسخ أحدهما الشركة فلا يتصرف كل إلا في قدر ماله هذا إذا نض المال بأن صار مثل حاله وقت العقد عليه دنانير أو دراهم، وإن كان المال عرضًا لم ينعزل أحدهما بعزل شريكه له، وله التصرف بغير ما ينض به المال؛ أنه معزول ولا حاجة تدعو إلى ذلك بخلاف التنضيض، قال في «شرح الإقناع»: وظاهر كلام أحمد والمذهب أنه ينعزل مطلقًا وإن كان عوضًا ورد قياسه على المضارب بأن الشركة وكالة، والربح يدخل ضمنًا، وحق المضارب أصلي. اهـ.
وإذا مات أحد الشريكين وله وارث رشيد، فللوارث أن يقيم على الشركة ويأذن له الشريك في التصرف، ويأذن هو لشريكه فيه، وبقاؤه على الشركة إتمام الشركة وليس بابتدائها، فلا تعتبر شروط الشركة من حضور المال وكونه نقدًا مضروبًا وبيان الربح ونحوها مما تقدم، وللوارث مطالبة الشريك بالقسمة لمال الشركة؛ فإن كان الوارث مولى عليه لكونه محجورًا عليه قام وليه مقامه في إبقاء الشركة والمقاسمة، ولا يفعل المولي إلا ما فيه مصلحة للمولى عليه كسائر التصرفات؛ فإن كان الميت قد وصى بمال الشركة أو ببعضه لمعين، فالموصى له إذا قبل كالوارث فيما ذكر لانتقال الملك إليه، وإن كان لغير معين كالفقراء لم يجز للوصي الإذن في التصرف، ووجب دفع المال الموصى به إلى الموصي لهم ويعزل الوصي نصيب الميت ويفرقه على الموصي لهم عملًا بالوصية؛ فإن كان على الميت تعلق الدين بتركته فليس للوارث إمضاء الشركة حتى يقضي دينه؛ فإن قضاه الوارث من غير مال الشركة فله إتمام الشركة، وإن قضه منه بطلت الشركة في قدر ما مضى.
من النظم فيما يتعلق بالشركة ومَن صَحَّ منه البيعُ صَحَّ اشتراكه وبالإذن من والٍ له الإذن فاعقد من شرطها تعيين ما أشركا به وإحضاره كيما يسوغ لمقصد وأربعة أنواع جائز شركة عنان بأبدان ومالٍ منقد ولو باختلاف القدر والجنس وأكره اشترك كفور أو فجور ومهتد وأن يتفرد بالتصرف مُتَّق فليس بمكروه بغير تردد وصحح بعرض الاشتراك وعنه وفي الغش مع جار الفلوس تردد وبينهم ما يشتري كل واحد كذاك من العرض المشارك فامهد وكل له في العرض قيمة عرضه وكالنافق المغشوش والأفلس اعدد ومن قال هذا لي شريت وذا لنا ولم يشر من مال اشتراه يقلد ومن بعد عقد ذا نوى فهو بينهم ولو قيل خلط المال غير مقيد ولكن بقدر المال قدر وضيعة وقسمتهم ربحًا على شرط ابتدي إن شرطوا أن يعمل الكل واحد ويأخذ أو في من نما ماله طد ويملك كل الفعل كل وسيلة إلى الربح مع فعل التجار المعودِ وقول الشريك اعمل برأيك فليبح له كل فعل للتجار ممهد سوى قرض شيء أو حطيطته أو التبرع أو عتق الرقيق المعبد ولو مع شرط المال في عتقه أو تزوج رقيقًا أو مكاتبه تعتد ولا يَأْخذن بالمال سفتجة ولا يبايع ويعطيها للإيفاء يصدد وفي مشتر شيئًا بما ليس جنسه لديه سوى النقدين وجهين أسند والإيضاع في الأولى وإيداعه أجز وفي سفر بالمال مع ظن أجود وبيع النَّسَا والارتهان كذا والإقالة في الأقوى لا الإذن جود ولا تخلطن مال اشتراك بغيره وإما يشارك أو يضارب اردد وقيل إن يضارب كلما شرطوا له وأدنى يجز مثل الوكيل بما ابتدي وأن يستدن من غير إذن عليهما يخص به غنمًا وغُرمًا بأوطد كذاك شرًا ما لم تجوزه مطلقًا له اجعله والأثمان من ماله قد ومن ثمن إن يبرأ أو ينسه امرؤُ أو إن خيار جاز في حقه قد وإقراره جوز في الأولى عليهما وقسمتهم دينًا يجوز بأوكدِ وكل وكيل فالذي فوق حقه بعزل وفسخ العقد كل ليصدد ويلزم كل الفعل كل معود فإن يكتري فالأجر من ماله قد وما لم يكن من عادة المن فعله فمن ماله أجر المباشر أورد فإن باشر الفعل الشريك بنفسه ليأخذَ أجرًا لم يجز في المسندِ وما منع أو جوزت أو ألزموه للشريك به احكم في المضارب ترشد فصل في الشروط الفاسدة ومع جهل رأس المال أوْ لِتَعيُّبٍ فليس صَحِيحِا ذا بغير تردد ولابد من تعيين ربح لكلهم فإن أهملوه حالة العقد يفسدِ كذا شرط مجهول لهم أو لغيرهم وشرط نما عرض ونقد مقيدِ وأما يقولا بيننا الربع سَوِّيا ومن ضاربْ أو سَاقيْ كذا زارعْ اعْدُدِ
في الشروط الفاسدة التي لا تعود بجهالة الربح وشرط لزوم العقد يا صاح مطلقًا وحملك نقصًا فوق مالك أفسدِ وشرط ضمان المال أو أن يخصه بما شاء أو نفع به كُلًا اردد وشرط اشتراط القوم في كل ثابت لهم وعليهم كل ذا الغ تهتد كذا كل شرط فاسد غير عائد بإبهام ربح الغ والعقد وطد وينقل عنه كالعيوب فساده فيعطي لرب المال ربح المعددِ وللعامل ابذل مطلقًا أجر مثله وربح عنان والوجوه لينقد على حَسَبِ الملكيْن أولى وعنه بل كما شرطا إذ قد ترضوا بما ابتدى وكل له أجر على قدر فعله في الأولى وعنه امْنَعْهُ إذ لم يقصد وقال أبو يعلى كذا في فساده بإبهام ربح والمسمى ليورد بإفساده مع غير مجهول ربحهم وفي الفاسدات احكم كغير المفسدِ وفي شركة الأبدان تَفْسُد اقسم المحصل بين الجمع غير مزيد وتعيين نوع أو مكان ومشتر ونقد اجز شرطًا فمن يَعصِ يردد فإن أطلقوا فأطلق له فعل ما يرى أحظا وإسفارًا سليم التعودِ
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 5:51 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الخامس الإثنين 07 ديسمبر 2015, 3:51 pm | |
| 35- المضاربة وما يتعلق بها س35: ما هي المضاربة؟ وضحها وما يتعلق بها من أمثلة ومحترزات وأسمائها في تنقلاتها، وهل يعتبر لها قبض أو قول؟ وهل تصح من المريض وإذا سمى للعامل أكثر من أجر مثله وفيه غرماء، فما الحكم؟ وما صفة الإبضاع؟ وإذا قال: اتجر به وربحه لك أو ربحه بيننا، أو قال: خذه مضاربة ولك ربحه أو ولي ربحه، فما الحكم؟ وإذا قال: وليس ثلث الربح أو لك ثلث الربح؟ وضح حكم ذلك مع ذكر ما يدور حول ذلك من أمثلة وأدلة وتعليلات وخلاف وترجيح.
ج: الثاني المضاربة من الضرب في الأرض بطلب الرزق. قال تعالى: { وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ } قال الأزهري: وعلى قياس هذا المعنى، يقال للعامل ضارب؛ لأنه هو الذي يضرب في الأرض، قال: وجائز أن يكون كل واحد من رب المال، ومن العامل يسمى مضاربًا؛ لأن كل واحد منهما يضارب صاحبه، وكذلك المقارض. اهـ. ومن ضرب كل منهما بسهم في الربح، وهذه تسمية أهل العراق وأهل الحجاز يسمونها قراضًا من قرض الفأر الثوب، أي قطعه، كأن رب المال اقتطع للعامل قطعة من ماله وسلمها له واقتطع له قطعة من ربحها أو من المقارضة بمعنى الموازنة ويُقال: تقارض الشاعران إذا توازنا، وحكى ابن المنذر الإجماع على جوازها، وحكي عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وحكيم بن حزام، ولم يعرف لهم مخالف ولحاجة الناس إليها.
وهي شرعًا: دفع مال، وما في معنى الدفع كوديعة وعارية وغصب، إذا قال ربها لمن هي بيده ضارب بها على كذا مُعيّن، فلا يصح ضارب بإحدى هذين الكيسين تساوي ما فيهما أو اختلف علمًا ما فيهما أو جهلاه؛ لأنها عقد تمنع صحته الجهالة، فلم تجز على غير معين كالبيع معلم قدره، فلا تصح بصبرة دراهم أو دنانير إذ لابد من الرجوع إلى رأس المال عند الفسخ ليعلم الربح ولا يمكن مع الجهل، لمَنْ يتجر فيه بجزء معلوم من ربحه كنصفه أو عشرة للمتجر فيه أو لقنّه؛ لأن المشروط لرقيقه لسيده فلو جعلاه بينهما أو بين عبد أحدهما أثلاثًا كان لصاحب العبد الثلثان، وللآخر الثلث وإن كان العبد مشتركًا بينهما نصفين فكما لو لم يذكر العبد والربح بينهما نصفين أو شرط الجزء للعامل ولأجنبي مع عمل من الأجنبي بأن يقول: اعمل في هذا المال بثلث الربح لك، ولزيد على أن يعمل معك؛ لأنه في قوة قوله: اعملا في هذا المال بالثلث؛ فإن لم يشترط عملًا من الأجنبي لم تح المضاربة؛ لأنه شرط فاسد يعود إلى الربح كشرط دراهم.
وتسمى المضاربة قراضًا ومعاملة من العمل، وهي أمانة ووكالة بالإذن بالتصرف؛ فإن ربح المال بالعمل فشركة لصيرورتهما شريكين في ربح المال.
قال ابن القيم في «الهدي»: المضارب أمين وأجير، ووكيل وشريك فأمين إذا قبض المال، ووكيل إذا تصرف فيه، وأجير فيما يباشره من العمل بنفسه وشريك إذا ظهر فيه ربح، وإن فسدت المضاربة فكالإجارة الفاسدة؛ لأن الربح كله لرب المال، وللعامل أجرة مثله وإن تعدى العامل في المال بأن فعل ما ليس له فعله فكغصب في الضمان لتعديه ويرد المال وربحه ولا أجرة له.
قال في «الرعاية الكبرى»: وإن تعدى المضارب الشرط أو فعل ما ليس له فعله أو ترك ما يلزمه ضمن المال ولا أجرة وربحه لربه. اهـ. ولا يعتبر لمضاربة قبض عامل رأس المال، فتصح، وإن كان بيد ربه، وتنعقد بما يؤدي معنى المضاربة والقراض من كل قول دل عليها؛ لأن المقصود المعنى فجاز بكل ما يدل عليه وتكفي مباشرة العامل للعمل، ويكون قبولًا لها كالوكالة، وتصح المضاربة من مريض مرض الموت المخوف؛ لأنها عقد يبتغي به الفضل أشبه البيع والشراء، ولو سمي فيها لعامله أكثر من أجر مثله فيستحقه ويقدم به على الغرماء؛ لأنه غير مستحق من مال رب المال، وإنما حصل بعمل المضارب في المال فما حصل من الربح المشروط يحدث على ملك العامل بخلاف ما لو حابى أجيرًا في الأجر؛ فإن الأجر يؤخذ من ماله أو ساقي أو زارع محاباة فتعتبر من ثلثه لخروج المشروط فيهما ن عين ملكه بخلاف الربح في المضاربة؛ فإنه إنما حصل بالعمل، وقول رب مال لآخر: اتجر به وكل ربحه لي إبضاع؛ لأنه قرن به حكم الإبضاع فانصرف إليه لا حق للعامل فيه؛ لأنه ليس بمضاربة ولا أجرة له، وإن قال مع ذلك: وعليك ضمانه، لم يضمنه؛ لأنه شرط ينافي مقتضى العقد وقول رب المال اتجر به وكل الربح لك قرض لا مضاربة؛ لأنه قرن به حكم القرض فانصرف إليه؛ فإن قال: معه ولا ضمان عليك، لم ينتف كما لو صرح به، ولا حق لربه وهو الدافع في الربح.
وإن قال: اتجر به والربح بيننا صح مضاربة، ويستويان في الربح لإضافته إليهما واحدة ولم يترجح به أحدهما، وإن قال: اتجر به ولي ثلث الربح يصح، وباقيه للآخر، أو قال: اتجر به ولك ثلث الربح يصح مضاربة، وباقي الربح للآخر الذي لم يسمي له؛ لأن الربح لا يستحقه غيرهما، فإذا قدر نصيب أحدهما عنه فالباقي للآخر بمفهوم اللفظ؛ لقوله تعالى: { فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ } فلما لم يذكر نصيب الأب علم أن الباقي وهو ثلثي الميراث له، وكذا لو وصى بمائة لزيد وعمرو، وقال لزيد: منها ثلاثون، فالباقي لعمرو، وإذا قال: اتجر به ولك نصف الربح ولي ثلثه، وسكت عن السدس، صح، وهو لربِّ المال، وإذا قال: خذه مضاربة على الثلث أو الربع أو بالثلث ونحوه صح والمقدر للعامل ويستحق بالعمل وهو يكثر ويقل، وإنما تتقدر حصته بالشرط وإن أتى مع الثلث ونحوه بربع عشر الباقي بأن قال: اتجر به ولك الثلث وربع عشر الباقي من الربح ونحوه، صح، واستخرج بالحساب وطريقه أن تلقى بسط الثلث وهو واحد يبقى اثنان وربع العشر مخرجه أربعون فتنظر بين الباقي بعد البسط وهو اثنان، وبين الأربعين يوافق في «الإنصاف» فتضرب الثلاثة في نصف الأربعين تبلغ ستين وتأخذ ثلثها عشرين وربع عشر الباقي وهو واحد يبلغ إحدى وعشرين ونحوه، كاتجر به على الربع وخمس ثمن الباقي، صح؛ لأن جهالته تزول بالحساب، وإن قال: خذه مضاربة ولك ثلث الربح وثلث ما بقي فللعامل خمسة أتساع الربح؛ لأن مخرج الثلث وثلث الباقي تسعة وثلثها ما بقي اثنان ونسبتها إلى التسعة ما ذكر، وإن قال ربّ المال: خذه مضاربة ولك ثلث الربح وربع ما بقي فله النصف؛ لأن مخرج الثلث وربع الباقي ستة وثلثها اثنان وربع الباقي واحد والثلاثة نصف السّتة، وإن قال رب المال: خذه مضاربة ولك الربع وربع ما بقي فله ثلاثة أثمان ونصف ثمن؛ لأن مخرج الربع وربع الباقي من ستة عشر.
وربعها أربعة وربع الباقي ثلاثة والسبعة نسبتها إلى السَتَة عشر ما ذكر سواء عرفا الحساب أو جهلاه؛ لأن إزالته ممكنة بالرجوع إلى غيرهما ممن يعرف بالحساب، وإن قال: خذه مضاربة، ولك جزء من ربحه أو شركة في الربح أو شيء من الربح، أو نصيب من الربح، أو حظ من الربح لم يصح؛ لأنه مجهول، والمضاربة لا تصح إلا على قدر معلوم.
36- مسائل حول الاختلاف في الجزء المشروط وما تتفق فيه المضاربة وشركة العنان وتوقيت المضاربة وتعليقها والمضاربة بالدين وما إلى ذلك س36: إذا اختلِفَ لِمَنْ الجزء المشروط فلِمَنْ يكون، وما الذي تتفق فيه المضاربة وشركة العنان، وإذا قال رب المال للعامل: اعمل برأيك أو بما أراك الله تعالى أو فسدت المضاربة أو وقتت أو علقت، أو قال: ضارب بدين عليك، أو الذي على زيد، أو قال: ضارب بوديعة لي عند زيد أو عندك، أو قال ضارب بغضبِ لِي عند زيد أو عندكَ أو بثمن عرض أو عمل مع مالك والربحُ بينهما أو شرط العاملُ في مضاربة أو مزارعة أو مساقاة عَمَل مالك أو غلامِهِ أو عمل بهيمة أو اشترى عامل لاثنين برأس مال كل واحد أمة أو نحوها أو اتفق ربّ المال والمضارب على أن الربح بينهما والوضيعة، فما الحكم؟ واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل أو تفصيل أو خلاف أو ترجيح.
ج: إذا اختلفا في المضارب لمن الجزء المشروط فهو للعامل أو اختلفا في مساقاة أو في مزارعة لمن الجزء المشروط، فهو للعامل؛ لأن ربّ المال يستحق الربح بماله؛ لأنه نماؤه وفرعه والعامل يستحقه بالشروط ومحله إذا لم يكن للمالك بينة، فلو أقاما بينتين قدمت بينة عامل؛ لأنها خارجة وبينة المالك داخلة؛ لأن رب المال واضع يده على المال حكمًا وإن لم يكن واضعًا لها حسًا، وقيل: إذا اختلفا لمن الجزء المشروط أن يرجع إلى العادة والعرف في الشركة والمساقاة والمزارعة، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس. والله أعلم.
ومضاربة فيما لعامل أن يفعله من بيع وشراء وأخذ وإعطاء ورد بعيب وبيع نساء وبعرض وشراء معيب وإيداع لحاجة ونحوه مما تقدم أو لا يفعله كعتق وكتابة وقرض ونحوه وفيما يلزمه فعله من نشر وطبي لثوب وختم وحرز ونحوه، وفي شروط صحيحة ومفسدة وفاسدة كشركة عنان على ما سبق تفصيله لاشتراكهما في التصرف بالإذن، وإن قال رب المال لعامل: اعمل برأيك أو بما أراك الله، والعامل مضارب بالنصف فدفع المال لعامل آخر ليعمل به بالربع من ربحه صح، وعمل به؛ لأنه قد يرى دفعه إلى أبصر منه، وإن قال: أذنتك في دفعه مضاربة صح، والمقول له وكيل لرب المال في ذلك؛ فإن دفعه لآخر ولم يشترط لنفسه شيئًا من الربح صح العقد، وإن شرط لنفسه من شيئًا لم يصح؛ لأنه ليس من جهته مال ولا عمل والربح إنما يستحق بواحد منهما، وملك العامل إذا قيل له: اعمل برأيك أو بما أراك الله الزراعة؛ لأنها من الوجوه التي يبتغي بها النماء؛ فإن تلف المال في الزراعة لم يضمنه، ولا يملك من قيل له ذلك التبرع والقرض والمكاتبة للرقيق وعتقه بمال وتزويجه إلا بإذن صريح فيه؛ لأنه مما ينبغي به التجارة وإن فسدت المضاربة فللعامل أجرةُ مثلهِ ولو خسر المالُ والتسميةُ فاسدةٌ؛ لأنها من توابع المضاربة، وحيث فاته المُسمى وجب ردُّ عمله؛ لأنه لم يعمل إلا ليأخذ عوضه وذلك متعذر فتجب قيمته وهي أجرة مثله كالبيع الفاسد إذا تقابضاه وتلف أحد العوضين.
وقيل: إن فسدت يتصدقان بالربح، وقيل له: الأقل من أجرة المثل أو ما شرطه له من الربح، واختار الشريف أبو جعفر أن الربح بينهما على ما شرطاه كما في شركة العنان إنصاف.
وقال الشيخ تقي الدين: له نصيب المثل إذا فسدت المضاربة، وهو الموافق للقواعد الشرعية، وهو الذي تميل إليه النفس. والله سبحانه أعلم.
ولو قال رب المال: خذه مضاربة والربح كله لي فلا شيء للعامل لتبرعه بعمله أشبه ما لو أعانه أو توكل له بلا جعل، ويصح توقيت المضاربة بأن يقول رب المال: ضاربتك على هذه الدراهم أو الدنانير سنة، فإذا مضت فلا تبع ولا تشتر؛ لأنه تصرف يتوقت بنوع من المتاع فجاز توقيته بالزمان كالوكالة، ولو قال رب المال: ضارب بهذا المال شهرًا ومتى مضى الأجل فمال المضاربة قرض، صح ذلك؛ فإن مضى الأجل والمال ناض صار المال قرضًا، وإن مضى الأجل وهو متاع فعلى العامل تنضيضه، فإذا باعه ونضضه صار قرضًا؛ لأنه قد يكون لرب المال فيه غرض، وإن قال رب عرض: بع هذا العرض وضارب بثمنه صح، أو قال رب وديعة: اقبض وديعتي من زيد أو منك وضارب بها، أو قال رب دين: اقبض ديني من فلان وضارب به، صح؛ لأنه وكله في قبضه الدين أو الوديعة وعلق المضاربة على القبض وتعليقها صحيح، وإن قال: ضارب بديني الذي عليك فللعلماء فيها قولان: أحدهما: لا يصح؛ لأن الدين في الذمة ملك لمن هو عليه ولا يملكه رب إلا بقبضه ولم يوجد، وهذا المذهب وهو قول أكثر أهل العلم منهم مالك والشافعي وأصحاب الرأي. قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أنه لا يجوز أن يجعل الرجل دينًا له على رجُل مضاربة.
والقول الثاني: يصح؛ لأنه إذا اشترى شيئًا للمضاربة فقد اشتراه بإذن رب المال ودفع الثمن إلى من أذن له في دفع ثمنه إليه فتبرأ ذمته منه ويصير كما لو دفع إليه عرضًا، وقال: بعه وضارب بثمنه، وقال ابن القيم في «إعلام الموقعين»: في المضاربة بالدين قولان في مذهب أحمد، أحدهما: الجواز وهو الراجح في الدليل وليس في الأدلة الشرعية ما يمنع جواز ذلك ولا يقتضي تجويزه مخالفة قاعدة من قواعد الشرع ولا وقوعًا في محظور من ربا ولا قمار ولا بيع غرر ولا مفسدة في ذلك بوجه ما فلا يليق بمحاسن الشريعة المنع منه وتجويزه من محاسنها ومقتضاها، وهذا القول هو الذي تميل إليه النفس. والله سبحانه أعلم.
ومن دفع مالًا لاثنين مضاربة في عقد واحد أو عقدين وجعل الدافع الربح بينهما نصفين صح قليلًا كان أو كثيرًا، وإن قال رب المال لكما كذا وكذا كالنصف أو الثلث من الربح، ولم يبين كيف هو أي كيفية قسمه بينهما من تساوٍ أو تفاضل، فالجزء المشروط بينهما نصفين؛ لأن مطلق الإضافة يقتضي التسوية وإن شرط رب المال لأحد العاملين ثلث الربح وشرط للآخر ربع الربح، والباقي لرب المال جاز ذلك، وكان الربح على ما شرطوا؛ لأن الحق لا يعدوهم فجاز ما تراضوا عليه، وإن قارض اثنان واحدًا بألف لهما جاز، كما لو قارضه كل واحد منهما منفردًا بخمسمائة؛ فإن شرط للعامل في مالهما ربحًا متساويًا منهما بأن شرط أحدهما له النصف وشرط الآخر له الثلث، جاز كما لو انفرد كل منهما بعقده؛ لأن العقد يتعدد بتعدد العاقد ويكون باقي ربح مال كل واحد منهما لصاحب ذلك المال؛ لأنه نماء ماله، وتصح مضاربة إذا قال ضارب بغصب: لي عندك أو عند زيد مع علمهما قدره؛ لأنه مال يصح بيعه من غاصبه وقادر على أخذه منه فأشبه الوديعة، وكذا بعارية ويزول الضمان عن الغاصب والمستعير بمجرد عقد المضاربة؛ لأنه صار ممسكًا له بإذن ربه لا يختص بنفعه، ولم يتعد فيه أشبه ما لو قبضه مالكه، ثم أقبضه له؛ فإن تلفا فكما تقدم كما تصح المضاربة بثمن عرض باعه بإذن مالكه ثم ضاربه على ثمنه، ومن عمل مع مالك نقد أو شجر أو أرض وحب في تنمية ذلك بأن عاقده على أن يعمل معه فيه والربح في المضاربة أو الثمر في المساقاة أو الزرع في المزارعة بينهما أنصافًا أو أثلاثًا ونحوه صح ذلك، وكان مضاربة في مسألة النقد نصًا؛ لأن العمل أحد ركني المضاربة فجاز أن يكون من أحدهما مع وجود الأمرين من الآخر، وكان في مسألة الشجر مساقاة، وفي مسألة الحب والأرض مزارعة قياسًا على المضاربة، وإن شرط العامل في المضاربة والمساقاة والمزارعة عَمَل مالكٍ أو عمل رقيقه معه بأن شرط أن يُعينه على العمل، صح كشرط عمل بهيمةٍ بأن يحمل عليها أو سيارة ينقل عليها ونحوه، ويجوز دفع مضاربة لاثنين فأكثر في عقد واحد وما شرط من الربح في نظير العمل، فعلى عددهم مع الإطلاق وإن فوضا بينهم فيه جاز، ولو أخذ عامل من رجل مائة قراضًا ثم أخذ من آخر مثلها، واشترى العامل الذي أخذ ما لإثنين برأس مال كل واحد من الإثنين وهو المائة في المثال أمة أو نحوها، كعبدين أو فرسين، واشتبه الأمتان أو العبدان أو الفرسان ونحوهما، ولم يتميزا، فقال الموفق في «المغني»: يصطلحان عليهما كما لو كانت لرجل حنطة فانهالت عليها أخرى، وقال القاضي: في ذلك وجهان، أحدهما: يكونان شريكين فيهما كما لو اشتركا في عقد البيع فتباعان ويقسم الثمن بينهما؛ فإن كان فيهما ربح دفع إلى العامل حصته، والباقي بينهما نصفين، والثاني يضمن العامل رأس مال كل من المالكين وتصير الأمتان للعامل والربح له والخسران عليه.
قال في «المغني»: والأول أولى، يريد ما قدمه المصنف؛ لأن كل واحد منهما ثابت ملكه في أحد العبدين فلا يزول الاشتباه عن جميعه ولا عن بعضه بغير رضاه، كما لو لم يكونا في يد المضارب؛ ولأننا لو جعلناهما للمضارب أدى إلى أن يكون تفريطه سببًا بالربح وحرمان المتعدى عليه، وعكس ذلك أولى، وجعلاهما شريكين أدى إلى أن يأخذ أحدهما ربح مال الآخر بغير رضاه وليس فيه مال ولا عمل. انتهى.
وإذا اتفق رب المال والمضارب على أن الربح بينهما والوضيعة عليهما، كان الربح بينهما والوضيعة على المال؛ لأنه متى شرط على المضارب ضمان المال أو سهمًا من الوضيعة فالشرط باطل والعقد صحيح، نص عليه أحمد؛ لأنه شرط لا يؤثر في جهالته الربح فلم يفسد به العقد، كما لو شرط لزوم المضاربة.
37- شراء العامل وما يترتب عليه وما يتعلق بذلك من نفقة س37: تكلم بوضوح عن أحكام ما يلي: شراء العامل مَن يعتق على رب المال، ما يترتب على ذلك: إذا اشترى عامل زوج أو بعض زوج أو بعض زوجة لمن له في المالك ملك؟ ما يترتب على ذلك: إذا اشترى عامل المضاربة من يعتق على المضارب، شراء العامل من مال المضاربة؟ أخذ العامل مضاربة لآخر، ما يترتب على ذلك؟ شراء ربّ المال من مال المضاربة لنفسه، شراء شريك نصيب شريكه؟ شراء الجميع، نفقة المضَارب إذا أطلقت وإذا شرطت وإذا لم تشرط؟ واذكر الدليل والتعليل والتفصيل والخلاف والترجيح.
ج: ليس لعامل شراء من يعتق على رب المال بغير إذنه؛ لأ فيه ضررًا ولا حظ للتجارة إذ هي معقود للربح حقيقة أو مظنة، وهما منتفيان هنا سواء كان يعتق على رب المال برحم كابنه ونحوه أو قول كتعليق ربّ المال صح الشراء؛ لأنه مال متقوم قابل للعقود، فصح شراؤه كغيره وعتق على ربّ المال لتعلق حقوق العقد به وضمن العامل ثمنه الذي اشتراه به لمخالفته وإن لم يعلم أنه يعتق على رب المال؛ لأنه إتلاف.
قال ناظم المفردات: إذا اشترى مضارب مَن يَعْتُقُ على الشريك صَحَّحُوا واطْلَقُوا حتى بِلا إذنٍ أتَتْ إليه لو كانَ ذَا ويَعْتُقُ عليه
وقال أبو بكر: إن لم يكن العامل عالمًا بأنه يعتق على ربّ المال لم يضمن؛ لأن التلف حصل لمعنى في المبيع لم يعلم به المشتري فلم يضمن، كما لو اشترى معيبًا لم يعلم بعيبه فتلف به، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس. والله أعلم.
فإن كان الشراء بإذن رب المال انفسخت في قدر ثمنه لتلفه؛ فإن كان ثمنه كل المال انفسخت كلها وإن كان في المال ربح أخذ حصته من الربح؛ لأنه استحقهُ بالعقد والعمل ولم يوجد ما يسقطه، وإن اشترى عامل ولو بعض زوج أو بعض زوجة لمن له المال ملك صح الشراء، لوقوعه على ما يمكن طلب الربح فيه كالأجنبي، وانفسخ نكاح المشتري كله أو بعضه؛ لأن النكاح لا يجامع الملك ويتنصف المهر على ربّ المال بشراء زوجته قبل الدخول ويرجع به على العامل، ولا ضمان عليه إن اشترى زوج ربة المال فيما يفوتُها من مهر ونفقة؛ لأنه لا يعود إلى المضاربة وسواء كان الشراء بعين المال أو في الذمة، وإن اشترى عاملُ المضاربة من يعتق على المضارب كأبيه وأخيه وظهر ربح في المضاربة بحيث يُخرج عن الأب أو الأخ مِن حصته من الربح سواء كان الربح ظاهرًا حين الشراء أو بعده، ومن يعتق عليه باق لم يُتَصَرَّف فيه عتق كُلُّه لملك حصته من الربح بالظهور، وكذا إن لم يخرج كلُ ثمنه من الربح؛ لكنه مُوسرًا بقيمة باقية؛ لأنه ملكه بفعله فعتق عليه كما لو اشتراه بماله وإن كان معسرًا عتق عليه بقدر حصته من الربح.
وإن لم يظهر في المال ربحٌ حتى باع من يعتق عليه فلا يَعُتقُ منه شيء؛ لأنه لا يملكه، وإنما هو مُلك رب المال، وليس للعامل الشراء من مال المضاربة إن ظهر ربح؛ لأنه يصير شريكًا فيه؛ فإن لم يظهر ربحٌ صُحَّ شراؤه من رب المال أو بإذن كالوكيل يشتري من مُوكله وإذا أخذ عاملٌ من إنسانٍ مضاربةً، ثم أراد أخذَ مُضاربةٍ من آخر بإذن الأول جاز, وكذلك إن لم يأذن ولم يكن على الأول ضررٌ؛ فإن كان فيه ضررٌ على الأول ولم يأذن مثل أن يكون المال الثاني كثيرًا يستوعبُ زمانه فيشغلهُ عن التجارة في المال الأول أو يكون المالُ الأولُ كثيرًا متى اشتغلَ عنه بغيره انقطع عن بعض تصرفاته، فقيل: ليس له ذلك؛ لأن المضاربة على الحظ والنماء، فإذا فعل ما يمنعه لم يجز كما لو أراد التصرف بالعين، وفارق ما لا ضرر فيه فعلى هذا إن فعل وربح رد الربح في شركة الأول وليقتسمانه فينظر ما ربح في المضاربة الثانية فيدفع إلى رب المال منه نصيبه ويأخذ المضارب نصيبه من الربح فيضمه إلى ربح المضاربة الأولى ويقاسمه لرب المضاربة الأولى؛ لأنه استحق حصته من الربح بالمنفعة التي استحقت بالعقد الأول، فكان بينهما كربح المال الأول.
وقال أكثر الفقهاء: يجوز؛ لأنه عقد لا يملك به منافعه كلها فلم يمنع من المضاربة، كما لو لم يكن فيه ضرر وكالأجير المشترك، وهذا القول هو الذي تميل إليه النفس. والله أعلم.
ولا يصح لرب المال الشراء من مال المضاربة لنفسه؛ لأنه ملكه كشرائه مِن وكيله وعبده المأذون وفارق المكاتب؛ فإن السيد لا يملك ما في يده ولا تجب عليه زكاته، وله أخذ ما فيه شفعة منه، وهذا إحدى الروايتين عن أحمد، وهو قول الشافعي، وقيل: يصح وهو رواية عن أحمد، وبه قال مالك والأوزاعي وأبو حنيفة؛ لأنه قد تعلق به حق المضارب فجاز شراؤه كما لو اشترى من مكاتبه، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس. والله أعلم.
وإن اشترى شريك نصيب شريكه صحَّ؛ لأنه مُلكُ غيره أشبه ما لو لم يكن بائعهُ شريكًا وإن اشترى الجميع حصته وحصة شريكه صحَّ الشراء في نصيب شريكه بناءً على تفريق الصفقة؛ وأما في نصيبه، فقيل: يبطلُ؛ لأنه ملكه، والذي تميل إليه النفس أنه يصح بناء على صحة شراء رب المال من مال المضاربة. والله أعلم، وليس للعامل نفقة إلا بشرط.
وقال ابن القيم والشيخ تقي الدين: أو عادة؛ لأن النفقة تخصه فكانت عليه كنفقة الحضر وأجر الطبيب وثمن التطبيب؛ لأنه داخل على أنه لا يستحق من الربح إلا الجزء المسمى، فلا يكون له غيره؛ ولأنه لو استحق النفقة أفْضى إلى أن يختص بالربح إذا لم يربح سوى النفقة، وبهذا قال ابن سيرين وحماد ابن أبي سليمان، وهو ظاهر مذهب الشافعي، وقال الحسن والنخعي والأوزاعي ومالك وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي: يُنفق من المال بالمعروف إذا شخص به عن البلد؛ لأن سفره لأجل المال فكانت نفقته فيه كأجر الحمَّال، والقول الأول هو الذي تطمئن إليه النفس. والله أعلم.
فأما إن شرط له النفقة صح له وذلك؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم -: «المؤمنون على شروطهم؛ فإن قدر له ذلك فحسن؛ لأن فيه قطعًا للمنازعة وزوال الاختلاف».
قال أحمد في رواية الأثرم: أحب إلى أن يشترط نفقة محدودة، وله ما قدر له من مأكول وملبوس ومركوب وغيره.
فإن شرطت نفقة العامل مطلقة وتشاحا فيها فله نفقة مثله عرفًا من طعام وكسوة؛ لأن الإطلاق يقتضي جميع ما هو من ضروراته المعتادة كالزوجة.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 5:52 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الخامس الإثنين 07 ديسمبر 2015, 4:04 pm | |
| 38- مسائل وبحوث حول النفقة والتصرف بما اشترى للمضاربة س38: إذا لقي رب المال العامل ببلد أذن له في سفر إليه فأخذه منه فهل للعامل نفقة لرجوعه؟ وإذا تعدد ربُّ المال فكيف تكون النفقة؟ وهل للعامل التسري من مال المضاربة، وإذ وطئ عاملٌ أمةً مِن المال فماالحكم؟ وما الذي يترتب على ذلك إن ظهر ربح أو لم يظهر؟ وضح ذلك مع بيان معاني ما في ذلك من مفردات، وهل لرب المال وطء أمة مِن المضاربة؟ ومتى يكون للعامل حقٌ في الربح وإذا ربح في أحد سلعتين أو ربح في إحدى سفرتين وخسر في الأخرى أو تعيبت سلعة وزادت أخرى أو نزل السعر أو تلف بعضُ المال بعد عَمَلٍ فكيف تكون الوضيعةُ؟ وما الذي يترتب على ذلك وإذا تقاسما الربحَ والمال ناضٌ أو تحاسبا بعد تنضيضه أو قسم ربّ المال والعامل الربح أو أخذ أحدهما منه شيئًا بإذن صاحبه والمضاربة باقية ثم خسر، فما الحكم؟
ج: إن لقي ربّ المال العامل ببلد أذن له في السفر إليه بالمال وقد نضَّ المال بأن صار المتاع نقدًا فأخذه ربه منه فلا نفقة للعامل لرجوعه إلى بلد المضاربة؛ لأنه إنما يستحق النفقة ما دام في القراض، وقد زال ولو مات لم يكفن منه ولو اشترط النفقة.
وإن تعدد رب المال بأن كان عاملًا لاثنين فأكثر أو عاملًا لواحد ومعه مال نفسه أو بضاعة لآخر واشترط لنفسه نفقة السفر فهي له على قدر مال كل منهما أو منهم؛ لأن النفقة وجبت لأجل عمله في المال فكانت على قدر مال كل فيه إلا أن يشترطها بعض أرباب المال من ماله عالمًا بالحال وهو كون العامل يعمل في مال آخر مع ماله فيختص بها لدخوله عليه؛ فإن لم يعمل الحال فعليه بالحِصَّة وللعامل التسري من مال المضاربة بإذن رب المال، فإذا اشترى أمة للتسري بها ملكها؛ لأن البضع لا يُباحُ إلا بنكاح أو ملك يمين؛ لقوله تعالى: { إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } وصار ثمنها على العامل لخروجه من المضاربة مع عدم وجود ما يدل على التبرع به من رب المال، وإن وطئَ عاملٌ أمة مِن المال عُزِّرَ؛ لأن ظُهُورَ الربح ينبني على التقويم وهو غير مُتحقق لاحتمال أن السلع تُساوي أكثر مما قُومتْ به فهو شُبْهَةٌ في درء الحد وإن لم يظهر ربح، وعليه المهر إن لم يطأ بإذن رب المال وإن ولدت منه وظهر ربح صارت أم ولد وولده حر، وعليه قيمتها وإن لم يظهر فهي وولدها لرب المال، ولا يطأ رب المال أمة من المضاربة ولو عدم الربح؛ لأنه ينقصها إن كانت بكرًا أو يعرضها للتلف والخروج من المضاربة ولا حدَّ عليه؛ لأنها ملكه وإن ولدتع منه خرجت من المضاربة وحُسبتْ قيمتُها عليه؛ فإن كان فيه ربحٌ فللعامل منه حصتُه ولا ربح لعاملٍ حتى يُستوفي رأسُ المال؛ لأن الربح هو الفاضلُ من رأس المال وما لم يفضل فليس بربح والوضيعة الخسارة والناضُّ من المال ما تحول عينًا بعد ما كان متاعًا، ويقال: ما نضَّ بيده شيء، وفي حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-: «كان يأخذ الزكاة من ناض المال هو ما كان ذهبًا أو فضة عينًا أو ورقًا»، وفي الحديث الآخر: «خذ صدقة ما قد نضَّ مِن أموالهم». ووصف رجل بكثرة المال، فقيل: أكثر الناس ناضًا ونضا الثياب ينضوها نضوًا إذا خلعها.
قال امرؤ القيس: فجئت وقد نضَّتْ لنوم ثيابها لدى السِّتر إلا لبسة المتفضلِ
وإن ربح في أحد سلعتين وخسر في الأخرى أو ربح في إحدى سفرتين وخسر في الأخرى أو تعيبت سلعة وزادت أخرى أو نزل السعر أو تلف بعض المال بعد عَمَلِ عاملٍ في المضاربة فالوضيعةُ في بعض المال تُجبر من ربح باقية قبل قسم الربح ناضًا أو قبل تنضيضه مع محاسبته؛ فإن تقاسما الربح والمال ناضٌ أو تحاسبًا بعد تنضيضه المال وأبقيا المضاربة فهي مضاربة ثانية فما ربح بعد ذلك لا يُجبر به ووضيعةَ الاول إجراءً للمحاسبة مجْرَى القِسمة ولا يحتسبان على المتاع؛ لأن سِعْره ينحطُّ ويرتفعُ ولو اقتسم ربُّ المال والعامل الربْحَ أو أخذَ أحدُهما منه شيئًا بإذن صاحبه والمضاربةُ بحالها، ثم خَسِرَ كان على العامل رَدُّ ما أخذهُ من الربح؛ لأنا تبينا أنه ليس بربح ما لم تنجبر الخسارة، ولو دفع مائةً مضاربة فخسرت عشرةً ثم أخذ رب المال منها عشرة، فالخسران لا ينقص به رأس المال؛ لانه قد يربح فيجبر الخسران لكنه نقص بما أخذه رب المال وهو العشرة وقسطها من الخسران وهو درهم وتسعُ درهم ويبقى رأس ثمانين وثمانية دراهم وثمانيةُ أتساع درهم وإن أخذ نصف التسعين الباقية بقي رأس المال خمسين، وإن كان أخذ خمسين بقي أربعة وأربعون وأربعة أتساع درهم؛ لأنه أخذ خمسة أتساع المال فسقط خمسة أتساع الخسران، وهي خمسة وخمسة أتساع درهم يبقى ما ذكر، وكذلك إذا ربح المال ثم أخذ رب المال بعضه كان ما أخذه من رأس المال والربح، فلو كان المال مائة فربح عشرين فأخذ ربُّ المال فقد أخذ سدسه فينقص المال وهو مائة سُدُسُه وهو ستة عشر وثلثان وقسطها من الربح ثلاثة وثلث، يبقى ثلاثة وثمانون وثلثًا، ولو كان أخذ ستين بقي رأس المال خمسين؛ لأنه أخذ نصف المال فبقي نصفه، وإن أخذ خمسين بقي ثمانية وخمسون وثلث؛ لأن أخذ ربع المال وسدسه فيبقى ثلثه وربعه، وذلك أن الخمسين المأخوذة ربع المائة والعشرين وسدسها والمال إذا ذهب منه ربعه وسدسه بقي ثلثه وربعه وثلث المائة التي هي رأس المال قبل ثلاثة وثلاثون وثلث وربعها خمسة وعشرون، ومجموع ذلك ثمانية وخمسون وثلث كما ذكر.
39- مسائل حول تلف مال المضاربة وما يدخل في مال المضاربة مما قد يتوهم عدم دخوله س39: تكلم بوضوح عن أحكام ما يلي: ما تلف من مال المضاربة قبل عمل، إذا تلف كل مال المضاربة ثم اشترى العامل للمضاربة شيئًا من السلع، وضح ذلك ما يتعلق بذلك من مطالبة ورجوع بثمن، إذا قُتل قنُ المضاربة، متى يملك العامل حصته من الربح، وهل له الأخذ من الربح؟ وما حكم القسمة والعقد باق؟ ومتى يجبر المالك على البيع في المضاربة؟ وهل يدخل في الربح المهر والثمرة والنتاج؟ وإذا أتلف مالك مال المضاربة وما الذي يترتب على ذلك؟ وإذا فسخت المضاربة والمال عرض أو دراهم وكان دنانير أو عكسه فما الحكم؟ واذكر الدليل والتعليل والاختلاف والترجيح.
ج: تنفسخ مضاربة فيما تلف من مال المضاربة قبل عمل العامل في مالها ويصير الباقي رأس مال؛ لأن التصرف بالعمل لم يصادف إلا الباقي فكان هو رأس المال بخلاف ما تلف بعد العمل؛ لأنه دار بالتصرف فوجب إكماله لاستحقاقه الربح؛ لأنه مقتضى الشرط؛ فإن تلف كل مال المضاربة قبل التصرف، ثم اشترى العامل للمضاربة شيئًا من السلع فهو كفضول وتقدم الكلام على الفضول في أول البيع في أول الجزء الرابع، وإن تلف مال المضارب بعد شراء العامل في ذمته وقبل نقد الثمن لما اشتراه، فالمضاربة بحالها أو تلف مال المضاربة بعد العمل مع ما اشتراه ، فالمضاربة بحالها لوقوع تصرفه بإذن ربُّ المال ويطالب ربِّ المال والعامل بالثمن الذي اشتراه به العامل لتعلق حقوق العقد بربِّ المال ومباشرة العامل ويرجع بالثمن عامل إن دفعه على رب المال بنية الرجوع للزومه له أصالةً والعامل بمنزلة الضامن ورأس المال هو الثمن دون التالف لتلفه قبل التصرف فيه أو أشبه ما لو تلف قبل القبض وإن أتلف العاملُ مال المضاربة ثم نقد الثمن من مالِ نفسِه بلا إذن ربّ المال لم يرجع ربُ المال على العامل بشيء، والعامل باق على المضاربة؛ لأنه لم يتعد فيه وإن قُتِل قنُّ المضاربة عمدًا فلرب المال أن يقتص بشرط؛ لأنه مالك المقتول وتبطل المضاربة فيه لذهاب رأس المال، وله العفو على مال ويكون المال المعفو عليه كبدل المبيع، وهو ثمنه؛ لأنه عوضٌ عنه، والزيادة في المال المعفو عليه على قيمة المقتول ربحٌ في المضاربة ومع ربح بأن كان ظهر ربح في المضاربة وقُتل قُّنها عمدًا، فالقودُ إلى ربّ المال والعامل كالمصلحة؛ لأنهما صارا شريكين بظهور الربح، ويملك عاملٌ حصته مِن ربحٍ بمجرد ظهوره قبل قسمته كمالك المال، وكما في المساقاة والمزارعة؛ لأن الشرط صحيح فيثبت مقتضاه، وهو أن يكون له جزء من الربح، فإذا وجد وجب أن يملكه، وأيضًا فهذا الجزء مملوك، ولابد له من مالك وربّ المال لا يملكه اتفاقًا فلزم أن يكون للمضارب ولملكه الطلب بالقسمة ولا يمتنع أن يملكه ويكون وقاية لرأس المال كنصيب ربّ المال من الربح ولو لم يعمل المضارب، إلا أنه صرف الذهب بورق فارتفع الصرف استحقه، ولا يملك المضارب الأخذ من الربح إلا بإذن رب المال؛ لأن نصيبه مشاع فلا يقاسم نفسه؛ ولأن ملكه له غير مستقر وإن شرط أنه لا يملكه إلا بالقسمة لم يصح الشرط لمنافاته مقتضى العقد وتحرم قسمة الربح وعقد المضاربة باقٍ إلا باتفاقهما؛ لأن وقاية لرأس المال فلا يجبر ربه على القسمة؛ لأنه لا يأمن الخسران فيجبره بالربح ولا العامل؛ لأنه لا يأمن أن يلزمه ما أخذه في وقت لا يقدر عليه؛ فإن اتفقا على قسمته أو بعضه جاز؛ لأنه ملكها كالشريكين، وإن أبى مالك البيع بعد فسخ المضاربة والمال عرض وطلبه عامل أجبر رب المال عليه إن كان فيه ربح؛ لأن حق العامل في الربح لا يظهر إلا بالبيع فأجبر الممتنع لتوفيته كسائر الحقوق؛ فإن لم يظهر ربح لم يجبر مالك على بيع؛ لأنه حق للعامل فيه وربّه رضيه عرضًا، ومن الربح مهر وجب بوطء أمة من مال المضاربة أو بتزويجها باتفاقهما، ومنه ثمرة شجر اشترى من مالها، ومنه أجرة شيء من مالها أو جزء استعمل على وجه يوجبها أو تبعد على مالها، ومنه أرش جناية على رقيقها، ومنه نتاج نتجته بهيمتها؛ لأنه نماء مالها ككسب عبدها، وإتلاف مالك مال المضاربة كقسمة فيغرم حصة عامل من ربح، كما لو تلف بفعل أجنبي وحيث فسخت المضاربة والمال عرض أو دراهم وكان دنانير أو عكسه بأن كان دنانير وأصله دراهم فرضي ربه بأخذ مال المضاربة على صفته التي هو عليها قوَّم مال المضاربة ودفع حصة العامل من الربح الذي ظهر بتقويمه وملك رب المال ما قابل حصة العامل من الربح؛ لأنه أسقط عن العامل البيع، فلا يجبر على بيع ماله بلا حظ يكون للعامل في بيعه؛ فإن ارتفع السعر بعد ذلك لم يطالب العامل رب المال بقسطه، كما لو ارتفع بعد بيعه إن لم يكن فعل ربّ المال ذلك حيلة على دُخُول موسمٍ أو قفل فيبقى حق العامل في ربحه؛ لأن الحيلة لا أثر لها، وإن لم يرض ربّ مال بعد فسخ مضاربة بأخذ العروض أو الدراهم عن الدنانير أو عكسه، فعلى عاملي بيعه وقبض ثمنه؛ لأن عليه رد المال ناضًا كما أخذه وسواء كان فيه ربح أو لا؛ فإن نضَّ له قدر رأس المال لزمه أن ينض الباقي وإن كان صحاحًا فنضَّ قراضَه أو مكسره لزم العامل رده إلى الصحاح بطلب ربها فيبيعها بصحاح أو بعرض ثم يشتريها به، كما يلزم العامل بعد فسخ المضاربة تقاضى مال المضاربة لو كان دينًا ممن هو عليه سواء ظهر ربح أو لاقتضاء المضاربة رد رأس المال على صفته والدين لا يجري مجرى الناض فلزمه أن ينضه كله لا قدر رأس المال فقط؛ لأنه لا يستحق نصيبه من الربح إلا عند وصوله إليهما على وجه تمكن قسمته ولا يحصل ذلك إلا بعد تقاضيه.
40- مسائل تتعلق بموت العامل أو ربّ المال أو أحدهما س40: تكلم بوضوح عن أحكام ما يلي: خلط رأس مال قبضه من واحد في وقتين، إذا أذن له قبل التصرف في الأول أو بعده، إذا قضى العامل برأس المال دينه ثم اتجر بوجهه وأعطى ربّه حصته من الربح، إذا مات عامل أو مات مودع أو وصي وجهل بقاء ما بأيديهم إذا أراد المالك لمال المضاربة تقرير وارث، بيع وارث العامل لعرض المضاربة، وارث المالك إذا انفسخت المضاربة، الاشتراء بعد موت المضارب وهو ربّ المال، وإذا أخذ ماشية ليقوم عليها برعي وعلف وسقي وحلب وغير ذلك، فهل يجوز ذلك؟ واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل أو خلاف أو ترجيح.
ج: لا يخلط عامل رأس مال قبضه من واحد في وقتين بلا إذنه لإفراده كل مال يعقد، فلا يُجبر وضيعة أحدهما بربح الآخر كما لو نهاه عنه، وإن أذن للعامل رب المالين في خلطهما قبل تصرفه في المال الأول أو بعد تصرفه في الأول، وقد صفاه من العروض وجعله نقدًا كما أخذ جاز وصار مضاربة كما لو دفعها إليه مرة واحدة، وإن كان إذنه فيه بعد تصرفه في الأول، ولم ينض حرم الخلط؛ لأن حكم العقد الأول استقر فربحه وخسرانه يختص به فضم الثاني إليه يوجب جبران خسران أحدهما بربح الآخر، فإذا شرط ذلك في الثاني فسد أو قضى العامل برأس المال دينه، ثم اتجر بوجهه بأن اشترى في ذمته بجاهه وباع وحصل ربح وأعطى ربّ المال الذي قضى به دينه حصته من الربح من تجارته بوجهه متبرعًا بها لربّ المال جاز، وإن مات عامل مضاربة أو مات مُوْدَعَ أو مات وصي على صغير أو مجنون أو سفيه، وجهل بقاء ما بيدهم من مضاربة ووديعة ومال محجوره، فهو دين في التركة؛ لأن الأصل بقاء المال بيد الميت واختلاطه بجملة التركة ولا سبيل إلى معرفة عينه فكان دينًا؛ ولأنه لا سبيل إلى إسقاط حق المال ولا إلى إعطائه عينًا من التركة لاحتمال أن تكون غير عين ماله، فلم يبق إلا تعلقه بالذمة؛ ولأنه لما أخفاه ولم يعينه فكأنه غاصب فتعلق بذمته، قال في «شرح المنتهى»: قلت: وقياسه ناظر وقف وعامله ووكيل وأجير.
وإن أراد المالك لمال المضاربة بعد موت عامله تَقْرِير وَارِثِ عاملٍ مكانه فتقريرُهُ مُضاربةٌ مبتدأة ولا يبيع وارث عامل عرضًا للمضاربة بلا إذن ربّ المال؛ لأنه لم يأذنه؛ ولأنه إنما رضي باجتهاد مورثه ولا يبيع المالك بلا إذن وارث العامل لوجود حقه في الربح؛ فإن تشاح ربُّ المال ووارث العامل بأن أبى كلٌ الأذن للآخر في بيعه باعه حَاكمٌ ويقسم الربح بينهما على ما شرطاه، ووارث المالك كالمالك إذا انفسخت المضاربة وهو حي فيتقرر ما لمضارب من الربح، ويقدم به على الغرماء ولا يشتري عامل بعد موت رب المال إلا بإذن ورثته فيكون وكيلًا عنهم لبطلان المضاربة بموته، والعامل بعد موت رب المال في بيع عرض واقتضاء دين ونحوه، مما يلزم المضارب كفسخ مضاربة والمال ناض جاز ويكون رأس المال الذي أعطاه مورثه وحصته من الربح رأس مال الوارث وحصة العامل من الربح شركة له مشاع وإن أراد وارث رب المال المضاربة والمال عرض فمضاربة مبتدأة، وهذا على القول بأنها لا تجوز على العروض، وتقدم في (ص133) المقارنة بين القولين، وأن القول الذي تطمئن إليه النفس صحتها بالعروض. والله أعلم.
من النظم فيما يتعلق في المضاربة تبارك ذو الأحكام والحكم التي تحار عقول الخلق فيها فتهتدي ففي كل شيء حكمة ودلالة لواع على توحيده والتفرد أباح اكتساب المال من سبل حله فكان له تحصيله خير مرشد فمن حكمه أبداؤنا وأمورنا ذوات ارتباط لا ذوات توحد فكل امرئ لا يستقل بأمره فسنّ لنا سبل التعاون فاهتدى فطورًا بتوكيل وطورًا بأجرة معينة في فعل شيء مقيد وطورًا أباح الجهل عند تعذر التّعين ومن هذا المضاربة اعدد إليه انتها الأسباب في كل كائن ومنه جميع الأمر ينهي ويبتدي يعلق أطماعَ الأنام بمكسب له يَركبون الهول في كل مقصد يهون على هذا اقتحام بنفسه وهذا يمال رغبة في التزيد ليأتي بأرزاق يعز حصولها إلى عاجز عنها ضجيع بمرقد فسبحان من أبدى فأتقن صنعه وجل تعالى عن أباطيل ملحدِ وأشهد أن الله لا ربَّ غيره بتصديق رسل الله أودع ملحدِ وبعد فمعطي المال شخصًا مضاربًا له عَيَنَنْ جزءً من الربح واحددِ ولو من مريض فوق عرف وقَدِّمَنْ به عاملًا عن كلِ دَين وأرفدِ وإما يساقي أو يزارع بزائدٍ على أجر مثل جاز في المتجودِ فإن قال خذ المال والربح بيننا فنصفين قسم فيهما الربح تقصد وإن يقل اتّجرْ فيه والربح كله لك احكم بقرض المال للعامل اشهد وإن قال في هذا لي الربح كله فذلك إبضاع صحيح لممدد وإن قال في هذا مضاربة وما ربحت فلي أو ربحه لك تفسد وإن قال نصف الربح لي ومضاربي له الثلث اعط السدس ذا المال تهتد وقولك لي نصف يصح بأجودِ وللعامل الباقي وفي العكس أطد وقولك خذ ذا المال بالثلث جائز وللعامل المشروط عند التنكد كذا في المساقي فاحكمن ومزارع وفي الشركة اطلب تلق كل مقصد من المنع من فعل وإطلاقه له وإلزامه مع كل شرط مؤكد وإن شرطا جزأ لمن غير عامل وَهَتْ وَلعبد المالك أو عامل طد وإن يَنْفَسِدْ عقدُ المضاربة ابذلن لذي المال كل الربح والأجر أوردِ إلى عامل بل عند إن قل شرطه ليعطي إذا أرضاه عند التعقدِ وتعليقها بالشرط يا صاح جائز وتوقيتها أيضًا على المتأكد وامض إن يقل بع ذا وبالثمن اتجر وخذ مودعي واتجر به إن أتى عد وإن صَاحب الألفين ضارب عاملًا على ربح ألف منهما امنع وفند وقولك بالدَين الذي لي عليك يا أخا العزم ضارب لا يصح فقيد وإن يشاء بعد الفسخ يأخذ ماله عروضًا ليعطي أو يشاء البيع يسعد والزم بتطلاب الديون مضاربًا ولو لم يفد أو بعد فسخ العقد وإن جن رب المال أو مات تنفسخ كذا إن جن أو مات المضاربُ تفسد ووارث كل مثله في ابتدائهم قراضًا بنقد أو بعرض كما ابتدى
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 5:53 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الخامس الإثنين 07 ديسمبر 2015, 4:11 pm | |
| 41- فيما يقبل قول العامل والمالك فيه وغير ذلك س41: ما الذي يصدق فيه العامل وإذا أقر بربح، ثم ادعى تلفًا أو خسارة أو غلطًا أو نسيانًا أو اقتراضًا تتم به رأس المال، فما الحكم؟ وما الذي يقبل فيه قول المالك وإذا أقام كل واحد منهما بينة بدعواه فمن المقدم بينته، وإذا دفع إنسان لآخر عبدًا أو دابة أو آلة حرث أو نحو ذلك لمن يعمل به بجزء من أجرته أو دفع ثوبًا إلى من يخيط أو غزلًا إلى من ينسجه بجزء من ربحه أو حصاد زرع أو رضاع قنّ أو طحن قمح أو استيفاء مال أو بناء دار أو نجر باب أو نحو ذلك بجزء منه، فما الحكم؟ وضح ذلك مع ما يتعلق به من تمثيل أو تفصيل أو دليل أو تعليل أو خلاف أو ترجيح.
ج: العامل أمين؛ لأنه يتصرف في المال بإذن ربه ولا يختص بنفعه أشبه الوكيل بخلاف المستعير؛ فإنه يختص بنفع العارية، يصدق عامل بيمينه في قدر رأس المال؛ لأنه منكر لما يدعي عليه زائدًا، والأصل عدمه، ولو كان ثمَّ ربح متنازع فيه كما لو جاء العامل بألفين، وقال: رأس ألف والربح ألف، وقال رب المال: بل هما رأس المال، فقول عامل حيث لا بينة.
قال في «شرح المنتهى»: فإن أقاما بيتين قدمت بينة رب المال، ولو دفع لاثنين قراضًا على النصف فنضيناه وهو ثلاثة آلاف، فقال ربّ المال: رأسه ألفان وصدقه أحدهما، وقال الآخر: بل ألف، فقوله مع يمينه، فإذا حلف أخذ نصيبه خمسمائة ويبقى ألفان وخمسمائة يأخذ ربّ المال ألفين؛ لأن الآخر يصدقه يبقى خمسمائة ربحًا يقتسمها ربّ المال مع الآخر أثلاثًا لرب المال ثلثاها، وللعامل ثلثها؛ لأن نصيب رب المال من الربح نصفه ونصيب هذا العامل ربعه فيقسم باقي الربح بينهما على ثلاثة وما أخذه الحالف زائدًا كالتالف منهما فهو محسوب من الربح. انتهى.
ويصدق عامل بيمينه في قدر ربح وعدمه، وفي هلاك وخسران إن لم تكن بينة؛ لأن ذلك مقتضى تأمينه.
ولربِّ المال الاستفصال عن مفردات التلف والخسران ونحو ذلك حيث أمكن استظهار الصدق أو عدمه خصوصًا إذا ظهر أمارات الخيانة والكذب.
ويصدق بيمينه فيما يذكر أنه اشتراه لنفسه أو للمضاربة، وكذا في شركة في عنان ووجوه ومفاوضة، وفي شركة أبدان إذا ذكر أنه تقبل العمل لنفسه دون الشركة فيصدق الشريك فيما يذكر أنه اشتراه لنفسه أو للشركة؛ لأنه أمين ولا تعلم نيته إلا منه.
ويصدق عامل بيمينه في نفي ما يدعي عليه من خيانة أو تفريط؛ لأن الأصل عدمها.
وإذا شرط العامل النفقة ثم ادعى أنه أنفق من ماله بنية الرجوع فله ذلك سواء كان المال بيده أو رجع إلى ربه كالوصي إذا ادعى النفقة على اليتيم، وإذا اشترط العامل شيئًا، وقال المالك: كنت نهيتك عنه وأنكر عامل، فقوله؛ لأن الأصل معه.
ولو أقر عامل بأنه ربح ثم ادعى تلفًا أو خسارة بعد الربح قُبِلَ قولُه؛ لأنه أمين، ولا يقبل قوله إن ادعى غلطًا أو كذبًا أو نسيانًا أو ادعى اقتراضًا تمَّمَ به رأس المال بعد إقرار العامل برأس المال لربّه بأن قال عاملٌ: هذا رأس مال مضاربتك ففسخ ربها وأخذه فادّعى العامل أن المال كان خسر وأنه خشي أن وجده ناقصًا يأخذه منه فاقترض مما تممه به ليعرضه عليه تامًا، فلا يقبل قول العامل فيه؛ لأنه رجوع عن إقرار بحق لآدمي ولا تقبل شهادة المقرض له؛ لأن فيه جر نفع له، ولا طلب له على ربّ المال؛ لأن العامل ملكه بالقرض ثم سلمه لرب المال فيرجع المقرض على العامل لا غير؛ لكن إن علم رب المال باطن الأمر، وأن التلف حصل بما لا يضمنه المضارب لزمه الدفع له باطنًا، ويقبل قول مالك في عدم رد مال المضاربة إن ادعى عامل رده إليه ولا بينة؛ لأنه قبضه لنفع له فيه أشبه المستعير ويقبل قول مالك في صفة خروجه عن يده؛ فإن قال: أعطيتك ألفًا قراضًا فربحه بيننا.
وقال العامل: بل قرضًا لا شيء لك من ربحه، فقول ربّ المال؛ لأن الأصل بقاء ملكه عليه، فإذا حلف قسم الربح بينهما، وقال في «المغني»: ويحتمل أن يتحالفا ويكون للعامل أكثر الأمرين مما شرطه له من الربح أو أجر مثله؛ لأنه إن كان الأكثر نصيبه من الربح فرب المال معترف له به، وهو يدعي الربح كله، وإن كان أجر مثله أكثر، فالقول قوله في عمله مع يمينه، كما أن القول قول رب المال في ربح ماله، فإذا حلف قبل قوله في أنه ما عمل بهذا الشرط، وإنما عمل لغرض لم يسلم له فيكون له أجر المثل. اهـ.
وهذا القول هو الذي تميل إليه النفس. والله سبحانه أعلم.
وإن خسر المال أو تلف، فقال ربه: كان قرضًا، وقال العامل: كان قراضًا أو بضاعة فقول ربه؛ لأن الأصل في القابض لمال غَيره الضمان، وإن أقاما بينتين بأن أقام كل واحد منهما بينة بدعواه قدمت بينة عامل؛ لأن معها زيادة علم؛ لأنها ناقلة عن الأصل، ولأنه خارج، وقيل: تقدم بينة رب المال، وإن قال رب المال: كان بضاعة، وقال العامل: كان قراضًا، حلف كل مهما على إنكار ما ادعاه خصمه وكان له أجر لا غير.
ويقبل قول مالك بعد ربح مال مضاربة في قدر ما شرط لعامل، فإذا قال العامل: شرطت لي النصف، وقال المالك: بل الثلث مثلًا، فقول مالك؛ لأنه ينكر السدس الزائد واشتراطه له، ويصح دفع عبده أو دفع دابة أو قدر أو آلة حرث أو نحو ذلك، لمن يعمل به بجزء من أجرته، ويصح خياطة ثوب ونسج وغزل وحصاد وزرع ورضاع قن واستيفاء مال ونحوه، كبناء دار وطاعون ونجر باب وطحن نحو بر بجزء مشاع منه؛ لأنها عين تتمي بالعمل عليها فصح العقد عليها ببعض نمائها كالشجر في المساقاة والأرض في المزارعة، ولا يصح تخريجها على المضاربة بالعروض؛ لأنها إنما تكون بالتجارة والتصرف في رقبة المال، وهذا بخلافه ولا يعارضه حديث الدارقطني: «أنه -عليه الصلاة والسلام- نهى عن عسب الفحل، وعن قفيز الطحان» لحمله على قفيز من المطحون فلا يدري الباقي بعده فتكون المنفعة مجهولة، وإن جعل له مع الجزء المشاع درهمًا فأكثر لم يصح، ويصح بيع وإيجار لمتاع وغزو بداية من ربح المتاع أو بجزء من سهم الدابة، نص عليه فيمن أعطى فرسه على النصف من الغنيمة، ويصح دفع دابة أو نحل ونحوهما لمن يقوم بهما مدة معلومة كسنة ونحوها بجزء منهما كربعها أو خمسها والنماء للدابة أو النحل ونحوهما ملك لهما للدافع والمدفوع إليه على حسب ملكهما؛ لأنه نماؤه، وإن دفع دابة أو نحلًا ونحوهما لمن يقوم بهما مدة ولو معلومة بجزء من نمائها كدر ونسل وصوف وعسل ونحوهما كمسك وزباد، قيل: لا يصح لحصول نمائه بغير عمل، وله أجر مثله؛ لأنه عمل بعوض لم يسلم له، وقيل له: دفع دابة أو نخل لمن يقوم به بجزء من نمائه.
اختاره الشيخ تقي الدين، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس وهو الذي عليه العمل من قديم، من ذلك العدولة المتعارفة بين الناس يعطي إنسان البدوي الغنم، ويكون على البدوي رعيها والقيام بما يلزم لها وله مقابل ذلك نفعها الخارج منها من لبن ودهن وصوف فقط.
من النظم مما يتعلق في فصل والمضارب أمين وإن مات مع جهل بمال قراضه كدين عليه كالوديعة فارددِ وليس عليه من ضمان لأنه أمين بها في صحة وتفسدِ ويقبل في الخسران منه وفي التوى وفيما له أو للقراض اشترى اشهد وفي نفس دعوى موجب لضمانه وفي صفة أو قدر مال معددِ وربح وفي أذن السفار بماله ووصف التصرف فيهما اقبل بأوطدِ وقد قيل رب المال يقبل فيهما مقالته والمبتدأ نص أحمد وإن يتعدى في فعال فضامن لتاوٍ وإن يربح فلمالك انقد وخذ قول رب المال في ردِ ماله في الأقوى وعكس في الشراء بمقيدِ وإن يختلف في قدر حظ مضارب من الربح من ذي المال، فاقبل بأوكدِ وعنه اقبلن من عامل أجر مثله وبَيّنَةٌ منه مقدمة قد وإن كان مغبونًا به الناس عادة فأجرَة مثل أعطه لا تزَّيدِ وإقراره بالربح ثم ادعاؤه الْخَسارة أو هلكا إلى قوله عد وإن قال إني كنت اقررت غالطًا وناسيًا اردد قوله رد عمد إن يقترض تتميمه خوف أخذه فَيْؤْخَذُ بملك لم يرد لمسعدِ وإن قال فرض لإقراض فلي النما فمن ربه أقبل مع يمين مؤكدِ وبينهما ربح وقيل ليحلفا وللعامل الأعلى من أجر ومرصدِ ودعوى قراض والمليك بضاعة بوجهين واعكس في العطاء والمقلد وإن يشتري ممن يرد مقاله له أو بيعه من ضراب ليردد وإن قال قرض لا بضاعة محلفًا وللعامل أجر المثل غير مزيد ودعواهما بالعكس والمال هالك من الملك أقبل والمعامل ليردد وإن يدعي الإنفاق من ماله وقد تشرطه في العقد يرجع به اشهد وللعامل أن يغضب طلاب بأجودٌ وفي الغيبة احتم ثم أن يرج به أشهد وإن كان للشخصين دين فمن قضى الغريم يشاركه الشريك بأوطدِ ومن شاء يطلب من غريم وقابض فإن يتو مقبوض كالإبراء يوطد
42- شركة الوجوه س42: تكلم بوضوح عن شركة الوجوه، ما هي؟ ولِمَ سميت بذلك؟ وما حكم ذكر الجنس لما يشتريانه وقدره ووقت الشركة والملك والربح والوضيعة؟ واذكر الدليل والتعليل والخلاف والترجيح.
ج: الثابت شركة الوجوه وهي أن يشتركا بلا مال في ربح ما يشتريان في ذممهما بوجوههما وثقة التجار بهما، سميت بذلك؛ لأنهما يعاملان فيهما بوجوههما والجاه والوجه واحد، يقال: فلان وجيه، أي ذو جاه، وهي جائزة عند أحمد وأبي حنيفة، ومذهب مالك والشافعي أنها باطلة.
قال أهل القول الأول: وجه جوازها لأن معناها وكالة كل واحد منهما صاحبه في الشراء والبيع والكفالة بالثمن، وكل ذلك صحيح لاشتمالها على مصلحة من غير مفسدة.
وقال أهل القول الثاني: القائلون إنها شركة باطلة؛ لأن ما يشتريه كل واحد منهما ملك له ينفرد به، فلا يجوز أن يشاركه غيره في ربحه، والذي تطمئن إليه النفس القول الأول لما تقدم. والله سبحانه أعلم.
ولا يشترط لصحتها ذكر جنس ما يشتريانه ولا ذكر قدره، ولا ذكر وقت الشركة، فلو قال أحدهما للآخر: كل ما اشتريت من شيء فبينا، وقال الآخر: كذلك صح العقد ولا يعتبر ذكر شروط الوكالة؛ لأنها داخلة في ضمن الشركة بدليل المضاربة وشركة العنان، وكل واحد منهما وكيل صاحبه وكفيل عنه بالثمن؛ لأنها مبناها على الوكالة والكفالة ويكون الملك فيما يشتريانه كما شرطا؛ لحديث: «المؤمنون على شروطهم»؛ ولأن عقدها مبناه على الوكالة فينفذ بما أذن فيه وربح كما شرطا من تساوٍ وتفاضل؛ لأن أحدهما قد يكون أسلك مع الناس أوثق عند التجار وأبصر بالتجارة من الآخر؛ ولأنها منعقدة على عمل وغيره فكان ربحها على ما شرطا من تساوٍ وتفاضل؛ لأن أحدهما قد يكون أسلك مع الناس أوثق عند التجار وأبصر بالتجارة من الآخر؛ ولأنها منعقدة على عمل وغيره فكان ربحه على ما شرطا كشركة العنان والوضيعة، وهي الخسران بتلف أو بيع بنقصان عما اشترى به على قدر الملك فمن له فيه الثلثان فعليه ثلثا الوضيعة، ومن له الثلث عليه ثلثها سواء كان الربح بينهما كذلك أو لا؛ لأن الوضيعة نقص رأس المال وهو مختص بملاكه فيوزع بينهم على قدر الحصص وتصرُّف شريكي الوجوه فيما يجوز ويمتنع ويجب وشروط وإقرار وخصومة وغيرها، كتصرف شريكي عنان على ما سبق.
من النظم تبع شركة الوجوه: وذاك اشتراك لا بما بربح ما بجهادهم ابتاعوه في الذمم احدد وسيان أطلاق وتعين مُشْتَرٍ بنوع ووقت أو بقدر مقيد وضيعتهم كالملك والملك بينهم على شرطهم كالربح في المتوطد وكل وكيل للشريك وكافل تصرفهم مثل العنان كما ابتدى وإن فسدت فالربح كالملك بينهم وتبقى كفالات فلم تتفسد
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 5:56 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الخامس الإثنين 07 ديسمبر 2015, 4:17 pm | |
| 43- شركة الأبدان وأنواعها وأحكامها وشركة الدلالين س43: ما هي شركة الأبدان، ولم سميت بذلك؟ وما هي أنواعها، واذكر أمثلة توضحها وما الذي يتقبلان به العمل، وإذا تقبل أحدهما عملًا فمن المطالب ومن الذي يلزمه العمل لذلك ومن الذي يملك طلب الأجرة للعمل وإذا تلفت بيد أحدهما أو اقر أحدهما بما في يده أو حصل شيء من مباح تملكاه أو أحدهما أو أجرة عمل تقبلاه أو أحدهما فما الحكم؟ وما الذي لا يشترط لصحتها وإذا كان أحدهما غير عارف للصنعة التي لزمته للمستأجر أو مرض أحدهما أو ترك العمل، فما الحكم؟ وما حكم شركة الدلالين وما صفتها؟ واذكر الدليل والتعليل والتفصيل والخلاف والترجيح.
ج: القسم الرابع شركة الأبدان سميت بذلك لإشتراكهما في عمل أبدانهما وأضيفت إلى الأبدان لأنهم بذلوها في الأعمال لتحصيل المكاسب وهي نوعان: أحدهما أن يشتركا فيما يتملكان بأبدانها من مباح، كاحتشاش، واصطياد، وتلصص على دار الحرب، وكسلب من يقتلانه بدار الحرب.
وحكمها الجواز عند أحمد ومالك؛ لما روى أبو داود بإسناده عن عبد الله قال: اشتركت أنا وسعد وعمار يوم بدر، فلما جيء أنا وعمار بشيء وجاء سعد أسيرين ومثله لا يخفى على النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان ذلك في غزوة بدر وكانت غنائمها لمن أخذها قبل أن يُشْرِكَ الله تعالى بينهم؛ ولهذا نقل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَن أخذَ شيئًا فهو له»، فكان ذلك من قَبِيلِ المباحات؛ ولأن العمل أحدُ جهتي المضاربة فصحت الشركة عليه كالمال، وقال أبو حنيفة: يصح في الصناعة، ولا يصح في اكتساب المباح كالإحتشاش والاغتنام؛ لأن الشركة مقتضاها الوكالة، ولا تصح الوكالة في هذه الأشياء؛ لأن من أخذها ملكها، وقال الشافعي: شركة الأبدان باطلة؛ لما روت عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل» وهذا الشرط ليس في كتاب الله، فوجب أن يكون باطلًا؛ ولأنها شركة على غير مال، فلم تصح كما لو اختلفت الصناعات والذي تطمئن إليه النفس أنها جائزة؛ للحديث السابق الوارد عن ابن مسعود الدليل للقول الأول. والله سبحانه أعلم.
النوع الثاني أن يشتركا فيما يتقبلان في ذممهما من عمل كحدادة وقصارة وخياطة، ولو قال أحدهما: أنا أتقبل، وأنت تعمل، والأجرة بيننا، صح؛ لأن تقبل العمل يوجب الضمان على المتقبل ويستحق به الربح، فصار كتقبل المال في المضاربة والعمل يستحق به العامل الربح، كعمل المضارب فينزل منزلة المضاربة ويطالبان بم يتقبله أحدهما من عمل، وبعد تقبُّل أحدهما لا فسخ للآخر ويلزمهما عملُ ما تقبَّله أحدهما؛ لأن مبناها على الضمان، فكأنها تضمَّنَتْ ضمان كل واحد منهما عن الآخر ما يلزمه، ولكل من الشريكين طلبُ أجرة عمل ولو تقبله الآخر، ويبرأ مستأجر بدفع الأجرة لأحدهما وتلف الأجرة بلا تفريط بيد أحدهما علهما جميعًا؛ لأن كلا وكيل الآخر في قبضها والطلب بها، وإقرار أحدهما بما في يده يُقبل عليهما؛ لأن اليد له، فقبل إقراره بما فيها بخلاف ما في يد شريكه أو دين على شريكه؛ لأنه لا يدَ له عليه، والحاصل من مباح تملكاه أو أحدهما أو مِن أجرة عمل تقبلاه أو أحدُهما كما شرطا عند العقد من تساوٍ أو تفاضل؛ لأن الربح يستحق بالعمل، ويجوز تفاضلهما فيه ولا يُشترط لصحتها اتفاق صنعة الشريكين، فلو اشترك حدادٌ ونجارٌ أو خياطٌ وقصارٌ فيما تقبلان في ممها من عمل، صح؛ لاشتراكهما في كسب مساح أشبه ما لو اتفقت الصنائع؛ ولأنه قد يكون أحدهما أحذق من الآخر مع إتفاق الصنعة، فربما تقبل أحدهما ما لا يمكن الآخر عملُه، ولا يمنع ذلك صحتها، فكذا اختلاف الصنعة ومن لا يعرف يتمكن من إقامة غيره بإجرة أو مجانًا، ولا يشترط لصحة الشركة معرفة الصنعة لواحد منهما، فلو اشترك شخصان لا يعرفان الخياطة في تقبلها ويدفعان ما تقبلاه لمن يعمله، وما بقي من الأجرة لهما صح، ويلزم غير عارف إقامةُ عارف للصنعة مُقامهُ في العمل ليعمل ما لزمه للمستأجر، وإن مرض أحدُ الشريكين، فالكسب بينهما على ما شرطاه.
قال أحمد: هذا بمنزلة حديث عمار وسعد وابن مسعود؛ ولأن العمل مضمون عليهما وبضمانهما له وجبت الأجرة فتكون لهما ويكون العامل منهما عونًا لصاحبه في حصته، ولا يمنع ذلك استحقاقه، ويلزم من عذر بنحو مرض في ترك عمل مع شريكه بطلب شريكه له أن يقيم مقامه في العمل لدخولهما على العمل فلزمه أن يفي بمقتضى العقد وللآخر الفسخ إن امتنع أو لم يمتنع؛ وأما شركة الدلالين فصفتها أن يشترك اثنان فيما يأخذان من الناس من الأموال التي يبيعونها فيما حصل لهما، ويكون معنى اشتراكهما أن كل واحد منهما يبيع ما أخذ شريكه كما يبيع هو ما أخذه من الناس، فقيل: لا تصح؛ لأنه لابد فيها من وكالة، وهي على هذا الوجه لا تصح كآجر دابتك، والأجرة بيننا؛ لأن الشركة الفرعية لا تخرج عن الوكالة والضمان، ولا وكالة هنا ولا ضمان؛ فإنه لا دين يصير بذلك في ذمة واحد منهما ولا تقبُّل عملٍ.
وقال الشيخ تقي الدين: وتصح شركة الدلالين وجعلها بمنزلة خياطة الخياط ونجارة النجار. وموجب العقد التساوي في العمل والأجر، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس، إذا علم الناس حالهما واشتراكهما؛ لأنهم وإن أعطوا أحدهما فقد علموا أن الآخر شريكه وإن لم يعلموا أنه شريكه فالأول الذي يترجح. والله سبحانه وتعالى أعلم.
س43: تكلم بوضوح عما يلي: إذا اشتركا ليحملا على دابتيهما والأجرة بينهما، إذا اشتركا في أجرة عين الدابتين أو في أجرة أنفسهما، إذا اشترك اثنان لأحدهما آلة قصارة وللآخر بيت يعملان فيه بها، أو اشترك ثلاثة لواحد منهم دابة وللآخر راوية وثالث يعمل، أو اشترك أربعة لواحد دابة وللآخر رحى ولثالث دكان ورابع يعمل، وما الذي للعامل وما الذي عليه، من استأجر شيئًا مما ذكر للطحن أو أيامًا معلومة، وكيف تقسيم الأجرة، إذا تقبل الأربعة العمل فكيف تكون الأجرة؟ وبماذا يرجع كل منهم على صاحبه؟ وما الحكم إذا قال رجل لآخر أجر عبدي أو دابتي والأجرة بيننا أو جمع بين شركة عنان وأبدان ووجوه ومضاربة، وما مُوجبُ العقد في جعالة وإجارة وشركة؟ واذكر الدليل والتعليل والتفصيل والخلاف والترجيح.
ج: يصح أن يشتركا ليحملا على دابتيهما ما يتقبلانه من شيء معلوم إلى موضع معلوم في ذممهما؛ لأن تقبلهما الحمل أثبت الضمان في ذمتيهما ولهما أن يحملا على أي ظهر كان والشركة تنعقد على الضمان كشركة الوجوه، ولا يصح أن يشتركا في أجرة عين الدابتين أو في أجرة أنفسها إجارة خاصة بأن أجرا الدابتين لحمله أو أجرا أنفسهما يومًا يومًا فأكثر؛ لأن الحمل ليس في الذمة، وإنما استحق الكرى منفعة البهيمة التي استأجرها أو منفعة الشخص الذي آجر نفسه، ولهذا تنفسخ الإجارة بموت المستأجر من البهيمة والإنسان، ولكل من مالكي الدابتين أجرة دابته فيما إذا آجرا عين الدابتين، ولكل أجرة نفسه فيما إذا أجرا أنفسهما لبطلان الشركة والذي يترجح عندي صحة الشركة كما لو اشتركا فيما يكتسبان بأبدانهما من المباح؛ فإن أعان أحدهما صاحبه في التحميل والنقل كان له أجر مثله؛ لأنها منافع وفاها بشبهة عقد. والله سبحانه وتعالى أعلم.
وتصح شركة اثنين لأحدهما آلة قصارة وللآخر بيت على أنهما يعملان القصارة فيه بالآلة، وما حصل فبينهما لوقوع الإجارة على عملها والعمل يستحق به الربح في الشركة، والآلة والبيت لا يستحق بهما شيئًا؛ لأنهما يستعملان في العمل المشترك فيهما كالدابتين يحملان عليهما، وإن كان لأحدهما آلة أو بيت، وليس للآخر شيء واتفقا على أن يعملا بالآلة أو في البيت والأجرة بينهما جاز، ولا يصح أن يشترك ثلاثة لواحد منهم دابة وللآخر راوية وثالث يعمل بالراوية على الدابة، وما حصل بينهم أو أربعة لواحد دابة وللآخر رحى ولثالث دكان ورابع يعمل يطحن بالدابن والرحى في الدكان، وما ربحوا فبينهم؛ لأنه لا شركة ولا مضاربة، وقيل: يصح اشتراك الثلاثة ومثلها الأربعة، واختار القول بالصحة جمع منهم الموفق والشارح وصححه في «الإنصاف»، وقدمه في «الفروع» و«الرعاية»، وقال في «التنقيح»: وهو أظهر فعلى هذا يكون ما رزقهم الله بينهم على ما اتفقوا عليه، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس، وعلى القول الأول للعامل الأجرة وعليه لرفقته أجرة آلاتهم. والله سبحانه وتعالى أعلم.
ومن استأجر من الأربعة ما ذكر من الدابة والرحى والدكان والعامل لطحن شيء معلوم وأيام معلومة صفقة واحدة صح العقد، وتكون الأجرة بين الأربعة بقدر قيمة أجر المثل بأن توزع عليهم على قدر أجر مثل الأعيان المؤجرة كتوزيع المهر، فيما إذا تزوج الرجل أربعًا من النساء بمهر واحد. وإن تقبَّلُوا العمل في ذممهم بأن استأجرهم ربُ حبٍ لطحنه وقبلُوه صح العقد والأجرة بينهم أرباعًا؛ لأن كل واحد لزمه طحن ربعه بربع الأجرة، ويرجع كل واحد منهم على رفقته الثلاثة لتفاوت قدر العمل بثلاثة أرباع أجر المثل فيرجع رب الدابة على رفقته الثلاثة بثلاثة أرباع أجرة مثلها وهكذا، ويسقط الربع الرابع؛ لأنه في مقابلة ما لزمه من العمل، فلو كانت أجرة مثل الدابة أربعين، والرحى ثلاثين، والدكان عشرين، وعمل العامل عشرة؛ فإن ربَّ الدابة يرجع على الثلاثة بثلاثة أرباع أجرتها وهي ثلاثون مع ربع أجرتها الذي لا يُرجعُ به على أحدِ وهو عشرة فيكمل له أربعون، ويرجع رب الرحى على الثلاثة باثنين وعشرين ونصف مع ما لا يرجع به وهو سبعة ونصف فيكمل له ثلاثون، ويرجع رب الدكان بخمسة عشر مع ما لا يرجع به وهو خمسة فيكمل له عشرون، ويرجع العامل بسبعة ونصف مع ما لا يرجع به وهو درهمان ونصف، فيكمل له عشرة ومجموع ذلك مائة درهم وهي القدر الذي استؤجروا به، وإنما لم يرجع بالربع الرابع؛ لأن كل واحد منهم قد لزمه ربع الطحين بمقتضى الإجازة، فلا يرجع بما لزمه على أحد ولو تولى أحدهما الإجارة لنفسه كانت الأجرة كلها له، وعليه لكل واحد من رفقته أجرة ما كان من جهته، ومن قال لآخر: آجر عبدي أو أجر دابتي والأجرة بيننا، ففعل، فالأجرة لرب العبد والدابة وللمؤجر أجرة مثله؛ لأنه عمل بعوض لم يسلم له، والذي تطمئن إليه النفس أنه إذا كان عن رضى وصحة عقل يكون على ما شرطا يؤيده حديث: «المؤمنون على شروطهم» والله سبحانه وتعالى أعلم. ويصح جمع بين شركة عنان وأبدان ووجوه ومضاربة لصحة كل منها منفردة، فصحت مع غيرها ومُوجب العقد في شركة وجعالة وإجارة التساوي في عمل وأجر؛ لأنه لا مرجح لأحدهم يستحق به الفضل، ولذي زيادة عمل لم يتبرع بالزيادة طلبها من رفيقه ليحصل التساوي.
44- شركة المفاوضة س44: تكلم بوضوح عن شركة المفاوضة لغةً وشرعًا؟ وبين أقسامها؟ وما الذي يختص به كل واحد من الشريكين؟
ج: المفاوضة مأخوذة من قولهم قوم فوضى أي متساوون لا رئيس لهم.
قال الأفوه الأودي: لا يصلحُ الناسُ فَوْضَى لا سراة لهم ولا سراةَ إذا جُهَّالُهم سَادُوا
ونعامٌ فَوضى: أي مختلط بعضهم ببعض، والناس فوضى: أي متفرقون وأمرهم فوضى بينهم، أي مختلط، والمفاوضة: الاشتراك في كل شيء، ويقال: متاعهم فوضى بينهم إذا كانوا فيه شركاء، ويقال أيضًا: فوضى فضا.
وقال الآخر: طعامُهُمُ فَوضَى فَضًا في رِحَالهم ولا يُحْسِنُون السِرَّ إلا تَنَادِيَا
والمفاوضة: المساواة، والمشاركة مفاعلة من التفويض، ومنه حديث معاوية قال لِدَغْفَل النَّسَّابة: بِمَ ضَبَطْتَ مَا أرَى؟ قال: بمفاوضة العلماء، قال: وما مفاوضة العلماء؟ قال: كنت إذا لقيتُ عالمًا أخذتُ ما عنده وأعطيته ما عندي، فكأن كل واحد منهما رد ما عنده إلى صاحبه، أراد محادثة العلماء.
وشرعًا: قسمان: أحدهما: صحيح، وهو نوعان: الأول: تفويض كل من إثنين فأكثر إلى صاحبه شراءً وبيعًا في الذمة ومضاربة وتوكيلًا ومسافرة بالمال وارتهانًا وضمانًا من الأعمال كخياطة وحدادة فهي صحيحة وهي الجمع بين عنان ومضاربة ووجوه وأبدان وتقدم وجه صحتها. والنوع الثاني: أن يشتركا في كلما يثبت لهما وعلهما إن لم يدخلا في الشركة كسبًا نادرًا أو غَرامةً؛ لأنها لا تخرج عن أضرب الشركة التي تقدمت.
والقسم الثاني: فاسد، وهو أن يدخلا في الشركة كسبًا نادرًا كوجدان لقطة أو ركاز أو يدخلا فيها ما يحصل لهما من ميراث أو يدخلا فيها ما يلزم أحدهما من ضمان غصب أو أرش جنايةٍ أو ضمان عارية أو لزوم مهر بوطء؛ لأنه عقدٌ لم يرد الشرع بمثله، ولما فيه من كثرة الغررِ؛ لأنه قد يلزمُ فيه ما لا يقدرُ الشريك عليه، ولكل من الشريكين في هذا القسم ما يستفيده وله ربح ماله وله أجرة عمله لا يشركه فيه غيره لفساد الشركة، ويختص كل منهما بضمان ما غصبه أو جناه أو ضمنه عن الغير؛ لأن لكلِ نفسٍ ما كسبتْ وعليها ما اكتسبتْ.
من النظم مما يتعلق بشركة الأبدان وشركة أكسَاب بأبدانهم تجز ولو باختلاف الصنعتين بأجودِ بكل مباح كالتلصُصِ منهم على أهل دار الحرب أو كالتصَيُّدِ وصحتُها في الغُنْمِ في نَفَلٍ وفي اسْتِلابِ قَتِيْلٍ إذ يُخَصَّا بِمُوْجِدِ ومَن يَتَقَبَّل منهم عملًا يَصِرْ عليهم وقسِمْ بَيْنَهم كَسْبَ مُفْرَدِ ويَلْزَمَ ذَا قَسْمٍ مَتى يَبغِ نائب وقيل إنْ تَرَكْ كسبًا بلا عُذْرِ أطد وما كسباه اقْسمْهُ بَيْنَهُمَا على تشارطُهم في مُبتدأ العَقْدِ تَهْتَدِ وشَرْطَتُهُمْ في حَمْلِ ما اقْتَبَلُوا به بذِمَّتِهم صَحِّحْ ولا تَتَردّدِ وإن أجَّرُوا الأعيانَ كُلٌ امرء اثِبْ على حَمْلِ ما يَخْتَصُّهُ في المجودِ ومن يعط عبدًا أو بهائم عاملًا عليها بنصف الكسب أو نحوه طد كذا دَفْع أثوابٍ لِشَخْصٍ يَخِيْطُهَا وغَزْل لِنسَّاجٍ بِرَيْعِ المُزَيّدِ وإن يأخُذَنْ نَعْلا ورواية فَتى وبَغْلا ودَارًا وَالرَّحَى مِن مُعَدّد ويعمل فيها والمُحصَّلُ بَيْنَهم يَصِحُّ وقيل ارْدُدْ وبالأجر زَوّدِ كذا رفعُ قوس والشباك وصائد بِمَعْلُومِ جُزْء الصَّيْدِ صَحّحْ كما ابتدى وقيل لذي الآلاتِ أجرةُ مثِله لبطلانها والصَّيدُ لِلْمُتَصَيِّد ومن يشترط مع جزء كسب دراهمًا لخيفة الاستغراق للكل يفسد ويشرط في كل المسائل عامل فإن آجروا أموالهم مع تعقد على شركة فيما تحصل لم يجز وكُلٌ بأجْرَة ملْكِهِ فَلْيُفَرَّدِ والأوكد منع إعطاء ماشِيَةٍ لِمَنْ يَعُولُ بثُلْثِ الدُّرِ والنَّسْل أسْنِدِ وأن يرعها حولًا كمِيْلًا بثُلْثِهَا له الثلثُ بالنامِي يَصحُّ بأوطد وأربعةُ الأنواع جمْعُكَ بَيْنَها صَحيح فشَارِكْ بالأمانةِ واجْهَدِ وشركة دَلَّالِينَ غَير صَحِيْحَةٍ وإن جَازَ تَوْكِيْلُ الوكيل فَجَوِّدِ وإدخالُهم في شركة كسبُ نادرٍ مُفَاوَضَىً عَنْ رَدِّهَا لا تَحَيَّدِ
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 5:56 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الخامس الإثنين 07 ديسمبر 2015, 4:20 pm | |
| 45- باب المساقاة س45: ما هي المساقاة؟ ولماذا جعلت بين القراض والإجارة؟ وما الأصل فيها؟ وما الذي تصح عليه والذي لا تصح عليه؟ وما هي المناصبة؟ وما هي المغارسة؟ وما الدليل؟ وما هي المزارعة؟ ولماذا جمعت في باب واحد؟ وما الذي يعتبر للمساقاة والمزارعة؟ وما الألفاظ التي تصح بها؟ وتكلم عن إجارة الأرض بنقد أو بعرض أو بجزء، وعن ما إذا لم يزرعها المستأجر، وعن إجارة الأرض بطعام، وعن المساقاة على وَدْي النخل أو على شجر يغرسه ويعمل عليه، واذكر الدليل والتعليل والخلاف والترجيح.
ج: المساقاة: من السقي؛ لأنه أهم أمرها بالحجاز؛ لأن النخل تُسقى به نضحًا من الآبار فتكثر مشقته، ولما كانت شبيهة بالقراض في العمل في شيء ببعض نمائه، وللإجارة في اللزوم والتأقيت جعلت بينهما، وشرعًا: أن يدفع الرجل شجره إلى آخر ليقوم بسقيه وعمل سائر ما يحتاج إليه بجزء مشاع معلوم من ثمره.
والمزارعة: مفاعلة من الزرع، وشرعًا: دفع الأرض إلى من يزرعها ويعمل عليها والزرع بينهما. والمخابرة هي المزارعة.
اختار الشيخ جواز المساقاة على شجر يغرس ويعمل عليه بجزء معلوم من الشجر أو بجزء من الشجر والثمر كالمزارعة، وقال: ولو كان مغروسًا، وإن اشتركا في الغرس والأرض فسدت وجهًا واحدًا، قاله في «الإنصاف»، وقال الشيخ تقي الدين: قياس المذهب صحتها، وهذا هو الذي تطمئن إليه النفس. والله أعلم. اهـ.
وسواء في ذلك النخل والكرم والرمان والجوز واللوز والزيتون وغيرها، وأن يكون معلومًا للمالك والعامل برؤية أو وصف، فلو ساقاه على بستان غير معين ولا موصوف أو على أحد هذين الحائطين لم يصح؛ لأنها معاوضة يختلف الغرض فيها باختلاف الأعيان، لم تجز على غير معلوم كالبيع، والأصل في جوازها ما روى ابن عمر قال: «عامل النبي -صلى الله عليه وسلم- أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر وزرع» متفق عليه.
وعن طاوس: «أن معاذ ابن جبل أكرى الأرض على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر وعثمان على الثلث والربع، فهو يعمل به إلى يومك هذا» رواه ابن ماجه.
وقال البخاري: قال قيس بن مسلم: عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين ما المدينة أهل بَيت هجرة إلا يزرعون على الثلث والربع، والمعنى شاهد بذلك، ودال عليه؛ فإن كثيرًا من أهل الشجر يعجزون عن عمارته وسقيه ولا يمكنهم الاستئجار عليه، وكثير من الناس لا تشجر لهم ويحتاجون إلى الثمر، ففي تجويز المساقاة تجويز للحاجتين وتحصيل لمصلحة الفئتين كالمضاربة بالأثمان، وما روي عن ابن عمر أنا قال: كنا نخابر أربعين سنة حتى حدثنا رافع بن خديج «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن المخابرة» فمحول على رجوعه عن معاملة فاسدة، فسرها رافع في حديثه، ولا يجوز حمل حديث رافع على ما يخالف الإجماع؛ لأنه –عليه الصلاة والسلام- لم يزل يعامل أهل خيبر حتى مات ثم عمل به الخلفاء بعده ثم من بعدهم، فكيف يتصور نهيه –عليه الصلاة والسلام- عن ذلك! بل هو محمول على ما رواه البخاري عنه قال: «تكرى الأرض بالناحية منها تسمى لسيد الأرض، فربما يصاب ذلك وتسلم الأرض، وربما تصاب الأرض ويسلم ذلك، فنهانا» فأما الذهب والورق فلم يكن يومئذ، وروي تفسيره أيضًا بشيء غير هذا من أنواع الفساد وهو مضطرب أيضًا. قال الإمامُ رافعُ يروي عنه في هذا ضروب كأنه يريد أن اختلاف الروايات عنه يوهن حديثه، وقال طاوس: إن أعلمهم –يعني ابن عباس- أخبرني أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم ينهه عنه؛ ولكن قال: «لأنْ يَمْنَحَ أحدُكم أخاه أرضًا خيرٌ من أن يأخذ عليها خراجًا معلومًا» متفق عليه؛ وأما المساقاة على ما ليس له ثمر مأكول كالصفصاف، ويقال: له الخلاف، وذكر ابن قتيبة في كتاب «عيون الأخبار»: أن الخلاف شجر سقط ثمره قبل تمامه، وهو الصفصاف.
وقال الشاعر: توقَ خلافًا إن سَمَحْتَ بموعد لِتسلَم مِن لوم الوَرى وتُعافَى فلو صَدَقَ الصَّفْصَافُ مِن بَعدِ نورِهِ إيواء آفةٍ مَا لَقَّبُوهُ خِلافًا
والسَّرر والوِرد ونحوها، فَقيل: لا تصح عليه؛ لأنه ليس منصوصًا عليه ولا في معنى المنصوص عليه؛ ولأن المساقاة إنما تجوز بجزء من الثمرة، وهذا لا ثمرة له، وقيل: تصح المساقاة على ماله ورق يقصد كتوت أو له زهر يقصد كورد وياسمين ونحوه إجراء للورق والزهر مجرى الثمرة، قالوا: وعلى قياس ماله ورقٌ أو زهر يُقْصَد وشجرٌ له خشبٌ يُقْصَدُ كَحَوَرِ وصَفْصَافٍ، وهذا القول هو الذي تميل إليه النفس. والله أعلم.
وتصح المساقاة بلفظ مساقاة؛ لأنه لفظها الموضوع لها، وبلفظ معاملة، وبلفظ مفالحة، واعمل بستاني هذا حتى تكمل ثمرته على النصف مثلًا ونحوه وبكل لفظ يؤدي معناها؛ لأن القصد المعنى، فإذا دل عليه بأي لفظ كان صح كالبيع، وتقدم صفة القبول في الوكالة، وأنه يصح بما يدل عليه من قول وفعل فشروعه في العمل قبول.
وتصح المساقاة بلفظ إجارة وتصح مزارعة بلفظ إجارة، فلو قال: استأجرتك لتعمل لي في هذا الحائط بنصف ثمرته أو زرعه، صح؛ لأنه القصد المعنى، وقد وجد ما يدل على المراد منه، وتصح إجارة أرض معلومة مدة معلومة بنقد معلوم، وبعروض معلومة، وتصح إجارتها بجزء مشاع معلوم كالنصف والثلث مما يخرج منها سواء كان طعامًا كالبر والشعير أو غيره كالقطن والكتان، وهو إجارة حقيقية كما لو أجرها بنقد، وهذا القول من المفردات.
قال ناظمها: ببعض ما تخرج أرض تؤجر كالثلث أو كالنصف أو ما قدروا
وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: لا يصح ذلك؛ لأنها إجارة عين ببعض نمائها فلم يجز كسائر الأعيان.
وقال أيضًا ناظم المفردات: يصحّ في الأرضين أن يزارعوا ببعض ما تخرجه المزارع ومنع النعمان ثم مالك مِن ذا وقالا لا يصح ذلك والشافعي وافقهم في البيضا وقال لا يصح فيها أيضًا وذاك باب كامل مطرد مذهبنا به إذا ينفرد
وقال أبو الخطاب ومن تبعه: هي مزارعة بلفظ الإجارة مجازًا؛ فإن لم يزرعها المستأجر في إجارة أو مزارعة، وسواء قلنا إنها إجارة أو مزارعة نظر إلى معدل المغلّ أي الموازن لما يخرج منها لو زرعت فيجب القسط المسمى في العقد وإن فسدت فأجرة المثل.
وتصح إجارة الأرض بطعام معلوم من جنس الخارج منها، كما لو أجرها ليزرعها برًا بقفيز بر، وتصح إجارتها بطعام معلوم من غير جنس الخارج منها بأن أجرها بشعير لمن يزرعها بُرًا وتصح المساقاة على شجر له ثمرة موجودة لم تكمل تنمى بالعمل وتصح المزارعة على زرع نابت ينمي بالعمل؛ لأنها إذا جازت في المعدوم مع كثرة الغرر فيه، ففي الموجود مع قلة الغرر أولى؛ فإن بقي من العمل ما لا تزيد به الثمرة أو الزرع كالجذاذ والحصاد لم يصح عقد المساقاة ولا المزارعة.
وقال في «المغني» و«المبدع»: بغير خلاف وإذا ساقاه على صغار النخل أو ساقاه على صغار شجر إلى مدة يحمل فيها غالبًا بجزء من الثمرة صح العقد؛ لأنه ليس فيها أكثر من أن عملَ العاملِ يَكثر ونصيبُه يقِل وهذا لا يمنع صحتها، كما لو جعل له جزء من ألف جزء، وإن ساقاه على شجر يغرسه ويعمل عليه حتى يثمر بجزء مشاع معلوم من الثمرة أو من الشجر أو منهما، وهي المغارسة والمناصبة صح، واحتج بحديث خيبر؛ ولأن العمل وعوضه معلومان فصحت كالمساقاة على شجر مغروس.
قال الشيخ تقي الدين: ولو كان ناظر وقف وأنه لا يجوز لناظر بعده بيع نصيب الوقف من الشجر بلا حاجة. انتهى.
ومراده بالحاجة ما يجوز معه بيع الوقف؛ فإن كان الغراس من العامل فصاحب الأرض بالخيار بين قلعه، ويضمن له نقصه وبين تركه في أرضه، ويدفع إلى العامل قيمة الغراس كالمشتري إذا غرس في الأرض التي اشتراها، ثم أخَذَ الشقص المشفوع الشفيعُ بالشفعة، وإن اختار العام قلع شجره، فله ذلك سواء بذل له صاحب الأرض القيمة أولًا؛ لأنه ملكه فلم يمنع تحويله وإن اتفق صاحب الأرض والعامل على بقاء الغراس في الأرض ودفع أجرة الأرض جاز؛ لأن الحق لا يعدوهما، وقيل: يصح كون الغراس من مساق ومزارع ومناصب.
قال المنقح: وعليه العمل، وقال في «الإنصاف»: حكمه حكم المزارعة اختاره الموفق، والشيخ تقي الدين وابن رزين وأبو محمد الجوزي، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس. والله أعلم.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 5:58 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الخامس الإثنين 07 ديسمبر 2015, 4:25 pm | |
| 46- أركان المساقاة وشروطها وأمثلة لها مما يصح ومما لا يصح وبحوث حول ذلك س46: تكلم بوضوح عن أحكام ما يلي: إذا عمل اثنان في شجر لهما والشجر بينهما نصفان وشرطا التفاضل في الثمرة، وما هي أركان المساقاة؟ وما هي شروطها؟ جعل للعامل دراهم معلومة أو آصعًا معلومة مع الجزء المشاع، إذا كان في البستان شجر من أجناس كتين وزيتون فشرط للعامل من كل جنس إذا كان البستان لاثنين فساقيا عاملًا واحدًا على أن له نصف نصيب أحدهما وثلث نصيب الآخر، إذا ساقى واحد على بستان له اثنين أو ساقاه على بستانه ثلاث على أن له في السنة الأولى النصف، وفي الثانية الثلث، وفي الثالثة الربع، المساقاة على البعل، واذكر الدليل والتعليل والترجيح والشروط والقيود والمحترزات.
ج: إذا عمل اثنان في شجر لهما والشجر بينهما نصفان وشطر الشريكان التفاضل في الثمرة بأن قالا على أن لك الثلث ولي الثلثان صح؛ لأن من شرط له الثلثان قد يكون أقوى على العمل وأعلم به ممن شرط له الثلث، ومن شرط صحته تقدير نصيب العامل بجزء مشاع من الثمر كالثلث والربع والخمس؛ لما سبق من أنه - صلى الله عليه وسلم - عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من ثمر أو زرع، فلو جعل للعامل جزأ من مائة جزء جاز أو جع لرب الشجر الجزء من مائة جزء لنفسه، والباقي للعامل جاز ما تراضَوا عليه؛ لأن الحق لا يعدوهما ما لم يكن حيلة على بيع الثمرة قبل بدو صلاحها فلا يصح، وإن ساقا على النخل بسهم معلوم كالثلث أو الربح وشرط عليه زيادة وزان معلومة أو دراهم معلومة أو ساقاه على نخلة بخمسمائة وزنه أو أقل أو أكثر أو جعل له بدل التمر دراهم، فهذا النوع إجازة الشيخ تقي الدين والجمهور على المنع، والذي تطمئن إليه النفس ما قاله الشيخ. والله أعلم.
وأركان المساقاة ثلاثة: إيجاب، وقبول، وصيغة، وشروطها: سبعة أن تكون من جائز التصرف أن تكون على شجر، فلا تصح على ما ليس بشجر كالخضروات أن يكون الشجر له ثمر أن يكون الثمر يؤكل عادة أن يكون نصيب كل منهما معينًا كالنصف والربع أن يكون الشجر معلومًا برؤية أو صفة أن لا يشترط لأحدهما ثمر شجرة أو شجر معين.
وإذا كان في البستان شجر من أجناس كتين وزيتون وكرم فَشَرطَ ربُّ البستان للعامل من كل جنس من الشجر قدرًا معلومًا كنصف ثمر التين وثلث ثمر الزيتون وربع ثمر الكرم صح، أو كان البستان أنواعًا من كل جنس فشرط من كل نوع قدرًا معلومًا كنصف البرني وثلث الصيحان وربع الإبراهيمي، وربُّ البستان والعامل يعرفان قدر كل نوع صحَّ العقدُ على ما شرطاه؛ لأن ذلك بمنزلة ثلاثة بساتين ساقاه على كل بستان بقدر مخالف للقدر المشروط من الآخر، ولو ساقاه على بستان واحد نصفه هذا بالثلث ونصفه بالربع، وهما متميزان صح؛ لأنهما كبستانين، وإن كان البستان لاثنين فَساقيا عاملًا واحدًا على أن له نصف نصيب أحدهما وثلث نصيب الآخر والعامل عالم ما لكل واحد منهما من البستان صح العقد؛ لأنه بمنزلة بُستانين ساقاه كل واحد منهما على واحد بجزء مخالف للآخر، وكذا إن جهل العامل ما لكل منهما من البستانين إذا شرطا قدرًا واحدًا، كأن يقولا: اعمل في هذا البستان في الثلث؛ لأن له ثلث نصيب كل منهما بالغًا ما بلغ، كما لو قالا: بعناك دارنا هذه بألف ولم يعلم المشتري نصيب كل واحد منهما؛ فإنه يصح؛ لأنه اشترى الدار كلها منهما وهما يقتسمان الثمن على قدر ملكيهما، ولو ساقى واحد على بستان له اثنين ولو مع عدم التساوي بينهما في النصيب بأن جعل لأحدهما السدس وللثاني الثلث صح، أو ساقا واحدًا على بستانه ثلاث سنين على أن له في السنة الأولى النصف، وفي السنة الثانية الثلث، وفي السنة الثالثة الربع صح؛ لأن قدر الذي له في كل سنة معلوم، فصح كما لو شرط له من كل نوع قدرًا.
47- حكم المساقاة والمزارعة وما حول ذلك من المسائل س47: ما حكم المساقاة والمزارعة؟ وما الذي يبطلان به؟ وهل يفتقران إلى قبول أو ضرب مدة؟ وما الحكم فيما إذا فسخت؟ وإذا مات العامل في المساقاة أو المناصبة، فما الحكم؟ واذكر ما يترتب على ذلك، وإذا باع العامل نصيبه، واذكر مشابههُ، وما يترتب على ذلك، وإذا فسخ رب المال أو وقتت أو ساقاه إلى مدة تكمل فيها الثمرة غالبًا فلم تحمل الثمرة أو ظهر الشجر مستحقًا بعد العمل فما الحكم؟ وما الذي يترتب على ذلك؟ وهل يلزم الغاصب شيء؟ وعلى من يستقر الضمان؟ وما الذي يترتب على ذلك؟ وإذا اقتسمها الغاصب والعامل، فما الحكم؟ وما الذي يترتب على ذلك؟ وما الدليل على ذلك؟ وما الذي يترجح من الأقوال؟
ج: المساقاة والمزارعة عقدان جائزان من الطرفين؛ لما روى مسلم عن ابن عمر في قصة خيبر، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «نقركم على ذلك ما شئنا» ولو كان لازمًا لم يجز بغير توقيت مدة ولا أن يجعل الخيرة إليه في مدة إقرارهم؛ ولأنها عقد على جزء المال فكانت جائزة كالمضاربة، وهذا القول من المفردات.
قال ناظمها: عقد المُسَاقِي وكذا المزرعي جوازُه ففي الأصحِ قَد رُعى
وقال أكثر الفقهاء: هو عقد لازم؛ لأنه عقد معاوضة فكان لازمًا كالإجارة؛ ولأنه لو كان جائزًا جاز لرب المال فسخه إذا أدركت الثمرة فيسقط حق العامل فيستضر، وللأمر بالوفاء والعهود وليست من عقود التبرعات أو من عقود الوكالات حتى يسمح لأحدهما في فسخها، واختار هذا القول الشيخ تقي الدين أي أنها عقد لازم، وهو قول مالك، وهذا القول الشيخ تقي الدين، أي أنها عقد لازم وهو قول مالك، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس. والله أعلم.
وعلى القول الأول يبطلان بما تبطل به الوكالة من موت وجنون وحجر لسفهٍ وعزل ولا يفتقران إلى ضرب مدة يحصل الكمال فيها؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- لم يضرب لأهل خيبر مدة ولا خلفاؤه من بعده، ولكل فسخا أي المساقاة والمزارعة؛ لأنه شأن العقود الجائزة؛ فإن فسخت المساقاة بعد ظهور الثمرة فالثمرة بين المالك والعامل على ما شرطاه عند العقد؛ لأنها حدثت على ملكهما وكالمضاربة ويملك العامل حصته من الثمرة بظهورها كالمالك والمضارب، ويلزم العامل تمام العمل في المساقاة كما يلزم المضارب بيع العروض إذا فسخت المضاربة.
قال المنقح: فيؤخذ منه دوام العمل على العامل في المناصبة، ولو فسخت المناصبة إلى أن تبيد الشجر التي عقدت عليها المناصبة، والواقع كذلك؛ فإن مات العامل في المساقاة أو المناصبة قام وارثه مقامه في الملك والعمل؛ لأنه حق ثبت للمورث وعليه فكان لوارثه؛ فإن أبى الوارث أن يأخذ ويعمل لم يجبر ويستأجر الحاكم من التركة من يعمل؛ فإن لم تكن تركة أو تعذر الاستئجار منها بيع من نصيب العامل ما يحتاج إليه لتكميل العَمل واسُتؤجر من يعمله ذكره في «المغني»، وإن باع العامل نصيبه لمن يقوم مقامه أو باعه وارثه لمن يقوم مقامه بالعمل جاز؛ لأنه ملكه وإن تعلق به نصيب حق المالك من حيث العمل لم يمنع صحة البيع؛ لأنه لا يفوت عليه؛ لكن إن كان المبيع ثمرًا لم يصح إلا بعد بدو الصلاح أو لمالك الأصل وإن كان المبيع نصيب المناصب من الشجر صح مطلقًا، وصح شرط العمل من البائع على المشتري كالمكاتب إذا بيع على كتابته، وللمشتري الملك وعليه العمل؛ لأنه يقوم مقام البائع فيما له وعليه؛ فإن لم يعلم المشتري بما لزم البائع من العمل فله الخيار بين الفسخ وأخذ الثمن وبين الإمساك وأخذ الأرش كمن اشترى مكاتبًا لم يعلم أنه مكاتب، وإن فسخ العامل أو هرب قبل ظهور الثمرة فلا شيء له؛ لأنه قد رضي بإسقاط حقه فصار كعامل المضاربة إذا فسخ قبل ظهور الربح وعامل الجعالة إذا فسخ قبل تمام عمله، وإن فسخ المالك المساقاة قبل ظهور الثمرة وبعد شروع العامل بالعمل فعليه للعامل أجرة عمله، بخلاف المضاربة؛ لأن الربح لا يتولد من المال بنفسه، وإنما يتولد من العمل ولم يحصل بعمله ربح والثمر متولد من عين الشجر، وقد عمل على الشجر عملًا مؤثرًا في الثمر، فكان لعمله تأثير في حصول الثمر وظهوره بعد الفسخ، ذكره ابن رجب في «القواعد».
ويصح توقيت المساقاة؛ لأنه لا ضرر في توقيت المدة وإن ساقاه إلى مدة تكمل فيها الثمرة غالبًا، فلم تحمل تلك السنة فلا شيء للعامل؛ لأنه دخل على ذلك وكالمضاربة وإن ظهر الشجر مستحقًا بعد العمل أخذ الشجر ربه وأخذ ثمرته؛ لأنه عين ماله ولا حق للعامل في ثمرته ولا أجرة له على رب الشجر؛ لأنه لم يأذن له في العمل، وللعامل على الغاصب أجرة مثله؛ لأنه غره واستعمله كما لو غصب نقرة واستأجر من ضربها دراهم، وإن شمس العامل الثمرة فلم تنقص قيمتها بذلك أخذها المغصوب منه، وإن نقصت الثمرة بذلك فله أخذها وأرش نقصها، ويرجع به على من شاء منهما من العامل أو الغاصب ويستقر الضمان على الغاصب؛ لأنه سبب يد العامل وإن استحقت الثمرة بعد أن اقتسمها الغاصب والعامل وأكلاها، فللمالك تضمين من شاء منهما؛ فإن ضمن الغاصب فله تضمينه الكل وله تضمينه قدر نصيبه؛ لأن الغاصب سبب إزالة يد العامل فلزم ضمان الجميع وله تضمين العامل قدر نصيبه لتلفه تحت يده؛ فإن ضمن المالك الغاصب الكل رجع على العامل قدر نصيبه لتلفه تحت يده؛ فإن ضمن المالك الغاصب الكل رجع على العامل بقدر نصيبه؛ لأن التلف وجد في يده فاستقر الضمان عليه ويرجع العامل على الغاصب بأجرة مثله؛ لأنه غره وإن ضمن العامل احتمل أن لا يضمنه إلا نصيبه خاصة؛ لأنه ما قبض الثمرة كلها، بل كان مراعيًا لها وحافظًا، ويحتمل أن يضمنه الكل؛ لأن يده مشاهدة بغير حق؛ فإن ضمنه الكل رجع على الغاصب ببدل نصيبه منها وأجر مثله وإن يضمن كل ما صار إليه رجع العامل على الغاصب بأجرة مثله لا غيره، وإن تلفت الثمرة في شجرها أو بعد الجذاذ قبل قسمة، فمن جعل للعامل قابضًا لها بثبوت يده على حائطها قال: يلزمه ضمانها، ومن قال: لا يكون قابضًا إلا بأخذ نصيبه منها، قال: لا يلزمه الضمان ويكون على الغاصب ذكره في «المغني» و«شرح المنتهى». اهـ. من «الإقناع وشرحه» باختصار وتصرف.
48- ما يلزم العامل في المساقاة والمزارعة وما الذي يلزم رب الأصل فعله وذكر بعض الشروط المشترطة في ذلك س48: ما الذي يلزم العامل في المساقاة والمزارعة؟ وما الذي يلزم رب الأصل فعله؟ وما حكم شرط الجذاذ على العامل؟ وإذا شرط في المضاربة والمساقاة والمزارعة عمل مالك أو عمل غلامه معه أو شرط العامل إن أجر الأجير الذي يستعين به يؤخذ من المال، وما الذي تتبع به الكلف السلطانية؟ وما الذي قاله الشيخ تقي الدين حول هذا الموضوع؟ وعلى من يكون الخراج في الأرض الخراجية؟ وهل يقبل قول العامل في عدم التعدي أو في الرد؟ وماذا يعمل معه إذا خان في العمل؟ وإذا اختلفا فيما شرط لعامل أو في مبطل أو اتهم رب المال العامل فما الحكم؟ واذكر الدليل والتعليل والترجيح.
ج: على عامل في المساقاة والمغارسة والمزارعة عند إطلاق العقد كل ما فيه نمو أو صلاح الثمر وزَرْعٍ من سقي بماء حاصل لا يحتاج إلى حفر بئر ولا إدارة دولاب وإصلاح طرق الماء بتنقية مجراه من طين وغيره وإصلاح محله بتسوية ما ارتفع من الأرض مع ما انخفض منها لتشرب العروق وتستوفي حظها من الماء وتشميسُ ما يحتاج إلى تشميس وإصلاح موضع الشمس وحرث وآلته وبقره وزبار وهو تخفيف الكرم من الأغصان الرّديئة وبعض الجيدة بقطعها بمنجل ونحوه، وتلقيح وهو جعل طلع الفحال في طلع التمر وقطع حشيش مضر بشجر أو زرع وقطع شوك وشجر يبس وآلة قطع كفأس ومنجل وتفريق زبل وتفريق سباخ، وهو ما يجمع من الأزقة من رماد وغيره ونقل ثمر ونقل زرع لبيدر ومصطاح وحصاد ودياس ولقاط لنحو قثاء وباذنجان وتصفية زرع وتجفيف ثمرة وحفظها على الشجر وحفظ زرع في الجرين إلى قسمة وإصلاح حفر أصول نخل وتُسمى الأجاجين يجمع بها الماء ويثبت على الأصول فتروى وتنمو؛ لأن ذلك كله فيه صلاح الزرع والثمر وزيادتهما فهو لازم للعامل بإطلاق العقد، ويجب على رب أصل فعل ما يحفظ الأصل كسد حائط وتحصيل سياج وهو الشوك يجعل على الجدار ليحفظ من الدخول وإجراء نهر وحفر بئر والجذاذ على العامل؛ لأنه كنقل الثمرة إلى الجرين فكان على العامل كالتشميس والحفظ ونحوه، وقيل: عليهما بقدر حصتيهما، والذي يترجح عندي القول الأول؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- دفع إلى يهود على أن يعملوها من أموالهم، وهذا من العمل مما لا تستغني عنه الثمرة أشبه التشميس. والله أعلم.
قال ناظم المفردات: وعِنْدنَا العَامِلُ والمُسَاقِي عَلَيْهما الجَذَاذُ في الإطلَاقِ والشيخُ لِلْعَامِلِ بَلْ يَخْتَصُّ كالحَصْدِ والأولُ فيه النَّصُ والله أعلم.
وإن شرط في المضاربة والمساقاة والمزارعة عمل مالك أو عمل غلامه مع العامل بأن شرط أن يعينه في العمل، صح كشرطه عليه عمل بهيمة؛ لأنه هناك شرط مجرد المعونة فلم تؤثر في العقد ويتبع في الكلف السلطانية، وهي التي يطلبها السلطان العُرْف فما عرف أخذه من رب المال، وهو المالك فيؤخذ منه أو عرف أخذه من عامل فهو عليه، ويؤخذ منه ما لم يكن شرط جرى بينهما فيتبع ويعمل بمقتضاه؛ لحديث: «المؤمنون على شروطهم» وما طلب من قرية مِن كلف سلطانية فَعَلى قدر الأموال؛ فإن وُضِعَ على الزرع فعلى ربه، أو وضِعَ على العقار فعلى ربه ما لم يشترط على مستأجر، وإن وضع مطلقًا فالعادة، قاله الشيخ تقي الدين.
وقال في المظالم المشتركة التي تطلب من الشركاء في قرية أو مدينة إذا طلب منهم شيء يؤخذ على أموالهم ورؤوسهم مثل الكلف السلطانية التي توضع عليهم كلهم؛ أما على عدد رؤوسهم أو على عدد دوابهم أو عدد أشجارهم أو على قدر أموالهم، كما يؤخذ منهم أكثر من الزكاة الواجبة في الشرع أو أكثر من الخراج الواجب بالشرع أو تؤخذ منهم الكلف التي تؤخذ في غير الأجناس الشرعية كما وضع على المتبايعين للطعام والثياب والدواب والفاكهة وغير ذلك، وإن كان قد قيل إن ذلك وضع بتأويل وجوب الجهاد عليهم بأموالهم واحتياج الجهاد إلى تلك الأوال كما ذكره صاحب «غياث الأمم» وغيره مع ما دخل في ذلك من الظلم الذي لا مساغ له عند العلماء، ومثل ما يجمع لبعض العوارض لقدوم السلطان وحدوث ولد له ونحوه؛ وأما أن ترمي عليهم سلع تباع منهم بأكثر من أثمانها، وتسمى الحطائط، ومثل القوافل فيطلب منهم على عدد رؤوسهم أو دوابهم أو قدر أموالهم أو يطلب منهم كلهم، فهؤلاء المكرهون على أداء هذه الأموال عليهم لزوم العدل على ما يطلب منهم، وليس لبعضهم أن يظلم بعضًا فيما يطلب منهم، بل عليهم التزام العدل فيم أخذ منهم بغير حق كما عليهم التزام العدل فيما يؤخذ منهم بحق؛ فإن هذه الكُلف التي تؤخذ منهم بسبب نفوسهم وأموالهم هي بمنزلة غيرها بالنسبة إليهم، وإنما يختلف حالهما بالنسبة إلى الآخذ، فقد يكون آخذًا بحق وقد يكون آخذًا بباطل؛ وأما المطالبون فهذه كلف تؤخذ منهم بسبب نفوسهم وأموالهم فليس لبعضهم أن يظلم بعضًا في ذلك، بل العدل واجب لكل أحد على كل أحد في كل الأحوال والظلم لا يباح منه بحال وحينئذ فهؤلاء المشتركون ليس لبعضهم أن يفعل ما به ظلم غيره، بل إما أن يؤدي قسطه فيكون عادلًا؛ وإما أن يؤدي زائدًا على قسطه فيعين شركاءه فيما أخذه منهم فيكون محسنًا، وليس له أن يمتنع عن أداء قسطه من ذلك المال امتناعًا يؤخذ به قسطه من سائر الشركاء فيتضاعف الظلم عليهم؛ فإن المال إذا كان يؤخذ لا محالة وامتنع بجاه أو رشوة أو غيرهما كان قد ظلمَ من يؤخذ منه القسط الذي يخصه، وليس هذا بمنزلة أن يدفع عن نفسه الظلم من غير ظلم لغيره؛ فإن هذا جائز مثل أن يمتنع عن أداء ما يخصه، فلا يؤخذ ذلك منه ولا من غيره، وحينئذ فيكون الأداء واجبًا على جميع الشركاء كل يؤدي قسطه الذي ينوبه إذا قسم المطلوب بينهم بالعدل، ومن أدى غَيْرُهُ قِسْطَهُ بغير إكراه كان له أن يرجع إليه، وكان محسنًا إليه في الأداء عنه فيلزمه أن يعطيه ما أداه عنه، كما في المقرض المحسن، ومن غاب ولم يؤد حتى أدى عنه الحاضرون لزم قدر ما أدوه عنه ومن قبض ذلك من ذلك المؤدى عنه وأداه إلى هذا المؤدي جاز له أخذه سواء كان الملزِم له بالأداء هو الظالم الأول أو غيره؛ ولهذا له أن يدعي بما أداه عنه كما يحكم عليه بأداء بدل القرض ولا شبهة على الآخذ في أخذ بدل ماله، والخراج في الأرض الخراجية على رب ماله لا على عامل؛ لأنه على رقبة الأرض أثمرت الشجر أو لم تثمر؛ ولأنه أجرة الأرض فكان على مَن هي ملكه ولا يجب الخراجُ في الأرض الخراجية على عامل؛ لأنه لا ملك له فيها، كما لو زارع آخر على أرضٍ مستأجرةٍ، فالأجرة عليه دون العامل؛ لأن منافعها صارت مستحقة له فملك المزارعة فيها كذلك، وحكم موقوف عليه كمالك في مساقاة ومزارعة، وكذا ينبغي في ناظر الوقف إذا رآه مصلحة وحكم عامل في مساقاة ومزارعة كمضارب فيما يقبل قوله فيه أو يرد قوله فيه فيقبل قوله أنه لم يتعد ونحوه؛ لأن رب المال إئتمنه دون الرد للثمرة والزرع؛ لأنه قبض العين لحظ نفسه، وكذا إذا اختلفا في قدر ما شرط لعامل من ثمرة أو زرع، وفي مبطل لعقدها كجزء مجهول أو دراهم ونحوها.
وفي جزء مشروط من ثمر أو زرع إذا اختلفا لمن هو؟ فإن خان عامل في مساقاة أو مزارعة فمشرف يمنعه الخيانة إن ثبت بإقرار أو بينة أو نكول فيضم إليه من يمنعه حفظًا للمال وتحصيلًا للغرضين؛ فإن تعذر منعه من الخيانة بأن لم يكن المشرف والعامل مكانه من الخائن لقيامه عنه بما عليه من العمل، كما لو عجز العامل عن عمل لضعفه مع أمانته فيضم إليه قوي أمين، ولا تنزع يده؛ لأن العمل مستحق عليه ولا ضرر في بقاء يد.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 5:58 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الخامس الإثنين 07 ديسمبر 2015, 4:29 pm | |
| 49- مسائل حول ما يشترطه العامل على رب المال أو بالعكس وبحوث حول ذلك س49: تكلم بوضوح عن أحكام ما يلي: الحصاد والجذاذ ليلًا، ممن يكون البذر؟ إذا شرط لعامل نصف هذا النوع مثلًا أو الجنس وربع النوع أو الجنس الآخر، إذا شرط إن سقى سيحًا فله الربع وإن سقى بكلفة فله النصف، وإن زرعها شعيرًا فله الربع، وإن زرعها حنطة فله النصف، أو قال: لك الخمسان إن لزمتك خسارة وإلا فلك الربع، أو أن يأخذ رب الأرض مثل بذره، أو ساقيتك هذا البستان بالنصف على أن أساقيك الآخر بالربع، أو شرطا لأحدهما قفزانًا من الثمر أو دراهم معلومة أو زرع ناحية معينة، وإذا فسدت المساقاة أو المزارعة، فما الحكم؟ مَن زارع شريكه في أرض في نصيبه منها بجزء زائد عن حصته، من زارع أو آجر شخصًا أرضًا وساقاه على شجر بها، فسخ الإجارة لتبعيض الصفقة، واذكر ما حول ذلك من مسائل وأدلة وتعاليل وتفاصيل ومحترزات وترجيح وخلاف.
ج: يكره الحصاد والجذاذ ليلًا إلا لحاجة خشية ضرر؛ لأنه ربما أصابه أذى من حية ونحوها؛ وأما كون البذر من رب الأرض، فقيل: يشترط؛ لأنه عقد يشترط للعامل ورب المال في نمائه فوجب كون رأس المال كله من عند أحدهما كالمساقاة والمضاربة، وقيل: لا يشترط كون البذر من رب الأرض، اختاره الموفق والمجد والشارح وابن رزين وأبو محمد يوسف الجوزي، والشيخ ابن القيم، وصاحب «الفائق» و«الحاوي الصغير»، وعليه عمل الناس؛ لأن الأصل المعول عيه قضية خيبر في المزارعة ولم يذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن البذر على المسلمين، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس. والله أعلم.
وإذا شرك رب المال لعامل نصف هذا النوع أو الجنس من ثمر أو زر وربع النوع أو الجنس الآخر وجهل قدر النوعين بأن جهلاهما أو جهل أحدهما لم يصح؛ لأن قد يكون أكثر ما في البستان من النوع المشروط فيه الربع وأقله من الآخر، وقد يكون بالعكس، وإن شرط إن سقَى سَيْحًا فله الربع، وإن سقى بكُلفة فله النصف، أو إن زرعها شعيرًا فله الربع، وإن زرعها حنطة فله النصف، فقيل: لم يصح لجهالة العمل والنصيب، وقيل: يصح، وهذا القول هو الذي تميل إليه النفس. والله أعلم.
وإن قال: ما زرعتها من شيء فلي نصفه، صح؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ساقى أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من زرع أو ثمر أو جعل له في المزارعة ثل الحنطة ونصف الشعير وثلثي الباقلا، وبيَّنا قدر ما يزرع من كل واحد من هذه الأنواع؛ إما بتقدير البذر أو تقدير المكان وتعيينه مثل أن يقول نزرع هذا المكان قمحًا وهذا شعيرًا أو تزرع مدين حنطة ومدى شعير جاز؛ لأن كل واحد من هذه طريق إلى العلم، فاكتفى به، وإذا قال: لك الخمسان إن لزمتك خسارة وإلا فالربع، لم يصح نصًا، وقال: هذا شرطان في شرط، وكرهه، والذي أرى أنه مثل ما إذا قال: إن سقى سيحًا فله كذا، أو إن سقى بكلفة فله كذا، وتقدمت قبل سبعة أسطر. والله أعلم.
وإن شرط أن يأخذ رب الأرض مثل بذره مما يحصل ويقتسما الباقي، فقيل: لم يصح، وقال في «الفروع»: ويتوجه تخريج من المضاربة. قلت: والذي يترجح عندي جوازه. والله أعلم.
وجوز الشيخ تقي الدين أخذ البذر أو بعضه بطريق القرض، وقال: يلزم من اعتبر البذر من رب الأرض وإلا فقوله فاسد، وقال أيضًا: تجوز كالمضاربة وكاقتسامهما ما يبقى بعد الكلف، وإن قال رب بستانين فأكثر: ساقيتك هذا البستان بالنصف على أن أساقيك البستان الآخر بالربع فسدت المساقاة والمزارعة؛ لأنه شرط عقدًا في عقدين فهو في معنى بيعتين في بيع المنهي عنه كما لو شرط رب المال والعامل لأحدهما قزفانًا من الثمر والزرع أو دراهم معلومة؛ لأنه قد لا يخرج ما يساوي تلك الدراهم أو شرط لأحدهما زرع ناحية معينة من الأرض أو شرط لأحدهما ثمرة شجر معينة غير الشجر المساقي عليه؛ أما في الأولى فلأنه قد لا يزيد ما يخرج ما يزيد على القفزان المشروطة، وفي الثانية قد لا يتحصل في الناحية المسماة أو الأخرى بشيء أو شرط لأحدهما ثمرة سنة غير السنة المساقي عليها؛ لأنه كله يخالف موضوع المساقاة، وكذا لو شرط لأحدهما ما على السواقي أو الجداول منفردًا أو مع نصيبه، وحيث فسدت المزارعة والمساقاة فالزرع في المزارعة لرب البذر أو الثمر إذا فسدت المساقاة لرب الشجر؛ لأنه ماله ينقلب من حال إلى حال، وينمو كالبيضة تُحْضن فتصير فرخًا، وعلى رب البذر والشجر أجرة مثل عامل؛ لأنه بذل منافعه بعوض لم يلم له فرجع إلى بدله وهو أجرة المثل، وإن كان رب البذر عاملًا فعليه أجرة مثل الأرض التي فيها نصيب العامل وأجرة العمل بقدر عمله في نصيب صاحب الأرض، ومن زارع أو آجر شخصًا أرضًا وساقاه على شجر صح؛ لأنهما عقدان يجوز إفراد كل منهما فجاز الجمع بينهما كجمع بين إجارة وبيع في عقد واحد فيصح، سواء قل بياض الأرض أو كثر، فلو جعل رب الشجر للعامل جزء من مائة، جزء لنفسه والباقي للعامل جاز؛ لأن الحق لا يعدوهما ما لم يكن حيلة على بيع الثمرة قبل وجودها أو قبل بدء صلاحها؛ فإن كان حيلة كأن يؤجر الأرض بأكثر من أجرتها ويساقيه على الشرج بجزء من مائة جزء فيحرم ذلك، ولا يصح عقد الإجارة والمساقاة. قال المنقح: قياس المذهب بطلان عقد الحيلة مطلقًا سواء جمع بين عقد الإجارة والمساقاة أو عقد واحدًا بعد آخر؛ فإن قطع بعض الشجر المثمر والحالة هذه فإنه ينقص من العوض المستحق بقدر ما ذهب من الشجر سواء، قيل: بصحة العقد أو فساده وسواء قطعه المالك أو غيره، قاله الشيخ تقي الدين. قال البهوتي: قلت: مقتضى القواعد أنه لا يسقط من أجرة الأرض شيء إذا قلنا بصحتها؛ لأن الأرض هي المعقود عليها ولم يفت منها شيء؛ وأما إذا فسدت فعليه أجرة مثل الأرض، ويرد الثمرة وما أخذه من ثمر الشجر وله أجرة مثل عمله فيها وما أخذه مستأجر من ثمر الشجر المساقي عليه أو تلف الثمر تحت يده، فمن ضمان المستأجر لفساد العقد وله أجرة مثل عمله.
ويباح لكل إنسان إلتقاط ما تركه حَصَّاد رغبةً عنه مِن سُنبلٍ وحب وغيرهما لجريان ذلك مجرى نبذِه على سبيل الترك ويحرم منعه على غير مالك يريده؛ أما إذا أراده المالك فله منع ملتقطه؛ لأنه ملكه وقد بدا له العود إليه بعد إعراضه عنه فكان له ذلك، وإذا غصب زرع إنسان وحصده الغاصب أبيح للفقراء السُنبل المتساقط كما لو حصده المالك، وكما يُباح رعي كلأ الأرض المغصوبة واستشكل بدخول الأرض المغصوبة، ومن سَقط حبه منه وقت حصادٍ فنبت بعام قابل فلرب الأرض مالكًا كان رب الأرض أو مستأجرًا أو مستعيرًا؛ لأن رب الحب أسقط حقه بحكم العرف وزال ملكه عنه؛ لأن العادة ترك ذلك لمن يأخذه، ومن باع قصيلًا فحصد وبقي يسير فصار سنبلًا، فهو لرب الأرض، ولا يجوز أن يدخل إنسان مزرعة أحد إلا بإذنه لغير كلأ ولا شوك، والمراد ولا ضرر بدخول مريدهما ولم تحوط الأرض، إما إذا كانت محوطة أو كان يتضرر المالك بالدخول إلى أرضه لعِزَّةِ وجُود الكلأ والشوك ودعاء الحاجة إليه، فلا يجوز؛ لأنه نبت في ملكه وهو أحق به من غيره.
من النظم فيما يتعلق بالمساقاة وفي النخل والأشجار والكرم جائز مساقاتها مع عامل متعهدِ إذا كان ذا ثمر ويؤكل عادة كذا مبتغ الأوراق والزهر فاعدد وألغ أبو يعلى معاملة هنا وذوو الأرض مع غرس كذا الشفعة اعدد وإن رضيا البقيا بأجر فجائز وإن شاء رب الغرس قلعًا ليسعد وإن يشترط جُزأ من الغرس لم يجز وقيل بلى كالزرع في أرضه اهتدى وإن يشترط جزأ من الأرض لم يجز بغير خلاف عند كل مسدد ولغو مساقاة على ثمر بدا ولم يبد فيه من صلاح بأوكد وإن يتساوى ملك عمال غرسهم متى فاضلوا في الأجر وجهين أسند وصحح على أرض مزارعة الفتى ومن ربها أشرط بذرها في الموطد وعن أحمد ما دل إن ليس لازمًا وذا اختاره الشيخ الموفق قلد ومن عامل أو منهما أو سواهما بأرضهما في الكل قولين أسند ويخرج هذا الخلف في بذر ثالث وفي اثنين يعطي واحد بذره قد وإن كان من عمرو عوامل حرثه ومن عامل باقي الأمور فجود وإن لم يكن من واحد غير مائة فقولان في هذا بغير تردد وذوو الأصل ألزمه بما فيه حفظه كإجراء نهر أو كسد مهدد وما منه ينمي الريع الزمه عاملًا كسقي وإصلاح المسيل وموهد وحرث وآلات له وعوامل وقطع مضر النبت والحصد باليد وزبر وتلقيح وإصلاح بيدر ودوس وتشميس وذرى معود وأن يحفظ الغلات حتى انقسامها وأن يستقي الماء مطلقًا لم يقيد وقيل وألزمه الجذاذ وقيل المدير لدولاب الحراث فجود وقيل على العمال كل مكرر ويلزم أهل المال كلُ مُؤَيِّدُ فصل في حكم المساقاة وعقد المساقي والمزارع جائز قبيل ظهور أو بعد ذلك فاهتد وفسخ عمول قيل يسقط حقه ومن مالك خذ أجرة منه وأرقد وقد قيل كل لازم العقد فاشرطن لها مدة فِيهَا صلاح المرصد فإن كان لم تكمل بها فسدت وإن لعاملها أجر نعم في المجودِ وإن كان في المشروط عرف كمالها فيعمل فلم تحمل فيحرم ويُبعد وإن تتردد في الكمال فأفسدت في الأقوى وأجر العامل ابذل بأجودِ وللوارث التتميم إن مات عامل فإن يأب فاستأجر من الإرث وأزيد وبالقرض فاستعمل له أو مؤجل إن أمكن لفقد المال أو بعه وزوّد على عمل في الذمة إن قلت لازمًا وأما على عين فبالموت أفسد وللمالكين الأخذ عند تعذر فبعد الظهور اقسم على الشرط تقصد ويلزم عمالًا وثمة فعله إلى قسمها أو من تُراث ملحدِ وإن فسخوا قبل الظهور فاجرة بوجه لعُمَّالٍ كذا في المُعَرَّدِ ويأخذ رب المال أجرته متى يباشر بإذن الحاكم المتقلدِ فإن يتعذر إذنه فبشهد ومن دون إذن يمكن أرجع بمبعد كذا الحكم إن يفسد بحجر أو السفيه أو ذهاب نُهىً من عاقد منهما اشهد وإن قلت إن يزرع كذا أو سقى كذا فنصف والأربع أبطل بأجود وإن قلت ما تزرع من البر نصفه لنا ومن الأرز ربع ففسد كذا قوله ساقيت هذا بنصفه على أن يساقي ذاك بالربع فازدد ومن صح منه الفعل في ماله أجز من المرء كلا منهما لا تردد تعاملت أو لفظًا شقاق كليهما وشبه في آجرت وجهين أورد بمعلوم جزء من غلال بنسبة وتعيينك المعمول فيه فقيدِ ومن يشترط ممن يعامل آصعًا نهى وكذا من يشترط فقد معدد ومَن زارع الشخص الشريك بزائد على حظه في الريع جوّز بأجور وبالنقد أو عرض أجز أجر أرضه ومعلوم قفزان سوى زرعها طد
50- باب الإجارة س50: تكلم بوضوح عن الإجارة مبينًا ما هي؟ وما سندها؟ مع ذكر شيء من محاسنها، وما هي أقسامها؟ وما الذي يستثنى من ذلك، وهل هي على وفق القياس؟ ومن الذي تصح منه؟ وما الألفاظ التي تنعقد فيها؟ وما هي أركانها؟ وما هي شروطها؟ ومتى وقت الخدمة؟ وما حكم ماء البئر؟ وهل للمستأجر أن يأذن لمن شاء في الدخول فيها؟ وما الذي يمنع من إحداثه فيها؟ وهل يذكر المكان والزمان في الإجارة؟ وإذا كان المحمول كتابًا فما الحكم؟ وهل للإنسان أن يستأجر الحرة أو الأمة، وما حكم النظر إليها والخلو بها؟ واذكر ما يحتاج إلى ذكره من تقاسيم ومحترزات وقيود وأدلة وتعليلات وخلاف وترجيح.
ج: الإجارة: مُشتقة من الأجر، وهو العوض، ومنه سمي الثواب أجرًا؛ لأن الله تعالى يعوض العبد به على طاعته أو صبره عن معصيته.
والأصل في جوازها الكتاب والسُّنة والإجماع؛ أما الكتاب: فقوله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} ووجه الدلالة منه أنَّ آتوهن أجورهن أمر، والأمر للوجوب، والإرضاع بلا عقد تبرع لا يوجب أجرة وإنما يوجبها القد فتعين الحمل عليه، أي آتوهن أجورهن إذا أرضعن لكم بعقد، وقال تعالى: {وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى}، وقال تعالى: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيُّ الأَمِينُ * قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ} وروى ابن ماجه في «سننه» عن عتبة بن المنذر، قال: كنا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقرأ (طسم) حتى إذا بلغ قصة موسى قال: «إن موسى -عليه السلام- آجر نفسه ثماني حجج أو عشرًا على عفة فرجه وطعام بطنه».
وقال تعالى: {فَوَجَدَا فِيهَا جِداَراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً } .
وأما السُّنة: فعن عائشة في حديث الهجرة، قالت: «واستأجر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر رجلًا من بني الدَّيل هاديًا خريتًا، والخريتُ: الماهر بالهداية، وهو على دين كفار قريش، وأمناه فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث، فأتاهما براحلتيهما صبيحة ليال ثلاث، فارتحلا» رواه البخاري وأحمد، وعن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما بعث الله نبيًا إلا رعى الغنم»، فقال أصحابه: وأنت. قال: «نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة» رواه أحمد والبخاري، وعن سويد بن قيس قال: جلبت أنا ومخرمة العبدي بزًّا من هجر، فأتينا به مكة، فجاءنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمشي فساوَمنا سراويل فبعناه، وثم رجل يزن بالأجر، فقال له: «زمن وأرجح» رواه الخمسة، وصححه الترمذي.
وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: «كنت أرحل للنبي صلى الله عليه وسلم رواحله، فقيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- :إن فلانًا أحسن من عبد الله لرجل من الطائف، فجعله النبي -صلى الله عليه وسلم- يرحل له مكاني بأجرة...» الحديث.
وعن أبي هريرة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: قال الله عز وجل: «ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يوفه أجره»، وعن علي قال: «عملت كل ذنوب على تمرة، وأخبرت النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأكل معي منها» رواه أحمد.
وله عن أبي سعيد: «نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن استئجار الأجير حتى يبين له أجره».
وعن أنس: «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- احتجم وأعطى الحجام أجره» رواه البخاري.
وعن ابن عباس في قصة اللديغ: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله» رواه البخاري، وفي الحديث الآخر: «أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه».
وأجمع أهل العلم في كل عصر وفي كل مصر على جواز الإجارة والعبرة أيضًا دالة عليها؛ فإن الحاجة إلى المنافع كالحاجة إلى الأعيان فلما جاز العقد على الأعيان وجب أن تجوز الإجارة على المنافع، ولا تخفى حاجة الناس إلى ذلك؛ فإنه ليس لكل أحد دار يملكها ولا يقدر كل مسافر على مركوب يملكه، ولا يلزم أصحاب الأملاك ولا يقدر كل مسافر على مركوب يملكه ولا يلزم أصحاب الأملاك إسكانهم وحملهم تطوعًا، وكذلك أصحاب الصنائع يعملون بأجرة ولا يمكن كل أحد عمل ذلك ولا يجد متطوعًا به، فلابد من الإجارة لذلك، بل ذلك مما جعله الله تعالى طريقًا إلى الرزق حتى إن أكثر المكاسب بالصنائع.
والإجارة شرعًا: عقد على منفعة مباحة معلومة، فخرج بقولنا مباحة المحرمة كالزنا والزمر وسائر المحرمات فلا يجوز، وخرج بقولنا معلومة المجهولة التي توجد شيئًا فشيئًا، مدة معلومة كيوم أو شهر أو سنة من عين معينة أو موصوفة في الذمة كسكنى هذه الدار سنة أو دابة صفتها كذا أو سيارة أو طيارة أو نحو ذلك، للحمل أو للركوب سنة مثلًا أو شهرًا أو على عمل معلوم كحمله إلى موضع كذا فتبين أن الإجارة قسمان: الأول: تقدم، وهو كون المدة معلومة، والثاني: كونها على عمل معلوم في الضربين، فالمعقود عليه المنفعة؛ لأنه التي تستوفي دون العين والعوض في مقابلتها، وإنما أضيف العقد للعين؛ لأنها محل المنفعة كما تضاف المساقاة للبستان والمعقود عليه الثمر، ولو قال: آجرتك منفعة داري جاز، والانتفاع من قبل المستأجر تابع لمنفعة المعقود عليه إذ المنفعة لا توجد عادة إلا عقبه، وتستحق الأجرة بالعقد على المنفعة وتسليم العين أو بذلها وإن لم ينتفع بها، ويستثنى من القسم الأول وهو كون المدة معلومة صورتان: إحداهما: تقدمت في الصلح، والأخرى: ما فتح عنوة ولم يقسم بين الغانمين فيما فعله عمر - رضي الله عنه - في أرض الخراج؛ فإنه وقف أرض ذلك على المسلمين، وأقرها في أيدي أربابها بالخراج الذي ضربه أجرة لها كل عام ولم يقدر مدتها لعموم المصلحة فيها.
وأركان الإجارة خمسة: المتعاقدان، والعوضان، والصيِّغة. وشروطها أربعة: الأول: أنها لا تصح الإجارة إلا من جائز التصرف؛ لأنها عقد معاوضة كالبيع، وتنعقد الإجارة بلفظ: آجرتك، وبلفظ: كراء كأكريتُك، واستأجرتُ، وأكتريتُ، وآجرتكها، وأكريتكها، وتنعقد بلفظ: أعطيتك نفع هذه الدار، أو ملكتُكَهُ سنة بكذا لحصول المقصود به، وكذا لو أضافه إلى العين: كأعطيتك هذه الدار سنة بكذا، وتنعقد بلفظ بيع إضافة إلى النفع نحو بعتك نفعها أو بعتك سكنى الدار ونحوه، أو أطلق؛ لأنها بيع فانعقدت به كالصرف؛ فإن أضيف إلى العين كبعتك داري شهرًا لم يصح، وقال الشيخ تقي الدين: التحقيق أن المتعاقدين إن عرَفا المقصودَ انعقدتْ بأي لفظٍ كان من الألفاظ التي عرف بها المتعاقدان مقصودهما، وهذا عام في جميع العقود؛ فإن الشارع لم يحدَ حدًا لألفاظ العقود، بل ذكرها مطلقة، وكذا قال ابن القيم رحمه الله في «أعلام الموقعين»، وصححه في «التصحيح» والنظم، وجزم به بمعناه في «الإقناع»، وهذا القول هو الذي تميل إليه النفس. والله أعلم.
ومن شروط الإجارة: وهو الشرط الثاني: معرفة المنفعة؛ لأنها هي المعقود عليها، فاشترط العلم بها كالبيع ومعرفتها إما بعرف، وهو ما يتعارفه الناس بينهم كسكنى دار شهرًا؛ لأن السكنى متعارفة بين الناس والتفاوت فيها يسير فلم يحتج إلى ضبطه وكخدمة الآدمي سنة؛ لأن الخدمة أيضًا معلومة بالعرف، فلم تحتج إلى ضبط كالسكنى فيخدمه في الزمن يقتضيه العرف فيخدم من طلوع الشمس إلى غروبها، وبالليل ما يكون من خدمة أوساط الناس، فإذا كان لهما عرف أغنى عن تعيين النفع، وعن تعيين صفته وينصرف الإطلاق إلى العرف لتبادره إلى الذهن، فإذا كان عرف الدار السكنى واكتراها فله السكنى، وله وضع متاعه فيها ويترك فيها من الطعام ما جرت عادة الساكن به، ويستحق ماء البئر تبعًا للدار في الأصح، وللمستأجر أن يأذن لأصحابه وأضيافه في الدخول بها والمبيت فيها؛ لأنه العادة، وقيل لأحمد: زوار عليه أن يخبر صاحب البيت بهم، قال: ربما كثروا أرى أن يخبر، وقال: إذا كان يجيئه الفرد ليس عليه أن يخبره وليس للساكن أن يعمل فيها حِدادة ولا قصارة؛ لأنه ليس العرف جار به، وأيضًا يضر بجدرانها ويخلخل سقوفها ولا يجعلها مخزونًا للطعام؛ لأنه يضر بها والعرف لا يقتضيه ولا أن يسكنها دابة لتأثر الجدران بالأندية والرطوبة. قال في «شرح الإقناع»: قلت: إن لم يكن قرينة كالدار الواسعة التي فيها اصطبل معد للدواب عملًا بالعرف ولا يدع المستأجر فيها رمادًا ولا ترابًا ولا زبالة ونحوها مما يضر بها؛ لحديث: «لا ضرر ولا ضرار»، وللمستأجر إسكان ضيف وزائر؛ لأنه ملك السكنى فله استيفاؤها بنفسه وبمن يقوم مقامه؛ وإما بالوصف كحمل زبرة حديدة وزنها كذا إلى موضع معين، فلابد من ذكر الوزن والمكان الذي يحمل إليه؛ لأن المنفعة إنما تعرف بذلك، وكذا كل محمول؛ فإن كان المحمول كتابًا فوجد المحمول إليه غائبًا فله الأجرة لذهابه ورده، وإن كان وجده فالمسمى فقط ويرده؛ لأنه أمانة بيده، قال في «شرح الإقناع»: ولعل الفرق في الموت ليس من فعل الميت بخلاف الغيبة فكان الباعث مفرط بعدم الاحتياط. اهـ.
قال أحمد: يجوز أن يستأجر الأجنبي الأمة والحرة للخدمة؛ لأنها منفعة مباحة؛ ولكن يصرف وجهه عن النظر للحرة، ليست الأمة مثل الحرة، فلا يباح النظر لشيء من الحرة بخلاف الأمة فينظر منها إلى الأعضاء الستة أو إلى ما عدا عورة الصلاة على ما يأتي في النكاح، والحاصل أن المستأجر لهما كالأجنبي، ولا يخلو المستأجر مع الحرة في بيت ولا مع الأمة؛ لما ورد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يخلوَنَّ أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم» متفق عليه.
وعن عقبة بن عامر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إياكم والدخول على النساء!» فقال رجل من الأنصار: أفرأيت الحمو؟ قال: «الحمو الموت» متفق عليه.
ولا ينظر إلى شعرها المتصل بها؛ لأنه عورة من الحرة.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 5:58 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الخامس الخميس 10 ديسمبر 2015, 9:30 pm | |
| 51- مسائل حول استئجار الأجير للبناء أو الأرض للزرع أو للغرس إلخ س51: تكلم بوضوح عن الإجارة على البناء، وبأي شيء يقدر البناء، ووضح ما لابد من ذكره، ومثل لما لا يتضح إلا بالتمثيل، إذا اتسأجر إنسان إنسانًا ليبني له بناء معلومًا فسقط، إذا استأجره لبناء أذرع معلومة فبنى بعضها ثم سقط، الاستئجار لتطيين الأرض ونحو ذلك، إجارة أرض معينة أو غرس أو بناء الاستئجار لضرب اللبن أو على عم لمعلوم، وما حول ذلك من المسائل التي تتعلق بذلك؟ إذا استأجر للركوب، واذكر الدليل والتعليل والخلاف والترجيح.
ج: تصح الإجارة لبناء دار ونحوها؛ لأنه نفع مباح ويقدر البناء بالزمن كيوم وشهر، وإن قدر بالعمل بأن استأجر لبناء حائط، فلابد من ذكر طول الحائط وعرضه وسمكه وهو تخانته وغلظه وهو في الحائط بمنزلة العمق في غير المنتصب، وآلة البناء من طين ولبن وآجر وجص وأسمنت وشيد؛ لأن معرفة المنفعة لا تحصل إلا بذلك والغرض يختلف فلم يكن بد من ذكره، وإذا استؤجر لحفر بئر عشرة أذرع طولًا وعشرة أذرع عرضًا وعشرة أذرع عمقًا فحفر الأجير خمسة طولًا في خمسة عرضًا في خمسة عمقًا واردت أن تعرف ما يستحقه من الأجرة المسماة له فاضرب عشرة في عشرة تبلغ مائة ثم اضرب المائة في عشرة تبلغ ألفًا فهي التي استؤجر لحفرها واضرب خمسة في خمسة بخمسة وعشرين، ثم اضربها في خمسة بمائة وخمسة وعشرين وذلك الذي حفره، وإذا نسبت ذلك إلى الألف وجدته ثمن الألف، فله ثمن الأجرة؛ لأنه وفي بثمن العمل إن وجب له شيء م الأجرة بأن ترك العمل لنحو صخرة منعته الحفر، وإن استأجره ليبني له بناء معلومًا كجدار موصوف بما تقدم أو ليبني له في زمن معلوم كيوم أو أسبوع فبناه الأجير ثم سقط البناء فقد وفي الأجير ما عليه واستحق الأجرة كاملة؛ لأن سقوطه ليس من فعله ولا تفريطه هذا إن لم يكن سقوطه من جهة العامل؛ فأما إن كان سقوطه من جهته بن فرط أو بناه محلولًا أو نحو ذلك فسقط عليه إعادته وغرامة ما تلف منه لتفريطه، وإن استأجره لبناء أذرع معلومة فبنى بعضها، ثم سقط على أي وجه كان فعليه إعادة ما سقط وعليه تمام ما وقعت عليه الإجارة من الأذرع مطلقًا؛ لأنه لم يوف بالعمل وعليه غرم ما تلف إن فرط، ويصح استئجار لتطيين الأرض والسطوح والحيطان، ويصح الاستئجار لتجصيصها وتمشيتها وتسميتها وترخيمها ونحو ذلك، وتصح إجارة أرض معينة برؤية لزرع كذا من بر أو قطن أو نحو ذلك، ولا يجوز إجارتها لزرع دخان وحشيش أو نحوهما من المحرمات، وتصح إجارة أرض معينة برؤية؛ لأن الأرض لا تنضبط بالصفة لزرع أو شعير أو نحوهما أو غرس معلوم أو بناء معلوم أو بناء معلوم كدار وصفها أو لزرع ما شاء أو لغرس ما شاء أو لبناء ما شاء أو لزرع ما شاء وغرس ما شاء وبناء ما شاء، كآجرتك لتزرع ما شئت أو آجرها لغرْسٍ، ويسكت أو لبناء وزرع ويسكت أو آجر الأرض، وأطلق فلم يعين هذه الصور للعلم المعقود عليه.
قال الشيخ تقي الدين: إن أطلق، أو قال: انتفع بها ما شئت فله زرع وغرس وبناء ويجوز الاستئجار لضرب اللبن والبلك على عدة كيوم وشهر أو على عمل معلوم؛ فإن قدره بالعمل احتاج إلى تعيين عدده، وإلى ذكر قالب وموضع الضرب؛ لأنه يختلف باعتبار التركيب والماء؛ فإن كان هناك قالب معروف لا يختلف جاز، كما لو كان المكيال معروفًا وإن قدره بالطول والعرض والسمك جاز لانتفاء الغرر، ولا يكتفي بمشاهدة قالب الضرب إذا لم يكن معروفًا؛ لأن فيه غررًا وقد يتلف كالسلم ولا يلزم الأجير إقامة اللبن ليجف؛ لأنه إنما استؤجر للضرب لا للإقامة ما لم يكن شرط أو عرف فيرجع إليه، وإن استأجر للركوب ذكر المستأجر المركوب فرسًا أو حمارًا أو بعيرًا أو بغلًا أو سيارة أو قطارًا أو طائرة، ويذكر جنسها لاختلاف الأجرة باختلافها.
وذكر ما يركب عليه من سرج وشداد ونحو ذلك؛ لأن ضرر المركوب يختلف باختلافه وذكر كيفية سيره من هملاج وغيره؛ لأنه يختلف باختلافه، ولا يشترط ذكر ذكورية المركوب وأنوثيته ونوعه، فلا يشترط في الفرس أن يقول حجر أو حصان ولا عربي أو برذون ونحوه؛ لأن التفاوت بين ذلك يسير ويشترط في إجارة لحمل ما يخشى عليه ضرر بكثرة الحركة أو يفوت غرض المستأجر باختلاف ما يحمل عليه إذا حمل كزجاج وأزيار وصين وخزَف ونحو ذلك معرفة حامله من آدمي أو بهيمة أو سيارة أو طائرة أو قطار أو سفينة أو مركب، ويشترط معرفة الحامل بنفسه أو على دابته أو سيارة لمحمول برؤية أو صفة إن كان زجاجًا أو خزفًا أو نحوه؛ لأنه فيه غرضًا، وذكر جنسه وقدره إن لم يكن خزفًا ونحوه بأن كان حديدًا أو قطنًا أو غيره.
52- مسائل حول استئجار الأجير والمرضعة إلخ س52: تكلم بوضوح عن الشرط الثاني من شروط الإجارة مبينًا حكم ما كان عينًا وما كان بذمة، واستئجار دار بسكنى دار أخرى، وبخدمة، وبتزويج من معين، وحلي، بأجرة، وأجبر ومرضعة بطعامهما وكسوتهما، وبين حكم ما إذا تنازع الأجير والمرضعة مع مستأجرهما، وما الذي يسن لمن استرضع أمة لولده أو حرة، وهل تسقط نفقة الأجير باستغنائه، وإذا احتاج الأجير لدواء فعلى من يكون، وهل للعقد على الحضانة أو اللبن، وإذا أطلقت الحضانة أو خصص رضاع، فهل يشمل الآخر؟ اذكر الدليل والتعليل والخلاف والترجيح.
ج: الشرط الثاني: معرفة الأجرة؛ لأنها عوض في عقد معاوضة فاعتبر علمه كالثمن، وقد روي عنه –عليه السلام- من استأجر أجيرًا فليعلم أجره، ويصح أن تكون الأجرة في الذمة، وأن تكون معينة فما بذمة من أجرة حكمه كثمن فما صح أن يكون ثمنًا بذمة صح أن يكون أجرة في الذمة، وما عين من أجرة كمبيع معين فتكفي مشاهدة نحو صبرة وقطيع وإن جهل قدره لجريان المنفعة مجرى الأعيان لتعلقها بعين حاضرة، ويصح استئجار دار بسكنى دار أخرى سنة ونحوه للعلم بالعوضين، ويصح استئجار دار خدمة من معين وبتزويج من معين، وكذا استئجار آدمي لخدمة بتزويج امرأة لمُعين لقصة شعيب وموسى –عليهما السلام-، وحديث: «أن موسى آجر نفسه ثمان سنين أو عشر سنين على عفة فرجه وطعام بطنه» رواه ابن ماجه.
لأن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه؛ لقوله تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} ولأن الأصل في الفائت بقاؤه والنسخ خلاف الأصل، ولا يصح استئجار دار بعمارتها للجهالة وإن آجرها بأجرة معينة وما تحتاج إليه بنفقة مستأجر بحسابه من الأجرة، صح؛ لأن الإصلاح على مالك وقد وكله فيه، وإن شرطه خارجًا عن الأجرة لم يصح، وإن دفع عبده إلى نحو خياط ليعلمه بعمل الغلام سنة جاز، ويصح استئجار حلي الذهب أو فضة بأجرة من جنسه للبس أو عارية؛ لأن الأجرة في مقابلة المنفعة، وقيل: لا يصح، وهذا القول هو الذي يترجح عندي. والله أعلم.
وأما إذا كانت الأجرة من غير جنسه فيصح قولًا واحدًا، قاله في «الإنصاف»؛ لأنه عين ينتفع بها منفعة مباحة مقصودة مع بقائها فجازت إجارته كالأراضي، ويصح استئجار أجير ومرضعة أم أو غيرها بطعامهما وكسوتهما ولو لم يوصف الطعام والكسوة، وكذا لو استأجرهما بدراهم معلومة وشرط معها طعامهما وكسوتهما؛ لقوله تعالى: {وَعَلَى المَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}.
فأوجب لهن النفقة والكسوة على الرضاع، ولم يفرق بين المطلقة وغيرها، بل الزوجة تجب نفقتها وكسوتها بالزوجية وإن لم ترضع، وقال تعالى: {وَعَلَى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} والوارث ليس بزوج، ويستدل للأجير بقصة موسى وأبي هريرة وتقدمتا، وبأنه روي عن أبي بكر وعمر وأبي موسى أنهم استأجروا الأجراء بطعامهم وكسوتهم، ولم يظهر لهم نكير، فقام العرف فيه مقام التسمية كنفقة الزوجة والأجير والمرضعة في تنازع مع مستأجرهما في صفة طعام أو كسوة أو قدرهما كزوجة فلهما نفقة وكسوة مثلهما؛ لقوله تعالى: {بِالْمَعْرُوفِ} فلا يطعمان إلا ما يوافقهما من الأغذية، وإن شرط للأجير لخدمة أو رضاع طعام غيره وكسوته موصوفًا صح للعلم به والمشروط للأجير نفسه إن شاء أطعمه للغير أو تركه؛ لأنه في مقابلة نفعه، ولا تسقط نفقة أجير عن مستأجر باستغناء الأجير وعجزه عن الأكل لنحو مرض أو غيره، وله المطالبة بها؛ لأنها عوض فلا تسقط بالغنى عنه كالدراهم؛ فإن احتاج الأجير لدواء لمرض لم يلزم المستأجر؛ لأنه ليس من النفقة كالزوجة، بل يلزم المستأجر بقدر طعام الصحيح يدفعه له فيصرفه بما أحب من دواء أو غيره وإن دفع المستأجر لأجير قدر الواجب فقط، أو دفع إليه أكثر منه وملكه إياه وأراد أجير بعد أن قبض طعامه أن يفضل بعضه لنفسه من طعامه الذي قبضه ولا ضرر على مستأجر جاز؛ لأنه ملكه ولا حق للمستأجر ولا ضرر عليه أشبه الدراهم، وإلا بأن دفع المستأجر للأجير أكثر من الواجب ليأكل منه قدر حاجته ويفضل الباقي منع منه فلا يجوز له التصرف فيه؛ لأنه لم يملكه إياه وإنما أباح أكل قدر حاجته وإن حصل باستفضاله ضرر بأن ضعف عن العمل أو قل لبن مرضعة منع منه أيضًا؛ لأن على المستأجر ضررًا بتفويت بعض ماله من منفعة فمنع منه كالجّمال إذا امتنع من عمل الجمَّال، وإن قدم المستأجر إلى الأجير طعامًا فنهب أو تلف قبل أكله، وكان الطعام على مائدة غير خاصة بالأجير فالطعام من ضمان مكثر؛ لأنه لم يسلم إليه وإن قدم المستأجر للأجير طعامًا وخصه به وسلمه إليه ثم نهب أو تلف، فمن ضمان أجير؛ لأنه تسليم عوض على وجه التمليك أشبه البيع، ويجب على مرضعة أن تأكل وتشرب ما يدرّ لبنها ويصلح به ولمكثر مطالبتها بذلك؛ لأنه من تمام التمكين من الرضاع، وفي تركه إضرار بالطفل، وإن لم ترضعه؛ لكن سقته لبن الغنم أو غيرها أو أطعمته أو دفعته لخادمها أو صديقتها فأرضعته فلا أجر لها؛ لأنها لم توف بالمعقود عليه وإن اختلفا، فقالت: أنا أرضعته وأنكر المُسْتَرضِعُ أنها أرضعته، فالقول قولها بيمينها؛ لأنها مؤتمنة، وسن عند فطام لموسر استرضع أمة لولده ونحوه إعتاقها ولموسر استرضع حرة لولدها إعطاؤها عبدًا أو أمة؛ لما روى أبو داود بإسناده عن هشام بن عروة عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله، ما يذهب عني مذمة الرضاع؟ قال: «الغرة العبد أو الأمة»، قال الترمذي: حسن صحيح.
قال الشيخ تقي الدين: لعل هذا في متبرعه بالرضاعة، قال ابن عقيل: إنما خص الرقبة بالمجازاة بها دون غيرها؛ لأن فعلها في إرضاعه وحضانته سبب حياته وبقائه وحفظ رقبته، فاستحب جعل الجزاء هبتها رقبة ليناسب ما بين النعمة والشكر؛ ولهذا جعل الله تعالى المرضعة أمًا، فقال: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ}، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «ولا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكًا فيعتقه» وأما كونه يستحب إعتاقها إن كانت أمة؛ فإنه يحصل بالمجازاة التي جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- مجازاة للوالد من النسب، ويصح استئجار زوجته لرضاع ولده كالأجنبية، ولو كان ولده منها؛ لأن كل عقد صح أن تعقده مع غير الزوجة صح أن تعقده مع الزوج كالبيع؛ ولأن منافعها في الحضانة والرضاع غير مستحقة للزوج بدليل أنه لا يملك إجبارها عليه، وهذا القول من «المفردات».
قال ناظمها: زوجٌ على زوجته حيثُ عَقَدْ ... إجارةً جاز لإرضاع الوَلَدُ
وقال أبو حنيفة وغيره: لا يصح؛ لأنه استحق حبسها والاستمتاع بها بعوض، فلا يجوز أن يلزمه عوض لذلك. وقال أهل القول الأول: عن قولهم إنها استحقت عوض الحبس والاستمتاع هذا غير الحضانة واستحقاق منفعة من وجه لا يمنع استحقاق منفعة سواها بعوض آخر، كما لو استأجرها أو لا ثم تزوجها، والقول الأول هو الأرجح عندي. والله أعلم.
ويصح استئجارها لأجل حضانة الولد سواء كان منها أو من غيرها وحرم أن تسترضع أمة لغير ولدها قبل ريِّ ولدها؛ لأن الحق للولد وليس لسيد إلا ما فضل عن الولد من اللبن، ويجوز للرجل وللمرأة أن يؤجر كل منهما أمته ولو أم ولد للإرضاع؛ لأنها ملكه ومنافعها له وليس لها إجارة نفسها لرضاع ولا غيره؛ لأنها لا تملك منافعها إلا بإذن سيدها، وإن كانت الأمة متزوجة بغير عبد سيدها، لم يجز له إجارتها للرضاع إلا بإذن الزوج؛ لأنه فيه تفويتًا لحقه وإن أجرها السيد للرضاع صح النكاح، ولا تفسخ الإجارة بالنكاح كالبيع، وللزوج الاستمتاع بها وقت فراغها من الرضاع والحضانة لسبق حق المستأجر والعقد في الرضاع على اللبن؛ لأنه المقصود دون الخدمة، ولهذا لو أرضعته بلا خدمة استحقت الأجرة، ولو خدمته بلا رضاع فلا شيء لها؛ ولأن الله تعالى قال: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} فرتب إيتاء الأجر على الإرضاع، فدل على أنه المعقود عليه؛ ولأن العقد لو كان على الخدمة لما لزمها سقي لبنها وجواز الإجارة عليه رخصه؛ لأن غيره لا يقوم مقامه لضرورة حفظ الآدمي، وإن أطلقت حضانة بأن استأجرها لحضانته وأطلق لم يشمل الرضاع أو خصص رضاع بالعقد، بأن قال: استأجرها لحضانته وأطلق، لم يشمل الرضاع أو خصص رضاع بالعقد، بأن قال: استأجرتك لرضاعه لم يشمل الحضانة لئلا يلزمها زيادة عما اشترط عليها وإن وقع العقد على رضاع انفسخ بانقطاع اللبن لفوات المعقود عليه والمقصود منه، وكذا إن وقع العقد على رضاع وحضانة جميعًا انفسخ العقد بانقطاعه لفوات المعقود عليه والمقصود منه.
53- استئجار الدابة بعلفها أو سلخها بجلدها أو استعمل حمالًا أو دلالًا أو ركب مركبًا بلا عقد س53: ما هي الشروط المشترطة في استئجار الرضاع؟ وما حكم إرضاع مسلمة طفلًا لكتابي أو مجوسي، أو استئجار دابة بعلفها أو سلخها بجلدها، أو رعيها بجزء من نمائها، أو إعطاء صانعًا ما يصنعه، أو استعمل حمالًا أو دلالًا أو نحوه بلا عقد، أو ركب في سفينة أو مركب أو طيارة أو سيارة، أو دخل حمامًا، أو دفع ثوبًا لخياط، وقال: إن خطته اليوم فبدرهم أو إن خطته روميًا فبدرهم، وإن خطته غدًا أو فارسيًا فبنصفه، وإن زرعتها برًا فبخمسة أو ذرة فبعشرة، أو إن قعدت فيه خياطًا فبخمسة أو حدادًا فبعشرة؟ بين ذلك بيانًا واضحًا مع ذكر الدليل والتعليل والخلاف والترجيح.
ج: شرط في استئجار لرضاع أربعة شروط: 1- معرفة مرتضع بمشاهدة لاختلاف باختلاف الرضيع كبرًا وصغرًا ونهمة وقناعة. 2- عرفة عوض. 3- أمد رضاع إذ لا يكن تقديره إلا بالمدة؛ لأن السقي والعمل فيها يختلف. 4- معرفة مكان الرضاع؛ لأنه يشق عليها في بيت المستأجر ويسهل في بتها، ولا يصح استئجار دابة بعلفها فقط؛ لأنه مجهول ولا عرف له يرجع إليه؛ فإن وصفه من معين لشعير وقدره بمعلوم جاز، وقيل: يصح، اختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله وجزم به القاضي في التعليق، وقدمه في «الفائق»، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس. والله أعلم.
ولو استأجر من يسلخ له بهيمة بجلدها لم يجز؛ لأنه لا يعلم هل يخرج الجلد سليمًا أو لا؟ وهل هو ثخين أو رقيق؛ ولأنه لا يجوز أي يكون عوضًا في البيع، فلا يجوز أن يكون عوضًا في الإجارة كسائر المجهولات؛ فإن سلخه بذلك فله أجر مثله، وإن استأجره لطرح ميتة بجلدها فهو أبلغ في الفساد؛ لأن جلد الميتة نجس لا يجوز بيعه، وقد خرج بموته عن كونه ملكًا وتقدم الكلام على جلد الميتة في باب الآنية، وذكر الخلاف في طهارة جلدها في أول الجزء الأول، ولو استأجر راعيًا لغنم بثلث درها وصوفها وشعرها ونسلها أو نصفه أو جميعه، لم يجز؛ لأن الأجر غير معلوم ولا يصح عوضًا في بيع ولا يدري أيوجد أو لا؟ وأما جواز دفع الدابة لمن يعمل عليها بجزء من ربحها فلأنها عين تنمي بالعمل فأشبه المساقاة والمزارعة؛ وأما هنا فالنماء الحاصل في الغنم لا يقف حصوله على عمل فيها، فلا يلحق بذلك والذي يترجح عندي أنه يجوز كما لو دفع دابته أو عبده بجزء من كسبه. والله أعلم.
وإن استأجره لرعيها بجزء معين من عينها صح، ولا يصح استئجار على طحن كُرٍّ كقفيز منه؛ لحديث الدارقطني مرفوعًا: «أنه نهى عن عسب الفحل، وعن قفيز الطحان» ولأنه جعل له بعض معموله أجرَ عمله فيصير الطحن مستحقًا له، وعليه ولأن الباقي بعد القفيز مطحونًا لا يدري كم هو فتكون المنفعة مجهولة، والقول الثاني - وهو الراجح عندي: جوازه بمقدار معلوم، والجواب عن الحديث كما قال بعض العلماء: بأن مقدار القفيز مجهول أو أنه كان الإستئجار على طحن صبرة بقفيز منها لا يعلم كيلها. والله أعلم.
ومن أعطى صانعًا ما يصنعه كثوب ليصبغه أو يخيطه أو يغسله أو حديدًا ليضربه سيفًا ونحوه، ففعل فله أجر مثله، ومثله من استعمل حمالًا وحلاقًا أو دلالًا بلا عقد معه فله أجر مثله على عمله سواء وعده كقوله أعمله وخذ أجرته أو عرَّض له كقوله: اعمَلْ وأنا أعلم أنك لا تعمل بلا أجرة أو أنا أعلم أنك إنما تعمل بأجرة، ولو لم تجر عادة الحمال والدلال والحلاق ونحوه بأخذ الأجرة؛ لأن عمل له بإذن لما لمثله أجرة ولم يتبرع، أشبه ما لو وضع يده على ملك غيره بإذنه، ولا دليل على تمليكه إياه أو إذنه في إتلافه؛ لأن الأصل في قبض مال غيره أو منفعته الضمان، وهذا في المنتصب لذلك وإلا فلا شيء له إلا بعقد أو شرط أو تعريض، وكذا ركوب سفينة ودخول حمام فيجب أجرة المثل؛ لأن شاهد الحال يقتضيه، وكذا من أعطى نجارًا ما يعمله وكذا قابلة في ولادة فيه أجرة المثل وشرب ماء ممن هو بيده أو قهوة أو شاه ونحوهما من المباحات، وما يأخذه البائع ثمن الماء أو القهوة أو الشاه وأجرة الآنية والساقي والمكان جائز بلا شرط؛ لأنه عمل لا يختص أن يكون فاعله من أهل القربة ومَن دفع ثوبًا لخياط، وقال: إن خطته اليوم فبدرهم، أو إن خطته روميًا فبدرهم وإن خطته غدًا فبنصه أو إن خطته فارسيًا فبنصف درهم لم يصح، كما لو قال: آجرتك الدار بدرهم نقدًا أو درهمين نسيئة أو استأجرت هذا منك بدرهم أو هذا بدرهمين لعدم الجزم بأحدهما، وله أجر مثله، وقيل: يصح؛ لأنه سمى لكل عمل عوضًا معلومًا فصحَّ، كما لو قال: كل دلو بتمرة، وهذا القول عندي أنه أرجح. والله أعلم.
وإن دفع أرضه إلى زارع، وقال: إن زرعتها برًا فبخمسة، وإن زرعتها ذرة فبعشرة ونحوه لم يصح كما لو استأجره لحمل كتاب إلى الكوفة، وقال: إن أوصلته يوم كذا فلك عشرون، وإن تأخرت بعد ذلك فلك عشرة، وقيل: يصح، وهذا القول هو الذي يترجح عندي؛ لأنه لم يظهر لي دليل المنع. والله أعلم.
وكذا لو قال: آجرتك الحانوت شهرًا إن قعدت فيه خياطًا فبخمسة أو حدادًا فبعشرة؛ لأنه ليس من قبل بيعتين في بيعة المنهي عنه فيما يظهر لي، فلهذا يترجح عندي صحتها. والله أعلم.
من النظم مما يتعلق بكتاب الإجارة وعقد على نفع مباح إجارة بآجرت أو أكريت أو نحوه أعقد كذا بعت في الأرداء ويلزم عقدها من الحائزين الأمر في ما لهم قد ويشرط علم العاقدين بنفعها بعرف له أو وصف نفع مقيد كخدمته شهرًا وسكناه جمعة وحمل كذا رطلًا بتعيين مقصد وطولًا وعرض الحائط اذكر وسمكه وآلته واللبن بالقالب احدد وموضعه إن تكتري لبنًا كذا وإن تكتري يومًا فعن شرطه اصدد وإن تبنه فانهار دون تفرط لك الأجر والبعض إن بنى فهوى أردد وبالوقت لا الفعل المعين فاضبطن إجارة تطيين البنا لا تقيد وما ذكر سكنى الدار شرط لكيفها سوى في محل غرفة ذا تعدد ويشرط علم الأرض والغرس والبنا وزرع كذا إن يكتري للمعددِ وعلم بمركوب كبيع الركوب كسرج أو طاءٍ معود وعلم المتاع اشرطه لا حاملًا له سوى مستضيء كالزجاج المشرد وإن عين الجمال من جنسه ولم يفت ببديل مبتغى مكتري اظهد وإن يكتري نصف الطريق وعقبة يصح بعرف للركوب مقيد ويشرط أيضًا علم أجرة نفعه بما تعلم الأثمان في كل معقد متى جعلت في ذمة ومتى يكن معينة مثل المبيع لتعدد وإن جهل المقدار فيها كصبرة مشاهدة صحت على المتجودِ وبالأكل واللبس الإجارة جوزت وعنه لإرضاع وعنه ليرددِ ووجهين في إلزام ظئر حضانة بمطلق عقد في الإجارة أسند ويشرط علم الأجر والطفل يا فتى ومدة إرضاع وموضعه احدد وفي الأجر ذو المقصود بالعقد درها والإرضاع لا حضن ومبدأ مقصد ويلزمها استطعام مصلح درها وإن عينت إن تستنب فيه تصدد وندب عطاها حين تفطم غرة وإعتاقها إما تكن أمة زد وليس له الإنفاق إلا بشرطه وجوزه أن يوصف بغير تردد وأن يغني عنه أو ثوى قبل قبضه يعوض وعن تفصيل مؤد ليصدد وللسيد إيجار الرقيق مراصعًا سوى ولد ينقضن ري المعود وأجرة خياط وقصار خرقة وخمامهم والفلك كالمتعود وأشباههم مع فقد فهو إجارة ويحرم من لم ينتصب للمعددِ وليس عليهم من ضمان لتالف بغير تعد من صحيح ومفسدِ ولك أجر حمل الكتب حتى متى إلى فلان توى أو غاب عود بأجودِ وإيجار شيء للمنافع جائز كدار لسكناها وتزويج نهد وإن تكتري طحان كر بثلثه وأشباههن صححه في المتأكد وإن تكتري في الشهر عنسًا بدرهم فما زاد تعطي بالحساب فجود وامض إن بعين كل شهر بدرهم في الأولى وترعى كل دلو به طد ويلزم في الوقت المبدي بعقدهم وفيما يليه بالتلبّس أطد وكل له فسخ إذا تم شهره وقيل إلى تكميل يوم بل امدد وعشرين شهرًا كل شهر بدرهم أجز وبه ذا الشهر واحسب وزيد يصح في الأولى دون خلف وأول الأخيرة والوجهين في المتزيدِ ومن يكتري للبيت حمال صبرة مشاهدة صحح بغير تردد كذا حولتها كل كُرِ بدرهم كذا كل مفهم حمل أجمعها اعدد ويشرط قصد النفع شرعًا وجُله اختيارًا وبقيل العين وقت التعقد ومقدار محمول ورؤية راكب وطفل له استأجرت ظئرًا فقيد.
54- إذا أكره دابة، وقال: إن رددتها اليوم فبخمسة وغدًا بعشرة أو عينا لكل يوم أو شهر شيء معلوم س54: تكلم بوضوح عن أحكام ما يلي: إذا أكره دابة، وقال لمستأجر: إن رددت الدابة اليوم فبخمسة وغدًا فبعشرة أو عينًا زمنًا وأجرة، واكترى دابة لمدة غزاة، إذا عُين لكل يوم أو شهر شيء معلوم، كل دلو بتمرة أو اكتراه لحمل زبرة إلى محل كذا على أنها عشرة أرطال، وإن زاد فلكل رطل درهم، إذا لم يفسخ أحدهما بعد دخول أول المدة، واذكر الدليل والتعليل والخلاف والترجيح.
ج: من أكرى دابة، وقال لمستأجرها: إن رددت الدابة اليوم فبخمسة، وإن رددتها غدًا فبعشرة صح، أو عين العاقدان زمنًا وأجرة كمن استأجر دابة عشرة أيام بعشرة، وقالا: ما زاد فلكل يوم درهم مثلًا، صح نصًا.
ونقل ابن منصور عنه فيمن اكترى دابة من مكة إلى جدة بكذا؛ فإن ذهب إلى عرفات فبكذا، فلا بأس؛ لأن لكل عمل عوضًا معلومًا به، فصح كما لو استقى له كل دلو بتمرة، ولا يصح أن يكتري نحو دابة لمدة غزاته لجهل المدة والعمل، كما لو استأجر الدابة لمدة سفر في تجارة؛ ولأن مدة الغزاة قد تطول وتقصر، والعمل فيها يقل ويكثر؛ فإن تسلم المؤجر فعليه أجرة المثل، فلو عين لكل يوم شيء معلوم كما لو استأجرها كل يوم بدرهم، أو عين لكل شهر شيء معلوم، بأن استأجرها كل شهر بدينار، صح؛ لأن كل شهر أو يوم معلوم مدته وأجرته، فأشبه ما لو قال: آجرتكها شهرًا كل يوم بكذا أو سنة كل شهر بكذا أو لنقل هذه الصبرة كل قفيز بدرهم، ولا بد من تعيين كونها لركوب أو حمل معلوم، وإن اكتراه ليسقي كل دلو بتمرة صح؛ لحديث علي قال: «جعتُ مرة جوعًا شديدًا، فخرجت أطلب العمل في عوالي المدينة، فإذا بامرأة قد جمعت بُدرًا بله، فقاطعتها على كل دلو بتمرة، فعددت ستة عشرة نوبًا، فعددت لي ستة عشر تمرة، فأتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبرته فأكل معي منها» رواه أحمد.
وروي عنه وعن رجل من الأنصار «أنه قال ليهودي: اسق نخلك، قال: نعم، كل دلو بتمرة، واشترط الأنصاري أن لا يأخذ خِدرَة ولا نارزة ولا حشفة، وأن لا يأخذ جلدة فاستقى بنحو من الصاعين، فجاء به إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-» رواه ابن ماجه في «سننه»؛ ولأن الدلو معلوم وعوضه معلوم، فجاز كما لو سمَّى دلاءً معروفة، ولابد من معرفة الدلو والبئر وما يستقي به؛ لأن العمل يختلف، وقوله: بدرًا –بالباء والدال- جلد السخلة، وإن اكتراه لحمل زبرة إلى محل كذا على أنها عشرة ارطال وإن زادت فلكل رطل درهم صح لما تقدم، ولكل من المتأجرين فيما إذا استأجره كل يوم أو شهر بعوض معلوم الفسخ أول كل يوم، إذا قال: كل يوم بكذا، أو أول كل شهر إذا قال: كل شهر بكذا في الحال؛ فإن مضى زمن يتسع ولم يفسخ لزمت فيه؛ لأن تمهله دليل رضاه بلزوم الإجارة فيه.
قال المجد في «شرحه»: وكلما دخلا في شهر لزمهما حكم الإجارة فيه؛ فإن فسخ أحدهما عقب الشهر انفسخت الإجارة انتهى من «المغني» و«الشرح».
أن الإجارة تلزم في الشهر الأول؛ ولأن الشروع في كل شهر مع ما تقدم من الاتفاق يجري مجرى العقد كالبيع بالمعاطاة، فإذا ترك التلبس به فكان الفسخ، وفي «الرعاية الكبرى» أو يقول: إذا مضى هذا الشهر فقد فسختها، وتقدم أنه يصح تعليق فسخ بشرط.
ولو آجره دارًا أو نحوها شهرًا غير معين لم يصح العقد للجهالة، وقيل: يصح وابتداء المدة من حين العقد، وهذا القول عندي أنه أرجح من الأول. والله أعلم.
ولو قال: آجرتك هذا الشهر بكذا، وما زاد فبحسابه صح العقد في الشهر الأول فقط؛ لأنه المعلوم دون ما بعده، وقيل: يصح في كل شهر تلبس به، وهذا القول أقرب عندي إلى الصحة ولم يظهر فيه جهالة. والله أعلم.
وإن قال: آجرتك داري عشرين شهرًا من وقت كذا كل شهر بدرهم صح، قال في «المبدع» بغير خلاف نعلمه؛ لأن المدة والأجر معلومان، وليس لواحد منهما الفسخ بغير رضى الآخر؛ لأنها مدة واحدة أشبه ما لو قال: آجرتك عشرين شهرًا بعشرين درهمًا، ولو قال للأجير: أحمل لي هذه الصبرة كل قفيز بدرهم وانقل صبرة أخرى في البيت بحساب ذلك كل قفيز بدرهم، وعلما ما في البيت مشاهدة أو وصفًا صح العقد، فيهما للعلم بهما، ولو قال له: أحمل لي هذه الصبرة والصبرة التي في البيت بعشرة وكانا يعلمان ما في البيت صح فيهما بالعشرة، ولو قال له: أحمل لي إلى كذا قفيزًا من الصبرة بدرهم وما زاد على القفيز فبحساب ذلك، والمعنى مهما حملته من باقيها فلك بكل قفيز درهم، فقيل: لم يصح للجهالة، والذي يترجح عندي صحتها؛ لأنه لم يتضح لي فيه جهالة. والله أعلم.
ولو قال له: أحمل إلي كذا هذه الصبرة كل قفيز بدرهم، فقيل: لم يصح للجهالة؛ لأن من للتبعيض وكل للعدد، فكأنه قال: لتحمل منها عددًا بخلاف ما لو أسقط منها، والذي يترجح عندي الصحة؛ لأنه لم يتبين لي دليل على عدم الصحة ولم يظهر لي فيها جهالة كما قالوا. والله أعلم.
55- أمثلة لما يصح استئجاره وما لا يصح س55: تكلم بوضوح عن الشرط الثالث من شروط الإجارة واذكر ما يشترط له، وحكم إجارة المصحف وإجارة دار تجعل مسجدًا يصلي فيه المسلمون، ومثل لكل ما يصح استئجاره وما لا يصح استئجاره، واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل أو خلاف أو ترجيح.
ج: الشرط الثالث: كون نفع معقود عليه مباحًا لغير ضرورة بخلاف ما يباح للضرورة أو للحاجة كأواني الذهب والكلب مقصودًا: 1- عرفًا بخلاف آنية التجمل، متقومًا. 2- بخلاف نحو تفاح لشم. 3- يستوفي من عين مؤجرة دون استهلاك الأجزاء بخلاف شمع لشعل وصابون لغسل. 4- مقدورًا عليه بخلاف ديك ليوقظه للصلاة، فلا يصح؛ لأنه يقف على فعل الديك، فلا يمكن استخراجه منه بضرب ولا غيره، ولا تصح إجارة آبق أو شارد إلا لقادر على تحصيلهما كما في البيع، ولا تصح إجارة مغصوب لغير قادر على أخذه عن غاصبه؛ لأنه لا يمكن تسليم المعقود عليه، فلا تصح إجارته كبيعه، وكذا طير في الهواء، ولا تصح إجارة طير لحمل كتب، ولا تصح إجارة مركوب لمن يريد الخروج عليه ويترك حضور الجمعة أو الجماعة إذا كان ممن وجبت عليه، وليس بآت بها في طريقه؛ لأن تأجيره إعانة على المعصية.
قال تعالى: {وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}، ومن كان له مال حلال وله مال حرام، واستأجر أجيرًا فلا يجوز له أن يعطيه أجرته من المال الحرام، وإنما يعطيه من الحلال؛ فإن أعطاه ولم يشعر أنه من الحرام جاز له التصرف ولا إثم عليه وإثمه على المستأجر؛ لأنه غره.
5- لمستأجر فلا يصح استئجار دابة لركوب مؤجر وذلك الذي يصح استئجاره ككتاب حديث أو فقه أو شعر مباح أو لغة أو صرف لنظر وقراءة ونقل وتجويد خط بأن كان به خط حسن يكتب عليه ويتمثل منه؛ لأنه تجوز إعارته لذلك فجائز إجارته وإجارة المصحف مبنية على حكم بيعه، وتقدم في أول الجزء الرابع وكدار تجعل مسجدًا يصلى فيه، وإذا تمت المدة بقي بأجرة المثل إن وافق المؤجر وكدار تسكن؛ لأنه نفع مباح مقصود وكاستئجار حائط لحمل خشب معلوم وكبئر يستقي منها أيامًا معلومة؛ لأن فيها نفعًا مباحًا بمرور الدلو والماء يؤخذ على أصل الإباحة وكحيوان لصيد كفهد وباز وصقر وكقرد لحراسة مدة معلومة؛ لأن فيه نفعًا مباحًا، وتجوز إعارته لذلك، ولا تصح إجارة كلب وخنزير مطلقًا؛ لأنه لا يصح بيعهما، وكاستئجار شجر لنشر عليه وجلوس بظله؛ لأنه منفعة مباحة مقصودة كالحبال والخشب، وكما لو كانت مقطوعة وتقدم في الصلح، ولغير مالك جدار استناد إليه، وإسناد قماشه وجلوسه بظله بلا إذن مالكه.
قال الشيخ: العين والمنفعة التي لا قيمة لها عادة لا يصح أن يرد عليها عقد بيع أو إجارة اتفاقًا. اهـ.
وكاستئجار بقر لحمل وركوب؛ لأنها منفعة مقصودة لم يرد الشرع بتحريمها أشبه ركوب البعير، وكثير من الناس من الأكراد وغيرهم يحملون على البقر ويركبونها، والذي تطمئن إليه نفسي أنه لا يجوز استئجار البقر للركوب؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «بينما رجل يسوق بقرة أراد أن يركبها، فقالت: إني لم أخلق لهذا، إنما خلقت للحرث» متفق عليه. والله أعلم.
وفي بعض البلاد يحرث على الإبل والبغال والحمير، ومعنى خلقها للحرث أن معظم الانتفاع بها فيه، وذلك لا يمنع الانتفاع بها في شيء آخر كما أن الخيل خلقت للركوب والزينة، ويباح أكلها واللؤلؤ للحلية ويتداوى به.
ويصح استئجار غنم لدياس زرع معلوم أو أيامًا معلومة، ويصح استئجار بيت معين في دار مدة معلومة بأجر معلوم، ولا يقدح في صحة الإجارة لو أهمل فلم يذكر استطراقه إذ لا يمكن الانتفاع به إلا بالإستطراق، وهذا شيء متعارف، ويصح استئجار آدمي لقَوْد أعمى أو مركوب مدة معلومة؛ لأنه نفع مباح يقصد وكذا ليدل على طريق؛ لحديث عائشة، قالت: «واستأجر النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر رجلًا من بني الدَّيل هاديًا خريتًا، والخريت: الماهر بالهداية، وهو على دين كفار قريش وأمناه، فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث، فأتاهم براحلتيهما صبيحة ليال ثلاث فارتحلا» رواه البخاري وأحمد، وليلازم غريمًا يستحي ملازمته، ويصح الاستئجار على النسخ كمن استأجر إنسانًا لينسخ له كتب فقه أو حديث وسجلات وكتب توحيد وتفسير ونحو ومعاني وبيان ومذكرات ونحوهما، ويقدر بالمدة أو العمل؛ فإن قدر بالعمل ذكر عدد الأوراق وقدرها وعدد السطور في كل ورقة وقدر الحواشي ودقة القلم وغلظه؛ فإن عرف الخط بالمشاهدة جاز وإن أمكن ضبطه بالصنعة ضبطه، ويجوز تقدير الأجرة بأجزاء الفرع أو بأجزاء الأصل، وإن قاطعه على النسخ للأصل بأجر واحد جاز ويعفي عن خطأ يسير معتاد، وإن أسرف في الغل بحيث يخرج عن العادة فهو عيب يُرد به.
قال ابن عقيل: وليس له محادثة غيره حال النسخ ولا التشاغل بما يشغل سره ويوجب غلطه ولا لغيره تحديثه وشغله، وكذا كل الأعمال التي تختل بشغل السر والقلب كالقصارة والنساجة ونحوهما؛ لأن فيه إضرار بالمستأجر، ويصح استئجار شبكة وفخ لصيد مدة معلومة، وفي البركة التي يدخل فيها السمك فيحبس ثم يصاد منها ويصح استئجار عنبر وصندل ونحوهما، مما يبقى لشم مدة معينة ثم يرده؛ لأنه نفع مباح كالثوب للبس، ولا يصح استئجار ما يسرع فساده من الطيب كرياحين لتلفها عن قريب فتشبه المطعومات، ويصح استئجار دراهم ودنانير لتجمل ووزن، وكذا احتياج كأنف وربط سن فقط مدة معلومة كالحلي، للتجمل؛ لأنها نفع مباح مقصود يستوفي دون الأجزاء، وكذا قليل وموزون وفلوس ليعاير على المذكور، ولا تصح إجارة على زنا أو لواط أو زمرًا وغناه.
قال ابن القيم –رحمه الله تعالى- في «إغاثة اللهفان»: قال أبو إسحاق في «التنبيه»: ولا تصح –يعني الإجارة- على منفعة محرمة كالغناء والزمر وحمل الخمر، ولم يذكر فيه خلافًا، وقال في «المهذب»: ولا يجوز على المنافع المحرمة؛ لأنه محرم فلا يجوز أخذ العوض كالميتة والدم.
فقد تضمن كلام الشيخ أمورًا: أحدها: أن منفعة الغناء بمجرده منفعة محرمة. الثاني: أن الاستئجار عليها باطل. الثالث: أن أكل المال به أكل مال باطل بمنزلة أكله عوضًا عن الميتة والدم. الرابع: لا يجوز للرجل بذل ماله للمغني، ويحرم عليه ذلك؛ فإنه بذل ماله في مقابلة محرم وأن بذله في ذلك كبذله في مقابلة الدم والميتة. الخامس: أن الزمر حرام وإذا كان الزمر حرامًا الذي هو أخف آلات اللهو فكيف بما هو أشد منه كالعود والطنبور واليراع، ولا ينبغي لمن شم رائحة العلم أن يتوقف في تحري ذلك، فأقل ما فيه أنه من شعائر الفساق وشاربي الخمور. انتهى كلامه.
ويحرم نوح أو تشغيل آلات لهو، وكذا نسخ كتب بدع وشعر محرم وذلك كالهجاء ورعي خنزير ونحوه؛ لأن المنفعة المحرمة لا تقايل بعوض في بيع، فكذا في الإجارة، وذكر ابن المنذر إجماعًا، متفق عليه في المغنية والنائحة، ولا تصح إجارة فحل لضراب «لنهيه -صلى الله عليه وسلم- عن عسب الفحل» متفق عليه؛ ولأن المقصود الماء الذي يخلق منه الولد، وهو عين لا قيمة لها؛ فإن احتيج إليه جاز ذلك بذل الكرى، وليس للمطرق أخذه ذكره في «المغني»، وإن أطرق محله بلا إجارة ولا شرط، وأهديت له هدية فلا بأس؛ لأنه فعل معروفًا فجازت مجازاته عليه، ولا تصح إجارة دار أو دكان يجعل كنيسة أو بيعة أو صومعة راهب أو بيت نار تُعبد أو لبيع خمر أو لقمار أو لبيع المجلات الخليعة أو لبيع آلات الملاهي كالسينما والتلفزيون أو الراديو، أو لبيع الصور مجسدة أو غير مجسدة أو لبيع الدخان أو لأهل الشيش أو لحلاق اللحى أو لحلاقي رؤوس النساء أو قصه للتشبه باليهود والنصارى أو للمطربين أو للمطربات أو لبيع الإسطوانات أو لسكنى المصورين وسواء شرط في العقد أو لم يشرط، وعلم بقرينة؛ لأنه فعل محرم فلم تجز الإجارة عليه كإجارة عبده للفجور به، ولما ينشأ عن تأجير هؤلاء من الأضرار المتعدية التي لا يعلم مدى ضررها إلا الله، قال الله تعالى: {وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.
وبسط الأدلة الدالة على تحريم المذكورات له مواضع أخرى من تدبر الكتاب والسُّنة وأقوال العلماء المحققين وجده في مثل «إغاثة اللهفان» لابن القيم، ورسالة الشيخ عبد الرحمن الناصر السعدي في حكم شرب الدخان، و«الأدلة الكاشفة» للشيخ عبد العزيز بن باز، ورسالة الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد، وكتب الشيخ حمود التويجري، و«نصيحة المسلمين» للشيخ عبد الله السليماني بن حُميد والشهب المرمية للشيخ عبد الرحمن بن عبد الله التويجري ونحو هذه الكتب.
وإن استأجر ذمي من مسلم دارًا وأراد بيع الخمر فيها فله منعه؛ لأنه محرم، ولا يصح استئجار لحمل ميتة ودماء محرمة لأكلها لغير مضطر إليه، ولا يجوز استئجار لحمل خمر لشربها ولا أجرة له لما تقدم؛ لأن المنفعة المحرمة لا تقابل بعوض؛ فإن كان حمل الميتة لأكل المضطر إليها صحت، وتصح إجارة لحمل ميتة وخمر لإلقاء وإراقة لدعاء الحاجة إليه، ولا تندفع بدون إباحة الإجارة عليه ولا يكره أكل أجرة ذلك، ويصح الاستئجار لكسح الكنفي وشفط البلاليع والمستنقعات الوسخة، ولحمل النجاسات لتُلْقى خارج البلد، ويصح استئجار لإلقاء ميتة بشعر على جلدها، ومن أعطى صيادًا أجرة ليصيد له سمكًا ليختبر بخته أي حظه، فقد استأجره ليعمل بشبكته، قاله أبو البقاء. ولا تصح الإجارة على طير لسماع صوته؛ لأن منفعته ليست متقومة ولا مقدورًا على تسليمها؛ لأنه قد يصيح وقد لا يصيح ويصح، إجارة طير لصيد كصقر وباز مدة معلومة؛ لأنه نفع مباح معلوم متقوم، ولا تصح على تفاح لشم؛ لأن نفعها غير متقوم؛ لأن من غصب تفاحًا فشمه ورده لم يلزمه أجرة شمه، ولا تصح على شمع لتجمل أو شمع لشعل، والذي يترجح عنيد أن التفاح للشم والعنبر والشمع يجوز. والله أعلم.
ولا تصح على طعام ليتجمل له على مائدته ثم يرده؛ لأن منفعة ذلك غير مقصودة ولا على طعام لأكل أو شرب أو صابون لغسل ونحو ذلك مما لا ينتفع إلا بإتلاف عينه؛ فإن استأجر شمعًا لشعل منه ما شاء ويرد بقيته وثمن الذاهب وأجرة الباقي لم يصح لشموله بيعًا وإجارة والمبيع مجهول فيلزم الجهل بالمستأجر فيفسد العقدان، ولا تصح الإجارة على حيوان لأخذ لبنه أو صوفه أو شعره؛ لأن المعقود عليه في الإجارة النفع.
والمقصود هنا العين وهي لا تملك ولا تستحق بالإجارة، واختار الشيخ تقي الدين جوازها في الشمع ليشغله والحيوان لأخذ لبنه، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس. والله أعلم.
ويصح استئجار ظئر وهي الآدمية للإرضاع؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}.
ولو غار ماء بئر مؤجرة أو تغير بحيث يمنع الشرب والوضوء ثبت لمستأجر الفسخ، ولا تصح إجارة في جزء مشاع من عين يمكن قسمتها أولًا مفردًا عن باقي العين لغير شريكه بالباقي؛ لأنه لا يقدر على تسليمه إلا بتسليم نصيب شريكه ولا ولاية للمؤجر على مال شريكه، وكذا لو كانت لجمع فآجر أحدهم نصيبه لواحد منهم بغير إذن الباقين لم يصح، وتصح إجارة العين الواحدة المملوكة لواحد لعدد اثنين فأكثر، بأن آجر داره أو دابته لهما أو لهم، وإن استأجر شريك من شريكه أو آجرا معًا لواحد صحت وإن تفاوتت الأجرة؛ فإن أقاله أحدهما صح، وبقي العقد في نصيب الآخر، ولا تصح إجارة امرأة ذات زوج بلا إذنه؛ لأن في ذلك تفويتًا لحق الزوج في الإستمتاع لاشتغالها عنه بما استؤجرت له، فلم يجز إلا بإذنه، ولا يقبل قولها بلا بينة بعد أن أجّرت نفسها أنها متزوجة في بطلان الإجارة، ولا يقبل قول من تزوجت ثم ادعت أنها مؤجرة قبل نكاح، لا يقبل بلا بينة؛ لأنها متهمة في الصورتين، والأصل عدم ما تدعيه، ولا يجوز أخذ الأجرة على عقد النكاح؛ فإن عقد لهم وأعطوه بدون شرط ولا استشراف نفس ولا سؤال فلا بأس بأخذه، والأولى تركه ليتم أجره، ولا يجوز أخذ الأجرة على العزيمة التي تعلق على المريض ونحوه، وترك الكتب أولى، ولو لم يأخذ شيئًا والمشروع أن يرقيه بالأدعية النافعة من الكتاب والسُّنة.
من النظم فيما يتعلق بالشرط الثالث من شروط الإجارة ويشرط قصد النفع شرعًا وجعله اختيارًا وبقيًا العين وقت التعقد ومقدار محمول ورؤية راكب وطفل له استأجرت ظئرًا فقيد فيحرم إيجار لنفع محرم ويلغي كنوح أو غناء لذي اردد ودارًا لنفع الخمر أو نحوه من الحرام ونسخ الفحش والمذهب الردي وإن يكتري الذمّي دار المسلم فيقصد بيع الخمر فيها ليصدد وإيجار فحل للضراب محرم في الأقوى كحضر القرد والدب للدد وفي حمل ميتات وخمر لطاعم وآلات شراب ومغصوب معتدي مقالات والتجويز في ذا مُنكَّر ولا سيما في حملها لموَحِّد وجوز على المشهور حمل إراقة ونبذ الميتات وكسح الأذى الردي ويكره كالحجام أكل أجوره لحر وأطعم للرقيق وأعبد
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 5:59 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الخامس الخميس 10 ديسمبر 2015, 9:54 pm | |
| 56- إجارة العين وما يشترط في إجارتها وحكم استئجار الزوجة والذمي والوقف إلخ س56: تكلم بوضوح عن أقسام إجارة العين وما يشترط في إجارتها، واذكر المحترزات وبين حكم استئجار الإنسان زوجته لرضاع ولده وعلى حضانته، وحكم استئجار الذمي لعمل أو لخدمة، وحكم إجارة العين من مستعير ووقف من ناظر، وحكم ما إذا مات مستحق وقف آجره أو مؤجر إقطاعه، وما الذي يترتب على ذلك، وبين حكم ما إذا آجر الناظر العام لعدم الخاص، أو آجر سيد رقيقه أو ولى يتيم آجر يتيمًا محجورًا له ثم عتق الرقيق أو بلغ اليتيم؟ واذكر الدليل والتعليل والخلاف والترجيح.
ج: الإجارة سمان: القسم الأول: أن تقع على منفعة عين، ولها صورتان: إحداهما: أن تكون إلى أمد معلوم، والأخرى: أن تكون إلى عمل معلوم، وستأتيان إن شاء الله تعالى، ثم العين تارة معينة كاستأجرت منك هذا العبد يخدمني سنة بكذا، أو ليخيط لي هذا الثوب بكذا، وتارة تكون موصوفة في الذمة، كاستأجرت منك حمارًا صفته كذا وكذا لأركبه سنة بكذا وكذا أو إلى بلد كذا بكذا، ولكل من القسمين شروط.
وإليك الشروط الموصوفة التي ذكر العلماء وشرط استقصاء صفات سلم في عين موصوفة بذمة؛ لأن الأغراض تختلف باختلاف الصفات؛ فإن استقصيت الصفات كان أقطع للنزاع وأبعد من الغرر، وإن جرت إجارة على عين موصوفة بذمة بلفظ سلم، كأسلمتك هذا الدينار في خدمة عبد صنته كذا وقَبِلَ المؤجر اعتُبر قبضُ أجرة بمجلس جرَى فيه العقد لئلا يصير بيع دين بدين واعتبر تأجيل نفع إلى أجل معلوم، وإن كان بلفظ الإجارة جاز التصرف قبل القبض.
وشرط في إجارة عين معينة خمسة شروط: الأول: كونها يصح بيعها كالأرض والدار والعبد والبهيمة والثوب والخيمة والخيل والجمل والسيف والرمح والفرس والإناء والكتاب والمكائن والسيارات والفرش وأشباه ذلك، فلا تصح إجارة كلب وخنزير لحراسة أو لصيد ولا لغير ذلك سوى موقوف وأم ولد وحر وحرة، فتصح إجارتها؛ لأن منافعها مملوكة ومنافع الحر تضمن بالغصب فجازت إجارتها كمنافع القن، وكذا يصح إجارة جلد عقيقة؛ لأنه يصح بيعه فإجارته أولى.
والقاعدة: أن ما حرم بيعه فإجارته تحرم؛ لأنها نوع من البيع إلا ما استثنى قريبًا وأجنيبية أجرت لغير محرمها في نظر مستأجرها إليها وفي خلوته بها لغيرها من الأجانب.
قال المجد: وإذا استأجر امرأة أجنبية حرة أو أمة لشغل مباح لعمل جاز، وكذا حكم النظر إليها والخلوة بها على ما كان عليه قبل الإجارة.
قال الإمام أحمد: يجوز أن يستأجر الأجنبي الأمة والحرة للخدمة؛ ولكن يصرف وجهه عن النظر للحرة، وليست الأمة مثل الحرة، فلا يباح النظر لشيء من الحرة، بخلاف الأمة فينظر منها إلى الأعضاء الستة أو إلى ما عدا عورة الصلاة على ما يأتي بيانه إن شاء الله في النكاح، والحاصل أن المستأجر لهما كالأجنبي فلا يجوز له أن يخلو مع أحدهما في بيت إلا مع ذي محرم؛ لحديث ابن عباس: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم» وكره استئجار أصله كأمه وجده وجدته وإن علوا لخدمته؛ لما فيه من إذلال للوالدين بالحبس على خدمة الولد، والذي يترجح عندي تحريم إستئجار أصله إن حصل لهم إهانة وإذلال؛ لأنه عقوق، وهو محرم. والله سبحانه وتعالى أعلم. ويصح استئجار زوجته لرضاع ولده ولو منها.
وقال القاضي: لا يجوز إذا كانت بحباله، واختار هذا القول الشيخ تقي الدين وهو قول أبي حنيفة وغيره؛ لأنه استحق حبسها والاستمتاع بها بعوض، فلا يجوز أن يلزمه عوض أجر لذلك، وقال أهل القول الأول: دليلنا أن كل عقد صح أن تعقده مع غير الزوج صح أن تعقده معه كالبيع؛ ولأن منافعها في الحضانة والرضاع غير مستحقة للزوج بدليل أنه لا يملك إجبارها عليه، قالوا: وقول أهل القول الثاني: إنها استحقت عوض الحبس والاستمتاع، قلنا: هذا غير الحضانة واستحقاق منفعة من وجه لا يمنع استحقاق منفعة أخرى سواها بعوض آخر، كما لو استأجرها أولًا ثم تزوجها، والقول أن يصح استئجارها أي الزوجة لرضاع ولده من «مفردات الذهب».
قال ناظمها: زوجٌ على زوجْتِه حيثُ عقَدْ ... إجارةً جاز لإرضاع الوَلدْ
والذي تطمئن إليه نفسي القول الثاني الذي اختاره شيخ الإسلام. والله أعلم.
ويصح استئجار ذمي مسلمًا لعمل معلوم في الذمة كقصارة ثوب وخياطته أو إلى أمد كأن يبني به له شهرًا أو نحوه، ولا يصح أن يستأجر ذمي مسلمًا لخدمته لتضمنها حبس المسلم عند الكافر وإذلاله واستخدامه مدة الإجارة أشبه بين المسلم للكافر بخلاف إجارته لغير الخدمة فلا تتضمن إذلاله، قال الله تعالى: {وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلاً}.
والشرط الثاني: معرفة العين المؤجرة للعاقدين برؤية أو صفة كالبيع لاختلاف الغرض باختلاف العين وصفاتها.
والشرط الثالث: قدرة مؤجر على تسليم العين المؤجرة كمبيع؛ لأنها بيع منافع أشبه ببيع الأعيان وتقدم أنه لا تصح إجارة الآبق والشارد ولا مغصوب ممن لا يقدر على أخذه.
والشرط الرابع: اشتمال العين على النفع، فلا تصح إجارة بهيمة زمنة لحمْل، والزمانة: مرض يدوم طويلًا، ولا يصح إجارة أرض سبخة لزرع؛ لأنه لا يمكن تسليم هذه المنفعة من هذه العين، ولا يصح إجارة دار خربة أو دكان خرب لتعذر استيفاء المنفعة إلا أن إستأجر أرضهما، ولا تصح إجارة أخرس لتعلم منطوق ولا إجارة أعمى لحفظ شيء يحتاج إلى رؤية؛ لأن الإجارة عقد على المنفعة، ولا يمكن تسليم هذه المنفعة من هذه العين.
والخامس: كون مؤجر يملك النفع بملك العين أو استئجارها أو مأذونًا بطريق له الولاية كحاكم يؤجر ما، نحو سفينة أو غائب أو وقفًا لا ناظر له أو من قبل شخص معين كناظر خاص، ووكيل في إجازة؛ لأنها بيع منافع فاشترط فيها ذلك كبيع الأعيان، فتصح من مستأجر لغير حر أن يؤجره لمن يقوم مقام المستأجر؛ لأن موجب عقد الإجارة ملك المنفعة والتسلط على استيفائها بنفسه أو بمن يقوم مقامه بخلاف مستأجر الحر كبيرًا كان أو صغيرًا، فليس له أن يؤجره؛ لأن اليد لا تثبت عليه وإنما هو يسلم نفسه إن كان كبيرًا أو يسلمه وليه وتصح إجارتها، ولو لم يقبضها المستأجر؛ لأن قبضها لا ينتقل به الضمان إليه فلا يقف جواز التصرف عليه بخلاف بيع المكيل ونحوه قبل قبضه حتى لمؤجرها يجوز إجارتها عليه؛ لأن كل عقد جاز مع غير العاقد جاز معه كالبيع ولو بزيادة عما أجرها به أو نقص؛ لأنه عقد يجوز برأس المال فجاز بنقص وزيادة ما لم يكن حيلة كعينة بأن استأجرها بأجرة حالة نقدًا ثم آجرها بأكثر منه مؤجلًا، فلا يصح حسمًا لمادة ربا النسيئة، وليس للمؤجر الأول مطالبة المستأجر الثاني بالأجرة؛ لأن غريم الغريم ليس بغريم.
قال في «شرح الإقناع»: قلت: إن غاب المستأجر الأول أو امتنع فللمؤجر رفع الأمر إلى الحاكم فيأخذ من المستأجر الثاني، ويوفيه أجرته أو من مال المستأجر الأول إن كان؛ فإن فضل شيء حفظه للمستأجر، وإن بقي له شيء فمتى وجد له مالًا وفاه منه كما يأتي في القضاء على الغائب إن شاء الله تعالى وإذا تقبل الأجير في ذمته عملًا بأجرة كخياطة أو غيرها، فلا بأس أن يقبله بأقل من أجرته ولو لم يعنْ فيه بشيء من العمل؛ لأنه إذا جاز أن يقبله بمثل الأجر الأول أو أكثر جاز بدونه كالبيع وكإجارة الين، وتصح إجارة عين من مستعير بإذن معير في مدة يعينها المستعير للإجارة؛ لأنه لو أذن له في بيعها لجاز، فكذا في إجارتها؛ لأن الحق له؛ فإن لم يعين فكوكيل مطلق يؤجر العرف وتصير العين المؤجرة أمانة بعد أن كانت مضمونة على المستعير لصيرورتها مؤجرة، والأجرة لربها؛ لأنه مالكها، ومالك نفعها وانفسخت العارية بالإجارة؛ لأنها أقوى منها للزومها، وتصح إجارة في وقف من ناظره؛ لأنه إما مستحق فمنافعه له فله إجارتها كالمستأجر وإلا فبطريق الولاية كالولي يؤجر عقار موليه، وإن مات مستحق وقف أجره وهو ناظر بشرط بأن وقفه عليه، وشرط له النظر لم تنفسخ الإجارة بموته؛ لأنه أجر بطريق الولاية أشبه الأجنبي، وإن آجر المستحق لكونه أحق بالنظر مع عدم الشرط لكون الوقف عليه لم تنفسخ الإجارة، كما لو آجر وليُّ مال موليه أو ناظر أجنبي، ثم زالت ولايته.
قال المنقح في «الإنصاف»: صححه في التصحيح والنظم، وجزم به في «الوجيز»، وقدمه في «الفروع» و«الرعاية الكبرى»، وشرح ابن رزين، قال القاضي في «المجرد»: هذا قياس المذهب.
وقال في «التنقيح»: وإن مات المؤجر انفسخت إن كان المؤجر الموقوف عليه بأصل الاستحقاق، وقيل: لا تنفسخ قدمه في «الفروع» وغيره، وجزم به في «الوجيز» وغيره كملكه وهو أشهر، وعليه العمل. انتهى من «المنتهى وشرحه».
والقول الأول: وهو أنه إذا مات المؤجر وانتقل إلى من بعد أنها تنفسخ؛ لأن البطن الثاني يستحق العين بجميع منافعها تلقيًا من الوقف بإنقراض الأول، بخلاف الطلق؛ فإن الوارث يملكه من جهة الموروث فلا يملك إلا ما خلفه وحق المورث لم ينقطع عن ميراثه بالكلية، بل آثاره باقية، ولهذا قالوا: تقضي منه ديونه وتنفذ وصاياه، هو الذي تطمئن إليه النفس، وهو اختيار الشيخ تقي الدين. والله أعلم.
فعلى القول أن الإجارة لا تنفسخ بذلك يأخذ المنتقلُ إليه الاستحقاق حصته من أجرة قبضها مؤجر من تركته إن مات، أو يأخذها من المؤجر إن انتقل عنه الاستحقاق حيًا، كمن كان وقف داره على ابنته ما دامت عزبًا؛ فإن تزوجت فعلى زيد، ثم أجرَّت الدار مدة وتعجلت الأجرة، ثم تزوجت في أثنائها فيأخذ زيد منها ما يقابل استحقاقه، وقال في «الإقناع»: والذي يتوجه أنه لا يجوز للموقوف عليهم أن يستسلفوا الأجرة؛ لأنهم لم يملكوا المنفعة المستقبلة ولا الأجرة عليها فالتسليف لهم قبض مالًا يملكونه ولا يستحقونه بخلاف المالك، وعلى هذا فللبطن الثاني أن يطالب بالأجرة المستأجر الذي سلَّف المستحقين؛ لأنه لم يكن له التسليف، ولهم أن يطالبوا الناظر إن كان هو المسلف ذكره في «الاختيارات»، وإذا بيعت الأرض المحتكرة أو ورثت فالحكم على من انتقلت إليه في الأصح، كما قاله الشيخ تقي الدين. انتهى.
وإن لم تقبض الأجرة فالمنتقل إليه الاستحقاق يأخذ حصته من مستأجر لعدم براءته منها، وعلى الوجه السابق، وهو القول بانفساخ الإجارة بانتقال الاستحقاق عن المؤجر عير المشروط له النظر، وهو الذي تميل إليه النفس كما سبق.
ينتزع من آل إليه الوقف أو الإقطاع ذلك من يد المستأجر، ويرجع مستأجر عجَّل أجرته على ورثة قابض مات أو عليه إن كان حيًا، ووجه انفساخ الإجارة: أن المنافع بعده حق لغيره، فبموته تبين أنه آجر حقه وحق غيره، فصح في حقه دون حق غيره، كما لو آجر دارين أحدهما له والأخرى لغيره، بخلاف الطلق إذا مات مؤجره؛ فإن الوارث يملكه من جهة مورثه فلا يملك منه إلا ما خلفه، وما تصرف فيه في حياته لا ينتقل إلى وارثه، والمنافع التي أجرها قد خرجت عن ملكه بالإجازة، فلا تنتقل إلى وارثه، والبطن الثاني في الوقف يملكون من جهة الواقف فما حدث منها بعد البطن الأول، فهو ملك لهم وإن آجر الناظر العامُّ، وهو الحاكم أو آجر من جعل الإمام له ذلك لعدم الناظر الخاص، وهو أجنبي بأن كان الوقف على غيره لم تنفسخ إجارته بموته ولا عزله قبل مضي مدتها؛ لأنه بطريق الولاية، ومن يلي النظر بعده إنه يملك التصرف فيما لم يتصرف فيه الأول، وسواء كان عينه الواقف أو أقامه الحاكم، وإن آجر سيد رقيقه أو آجر ولي يتيمًا محجورًا له أو آجر مال محجوره كداره أو رقيقه أو بهائمه، ثم عتق الرقيق المأجور أو بلغ اليتيم أو رشد المحجور عليه أو مات المؤجر أو عزل الولي قبل انقضاء مدة الإجارة لم تنفسخ إجارة الرقيق؛ لأنه تصرف لازم يملكه المتصرف كما لو زوج أمة ثم باعها أو أعتقها.
ولا رجوع له على مولاه بشيء؛ لأن منفعته استحقت بالعقد قبل العتق فلم يرجع ببذلها ولا تفسخ إجارة اليتيم أو إجارة ماله بموت الولي المؤجر ولا عزله؛ لأنه تصرف وهو من أهل التصرف فيما له الولاية عليه فلم يبطل تصرفه بزوال ولايته كما لو زوَّجه أو باع داره إلا أن عمل الولي بلوغ اليتيم في المدة بأن كان ابن أربع عشرة سنة وآجره أو آجر داره سنتين فتنفسخ ببلوغه لئلا يفضي إلى صحتها على جميع منافع طول عمره وإلى تصرفه في غير زمن ولايته على المأجور، ومثله إذا علم سيد عتق الرقيق في مدة الإجارة بأن قال: أنت حر بعد سنة ثم آجره سنتين فتنفسخ بعتقه، وإذا لم تنفسخ الإجارة بموت أو عزل مؤجر لا يعلم عتق الرقيق حينئذ فنفقة في عتق على سيد إلا إن شرطت النفقة على مستأجر فعليه، وإذا بيعت الأرض المحتكرة أو ورثت فالحكر على من انتقلت إليه في الأصح، قاله الشيخ تقي الدين: لو ورث المأجور أو اشترى أو اتهب أو وصَّي به لإنسان أو أخذ صداقًا أو أخذه الزوج عوضًا عن خلع أو صلحًا أو غير ذلك، فالإجارة بحالها، ويجوز بيع العين المستأجرة ولا تنفسخ الإجارة إلا أن يشتريها المستأجر، وإذا آجر الوقف بأجرة المثل فطلبه غير مستأجره بزيادة فلا فسخ، وكذا لو أجره المتولي على ما هو على سبيل الخير.
من النظم فيما يتعلق بالإجارة ومن شرطها إمكان تسليم مؤجر لمدته مع نفعه المتعودِ فلا يؤجر المغصوب إلا لغاصب وقاهره مع آبق متمرد وغير مجاز في الأصح إجارة المشاع فقط إلا لشركته قد وإيجار أرض سبخة لزراعة كإيجاره للنسخ من أقطع اليد وإيجار إنسان ليقتص جائز ومن مال من يقتص منه لممدد وجدر لوضع الخشْبِ أو صائد لمن يصيد ولا تؤجر سوى المتصيد ويحرم إيجار الكلاب جميعها سواه ما اقتناه جائز بمبعد ويحرم إيجار المحرم بيعه سوى الحر مع وقف وأم مولد وإيجار نقد للتحلي به أجز ووزن به قيدت أولى بأجود وفي ذينك استعمل بإطلاق عقد وقرض لدى القاضي إذا لم يقيد وللخدمة استأجر وليدك لا أبًا وللحضن والإرضاع زوجًا بأجود وتمنعْ بلا إذن إجارَة نفسها سوى في اشتراك لم يشن نيل مقصد وجائز استئجار طيب كعنبر ودار تهيأ للصلاة كمسجد ويشرط علم العين إما برؤية أو الوصف أن يُضبَط به في المجوَّدِ وقيل أجز من غير وصف ورؤية وللمكتري التخيير في الرؤية اشهد وحظر كرا الإسلام كفرًا لخدمة وفي عمل في ذمة ليوطد وقولان في إيجاره لا لخدمة لمعلوم أعمال بوقت محدد وأجرة حمام حلال كريهة كأثمانه والعقد غير مفسَّد ويشرط ملك النفع فيه لمؤجر أو الإذن في الإيجار شرعًا بأوكدِ وأن تقبض العين إن تشاء أجر أو أعر لمثلك في ضر فأدنى بأوطدِ وحتى لمكريها ولو بزيادة في الأولى وعنه إن زدت تعميرًا ازدد وجوز بلا قبض في الأقوى لأبعد وفي المؤجر أن تمنعه في ذا تردد وإن تشترط أن لا يلي النفعَ غيره لغا الشرط لم يلزم على المتأطد ويملك أيضًا مستعير إجارة بإذن معير في زمان مجدد ويملك أجر المثل لا الفسخ إن يعد لتغريره مستأجرًا عند معقد وإيجار وقف تحت حكم الفتى أجز مدى عمره في الظن إن لم يحدد ولم تنفسخ في الإنتقال بأجود ومن أجرة للثاني حصته أمهد ولو قيل إن يؤجره ذو نظر في المحبس لم يفسخ فقط لم أبعد وإن آجر الطفلَ الوليُّ وعبده فلا فسخ إن يبلغ ويعتق بأجود كذا مال محجور عليه لحظه إذا انفك حِجر بعد إيجاره اشهد
57- صور العين المعقود عليها، وما يشترط في الصور منها والذي لا يشترط وحكم إجارة العين المشغولة وقت عقد إجارتها وبما تستوفي السنة س57: ما هي صور العين المعقود عليها؟ وما الذي يشترط في الصور منها؟ وما الذي لا يشترط؟ وما حكم إجارة العين المشغولة وقت عقد؟ وما حكم إجارتها من وكيل مطلق؟ وكم للوكيل أن يؤجر إذا لم يُحدَّد له؟ وبين حكم إجارة الآدمي، ومن هو الأجير الخاص؟ ولِمَ سمي بذلك؟ وما الذي يستثنى من الوقت شرعًا؟ وبِمَ تستوفي السنة وبين حكم ما يعتبر بالأشهر، وحكم ما إذا قالا سنة عددية أو سنة بالأيام أو سنة رومية أو شمية أو فارسية أو قبطية، وهل للمستأجر ركوب لمثل المكان الذي استأجر إليه أو مخالفة الطريق؟ وبين حكم ما إذا استأجر للحج وتقدير المسافة والسير... إلخ.
ج: لإجارة العين المعقود على منافعها معينة كانت أو موصوفة في الذمة صورتان: إحداهما: أن تكون إلى أمد كهذه الدار شهرًا أو فرسًا صفته كذا ليركبه يومًا، وشرط في هذه الصورة علم الأمد كشهر من الآن أو وقت كذا؛ لأنه الضابط للمعقود عليه المعرف له وإن استأجره سنة وأطلق حمل على الأهلة؛ لأنها المعهودة شرعًا؛ لقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ } الآية؛ فإن قالا: سنة عددية، أو قالا: سنة بالأيام فثلاث مائة وستون يومًا [360]؛ لأن الشهر العددي ثلاثون، وإن قالا: سنة رومية أو شمسية أو فارسية وهما يعلمانه، جاز وله ثلاثمائة وستون يومًا [360] ويشترط أن لا يظن عدم العين المؤجرة بنحو موت أو هدم في مدة الإجارة، فتصح، وإن طال الأمد؛ لأن المعتبر كون المستأجر يمكنه استيفاء المنفعة منها.
قال في «الفروع»: ولو ظن عدم العاقد ولا فرق بين الوقف والملك، بل الوقف أولى قاله في «الرعاية»، قال في «المبدع»: وفي أولوية الوقف نظر، وإذا استأجر سنة لم يفتقر إلى تقسيط أجر كل شهر ولا أن تلي مدة الإجارة العقد، فتصح إجارة عين لسنة خمس في سنة أربع لجواز العقد عليها مع غيرها فجاز العقد عليها مفردة، ولو كانت مؤجرة أو مرهونة، قال في «الإنصاف»: إن غلب على الظن القدرة على التسليم وقت وجوبه صحت، وإلا فلا، قال: ومحل الخلاف إذا كان الرهن لازمًا؛ أما إن كان غير لازم فيصح إجارته قولًا واحدًا. انتهى. والذي يترجح عندي أن غجارة المرهون تتوقف على الإذن. والله أعلم.
أو مشغوله بنحو زرع وقت عقد كمسلم فيه لا يشترط وجوده وقت عقد إن قدر مؤجر على تسليم ما آجره عند وجوب التسليم وهو أول دخول المدة، فلا تصح إجارة في أرض مشغولة في غرس وبناء وأمتعة كثيرة يتعذر تحويلها إذًا إن كانت الإجارة لغير المستأجر صاحب الغرس أو البناء ونحوهما، لعدم القدرة على تسليمه إذًا، ويصح استئجار عين شهرًا أو سنة، ويطلق ولو بمدة تلي العقد وابتداؤه من عقد، ولا تصح إجارة من وكيل مطلق لم يُقَدِّرْ له الموكلُ مدة طويلة كخمس سنين؛ لأنه المتبادر مع الإطلاق، وكما لو قال: اشتر لأهلي خبزًا فاشترى قنطارًا منه فلا يلزم الموكل، وقال الشيخ تقي الدين: ليس لوكيل مطلق إيجار مدة طويلة، بل العرف كسنتين ونحوهما.
وقال في «الإنصاف»: الصواب الجواز إن رأى في ذلك مصلحة وتعرف بالقرائن، والذي يظهر أن الشيخ تقي الدين لا يمنع ذلك. اهـ، وهذا القول هو الذي تميل إليه النفس. والله سبحانه أعلم.
وتصح إجارة الآدمي لرعي وخدمة مدة معلومة، وتقدمت الأدلة في أول باب الإجارة، ويسمى مؤجر نفسه مدة معلومة الأجير الخاص لتقدير زمن يستحق المستأجر نفعه في جميعه مختصًا به سوى فعل الصلوات الخمس بسننها الراتبة في أوقاتها، وسوى زمن فعل صلاة جمعة، وصلاة عيد فطر، وصلاة عيد أضحى، فكل هذه مستثناة شرعًا، ولا يستنيب أجير خاص فيما استؤجر له لوقوع العقد على عينه كمن آجر دابة معينة لمن يركبها ونحوه، ومن استأجر سنة من العقد في أثناء شهر استوفى السنة بالأهلة فيستوفي أحد عشر وكمل ما بقي من أيام الشهر الذي استؤجر فيه ثلاثين يومًا لتعذر إتمامه بالهلال فيتم بالعدد؛ وأما ما عداه فقد أمكن استيفاؤه بالهلال فوجب؛ لأنه الأصل، وكذا كلما يعتبر بالأشهر، ثاني الصورتين أن تكون العين المعقود على منفعتها لعمل معلوم كدابة معينة أو موصوفة لركوب لمحل معين أو لحمل شيء معلوم إلى معين كبلد كذا، وله أن يركب الدابة المستأجرة للركوب لمنزله، ولو لم يكن منزله في أول عمارة البلد؛ لأنه العرف، وللمستأجر ركوب مؤجرة لمحل مثل المكان الذي استأجر إليه في جادة مماثلة للطريق المعقود عليه في مسافة وسهولة وحزونة وخوف وأمن، قلت: ومثل ذلك من استأجر سيارة أو طائرة أو السفينة أو المركب أو الدراجة أو الدباب، ولو كانت الطريث التي يعدل إليها أقل ضررً جاز على الصحيح من المذهب اختاره القاضي، وقدمه في «الفروع».
قال في «الرعاية الصغرى»: جاز في الأكثر وجزم به في «الحاوي الصغير»؛ لأن المسافة عُيِّنت ليستوفي منها النفعة ويعلم قدرها بها، فلم تتعين كنوع المحمول والراكب، واختار الموفق في «المغني» جواز العدول إلى غير المعين إن لم يكن لمكر غرض في المحل الأول.
قال: ويقوى عندي أنه متى كان للمكري غرض في تلك الجهة لم يجز العدول إلى غيرها كمكر جماله لمكة ليحج معها أو إلى بلد به أهله، فلا يعدل مكتر لغيره، ولو أكرى جماله جملة إلى بلد أخرى، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس. والله أعلم.
ولو أكرى جماله إلى بغداد لكونه أهله بها أو ببلد العراق لم يجز الذهاب بها إلى مصر، وذلك لأنه عين المسافة لغرض في فواته ضرر فلم يجز تفويته كما في حق المكري؛ فإنه لو أراد حمله إلى غير المكان الذي اكترى إيه لم يجز، وإن سلك المستأجر أبعدمن المكن الذي استأجر إليه أو سلك أشق منه فعليه المسمى وأجرة المثل للزائد لتعديه به، ومن اكترى بعيرًا لمكة لا يركب لعرفة؛ لأنه زيادة على المعقود عليه، ولو اكترى للحج فله الركوب لمكة ثم الركوب من مكة لعرفة ثم الركوب لمكة لطواف الإفاضة ثم الركوب لمنى لرمي الجمار؛ لأن ذلك كله من أعمال الحج، ولا يحتاج لتقدير السير فيه كل يوم؛ لأن ذلك ليس إليهما ولا مقدورًا عليه لهما، وإن سن ذكر قدر السير كل يوم قطعًا للنزاع، لاسيما إذا كان بطريق ليس السير فيه إليهما، وإن كان الكرى في طريق السير إليهما استحب ذكر قدر السير في كل يوم؛ فإن أطلق والطريق منازل معروفة جاز؛ لأنه معلوم، ومتى اختلفا في قدر السير أو وقته ليلًا أو نهارًا أو اختلفا في موضع المنزل إما داخل أو في خارج منه حُمِل على العرف؛ لأن الإطلاق يحمل عليه وإن لم يكن للطريق عرف وأطلقا العقد، فقال الموفق: الأولى صحة العقد؛ لأنه لم تجر العادة بتقدير السير ويرجع إلى العرف في غير تلك الطريق.
58- استئجار البقر لحرث أو دياس واستئجار الآدمي على دلالة أو خياطة إلخ. س58: تكلم بوضوح عما يلي: إستئجار بقر لحرث أو دياس زرع، إستئجار آدمي ليدل على طريق أو يلازم غريمًا أو يخيط أو يقصر أو يكون له ثوبًا أو لفصده أو لختْن أو حلق شعر رأس أو لحية أو بعض الرأس أو لمداواة شخص أو حلب حيوان أو رحى لطحن شيء، وما الذي لا يؤجّر إلا لمدة، وما الذي يشترط لذلك والذي يعتبر التقدير به؟ وبين حكم استئجار الآدمي لذبح حيوان وحكم استئجار الرحى، وحكم ما إذا ضم لما استأجره غيره أو استأجر لحفر بئر؟ واذكر الدليل والتعليل والخلاف.
ج: يصح إستئجار دواب العمل كبقر معينة أو موصوفة لحرث أرض معلومة لهما بالمشاهدة لإختلاف الأرض بالصلابة والرخاوة فيصح أن يستأجر البقر وحدها ليحرث هو بها وأن يستأجرها مع صاحبه بآلتها من سكة وغيرها، ويجوز تقدير العمل بالمساحة كجريب أو [جريبين] عن هذه الأرض وبالمدة كيوم أو يومين وهو من الصورة الأولى ويعتبر تعيين البقر؛ لأن الغرض يختلف باختلافها في القوة والضعف، وإن شرط المستأجر حمل زاد مقدر كمائة رطل وشرط المستأجر أن يبدل منها ما نقص بالأكل أو غيره فله ذلك لصحة الشرط، وإن شرط أن لا يبدله فليس له إبداله عملًا بالشرط؛ فإن ذهب بغير الأكل كسرقة أو سقوط ضاع به فله إبدال ما سرق أو ضاع، وإن أطلق العقد فلم يشترط إبدالًا ولا عدمه فله إبدال ما ذهب بسرقة أو أكل ولو معتادًا كالماء؛ لأنه استحق حمل مقدار معلوم فملكه مطلقًا، ويصح إستئجار آدمي حر أو عبد ليدل على طريق؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر استأجرا عبد الله بن الأريقط هاديًا خِرِّيتًا ليدلهما على الطريق إلى المدينة، والخريت الماهر في الهداية.
قال الشاعر: كأنهم في قفارٍ ظلَّ سالكُها ... نهْجَ الطريق وما في القوم خرِّيتُ
ويصح استئجار آدمي يلازم غريمًا يستحق ملازمة؛ لأن الظاهر أنه محق؛ فإن الحاكم في الظاهر لا يحكم إلا بالحق، ويصح أن يستأجر من يخيط له ثوبًا أو يغسله أو يكويه أو يفصله أو يقلع سنًا أو ضرسًا معينين أو يستأجر لفصد عرق أو لختن أو حلق شعر أو تقصيره؛ وأما شعر اللحية فيحرُمُ على المستأجرِ والمستأجرْ وعلى الحالق لها والمحلوق، ولو بلا أجرة؛ لأنه يحرم شرعًا حلقها وقصها ونتفها وتحريقها، وفي حلقها إن لم تعد دية كاملة، وتقدمت الأدلة الدالة على تحريم حلقها في الجزء الأول في سؤال (35) (ص18) الطبعة الأولى.
وكذا لا يصح الاستئجار لما يسمى بالتواليت، وهو حلق بعض الرأس وترك بعضه إلا إذا كان هناك جرح أو أذى، وكذا لا يصح الاستئجار لحلق رأس المرأة أو قصه للتشبه بالكفار إلا ما تقدم في الحج من أنها تقصر منه أنملة، ويصح استئجار طبيب لمداواة شخص معين، ويحرم الخلو بالمرأة لاسيما وقد ظهر وكثر إستعمال ما يسمى بالبنج وقلة الأمانة، وصار الطبيب المسلم نادر الوجود كالكبريت الأحمر ما تجد إلا من لا يُرى لا في جمعة ولا جماعة، ولذبح حيوان معين؛ لأن هذه أعمال مباحة لا يختص فاعلها أن يكون من أهل القرية فجاز الاستئجار عليها كسائر الأفعال المباحة وكإستئجار رحىً لطحن معلوم من حب معلوم؛ لأنه يختلف فمنه ما يسهل ومنه ما يعسر ما لا عمل له كدار وأرض لا يؤجر إلا لمدة، قاله المجد.
وما له عمل ينضبط يجوز تقدير إيجاره بمدة وعمل، ويكفي ذكر أحدهما عن الآخر وشرط علم كل عمل استؤجر له وضبطه بما لا يختلف؛ لأنه إن لم يكن كذلك لكان مجهولًا، فلا تصح الإجارة فيعتبر في إجارة دابة لإدارة رحى معرفة صاحب الدابة الحجر إما بنظر أو وصف؛ لأن عمل البهيمة يختلف بثقله وخفته ويعتبر تقدير عمل بزمان كيوم أو يومين أو طعام اعتبر ذكر كيله كقفيز واعتبر ذكر جنس مطحون كاستئجار رحى لطحن بر أو شعير أو ذرة، وإن استؤجر دابة لإدارة دولاب اعتبر مشاهدة الدولاب مع مشاهدة دلائه لاختلافها واعتبر تقدير المذكور بزمن أو ملء نحو حوض، ولا يصح تقديره بسقي أرض لتروى؛ لأنه لا ينضبط وإن استأجر دابة سقي بدلو اعتبر مشاهدة الدلو واعتبر تقديره بعدد الدلاء أو زمن كيوم أو أسبوع أو بماء نحو حوض كبركة، وإن قدر السقي بشرب ماشية جاز؛ لأن شربها يتقارب غالبًا كما يجوز تقديره ببل تراب معروف بالعرف، وإن استأجر دابة لسقي عليها اعتبر معرفة الآلة التي يسقى فيها من راوية أو قرابة أو جرارًا أو برميلًا أو تنكًا إما بالرؤية أو بالصفة؛ لأنها تختلف.
ويقدر العمل بالزمان كيوم أو شهر أو بالعدد أو بمثل شيء معين، وإن قدر العمل بقدر المرَّات بالماء ويصب فيه للسقي من قرب وبعد؛ لأنه يختلف، وكذا إن استأجروا بيتًا لسقي اعتبر معرفته لإختلاف في الصغر والكبر، واعتبر معرفة الماء لإختلافه حلاوةً ومرارةً وكدرةً وصفاءً ونظافةً وضدُّها، ومن اكترى زورقًا، وهو نوعٌ من السفن – فزواهُ، بأن جمعه مع زورق له فغرقًا ضمن؛ لأنها مخاطرة لاحتياجهما إلى المسافة ككفة الميزان كما لو اشترى ثورًا لإستقاء ماء فقرنه بثور آخر لإستقاء الماء فتلف ضمن؛ لأنها مخاطرة وإن استأجر دابتين واحدة لمكة والأخرى للمدينة بيَّن الدابة التي لمكة وبين الدابة التي للمدينة قطعًا للنزاع.
قلت: ومثله لو استأجر سيارتين لإختلافهما واختلاف الدرب، وإن استأجر لحفر نحو بئر أو لحفر نهر أو ساقيه اعتبر معرفة أرض تحفر واعتبر معرفة دور بئر، واعتبر معرفة مقدار عمقها؛ لأن الأرض تختلف بالصلابة وضدها واعتبر معرفة آلتها إن طواها بحصى أو نحوه.
واعتبر معرفة طول نهر وعمقه وعرضه؛ لأنه يختلف وإن حفر بئرًا استؤجر لحفرها فعليه نقل ترابها منها؛ لأنه لا يمكنه الحفر إلا به فقد تضمنه العقد فإن تهوَّر فيها تراب من جانبها أو سقط فيها نحو بهيمة فانهال بها تراب لم يلزم الأجير إخراج التراب، وهو على مكتر لحفرها إن أراد تنظيفها؛ لأنه سقط فيها من ملكه ولم يتضمن عقد الإجارة رفعه وإن وصل الأجير في الحفر لصخرة أو محل صلب يمنع الحفر لم يلزم الأجير حفره؛ لأن ذلك مخالف لما شاهده فوق، فإذا ظهر في الأرض ما يخالف المشاهدة كان للأجير الخيار في الفسخ والإمضاء؛ فإن فسخ الأجير فله من الأجرة بقسط ما عمل من المؤاجر عليه؛ لأن المانع من الإتمام ليس من قبله فيسقط الأجر المسمى على ما بقي من العمل وعلى ما عمل الأجير، فيقال: كم أجر ما عمل؟ وكم أجر ما بقي؟ فيسقط الأجر المسمى عليهما، فإذا فرضنا أن أجر ما عمل عشرة وما بقي خمسة عشرة، فله خمسا، ولا يُقسَّط على عدد الأذرع؛ لأن أعلى البئر يسهل نقلُ التراب منه وأسفله يشقُ، فمن استجر لحفر عشرة أذرع طولًا وعشرة أذرع عرضًا وعشرة عمقًا فحفر الأجير خمسة طولًا في خمسة عرضًا في خمسة عمقًا وأردت أن تعرف ما يستحقه من الأجرة المسماة له فاضرب عشرة بعشرة في مائة فاضربها في عشرة بألف، فهي التي استؤجر لحفرها واضرب خمسة في خمسة بخمسة وعشرين فاضربها في خمسة بمائة وخمسة وعشرين، وذلك الذي حفره وهو الخارج بالنسبة إلى الألف – فهو ثمن الألف، فللأجير ثمن الأجرة؛ لأنه وفَّى بثمن العمل، وإن نبع من المحفور من بئر أو نهر ما منع الأجير من الحفر فكالصخرة في الحكم للأجير الفسخ ويقسَّط على ما عمل وما بقي ويأخذ بالقسط ومن ذلك ما يُحكى أن شخصين مع أحدهما ثلاثة أرغفة ومع الآخر خمسة فخلطا الجميع فجاءهما ثالث فأكل معهما، ثم أجازهما بثمانية دراهم فترافعا إلى علي، فحكم لرب الثلاث بواحد ولرب الخمسة بسبعة.
وقال لهما: لأن مجموع الخبز يضرب في ثلاثة عدد الأشخاص بأربعة وعشرين ثم تضرب أرغفة كل واحد في الثلاثة، فلرب الثلاثة ثلاثة في ثلاثة بتسعة أكل منها ثمانية وبقي واحد، ولرب الخمسة خمسة في ثلاثة بخمسة عشر أكل منها ثمانية وبقي سبعة، فتم لكل ثمانية وهي مجموع الأربع وعشرين.
من النظم فيما يتعلق بإجارة العين وإيجار عين مدةً سَمِّ مؤجرًا ... بها بالأجير الخاص لا تتردد وليس عليه من ضمان لتالف ... إذا لم يكن منه تعدي معتدي وبشرط علم الوقت فيه وإن بطل ... وظن بقاء العين مدة معقد وقيل ثلاثين احدُدَتْها وقيل بل ... بحول وفي الوقف اختصر لا تزيد وليس بشرط أن تلي وقت عقدها ... ولا عدم الإشتغال وقت التفقدِ وللمكتري في الوقت فعل فرائض ... بسُنَّتها معْ جمعة ومعيَّد فإن تلِهْ لم يُشَرط لها ذكرُ بدوها ... وإن تتراخى فاشترطه وجدَّد وإن يُطلِقنْ حولًا فمن حين عقدهم ... يكون ابتداءُ الحول في المتأطدِ ويملك بالعقد المنافعَ قبل أن ... توفي لتقدير الوجود كموجد وإن يؤجرون في الشهر حولًا فواحد ... يُعَدُّ وباقٍ في الأهلة فاسرد وعن أحمد بالعدل كل وهكذا ... جميع الذي علقت بالأشهر اعدد وإن يكتري لليل أو لنهاره ... فأوله لا الآخر احْدُد بأجود وإن يكتري عينًا لفعل معين ... فيشرط ضبط قاطع للتنكد وإن يكتري شيئًا إلى مكة ولم ... يبين متى يخرج فذا العقد أفسد وجائز استئجار ما للركوب للحـ ... ـراثة والمعكوس في المتعود ويكره أجرٌ للملازم لامرئ ... غريم على المنصوص من قول أحمد وجائز استئجار حافر بئره ... بأرض كذا شهرًا وعن شاغِل ذُدِ وشيْلُ تراب الحفر في شر أذرع ... معينة لْزم أجيرك تسْعد وما انهارَ فيه بعدُ يلزم ربَّه ... وإن شاء يَفسخ إن يَبنْ ذا تجمد ويأخذ إن يفسخ بقيمة فعله ... من الكل لا من مثل أذرع فاهتد وجائز إيجار لنسخ القرآن والحديث ... وكتب الفقه والشعر ولا الرَّد بمديرة أو تقد أوراقه مع السُّـ ... ـطور ووصف الخط والهامش أحدد
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 6:00 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الخامس الخميس 10 ديسمبر 2015, 10:25 pm | |
| 59- مسائل حول تقديرات المؤجر ومخالفة المؤجر ما استؤجر له وبيان النوع الثاني من نوعي الإجارة س59: بأي شيء تعرف الأرض المرادة للحرث؟ وبأي شيء يقدر الكحل وإذا برئ في أثناء مدة الإجارة أو مات فما الحكم؟ وإذا استأجر من يقلع له ضرسه فقلع غيره، فما الحكم؟ وإذا امتنع من قلعه فما الحكم؟ وما هو النوع الثاني من نوعي الإجارة؟ وما الذي يشترط لذلك؟ وما مثال ذاك، وما الذي لا يشترط له، ومتى يلزم الأجير الشروع في العمل؟ واذكر ما يتعلق بذلك من أحكام، ومحتزات، وبين أحكام ما يلي: أكل الحجام أجرته، كسب المصور، وحلاق اللحى ورؤوس النساء وصاحب الملاهي والمطربين وبائعي الصور ومصلح آلات اللهو ومعلم الصور وبائع المسكرات أصحاب القيادة والزنا واللوط... إلخ.
ج: تعرف الأرض المرادة للحراثة بالمشاهدة لاختلافها بالصلابة والرخاوة؛ وأما تقدير العمل فيجوز بأحد أمرين؛ إما بمدة كيوم، أو تجديد عمل، فقوله هذه القطعة، أو قوله: أحرث من هنا إلى هنا، أو بمساحة كقوله له: احرث جريبًا أو جريبين، أو كذا ذراعًا في كذا ذراعًا ومع تقدير العمل بمدة فلابد من معرفة ما يحرث عليه كبقر ونحوها؛ لأن الغرض يختلف باختلافها، ومن استؤجر لكحل عيني أرمد صح؛ لأنه عمل جائز يمكن تسليمه أو استؤجر طبيب لمداواة مريض صحَّ واشترط تقدير التكحيل أو المداواة بما ينضبط به من عمل أو مدة، ولو كان التقدير بمرة واحدة أو مرات متعددة، وقيل: تعتبر صحة التقدير بالمدة فقط، والقول الأول أرجح. والله أعلم.
وشرط بيان عدد ما يكحله كل يوم، فيقول: مرة أو مرتين؛ فإن كان الكحل من العليل جاز؛ لأن آلة العمل تكون من المستأجر كاللبن في البناء، والطين والآجر ونحوها، وإن شرطه على الكحال جاز لجريان العادة به، ويشق على العليل تحصيله وقد يعجز عنه بالكلية، فجاز ذلك، كالصبغ من الصباغ، والحبر والأقلام من الناسخ، واللبن في الرضاع، وإن استأجره مدة فكحله فلم تبرأ عينه؛ فإنه يستحق الأجرة لأنه وفَّى بالعمل الذي وقع عليه العقد، فوجب له الأجر وإن لم يبرأ، كما لو استأجره لبناء حائط يومًا أو لخياطة قميص فلم يتمه فيه، وإن برئ الأرمد في أثناء المدة انفسخت فيما بقي من المدة؛ لأنه قد تعذر العمل أشبه ما لو حجز عنه أمر غالب أو مات في أثنائها انفسخت الإجارة لما مر، ويستحق من الأجرة بالقسط، وإن امتنع مريض من طب مع بقاء مرض في عينه استحق الطبيب الأجرة بمضي المدة، كما لو استأجره للبناء فلم يستعمله فيه؛ ولأن الإجارة عقد لازم، وقد بذل الأجير ما عليه ويصح أن يستأجر من يقلع له ضرسه أو سنه عند الحاجة إلى قلعه؛ فإن أخطأ الأجير فقلع غير ما أمر به من ضرس ضمنه؛ لأنه جناية ولا فرق في ضمانها بين العمد والخطأ إلا في القصاص وعدمه، وتنفسخ الإجارة ببرء قبل قلعه؛ لأن قلعه بعد برئه غير جائز ويقبل قول المريض في برء الضرس؛ لأنه أدرى به، وإن لم يبرأ الضرس وامتنع ربه من قلعه لم يجبر على قلعه؛ لأنه إتلاف جزء من الآدمي محرم في الأصل، وإنما أبيح إذا صار بقاؤه ضررًا و ذلك مفوَّضًا إلى كل إنسان في نفسه إذا كان أهلًا لذلك، وصاحب الضرس أعلم بمضرته ونفعه وقدر ألمه.
القسم الثاني من قسمي الإجارة: أن تكون على منفعة بذمة، وهي نوعان: أحدهما: أن تكون في محل معين كاستأجرتك لحمل هذا الطرد أو هذا الكيس أو الغرارة البر إلى محل كذا على بعير أو سيارة تقيمها من مالك بكذا.
والثاني: أن تكون في محل موصوف كاستأجرتك لحمل كيس سكر أو غرارة بر صفته كذا إلى مكة بكذا أو إلى المدينة بكذا وشرط ضبط المنفعة بوصف لا يختلف به العمل كخياطة ثوب يذكر قدره وجنسه وصفته لخياطةٍ وبناء دار يذكر الآلة ونحوها وحَمْلٍ لشيء يذكر جنسه وقدره لمحل معين ليحصل العلم بالمعقود عليه، كحمل جماعة على دابة أو سيارة أو سفينة أو طائرة أو مركب، فلابد من ذكر عددهم، فكل موضع وقع العقد عل مدة فلابد من معرفة ظهر يحمل عليه؛ لأنه يختلف بالقوة والضعف والبطء والسرعة، والغرض يختلف باختلافه وإن وقع العقد على عمل معين لم يشترط معرفة الظهر الذي يحمل عليه؛ لأن القصد العمل، وحيث ضبط حصل المطلوب، وكذا لو وقع العقد على ركوب عُقْبة بأن يركب تارة ويمشي أخرى لم يشترط معرفة ركوب لحصول الغرض بدونها، ويصح العقد؛ لأنه إذا جاز اكتراؤها في الجميع جاز في البعض، ولابد من كون العُقبة معلومة فتقدر بمسافة كفراسخ معلومة بأن يركب فرسخًا ويمشي آخر وتقدير بزمن بأن يركب ليلًا ويمشي أخرى مثلها ويعتبر في هذا زمان السير دون زمان النزول، وإطلاق العقبة يقتضي نصف الطريق حملًا على العرف وإن اتفقا على أن يركب ثلاثة أيام ويمشي ثلاثة أيام أو ما زاد أو نقص جاز أو اتفقا على أن يمشي يومًا ويركب يومًا، وإن اختلفا لم يجبر الممتنع منهما؛ لأن فيه ضررًا على كل واحد منهما على الماشي لدوام المشي وعلى المركوب، وإن اختلفا في البادئ منهما أقرع بينهما؛ لأنه لا مُرجِّح لأحدهما على الآخر فتعينت القرعة؛ لأنها تستعمل عند اشتباه المستحقين وعند تزاحمهم، وليس أحدهما أولى من الآخر وشرط كون أجير في المنفعة في الذمة آدميًا جائز التصرف؛ لأنها معاوضة على عمل في الذمة فلم تجز من غير جائز التصرف ويسمى الأجير فيه الأجير المشترك لتقدير نفعه بالعمل؛ ولأنه يتقبل أعمالًا لجماعة فتكون منفعة مشتركة بينهم، وشرط أن لا يجمع بين تقدير مدة وعمل كقوله استأجرتك لتخيط لي هذا الثوب في هذا اليوم؛ لأنه قد يفرغ منه قبل انقضاء اليوم؛ فإن استعمل في بقيته فقد زاد على المعقود عليه وإن لم يعمل فقد تركه في بعض زمنه فيكون غررًا يمكن التحرز منه ولم يوجد مثل في محل الوفاق، والذي تطمئن إليه نفسي جوازها. والله أعلم.
ويصح الجمع بين تقدير المدة والعمل في الجعالة؛ لأنه يغتفر فيها ما لا يغتفر في الإجارة، فإذا تم العمل قبل إنقضاء المدة لم يلزمه العمل في بقيتها؛ لأنه وفي ما عليه قبل مدته فلم يلزمه شيء آخر كقضاء الدين قبل أجله، وإن مضت المدة قبل العمل فللمستأجر فسخ الإجارة؛ لأن الأجير لم يف له بشرطه؛ فإن رضي بالبقاء عليه لم يملك الأجير الفسخ؛ لأن الإخلال بالشرط منه فلا يكون ذلك وسيلة إلى الفسخ؛ فإن اختار إمضاء طالبه بالعمل لا غير كالمسلم إذا صبر عند تعذر المسلم فيه إلى حين وجوده لم يكن له أكثر من المسلم فيه، وإن فسخ العقد قبل العمل سقط الأجر والعمل، وإن كان بعد عمل بعضه فله أجر مثله؛ لأن العقد قد انفسخ فسقط المسمى ورجع إلى أجر المثل، ويلزم الأجير المشروع في عمل ما استؤجر له عقب العقد لجواز مطالبته به إذًا؛ فإن أخَّر العمل بلا عذرٍ فتلف المعقودُ عليه ضمن لتلفه بسبب تركه ما وجب عليه، وشرط كون عمل لا يختص فاعله بمسلم كخياطة ونساجة ونحوهما؛ أما إن كان فاعله يختص بالمسلم كأذان وإقامة وإمامة وتعليم قرآن وفقه وحديث ونيابة في حجة وقضاء بين الناس، فتحرم الإجارة عليه، ولا تصح ولا يقع إلا قربة لفاعله؛ لحديث عثمان بن العاص أن آخر ما عهد إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- «أن اتخذ مؤذنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا» قال الترمذي: حديث حسن.
وعن عبادة بن الصامت قال: علَّمْتُ ناسًا من أهل الصفة القرآن والكتابة، فأهدى إلي رجل منهم قوسًا، قال: قلت: قوس وليس بمال، قال: قلت أتقلدها في سبيل الله، فذكرت ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- وقصصتُ عليه القصة، قال: «إن سرَّكَ أن يُقلدَك الله قوسًا من نار فاقبلْها»، وعن أُبي بن كعب أن علم رجلًا سورة من القرآن، فأهدي له خميصة أو ثوبًا، فذكر ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: «إنك لو لبستها لألبسك الله مكانها ثوبًا من نار» رواه الأثرم في «سننه»، وعن أبي قال: كنت أختلف إلى رجل مُسِنٍّ قد أصابته علةٌ وقد احتبس في بيته أقرئه القرآن، فكان عند فراغه مما اقرؤه، يقول للجارية: هلمي طعام أخي فنؤتى بطعام لا آكل مثله بالمدينة، فجال في نفسي منه شيء فذكرته للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: «إن كان ذلك الطعام طعامه وطعامُ أهله فكل منه، وإن كان يُتحفك به فلا تأكله»، وعن عبد الرحمن بن شبل الأنصاري قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «اقرأوا القرآن، ولا تغلو فيه، ولا تجفوا عنه، ولا تأكلوا به، ولا تستكثروا به» قال عبد الله بن شقيق: هذه الرُّغفان التي يأخذها المعلمون من السُّحْت؛ ولأن من شرط صحة هذه الأفعال كونها قربة إلى الله تعالى، فلا يصح أخذ الأجرة عليها، كما لو استأجر إنسانًا يصلي خلفه الجمعة أو التراويح، وقيل: يصح للحاجة، نقل أبو طالب عن احمد أنه قال: التعليم أحب إلي من أن يتوكل لهؤلاء السلاطين، ومِن أن يتوكل لرجل من عامة الناس في ضيعة ومِن أن يستدين ويتجر لعله لا يقدر على الوفاء فيلقي الله بأمانات الناس، التعليم أحب إلي ممن أجاز ذلك مالك والشافعي، ورخص في أجور المعلمين أبو قلابة وأبو ثور وابن المنذر؛ لأن «النبي -صلى الله عليه وسلم- زوج رجلًا بما معه من القرآن» متفق عليه.
فإذا جاز تعليم القرآن عوضًا في النكاح وقام مقام المهر جاز أخذ الأجرة عليه في الإجارة، ولما ورد عن ابن عباس أن نفرًا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- مروا بماء فيهم لديغ أو سليم، فعرض لهم رجل من أهل الماء، فقال: هل فيكم من راق؛ فإن في الماء رجلًا لديغًا أو سليمًا، فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء فجاء بالشاء إلى أصحابه فكرهوا ذلك، وقالوا: أنا أخذت على كتاب الله أجرًا حتى قدموا المدينة، فقالوا: يا رسول الله، أخذ على كتاب الله أجرًا؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله» رواه البخاري.
وعن أبي سعيد قال: انطلق نفر من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفرة سافروها حتى نزلوا على حي من أحياء العرب فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم فلدغ سيدٌ ذلك الحي، فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعلهم أن يكون عندهم بعض شيء فأتوهم، فقالوا: يا أيها الرهط، إن سيدنا لُدغَ وسعينا له بكل شيء لا ينفعه، فهل عند أحدٍا منكم من شيء؟ قال بعضهم: إني والله لأرقى؛ ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا، فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جُعلًا، فصالحوهم على قطيع من غنم، فانطلق يتفل عليه، ويقرأ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ} فكأنما نُشِطَ من عقال، فانطلق يمشي وما به قلبة، قال: فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه، فقال بعضهم: اقتسموا، فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي النبي -صلى الله عليه وسلم-، فنذكر له الذي كان فننظر الذي يأمرنا، فقدموا على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فذكروا له ذلك، فقال: «وما يدريك أنها رقية؟»، ثم قال: «قد أصبتم اقتسموا واضربوا لي معكم سهمًا» وضحك النبي -صلى الله عليه وسلم-، رواه الجماعة إلا النسائي، وهذا لفظ البخاري.
وإذا أجاز أخذ الجعل جاز أخذ الأجرة؛ لأنه في معناه؛ ولأنه يجوز أخذ الرزق عليه من بيت المال، فجاز أخذ الأجرة عليه كبناء المساجد؛ ولأن الحاجة تدعو إلى الاستنابة في الحج عمن وجب عليه، وعجز عن فعله، ولا يكاد يوجد متبرع بذلك فيحتاج إلى بذل الأجرة فيه، واختار هذا القول الشيخ تقي الدين، وقال: لا يصح الاستئجار على القراءة وإهداؤها إلى الميت؛ لأنه لم ينقل عن أحد من الأئمة الإذن في ذلك.
وقد قال العلماء: إن القارئ إذا قرأ لأجل المال فلا ثواب له، فأي شيء يُهدى إلى الميت وإنما يصل إلى الميت العمل الصالح والاستئجار على مجرد التلاوة، ولم يقل به أحد من الأئمة وإنما تنازعوا في الإستئجار على التعليم والمستحب أن يأخذ الحاج عن غيره ليحج لا أن يحج ليأخذ فمن أحب إبراء ذمة الميت أو رؤية المشاعر يأخذ ليحج ومثله كل رزق أخذ على عمل صالح ففرق بين من يقصد الدين فقط والدنيا وسيلة أو عكسه والأشبه أن عكسه ليس له في الآخرة من خلاق، قال: وحجه عن غيره ليستفضل ما يوفي دينه الأفضل تركه لم يفعله السلف، ويتوجه فعله للحاجة.
قال صاحب «الفروع»: ونصره ونقل ابن هانئ فيمن عليه دين وليس له ما يحج أيحج عن غيره ليقضي دينه؟ قال: نعم، والذي يترجح عندي قول من قال بصحته للحاجة. والله سبحانه وتعالى أعلم.
ولا يحرم أخذ جعالة على ذلك على القول الأول والثاني؛ لأنها أوسع من الإجارة، ولهذا جازت مع جهالة العمل والمدة ولا يحرم أخذ الأجرة على رقية؛ لحديث أبي سعيد المتقدم وكما لا يحرم أخذ ذلك بلا شرط؛ لحديث عمر بن الخطاب المتقدم في الزكاة: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «ما أتاك من هذا المال من غير مسألة ولا إستشراف نفس فخذه ومالًا فلا تتبعه نفسك» متفق عليه.
وأما ما لا يختص أن يكون فاعله من أهل القربة كتعليم خط وحساب ونحو ذلك، وبناء مسجد وقناطر وذبح هدي وأضحية وتفريق صدقة، فيجوز الاستئجار له، وأخذ الأجرة عليه؛ لأنه يقع تارة قربة وتارة غير قربة، أشبه غرس الأشجار وبناء البيوت، ولا يحرم أخذ رزق من بيت المال أو من وقف عليه على متعد نفعه كقضاء وتعليم قرآن وحديث ونيابة في حج وتحمل شهادة وأدائها وأذان؛ لأنه من المصالح العامة فجرى مجرى الوقف على من يقوم بها، وليس بعوض، بل رزق للإعانة على الطاعة ولا يخرجه ذلك عن كونه قربة ولا يقدح في الإخلاص؛ لأنه لو قدح ما اسُتحقِت الغنائم وسلبُ القاتل، بخلاف الأجر، فيمتنع أخذ الأجر على ذلك لما تقدم فَمَن عَمِلَ ممَّن يقوم بالمصالح لله أثيب على عمله الذي أخلصه لله.
قال الله تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ}، وحرم أخذ رزق وأخذ جعل وأخذ أجر على فعل قاصر على فاعله لا يتعدى نفعه كصوم وصلاة خلفه وكحجة عن نفسه واعتكافه؛ لأنه ليس من المصالح إذ لا تدعو حاجة بعض الناس إلى بعض من أجله؛ ولأن الأجر عوض الإنتفاع فأشبه إجارة الأعيان التي لا نفع فيها ومَن نفعه قاصر على نفسه كالحاج عن نفسه والمعتكف والطائف عنها لا يجوز له أن يأخذ رزقًا من بيت المال إلا ما فضل عمَّن نفعهُ متعدِّ، وتقدم أن الفاضل عمن تعدى نفعه يقسم بين المسلمين غنيهم وفقيرهم لاشتراكهم فيه، والاشتراك يقتضي التسوية، وصح استئجار لحجم وفصد، ولا يحرم أجره؛ لما روى ابن عباس قال: «احتجم النبي -صلى الله عليه وسلم- وأعطى الحجام أجره»، ولو كان حرامًا لم يعطه، متفق عليه.
وفي لفظ: لو علمه خبيثًا لم يعطه؛ ولأنها منفعة مباحة لا يختص أن يكون فاعلها من أهل القرية فجاز الاستئجار عليها كالرضاع، وكره لحر لا رقيق أكل أجرته، ولو أخذها بلا شرط تنزيهًا له ويطعمه رقيقًا وبهائم؛ لقوله –عليه الصلاة والسلام-: «كسب الحجام خبيث» متفق عليه.
وقال: «أطْعمه ناضِحَك ورقيقكَ»رواه الترمذي وحسنه، فعلم منه أنه ليس بحرام إذ غيرُ جائز أن يُطعِمَ رقيقه ما يحرم أكله؛ فإن الرقيق آدمي يُمنع من ما يمنع منه الحر، ولا يلزم من تسميته خبيثًا التحريمُ، وقد سمى -صلى الله عليه وسلم- الثوم والبصل خبيثين مع عدم تحريمهما، وإنما كُرِه للحُر تنزيهًا له لدناءة هذه الصناعة، وقال القاضي: إنه لا يحل للحجام أكل أجرته على ذلك؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم-: «كسب الحجاب خبيث».
وقال ناظم المفردات مشيرًا إلى قول القاضي: وكَسْبُ حَجَّامٍ فَقُلْ خَبيثُ سُحْتٌ بذا قد جاءنا الحديث أكْلًا لِحُرٍ ليس بالمُلَائِمِ يُطْعَمُ لِلْعَبْدِ ولِلْبَهِائِمِ يَحْرُمُ نَصًّا جَاءَ قَال القَاضِي وَعَقْدُها لَيْسَ بعَقْدٍ مَاضِي وَقَالَهُ قَوْمُ وَقومٌ حَرَّموا بالعَقْدِ لَا بِغَيْرِهِ اكْرَهْ جَزَمُوا ومَذْهَبُ الشَّيْخَيْنَ فَاكْرَهْ مُطْلَقًا وعَقْدُهَا يَصِحُّ فِيمَا حُقّقَا
وكذا أجرة كسح الكنيف أي إخراج ما في المحل المعد لقضاء الحاجة، ويصح الاستئجار لذلك ولشفط البالوعة لدعاء الحاجة إلى ذلك وكراهة أكل الأجرة؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «كسْبُ الحجام خبيث»، ونهي الحر عن أكله، فهذا أولى، وقد روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رجلًا حجَّ ثم أتاه، فقال له: إني رجل أكنس فما ترى في مكسبي؟ قال: أي شيء تكنس؟ قال: العَذِرَة، قال: ومنه حججتْ ومنه تزوجت، قال: نعم، قال: أنت خبيثٌ وحجُّك خبيثٌ وما تزوَّجتَ خبيث، أو نحو هذا.
ذكره سعيد بن منصور في «سننه» بمعناه؛ ولأن فيه دناءة فكره كالحجامة ويحْرمُ كسْبُ المصور للأحاديث الواردة في تحريم الصُّور مجسَّدة أو غير مجسدة والوعيد الشديد عليهم، ويُحرم كسْبُ حلاق اللحى للأحاديث الواردة في تحريمُ حلقها، ويحرم كسبُ مَن كسبُه من آلات اللهو كالسينماء والتلفزيون والبكمات، ويحرم كسبُ المطربين والمطربات وإعطاؤهم؛ لأنه إعانة وتشجيعٌ على المعاصي، وكذا المغنيين بالدماميم، وهي الطبول من رجال ونساء؛ لأن ذلك منكر ومع ذلك يحصل نظر محرم واستماع للملاهي واستماع لأصوات النساء الأجنبيات والتلذذ بها، وغير ذلك من المفاسد، وإن حصل ما يسمى عند الفساق والمنحلين بالتشريع، فلا تسأل عن عظم المفاسد وأضرارها ويحرم كسب حلاقي رؤوس النساء، ومن يقصُّها للتشبه بالكفر وللتمثيل بالشعر والتغيير لما خلقه الله عليها جمالًا لها وميزة عن الرجال، وكذا يحرم كسب من مكسبه من عمل التصوير، وكذا من مكسبه من بيع ملابس الرجال للنساء وملابس النساء للرجال لحرمة التشبه، وكذا يحرم كسب من مكسبه من عمل الرؤوس الصناعية أو بيعها؛ لأنه إذا كان وصل الشعر بشعر آخر حرام فجمعه أولى؛ لما في «الصحيحين» أن امرأة سألت النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقالت: يا رسول الله، إن ابنتي أصابتها الحصبة، فتمزق شعرها، وإني زوجتها أفأصل فيه؟ فقال: «لعن الله الواصلة والموصولة»، وفي رواية: أن زوجها أمرني أن أصل في شعرها، فقال: «لا، إنه قد لعن الموصولات».
وروى مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- زجر أن تصل المرأة برأسها شيئًا، وكذا يحرم كسب من مكسبه من خطه وعمله للدعايات المحرمة في اللوحات والأوراق ونحوها للترغيب في المحرمات؛ لأنه إعانة على نشر الفساد بين المسلمين والمعاصي، وقد قال الله تعالى: {وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}، وكذا يحرم كسب من مكسبه من عمل خواتم ذهب للرجال أو من بيعها ومكاسبها، وكذا يحرم كسب من مكسبه مما يأخذه من الناس باسم التأمين على الأموال أو على الأنفس؛ لأنه غرر وجهالة وأكل لأموال الناس بالباطل، وقد نهى الله عن ذلك بقوله جل وعلا: {وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ} ويأتي –إن شاء الله- الكلام على التأمين بأبسط من هذا في باب السبق في آخر هذا الجزء.
ويحرم مكسب بائع الصور مجسدة أو غير مجسدة للأحاديث الواردة في تحريمها؛ ولأنه إعانة على نشر المعاصي والمفاسد والمفاتن؛ ولأنها من المعاصي المتعدية أضرارها ويحرُمُ مكسب مُصلح آلاتِ اللهو والمَعازِف؛ لأنه إعانة على المعاصي، ويحرم كسْبُ مَن مكسبُه من تعليم التصوير أو صنع آلات اللهو لما تقدم من أنه إعانة على نشر المعاصي والمفاسد؛ ولأنها من المعاصي المتعدي ضررها إلى الغير، ويحرم كسب من مكسبه من عمل المسكرات أو من بيعها لتحريمها، وتأتي الأدلة في كتاب حد شارب الخمر آخر الكتاب في الجزء الثامن –إن شاء الله تعالى-، ويحرم كسب من مكسبه من اللوط أو الزنا أو القيادة، ويقال لها الجرارة؛ لأنها من أعظم المحرمات. نسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة، ويكره كسب منمصة لإشتمال فعلها على التنميص المنهي عنه وكسب حمامي؛ لأنه لا يسلم داخلوه من كشف العورة.
من النظم فيما يتعلق في الإجارة في الذمة ويشترط في استئجار فعل بذمة بيان صفات الفعل كالسلم أحدد وتعيينه وقتًا لفعل معين يرد على الأولى وعنه ليوطد فإن تم قبل الوقت يبرأ أجيره فللمكتري الفسخ وفي عكسه قد ومشترك هذا الأجير ولم يكن سوى آدمي جائز الأمر أرشد وإن يستنب فيها الأجير فجائز إذا كنت لم تشرط مباشرة اليد وإن يهرب أو يمرض أقام مقامه بأجر عليه حاكم ذو تقلد وإن يأذن الإنفاق أو يستدين أو يبيع بعيرًا فاضلًا للمعرد ويرجع في الأولى بلا إذن حاكم بالإنفاق أن يشهد لعذر ممهد وإن هو لم يشهد لإعواز شهد ليرجع على الأقوى إن نوى العود فاشهد وبعد إنقضاء وقت الإجارة فليبع ويقضيه قاض والنماء للمشردِ وإن عاد جمال وناكر منفقًا فللمنفق القول أرض ما لم يزيد وللمكتري عند التعذر فسخها ويفسخها فوت المحل المقيد وسيان برء والفرار وهلكه بكل زمان العقد قبل التأطدِ ويشرط في الأعيان علم صفاتها فإن تتعطل في ابتداء العقد تفسد وإن كان في أثناء فسخ بما بقي وإن شئتَ فسخًا في المُعَيَّبِ فاردد وإن شئت فامسك وأغرم الأجر كله وإمساكها بالإرث ليس بمبعدِ وإن غار ماء الزرع في الأرض أو هوى الديار انفسخ فيما بقي في المجودِ ومن يكتري شيئًا لمعلوم شغله فيغصب ليصبر إن يشَا أو ليردد وإن يبق نفع لم يُبَح معْ سلامةٍ وهَتْ ولنقص وارتجا قربة طد وإن يكن الإيجار وقتًا بعينه له الفسخ أو أجر على غاصب قد وإن شرط الإنفاق في مال مكتر أو الأجر وقت العطلة اردد وأفسد وأما إذا استأجرت عينًا بوصفها فكالسلم أقض في الصفات وقيد وإن يتعذر نفعها بعد دفعها أو اعتابت استبدل وإن شئتَ فاردد وأما إذا استأجرتها مدة مضت بغير انتفاع للتعذر تفسد وجوز على برء جعالة طبة في الأقوى وقل للبرء لا أجر فاشهد وإن مات أو [؟؟؟] على غير طبةً ينلْ أجره لا القسط حسبُ بأجود وكل الدوا من مال من طب لا على الطبيب سوى كُحْل شرطت بأجود وإن تكتريه مدة ليطب فاشترط كل يوم كم يداوي وقيد فإن تنقضي لم يَبْرَ يحْظَ بأجره وفيما بقي أفسخ إن ترى أو بريء أشهد ويحرم إيجار على فعل قربة بإيجارها يختص كل موحد كحج وتأذين وفعل إمامة وتعليم قرآن وفقه بأوكد وخذ ما أتى من غير شرط كوقفه ورزق الفتى من بيت مال مرصد وما قد يخص المسلمين بفعله كتعليم خط والحساب ليوطد ولا تؤجرن للحمل إلا برؤية أو الوزن أو كيل كوصف بمبعد وإن ينقص المحمول أكل وهلكة فإن له تحميل مثل بأجود
60- مسائل حول استيفاء النفع وما يمنع من المستأجر والذي يجوز له إلخ س60: هل للمستأجر أن يستوفي النفع بمثله؟ وما الذي يعتبر إن كان له ذلك؟ واذكر ما يتعلق بذلك من أمثلة، وما الذي يمنع منه المستأجر والذي يجوز له والذي يملكه والذي لا يملكه، وإذا فعل مكتر ما لا يملكه أو سلك طريقًا أشق أو اكترى لحمولة قدر فزاد أو إلى موضع فزاد عليه أو تلفت الدابة أو أردف على الدابة أو اكترى أرضًا، لوضع قدر فزاد على القدر أو اختلفا في قدر الأجرة أو صفة الانتفاع أو اختلفا في قدر المدة، واذكر الدليل والتعليل والخلاف والترجيح.
ج: لمستأجر استيفاء نفع معقود عليه بمثله ضررًا كبدونه بإعادة أو إجارة لملكه المنفعة، ولو اشترط المستأجر أن يستوفي النفع بنفسه لبطلان الشرط لمنافاته مقتضى العقد وهو ملك النفع والتسلط عليه بنفسه أو نائبه فتعتبر مماثلة راكب لمأجور في طول وقصر وفي خفة وثقل فلا يركبها أطول ولا أثقل منه؛ لأنه لا يملك أكثر مما عقد عليها، وقيل: لا يشترط ذلك، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس. والله أعلم.
ويكفي في العلم بالمماثلة غلبة الظن فمن استأجر دابة ليركبها وأراد أن يعيرها أو يؤجرها الآجر، فإذا غلب على ظنه أنه مساوٍ له في الطول والقصر والخفة والثقل كفى ذلك، ولا يحتاج إلى اعتبار نفسه بالوزن، ثم يعتبر الآخر كذلك؛ فإن ساواه عقد عه وإلا فلا؛ لأن ذلك يعسر جدًا، وقد يتعذر فاغتفر فيه التفاوت اليسير، وتقدم أن القول الذي تميل إليه النفس عدم اعتبار ذلك والتفاوت بسيط، ولا تعتبر مماثلة في معرفة ركوب؛ لأن التفاوت يسير فعفى عنه، ولهذا لا يشترط ذكره في الإجارة، وقيل: تعتبر المماثلة؛ لأن قلة المعرفة تثقل على المركوب وتضر به.
قال الشاعر: لم يركبوا الخيل إلا بعد ما ركبوا ... فهم ثقال على أعجازها عُنُف
ولا يضمنها مستعير بتلف عنده بلا تفريط لقيامه مقام المستأجر في استيفاء المنفعة فحكمه حكمه في عدم الضمان، والذي يترجح عندي أن يضمنها إلا أن أذن له المالك. والله أعلم.
ويجوز استيفاء مستأجر ونائبه بمثل ضرر ما استؤجر له فما دون ضرره من جنسه، قال أحمد: إذا استأجر دابة ليحمل عليها تمرًا فحمل حنطة أن لا يكون به بأس إذا كان الوزن واحدًا لا إن كانت المنفعة التي يستوفيها أكثر ضررًا؛ لأنه لا يستحقه أو كانت بمخالف ضرر المستأجر في ضرر المعقود عليه؛ فإنه لا يجوز، فلو استأجر أرضًا لزرع بر فله زرع بر وزرع نحو شعير كعدس وباقلاء؛ لأنه دون البر في الضرر والمعقود عليه منفعة الأرض دون البر، ولهذا يستقر عليه العوض بمضي المدة إذا تسلم الأرض وإن لم يزرعها وإنما ذكر البر لتقدر المنفعة به، ولا يملك مستأجر أرضًا لزرع بر زرع نحو دخن وذرة وقطن وقصب؛ لأن ذلك أكثر ضررًا من البر، ولا يملك مكتر لزرع غَرس أو بناء؛ لأن ضررهما أكثر من الزرع، وإن استأجر أرضًا للغراس لم يملك البناء بها وإن استأجرها البناء لم يملك الزرع لاختلاف ضررهما، فالغراس بباطن الأرض يضر والبناء يضر بظاهرها وإن اكتراها لغرس له زرعها؛ لأن ضرره أقل من ضرر الغراس وهو من جنسه؛ لأن كلًا منهما يضر بباطن الأرض، وإن اكتراها للبناء ملك الزرع، والقول الأول عندي أنه أرجح. والله أعلم.
ولا تخلو الأرض من قسمين: أحدهما: أن يكون لها ماء دائم إما من نهر لم تجر العادة بانقطاعه كالأراضي التي تشرب من النيل والفرات، ونحوهما أو لها ماء لا ينقطع إلا مدة لا تؤثر في الزرع أو تشرب من عين تنبع أو بركة من مياه الأمطار يجتمع فيها الماء ثم تسقى به أو تشرب من بئر تقوم بكفايتها أو ما يشرب بعروقه لنداوة الأرض، وقرب الماء الذي تحت الأرض، فهذا كله دائم، ويصح استئجار هذا القسم من الأرض للغراس والزرع، قال في «المغني»: بغير خلاف علمنا وكذلك الذي تشرب من مياه الأمطار وتكتفي بالمعتاد منه؛ لأن حصوله معتاد، والظاهر وجوده.
القسم الثاني: أن لا يكون لها ماء دائم، وهي نوعان: أحدهما: ما يشرب من زيادة معتادة تأتي وقت الحاجة بإذن الله تعالى كأرض مصر الشاربة من زيادة النيل وما يشرب من زيادة الفرات وأشباهه وأرض البصرة الشاربة من المد والجزر وأرض دمشق الشاربة من زيادة بردي وما يشرب من الأودية الجارية من ماء المطر المعتاد، فهذه تصح إجارتها قبل وجود الماء الذي تسقى به؛ لأن حصوله أجرى الله العادة بوجوده؛ ولأن ظن القدرة على التسليم في وقته كاف في صحة العقد كالسلم في الفاكهة إلى أوانها.
النوع الثاني: أن يكون مجيء الماء إليها نادرًا أو غير ظاهر كالأرض التي لا يكفيها إلا المطر الشديد الكثير الذي يندر وجوده أو يكون شربها من فيض واد مجيئه نادرًا أو يكون شربها من زيادة غير معتادة، بل نادرة في نهر أو غير غالبة، قاله في «المغني»، من نيل أو غيره فهذه إن أجرها بعد وجود ما يسقيها به صح العقد؛ لأنها مشتملة على النفع المقصود منها، وإن آجرها قبل وجود ما يسقيها للزرع أو الغرس لا يصح العقد؛ لأن الأرض لا تُنِبتُ الزرع أو الغرس بلا ماء وحصوله غير معلوم، ولا مظنون فأشبهت السبخة إذا أوجرت للزرع، وإن اكتراها على أنها لا ماء لها، صح؛ لأنه يتمكن بالانتفاع منها بالنزول فيها، ووضع رحله وجمع الحطب. وقال الشيخ تقي الدين: وما لم يرو من الأرض فلا أجرة له اتفاقًا، وإن قال في الإجارة مقيلًا ومراحًا وأطلق؛ لأنه لا يرد عليه عقد كالبرية، وليس له أن ينبني ولا يغرس فيها؛ لأن ذلك يُراد للتأبيد وتقدير الإجارة بمدة يقتضي تفريغها عند انقضائها بخلاف ما إذا صرح بالبناء والغراس؛ فإن تصريحه صرف التقدير عن مقتضاه، وكذا لو أطلق مع علمه بحالها لا إن ظن إمكان تحصيله.
والدار إذا استؤجر للسكنى لمستأجرها أن يسكن ويكِّن من يقوم مقامه في الضرر أو دونه ويضع فيها ما جرت عادة الساكن به من الرحل والطعام والبز، ويخزن فيها الثياب ونحوها مما لا يضرها، وكل ما جرت العادة بوضعه فيها مما لا يضر بها ولا يعمل فيها حدادة ولا قصارة؛ لأنه لإفضائه إلى تخريق الأرض وجدران البيت وأبوابه ولا يعمل شيئًا ثقيلًا فوق السطح؛ لأنه يثقله ويكسر الخشب ولا يجعل فيها شيئًا يضربها كسرجين، وإن كان فيها موضعًا معدًا لربط الدواب فلا مانع من إسكانها الدواب عملًا بالعرف، وإن كان شرط على المؤجر أن يجعل فيها سرجينًا فله ذلك؛ لأنه فوق المعقود عليه، وله إسكان ضيف وزائر، ومن استأجر دابة لركوب أو حمل لا يملك الآخر لاختلاف ضررهما؛ لأن الراكب يعين الظهر بحركته لكنه يقعد في موضع واحد فيشتد على الظهر والمتاع لا معونة فيه؛ لكنه يتفرق على الجنبين، وإن اكتراها لحمل حديد أو قطن لا يملك الآخر؛ لأن ضررهما مختلف، فالقطن يتجافى وتهب فيه الرياح فيتعب الظهر، والحديد يكون في موضع واحد فيثقل عليه؛ فإن فعل مكتر ما ليس له فعله أو سلك طريقًا أشق مما عينها فيلزمه المسمى بعقد مع تفاوت المنتفعين في أجرة مثل زيادة على المسمى إن كان قد سمى أجرًا؛ لأن الزيادة غير متميزة، ولأنه متعد بالجميع بدليل أن رب الدابة منعه من سلوك تلك الطريق كلها، بخلاف من سلك تلك الطريق وجاوزها؛ فإنه إنما يمنع من الزيادة لا غير، وإن اكترى ظهرًا لحمل حديد فحمل عليه قطنًا فعليه أجرة المثل، وعكسه إذا اكترى لحمل قطن، فحمل حديدًا فيلزمه أجرة المثل؛ لأن ضرر أحدهما مخالف للآخر فلم يتحقق كون المحمول مشتملًا على المستحق بعقد الإجارة وزيادة عليه، وقيل: كالتي قبلها بأن يلزمه المسمى في تفاوت أجر المثل من غير استثناء والذي يترجح عندي القول الأول؛ لأنه أقرب إلى العدل فيما أرى والله سبحانه أعلم.
وإن اكترى دابة ليركبها عريًا لم يكن له أن يركبها بسرج؛ لأنه زائد عما عقد عليه، وعكسه بأن اكتراها ليركبها بسرج لم يجز له ركوبها عريًا؛ لأنه يحمي ظهره وربما أفسده، وإن استأجرها ليركبها بسرج لا يركبها بسرج أثقل منه؛ زيادة عن المعقود عليه كما يمتنع عليه ركوب حمار بسرج برذون إن كان أثقل من سرجه أو أضر –كما تقدم- لا إن كان أخف أو أقل ضررًا من سرجه، وإن اكتراها لحمولة قدر كمائة رطل حديد، فزاد عليه أي على المقدار كما لو حملها مائة وعشرين، فعليه المسمى ولزائد أجرة مثله أو اكترى ليركب أو يحمل إلى موضع معين فجاوزه بأن زاد عليه، فعليه الأجر المسمى لاستيفاء المعقود عليه متميزًا عن غيره، وعليه لزائد أجرة مثله لتعديه كالغاصب، وإن تلفت الدابة المؤجرة، وقد خالف المستأجر ففعل ما لا يجوز له فعليه قيمتها كلها لتعديه سواء أتلفت في الزيادة أو تلفت بعد ردها إلى المسافة؛ لأن يده صارت ضامنة بمجاوزة المكان فلا يزول الضمان عنها إلا بإذن جديد ولم يوجد، وسواء كان صاحبها مع المكتري أو لم يكن، وقيل: إن تلفت في حال التعدي ولم يكن صاحبها مع راكبها فلا خلاف في ضمانها بكمال قيمتها وكذا إذا تلفت تحت الراكب أو تحت حمله وصاحبها معها؛ وأما إن تلفت في يد صاحبها بعد نزول الراكب عنها؛ فإن كان بسبب تعبها بالحمل والسير فهو كما لو تلفت تحت الحمل والراكب، وإن تلفت بسبب آخر فلا ضمان فيها، وهذا القول هو الذي تميل إليه النفس. والله سبحانه أعلم.
وإن تلفت بافتراس سبع أو سقطت في هوة أو جرحها إنسان فماتت؛ فإنه لا ضمان على المكتري؛ لأنها لم تتلف في عارية وإحالة ضمانها على الجارح لها أو نحوه أولى من المكتري، وإن اكترى إنسان لحمل قفيزين فحملهما فوجدهما ثلاثة؛ فإن كان المكتري تولى الكيل ولم يعلم المكري بأنها ثلاثة فكمن اكترى لحمولة شيء فزاد عليه يلزمه المسمى وأجرة المثل للزائد، وإن كان الأجير تولى الكيل والتعبئة ولم يعلم المكتري أو علم ولم يأذن فهو غاصب، فلا أجر له في حمل الزائد، وإن تلفت دابته فلا ضمان على المستأجر لها؛ لأن تلفها بتعدي مالكها، وحكمه في ضمان الطعام إذا تلف حكم من غصب طعام غيره فتلف يضمنه بمثله، ومن استأجر دابة ليركبها فأردف غيره معه ضمنها، وإن تولى الكيل والتعبئة أجنبي ولم يعلم المستأجر والأجير ولم يأذنا بزيادة فهو متعد عليهما عليه الطعام ضمان مثل طعامه إن تلف، وسواء كان الطعام أحدهما ووضعه الآخر على ظهر الدابة أو كان الذي كاله وعبأه وضعه على ظهر الدابة، فالحكم منوط بالكائل؛ لأن التدليس منه لا بمن وضعه على ظهر الدابة ومكتر مكانًا لطرح قفيز من حنطة ونحوها، فزاد على ذلك بأن طرح أردبين فأكثر؛ فإن كان الطرح على الأرض فلا شيء لزائد؛ لأن ذلك لا يضر بالأرض، وإن كان الطرح على السطح فيلزمه لزائد أجر مثله لتعديه بزائد وإن اكتراه لطرح ألف رطل قطن فطرح فيه ألف رطل حديد لزمه المسمى مع تفاوت أجر مثل وإن اختلف المُكري والمكتري في صفة الانتفاع، بأن قال مستأجر: استأجرتها للغراس، فقال مؤجر: بل للزرع ولا بينة فقول مؤجر بيمينه كما لو أنكر الإجارة؛ لأن الأصل معه، وإن اختلفا في قدر أجرة تخالفا وإن اختلفا في قدر مدة الإجارة بأن قال مؤجرًا: أجرتكها سنة بدينار، فقال المستأجر: بل أجرتنيها سنتين بدينارين، فالقول قول مالك؛ لأنه منكر للزيادة فكان القول قوله فيما أنكره، وإن قال: أجرتكها سنة بدينار.
فقال مستأجر: بل سنتين بدينار فهاهنا قد اختلفا في قدر العوض والمدة جميعًا فيتحالفان؛ لأنه لم يوجد الإتفاق منهما على مدة بعوض فصار كما لو اختلفا في قدر الأجرة مع إتفاق المدة، وإن قال المالك: أجرتكها سنة بدينار، فقال الساكن: بل أجرتني على حفظها بدينار، فقال أحمد: القول قول رب الدار إلا أن يكون للساكن بينة وذلك لأن سكنى الدار قد وجد من الساكن واستيفاء منفعتها وهي ملك صاحبها، والقول قوله في ملكه، والأصل عدم استئجار الساكن في الحفظ فكان القول قول من ينفيه.
من النظم فيما يتعلق في استيفاء النفع وللمكتري إستيفاء نفع بنفسه ومن دونه أو مثله في الأذى قد وقيل بتصحيح اشتراط تعين لشخص على إستيفاء نفع مقيد وليس له استيفاء فوق الذي اكترى ولا ما يخالف في الأذى بل ليصدد فإن فعل ألزمه بأجر زيادة الأذى مَعَ ما سَمَّاهُ في نصِّ أحمد ومَن يكتري للحج يركب إلى منى وقيل إلى طَوْفِ الزيادةِ قِيدِ ووجهان فِيمَنْ يكْتَرِيْهِ لمكة أيملك حجًا أم إلى مكةٍ قدِ وقد قيل اجر المثل خذ فيهما معًا كفعل المخالف في الأذى في المؤطد كذا في اكترا عِنْسٍ إلى بُقعة مَتى سَلكَ مِثلَها أو في أذىً فَتَردَّدِ وقيمة توكُّلُها في يَد الذي نَوَى بَتعَدٍّ منه خُذْ لا تَرَدَّدِ ولو كان مَعْهُ ربُّها إن يَكُنْ نَوَى لَدى رَبِّهِ فالنصفُ حَسْبُ بِمُبْعَدِ ومَن يَكْتَرِي لِلزَّرعِ أرضًا فمَالهُ بناءُ ولا غرس بغير تردد وإن يكتري للغرس يَملكُ زرعَها وليس له فيها بناءُ المُشَيَّدِ ومُستأجرٌ أرْضًا لِيزرع حِنْطَةً فلا بأسَ أن يَزْرَعْ شَعِيرًا بأجْوَدِ وليس له زرعٌ لِقُطْنٍ وسِمْسِمٍ وعن ذُرَةٍ والدَّخْنِ فامنْعهُ واصْدُدِ وصَح ازْرَعَنْ ما شِئْتَ لا مَع أو اغْرِسَنْ وَوَجْهَانِ في واغْرِسْ بواوٍ فَقَيِّدِ ومستأجر عِنْسًا لِسَيْرِ مَسَافَةٍ له سَيْرُ مِثْل القَدْرِ والوصف وازهَدِ ومستأجرٌ ظَهْرًا لِيَركَبَه فَلَا يَجُوزُ له تحْمِيلهُ ولْوكِّدِ بذلك في معكوسِ هذا ومكترٍ لِقُطنٍ فلا يَحْمِلْ حَديِدًا وَوَطِّدِ كذلك في معكوسِه وكذاك في العَوارِي مَعَ الإطلاق لا في التَّقَيُّدِ وإن يكتري المرءُ القميصَ فلا تُجِزْ له لُبْسَه في لَيْلِهِ عِندَ مَرْقَدِ ولكن نهارًا ثم يَتَّزرَنْ بهِ ووجهان فيه هل يُباحُ لِمُرْتَدِي ومستأجرٌ دارًا ليَسْكُنَهَا فما أضَرَّ بِهَا فلجْتَنِبه ويُبْعِدِ كخزن طعام أو مضر لِسُفْلِهَا ورَبْطِ مُضِرٍ كَالأُتنْ والعَمَرَّدِ ويُحْرِزُ ما لابُدَّ منه لِقُوتِهِ وحَاجَاتِه مِن آنياتٍ وبُرْجُدِ وأمَا إذا عَيَّنْتَ كُلًا فجائزٌ ولو لمضر أو بناء لمسجد
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 6:00 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الخامس الخميس 10 ديسمبر 2015, 10:48 pm | |
| 61- ما يجب على مؤجر وما يجب على مكتر وما يلزم كل منهما وما يتعلق بذلك س61: ما الذي يجب على مؤجر؟ وما مثاله؟ وما الذي يجب على مكتر وما الذي يلزمه، والذي لا يلزم المؤجر، وما الحكم فيما إذا امتنع أحدهما مما يجب عليه، أو شرط أحدهما ما يجب على الآخر فعله، وما مثاله؟ وبين حكم ما إذا عمر مكتر بإذن مؤجر أو بدونه؟ واذكر ما يتعلق بذلك من شروط صحيحة أو فاسدة أو ضوابط أو محترزات أو أدلة أو تعليلات أو خلاف أو ترجيح.
ج: يجب على مؤجر مع الإطلاق كل ما جرت به عادة أو عرف من آلةٍ كزِمام مركوب ليتمكن به من التصرف فيه ورحله وقتبه وحزامه ولفرس لجام وسرج ولحمار وبغل وبرذعة وإكاف؛ لأنه العرف فيحمل عليه الإطلاق أو فعل كقوْدٍ وسوْقٍ لمركوبٍ وضدٍّ ورفعٍ وحطٍّ لمحمول؛ لأنه العرف، وبه يتمكن المكتري من الانتفاع ولزوم دابة لنزولٍ لحاجةِ بولٍ أو غائطٍ، وكذا طهارة وواجب كفرض صلاة.
قال في «المبدع»: وفرض كفاية كالعين لا لِسُنَّة راتبة لصِحَّتها على الراحلة ويدع البعير واقفًا حتى يقضي الغرض؛ لأنه لا يمكنه فعلُ ذلك على ظهر الدابة، ولابد له منه بخلاف أكل وشرب ونحوه مما يمكن راكبًا وعلى مؤجر تبريكُ بعير لامرأةٍ وشيخٍ وضعيفٍ ومريضٍ وسمينٍ ونحوهم ممَّنْ يعجز عن الركوب والنزول والبعير واقف لركوبهم ونزولهم؛ لأنه المعتاد لهم؛ فإن احتاجت الراكبة إلى أخذ يد ومس جسم تولى ذلك محرمها دون الجمال؛ لأن أجنبي ويلزمه أيضًا تبريكه لمريض وكل عاجز عن الركوب والنزول ولو طرأ مرضُه على الإجارة؛ لأن العقد اقتضى الركوب بحسب العادة، قاله في «المغني» و«الشرح»، ويلزمه أيضًا حبسه لأج لطهارة ويدع البعير واقفًا حتى يقضي حاجته ويتطهر ويصلي الفرض؛ لأنه لا يمكنه فعل شيء من ذلك على ظهر الدابة، ولابد له منه بخلاف نحو أكل وشرب مما يمكنه راكبًا، فإذا أراد مكتر إتمام الصلاة وطلبه الجمال بقصرها لم يلزمه، بل تكون خفيفة في تمام ولزوم ما تقدم إذا وقع العقد على أن يسافر مع المكتري، ومن أكرى بعيرًا لإنسان يركبه لنفسه، وسلمه إليه لم يلزمه سوى ذلك؛ لأنه وفى له بما عقدا عليه بخلاف ما إذا عقد على أن يسافر معه وعلى مؤجر ما يتمكن به مستأجر من نفع كترميم دار مؤجرة بإصلاح منكسر، وإقامة مائل من حائط وسقف وبلاط وعمل باب وتطيين سطح وتسميته إن كان غير طيني وتنظيفه من ثلج وإصلاح بركة دار وأحواض حمام ومجاري مياهه وسلاليم الأسطحة؛ لأن ذلك وشبهه يتمكن به مستأجر من النفع المعقود عليه؛ فإن لم يفعل مؤجر ذلك فلمستأجر الفسخ إزالةً للضرر الذي يلحقه بتركه، ولا يجبر مؤجرٌ على تجديدٍ لبيتٍ زائدٍ عما في الدار حالَ الإجارة ولا على هدم عامرٍ وإعادته جديدًا؛ لأنه لم يتناوله العقد ولو آجر دارًا أو حمامًا ونحوه وشرط مؤجر على المستأجر أن يقوم بأجرتها مدة تعطيلها إن تعطلت لم يصح أو يشرط عليه أن يأخذ بقدر مدة تعطيلها بعد مدة الإجارة عليها لم يصح أو شرط عليه العمارة لم يصح؛ أما في الأولى فلأنه لا يجوز أن يؤجره مدة لا يمكنه الإنتفاع في بعضها؛ وأما في الثانية فلأنه يؤدي إلى الجهل بانتهاء مدة الإجارة؛ وأما في الثالثة والرابعة، فلأن العمارة لا تنضبط فيؤدي إلى جهالة الأجرة؛ لكن لو عمر مكتر بهذا الشرط المذكور رجع أو عمر بإذن المكري له في العمارة رجع مكثر على مكر؛ لأنه أنفق على عين بإذن ربها أشبه ما لو أذن له في النفقة على عبده ودابته، وإن اختلفا في قدر النفقة في العمارة ولا بينة رجع بما قال مكر بيمينه؛ لأنه منكر، وقال في «الترغيب» وغيره: رجع بما قال مكتر؛ لأنه كالوكيل قال في «الإنصاف» وهو الصواب، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس. والله سبحانه أعلم.
ولا يلزم المؤجر ولا المستأجر تزويق ولا تجصيص ونحوهما مما يمكن الانتفاع بدونه بلا شرط؛ لأن الانتفاع لا يتوقف عليه.
ولا يلزم مؤجر محملٌ ومحارة ومظَّلة ووطاء فوق الرحل وحبل قران بين المحملين والعدلين، بل ذلك على المستأجر كأجرة دليل إن جهلا الطريق؛ لأن ذلك كله من مصلحة المكتري وهو خارج عن الدابة وآلتها فلم يلزم المكري، كالزاد، قال في «القاموس»: والمحمل كمجلس شقتان على البعير يحمل فيهما العديلان: والمِظلَّة الكبير من الأخبية وهو دون البيت من الشعر ونحوه والوطاء خلاف الغطاء، ومن اكترى بئرًا ليستقي منها فعليه بكرة وحبل ودلو لمكتر أرضًا لزرع فآلة حرث وزرع عليه وعلى مكتري دار أو حمام ونحوه تفريغ بالوعة وكنيف إذا تسلمها فارغة لحصوله بفعله كقماشة، وقال في «الإنصاف»: قلت: يتوجه أن يرجع في ذلك إلى العرف، وهذا القول هو الذي تميل إليه النفس. والله سبحانه أعلم.
ويلزم مكتري الدار تفريغها من قمامة ونحو زبل ورماد ونحوه إن حصل بفعله، كما لو ألقى فيها جيفة أو ترابًا ونحوه وعلى مكر تسليم مفتاح؛ لأنه به يتمكن من الانتفاع ويتوصل إليه والمفتاح أمانة بيد المستأجر كالعين المؤجرة؛ فإن ضاع بلا تفريط فعلى مؤجر بدل، وإن أضاعه المستأجر أو فرط في حفظه فعليه.
من النظم فيما يلزم المكري: ويلزم من يكري جميع الذي به تمام انتفاع كالخزام ومقود ورحل وتحميل كذاك وضبطه لكي ما يصلي بالفلا فرضه قد كذا حاجة الإنسان يضبطه لها وللظهر لا المفعول فوق العمرد وقائدها مع سائق ومن اكترى تسلمها ألزمه كل المعددِ كذلك تعمير الديار وفعلها على مؤجر أيضًا وكل معود ومؤجر درب عرفه المشي تارةً فالأنثَى وضَعْفَى احْمِل وفي الجَلْدَ رَدِّدِ ويلزم تفريغُ الكنيفِ ونحوه لِمَن يكتريها خلوةً مِن مُنَكِّدِ فإن تملأ أو جهل قدر مائها ليلزم مكريها بشيل المعدد
62- حكم الإجارة إذا لم يسكن المستأجر أو تحول أثناء المدة أو حوله مالك أو نحو ذلك س62: تكلم بوضوح عن أحكام ما يلي: حكم الإيجارة إذا لم يسكن المستأجر أو تحول في أثناء المدة أو حوله مالك، أو لم يركب مؤجرة، أو امتنع من تسليم الدابة في أثناء المسافة، أو امتنع الأجير من تكميل العمل، أو شردت دابة مؤجرة، أو تعذر باقي استيفاء النفع، أو هرب أجير، أو مؤجر فما الحكم؟ ووضح ما تنفسخ به الإجارة، واذكر حكم ما غذ تلف مؤجر في أثناء عمل واذكر الدليل والتعليل.
ج: الإجارة عقد لازم من الطرفين ليس لأحدهما فسخ عقدها بلا موجب؛ لأنها عقد معاوضة كالبيع؛ لأنها نوع منه، وإنما اختصت باسم كالصرف والسلم ويملك مؤجر الأجرة بالعقد ويملك به مستأجر المنافع كالبيع، فإذا لم يسكن مستأجر مؤجرة أو لم يركب مؤجرة أو امتنع من إستيفاء المنفعة لعذر يختص به أولًا فعليه الأجرة، وكذا إن تحول مستأجر منها في أثناء المدة، فعليه الأجرة؛ لأن الإجارة عقد يقتضي تمليك مؤجر الأجرة والمستأجر المنافع، فإذا ترك المستأجر الإنتفاع اختيارًا منه لم تنفسخ الإجارة والأجر لازم له ولم يزُلْ ملكه عن المنافع كمن اشترى شيئًا وقبض فتركه، قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: اكتري بعيرًا، فلما قدم المدينة، قال له: فاسخني، قال: ليس ذلك له قد لزمه الكري، قلت: فإن مرض المستكري بالمدينة فلم يجعل له فسخًا وإن حوله مالك الدار ونحوها، قبل إنقضاء الإجارة فلا أجرة لما سكن قبل أن يحوله المؤجر، وهذا من المفردات.
قال ناظمها: قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّة إن حَوَّلهْ مُؤْجرًا أسْقِطْ أجْرَةً مُكَمَّلَهْ
وقال أكثر الفقهاء: له أجرة ما سكن ونحوه؛ لأنه استوفى ملك غيره على سبيل المعاوضة فلزمه عوضه كالبيع إذا سلم بعضه ومنعه المالك، وكما لو امتنع لأمر غالب، والذي تميل إليه نفسي أنه إن كان حوله لعذر فللمؤجر من الأجرة يسقطه. والله سبحانه وتعالى أعلم.
وكذا إن امتنع مؤجر دابة من تسليم الدابة المؤجرة في أثناء المدة، وفي أثناء المسافة المؤجر للركوب، أو الحمل إليها، فلا أجرة لركوبه أو حمله عليها قبل المنع منه، أو امتنع الأجير لعمل من تكميل العمل كخياطة أو كتابة أو حفر ما شورط عليه فلا أجرة له لما عمل، والذي تطمئن إليه النفس أنه كامتناعه عن تكميل العمل لعذر؛ فإنه يستحق من الأجرة قدر ما عمل. والله سبحانه وتعالى أعلم.
وكل موضع منع المؤجر المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة إذا كان بعد عمل البعض فلا أجرة له فيه لما سبق؛ لأنه لم يسلم له ما تناوله العقد عقد الإجارة، فلم يستحق شيئًا إلا أن يرد المؤجر العين للمستأجر قبل انقضاء المدة الأجرة؛ لأنه سلم العين؛ لكن يسقط من الأجرة المدة التي احتبسها المؤجر لإنفساخ الإجارة فيه كما تقدم، أو إلا أن يُتمم الأجير العمل إن لم يكن العقد على مدة قبل فسخ المستأجر فيكون له أجر ما عمل؛ لأنه وفى بالعمل وإن شردت دابة مؤجرة أو تعذر باقي استيفاء النفع بلا فعل المؤجر والمستأجر، فعلى المستأجر من الأجرة بقدر ما استوفى من عمل وزمن قبل ذلك لعذر كل منهما، وإن هرب أجير مدة العمل قبل استيفاء مدة النفع حتى انقضت المدة أو هرب مؤجر عين بها قبل استيفاء بعض النفع حتى انفسخت أو شردت دابة مؤجرة قبل استيفاء بعض النفع حتى انقضت مدة الإجارة انفسخت الإجارة لفوات زمن الإجارة المعقود عليه؛ فإن عادت قبل انقضاء المدة استوفى ما بقي منها؛ لأنها تنفسخ شيئًا فشيئًا ولا أجرة لزمن هرب ولمستأجر قبل مُضِي المدة الفسخ استدراكًا لما فاته، فلو كانت الإجارة على عمل موصوف بذمة كخياطة ثوب أو بناء حائط وحمل إلى محل معلوم وهرب أجير استأجر حاكم من مال الأجير من يعمله، كما لو هرب مسلمٌ إليه في قمح ونحوه، وليس له قمح؛ فإنه يُشتري من ماله قمح بصفة المسلم فيه ويدفع لرب السلم وإن كان قصد أو شرط أن يعمل العمل الأجير بنفسه فلا يُستأجر من ماله مَن يعمله ولا يلزم المستأجر قبوله؛ فإن تعذر استئجار من يعمله من ماله خُيرَ مستأجر بين فسخ إجارة وبين صبر إلى قدرة عليه فيطالبه بعمله؛ لأن ما في ذمته لا يفوت بهربه، وإن هرب حمال أو نحوه كحمار وبغال وترك بهائمه التي أكراها وللهارب مالٌ مقدور عليه أنفق حاكم على بهائم الهارب المقدور على ماله من ماله لوجوب نفقتها عليه وهو غائب والحاكم نائبه وأمينه، ولو بيع ما فضل من البهائم عما وقع عليه العقد، وكذا يستأجر الحاكم من مال الجمال من يقوم مقامه في الشد عليها وحفظها وفعل ما يلزم فعله؛ فإن لم يوجد له مال استدان الحاكم عليه ما ينفق عليها؛ لأنه موضع حاجة أو أذن الحاكم للمستأجر في النفقة على البهائم؛ لأن إقامة أمين غير المستأجر تشق وتتعذر مباشرته كل وقت، وإن لم يوجد للغائب مال أو وُجد ولم يقدر عليه فللمستأجر إنفاق على البهائم من ماله المستأجر بدون إذن حاكم بنية رجوع وله ذلك ويرجع على مالكها بما أنفقه سواء قدر على إستئذان حاكم وتركه أولًا، أشهد على نية رجوع أولًا، لقيامه عنه بواجب غير متبرع به وإلا ينوي الرجوع فلا رجوع له؛ لأنه متبرع وإن اختلفا فيما أنفقه، وكان الحاكم قدره قبل قول المكتري في ذلك دون ما زاد وإن لم يقدره قبل قوله في قدر النفقة بالمعروف، ويبيع الحاكم البهائم بعد انقضاء المدة ليوفي المنفق من مستأجر وغيره ما أنفقه؛ لأن فيه تخليصًا لذمة الغائب وإيفاء لحق صاحب النفقة ويحفظ الحاكم باقي ثمن البهائم لمالكها؛ لأن الحاكم يلزمه حفظ مال الغائب إن كان حيًا وإن كان ميتًا، فعلى الحاكم أن يحفظ باقي الثمن للورثة؛ لأن حكم موت الجمال حكم هربه.
وتنفسخ الإجارة بتلف محل معقود عليه كدابة أو عبد مات ودار انهدمت قبضها المستأجر أولًا لزوال المنفعة بتلف معقود عليه وقبضها إنما يكون باستيفائها أو التمكن منه ولم يحصل ذاك، وإن تلف مؤجر في أثناء مدة أو في أثناء عمل استؤجر له وقد مضى منها ما له أجر عادة انفسخت فيما بقي من المدة فقط أو العمل كتلف إحدى صبرتين قبل قبض بجائحة، ويقسط أجر مدةٍ أو عملٍ على حسب زمان رغبة للإختلاف، فإذا كان أجرها في الصيف أكثر من الشتاء أو في الشتاء أكثر من الصيف؛ فإن الأجر المسمى يُقسط على ذلك، فإذا قيل: أجرها في الصيف يساوي مائة، وفي الشتاء يساوي خمسين، وكان قد سكن الصيف، فعليه بقدر ثلثي المسمى، وكذلك العمل كالخياط؛ آجرها في أيام الصيف ليس كغيرها ولا يُقسَّط الأجر مطلقًا سواء استوى الزمان أو اختلف، بل يقدره في كل زمان بحسبه، وتنفسخ الإجارة بزوال ما استؤجر له أو برئه، كاستئجار طبيب؛ ليداويه فيبرأ، أو بموت فتنفسخ فيما بقي سواء كان التلف بفعل آدم كقتله العبد المؤجر أو لا بفعل أحد كموت حتف أنفه، وسواء كان القاتل المستأجر أو غيره، ويضمن ما أتلف كالمرأة تقطع ذكرَ زوجها تضمنه وتملكُ الفسخ؛ فإن امتنع المريض استحق الطيبي الأجرة بمضي المدة، وكاستئجار إنسان ليقتص له من آخر أو يقيم عليه الحدَّ فمات، وتنفسخ إجارةٌ بموت مرتضع أو امتناعه من الرضاع؛ لتعذر استيفاء المعقود عليه؛ لأن غيره لا يقوم مقامه في الإرتضاع؛ لاختلاف المرتضعين فيه، وقد يدر اللبن على واحد دون آخر؛ فإن كان موته عقب العقد زالت الإجارة من أصلها ورجع المستأجر بالأجر كله وإن كان بعد مضي مدة رجع بحصته ما بقي، وكذا تنفسخ بموت المرتضعة لفوات المنفعة بهلاك محلها، وكذا تنفسخ بموت الراكب إذا لم يكن له من يقوم مقامه في استيفاء المنفعة أو كان غائبًا كمن يموت في طريق مكة ويُخلِّف جملة الذي اكتراه، وليس له عليه شيء يحمله ولا وارث له حاضر يقوم مقامه؛ لأنه قد جاء أمرٌ غالبٌ يمنع المستأجر منفعة العين فأشبه ما لو غصِبَتْ؛ ولأن بقاء العقد ضرر في حق المكري والمكتري؛ لأن المكتري يجب عليه الكِري من غير نفع والمكرِي يمنع عليه التصرف في ماله مع ظهور امتناع الكراء عليه، وقيل: إنها لا تنفسخ بموت راكب اكترى له سواء كان له من يقوم مقامه في استيفاء المنفعة أو لا، وسواء كان هو المكتري أو غيره؛ لأن المعقود عليه منفعة الدابة دون الراكب؛ لأن له أن يركب مَن يماثله، وإنما ذكر الراكب لتقدر به المنفعة كما لو استأجر دابة ليحمل عليها هذا القنطار من القطن فتلف لم تنفسخ، وله أن يحملها من أي قطن كان، والذي تطمئن إليه النفس القول الأول؛ لتعذر استيفاء المنفعة. والله أعلم.
ولا تنفسخ بموت مكر أو موت مكتر للزومها كالبيع، وكما لو زَوَّج عبده الصغيرَ بأمة غيره ثم مات السيدان، ولا تنفسخ بعذر لأحدهما بأن يكتري جملًا مثلًا ليحج عليه فتضيع نفقتُه فلا يمكنه الحج أو يكتر دكانًا ليبيع فيها فيحترق ليحج عليه فتضيع نفقتهُ فلا يمكنه الحج أو يكتر دكانًا ليبيع فيها فيحترق متاعه؛ لأنها عقد لا يجوز فسخه بغير عذر، فلم يجز لعذر من غير المعقود عليه كالبيع، بخلاف الإباق؛ فإنه عذر في المعقود عليه. ولا يصح فسخ الإجارة بمقتضى ضياع النفقة واحتراق المتاع؛ لأنه لو جاز فسخه لعذر المكتري لجاز لعذر المكري تسوية بين المتعاقدين ودفعًا للضرر عن واحد من العاقدين، ولم يجز ثمَّ فلم يجز هنا، وإن اختلف مؤجر ومستأجر في الموجود في المؤجرة هل هو العيب أم لا؟ رُجعَ فيه إلى أهل الخبرة مثل أن تكون الدابة خشنة المشي، أو أنها تتعِب راكبها لكونها لا تركب كثيرًا؛ فإن قال أهل الخبرة: هو عيب فله الفسخ، وإلا فلا فسخ له، ويكفي فيه اثنان منهم على قياس ما يأتي في الشبهات.
من النظم في أن الإجارة عقد لازم من الطرفين: ويلزم عقد من أجير ومكتر فليس لشخصٍ فسخها بتفرد وتركك الاستيفاء في الوقت قادرًا عليك جميع الأجر غير مصرد وإن يطر عيب العين أو بَانَ فافْسَخ إن تشا كَتَعذُّر خُلْفِ ما لم يقيد وإذا كان منع النفع من مؤجر فلا تُنَوِّلهُ أجْرًا وذا عِنْدَ أحْمَدِ وقيل له أجر بقسط انتفاعه وكلُّ ويعطي أجر مثل بأجود وما موت مكرٍ مبطلنها ومكترٍ له شاغل للعين أو خالف زد ولا عذر في كل كذا بقسامةٍ وفقدان ما اسَتكرى له من معددِ ومن يكتري شيئًا لِمعْلُوم شغله فَيُغْصَبَ أوْ يَشْرِي ليختر ويرتدي فإن شاء فليفسخ وإن شاء يصطبر إلى أوبه المغصوب والمتشردِ وإن كان استئجار وقت معين له الفسخ أو أجر على غاصب اليد فإن ينجبر للفسخ فارجع بأجْرِ مَا تَقَضَّي بلا غصبٍ عليه تسدد ولا أجر للمكري إن غصبها بنفسه ولو بعض ميقات الكرى في المؤطدِ وإن منع أمرٌ غالبٌ نفع مكتر فيَفْسَخْ يُؤّدِي قَدْرَ نَفْعٍ به قَدِ ولم يَستِنبْ إن لم يشأ مكتر فتىً مقامَ ظن قد عُيِّنَ أوْ متشرِّدِ وبيعك ما أجرت حتى لمكتر أجزه وكالإرث افسخ كراه بأوكد وفي قدر أجر وانتفاع مخالف إذا اختلفا مَن قَبْلِ قبضٍ وأفسد وخُذْ أجْرَ مِثْلِ الفِعل مِن بَعْدِ قَبْضِهَا ومَن يَرض قَوْلَ الخصم فالعَقْدَ أوطد وقَولَ المليكِ أقبلْهُ في مدة الكرى وفي نفي عدوانٍ بمن يكتري اقتدِ وفي رد عين أو شرادٍ وموتِها بلا نفعٍ الوجْهَينِ خذْ في المقلَّدِ ولا مَؤجرن للحمل إلا برؤيةٍ أو الوزن أو كيل وفي الوصف رَدِّدِ وإن تَنْقُصِ الزَّادَ المقدَّرَ أكلُه أو الهُلْكِ فاستبدلْ به في المجودِ وبالوقت أو بالفعل ضبطُ إنتفاعِهِ وجَمْعُهُمَا مُوْهٍ على المتأكدِ وجوز لذِي كِرَى نَفْسِ مُسْلمٍ بِكُرهٍ وعنه امْنَعْ لِخِدْمَتِه قد
63- التصرف في العين المؤجرة أو ظهور عيب أو حدث فيها أو إنتقال أو نحو ذلك س63: بين حكم التصرف في العين المؤجرة، وإذا تصرف فيها أو غصبت أو ردت بعد غصبها أو كان الغاصب المؤجر، أو حدث خوف، أو انتقل ملك فيها، أو وقِّفت، أو تنقلت بإرث، أو وصية أو نكاح، أو خلع، أو طلاق، أو صلح، أو لم يعلم المشتري أن المبيع مؤجر، أو علم، أو استولى على دار المسلمين حربي ومنَع الانتفاع بالمؤجر، أو ظهر عيب بمؤجرة، أو حدث فيها، واذكر بعض العيوب التي توجب الفسخ مع ما تستحضره من دليل أو تعليل.
ج: لا يحل لمؤجر تصرف في عين مؤجرة سواء ترك المستأجر الانتفاع بها أو لا؛ لأنها صارت مملوكة لغيره كما لا يملك البائع التصرف في المبيع إلا أن يوجد منهما ما يدل على الإقالة؛ فإن تصرف المؤجر في العين المؤجرة بأن سكن العين المؤجرة أو أجرها لغيره بعد تسليمها للمستأجر، فعلى المؤجر أجرة المثل لمستأجر لما سكن أو تصرف فيه يسقط ذلك مما على المستأجر من الأجر، ويلزمه الباقي؛ لأنه تصرف فيما يملكه المستأجر عليه بغير إذنه فأشبه ما لو تصرف في المبيع بعد قبض المشتري له وقبض الدار هاهنا قام مقام قبض المنافع، بدليل أنه يملك التصرف في المنافع بالسكنى والإجارة، فلو كان أجر المثل الواجب على المالك بقدر المسمى في العقد لم يجب على المستأجر شيء، وإن فضلت منه فضلة لزم المالك أداؤها إلى المستأجر، فلو تصرف مالك قبل تسليم العين المؤجرة أو امتنع من التسليم حتى انقضت المدة انفسخت الإجارة بذلك.
قال في «المغني» و«الشرح»: وجهًا واحدًا؛ لأن العاقد أتلف المعقود عليه قبل تسليمه فانفسخ العقد كما لو باعه طعامًا فأتلفه قبل تسليمه، وإن سلمها إليه في أثناء المدة انفسخت فيما مضى ويجب أجر الباقي بالحصة كالمبيع إذا سلم بعضه وأتلف بعضًا، وإن غصب عينًا مؤجرة معينة لعمل بأن قال: استأجرت منك هذا الفرس لأركبه إلى محل كذا، وهذا العبد ليبني لي هذا الحائط بكذا، فغُصبت الفرس أو العبد خير مستأجر بين فسخ إجارة، كما لو تعذر تسليم مبيع وبين صبر إلى أن يقدر عليها؛ لأن الحق له، فإذا أخَّره جاز وإن غُصِبت مؤجرةٌ معينة لمدة، كما استأجر العبد سنة للخدمة فغضِبَ خُير مستأجر متراخيًا ولو بعد فراغ المدة فلا يسقط إلا بما يدل على رضاه.
خير بين فسخ وبين إمضاء العقد بلا فسخ ومطالبته غاصب بأجرة مثل، ولا ينفسخ العقد بمجرد غصب؛ لأن المعقود عليه لم يفت مطلقًا، بل إلى بدل وهو القيمة فأشبه ما لو أتلف المبيع ونحوه آدمي؛ فإن فسخ الإجارة فعليه أجرة ما مضى من المدة قبل الفسخ بالقسط، وإن مضى فعليه المسمى تامًا ويرجع على غاصب بأجرة وإن ردت مغصوبة مؤجرة في أثناء المدة قبل فسخ مستأجر استوفى ما بقي من المدة، وخير فيما والعين بيد غاصب بين فسخ فيما مضى والرجوع بالمسمى وبين إمضاء العقد ومطالبة غاصب بأجرة المثل، وللمستأجر بدل موصوفة بذمة، وهي ما إذا وقع العقد على دابة أو نحوها موصوفة بذمة المؤجر، ثم سلم إلى المستأجر عينًا بالصفة، فغصبت فعلى المؤجر بدلها؛ لأن العقد على ما في الذمة كما وجد بالمسْلم عيبًا؛ فإن تعذر البدل فللمستأجر فسخ الإجارة، وله الصبر إلى أن يقدر على العين المغصوبة فيستوفي منها، وتنفسخ بمضي المدة إن كانت إلى مدة وعلم مما تقدم أن الإجارة الصحيحة ليس للمؤجر ولا غيره فسخها لزيادة حصلت ولو كانت العين وقفًا.
قال الشيخ تقي الدين باتفاق الأئمة: وإذا التزم المستأجر بهذه الزيادة على الوجه المذكور لم تلزمه إتفاقًا لو التزامها بطيب نفس منه بناء على إلحاق الزيادة والشروط بالعقود اللازمة لا تلحق ذكره في «الاختيارات» وإن كان الغاصب للمؤجرة هو المؤجر، فلا أجرة له سواء كانت الإجارة على عمل أو إلى أمد، وسواء كانت على معينة أو موصوفة، وسواء كان غصبُه لها قبل المدة أو في أثنائها، ولمستأجر الفسخ إن كانت الإجارة على موصوفة في الذمة وتعذر البدل، ويثبت الانفساخ إن كانت على معينة لتعذر تسليم المعقود عليه مع تضمين المستأجر ما أتلف من العين، وحدُوثُ خوف عام يمنع من سكنى المكان الذي فيه العين المؤجرة أو حصر للبلد فامتنع خروج المستأجر إلى الأرض المؤجرة للزرع كغصب فللمستأجر الخيار؛ فإن كان الخوف خاصًا بمستأجر كخوف من السفر لقرب عدوِّه من محل يريد سلوكه لم يملك الفسخ؛ لأنه عذر يختص به لا يمنع استيفاء النفع بالكلية أشبه المرض والحبس ولو ظلمًا، ولو اكترى دابة ليركبها أو ليحمل عليها إلى موضع معين فانقطع الطريق إلى جهة ذلك الموضع لخوف حادث أو اكترى إلى مكة، فلم يحج الناس ذلك العام من تلك الطريق مَلك كلُّ من المؤجر والمستأجِر فسخَ الإجارة وإن اختار إبقاءَ الإجارة إلى حين إمكان استيفاء النفع، جاز؛ لأن الحق لا يعدوهما ولا فسخ لعقد الإجارة بانتقال ملك في عين مؤجرة بنحو بيع أو هبة كعتق وجعالة لعدم التنافي بين ملك الرقبة والمنفعة، ولو كان الإنتقال لمستأجر فيجتمع على بائع لمشتر الثمن والأجرة؛ لأن عقد البيع لم يشمل المنافع الجارية في ملكه بعقد التأجير؛ لأن شراء الإنسان ملك نفسه محال، فلو فُسِخ بيع بنحو عيب، فالإجارة بحالها؛ لأنهما عقدان، فإذا فسخ أحدهما بقي الآخر، وإن كان مشتري المؤجرة أجنبيًا، فالأجرة من حين البيع له، ولا تبطل إجارة بوقف عين مؤجرة ولا بانتقال ملك فيها بإرث أو وصية أو نكاح أو خلع أو طلاق أو صلح لورودها على ما يملكه المؤجر من العين المسلوبة المنفعة، وإن استأجر من أبيه دارًا مملوكة له أو نحوها، ثم مات الأب وخلف المستأجر وأخاه، فالدار بينهما نصفين، وإن كان أبوه قبض الأجرة لم يرجع بشيء منها على أخيه ولا تركة أبيه، وما خلف أبوه بينهما نصفين ولو باع الدار التي تستحق المعتدةُ للوفاة سُكناها وهي حامل. فقال المجد: قياس المذهب صحة البيع، قال في «الإنصاف»: وهو الصواب كبيع المؤجرة، ويصح بيع عين مؤجرة سواء كانت الإجارة مدة لا تلي العقد، ثم بيعت قبلها أو في أثناء المدة؛ لأن الإجارة عقد على المنافع لا تمنع كبيع المزوجة، ولا يفتقر إلى إجارة المستأجر؛ لأن المعقود عليه في الإجارة غير المعقود عليه في البيع، ولمشتر لم يعلم أن المبيع مؤجر فسخ وإمضاء للبيع مجانًا من غير أرش والأجرة للمشتري من حين الشراء، وإن علم المشتري أن المبيع مؤجر فلا يملك فسخ المبيع ولا أجرة له لدخوله على بصيرة، وكذا مثل المنتقل بالبيع كل شقص منتقل إليه بعقد غير البيع كجعله مهرًا أو عوضًا في طلاق أو خلع، فحكمه حكم المنتقل بالبيع، فلا يبطل البيع بشيء من ذلك والمنتقل إليه بنوع مما ذكر إن لم يعلم بالحال الفسخ أو الإمضاء مجانًا وإن علم بالحال، فلا فسخ له ولا أجرة، وتنفسخ الإجارة باستيلاء حربي على دار الإسلام إذا وضع يده على المأجور، ويمنع من الانتفاع به وعكسه بأن يستوي المسلمون على دار الحرب، ويضعوا أيديهم على مأجوراتهم فلا يمكن المستأجر من التصرف فيما استأجره من الحربي، فتنفسخ بذلك للعذر المانع من الانتفاع إلا إن كان الحربي قد أجر ما بيده لإنسان معصوم من مسلم أو ذمي، فلا تنفسخ الإجارة لدوام ثبوت يده على المأجور، وإن ظهر عيب بمؤجرة معينة بأن كان بها وقت العقد، ولم يعلم به مستأجر أو حدث بمؤجرة معينة عيب كجنون الأجير ومرضه ونحوه، حيث كان بفعل الله تعالى، والعيب ما يظهر به تفاوت الأجرة بأن تكون الأجرة معه دونها مع عدمه فللمستأجر الفسخ؛ لأنه عيب في المعقود عليه أشبه العيب في بيوع الأعيان، والمنافع لا يحصل قبضها إلا شيئًا فشيئًا، فإذا حدث العيب فقد وجد قبض الباقي من المعقود عليه، فأثبت الفسخ فيما بقي منها إن لم يزل العيب سريعًا بلا ضرر يلحق المستأجر كفتح بالوعة إذا فتحها المؤجر في زمن يسير لا تتلف فيه منفعة تضر بالمستأجر، فلا خيار له ولمستأجر الإمضاء مجانًا بلا أرش لعيب قديم أو حديث بكل الأجرة؛ لأنه رضي به ناقصًا، ومن العيب الذي يسوغ للمستأجر الفسخ جارُ سوء للدار المؤجرة، بل هو من أقبح العيوب وربما اضطر جاره إلى بيع ملكه.
ومما يُنسب إلى الشافعي في الجار قوله: يَلُومُونَنِي إن بِعْتُ بالرُّخْص منزِلي ولم يَعْلَمُوا جَارًا هُنَاكَ يُنَغِّصُ فَقُلْتُ لهم: كُفُّوا الملامَ فإنَّما بِجِيرانِها تَغْلُو الديارُ وترْخُص
ومن العيوب: خوف سقوط حائط أو سقف وخوف غرق سفينة إبقاء للنفوس والأموال، ومن العيوب تغيُّر رائحة بئر بدار مؤجر؛ لأن النفوس تعافه، ومن العيوب انقطاع مائها أو غوره فيثبت له بذلك كله خيار الفسخ، قلت: ومثل ذلك فيما أرى. والله أعلم.
إذا قطع عن المستأجر الماء من غير فعله ولا سببه وكان العرف أو الشرط جار بذلك، وإن اكترى أرضًا لها ماء ليزرعها أو استأجر دارًا يسكنها فانقطع ماء الأرض مع الحاجة إليه أو انهدمت الدار قبل انقضاء مدة الإجارة، انفسخت الإجارة فيما بقي من المدة لتعطيل النفع فيه؛ ولأن المقصود بالعقد قد فات أشبه ما لو تلف أو انهدم البعض من الدار ونحوها، انفسخت الإجارة فيما انهدم وسقط قسطه من الأجرة ولمكثر الخيار في البقية لتفريق الصفقة عليه؛ فإن أمسك البقية فبالقسط من الأجرة فتقسط الأجرة على ما انهدم وعلى ما بقي ويلزم قسط الباقي، وقد مر مسائل في تفريق الصفقة، وهي أن يجمع بين ما يصح بيعه وما لا يصح بيعه صفقة واحدة، فمثلُ البيع الإجارةُ فلو أجَّر سيارتَه وتلفزيونه لواحد يومًا أو شهرًا صفقةً واجدةً صحَّت الإجارةُ في السيارة وبطلت في التلفزيون، ولو أجَّر الدبابةَ أو السيكل والسينما، صح العقد في السيكل والدبابة وبَطلَ في السينما ولو أجر مكينته ومذياعهُ صفقةً واحدةً، صح في المكينة، وبطلت الإجارة في المذْياع، ولو آجر آلة التصوير لحرمة ذلك، ولو عقَدَ عقْدَ إجارة مع حلاق لحلق اللحية وحلق الرأس صحَّت الإجارةُ على حلق الرأس، وبطلت في حلق اللحية لحرمة ذلك، وتقدمت الأدلة ولو أجَّر أرضين صفقةً واحدةً يريد المستأجر أن يزرع واحدةً برًا والأخرى دخانًا صح في الأولى وهي التي يُريد أن يزرعها برًا وبطل في التي يريد أن يزرعها دخانًا، ويُقَسِّط العِوضَ عليهما، ولو كان ذلك بيعًا بطل في آلات اللهو لتحريمها، وصحَّ البيع في الحلال وهي السيارة والدبابة والسيكل والمكينة وآلة الطباعة وقِسْ على ذلك ما حَدَثَ مما لم يُذكر وما سيحدث مماثلًا لذلك إن حدث في حياتك. والله أعلم.
ومتى زرع فغرق الزرع أو تلف بنحو حريق أو جراد أو فأر أو برد أو غيره قبل حصاده، أو لم تنبت فلا خيار وتلزمه الأجرة؛ لأن التالف غير المعقود عليه وسببه غير مضمون على المؤجر، ثم إن أمكن المكتري الانتفاع بالأرض بغير الزرع أو بالزرع في بقية المدة، فله ذلك؛ لأن ملك المنفعة إلى انقضاء مدته، وإن تعذر زرع مؤجرة لغرق أرض أو قل الماء قبل زرعها أو بعده أو عابت بغرق يعيب به بعض الزرع فله الخيار لحصول ما نقص به منفعة العين المؤجرة، ثم إن اختار الفسخ وقد زرع بقي الزرع في الأرض إلى الحصاد، وعليه من المسمى بحصته إلى حين الفسخ وأجرة المثل لما بقي من المدة لأرض متصفة بالعيب الذي ملك الفسخ من أجله، والأرض الغارقة بالماء التي لا يمكن زرعها قبل إنحساره وهو تارة ينحسر وتارة لا ينحسر، لا يصح عقد الإجارة عليها إذن؛ لأن الانتفاع بها في الحال متعذر ولوجود المانع، وفي المآل غير ظاهر؛ لأنه لا يزول، وإن استأجر الأرض عامًا فزرعها زرعًا أجرى الله العادة بنباته، فلم ينبت إلا بعام قابل بلا تفريط مستأجر مثل أن يزرع زرعًا ينتهي في المدة عادة فأبطأ لبرد أو غيره، فللعام الأول المسحي في العقد وللعام الثاني أجرة مثل، ويلزم رب الأرض تركه إلى أن ينتهي، وليس لرب الأرض قلع الزرع قبل إدراكه؛ لأنه لا تفريط من المستأجر في تأخيره كما لو أعاره أرضًا فزرعها، ثم رجع المالك قبل كمال الزرع، وإن كان عدم نبات الزرع في العام بتفريط المستأجر كتأخير زرع لمدة لا يكمل فيها عادة فحكمه حكم زرع الغاصب للمالك بعد انقضاء المدة إبقاؤه بأجرة مثله لما زاد على المدة؛ لأنه أبقى زرعه بأرض غيره بعدوانه وله تمليكه بقيمته، وهي مثل بذره وعوض لواحقه.
ومحل ذلك: ما لم يختر مكتر إزالة الزرع حالًا وتفريغ الأرض؛ فإن اختاره فله ذلك؛ لأنه يزيل الضرر ويُسلم الأرض على الوجه على اقتضاء العقد ولا يلزم المستأجر قلع الزرع لو طلبه المالك في هذه الحال؛ لأن له حدًا ينتهي إليه بخلاف الغرس ومتى أراد المستأجر زرع شيء لا يدرك مثله في مدة الإجارة فلمالك منعه؛ لأنه سبب لوجود زرعه في أرضه بغير حق فملك منعه، وإن زرع متعديًا بأن زرع قبل انقضاء مدة الإجارة زرعًا يضر بالمستأجر أو غرس أو بنى فهو غاصب، ولمستأجر تملك زرعه بنفقته، وكذا غاصب أرض موقوفة زرعت بأن زرعها الغاصب للموقوف عليه تملك الزرع بنفقته لملك العين في الجملة، ولو اكترى أرضًا مدة لا يكمل ذلك الزرع فيها عادة كمن اكترى خمسة أشهر لزرع لا يكمل إلا في سنة نظرنا؛ فإن شرط المستأجر قلع الزرع بعد مدة الإجارة أو نقله عنه وتفريغها صح العقد؛ لأنه لا يفضي إلى الزيادة على مدته، وقد يكون له غرض ليأخذ قصيلًا أو غيره ويلزمه ما التزم، وإن لم يشترط قلعه بأن شرط إيفاءه إلى إدراكه بعد مدة الإجارة أو سكت فلم يشترط قطعًا ولا إبقاء، فلا تصح الإجارة لفسادها؛ أما في الأولى فلأنه جمع بين متضادين؛ لأن تقدير المدة يقتضي التفريغ بعدها، وشرط التبقية يخالفه؛ ولأن مدة التبقية مجهولة؛ وأما في الثانية فلأنه أكتراها لزرع شيء لا ينتفع بزرعه في مدة الإجارة أشبه إجارة المنتجة للزرع.
وإذا سلم العين المعقود عليها في الإجارة الفاسدة حتى انقضت المدة أو بعضها أو مدة يمكن استيفاء المنفعة فيها أو لا فعليه أجرة المثل لمدة بقائه في يده سواء استعمل المأجور أو لم يستعمله؛ لأن المنافع تلفت تحت يده بعوض لم يسلم للمأجور فرجع إلى قيمتها كما لو استوفاه، وإن لم تسلم العين في الإجارة الفاسدة لم يلزمه أجرة، ولو بذل العين المالك؛ لأن المنافع لم تتلف تحت يده والعقد الفاسد لا أثر له بخلاف الإجارة الصحيحة.
من النظم فيما يتعلق في ملك نفع العين: ويملك نفع العين مُستأجِرٌ لها ويَملك منه أجْرَهُ وَقْتَ مَعْقدِ بأجمعها إنْ لم تُؤَجَّلْ وإن نَسَا على عَملٍ في الذَّمة امنعْ بأجْوَدِ بتَسْليم عَينْ قَبْضُها تَسْتَحِقَّه أو العَمَل المَوْصُوفَ مِن غير مُبْعِدِ فإنْ يمضِ ميقات الكِرَى بَعد بَذْلِهَا قَبض الذي في ذمة تتأطدِ وفي صُبْرَةٍ مَجْهُولةِ القَدْرِ أجْرُه لتعْرِيضه للْفَسْخِ وَجْهَيْن أسْندِ ومستأجرٌ شخصًا لِيُوصل كُتْبَهُ إلى صَاحِب إن لم يَجدْه ليُمْدَدِ بأجْرَةِ إرْسَالٍ وَرَدٍّ لأنَّهُ لِحَاجَته اضْحَى يَرُوحُ وَيَغْتَدِي ومُلْقٍ إلى الخياط ثوبًا فخاطه وثوبًا إلى القْصَّارِ غير مُحَدَّدِ لأجْرٍ بأجْرِ المِثْلِ فاحْكُمْ وَهَكَذَا لأجْرِ مُنادٍ أوْ سَفِينَةِ مُزْبِدِ
فصل وإن ينو غرسًا أو بناءً وقد مضَى زمان الكرى لم يشترط قَلعَه امْهَدِ لمؤجِرِهَا بالأجْرة الأخذ والبقا بأجْرٍ وَقَلْع ضامنًا نقْصَ مُفْسِد وقيمته ما بَيْنَ قيمَة أرْضِه وفيه البناء والغرس والحلوة أشهد وللمالِكْين القلْعُ مَعْ طَمِّ إثْرهِ وَمَا شَرَطَا يَلْزَمْ بغَيْر تقَيُّدِ وإن يَبْقَ من تفريطه الزرع إن تشا بقيمِتهِ خذ أوْ بأجْر مخلد وإن لم يُفرط بالمُسَمَّى فأبقهِ إنْ يَشاء ربه مع أجر مثل المزَيَّدِ وإن شَاءَ رَبُّ الزَّرْع والغَرْس أخْذَهُ بلا ضَرر في الحال مَكَّنْهُ واسّعِدِ وفيما قُبضْ في فَاسِدِ مُدةً وَلَوْ بلا نَفْعِ أجْر المِثْل في المتأكِد وبالفضة أنْ يُؤجرَ ويأخُذُ عدْلَهَا دَنَانِيرَ عِنْدَ الفَسْخِ للفضة اردد
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 6:00 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الخامس الخميس 10 ديسمبر 2015, 11:10 pm | |
| 64- الأجير الخاص والأجير العام س64: تكلم بوضوح عن الأجير الخاص والأجير المشترك مميزًا كل واحد عن الآخر، وما يلزم من ضمان أو عدمه؟ وما يتعلق بذلك من المسائل والاحترازات والتفاصيل والأدلة والتعليلات والخلاف والترجيح؟
ج: الأجير قسمان: قسم خاص، وقسم مشترك، ولا ضمان على أجير خاص وهو من قدر نفعه بمدة بأن استؤجر لمدة أو عمل في بناء أو خياطة يومًا أو أسبوعًا ونحوه فيستحق المستأجر نفعه في جميع المدة المقدر نفعه بها لا يشركه فيها أحد؛ فإن لم يستحق نفعه في جميع المدة فمشترك كما يأتي سوى فعل الصلوات الخمس في أوقاتها بسننها المؤكدات، وسوى صلاة جمعة وعيد؛ فإن أزمنة ذلك لا تدخل في العقد، بل مستثناة شرعًا سواء سلَّم نفسه لمستأجر بأن كان يعمل عند المستأجر أو لا، بأن كان يعمل في بيت نفسه، ويستحق الأجير الخاص الأجرة بتسليم نفسه عمل أو لم يعمل؛ لأنه بذل ما عليه كما لو بذل البائع العين المبيعة، وتتعلق الإجارة بعينه كالأجير المعين فليس له أن يستنيب إذا تقرر هذا فلا ضمان عليه فيما تلف بيده كما لو انكسرت منه الجرة التي يستقي بها أو الآلة التي يحرث بها أو المكيل الذي يكتل به ونحوه؛ لأن عمله غير مضمون عليه، فلم يضمن ما تلف به كسراية القصاص والحد، وما روي عن علي أنه كان يضمن الأجير، ويقول: لا يصلح الناس إلا هذا فهو مرسل، والصحيح فيه أنه كان يضمن الصباغ والصواغ والمطلق محمول على المقيد؛ ولأنه نائب المالك في صرف منافعه إلى ما أمر به فلم يضمن كالوكيل؛ ولأن عمله غير مضمون عليه فلم يضمن ما تلف به كالقصاص إلا أن يتعمد الإتلاف أو يفرط؛ لأنه إذن كالغاصب، وإن عمِلَ أجيرٌ خاص لغير مستأجره فأضره للمستأجر على الأجير قيمة ما فوته عليه من منفعة.
قال أحمد: في رجل يستأجر أجيرًا على أن يحتطب له على حمارين كل يوم فكان الرجل ينقل عليهما وعلى حمار لرجل آخر ويأخذ منه الأجرة؛ فإن كان يدخل عليه ضرر يرجع عليه بالقيمة.
قال في «المغني»: فظاهر هذا أن المستأجر يرجع على الأجير بقيمة ما استضر باشتغاله عن عمله ويقبل دعوى الأجير لحمل شيء تلف ذلك المحمول على وجه لا يضمنه بيمينه ولحامل أجرة حمله إلى محل تلف؛ لأن ما عمل فيه من عمل بإذن وعدم تمام العمل ليس من جهته.
ولا ضمان على حجام أو ختان خاصًا أو مشتركًا بآلة غير كآلة، ويشترط كون القطع في وقت صالح لقطع؛ فإن قطع في وقت لا يصلح القطع فيه ضمن ولا على بيطار أو طبيب خاصًا أو مشتركًا إذا كان حاذقًا في صنعته، ولم تجن يده بمجاوزة أو قطع ما لم يقطع؛ ولأنه فعل مباحًا فلم يضمن سرايته كحده؛ لأنه لا يمكن أن يقال: إقطع قطعًا لا يسري، بخلاف دُقَّ دقًا لا يخرقه؛ فإن لم يكن لهم حذق في الصنعة ضمنوا؛ لأنه لا يحل لهم مباشرة القطع إذن، فإذا قطع فقد فعل محرمًا فضمن سرايته، وإن أذِن في الفعل مكلف ولو أو ولي مَن أذن له الحاكم حتى في قطع سلعة ونحوها لم يضمن؛ لأنه مأذون فيه من ذي الولاية وإلا يؤذن له فيه فسَرَتِ الجناية ضمِنَ؛ لأنه فعل غير مأذون فيه، والدية على عاقلته وعليه يحمل ما روي أن عمر قضى به في طفلة ماتت في الختان بدية على عاقلة خاتنها، وإن أذن فيه وكان حاذقًا؛ لكن جَنَت يده ولو خطأ مثل أن جاوز الختان إلى الحشفة أو إلى بعضها أو قطع في غير محل القطع أو قطع سلعة فتجاوز محل القطع أو قطع بآلة كآلة يكثر ألمُها وأشباه ذلك ضَمِنَ؛ لأن الإتلاف لا يختلف ضمانه والعمد والخطأ.
قال ابن القيم في «تحفة المودود»: فإن أذن له أن يختنه في زمن حرٍّ مفرط أو بردٍ مفرطٍ أو في حال ضعف يخاف عليه منه؛ فإن كان بالغًا عاقلًا لم يضمنه؛ لأنه أسقط حقه بالإذن فيه، وإن كان صغيرًا ضمنه؛ لأنه يعتبر إذنه شرعًا، وإن أذن فيه وليه في زمن الحر المفرط أو البرد، فهذا موضع نظر هل يجب الضمان على الولي أو الخاتن؟ ولا ريب أن الولي متسبب والخاتن مباشر، فالقاعدة تقضي تضمين المباشر؛ لأنه يمكن الإحالة عليه بخلاف ما إذا تعذر تضمينه، انتهى.
ولا ضمان على راع فيما تلف من الماشية إذا لم يتعد ويقبل قوله في نفي التعدي وإذا لم يفرط بحفظها بنحو نوم كاشتغاله بلعب أو غيبة الماشية عنه أو ضربها ضربًا مبرحًا بأن يسرف في ضربها أو سلوكه موضعًا يتعرض لتلفها به؛ لأنه مؤتمن على حفظها أشبه المودع فلا يضمنها بدون ما ذكر كالمؤجرة؛ فإن فرط الراعي في حفظها بنوم أو غفلة أو تركها تتباعد عنه أو تغيب عن نظره وحفظه أو تعدى بأن أسرف في ضربها أو ضربه في غير موضع الضرب أو ضربها من غير حاجة إلى الضرب ضمن الراعي التالف، وإذا جذب الدابة مستأجر أو معلمها السير أو السير مع الكر أو الفر لتقف أو تنقلب فَتِلفت لم تضمن أو ضرب الدابة مستأجرها أو معلمها السير ونحوه كالضرب المتعارف عادة من غير إسراف لم تضمن؛ لأنه مأذون وإلا بأن جذبها لا للوقوف ولا للتعليم أو ضربًا غير المعتاد حرم ذلك، وضمن الدابة إن تلفت؛ لأنه فعل ما ليس ما فعله، وعلى راع تحري نافع مكان رعي ويلزمه توقي نبات مضرٍّ ويلزمه إيراد الماشية الماء إذا احتاجت إليه على الوجه الذي لا يضرها شربه، ويلزمه ردها عن زرع الناس ويلزمه دفع سباع عنها ويلزمه منع بعضها من أذية بعض قِتالًا ونطحًا.
ويلزم أن يؤدب الصائلة بردها عن المصول عليها ويرد القرناء عن الجماء والقوية عن الضعيفة، وعليه إعادتها عند المساء لأربابها وإن اختلف راع ورب ماشية في تعد أو تفريط وعدمه بأن ادعى ربها أن الراعي تعدى وأفرط فتلفت وأنكر الراعي، فالقول قوله بيمينه؛ لأنه أمين، والأصل براءته وإن فعل الراعي فعلًا واختلفا في كونه تعديًا أو تفريطًا رجع فيه إلى أهل الخبرة؛ لأنهم أدرى به وإن ادعى الراعي موتًا لشاة أو بعير أو بقرة قُبِل قوله بيمينه ولو لم يحضر جلدًا أو غيره، وقيل: إذا أحضر الجلد ونحوه مدعيًا موتًا قُبل قوله، وقيل: لا يقبل إلا ببينة تشهد بموتها، والذي يترجح عندي القول الأول، إلا إن كان فيه قرائن تدل على كذبه فلا يقبل قوله إلا ببينة، والله سبحانه وتعالى أعلم.
لأنه مؤتمن، أو ادعى مكترٍ لدابة أو آدمي أن المتكري آبق أو أن المكتري مريض أو أنه شارد أو مات في المدة أو بعدها قبل قوله بيمينه في عدم التفريط والتعدي ولا ضمان عليه؛ لأنه مؤتمن ولو جاء به صحيحًا وكذبه المالك، وقيل: لا يقبل قوله إلا ببينة تشهد بموتها ولا أجرة عليه حيث لم ينتفع بالمأجور؛ لأن الأجرة إنما تجب بالانتفاع بالعين المؤجرة ولم يوجد، وإن عقد إجارة على رعي إبل أو بقر وغنم معينة مدة تعينت كما لو استأجر لخياطة ثوب بعينه فلا تبدل ويبطل العقد فيما تلف منها لفوات محل المعقود عليه كموت الرضيع وإن عقد على رعي شيء موصوف في ذمة فلابد من ذكر نوعه فلا يكفي ذكر الجنس كالإبل، فلابد من أن يقول بخاتي أو عِراب، وفي البقر بقرًا أو جواميس وفي الغنم ضانًا أو معزًا، ويذكر كبره أو صغره، ويذكر عدده وجوبًا؛ لأن الغرض يختلف باختلاف ذلك فاعتبر العلم به إزالة للجهالة.
ولا يلزم الراعي رعي سِخالها سواء كانت على معينة أو موصوفة؛ لأن العقد لم يتناولها ولا يشمل إطلاق العقد على رعي بقر رعْي جواميس وعلى إبل لم يشمل بخاتي؛ لأن العقد لم يتناوله حملًا على العرف، ويضمن الأجير المشترك وهو مَن قدر نفعه بالعمل ولو تعرض في العمل وقت عقد لمدة ككحال بكحله شهرًا كل يوم كذا وكذا مرة أو لا كخياطة ثوب ويتقبل الأجير المشترك الأعمال في وقت واحد يعمل لهم فيشتركون في نفعه، فلذلك سمي مشتركًا فتتعلق الإجارة بذمته لا بعينه ولا يستحق الأجرة إلا بتسليم عمله دون تسليم نفسه بخلاف الخاص، فيضمن الأجير المشترك ما تلف بفعله من تخريق قصار بدقِّه أو مدِّه أو عصرِه أو بسطِه وغلط خياط في تفصيل، روي عن عمر وعلي -رضي الله عنهما- لأنه عمله مضمون عليه لكونه لا يستحق العوض إلا بالعمل؛ فإن الثوب لو تلف في حرزه لم يكن له أجر فيما عمل فيه بخلاف الخاص وما تولد منه يكون مضمونًا كالعدوان يقطع عضو أو غلط في نسج أو في طبخ أو في خبز، وكذا ملاح سفينة ونحوه ويضمن أيضًا ما تلف بفعله من يده أو خرقه أو ما يعالج به السفينة وسواء كان رب المتاع معه أو لا، وقيل: لا يضمن ما لم يتعد أو يفرط، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس؛ لأنه من الأمناء الذين لا يضمنون إلا بالتعدي أو التفريط ويحمل ما ورد عن علي في تضمينهم على التعدي أو التفريط وإلا فليسوا غاصبين حتى يترتب عليهم الضمان، وأيضًا فالضمان مرتب على اليد والتصرف، فإذا كانت اليد يدًا عادية رتب عليها الضمان وإذا كان التصرف ممنوعًا رتب عليه الضمان والأجير يده غير عادية وتصرفه غير ممنوع، بل مأمور به من جهة المؤجر، والله سبحانه وتعالى أعلم.
ويقدم قول رب التالف في صفة عمله إذا اختلفا في صفة العمل بعد تلف المأجور ليغرمه للعامل، فالقول قول ربه؛ لأنه غارم، وقيل: بل يقبل قول الأجير.
قال في «الإنصاف»: لئلا يغرم نقصه مجانًا بمجرد قول ربه بخلاف الوكيل، قال في «التلخيص»: القول قول الأجير في أصح الروايتين، وهذا القول هو الذي تميل إليه النفس، والله سبحانه أعلم.
ويضمن حامل ما تلف بزلْقِه أو عثرته أي الحامل من آدمي أو بهيمة وسقوطٍ عن دابة أو تلف يقوده وسوقه وإنقطاع حبله الذي يشد به الحمل سواء حضر ربها أو غاب إذ لا فرق بين أن يكون صاحب العمل حاضرًا عنده أو غائبًا أو كونه مع الملاح أو الجمال أو لا، قال ابن عقيل: ما تلف بجناية الملاح بحذقه أو بجناية المكاري بشده المتاع ونحوه، فهو مضمون عليه؛ لأن وجوب الضمان عليه بجناية يده فلا فرق بين حضور المالك وغيبته كالعدوان؛ لأن جناية الجمال والملاح إذا كان صاحب المتاع راكبًا معه يعم المتاعِ وصاحبه وتفريطه يعمهما فلم يسقط ذلك الضمان كما لو رمى إنسانًا متترسًا فكسر ترسه وقتله؛ ولأن الطبيب والختان إذا جنت يداهما ضمنًا مع حضور المطبب والمختون وقد ذكر القاضي فتلف ضمن، والذي تطمئن إليه نفسي، والله أعلم أنه إذا لم يحصل إعتداء أو تفريط لا ضمان عليه، وإن سرق لم يضمن؛ لأنه في العثار تلف بجنايته والسرقة ليست من جنايته ورب المال لم يحل بينه وبينه، وهذا يقتضي أن تلفه بجنايته مضمون عليه سواء حضر رب المال أو غاب في وجوب الضمان في محل النزاع أولى؛ لأن الفعل في ذلك الموضع مقصود لفاعله والسقطة من الحمال غير مقصودة له وإذا أوجب الضمان كصباغ أمر بصبغ ثوب أصفر فصبغه أسود ونحوه لما روى جعفر بن محمد عن أبيه عن علي أنه كان يضمن الصباغ والصواغ، وقال: لا يصلح للناس إلا ذلك.
وروى الشافعي في «مسنده» عن علي أنه كان يضمن الأجراء، ويقول لا يصلح الناس إلا هذا؛ ولأن عمل الأجير المشترك مضمون عليه فما تولد منه يجب أن يكون مضمونًا عليه كالعدوان بقطع عضو ودليل ضمان عمله عليه أنه لا يستحق العوض بمضي المدة وإن لم يعمل ولو بدفع ونحوه لغير ربه غلطًا فيضمنه؛ لأنه فوته على مالكه.
قال أحمد في قصار دفع الثوب إلى غير مالكه: يغرم القصار، وليس للمدفوع إليه لبسه إذا علم وعليه رده للقصار، وغرم قابض الثوب المدفوع إليه غلطًا حيث قطعه أو لبسه جهلًا أنه ثوب غيره ضمن أرش قطعة وأجرة لبسه لتعديه على مالك وغيره ورجع قابض بأرش قطعه وأجرة لبسه على دافع؛ لأنه غره.
قال في «شرح الهداية»: ويرجع بما غرمه على القصار، وزاد في «الرعاية»: مسألة الرجوع بأجرة اللبس وله المطالبة بثوبه إن كان موجودًا وإن هلك ضمن الأجير؛ لأنه أمسكه بغير إذن صاحبه بعد طلبه كما لو علم، وإن علم قابض أن الثوب ونحوه ليس بثوبه فقطعه أو لبسه فلا رجوع على دافع بما غرمه للمالك؛ لأنه أدخل الضرر على نفسه ولا يضمن أجير ما تلف بغير فعله؛ لأنه عين مقبوضة بعقد الإجارة لم يتلفها بفعله أشبه المستأجر، ولأن قبضها بإذن مالكها لنفع يعود عليهما أشبه المضارب إن لم يفرط؛ فإن فرط ضمن؛ لأن العين في يده أمانة أشبه المودع، ولا يضمن ما ضاع من حِزره بنحو سرقة ولا أجرة للأجير المشترك فيما عمل فيه ولو كان عمله ببيت ربه، وقيل: لا فرق بين أن يكون بيت ربه أو غيره؛ لأنه لم يسلم عمله للمستأجر إذ لا يمكن تسليمه إلا بتسليم المعمول فلم يستحق عوضه ككيل بيع وتلف قبل قبضه، وفيه اتجاه أن الأجير لا يستحق الأجرة فيما إذا كان العمل ببيت المستأجر وتلف المعمول قبل فراغه من العمل، وأما إذا تلف بعد فراغه من العمل وهو بيت المستأجر فقد استحق الأجرة بمجرد الفراغ؛ لأنه أتم ما عليه، وفي «المغني»: وكُلّ مَن استؤجِرَ على عمل في عين فلا يخلو إما أن يوقعه وهو في يد الأجير كالصباغ يصبغ في حانوته، والخياط في دكانه، فلا يبرأ من العمل حتى يسلمها إلى المستأجر ولا يستحق الأجرة حتى يسلمه مفروغًا منه؛ لأن المعقود عليه في يده فلا يبرأ منه ما لم يسلمه إلى العاقد كالمبيع من الطعام، وأما إذا كان يوقع العمل في بيت المستأجر مثل أن يحضره إلى داره ليخيط فيها أو يصبغ فيها؛ فإنه يبرأ من العمل ويستحق أجرة بمجرد عمله؛ لأنه في يد المستأجر فيصير مسلمًا للعمل حالًا فحالًا ولو استأجر رجلًا يبني له حائطًا في داره أو يحفر بها بئرًا برِيءَ من العمل واستحق أجره بمجرد عمله ولو كانت البئر في الصحراء أو الحائط لم يبرأ بمجرد العمل، ولو انهارت عقب الحفر أو الحائط بعد بنائه وقبل تسليمه لم يبرأ من العمل، وأما الأجير الخاص فيستحق الأجرة بمضي المدة سواء تلف ما عمله أو لم يتلف ولو استأجر أجيرًا ليبني له حائطًا طوله عشرة أذرع فبنى بعضه فسقط لم يستحق شيئًا حتى يتمه سواء كان في ملك المستأجر أو في غيره؛ لأن الاستحقاق مشروط بإتمامه ولم يوجد، وكذا لو استأجره ليحفر له بئرًا عمقها عشرة أذرع فحفر منها خمسة وانهار فيها تراب من جوانبها لم يستحق شيئًا حتى يتمم حفرها.
ولا يضمن أجير مشترك تبرَّع بعمله مطلقًا سواء عمله ببينة أو غيره؛ لأنه أمين محض؛ فإن اختلفا في أنه أجير أو متبرع فقول أجير بيمينه؛ لأن الأصل براءته، ولأجيرٍ حبسُ معمولٍ على أجرته كثوب صَبغَه أو قصَّره أو خاطه إن حكم بفلس ربه وكون الأجير يملك حَبْسَ ما صبغهُ أو قصَّرَه أو خاطه؛ لأن زيادته للمفلس فأجرته عليه والعمل الذي هو عوضها موجود في عين الثوب فملك حبسه مع ظهور عسرة المستأجر كمن أجر دابته أو نحوها لإنسان بأجرة حالة، ثم ظهر عسر المستأجر قبل تسليمها له؛ فإن للمؤجر حبسها عنه وفسخ الأجرة، ثم إن كانت أجرته أكثر مما زادته به قيمته أخذ الزيادة وحاصص الغرماء بما بقي له من الأجرة وإن لم يحكم حاكم بفلس المستأجر فلا يملك الأجير حَبْس المعمول بعد عمله؛ فإن فعل فكغاصب حكمه؛ لأنه لم يرهنه هنده ولا أذن في إمساكه ولا يتضرر بدفعه قبل أخذ أجرته ومتى فعل فتلف ضمنه كما لو أتلفه الأجير بعد عمله أو بعد حمله إذا استؤجر له وخُيرَ مالك بين تضمين الأجير المعمولَ أو المموِّلَ غيرَ معمولٍ أو غيرَ محمولٍ بأن يطالبه بقيمته في الموضع الذي سلمه إليه فيه ليحمله منه ولا أجرة للأجير؛ لأنه لم يسلم عمله أو تضمينه المعمول أو المحمول التالف تعديًا بقيمته معمولًا ومحمولًا إلى مكان تلف فيه وله أجرة عمله وحمله؛ لأن تضمينه إياه كذلك في معنى تسليم العمل المأمور به، وإنما خير بين الأمرين؛ لأن ملكه مستصحب عليه إلى حين المطالبة بقيمته قبل عمله وحين تلفه.
وإن استأجر أجيرٌ مشتركٌ أجيرًا كخياط أو صباغ يستأجر أجيرًا فأكثر مدة معلومة يستعمله فيها فلكل من الخاص والمشترك حكم نفسه، فإذا تقبل صاحب الدكان خياطة ثوب ودفعه إلى أجير فخرقه أو أفسده بلا تعد ولا تفريط لم يضمنه؛ لأنه أجير خاص ويضمنه صاحب الدكان لمالكه؛ لأنه أجير مشترك، وإن تقبل الأجير المشترك ولم يعمل، بل استعان بغيره، فللأجير المشترك الأجرة المسماة في العقد لالتزامه العمل لا لتسليم العمل وتقدم في الشركة أن التقبل يوجب الضمان على المقتبل ويستحق الربح وسواء عمل فيه شيئًا أو لا، وإن قال الأجير: أنت لي في تفصيل الثوب قباء، وقال المستأجر: بل أذنت لك بتفصيله قميصًا فالقول قول خياط، لئلا يغرم نقصه مجانًا بمجرد قول ربه، وكذا إن قال: أذنت لي في قطعه قميص امرأة، قال: بل قميص رجل، أو في صبغه أسود، فقال: بل أحمر ونحوه لاتفاقهما على الإذن واختلافهما في صفته، فالقول قول الأجير وهو المأذون كالمضارب إذا قال: أذنت لي في البيع نساء؛ ولأنهما اتفقا على ملك الخياط القطع، والظاهر أنه فعل ما ملكه واختلف في لزوم الغرم له، والأصل عدمه فيحلف الخياط لقد أذنت لي في قطعه كذا ويسقط عنه الغرم، ويكون له أجرة مثله؛ لأنه ثبت وجود فعله المأذون فيه.
وقال أبو حنيفة وأبو ثور: القول قول صاحب الثوب، واختلف أصحاب الشافعي، فمنهم من له قولان كالمذهبين، ومنهم ن قال له قول ثالث إنهما يتحالفان كالمتبايعين يختلفان في الثمن، ومنهم من قال: إن الصحيح أن القول قول رب الثوب؛ لأنهما اختلفا في صفة الإذن، والقول قوله في أصل الإذن فكذلك في صفته؛ ولأن الأصل عدم الإذن المختلف فيه، فالقول قول من ينفيه، وهذا القول هو الذي تميل إليه النفس، والله سبحانه أعلم.
ولو قال رب ثوب لخياط: إن كان يكفيني قميصًا أو قباء فاقطعه وفصّله، فقال الخياط: يكفيك ففصله فلم يكفه ضمن أرش تقطيعه؛ لأنه إنما أذنه في قطعه بشرط كفايته فقطعه بدون شرطه، كما لو قال له: اقطعه قباء فقطعه قميصًا؛ فإنه يضمن أرش نقصه لمخالفته لا إن قال أنظر هل يكفيني قميصًا أو قباء، قال: يكفيك، فقال له: اقطعه، فقطعه، فلم يكفه لم يضمن؛ لأنه أذنه في غير اشتراط بخلاف التي قبلها، وإن دفع إلى حائك غزلًا، وقال: انسجه لي عشرة أذرع في عرض ذراع فنسجه زائدًا على ما قدر له في الطول والعرض فلا أجرة لما زاد على ما قدر؛ لأنه غير مأمور به ويضمن الحائك نقص غزل نسج في الزيادة لتعديه، فأما ما عدا الزائد فينظر فيه؛ فإنه كان جاء به زائدًا في الطول وحده ولم ينقص الأصل بالزيادة فله ما سمي له من الأجر كما لو استأجره على أن يضرب له مائة لبنة فضرب له مائتين وإن جاء به زائدًا في العرض وحده أو فيهما، فقدم في «المغني»: لا أجر له؛ لأنه مخالف لأمر المستأجر فلم يستحق شيئًا، كما لو استأجره على بناء حائط عرض ذراع فبناه عرض ذراعين، والفرق بين الطول والعرض أنه يمكن قطع الزائد في الطول ويبقي الثوب على ما أراد ولا يمكن ذلك في العرض، وأما إن جاء به ناقصًا في الطول والعرض أو في إحداهما، فقدم في «المغني»: لا أجر له وعليه ضمان نقصان الغزل؛ لأنه مخالف لما أمره به فأشبه ما لو استأجره على بناء حائط عرض ذراع فبناه عرض نصف ذراع، وأما إن أثرت الزيادة أو النقص في الأصل مثل أن يأمره بنسج عشرة أذرع ليكون الثوب ضيقًا فنسجه خمسة عشر، فصار صفيقًا أو أمره بنسج خمسة عشر ليكون خفيفًا فنسجه عشرة فصار صفيقًا فلا أجر له بحال، وعليه ضمان نقص الغزل؛ لأنه لم يأت بشيء مما أمر به.
من النظم فيما يتعلق بالأجير المشترك: ومستأجر قَدَّرْتَ بالفعل نَفْعَه فَيَضْمَنُ ما أراده مِن فِعْله قَدِ كَدَقةِ قَصَّار وزَلَةِ حَامِل وغَلْطَةِ خَيَّاطٍ بثوبٍ بأوْطَدِ وسيان ما أراده في بَيْتِ مُكْتَرٍ وَفي غير بَيْتِ المكتري في المجودِ ولا غَرْمَ فيما فات مِن غير فعله وَعنه بأمر ظاهرٍ لا مُبَعَّدِ وعنه عليه الغرم يا صَاحِ مُطلقًا كما لو جَنَى عَمْدًا بغير تردد ويَضْمَنُ مَحْبُوسًا لِيَأْخُذَ أجْرَهُ وللمالكِ التضمين غَير مُصَدَّدِ فإن شَاء مَعْمُولًا ويُعطِيه أجْره وإنْ شاء كَحَالِ العَقد غير مُزَوَّدِ وإنْ لَمْ يُضَمَّنَ مَن تقدم ذكره فليس له أجرٌ لِفعْل المُفَقَّدِ سوى مَا ببَيت المكتري كانَ فِعْلُه وعنه سوى أجر البنا مطلقًا ذُدِ وعنْهُ ومنْقُولٌ إذا كان فعله لَهُ وَاقِعًا في بَيْتِهِ فليُرفَدِ ومُلق إلى الخياط وقال إن كفاني قميصًا فاقطع الثوب واقدد فيقطعْهُ إن لم يكفِه فَهْو ضَامِنٌ وإنْ قال هذا الثوب يكفيك فاعهد إذا قال فصله بأن لَيْس ضامنًا إذا لم يكن يكفيه عَهْدُ مُسَدَّدِ وإنْ يَقُل الخياط أنت أمرتني بِقَطْعِ قباء صَالحٍ للتَّجَنُدِ فقال قَمِيصًا فاسْتَمِعْ قَولَ صَانِع ويخرج أن للمالك القول فارشد ولا غُرْمَ مِن بَعْدِ اليَمِينِ بما ادّعَى وأجْرَةُ مِثْلٍ لا مسمى لَهُ قَدِ ولا غُرْمَ في فِعْلِ امرئ حاذق ردًا بطبٍ وحجمٍ والخِتَانِ مُجَوَّدِ وَلم تَجْنِ كَفَاه وضربُ مُؤَدِّبِ وَزَوجٍ ومسْتَكْرٍ بضَرْبٍ مُعَوَّدِ وكَبْحِ لِجَامِ مِن فَتىً رائضٍ ولَا ضَمانَ عَلىَ رَاعٍ غَدَا غَيْرَ مُعْتَدِ ومَنْ يُكتْرَى في رَعْي عِدٍ مُعَيَّنٍ تَعَيَّنَ في الأقوى وَلَمْ تَرْعَ مَوْلِدِ ومَا سَلَّم القِصَارُ أو نحوه إلى سِوَى رَبهِ جَهْلًا يُضَمَّنْ لذِي اليَدِ ومُسْتأجر عَيْنًا أمِينًا بحِفظها فليْسَ عَليْه غُرمُ رَدٍ فَقَيْدِ
65- ما يتعلق بتمليك العين المؤجرة من نحو وجوب أجرة واستقرار إلخ س65: متى تملك الأجرة في الإجارة؟ وما الذي يترتب على ذلك من وطء أو عتق أو تصرف؟ وبأي شيء تستقر الأجرة؟ ومتى يقع الشيء مقبوضًا؟ وإذا بذلت العين في إجارة فاسدة فهل تجب الأجرة؟ وما حكم شرط تأخير الأجرة؟ ومن الذي ليس له تعجيلها؟ ومتى تجب أجرة؟ وكيف تسقط الأجرة؟ وإذا انقضت إجارة بنحو تقايل وبها غراس أو بناء فما حكم ذلك؟ وما الذي يترتب على الحكم؟ واذكر الدليل والتعليل والخلاف والترجيح والتفصيل والشروط والمحترزات.
ج: تملك أجرة معينة في إجارة عين ولو مدة لا تلي العقد أو إجارة على منفعة في ذمة كحمل معين إلى مكان معين بعقد شُرِطَ فيه الحلول أو أطلق كما يجب الثمن بعقد البيع والصداق بالنكاح، وقوله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}، وحديث: «أعطوا الأجير أجرة قبل أن يجف عرقه» رواه ابن ماجه - لا يعارض ذلك الإتيان في وقت لا يمنع وجوبه قبله، كقوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}، والصداق يجب قبل الاستمتاع فتوطؤ أمة جعلت أجرة؛ لأنها ملكت بمجرد عقد ويعتقُ قِنُّ على سيد بمجرد عقد إذا كان ممن يعتق عليه أو علق عتقه على ملكه له ويصح تصرف بالأجرة كمبيع وتستحق الأجرة كاملة ويطالب بها، ويجب على المستأجر تسليمها بمجرد تسليم عين معينة كانت في العقد أو موصوفة في الذمة ولو كانت العينُ المؤجرةُ نفسَ المؤجر فعليه تسليمُ نفسه بمجرد العقد ويملك المطالبة بالأجرة لجريان تسليم نفسه مجرى نفعها، وكذا بذل العين المستأجرة ليستوفي نفعها ولو أبى مكتر قبولها؛ لأن المؤجر فعل ما عليه كما لو بذل البائع العين المبيعة، وليس للمكتري أن يمتنع من قبولها بعد بذلها إليه، وقال أبو حنيفة: لا يملك الأجرة ولا يستحق المطالبة بها إلا يومًا ويومًا إلا أن يشترط تعجيلها، قال أبو حنيفة: إلا أن تكون معينة كالثوب والدار والعبد؛ لأن الله تعالى قال: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} أمر بإيتائهن بعد الرضاع، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «يقول الله عز وجل: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يوفه أجره» فتوعده على الامتناع من دفع الأجرة بعد العمل دل على أنها حالة الوجوب، وروي عنه -صلى الله عليه وسلم- قال: «أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه» رواه ابن ماجه.
ولأنه عوض لم يملك معوضه فلم يجب تسليمه كالعوض في العقد الفاسد؛ فإن المنافع معدومة لم تملك ولو ملكت فلم يتسلمها؛ لأنه يتسلمها شيئًا فشيئًا فلا يجب عليه العوض مع تعذر التسليم في العقد، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وقال بعضهم يجب على المكتري القبول إذا بذل العين مؤجر وليس في الموضع يد حائلة، فأما إذا كان يد حائلة تمنعه من الانتفاع بها فلا يجب عليه قبولها ويجب عليه دفع الأجرة؛ لعدم تمكنه من الانتفاع، كما لو كان المأجور داة أو سيارة وكانت الشرطة تسخر الدواب أو السيارات ولا يقدر المؤجر على تسليمها ولا المستأجر على دفعهم فلا يعتبر التسليم في هذه الحال وتستقر الأجرة وتثبت كاملة بذمة مستأجر بفراغ عمل ما استؤجر لعمله وهو بيد المستأجر كطباخ استؤجر في دار المستأجر فطبخ ما استؤجر له وفرغ منه؛ لأنه أتم ما عليه وهو بيد ربه فاستقر فكل شيء يستأجره لعمله إذا عمله أجير مشترك وفرغه أي بذله بعد فراغه منه وقع ذلك الشيء في حكم المقبوض فيستحق باذله أجرته وتستقر بدفع غير ما بيد المستأجر كما لو اتفقا على أن الخياط يخيط له ثوبًا بدكانه فخاطه وسلمه لربه معمولًا؛ لأنه سلم ما عليه فاستحق عوضه وهو الأجرة.
ومحل وجبو تسليم الأجرة إن لم تؤجل؛ فإن أجلت لم يجب بذلها حتى تحل كالثمن والصداق، ولا يجب تسليم العمل الذي في الذمة حتى يتسلمه المستأجر وإن وجبت بالعقد، وعلى هذا وردت النصوص، ولأن الأجير إنما يوفى أجره إذا قضى عمله؛ لأن عوض فلا يستحق تسليمه إلا مع تسليم المعوض كالصداق والثمن، وفارق الإجارة على الأعيان؛ لأن تسلمها جرى مجرى تسليم نفعها وتستقر الأجرة بمجرد فراغ عمل أجير خاص كأن يوقع العمل ببيت المستأجر سواء بذله له أو لا؛ لأنه في يد المستأجر فلا يفتقر إلى البذل وتستقر بانتهاء مدة الإجارة إن كانت على مدة وسلمت العين بلا مانع ولو لم ينتفع لتلف المعقود عليه تحت يده وهو حقه فاستقر عوضه كثمن المبيع إذا تلف بيد مشتر وتستقر أيضًا بتسليم عين معينة لعمل بذمة إذا مضت مدة يمكن استيفاء العمل فيها حيث لا مانع له من الانتفاع لتلف المنافع تحت يده باختيار فاستقر الضمان عليه كتلف المبيع تحت المشتري فلو استأجر دابة أو سيارة ليركبها إلى مكة مثلًا ذهابًا وإيابًا بألف وسلمها إليه المؤجر ومضت مدة يمكن فيها ذهابه إليها ورجوعه على العادة ولم يفعل استقرت عليه الأجرة ولو لم يتسلم المستأجر حتى مضت المدة المقدرة أو مضى زمن يمكن استيفاء الأجر فيه استقر الأجر عليه لتلف المنافع باختيار المستأجر فاستقر عليه الأجر كما لو كانت في يده، ولا تجب أجرة ببذل تسليم العين؛ فالإجارة فاسدة، ولأن منافعها لم تتلف تحت يده ولا في ملكه؛ فإن تسليم المؤجرة في إجارة فاسدة حتى مضت المدة أو مضى زمن يمكن استيفاء عمل معقود عليه أو لا فعليه أجرة المثل مدة بقائه بيده وإن لم ينتفع بها؛ لأن المنافع تحت يده بعوض لم يسلم لمؤجر فيرجع إلى قيمتها كما لو استوفاها.
ويصح شرط تأخير الأجرة بأن تكون مؤجلة إلى أجل معلوم كما لو شرط المستأجر على المؤجر في سنة ست أن لا تحل عليه الأجرة إلا عند ابتداء سنة سبع؛ لأن إجارة العين كبيعها وبيعها يصح بثمن حال ومؤجل فكذلك إجارتها، فلو مات المستأجر لم تحل أجرة مؤجلة؛ لأن حلها مع تأخير اسيتفاء المنفعة ظلم قاله الشيخ تقي الدين.
ويصح تعجيل الأجرة على محل استحقاقها كما لو أجره داره سنة خمس في سنة ثلاث وشرط عليه تعجيل الأجرة في يوم العقد، قال الشيخ تقي الدين: غير ناظر وقف فليس له تعجيل الأجرة كلها إلا لحاجة التعمير الذي لا يتم الانتفاع إلا به ولو شرط التعجيل لم يجز؛ لأن الموقوف عليه يأخذ ما لم يستحقه الآن، وقال: كما يفرقون في الأرض المحتركة إذا بيعت أو ورثت؛ فإن الحكر من الانتقال يلزم المشتري والوراث وليس لهم أخذه من البائع وتركه في أصح قولهم. اهـ.
ومن استؤجر لعمل كل يوم بأجر معلوم فله أجر كل يوم عند تمامه.
قال ابن رجب: ظاهر هذا أن المستأجر للعمل مدةً مطلقة غير معينة كاستئجاره كل يوم بكذا؛ فإنه يصح، ثبت له الخيار في آخر كل يوم ويجب له أجر كل يوم في آخره؛ لأن ذلك مقتضى العرف، ولأنه غير ملتزم بالعمل فيما بعده، ولأن مدته لا تنتهي فلا يمكن تأخير إعطائه إلى تمامها وإذا عين لكل يوم منها قسطًا من الأجرة فهي إجارات متعددة، انتهى. وتقسيط الأجرة كل سنة كذا أو كل شهر كذا أو كل يوم كذا ليس بشرط.
تنبيه: قال القاضي في التعليق: إذا دفع إلى دلال ثوبًا أو دارًا، وقال: بع، فمضى وعرض ذلك على جماعة مشتر، وعرف ذلك صاحب المبيع فامتنع من المبيع وأخذ السلعة ثم باعها هو من ذلك المشتري أو من غيره لم يلزمه أجرة الدلال للبيع؛ لأن الأجرة إنما جعلها في مقابلة العقد وما حصل له ذلك، قال أبو العباس: الواجب أن يستحق من الأجرة بقدر ما عمل، انتهى، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس، والله تعالى أعلم.
فإذا فسخت أو انفسخت بنحو تقايل المتأجرين من عقد الإجارة أو اختيار شرط، وكذا بظهور عيب في المأجور مبيع للفسخ، إجارة أرض انتهت مدتها ليست الأرض مشاعًا لشريك وبالأرض المؤجرة غراس أو بناء لم يشترط في العقد قلعه بانقضاء المدة أوش رط على رب الأرض بقاء الغراس أو البناء في الأرض بعد انقضاء مدة الإجارة أو لم يشترط قلع ولا بقاء بأن أطلق إذ لا فرق بين شرط البقاء والإطلاق؛ فإن قلعه مالكه فليس لرب الأرض منعه منه؛ لأنه ملكه وإن لم يقلع مالك الغراس والبناء خُيِّرَ مالك الأرض بين أمور ثلاثة، تملُّك الغراس، أو البناء بقيمته وذلك بأن تقوم الأرض مغروسةً أو مبنيةً ثم خاليةً منهما فما بينهما قيمته إن كان ملكه للأرض تامًا فيدفع قيمة الغراس والبناء ويملك مع أرضه؛ لأن الضرر يزول بذلك، الثاني: ترك الغراس أو البناء بأجرة مثله؛ لأن فيه جمعًا بين الحقين وإزالة ضرر المالكين فلا أثر لاشتراط المستأجر تبقية غراسه أو بنائه، الثالث: قلعه جبرًا ويضمن نقص الغراس أو البناء.
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في «المغني» و«الشرح» و«الوجيز» وغيرهم، قال في «التلخيص»: إذا اختار المالك القلع وضمان النقص، فالقلع على المستأجر وليس عليه تسوية الأرض؛ لأن المؤجر دخل على ذلك ولصاحب الشجر أو البناء بيعه لمالك الأرض وغيره؛ لأن ملكه عليه تام فله التصرف فيه كيف شاء فيكون المشتري غير مالك الأرض بمنزلة المستأجر، وكذا لا يمنع الخِيرةَ من أخذ رب الأرض له أو قلعه وضمان نقصه أو تركه بالأجرة، وكذا لو وقف مستأجر ما بناه أو وقف ما غرسه ولو على نحو مسجد كزاوية ومدرسة، فإذا تملكه بقيمته اشترى بالقيمة أو بما أخذه من أرش القلع ما يكون وقفًا كما لو أتلف الوقف وأخذت قيمته من متلفه وجزم في الفروع أن الآلات والغراس المقلوع باق مقامه ولو أبى المالك القلع، وأبى مستأجر أخذ المالك بالقيمة والترك بالأجرة والقلع باع حاكم من المأجور أرضًا بما فيها من غراس أو بناء ودفع لرب الأرض قيمتها فارغةً وما بقي يدفع للمستأجر وكل منهما بيع ماله منفردًا والحكم فيها كما لو استعار الأرض للغراس، ثم رجع المعير قبل القلع؛ فإن كان شرط القلع بوقت أو رجوع لزم عنده ولو لم يأمره به معيره وإن لم يشترط القلع فللمعير أخذه قهرًا بقيمته أو قلعه جبرًا ويضمن نقصه؛ فإن أبى مُعِيرٌ ذلك ومستعيرٌ الأجرة والقلعَ بيعتْ أرض بما فيها إن رضياه أو أحدهما ويجبر الآخر ودفع لرب الأرض قيمتها فارغةً والباقي للآخر.
وحكم إجارة فاسدة فيما تقدم تفصيله من أنها إذا انقضت المدة وفيها غراس أو بناء كحكم إجارة صحيحة من المالك مخير فيها بين أمور ثلاثة كما تقدم. ولو غرس أو بنى مشتر فحكمه حكم العارية فيما بيع منه أي اشتراه اشتراء صحيحًا، ثم فسخ عقد بيع بنحو عيب كغبن وتقايل أو خيار شرط وإن كان البناء الذي بناه المستأجر نحو مسجد ومدرسة وسقاية وقنطرة لزم بقاؤه فلا يهدم ولا يتملك، بل يترك على حاله بأجرته إلى زواله؛ لأنه العرف إذ وَضْعُ هذه للدوام ولا يعاد المسجد ونحوه إذا انهدم بعد انقضاء المدة بغير رضى رب الأرض لزوال حكم الإذن بزوال العقد ولو مات المستأجر معسرًا فلمالك فعل ما مر من تملك البناء بقيمته أو قلعه وضمان نقصه، لئلا يضيع حقه، ولو أعسر المستأجر وعجز عن دفع الأجرة للأرض المبنية مسجدًا لا يلزم المؤجر إبقاء البناء إلى أن يبيد البناء أو يؤسر المستأجر.
وقال بعضهم: لو قيل إذا أعسر أو مات معسرًا وكان على نحو مسجد وقفٌ له غَلَةٌ فيؤخذ من غلته ويدفع إلى رب الأرض أجرته أو إذا لم يكن له وقف فمن بيت المال إن وجد ولا يتملكه أو يقلعه ويضمن نقصه لم يَبْعُد. اهـ.
وقال في «الفائق»: قلت: لو كانت الأرض المؤجرة لغرس أو بناء وقفًا وانقضت مدة الإجارة لم يجز أن يتملك غراس ولا بناء لجهة وقف الأرض إلا بشرط واقف للأرض أو رضى مستحق لريع الوقف إن لم يكن شرط؛ لأن نفي دفع قيمته من ريع تفويتًا على المستحق ويأتي إن شاء الله أنه لا يتملك إلا تام الملك هذا مع عدم شرط واقف أو رضى مستحق، قال الشيخ تقي الدين: ليس لأحد أن يقلع غراس المستأجر وزرعه صحيحة كانت الإجارة أو فاسدة لتضمنها الإذن في وضعه في أرض الوقف، بل إذا بقي فعلى مالكه أجرة المثل وإن أبقاه الغراس أو البناء الموقوف بالأجرة فمتى باد بطل الوقف وأخذ الأرض صاحبها فانتفع بها، وقال فيمن احتكر أرضًا بنى فيها مسجدًا أو بناء وقفه عليه حتى فرغت المدة وانهدم البناء: زال حكم الوقف وأخذها أرضهم فانتفعوا بها وما دام البناء قائمًا فيها فعليه أجرة المثل كوقف عُلْوِ رَبْعٍ أو دار مسجدًا؛ فإن وقف علو ذلك فلا يسقط حق ملاك السفل، وكذا وقف البناء لا يسقط حق ملاك الأرض، وذكر في الفنون معناه.
قال في «الإنصاف»: وهو الصواب ولا يسع الناس إلا ذلك، وقال في «المنقح»: قلت: بل إذا حصل بالتملك نفع لجهة الوقف بأن يكون تملكه أحظ من قعله وضمان نقصه ومن إبقائه بأجرة مثله كان له تملكه لجهة الوقف؛ لأن فيه مصلحة تعود إلى مستحق الريع أشبه شراء ولي بناء ليتيم.
وقد رؤي فيه مصلحة وإن شرط على مستأجر أرض لغرس أو بناء قلعه بانقضاء مدة الإجارة لزمه قلعه وفاء بموجب شرطه وليس على المستأجر تسوية حفر حصلت بالقلع ولا إصلاح أرض لدلالة الشرط على رضى رب الأرض بذلك إلا أن يشرطه رب الأرض عليه فيلزمه وفاء بالشرط ولا يجب على رب الأرض إذا شرط القلع عند انتهاء المدة للإجارة غرامة نقص حصل القلع؛ لأنهما دخلا على ذلك لرضاهما بالقلع، ولأن رب الأرض أذن له في إشغالها مما ينقص بتفريغ الأرض، فلا يجب عليه ذلك من غير ضمان نقصه كما لو استعار أرضًا للغرس مدة فرجع المعير فيها قبل انقضائها ويخالف الزرع؛ فإنه لا يقتضي التأبيد ولا يلزم رب الأرض غُرْمُ نقصِ قيمةِ الغراس أو البناء إلا بشرط بأن شرط المستأجر على المؤجر أنه متى اختار قلعه يكون عليه غرامة نقصه.
أفتى بعض العلماء في إجارة نصيب مشاع من أرض مشتركة بين اثنين أجر أحدهما نصيبه لشريكه فيبني المستأجر أو غيره بعد أن استأجر حصة شريكه ثم انقضت مدة الإجارة فالحكم أن المؤجر أخذ قدر حة نصيبه في تلك الأرض من غرس وبناء؛ فإن كان يملك نصف الأرض أخذ نصف الغراس أو البناء بنصف قيمته أو الربع أخذ ربعهما بربع القيمة وهكذا، وليس للمؤجر أن يلزم المستأجر بالقلع ولو ضمن له نقص نصيبه لاستلزامه قلع ما لا يجوز قلعه لعدم تمييز ما يخص نصيبه من الأرض من الغراس والبناء والضرر لا يزال بالضرر وإذا انقضت مدة الإجارة أو استوفي العمل من العين المؤجرة رفع مستأجر يده عن العين المؤجرة.
ولو شرط مؤجر على مستأجر الضمان، فالإجارة صحيحة والشرط فاسد؛ لأن ما لا يضمن بدون شرط لا يصير بالشرط مضمونًا لكن متى طلبها ربها وجب تمكينه منها؛ فإن منعه لغير عذر صارت مضمونة كالمغصوبة ونماؤها كالأصل.
فلو استأجر دابة فولدت عنده كان ولدها أمانة كأمِّه وليس له الانتفاع به؛ لأنه غير داخل في العقد وعكسه إذا شرط المستأجر على المؤجر عدم الضمان للمؤجرة بتعديه عليها أو تفريطه لمنافاة هذه الشروط مقتضى العقد؛ فإن شرط مؤجر على مستأجر أن لا يسير بالدابة ليلًا أو شرط أن لا يسير بها وقت قائلة أو شرط أن لا ينزل بمناعه بطن واد أو شرط أن لا يتأخر بالدابة أو لا يتقدَّم القافلة وكشرطه أن لا يسير إلا مع رفقة وشبهه مما للمؤجر فيه غرض وجب العمل بالشرط؛ فإن خالف شيئًا مما شرط عليه بلا عذر فتلفت ضمن لتعديه بمخالفة الشرط كما لو شرط عليه أن لا يحمل الدابة إلا مائة صاع فحملها أكثر أو أن لا يحملها مائة رزنة فحملها أكثر، وحكم الإجارة الفاسدة حكم الصحيحة في أنه لا يضمن إذا تلفت العين من غير تفريط ولا تعد؛ لأنه عقد لا يقتضي الضمان في صحيحه فلا يقتضيه فاسدة كالوكالة، وحكم كل عقد فاسد في وجوب الضمان وعدمه حكم صحيحه فما وجب في صحيحه وجب في فاسده وما لا فلا، وللمستأجر إيداع الدابة المؤجرة بخان إذا قدم بلدًا في طريقه أو كان غرض فيه ومضى في حاجته؛ لأنه مأذون فيه عرفًا ولو لم يستأذن مالكًا في إيداعها؛ لأن الخان معد لحفظ الدواب وغيرها فلا يكون المودع مفرطًا فيه كما لا يلزم المستأجر إستئذان مالك لغسل ثوب مستأجر (بفتح الجيم) إذا اتسخ أو تنجس؛ لأنه العرف ولمؤجر مُشترطٍ على مُستأجِر عدَم سفر بعين مؤجرة الفسخ بسفره بها لمخالفته الشرط.
ومن استأجر عبدًا للخدمة وأراد السفر سافر بالعبد في العقْد المطلق وهو الذي لم يذكر فيه عدم السفر وإن شرط ترك المسافرة به لزم الشرط وليس لسيدٍ سفر برقيقه إذ أجره ولا تقبل دعوى مستأجر الرد للعين المؤجرة إلى مالكها إذا أنكره بلا بينة كالمرتهن والمستعير والمضارب وكل من قبل العين لِحَظِّ نفسه كمرتهن وأجير ومشتر وبائع وغاصبٍ وملتقطٍ ومقترضٍ ومضاربٍ وادَّعى قابض الرد لشيء من ذلك إلى المالك فأنكر المالك الرد لم يُقبَلْ قول قابض بلا بينة تشهد له بالرد، وكذا وديعٌ بجعل ووكيلٌ بجعل ووصيٌ ودلاَّل وناظرُ وقف وعامل خراج فلا يقبل قول واحد منهم إذا كان غير متبرع إلا ببينة بخلاف عامل زكاة؛ فإنه يُقبل قوله بيمينه في أنه ردها أو فرقها وسواء كان بجعل أو بدون جُعل؛ لأن الزكاةَ عبادةٌ وهو مؤتمن عليها كما يقبل قول مالك أنه فرقها قبل مجيء العامل؛ وأما دعوى التلف فتقبلُ من كل شخصٍ أمينٍ بيمين ما لم يكن التلفُ بأمرٍ ظاهر كحريق وغريق ونهب، فلابد من إقامة البينة عليه؛ لأن مثل ذلك لا يخفى غالبًا، وإذا اكترى بدراهمَ وأعطاه عنها دنانيرَ ثم انفسخ العقد رجع المستأجر بالدراهم، قال في «الإنصاف»: ولا أعلم فيه خلافًا، وجزم في «المغني» و«الشرح» و«الرعايتين» و«الحاوي الصغير» و«الفائق» وغيرهم؛ لأن العقد إذا انفسخ رجع كل من المتعاقدين في العوض الذي بذله وعوض العقد هو الدراهم والمؤجرُ أخذَ الدنانيرَ بعقدٍ آخر ولم ينفسخ أشبه ما إذا قبض الدراهم ثم صرفها بدنانير. والله أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.
من النظم فيما يتعلق بتملك نفع العين المؤجرة والأجرة: ويملكُ نفعَ العَينِ مُسْتَأجرٌ لها وتُملكُ مِنهُ أجْرَةٌ وقْتَ مَعْقدِ بأجْمَعِهَا إنْ لم تؤجل والنَّسَا على عَمَلٍ في الذمةِ امْنَعْ بأجود بتَسْلِيم عينٍ قَبْضُها تَسْتحِقُّهُ أو العمل الموصوف مِن غير مُبْعَدِ فإن يمضِ مِيقاتُ الكِرى بَعْدَ بذلِهَا وقَبْض الذي في ذمةٍ تتَأطّد وفي صُبْرةٍ مَجهول القدر أجرةٌ لِتَعْريضِهِ للفسخِ وجْهَين أسْنِدِ ومُسْتَأجرٌ شَخْصًا لِيُوصِل كتْبَه إلى صَاحبٍ إن لم يجدْه ليَمْدُد بأجْرةِ إرسالٍ وَرَدٍّ لأنَّهُ لِحَاجَتِهِ أضْحَى يَرُوْحُ ويَغْتَدِي ومُلْقٍ إلى الخياط ثوبًا فَخاطَهُ وثوبًا إلى القصارِ غَيْرَ مُحَدَّدِ لأجْرٍ بأجْرِ المِثلِ فاحْكُمْ وهكذا لأجْرٍ مُنَادٍ أو سَفِينَةِ مُزبِد وإن ينوِ غَرسًا أو بناءً وقَد مَضًى زمَانُ الكِرى لم يَشْتَرِط قَلعَه امهدِ لمؤجِرِهَا بالأجْرَةِ الأخْذُ والبَقَا بأجْرٍ وقَلْعٍ ضامنًا نقصَ مُفْسِدِ وقيمتُه ما بَينَ قيمة أرضِهِ وفيها البناء والغَرْس والخلوة اشهدِ وللمالكين القلعُ مَعْ طَمِّ إثره وما شَرَطَا يَلْزَمْ بغَيْرِ تَقَيُّدِ وإن يَبْقَ مِن تفريطه الزرعُ إن تَشَاء بقيمتِهِ خُذْ أو بأجْر مُخَلَّدِ وإن لم يُفَرط بالمُسَمَّى فأبقِه إنْ يَشَا ربُه مَعْ أجرِ مثلِ المُزَيَّدِ وإن شاء رَبُّ الزرعِ والغرس أخْذُهُ بلا ضَررٍ في الحالِ مَكِّنْه واسْعِدِ وفيما قُبِضْ في فَاسِدٍ مُدّةً وَلو بلا نفع أجْرِ المِثلِ في المتأكِّدِ وبالفضة أن يُؤْجِرْ ويَأخُذُ عِدْلَها دَنَانِيرَ عِندَ الفَسْخِ لِلْفضَّةِ ارْدُدِ
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 6:01 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الخامس الخميس 10 ديسمبر 2015, 11:47 pm | |
| 66- باب المسابقة والمناضلة س66: ما هي المسابقة؟ وما هي المناضلة؟ وما هو السبق؟ وما الذي تجوز فيه المسابقة؟ والذي لا تجوز به؟ وما الذي يكره من الألعاب؟ وما الذي يجوز؟ وما الذي يستحب اللعب به؟ وما الذي ليس من اللهو المحرم؟ وما حكم ترك الرمي لمن تعلم؟ وما الدليل على ذلك؟ وما حكم المصارعة واللعب بالنرد والشطرنج؟ وما حكم النطاح بين الحيوان كالكباش والديكة ونحوها؟ واذكر الدليل والتعليل والخلاف والترجيح.
ج: المسابقة من السبق، وهو بلوغ الغاية قبل غيره، وهي المجارات بين حيوان ونحوه كرماح ومجانيق وسفن، وكذا السباق والمناضلة من النضل، يقل: ناضله مناضلة ونضالًا ونيضالًا، وهي المسابقة بالرمي بالسهام سميت بذلك؛ لأن السهم التام يُسمَّى نضلًا فالرامي به عمل بالنضل والسبق بفتح الباء هذا الأمر أي سبق الناس إليه وهو سباق غايات أي جائز قصبات السبق.
قال الشماخ: يمدح عرابة الأوسي: في بيت مأثرة عزا ومكرمة ... سباق غايات مجد وابن سَبَّاقِ
وتجوز المسابقة بلا عوض في سُفن ومزاريقَ وهي الرماح، وبين سائر الحيوانات من إبلٍ وخيلٍ وسهام وبغال وحمير وفيلة وطير ورمي أحجار بيد ومقاليع وعلى الأقدام.
أما دليل مسابقته -صلى الله عليه وسلم- على الأقدام فورد عنه -صلى الله عليه وسلم- في «مسند الإمام أحمد» و«سنن أبي داود» من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: سابقني النبي -صلى الله عليه وسلم- فسبقته فلبثنا حتى إذا أرهقني اللحم سابقني فَسَبَقني، فقال: «هذه بتلك»، وفي رواية أخرى أنهم كانوا في سفر، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: «تقدموا»، فتقدموا، ثم قال: «سابقيني» فسبقتهُ ثم سابقني وسَبَقني، فقال: «هذه بتلك».
وتسابق الصحابة -رضي الله عنهم- على الأقدام بين يديه -صلى الله عليه وسلم- بغير رهان.
وفي «صحيح مسلم» عن سلمة بن الأكوع قال بينما نحن نسير وكان رجل من الأنصار لا يسبق أبدًا فجعل يقول: ألا مسابق إلى المدينة هل من مسابق؟ فقلت: أما تكرم كريمًا وتهاب شريفًا؟ قال: لا إلا أن يكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: قلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي ذرني أسابق الرجل، فقال: «إن شِئتَ»، فسَبْقُته إلى المدينة، وورد «أن ركانة صارعَ النبي -صلى الله عليه وسلم- فصرعه النبي -صلى الله عليه وسلم-» رواه أبو داود، وفي «الصحيح» من حديث ابن عمر قال: سابق النبي -صلى الله عليه وسلم- بين الخيل فأرسلت التي ضُمِّرت منها وأمدها الحفياء إلى ثنية الوداع والتي لم تُضمَّر أمدها ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق، وفي «الصحيحين»: عن موسى بن عقبة أن بين الحفياء إلى ثنية الوداع ستة أميال أو سبعة أميال، وقال البخاري: قال سفيان: من الحفياء إلى ثنية الوداع خمسة أميال أو ستة، ومن ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق ميل.
وفي «مسند أحمد» من حديث عبد الله بن عمر أيضًا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سبَق بين الخيل وراهن، وفي لفظ: له سبّق بين الخيل وأعطى السابق.
وفي «المسند» أيضًا من حديث أنس أنه قيل له: تراهنون على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أكان رسول الله يراهن؟ قال: نعم، والله لقد راهن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على فرس له يقال له سبحة، فسبق الناس فبشَّ لذلك وأعجبه.
وفي «سنن أبي داود» عن ابن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سَبَّقَ بين الخيل وفضل القرح في «الغاية» وأما مسابقته بين الإبل، ففي «صحيح البخاري» تعليقًا عن أنس بن مالك قال: كانت العضباء لا تسبق، فجاء أعرابي على قعود له فسابقها فسبقها الأعرابي، وكأن ذلك شَقَّ على أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: حقُّ على الله أن لا يرتفعَ شيء إلا وضعه.
وفي «صحيحه» أيضًا عن حميد عن أنس بهذه القصة، وقال: «إن حقًا على الله عز وجل أن يرفع شيئًا من الدنيا إلا وضعه»؛ وأما تناضل أصحابه بالرمي بحضرته، ففي «صحيح البخاري» عن سلمة بن الأكوع قال: مر النبي -صلى الله عليه وسلم- بنفر من أسلم يناضلون بالسوق، فقال: «ارموا بني إسماعيل؛ فإن أباكم كان راميًا ارموا وأنا مع بني فلان»، قال: فأمسك أحد الفريقين بأيديهم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ما لكم لا ترمون؟» فقالوا: كيف نرمي وأنت معهم، فقال: «ارموا وأنا معكم كلكم»؛ وأما مراهنة الصديق للمشركين بعمله وإذنه فروى الترمذي في «جامعه» من حديث سفيان الثوري عن حبيب بن أبي عمرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: {الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} كان المشركون يحبون أن يظهر أهل فارس على الروم؛ لأنهم وإياهم أهل أوثان، وكان المسلمون يحبون أن يظهر الروم على فارس؛ لأنهم أهل كتاب فذكروه لأبي بكر الصديق رضي الله عنه فذكره أبو بكر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: «أما إنهم سيغلبون فذكروه لهم، فقالوا: اجعلوا بيننا وبينك أجلًا فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا، وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا، فجعلوا أجل خمس سنين فلم يظهروا فذكروا ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: «ألا جعلت إلى دون العشر»».
قال سعيد: والبضع ما دون العشر، قال: ثم ظهرت الروم بعد، قال: فذاك قوله: {الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لله الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ}، قال سفيان: سمعت أنهم ظهروا عليهم، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وكره رقص ومجالس شعر وكل ما يسمى لعبًا ذكره في «الوسيلة» لحديث عقبة ويأتي إلا ما كان مُعينًا على قتال عدو لما تقدم فيكره لعبه بأرجوحة ونحوها، وكذا مراماة الأحجار ونحوه وهي أن يرمي كل واحد الحجر إلى صاحبه، قال الشيخ تقي الدين –رحمه الله-: يجوز ما قد يكون فيه منفعة بلا مضرة، قال في «الفروع»: وظاهر كلامه -أي الشيخ تقي الدين- لا يجوز اللعب المعروف بالطاب والنقيلة، وقال أيضًا: كل فعل أفضى إلى محرم كثيرًا حرمه الشارع إذا لم يكن فيه مصلحة راجحة؛ لأنه يكون سببًا للفساد والشر، وقال أيضًا: كل ما ألهى وشغل عما أمر الله به فهو منهي عنه وإن لم يحرم جنسه كبيع وتجارة ونحوها، قلتُ: ومَن عَلِم ما يَنْشَأ عن الكرةِ من ضياع صلاةٍ وضياع أوقاتٍ، وكلام فاحش مِن لعنٍ وقذفٍ وانكشاف عورة وأضرار بدنية، وقيل وقال، ونسيان لذكر الله لم يشك في تحريم لعبها الذي ينشأ عنه ذلك أو بعضه من البالغين العاقلين، وليس من اللهو المحرم تأديبه فرسه وملاعبة أهله ورميه بقوسه؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «كل لهو يلهو به الرجل فهو باطل إلا رميه بقوسه وتأديبه فرسه وملاعبته امرأته، فإنهن من الحق»، وحديث جابر رواه النسائي والطبراني في «الأوسط» و«الكبير» والبزار من حديث عطاء بن أبي رباح قال: «رأيت جابر بن عبد الله وجابر بن عبيدالله الأنصاري يرتميان فمَدَّ أحدهما، فجلس، فقال له الآخر: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «كل شيء ليس من ذكر الله عز وجل فهو لهو أو سهو إلا أربع خصال: مشي الرجل بين الغرضين –أي الهدفين-، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، وتعليم السباحة» قال الهيثمي: ورجال الطبراني رجال الصحيح خلا عبد الواهب بن بخت وهو تقية.
ويستحب لعب بآلة حرب، قال جماعة وثقاف، وهو ما تسوى به الرماح وتثقيفها وسقيتها؛ لأنه يعين على قتال العدو ويتعلم بسيف خشب أو باغة لا حديد؛ لما ورد من النهي والوعيد على من أشار إلى أخيه بحديدة، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يشير أحدكم إلى أخيه بالسلاح؛ فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده، فيقع في حفرة من النار» رواه البخاري ومسلم، وعنه -رضي الله عنه- قال: قال أبو القاسم -صلى الله عليه وسلم-: «من أشار إلى أخيه بحديدة؛ فإن الملائكة تلعنه حتى ينتهي وإن كان أخاه لأبيه وأمه» رواه مسلم.
وكره شديدًا لمن علم الرمي أن يتركه لما في «الصحيح» عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ارموا واركبوا وأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا، ومن تعلم الرمي ثم نسيه فليس منا»، وكان خلفاؤه -صلى الله عليه وسلم- يسبقون بين الخيل وقرأ على المنبر: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} ثم قال: «ألا إن القوة الرمي!! ألا إن القوة الرمي!! ألا إن القوة الرمي!!»، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «ومن علم الرمي ثم تركه فهي نعمة كفرها» قال العلقمي: وردت طرق صحيحة بألفاظ مختلفة، والمعنى واحد، وسبب هذه الكراهة أن من تعلم الرمي حصلت له أهلية الدفاع عن دينه ونكاية العدو وتأهل لوظيفة الجهاد؛ فإن تركه فقد فرط في القيام بما يتعين عليه، وتجوز المصارعة؛ للحديث المتقدم أول الجواب من أنه -صلى الله عليه وسلم- صارع ركانة، ويجوز رمي الأحجار؛ لأنه في معنى المصارعة ويحرم اللعب بالنرد لما قد ثبت في «صحيح مسلم» عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه»، وفي «الموطأ» و«السنن» من حديث أبي موسى الأشعري عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله».
وعن عبد الرحمن الخطمي قال: سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «مثل الذي يلعب بالنرد، ثم يقوم فصلى، مثل الذي يتوضأ بالقيح ودم الخنزير ثم يقوم فيصلي» رواه أحمد.
وعن أبي موسى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من لعب بالكعاب فقد عصى الله ورسوله» رواه أحمد.
ويحرم اللعب بالشطرنج لا بعوض ولا بغيره، وهي بالعوض أشد تحريمًا، فإذا اشتمل اللعب بالشطرنج على عوض أو تضمن ترك واجب مثل تأخير الصلاة عن وقتها أو تضييع واجباتها أو ترك ما يجب من مصالح العيال وغير ذلك مما هو واجب على المسلمين؛ فإنه حرام بإجماع المسلمين، وكذلك إذا تضمن كذبًا أو ظلمًا أو غير ذلك من المحرمات؛ فإنه حرام أيضًا، وإذا خلا عن ذلك فجمهور العلماء على تحريمه كمالك وأبي حنيفة وأصحابه وكثير من أصحاب الشافعي.
وروى البيهقي بإسناده عن علي أن مر على قوم يلعبون بالشطرنج، فقال: «ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟ لأن يمس أحدكم جمرًا حتى يطفئ خير من أن يمسها»، وعن علي قال: «صاحب الشطرنج أكذب الناس يقول أحدهم قتلت، وما قتل»، قال ابن عبد: أجمع مالك وأصحابه على أنه لا يجوز اللعب بالشطرنج، وقالوا: لا تجوز شهادة المدمن المواظب على لعب الشطرنج، وقال يحيى: سمعت مالكًا يقول: لا خير في الشطرنج، وتلا هذه الآية: {فَمَاذَا بَعْدَ الحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ}.
وعن مالك قال: بلغنا أن ابن عباس ولي مال يتيم فوجدها فيه فأحرقها، وعن ابن عمر: أنه سُئل عن الشطرنج، فقال: شر من النرد؛ فإن ما في النرد من الصد عن ذكر الله وعن الصلاة، ومن إيقاع العداوة والبغضاء في الشطرنج أكثر بلا ريب، وهي تفعل في النفوس فعل حميًا الكوؤس فتصد عقولهم وقلوبهم عن ذكر الله وعن الصلاة أكثر مما يفعله بهم كثير من أنواع الخمر والحشيشة وقليلها يدعو إلى كثيرها؛ فإن الملاعب بها يستغرق قلبه وعقله وفكره فيما يعمله خصمه وما يريد أن يفعله هو وفي لوازم ذلك ولوازم لوازمه حتى إنه لا يحس بجوعه ولا عطشه ولا ممن يحضر عنده، ولا ممن يسلم عليه ولا بحال أهله ولا بغير ذلك من ضرورات نفسه وماله فضلًا عن أن يذكر الله تعالى والصلاة، وهذا كما يحصل لشارب الخمر، بل كثير من الشراب يكون أصحى من عقل كثير من أصحاب الشطرنج والنرد واللاعب لا تنقضي نهمته منها وتبقى آثارها في النفس بعد انقضائها أكثر من آثار شارب الخمر حتى تعرض له في الصلاة والمرض وعند ركوب الدابة، بل عند الموت وأمثال ذلك من الآثار التي يطلب فيها ذكره لربه وتوجهه إليه يعرض له تماثيلها فصدُّها عن ذكر الله قد يكون أعظم من صد الخمر وإفسادها للقلوب أعظم من إفساد النرد؛ ولكن النرد كان معروفًا عند العرب والشطرنج لم يعرف إلا بعد أن فتحوا البلاد؛ فإن أصله من الهند وانتقل منهم إلى الفرس؛ ولهذا جاء ذكر النرد وإلا فالشطرنج شر من النرد إذا استويا في العوض أو عدمه.
ولا يحل اللعب بأم الخطوط ولا الكيرم ولا المدافن إذا كانت بعوض أو أشغلت عن ذكر الله أو عن الصلاة ولو كانت بلا عوض، ومما يحرم ويدخل في المخاطرة والقمار ما يسمى بالتأمين، وهو عقد بين طرفين أحدهما مؤمن والآخر مؤمَّن يلتزم فيه المؤمن أن يؤدي إلى المؤمن مبلغًا من المال أو شيئًا مرتبًا عندما يحصل ضرر أو حادث، وذلك في مقابل قسط أو أية دفعة مالية أخرى يؤديها المؤمن إلى المؤمن، وفي الغالب أن الذي يقوم بالتأمين شركات مساهمة كبيرة يتعامل معها أناس كثيرون ويكون لهم وكلاء، ومما يوضح خطر التأمين وضرره أنه لو دفع إنسان إلى الشركة التي تقوم بالتأمين مثلًا ستة آلاف (6000) لتأمين بضاعته التي ثمنها ثلاث مائة ألف (300000) أو لتأمين مستودعه الذي فيه من المال نحو ذلك؛ فإن عُدِمَ المال كله، فالذي يأخذه من المؤمِّن أي من الشركة زائدًا على الستة الآلاف أليس بدون مقابل، فيكون أكلًا للمال بالباطل، وقد نهى الله عنه بقوله: {وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ}، وعن أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الثمرة حتى تزهي، قالوا: وما تزهي؟ قال: «تحمر»، وقال: «إذا منع الله الثمرة فبم تستحل مال أخيك» أخرجاه.
وأيضًا فيه من الغرر ومن الجهالة ما لا يخفى، وذلك أننا لا ندري ماذا يحصل على الشركة أو التجارة أو السيارة أو نحوها التي دفع القسط لتأمينها، وقد وردت أحاديث أيضًا في النهي عن الغرر من ذلك حديث أبي سعيد: «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن المنابذة» وهي طرح الرجل ثوبه بالبيع إلى الرجل قبل أن يقلبه أو ينظر إليه، و«نهى عن الملامسة»، والملامسة: لمس الرجل الثوب لا ينظر إليه، ونهى -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر، وقال: «لا تشتروا السمك في الماء؛ فإنه غرر»، ونهى عن بيع حبل الحبلة، ونهى عن ضربة الغائص وهو ما سيخرجه الغواص، ونهى عن شراء الصدقات حتى تقبض، ونهى عن بيع المغانم حتى تقسم، ونهى عن بيع المضامين وهي ما ينتج من أصلاف فحول الإبل الأصيلة من أولاد، ونهى عن بيع الملاقيح وهي ما ستنتجه إناث الإبل الأصيلة من نتاج.
وقال العلماء: ولا يجوز بيع الآبق ولا الشارد ولا الطير في الهواء؛ لأنه تردد بين الحصول وعدمه وكل هذه النواهي تدل على المقصود على أنه من جهة أخرى داخل في القرض الذي يجر نفعًا، وأيضًا: فالشركة ما تسلم من التعامل بالربا فيكون الدافع لها أي المؤمن قد أعان على ذلك والله تعالى يقول: {وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}، ويقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}.
وقال ابن القيم –رحمه الله في كتاب «الفروسية»: المغالبات ثلاثة أقسام محبوب مرضي لله ورسوله معين على تحصيل محابه كالسباق بالخيل والإبل والرمي بالنشاب، وقسم مبغوض مسخوط لله ورسوله موصل إلى ما يكرهه الله ورسوله كسائر المغالبات التي توقع العداوة والبغضاء وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة كالنرد والشطرنج وما أشبههما، وقسم ليس بمحبوب لله ولا مسخوط له بل هو مباح لعدم المضرة الراجحة كالسباق على الأقدام والسباحة وشيل الأحجار والصراع ونحو ذلك.
فالنوع الأول يشرع مفردًا عن الرهن، ويشرع فيه كل ما كان ادعى إلى تحصيله فيشرع فيه بذل الرهن من هذا وحده ومنهما معًا ومن الأجنبي وأكل المال، بل أكل بحق ليس أكلًا بباطل وليس من القمار والميسر في شيء.
والنوع الثاني محرم وحده ومع الرهان وأكل المال به ميسر وقمار كيف كان سواء كان من أحدهما أو كليهما أو من ثالث وهذا باتفاق المسلمين؛ فما إن خلا عن الرهان فهو حرام عند الجمهور نردًا كان أو شطرنجًا هذا قول مالك وأصحابه وأبي حنيفة وأصحابه وأحمد وأصحابه وقول جمهور التابعين ولا يحفظ عن صحابي حله.
قال: وتحرير المسألة وفقهها أن الله سبحانه لمَّا حرم الميسر هل هو لأجل ما فيه من المخاطر المتضمنة لأكل المال بالباطل فعلى هذا إذا خلا عن العوض لم يكن حرامًا؛ ولكن هذا القول خلاف النص والقياس كما سنذكره أو حرمه لما يشتمل عليه في نفسه من المفسدة وإن خلا عن العوض فتحريمه من جنس تحريم الخمر؛ فإنه يوقع العداوة والبغضاء ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة وأكل المال فيه عون وذريعة إلى الإقبال عليه واشتغال النفوس به؛ فإن الداعي حينئذ يقوي من وجهين من جهة المغالبة ومن جهة أكل المال فيكون حرامًا من الوجهين، وهذا المأخذ أصح نصًا وقياسًا وأصول الشريعة وتصرفاتها تشهد له بالاعتبار؛ فإن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا البَلاغُ المُبِينُ}، فقرن الميسر بالأنصاب والأزلام والخمر، وأخبر أن الأربعة رجس وأنها من عمل الشيطان، ثم أمر باجتنابها، ثم نبه على وجوه المفسدة المقتضية للتحريم فيها وهي ما يوقعه الشيطان بين أهلها من العداوة والبغضاء ومن الصد عن ذكر الله وعن الصلاة وكل أحد يعلم أن هذه المفاسد ناشئة من نفس العمل لا من مجرد أكل المال به.
وقال -رحمه الله-: وإذا تأملت أصول هذه المغالبات رأيتها في ذلك كالخمر قليلها يدعو إلى كثيرها وكثيرها يصد عن ما يحبه الله ورسوله ويوقع فيما يبغض الله ورسوله فلو لم يكن في تحريمها نص لكانت أصول الشريعة وقواعدها وما اشتملت عليه من الحكم والمصالح وعدم الفرق بين المتماثلين توجب تحريم ذلك، والنهي عنه فكيف والنصوص قد دلت على تحريمه، فقد اتفق على تحريم ذلك النص والقياس، وقد سمى علي بن أبي طالب الشطرنج تماثيل فمر بقوم يلعبون بها، فقال: «ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟» وقلب الرقعة عليهم ولا يعلم أحد من الصحابة أحلها ولا لعب بها وقد أعاذهم الله من ذلك، انتهى كلامه -رحمه الله-.
ولا يباح بعوض ولا بغير عوض نطاح كباش ولا نقار ديوك أو دجاج أو حمام وهو بالعوض أشد، ولا يباح مهارشة بين الكلاب أو نحوها ولا تجوز مسابقة بعوض مالي مطلبًا سواء كانت مباحة أو لا إلا في خيل وإبل وسهام؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر» واختصت هذه الثلاثة في أخذ العوض فيها؛ لأنها من آلات الحرب المأمور بتعليمها وأحكامها، وذكر ابن عبد البر: تحريم الرهان في غير الثلاثة إجماعًا وإنما اختصت الرجال دون النساء؛ لأن النساء لسْنَ مأمورات بالجهاد.
67- شروط المسابقة س67: تكلم بوضوح عن شروط المسابقة، واذكر ما لا يشترط لذلك وبين خيل الحلبة مرتبة، واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل أو محتزر أو تفصيل أو ترجيح.
ج: شروطها خمسة: أولًا: تعيين المركوبين في المسابقة برؤية سواء كانا إثنين أو جماعتين وتساويهما في إبتداء العدو وانتهائه وتعيين الرماة في المناضلة برؤية سواء كانا اثنين أو جماعتين؛ لأن المقصود في المسابقة معرفة سرعة عدو المركبين اللذين يسابق عليهما، وفي المناضلة معرفة حذق الرماة ولا يحصل ذلك إلا بالتعيين بالرؤية؛ لأن المقصود معرفة عدو مركوب بعينه ومعرفة حذق رام بعينه لا معرفة عدو مركوب في الجملة أو حذق رام في الجملة، فلو عقد اثنان مسابقة على خيل غير معينة أو مناضلة ومع كل منهما نفر غير متعين لم يجز وإن بان بعض الحزب كثير الإصابة أو عكسه فادعى أحدهما ظن خلافه لم يقبل، ولا يشترط تعيين الراكبين ولا القوسين ولا السهام؛ لأن الغرض معرفة عدو الفرس وحذق الرامي دون الراكب والقوس والسهام؛ لأنها آلة المقصود فلا يشترط تعيينها كالسرج ولو عينها لم تتعين وكل ما يتعين لا يجوز أبدًا له كالمتعين في البيع وما لا يتعين يجوز إبداله لعذر أو لغير عذر؛ فإن شرط أن لا يرمي بغير هذا القوس أو بغير هذا السهم لمنافاته لمقتضى العقد فهو كما لو شرط إصابة بإصابتين.
الشرط الثاني: إتحاد المركوبين بالنوع بالمسابقة، أو إتحاد القوسين بالنوع في المناضلة؛ لأن التفاوت بين النوعين معلوم بحكم العادة أشبها الجنسين، فلا يصح السباق بين فرس عربي وفرس هجين ولا بين قوس عربي وفارسي؛ فإن سابق بين فرس وبعير أو فرس وبغل لم يجز؛ لأنه لا يجري البغل في شوط الفرس.
كما قال الشاعر: إن المذرع لا تغني خؤولته ... كالبغل يعجز عن شوط المحاضير
والمذرع: هو الذي أمه أشرف من أبيه.
قال الفرزدق: إذا باهلي عنده حنضلية ... له ولد منها فذاك المذرع
وقيل: بالجواز، وهو الذي تميل إليه النفس والله أعلم.
ولا يكره رمي بالقوس الفارسي وما رواه ابن ماجه والأثرم «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى مع رجل قوسًا فارسية، فقال: «ألقها فإنها ملعونة؛ ولكن عليكم بالقسي العربية وبرماح القنا فبها يؤيد الله هذا الدين وبها يمكن الله لكم في الأرض» فيحتمل أنه لعنها لحمل العجم لها في ذلك العصر قبل أن يسلموا ومنع العرب من حملها لعدم معرفتهم لها؛ ولهذا أمر برماح القنا، ولو حمل إنسان رمحًا غيرها لم يكن مذمومًا، ومما يستدل به على القسي الفارسية قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} لدخوله في عموم الآية ولانعقاد الإجماع على الرمي بها وإباحة حملها؛ فإن ذلك جار في أكثر الأعصر وهي التي يحصل بها الجهاد في العصر الماضي القريب والبعيد قبل خروج الآلات الحربية الحديثة.
الشرط الثالث: تحديد المسافة مبدأ وغاية بأن يكون لابتداء عدوهما وآخره غاية لا يختلفان فيه؛ لأن الغرض معرفة الأسبق ولا يحصل إلا بتساويهما في الغاية؛ لأن من الحيوان ما يقصر في أول عدوه ويسرع في آخره وبالعكس فيحتاج إلى غاية تجمع حاليه ومن الخيل ما هو أصبر والقارح أصبر من غيره، وروى ابن عمر «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سبق بين الخيل وفضل القرح في الغاية» رواه أبو داود؛ فإن استبقا بلا غاية لينظر أيهما يقف أولًا لم يجز؛ لأنه يؤدي إلى أن لا يقف أحدهما حتى ينقطع فرسه ويتعذر الإشهاد على السبق فيه؛ ولذلك يشترط معرفة مدى الرمي إما بالمشاهدة أو بالذرعان، نحو مائة ذراع أو مائتي ذراع؛ لأن الإصابة به تختلف بالقرب والبعد ويجوز ما يتفقان عليه إلا أن يجعلا مسافة بعيدة تتعذر الإصابة في مثلها غالبًا؛ لأن الغرض يفوت بذلك، وقد قيل ما رمى في أربعمائة ذراع إلا عقبة بن عامر الجهني -رضي الله عنه- كما لا يصح تناضلهما على أن السبق لأبعدهما رميًا لعدم تحديد الغاية.
الشرط الرابع: علم عوض؛ لأنه مال في عقد فوجب العلم به كسائر العقود ويعلم إما المشاهدة أو بالوصف أو بالقدر إذا كان بالبلد نقد واحد أو أغلب وإلا لم يكف ذكر القدر بل لابد من وصفه، وأن يكون العوض مباحًا وبذل العوض تمليك بشرط سبقه، قال في «شرح الإقناع»: قلت في كلامهم أنه جعالة فليس من قبيل التمليك المعلق على شرط محض، ويجوز طول العوض وتأجيله كله أو بعضه، فلو قال: إن فضلتني فلك دينار حال وقفيز حنطة بعد شهر جاز؛ لأن ما جاز أن يكون حال ومؤجلًا جاز أن يكون بعضه حالًا وبعضه مؤجلًا كالبيع غير أنه يحتاج إلى صفة الحنطة بما تعلم به كالسلم.
الشرط الخامس: الخروج بالعوض عن شبه القمار؛ لأن القمار محرم وهو بكسر القاف مصدر قامره فقمره إذا راهنه فغلبه، وفي حديث أبي هريرة: «من قال لأخيه تعال أقامرك فليتصدق» بأن لا يخرج جميهم العوض؛ لأنه إذا أخرجه كل منهم فهو قمار؛ لأنه لا يخلو إما أن يغنم أو يغرم، ومن لم يخرج بقي سالمًا من الغرم، وقيل: يجوز ولو كان المتسابقان كل منهما مخرج للعوض، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس، والله سبحانه أعلم. فإن كان الجعل من الإمام من ماله أو من بيت المال على أن من سبق فهو له جاز؛ لأن فيه مصلحة وحثًا على تعليم الجهاد ونفعًا للمسلمين ونص على أن الإخراج من بيت المال مختص بالإمام لتوليه الولاية أو كان الجعل من غير الإمام على أن من سبق فهو له جاز لما فيه من المصلحة والقربة اثنين فأكثر منهم إذا كثروا وثم من لم يخرج على أن من سبق أخذه جاز؛ لأنه إذا جاز بذله من غيرهم فأولى أن يجوز من بعضهم؛ فإن جاء المتسابقان منتهى الغاية معًا فلا شيء لهما من الجعل؛ لأنه لم يسبق أحدهما الآخر وإن سبق فخرج العوض من المتسابقين أحرزه ولم يأخذ من صاحبه شيئًا؛ لأنه إن أخذه منه شيئًا كان قمارًا وإن سبق الآخر الذي لم يخرج أحرز سبق صاحبه فملكه وكان كسائر ماله؛ لأنه عوض في الجعالة فملك فيها كالعوض المجعول في رد الضالة؛ فإن كان العوض في الذمة فهو دين يقضي به عليه إن كان موسرًا وإن أفلس ضرب به مع الغرماء وإن أخرج المتسابقان معًا لم يجز تساويًا أو تفاضلًا؛ لأنه قمار إذ لا يخلو كل منهما عن أن يغنم أو يغرم إلا بمحل لا يخرج شيئًا لما روى أبو هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم قال: «من أدخل فرسًا بين فرسين وهو آمن أن يسبق فهو قمار» رواه أبو داود، فجعله قمارًا إذا أمن السبق؛ لأنه لا يخلو كل واحد منهما أن يغنم أو يغرم وإذا لم يأمن أن يسبق لم يكن قمارًا؛ لأن كل واحد منهما يجوز أن يخلو من ذلك، ولا يجوز كون محلل أكثر من واحد لدفع الحاجة به.
ويشترط في المحلل أن يكون يكافيء مركوبيهما في المسابقة أو يكافئ رميه رميهما في المناضلة للخبر السابق.
ولا يشترط تساوي ما أخرجاه من العوض؛ فإن سبقا المخرجان المحلل أحرزا سبقيهما أي أحرز كل منهما ما أخرجه؛ لأنه لا سابق منهما ولا شيء للمحلل؛ لأنه لم يسبق واحد منهما ولم يأخذا منه أي المحلل شيئًا؛ لأنه لم يشترط عليه شيء لمن سبقه وإن سبق المحلل المخرجين أحرز السبقين الشرط، وإن سبق المحلل وأحد المخرجين معًا بأن جاء أحدهما والمحلل جميعًا فقد أحرز السابق منهما مال نفسه ويكون سبق مسبوق بينما أي السابق والمحلل نصفين؛ لأنهما قد اشتركا في السبق فوجب أن يشتركا في عوضه.
وقيل: إنه لا يشترط محلل؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- رخص في المسابقة وأخذ السبق في هذه الثلاثة، ولم يشترط محلل ولو كان شرطًا لشرطه وقولهم لأجل أن يخرج عن شبه القمار فيه نظر فإنه لا يشترط أن تخرج عن القمار، بل هو قمار جائز والقمار كله محرم ممنوع شرعًا إلا هذه الثلاثة لرجحان مصلحتها وإعانتها على الجهاد في سبيل الله، وهذا القول هو الذي تميلي إليه النفس، والله سبحانه وتعالى أعلم.
قال ابن القيم –رحمه الله-: والقول بالمحلل مذهب تلقاه الناس عن سعيد بن المسيب، وأما الصحابة فلا يحفظ عن أحد منهم قط أنه اشترط المحلل ولا راهن به مع كثرة تناضلهم ورهانهم، بل المحفوظ عنهم خلافه، وقال الجوزجاني الإمام في كتابه «المترجم»: حدثنا أبو صالح هو محبوب بن موسى الفراء، حدثنا أبو إسحاق هو الفزاري عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال: قال رجل: عند جابر بن زيد إن أصحاب محمد كانوا لا يرون بالدخيل بأسًا، فقال: هم كانوا أعف من ذلك، والدخيل عندهم: هو المحلل، فينافيه ما نقل عنهم أنهم لم يكونوا يرون به بأسًا وفرق بين ألا يرون به بأسًا وبين أن يكون شرطًا في صحة العقد وحله فهذا لا يعرف عن أحد منهم البتة.
وقوله: كانوا أعف من ذلك أي كانوا أعف من أن يدخلوا في الرهان دخيلًا كالمستعار، ولهذا قال جابر بن زيد راوي هذه القصة: إنه لا يحتاج المتراهنان إلى محلل حكاه الجوزجاني وغيره عنه، ومن حجج المجوزين للتراهن من غير محلل.
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} وهذا يقتضي الأمر بالوفاء لكل عقد إلا عقدًا حرمه الله ورسوله أو أجمعت الأمة على تحريمه وعقد الرهان من الجانبين ليس فيه شيء من ذلك، فالمتعاقدان مأموران بالوفاء به.
وقال تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ العَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً}، وقال: {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا}، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «المسلمون على شروطهم إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا»، وقال: «إن من أعظم المسلمين جرمًا من سأل عن شيء لم يحرم فحرم على الناس من أجل مسألته» وهذا يدل على أن العقود والمعاملات على الحل حتى يقوم الدليل من الكتاب والسُّنة على تحريمها، فكما أنه لا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله فلا حرام إلا ما حرمه الله ورسوله، قالوا: وقد أطلق النبي -صلى الله عليه وسلم- جواز أخذ السبق في الخف والحافر والنصل إطلاق مشروع لإباحته ولم يقيده بمحلل، فقال: لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل، فلو كان السباق بدونه حرامًا وهو قمار عند المشترطين فكيف يطلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جواز السبق في هذه الأمور ويكون أغلب صوره مشروطًا بالمحلل وأكل المال بدونه حرام ولا ثبت بنص ولا إيماء ولا تنبيه ولا بنقل عنه ولا عن أصحابه مدة رهانهم ولا في قضية واحدة، قالوا: وروى أحمد أيضًا حديثًا عن غندر عن شعبة عن سماك قال: سمعت عياضًا الأشعري قال: قال أبو عبيدة من يراهنني؟ فقال شاب: أنا إن لم تغضب، قال: فسبقه، قال: فرأيت عقيصتي أبي عبيدة تنقران وهو على فرسه خلفه، عربي، ولم يذكر محللًا في هذا ولا في غيره، قالوا: ومثل هذا لابد أن يشتهر ولم ينقل عن صحابي خلافه.
قال شيخ الإسلام: وما علمت بين الصحابة خلافًا في عدم اشتراط المحلل، قالوا: وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا جلب ولا جنب» فأبطل النبي -صلى الله عليه وسلم- في عقد الرهان الجلب والجنب، ولم يبطل اشتراكهما في بذل السبق مع أن حكمه أهم من بيان الجلب والجنب بكثير، قالوا: فإن هذا المحلل لا يحل السبق الذي حرمه الله ورسوله ولا تزول المفسدة التي في إخراجها بدخوله أيضًا إذ المعنى الذي جعلتموه قمارًا إذا اشتركا في الإخراج هو بعينه قائم مع دخوله المحلل فكيف يكون العقد قمارًا في إحدى الصورتين وحلالًا في الأخرى مع قيام المعنى بعينه ولا تذكرون فرقًا إلا كان الفرق مقتضيًا؛ لأن يكون العقد بدونه أقل خطرًا وأقرب إلى الصحة.
قالوا: ودخول المحلل في هذا العقد كدخول المحلل في النكاح للمطلق ثلاثًا وكدخول المحلل في عقد العينة ونحوها من العقود المشتملة على الحيل الربوية؛ فإن كل واحد منهم مستعار غير مقصود في العقد والمقصود غيره، وهو حرف جاء لمعنى في غيره وقد ثبت في محلل النكاح والعينة ما ثبت فيه من النهي عنه قالوا: والأخبار عن محلل النكاح أنه تيس مستعار؛ فإنه لم يقصد بالعقد وإنما استعير دخيلًا ليحل ما حرم الله.
قالوا: فإن كان إخراج السبق من المتراهنين حرامًا فدخول المحلل ليحله كدخول محلل النكاح سواء بسواء وإن كان بذل السبق منهما جائزًا معه فبدونه أولى بالجواز. انتهى كلامه -رحمه الله-.
وفي «الاختيارات الفقهية»: والصراع والسبق بالأقدم ونحوهما إذا قصد به نصر الإسلام وأخذ السبق عليه أخذ بالحق فالمغالبة الجائزة تحل بالعوض إذا كانت مما يُنتفع به في الدين كما في مراهنة أبي بكر -رضي الله عنه- وهو أحد الوجهين في المذهب.
قلت: وظاهر ذلك جواز الرهان في العلم وفاقًا للحنيفة لقيام الدين بالجهاد والعلم، والله أعلم. اهـ.
وإن قال المخرج غير المتسابقين من سبق فله عشرة ومن جاء ثانيًا، ويقال: المصلي فله خمسة صح؛ لأن كلًا منهما يجتهد أن يكون سابقًا ليحرز أكثر العوضين وسمي الثاني مصليًا؛ لأن رأسه يكون عند صولى الأول والصلوان هما العظمان الناتئان من جانبي الذنب، وفي الأثر عن علي -رضي الله عنه- أنه قال: «سبق أبو بكر وصلى عمر وخطبتنا فتنة».
وقال الشاعر: إن تبتدر غاية يومًا لمكرمة ... تلقى السوابق فينا والمصلينا
وكذا يصح إذا فاوت العوض على الترتيب للأقرب فالأقرب لسابق بأن قال للمجلِّي مائة، وللمصلي تسعون، وللتالي ثمانون، وللبارع سبعون، وللمرتاح ستون، وللخطِّي خمسون، وللعاطف أربعون، وللمؤمل ثلاثون، وللطيم عشرون، وللسكيت عشرة، وللفُسْكُل خمسة صح؛ لأن كل واحد يطلب السبق فيحوز الأكثر، فإذا فاته طلب ما يلي السابق.
وخيل الحلبة مرتبة وهي خيل تجمع للسباق من كل أوب لا تخرج من اصطبل واحد كما يقال للفرج إذا جاؤوا من كل أوب للصرة قد أحلبوا.
وفي حديث سعد بن معاذ: «ظن أن الأنصار لا يستحلبون له على ما يريد» أي لا يجتمعون وأول خيل الحلبة مجل: (1) وهو السابق لخيل الحلبة فيليه مصلٍّ. (2) لأن رأسه يكون عند صلا المجلي، وقيل: لأن جفلة علي صلى السابق وهو منخره والصلوان عظمان عن يمين الذنب فيليه تال. (3) لأنه يتلو المصلي فيليه بارع. (4) فيليه مرتاح. (5) فيليه خطِّي. (6) فيليه عاطف. (7) فيليه مؤمِّل. (8) فيليه لطيم. (9) فيليه سكيت. (10) آخر خيل الحلبة ففسكل كقنفذ وزبرج وزنبور الذي يجيء آخر الخيل وسمي القاشور والقاشر.
ونظمها بعضهم بقوله: وهي مِجَلٌ ومُصَل تَالِ البارعُ والمُرتَاحُ بالتَّوالِي ثم خطِّيٌ ثم عَاطِفٌ مُؤَمِّلُ ثم السُكَيْتُ والأجيرُ الفَسْكَلُ
وقال الآخر: وجملةُ خَيلِ السَّبْقِ تُسْمَى بحَلْبةٍ وتَرْتِيبُهَا مِن بَعْدِ ذَا أنا وَاصِفُ مِجَل مُصَلٍ ثم تَالِ فَبَارعٌ فَمُرْتَاحُهَا ثم الخَطيُ فَعَاطِفُ مؤملُهَا ثم اللطِيمُ سُكَيتُهَا والآتِي أخيرًا فَسْكَلٌ وهو تائف
والفسكل اسم للآخر من الخيل، ثم استعمل هذا في غير المسابقة بالخيل تجوزًا، كما روي أن أسماء بنت عميس كانت تزوجت جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه- فولدت عبد الله ومحمد أو عونًا، ثم تزوجها أبو بكر الصديق فولدت له محمد بن أبي بكر، ثم تزوجها علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، فقالت له: إن ثلاثة أنت آخرهم لأخيار، فقال لولدها: فسكلتني أمكم.
فإن جعل من أخرج العوض لمصل أكثر من سابق ونحوه كأن جعل للتالي أكثر من المصلي أو لم يجعل لمصل شيئًا وجعل للتالي عوضًا لم يُجز؛ لأنه يُفضِي إلى أن يقصد السبق، بل يقصد التالي فيفوت المقصود وإن قال مخرج العوض لعشرة من سبق منكم فله عشرة صح؛ فإن جاءوا معًا فلا شيء لهم؛ لأنه لم يوجد الشرط الذي يستحق به الجعل في واحد منهم وإن سبق فله العشرة لوجود الشرط فيه أو سبق إثنان فأكثر إلى تسعة معًا وتأخر ما عدا سبق فالعشرة للاثنين فأكثر؛ لأن الشرط وجد فيهم فكان الجعل بينهم كما لو قال: من رد عبدي الآبق فله كذا، فردت تسعة فلهم العشرة لحصول رده من الكل ويصير هذا كما لو قال: من قتل قتيلًا فله سَلبُه؛ فإن قتل كل واحد واحدًا فلكل واحد سلب قتيله كاملًا وإن قتل جماعة واحدًا فلجميعهم سلب واحد، وهاهنا كل واحد له سبق مفرد فكان الجعل له كاملًا، فلو قال: من سبق فله عشرة، ومن صلى فله خمسة فسبق خمسة وصلى خمسة فللسابقين عشرة لكل واحد منهم درهمان وللمصلين خمسة لكل واحد منهم درهم، ويصح عقد لا شرط فيلغو في قول أحد المتسابقين للآخر: إن سبقتني فلك كذا ولا أرمي شهرًا ونحوه كان شرطًا لكل منهما أو لأحدهما الفسخ بعد الشروع في العمل وأشباه هذه، فهذه شروط باطلة في نفسها والعقد صحيح؛ لأنه قد تم بأركانه وشروطه؛ فإذا حذف الزائد الفاسد بقي العقد صحيحًا أو شرط المتسابقان أن السابق يطعم السَّبق الذي هو الجعل أصحابه أو يطعم الجعل بعضهم أو يطعمهم غيرهم لم يصح الشرط؛ لأنه عوض على عمل فلا يستحقه غير العامل كالعوض في رد الآبق ولا يفسد العقد، وكل موضع فسدت المسابقة؛ فإن كان السابق المخرج أمسك سبقه وإن كان الآخر فله أجر عمله؛ لأنه عمل بعوض لم يسلم له فاستحق أجر المثل كالإجارة الفاسدة.
من النظم فيما يتعلق بالسبق: وإن سباقًا بالنضال لجائز وبالسفن والأقدام مع كل أجلد وإن اصطراع المسلمين لجائز ورفعهما الأثقال مع حسن مقصد وما سبق في غير خف وحافر ونضل بمسنون وقيل بمبعد ويشرط تعيين كذاك ومركب ووحدة نوع في القِسِي المعدد وأنواع مركوب وقيل يجوز مع تخالف نوعي جنس ذا المتوحد ولا تشترط تعيين قوس وراكب ولم يتعين واحد بالتقيد ويشرط تحديد المسافة مطلقًا بجاري عادات وعلم المنقد ومن أحد الحزبين أو أجنبي أو إمام يجوز الجعل للسابق أشهد فيحرزه بالسبق مالكه ولا يطالب مسبوقًا بشيء فيعتد وبالسبق يحويه سوى باذل وإن يجيا معًا فالسبق باق لممدد ولا شيء إن جاءوا معًا لهم متى يكن جعْلُهم من أجنبي مؤيد وتسوية بين المصلي وسابق متى لم يكن مَن ينقص الجُعْلَ تفسد وشرطهم أن يطعم الجعل سابِقٌ لهم فاسد يُلْغى السباق بمبعد وشَرْطُ مُخِلٍ بالشروط التي مضت بصحته يُلْغِيه دُونَ تردد فإن سبق المعطي ليمسك جعله وللغير أجر المثل في المتفسدِ
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 6:01 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الخامس الثلاثاء 15 ديسمبر 2015, 4:15 pm | |
| 68- ما تبطل به المسابقة وما لا تبطل س 68: لماذا كانت المسابقة جعالة؟ ومتى يجوز فسخها؟ وما الذي تبطل به المسابقة؟ وما الذي لا تبطل به؟ وبأي شيء يحصل بخيل وبإبل؟ وإذا شرط المتسابقان السبق بغير ذلك فما الحكم؟ وكيف تصَف السبق؟ وماذا يقول مرتبها والمقيم عند طرف الخط؟ وما الذي يشترط في المسابقة بعوض؟ وما حكم الإجناب؟ وما هي المناضلة؟ وما شروطها؟ وضح مع ذكر الأدلة والتعليلات والخلاف والترجيح.
ج: المسابقة جعالة؛ لأنها عقد على ما لا تتحقق القدرة على تسليمه فكان جائزًا، كرد الآبق وذلك؛ لأن عقد على الإصابة، ولا يدخل تحت قدرته وبهذا فارق الإجارة، لا يؤخذ بعوضها رهن ولا كفيل لعدم وجوبه، ولكل من المتعاقدين فسخها قبل الشروع في المسابقة، وإن طلب أحدهما الزيادة فيها والنقصان منها لم يلزم الآخر إجابته، ويصح الفسخ بعد الشروع ما لم يظهر على أحدهما الفضل لصاحبه مثل أن يسبقه بفرسه في بعض المسافة أو يصيب بسهامه أكثر منه؛ فإن ظهر فضل فيمتنع الفسخ على الفضول فقط دون الفاضل؛ لأنه لو جاز للمفضول ذلك لفات غرض المسابقة فلا يحصل المقصود، وتبطل المسابقة بموت أحد المتعاقدين كسائر العقود الجائزة، وتبطل بموت أحد الراكبين أو الراميين لتعلق العقد بعين المركوب والرامي، ولا يقوم وارث الميت مقامه ولا يقيم الحاكم من يقوم مقامه؛ لأنها انفسخت بموته ولا تبطل بموت أحد الراكبين أو تلف أحد القوسين؛ لأنه غير معقود عليه فلم ينفسخ العقد بتلفه كموت أحد المتبايعين.
ويحصل سبق في خيل متماثلي العنق برأس وفي مختلفي العنقين بكتف، وفي إبل بكتفٍ؛ لأن الاعتبار بالرأس هنا متعذر؛ فإن طويل العنق قد يسبق رأسُه لطول عنقه لا بسرعة عَدْوه وفي الإبل ما يُرفع رأسه وفيها ما يمد عنقه فربما سبق رأسه لمد عنقه لا بسبقه؛ فإن سبق رأسُ قصير العنق فقد سبق بالضرورة، وإن سبق رأس طويل العنق بأكثر مما بينهما في طول العنق فقد سبق، وإن كان بقدره فلا سبق وبأقل فالآخر سابق وإن شرط المتسابقان السبق بغير ذلك كان شرطًا بإقدام معلومة لم يصح؛ لأنه لا ينضبط ولا يقف الفرسان عند الغاية بحيث يعرف مسافة ما بينهما وتصف الخيل في ابتداء الغاية صفًا واحدًا، ثم يقول مرتبها: هل من مصلح للجام أو حامل للغلام أو طراح لجُلّ؟ فإذا لم يجبه أحد كبَّر ثلاثًا، ثم خلاها أي أرسلها عند التكبيرة الثالثة لما روى الدارقطني عن علي: قد جعلْت لك هذه السبقة بين الناس فخرج علي فدعا سراقة بن مالك، فقال: يا سراقة، إني قد جعلتُ إليك ما جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- في عنقي من هذه السبقة في عنقك، فإذا أتيت الميطان، قال أبو عبد الرحمن: الميطان مرسلها من الغاية فصف الخيل، ثم نادى هل من مصلح للجام أو حامل لغلام أو طارح لجل؟ فإذا لم يجبك أحد فكبر ثلاثًا ثم خلها عند الثالثة فيسعد الله بسبقه من شاء من خلقه وكان علي يقعد عند منتهى الغاية ويقيم رجلين متقابلين عند طرفي الخط بين إبهامي أرجلهما وتمر الخيل بين الرجلين ليعرف السابق ويقول لهما: إذا خرج أحد الفرسين على صاحبه بطرف أذنيه أو أذُن أو عذار فاجعلوا السبقة له، فإذا شككتما فإجعلوا أسبقهما نصفين.
وهذا الأدب الذي ذكره في الحديث ابتداء الإرسال وانتهاء الغاية من أحسن ما قيل في هذا مع كونه مرويًا عن علي -رضي الله عنه- في قضية أمره بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفوضها إليه فينبغي أن تتبع ويعمل بها فيشترط في المسابقة بعوض أن يكون الإرسال دفعة واحدة فليس لأحدهما أن يرسل قبل الآخر ويكون عند الابتداء وهو أول المسابقة من يرقبها ليشاهد إرسالها عند أول المسافة كما يشترط أن يكون عند الإنتهاء وهو انتهاء الغاية من يضبط السابق منهما لئلا يختلفا في ذلك وحرم أن يجنب أحد المتعاقدين مع فرسه بأن يكون بجانبه فرسًا لا راكب عليه يحرض الفرس الذي تحته على العدو ويحثه عليه ويغريه بالسرعة أو يصيح به وقت سباقه؛ لحديث رواه أبو داود عن عمران بن حصين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا جَلَبَ ولا جَنَب في الرهان»، ويروى عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «من أجلب على الخيل يوم الرهان فليس منا» والجلبُ: بفتح اللام والجيم: الزجر للفرس، والصياح عليه حثًا له على الجري، المناضلة من النضل، يقال: ناضله نضالًا ومناضلة، وسمي الرمي نضلًا؛ لأن السهم التام يسمى نضلًا، فالرمي به عمل بالنضل، ومن المجاز ناضل عنه إذا دافع وتكلم عنه بعذره وخاصم.
ومنه قول أبي طالب يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذّبتم وبيتِ الله يُبزَى محمدٌ ... ولم تُطاعِنْ دونه وتُنَاضل
وهي ثابتة بالكتاب لقوله تعالى: {قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِق}، وقرئ ننتضل، والسُّنة شهيرة بذلك من ذلك حديث سلمة بن الأكوع، قال: مر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على نفر من أسلم ينتضلون بالسوق، فقال: «ارموا بني إسماعيل؛ فإن أباكم كان راميًا» متفق عليه، وعن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «من علم الرمي ثم تركه فليس منا» رواه أحمد ومسلم، وعن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي».
وعنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة صانعه الذي يحتسب في صنعه الخير، والذي يجهز به في سبيل الله، والذي يرمي به في سبيل الله»، وقال: «أرموا واركبوا وأن ترموا خير لكم من أن تركبوا»، وقال: «كل شيء يلهو به ابن آدم فهو باطل إلا ثلاثًا رميه عن قوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله فإنهن من الحق» رواه الخمسة، وعن عمرو بن عبسة قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «من رمى بسهم في سبيل الله فهو عدل محرر» رواه الخمسة وصححه الترمذي.
قال بعضهم: الرمي أفضلُ ما أوصَى الرسولُ به وأشجعُ الناسِ مَن بالرمي يَفْتَخِرُ أركــــــــانه خمسةٌ القبضُ أولُهَا والعقدُ والمَدُّ والإطلاقُ والنَظرُ
وجعلها بعضهم في أربعة: يا سائلي عن أصول الرمي أربعة العقد والقبض والإطلاق والنظر
وحكم المناضلة في العوضين حكم الخيل والإبل فيما تقدم تفصيله وتصح بين اثنين وبين حزبين وشروط المناضلة زيادة على ما سبق شروط أربعة أحدها كونها على من يحسن الرمي؛ لأن الغرض معرفة الحذق، ومن لا حذق له وجوده، كعدمه فتبطل المناضلة بين حزبين إذا كان في أحد الحزبين من لا يحسن الرمي، تبطل فيمن لا يحسنه من أحد الحزبين ويخرج مثله من جعل بإزائه من الحزب الآخر إذا كان كل واحد من الرئيسين يختار إنسانًا والآخر في مقابلته آخر فمن لا يحسن الرمي بطل العقد فيه وأخرج مقابله كالبيع إذا بطل في بعض المبيع سقط ما قبله من الثمن، ولكل حزب الفسخ إن أحبوا لتبعيض الصفقة في حقهم، وإن تعاقدوا بأن عقدوا النضال ليقتسموا بعد العقد حزبين فيعين رئيس كل حزب من معه برضاهم لا بقرعة صح العقد؛ لأن القرعة قد تقع على الحذاق في أحد الحزبين وعلى الكوادن في الآخر فيبطل مقصود النضال؛ ولأنها إنما تخرج المبهمات، والعقد لا يتم حتى يتميز كل حزب، وشرط النضال أن يجعل لكل حزب رئيس فيختار أحد الرئيسين واحدًا من الرماة ثم يكون معه ثم يختار الرئيس الآخر من الرئيسين آخر من الرماة حتى يفرغا فيتم العقد على المعنيين بالاختيار إذن ولا يجوز اختيار كل منهما أكثر من واحد؛ لأن اختيار اثنين فأكثر يبعد من التساوي والعدل، وإن تشاحا فيمن يبدأ من الرئيسين بالخيرة اقتراعًا، فمن خرجت له القرعة اختار أولًا إذ القرعة تميز المستحق بعد ثبوت الإستحقاق لغير معين وتساوي أهله ولا يجوز جعل رئيس الحزبين واحدًا؛ لأنه لا يضره أي الحزبين سبق لتقديره لهما فيفوت مقصود المناضلة، ولا يجوز جعل الخبرة في تمييز والحزبين إلى واحد وإن أرادوا القرعة لإخراج الرئيسين جاز لقلة الغرر، ولا يجوز لأحدهما أن يختار جميع حزبه؛ لأنه ترجيح له بلا مرجح ويفضي إلى عدم التساوي.
ولا يشترط للمناضلة استواء عدد رماة كل حزب، فلو كان أحد الحزبين عشرة والآخر ثمانية ونحو ذلك، صح وإن بان بعض الحزب كثير الإصابة أو عكسه بأن كان قليل الإصابة فادعى الحزب الآخر ظن خلافه لم يسمع منه ذلك؛ لأن شرط دخوله في العقد أن يكون من أهل الصنعة دون الحذق كما لو اشترى عبدًا على أنه كاتب فبان حاذقًا أو ناقصًا لم يؤثر،الشرط الثاني: معرفة عدد الرمي ومعرفة عدد الإصابة لتبين مقصود المناضلة وهي الحذق، فيقال مثلًا الرِّشْقُ بكسر الراء وهو عدد الرمي وأهل العربية يخصونه فيما بين العشرين والثلاثين، وبفتحها الرمي وهو مصدر رشقت الشيء رشقًا.
قال الحجاوي في «الحاشية»: الرشق بفتح الراء: الرمي نفسه، والرشق الوجه من الرمي إذا رمى القوم بأجمعهم جميع السهام، وقيل: الرشق السهام نفسها، وكذا في «المستعوب» و«المطلع» عن الأزهري: الرشق بكسر الراء عدد الرمي واشتراط العلم به؛ لأنه لو كان مجهولًا أفضى إلى الاختلاف؛ لأن أحدهما يريد القطع والآخر يريد الزيادة، وليس للرشق عدد معلوم، فأي عدد اتفقوا عليه جاز؛ لأن الغرض معرفة الحذق، فيقال مثلًا: الرشق عشرون والإصابة خمسة أو ستة أو ما يتفقان، وسواء استوى المتناضلين في عدد رمي وعدد إصابة وفي صفة الإصابة من خوارق ونحوها وسائر أحوال الرمي؛ لأن موضعها على المساواة فاعتبرت المسابقة على الحيوان؛ فإن جعل المتناضلان رمي أحدهما عشرة ورمى الآخر أكثر كعشرين مثلًا أو أقل كخمسة أو شرطا أن يصيب أحدهما خمسة وأن يصيب الآخر ستة أو شرطًا إصابة أحدهما خواسق والآخر خواصل أو شرطا أن يحط أحدهما من إصابته سهمين بسهم من إصابة الآخر أو شرطا أن يرمي أحدهما من بُعْدٍ، ويرمي الآخر من قرب أو أن يرمي أحدهما وبين أصابعه سهم والآخر بين أصابه سهمًا أو أن يرمي أحدهما وعلى رأسه شيء شاغل والآخر بدون الشاغل ونحوه مما تفوت به المساواة كان شرطًا أن يحط عن أحدهما واحدًا من خطئه لا عليه ولا له وأشباه هذا مما تفوت به المساواة لم تصح لمنافاته لموضوع المسابقة، وإذا عقدا ولم يذكرا قوسًا صَحَّ لما تقدم ويستويان في العربية والفارسية.
الشرط الثالث: كون الرمي مفاضلة أو محاطة أو مبادرة؛ لأن غرض الرماة يختلف، فمنهم من إصابته في الابتداء أكثر منها الانتهاء، ومنهم من هو بالعكس إصابته في الإنتهاء أكثر منها في الإبتداء، فوجب اشتراط ذلك ليعلم ما دخل فيه، فالمفاضلة كقولهم أينا فضل صاحبه بخمس إصابات من عشرين رمية، فقد سبق فأيهما فضل صاحبه بذلك فهو السابق لوجود الشرط، ويلزم فيها إتمام الرمي إن كان فيه فائدة أو تبين كون الرمي مبادرة كأينا أسبق إلى خمس إصابات من عشرين رمية فقد سبق ونحوه فإذا رميا عشرةً فأصاب أحدهما خمسًا فمصيب الخمس هو السابق أصاب لآخر ما دونها أو لم يصب شيئًا ولا يلزم أن سبق إلى الخمس واحد، ولو أصاب الآخر أربعًا إتمام الرمي عشرين؛ لأن السبق قد صار للسابق وإن أصاب كل واحد منهما من العشر خمسًا فلا سَبقَ فيهما ولا يكملان الرشق؛ لأن جميع الإصابة المشروطة قد وجدت واستويا فيها، وضابط ذلك أنه متى بقي من عدد الرمي ما يمكن أن يسبق به أحدهما صاحبه أو يسقط به سبق صاحبه لزم الإتمام وإلا فلا، أو تبين كون الرمي محاطة بأن اشترطا أن يحط ما تساويا فيه من الإصابة من رمي معلوم مع تساويهما في عدد الرميات فأيهما فضل صاحبه بإصابة معلومة فقد سبق.
والفرق بين المفاضلة والمحاطة أن المحاطة تقدر فيها الإصابة من الجانبين بخلاف المفاضلة، قال في «شرح الغاية»: ويدل لذلك قول المجد في «شرح الهداية»: فالمفاضلة اشتراط إصابة عدد من عدد فوقه كإصابة عشرة من عشرين على أن يستوفيا رميهما؛ فإن تساويا في الإصابة أحرزا سبقهما وإن أصاب أحدهما تسعة والآخر عشرة أو أكثر فقد فضل، والمحاطة أن يشترطا حط ما يتساويان فيه من الإصابة في رشق معلوم، فإذا فضل أحدهما بإصابة معلومة فقد سبق فإن أطلقا الإصابة في المفاضلة أو شرطا أنها خواصل تناول اللفظ الإصابة على أي صفة كانت، ولا يشترط وصف الإصابة؛ لكن يسن، وإن اشترطا أن الإصابة خواسق أو شرطا خوازق أو شرطا مقرطس وهي ما خرق الغرض، وثبت فيه أو شرطا أن الإصابة خوارق أو موارق وهي ما خرق الغرض ولم يثبت فيه أو شرطا أنهما خواصر، وهي ما وقع في أحد جانبي الغرض، ومنه قيل: الخاصر؛ لأنها في جانب الإنسان أو شرطا أنها خوارم، وهي ما خرم جانبي الغرض أو اشترطا أنها حوابي وهي ما وقع بين يدي الغرض ثم وثب إلى الغرض.
قال الشاعر: حابى كثيرٌ وما نُبْلى بصَائِبةٍ ... وكيفَ لي مِن مَرَاميهن بالحابيَّ
ومنه يقال: حبى الصبي، فبأي صفة قيد المتناضلون الإصابة تقيدت بها؛ لأنها وصف وقع عليه العقد فوجب أن تتقيد به ضرورة الوفاء بموجبه وحصل السبق بإصابة ذلك المقيد على ما قيدوا به أو شرطا إصابة موضع منه كدائرة الغرض تقيدت المناضلة بما شرطاه؛ لأن الغرض يختلف باختلاف ذلك فتعين أن تتقيد المناضلة به تحصيلًا للغرض، وإن شرطا الخواسق والحوابي معًا صح ولا يصح شرط إصابة نادرة كتسعة من عشرة؛ لأن الظاهر عدم وجودها فيفوت المقصود، ولا يصح تناضلهما على أن السبق لأبعدهما رميًا؛ لأن الغرض من الرمي الإصابة لا من بعد الرمي، وقيل: يصح، اختاره الشيخ تقي الدين قاله في «الفائق» وهو المعمول به عند الرماة الآن في أماكن كثيرة، وهذا القول هو ما تميل إليه النفس، والله أعلم.
وإذا كان الشرط خواصل فأصاب الغرض بنصل السهم حسب له كيف كان لما تقدم أن الخاصل الذي أصاب القرطاس؛ فإن أصاب السهم الغرض بعرضه أو بفوقه وهو ما يوضع فيه الوتر نحو أن ينقلب السهم بين يدي الغرض فيصيب فوقه الغرض أو انقطع السهم قطعتين فأصاب القطعة الأخرى الغرض لم يعتد به؛ لأنه لا يعد إصابة.
الشرط الرابع: معرفة قدر الغرض وهو ما يرمي طولًا وعرضًا وسمكًا وارتفاعًا من الأرض بمشاهدة أو تقدير بشيء معلوم؛ لاختلاف الإصابة بصغره وكبره وغلظه ورقته وارتفاعه وانخفاضه والغرض ما تقصد إصابته بالرمي وهو ما ينصب في الهدف من قرطاس أو جلد أو خشب أو غيرها سمي غرضًا؛ لأنه يقصد ويسمى شارة وشنًا، وفي «القاموس»: القرطاس: كل أديم ينصب للنضال، والهدف ما ينصب الغرض عليه إما تراب مجموع أو حائط أو غيرهما كخشبة وحجر، ولا يعتبر لصحة النضال ذكر المبتدئ منهما بالرمي؛ لأنه لا أثر له وكثير من الرماة يختار التأخر؛ فإن ذكر المبتدئ كان أولى وإن لم يعينا المبتدئ عند العقد ثم تراضيا بعد العقد على تقديم أحدهما جاز؛ لأن الحق لا يعدوهما.
69- تشاح المتناضلين س69: تكلم بوضوح عن أحكام ما يلي: إذا تشاح المتناضلان في الإبتداء، تعيين باد عند عقد، إذا بادر غير الأحق، رميهما سهمًا سهمًا أو خمسًا خمسًا أو يرمي كل واحد منهما جميع الرشق، صفة رمي المتناضلين إذا أطارت الريح الغرض فوقع السهم موضع الغرض، شرطهم خواسق أو مقرطس أو نحوه، إذا عرض لأحد المتناضلين عارض من كسر قوس أو نحوه أو عرض مطر أو ظلمة عند الرمي، مدح أحد المتناضلين أو عيبه، الإتيان بكلام يغيظ صاحبه أو تعنيفه إذا قال لآخر مثلًا إرم عشرة أسهم؛ فإن كان صوابك أكثر من خطئك فلك درهم إلخ. واذكر الدليل والتعليل والتفصيل والخلاف والترجيح.
ج: يقرع عند تشاح المتناضلين في البادئ منهما بالرمي؛ لأنه لابدَّ أن يبدأ أحدهما بالرمي؛ لأنهما لو رميا معًا أفضى إلى الاختلاف ولم يعرف المصيب منهما وقد استويا في الإستحقاق فصير إلى القرعة؛ لأنه لا مرجح غيرها، وهي تستعمل عند اشتباه المستحقين وعند تزاحمهم وليس أحدهما أولى من الآخر فمن خرجت له القرعة بدأ بالرمي وسن تعيين باد عند عقد؛ لأنه أقطع للنزاع؛ فإن بادر غير الأحق فرمى فرميه عبث لم يعتد له سهمه أخطأ أو أصاب؛ لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - : «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد». ويجوز أن يرمي المتناضلان سهمًا سهمًا وأن يرميا خمسًا خمسًا وأن يرمي كل واحد منهما جميع الرشق، وإن شرطا شيئًا حمل عليه؛ فإن أطلق تراسلًا سهمًا سهمًا؛ لأنه العرف وإن بدا أحدهما في وجه هو رمي القوم بأجمعهم جميع السهام بدأ الآخر في الوجه الثاني تعديلًا بينهما؛ فإن شرطا البداءة لأحدهما في كلا الوجوه لم يصح؛ لأن موضوع المناضلة على المساواة وهذا تفاضل، وإن فعلا البدء في الرمي من غير شرط برضاهما صح؛ لأن البداءة لا أثر لها في الإصابة ولا في وجود الرمي، وإن شرطا أن يبدأ كل واحد منهما من وجهين متوالين جاز لتساويهما وإن اشترطا أن يرمي أحدهما رشقة ثم يرمي الآخر رشقة جاز أو اشترطا أن يرمي أحدهما عددًا ثم يرمي الآخر مثله جاز وعمل به؛ لحديث: «المؤمنون على شروطهم» وسن جعل غرضين في المناضلة يَرْمي الرَّسْلان أحد الغرضين ثم يمضيان إلى الغرض فيأخذان السهام ويرميان الغرض الآخر؛ أن هذا كان فعل أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «ما بين الغرضين روضة من رياض الجنة»، وقال إبراهيم التيمي: رأيت حذيفة يشتد بين الهدفين يقول: أنابها في قميص، وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- مثله، ويروى أن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانوا يشتدون بين الأغراض يضحك بعضهم إلى بعض، فإذا جاء الليل كانوا رهبانًا أي عبادًا وإذا كان غرضًا فبدأ أحدهما بغرض بدأ الآخر بالغرض الثاني لحصول التعادل وإن جعلوا غرضًا احدًا جاز لحصول المقصود به وإذا تشاحا في موضع الوقف هل هو عن يمين الغرض أو يساره ونحو ذلك؛ فإن كان الموضع لذي طلبه أحدهما أولى مثل أن يكون في إحدى الموقفين يستقبل الشمس أو يستقبل ريحًا يؤذيه استقبالها ونحو ذلك، والآخر يستدبرها قدم قول من طلب استدبارها؛ لأنه أحظ لهما، إلا أن يكون في شرط المناضلة استقبال ذلك، فالشرط أولى بالإتباع لدخولهم عليه كما لو اتفقا على الرمي ليلًا؛ فإنه يعمل بما اتفقا عليه؛ فإن كان الموقفان سواء في استدبار الشمس كان الوقوف إلى الذي يبدأ فيتبعه الآخر، فإذا صار في الوجه الثاني وقف الثاني حيث شاء، وإن أطارت الريح الغرض فوقع السهم موضع الغرض وشرط المتناضلين خواسق أو خوارق أو مقرطس لم يحتسب له به ولا عليه؛ لأنا لا ندري هل كان يثبت في الغرض لو كان موجودًا أو لا، وإن وقع السهم في غير موضع الغرض احتسب به على راميه لتبين خطئه وإن وقع السهم في الغرض في الموضع الذي طار إليه الغرض حسبت الرمية عليه إلا أن يكون اتفقا على رميه في الموضع الذي طار إليه، وكذا الحكم لو ألقت الريح الغرض على وجهه إذا وقع السهم فيه حسب على راميه وإن أطارت الريح الغرض فوقع السهم موضعه احتُسِب به لراميه؛ لأنه لو كان الغرض موضعه لأصابه، وكذا لو كانا أطلقا الإصابة، ولو كان الغرض جلدًا وخيطَ عليه كشنبر المنخل وجعلا له عرى وخيوطًا تعلق به في العرى فأصاب السهم الشنبر أو العرى وشرطهم حواصل اعتد به؛ لأن ذلك من الغرض؛ وأما المعاليق وهي الخيوط فلا يعتبر بإصابتها مطلقًا؛ لأنها ليست من الغرض وإن عرض لأحدهما عارض من كسر قوس أو قطع وتر أو ريح شديدة لم يحتسب له بالسهم ولا عليه، ولو أصاب؛ لأن العارض كما يجوز أن يصرفه عن الصواب إلى الخطأ يجوز أن يصرفه عن الخطأ إلى الصواب، وقيل: يحسب عليه بالسهم إن أخطأ، وقيل: إن عرض لأحدهما كسر قوس أو قطع وتر أو ريح شديدة أو ردت سهمه عرضًا فأصاب حُسِبَ له وإلا فلا، هذا والله سبحانه أعلم أقرب عندي إلى الصواب. وإن حال حائل بينه وبين الغرض فنفذ منه وأصاب الغرض حسب له؛ لأن هذا من سداد الرمي وقوته وإن عرض ظلمة أو مطر عند الرمي جاز تأخيره؛ لأن المطر يرخي الوتر والظلمة عذر لا يمكن معه فعل المعقود عليه؛ ولأن العادة الرمي نهارًا إلا أن يشترطاه ليلًا فيلزم كما تقدم؛ فإن كانت الليلة مقمرة منيرة اكتفى بذلك وإلا رميا في ضوء شمعة أو مشعل أو ضوء كهرب، وإن أراد أحدهما التطويل والتشاغل عند الرمي بما لا حاجة له إليه من مسح القوس والوتر ونحو ذلك ولعل صاحبه ينسى القصد الذي أصابا به أو يفتر مُنِعَ من ذلك وطولب بالرمي ولا يزعج بالاستعجال بالكلية بحيث يمنع من تحرير الإصابة وكره للأمين أو الشهود وغيرهم ممن حضر مدح أحدهما أو مدح المصيب وعيب المخطئ لما فيه كسر قلبه وألفت في عضده وتحجيله، وفي حديث أبي موسى الأشعري، قال: سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلًا يثني على رجل ويطريه في المدح، فقال: «أهلكتم أو قطعتم ظهر الرجل» متفق عليه، وفي حديث أبي بكر -رضي الله عنه- أن رجلًا ذكر عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فأثنى عليه رجل خيرًا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ويحك قطعتَ عُنقَ صاحبك» يقوله مرارًا، الحديث متفق عليه.
وعن المقداد أن رجلًا جعل يمدح عثمان -رضي الله عنه- فعمد المقداد فجثا على ركبتيه فجعل يحثو في وجهه الحصباء، فقال عثمان: ما شأنك؟ فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا رأيتم المداحين فأحثوا في وجوههم التراب» رواه مسلم، وقال في «الفروع»: ويتوجه الجواز في مدح المصيب والكراهة في عيب غيره، قال: ويتوجه في شيخ العلم وغيره مدح المصيب من الطلبة وعَيب غيره كذلك، قال في «الإنصاف»: قلت: إن كان مدحه يفضي إلى تعاظم الممدوح أو كسر قلب غيره قوي التحريم وإن كان فيه تحريض على الاشتغال ونحوه قوي الاستحباب. اهـ.
قال النووي بعد إيرداه لأحاديث النهي عن المدح، وجاء أحاديث كثيرة في الإباحة صحيحة، قال العلماء: وطريق الجمع بين الأحاديث أن يقال إن كان الممدوح عنده كمال إيمان ويقين ورياضة نفس ومعرفة تامة بحيث لا يفتتن ولا يغتر بذلك ولا تلعب به نفسه فليس بحرام ولا مكروه، وإن خيف عليه شيء من هذه الأمور كره مدحه في وجهه كراهة شديدة وعلى هذا التفصيل تنزل الأحاديث المختلفة في ذلك، ومما جاء في الإباحة قوله -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر -رضي الله عنه-: «أرجو أن تكون منهم» أي من الذين يدعون من جميع أبواب الجنة لدخولها، وفي الحديث الآخر: «لست منهم» أي لست من الذين يسبلون أزرهم خيلاء، وقال -صلى الله عليه وسلم- لعمر -رضي الله عنه-: «ما رآك الشيطان سالكًا فجًا إلا سلك فجًا غير فجك» اهـ.
ويمنع كل من الكلام الذي يغيظ صاحبه كأن يرتجز ويفتخر ويتبجح بالإصابة أو يعنف صاحبه على الخطأ ويظهر أنه يعلمه، وكذا حاضر معهما يمنع من ذلك، ومن قال لآخر: إرم عشرة أسهم؛ فإن كان صوابك فيها أكثر من خطئك فلك درهم، صح؛ لأنه جعل الجعل في مقابلة إصابة معلومة؛ فإن كان أكثر العشرة أقله ستة وليس ذلك مجهولًا؛ لأنه بالأقل يستحق الجعل، ولا يصح عكسه بأن قال له: إرم عشرة أسهم فإن خطأتها فعليك درهم، لم يجز؛ لأن الجعل يكون في مقابلة عمل ولم يوجد من القائل عمل يستحق به شيئًا، وإن قال: إرم عشرة فإن كان صوابك أكثر فلك بكل سهم أصبت بدرهم صح، أو قال: إرم هذا السهم فإن أصبت به فلك درهم صح ولزمه؛ لأنه جعالة.
من النظم فيما يتعلق بالسبق وفي الأجود إجعل لاستباق جعالة فإن رضيا التزييد فيه فزيد وكل له قبل الشروع كبعده إن تساووا وأبطال وإلا لأزيد ويفسخ في ذا الوجه من موت عاقد وإلا فموت الحتم تعيينه قد ولا يأخذن بالجعل رهنًا وضامنًا وإن قلت بالإلزام فاعكس تسدد فمن موت فرد الراميين وواحد من الحاملين أبطل ولا تتردد وما تلف الرأسين يا صاح مبطل ولا موت ركاب الجواد بمفسدِ ووارث كل قائم بمقامه وإلا أقم من إرثه عنه وارفد ويحصل سبق الخيل بالرأس ثم مع تخالف أعناق بكتف كجلمد ولا تجنين مع سابق فرسًا ولا تجلِّب عليه بالصياح الملدد وهذا بيانٌ للنضالِ وإنَّههو القوةُ احْرَصْ في اقتباسِكَ واجهدِ ومَعْرفَةُ الرَّمي اشتراط في جَمِيعِهِمِ وفي كُلّ مَن لا يُحْسنُ الرَّمْيَ أفْسِدِ واسْقِط مِن الباقِينَ مَن بإزائه ولا فَسْخَ في الأقْوَى ومَنْ شاءَ يَرْدُدِ وتَعْدَادُ رَشْقٍ والإصَابةُ فاشُتَرِطْ بِلَا نُدْرَةٍ كالاسْتِواء فيهِمَا اشهدِ وإن شَرَطَا للأبعَدِ الجُعْلَ لَم يَجُزْ إذ لم يُحَدَّدْ غَايةٌ فيهما اشْهدِ وَمِنْ غير ذكر القَوْسِ صَحِّحْ بمُبْعَدٍ وَوَحْدَهُ في نوْع وَمَا عُيّنَ احْدُدِ ولا تَشْتَرطْ إن يَسْتَوي عَدَدُ الرُّمَاةِ مِن الحِزُبيْنِ في المُتَجَوِّدِ ولكنْ تَسَاوى الرَّمْي ثم مُحَلِّلِ لِيَرْمِ كحزب واحد أو مُعَدِّدِ ويَحْصُلُ سَبْقٌ في البِداء بِحوْزةٍ كَخَمْسِ إصَاباتٍ مِن العَشْرِ فاشْهدِ إذا لم اسْتَوَوْا في رَمْيِهِم وَبشَرْطِهِم مُفاضَلةً مِنْهَا لِحَاوِي المُزَيَّدِ وإتْمَامُ رَشْقٍ هَاهُنَا لازِمٌ مَتَى يَكُنْ فِيهِ نَفْعٌ دُون مَا لَم يُقَيَّدِ ويَسْتَوْعِبْ إطلاقُ الإصَاباتِ كُلَّهَا وشَرْطُ الحَواصِل مُطْلقًا للتأكُّدِ وفي أيِّ وَصْفٍ لِلإصَابَةِ قَيَّدُوا تَقَيَّدَ نَيْل السَّبْقِ بالمُتَقيِّدِ وفي الفَرضِ اشْرطْ عِلمَ وَصْفٍ وَقدره وبَيْنَهُمَا اقرع عِنْدَ بُخْلٍ المُبتدِي وقَد قِيلَ قَدِّمْ مُخرجًا سَبقًا فَمَنْ بِوَجْهٍ بَدَا فالغَيْر بالثاني يَبْتَدي وإن شَرَطُوا إن يَبْتَدِي البَعْضُ دائمًا فَلغْوٌ وإن يَبْدَأ بلا شَرط إمْهد ويُشرع نَضْبُ اثنين تبدأ فرقه بوَجْهٍ وبالثاني الأخيرة تبتدي وإن سَهْمُ شَخْص حَلَّ موضعَه وقد أطارَتْهُ رِيْحٌ عُدَّ إن لم تقيد بِنَوْعِ إصَاباتٍ إذًا في وُجُوْدِهِ تُشَكُّ بَتقْدِيرِ التَعَالِيمِ يُعَدَّدِ ولا تَحسَبنَّ سَهْمًا طَرَافيه عَارضٌ كَرِيحٍ وكَسْرِ القَوْسِ يَا صَاحِ تَعْتَدِ وإن يَطْرَ وَقْتُ الرَّمْي غَيْثٌ وظُلْمَةٌ فَجوِّزْ إذا أرْجَا النِّضَالَ إلى الغَدِ وقد كَرِهُوا إفْرَادَ شخصٍ بمَدْحِهِ لإيْذَاء إثانٍ مِن أمينٍ وُشُهَّدِ ومحضُورٌ الشِطْرَنْجُ والنَّردُ مَيْسِرٌ بِجُعْلٍ وغَيْرِ الجُعْل في نَص أحْمَدِ
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 6:02 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الخامس الثلاثاء 15 ديسمبر 2015, 4:27 pm | |
| 70- باب العارية س70: تكلم بوضوح عن العارية مبينًا وجه اشتقاقها، وما هي؟ وما الأصل فيها؟ وما أركانها؟ وما الذي يشترط لصحتها؟ وما يشترط في المعير؟ وما الذي يشترط في المستعير؟ وأيهما أوسع العارية أو الإجارة أو الجعالة؟ وبأي شيء تنعقد ولماذا ذكرت بعد الإجارة؟ وهل هي عقد تمليك أو إباة أو هبة؟ ومتى تحرم؟ ومتى تجب؟ ومتى تستحب؟ ومتى تباح؟ ومتى تكره؟ ولماذا أخَّرها عن الإجارة؟ واذكر شيئًا من محاسنها ومثل لما لا يتضح إلا بالتمثيل واذكر الدليل والتعليل والخلاف والترجيح.
ج: العارية بتخفيف الياء وتشديدها، قيل: إنها مشتقة من عار إذا ذهب وجاء ومنه، قيل للبطال: عيار لتردده في بطالته، والعرب تقول: أعاره وعاره كأطاعه وطاعه، وقيل: من التعاور وهو التناوب، وقيل من العرو.
قال الشاعر: وإني لتعروني لذكراك هزةٌ ... كما انتفض العصفور بلله القطر
وقيل: من العري الذي هو التجرد لتجردها عن العوض كما تسمى النخلة الموهوبة عرية؛ لتعريها عنه.
وقال الجوهري: العارية بالتشديد كأنها منسوبة إلى العارِ؛ لأن طلبها عار وعيب.
وينشد: إنما أنفسنا عارية ... والعواري قصارى أن ترد
واعترض عليه بأنه - صلى الله عليه وسلم - فعلها كما سيأتي إن شاء الله، ولو كانت عيبًا ما فعلها وبأن ألف العارية منقلبة عن واو؛ فإنَّ أصلها عورية وأما ألف العار فمنقلبة عن ياء بدليل عيرته بكذا، والعارة مثل العارية.
قال ابن مقبل: فأخْلِفْ وأتِلفْ إنما المال عَارَةٌ وكُلْهُ مَعَ الدهرِ الذي هو آكلُهْ
والعارية:
العين المأخوذة من مالك أو مالك منفعتها أو مأذونهما للانتفاع بها مطلقًا أو زمنًا معينًا بلا عوض من الآخذ لها أو من غيره والإعارة إباحة نفع العين وهو رفع الحرج عن تناول ما ليس مملوكًا له وليست هبة إذ الهبة تمليك يستفيد به التصرف في الشيء كما يستفيده فيه بعقد المعاوضة.
والإعارة مشروعة بالكتاب والسُّنة والإجماع: أما الكتاب: فقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى} وهي من البر، وفسر جمهور المفسرين قوله تعالى: {وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ} بما يستعيره الجيران بعضهم من بعض كالدلو والفأس والإبرة، وقال ابن عباس وابن مسعود هي العواري؛ وأما السُّنة: فروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال في خطبته في حجة الوداع: «العارية مؤداة، والمنحة مردودة، والدين مقضي، والزعيم غارم»، قال الترمذي: حديث حسن غريب، وعن صفوان بن أمية أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استعار منه يوم حنين أدرعًا، فقال: أغصبًا يا محمد؟ فقال: «بل عارية مضمونة» الحديث رواه أحمد وأبو داود.
وعن أنس بن مالك قال: كان فزع المدينة فاستعار النبي -صلى الله عليه وسلم- فرسًا من أبي طلحة يقال له: المندوب، فركبه، فلما رجع قال: «ما رأينا من شيء إن وجدنا لبحرًا» متفق عليه، وعن أبي مسعود قال: كنا نعد الماعون على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عارية الدلو والقدر، وعن عائشة أنها قالت وعليها درع قطري ثمنه خمسة دراهم: «كان لي منهم درع على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فما كانت امرأة تُقَيَّن بالمدينة إلا أرسلت إليَّ تستعيره» رواه البخاري وأحمد، وفي حديث جابر قلنا: يا رسول الله، وما حقها؟ قال: «إطراق فحلها وإعارة دلوها ومنحتها» الحديث رواه مسلم وأحمد، واستعار -صلى الله عليه وسلم- مرة قصعة فضاعت فضمنها.
وأجمع المسلمون على جواز العارية واستحبابها؛ ولأنها لما جازت هبة الأعيان جازت هبة المنافع؛ ولذلك صحت الوصية بالأعيان والمنافع، وتستحب الإعارة ولا تجب؛ لحديث: «إذا أدَّيتَ زكاة مالك فقد قضيت ما عليك» رواه ابن المنذر، ولحديث: «ليس في المال حق سوى الزكاة»، وفي حديث الأعرابي الذي سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - : ماذا فرض الله عليه من الصدقة؟ قال: «الزكاة» قال: هل عليَّ غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع، والآية فسرها ابن عمر والحسن بالزكاة، وكذلك زيد بن أسلم، وأركانها أربعة: (1) معير، (2) مستعير، (3) معار، (4) صيغة، وتنعقد بكل قول أو فعل يدل عليها، كقوله: أعرتك هذا الشيء أو أبحتك الإنتفاع به أو يقول المستعير: أعرني هذا أو أعطنيه أركبه أو أحمل عليه فيسلمه المعير إليه ونحوه، كاسترجْ هذا الدابة وكدفعه الدابة لرفيقه عند تعبه وكتغطيته رفيقه بردائه إذا رآه به برْد وكتظليله به إذا رآه متضررًا من الشمس؛ لأنها من البر فصحت بمجرد الدفع كدفع الصدقة ومتى ركب الدابة أو السيارة أو الدراجة أو الدباب المعارة أو استبقى الكساء عليه كان ذلك قبولًا، قال في «الترغيب»: يكفي ما دل على الرضاء من قول أو عمل، كما لو سمع من يقول: أردت أن يعيرني كذا، فأعطاه كذا وشرط لصحة الإعارة أربعة شروط أحدها: كون عين منتفعًا به بها مع بقائها.
قال في «نهاية التدريب»: وجائزٌ إعارةُ العَيْنِ الَّتِي تَبْقَى مَعَ استعمالِهَا إنْ حَلْتِ
مثالها كالدور والعبيد والثياب والدواب ونحوها للأحاديث المتقدمة فثبت ما في الأحاديث بالنص، والباقي قياسًا فدفع ما لا يبقى كطعام تُبرعَ من دافع؛ لأنه لا ينتفع به إلا مع تلف عينه؛ لكن إن أعطى الأطعمة والأشربة بلفظ الإعارة، فقيل: يحتمل أن يكون إباحة الانتفاع على وجه الإتلاف؛ فإن كان الطعام أو الشراب بلفظ عارية فهو قرض يجب على آخذ ردُّ بدله كما لو استعار دراهم لينفقها فثبت بذمته قرضًا.
والشرط الثاني: كون معير أهلًا للتبرع شرعًا إذ الإعارة نوع من التبرع.
لأنها إباحة منفعة: متَى يُعرْ مَنْ لِتَبَرُّعٍ صَلَحْ أهْل تَبَرُعَاتِهِ عليه صَحْ عينًا لِنَفْعِ لم تَكْنْ تُسْتَهْلَكُ بسَبَبِ اسْتِيْفَاءِ نَفْعٍ يمْلَكُ
الشرط الثالث:
كون مستعير أهلًا للتبرع له بتلك العين المعارة فلا تصح إعارة نحو مضارب كناظر وقف ووليّ يتيم لما بأيديهم من مال المضاربة والوقف واليتيم، ولا تصح إعارة مكاتب لما بيده بدون إذن سيده، ولا تصح إعارة لنحو صغير ومجنون ومعتوه بلا إذن وليه؛ لعدم أهليتهم، وصح في إعارة مؤقتة شرط عوض معلوم وتصير إجارة تغليبًا للمعنى كالهبة إذا شرط فيها ثواب معلوم كانت بيعًا تغليبًا للمعنى على اللفظ، فإذا أطلقت الإعارة أو جهل العوض فإجارة فاسدة، وفي «التلخيص»: لو أعاره عبده أو نحوه على أن يعيره الآخر فرسه أو نحوه ففعلا فإجارة فاسدة لا تضمن للجهالة؛ لأنهما لم يذكرا مدة معلومة ولا عملًا معلومًا، قال الحارثي: وكذلك لو قال أعرتك هذه الدابة لتعليفها أو هذا العبد لتمونه وإن عينا المدة والمنفعة صحت إجارة لما تقدم.
فائدة: قال المرودي: قلت لأبي عبد الله: رجل سقط منه ورقة فيها أحاديث وفوائد فأخذتها فترى أن أنسخها وأسمعها؟ قال: لا، إلا بإذن صاحبها، وتصح إعارة نقد من ذهب أو فضة وكمكيل وموزون؛ فإن استعار النقد لينفقه أو أطلق أو استعار المكيل أو الموزون ليأكله وأطلق فقرض؛ لأن هذا معنى القرض وهو مغلب على اللفظ ولا تكون استعارة النقد لما يستعمل فيه مع بقائه قرضًا، بل عارية كما لو استعار النقد للوزن أو ليرهنه أو يعاير عليه؛ فإنها تصح كالإجارة لذلك، وكذا المكيل والموزون.
والشرط الرابع:
كون نفع عين مباحًا لمستعير؛ لأن الإعارة إنما تبيح له ما أباحه له الشارع، فلا يصح أن يستعير إناء من النقدين الذهب والفضة ليشرب فيه لنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن الشرب في إناء الذهب والفضة، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم»، وقوله -صلى الله عليه وسلم- في آنية الذهب والفضة: «ولا تأكلوا في صحافها؛ فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة»، ولا يصح أن يستعير حليًا محرمًا على رجل ليلبسه الرجل أو ثياب أنثى ليلبسها الرجل أو بالعكس لتحريم التشبه، ولا خاتم ذهب لرجل لتحريم لبسه على الرجل ولا أمة ليطأها حيث صحت الإستعارة من أجله، ولو لم يصح الاعتياض عن النفع المباح كإعادة كلب لصيد أو ماشية وفحل لضراب؛ لأن نفع ذلك مباح ولا محظور في إعارتهما، والمنهي عنه هو العوض المأخوذ في ذلك، ولذلك امتنعت إجارته؛ ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر في حق الإبل والبقر والغنم إطراق فحلها والإعارة أوسع من الجعالة؛ لأن الجعالة نوع من الإجارة فتصح إعارة الكلب، ولا يصح أن يكون عوضًا جعالة وباب الجعالة أوسع من باب الإجارة؛ لأن الجعالة تصح على العبادة كالأذان والإمامة ولا كذلك الإجارة، وتجب إعارة المصحف لمسلم محتاج لقراءة فيه ولم يجد غيره، وهذا إن لم يكن مالكه محتاجًا إليه وخرج بعض العلماء وجوب إعارة الكتب لمحتاج إليها من القضاة والحكام وأهل الفتاوى، وتجب إعارة كل شيء مضطر إليه مع بقاء عينه إذ دفع الضرر عن المعصوم واجب وإذا لم يندفع ضرره إلا بالإعارة، فالإعارة واجبة، ويأتي في الأطعمة أن من اضطر إلى نفع مال الغير وجب بذله له مجانًا مع بقاء عينه وعدمحاجة ربه إليه، وقال ابن الجوزي: ينبغي لمن ملك كتابًا أن لا يبخل في إعارته لمن هو أهله وكذلك ينبغي إفادة الطالب بالدلالة على الأشياخ وتفهيم المشكل. انتهى.
قلت: هذا إذا كان من الكتب النافعة المستقيم أصحابها وكذا الأشياخ، وتحرم إعارة قن مسلم لكافر لخدمة الكافر كما تحرم إجارته لها؛ فإن أعاره أو أجرة العمل في الذمة غير الخدمة صحتا وتقدم، وتحرم إعارة صيد لمحرم؛ لأن إمساكه له محرم كما تحرم إعارة ما يحرم استعماله لشخص ممنوع شرعًا كنحو طيب أو مخيط لمحرم؛ لأنه معاونة على الإثم والعدوان؛ فإن أعار الصيد للمحرم فتلف بيد المحرم ضمنه لله الجزاء وللمالك بالقيمة. وتحرم إعارة آنية لمن يتناول بها محرمًا من نحو خمر ويحرم إعارة سينماء ويحرم إعارة تلفزيون ومذياع وآلة تصوير؛ لأنها من المحرمات وإعارتها إعانة على الإثم والعدوان نشر للفساد وتشجيع على المعاصي المتعدي ضررها وتعظيم لأعداء الله، ومن تأمل هذه المنكرات حق التأمل علم أنها من مكائد الشيطان وخيله وأصواته ولم يتوقف في تحريمها والمنع منها ولا عبرة بمن زين له اقتناؤها واتبع هواه واستحسنها واستعملها، قال ابن القيم –رحمه الله-: إذا أشكل حكم شيء هل هو الإباحة أو التحريم؟ فلينظر إلى مفسدته وثمرته وغايته؛ فإن كان مشتملًا على مفسدة راجحة ظاهرة، فإنه يستحيل على الشارع الأمر به أو إباحته، بل العلم بتحريمه قطعي ولاسيما إذا كان طريقًا مفضيًا إلى ما يغضب الله ورسوله موصلًا إليه عن قريب. انتهى.
ويحرم إعارة أمة أو عبد لغناء أو نوح أو زمر أو نحو ذلك من المنكرات، ويحرم إعارة مركوب لمن يريد الخروج عليه ويترك حضور الجمعة أو الجماعة إذا كان ممن وجبت عليه وليس بآت بها في طريقه؛ لأن إعارته والحالة هذه إعانة على معصية الله، قال الله تعالى: {وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}، ويحرم إعارة شيشة لمن يشرب بها دخانًا ويحرم إعارة مكينة أو موسى لمن يحلق بها لحيته، ويحرم إعارة الصور وتقدم الأدلة الدالة على تحريمها، ويحرم إعارة دماميم وهي الطول المستعملة في الغناء لما تقدم، ويحرم إعارة مسجل ليسجل به الغناء المحرم، ويحرم إعارته لاستمتاع ما سجل به من الأغاني المحرمة.
عن عبد الرحمن بن غنم قال: حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري سمع نبي الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف» أخرجه البخاري، وفي لفظ: «ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير» رواه ابن ماجه، وعن عمران بن حصين أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف»، فقال رجل من المسلمين: يا رسول الله، ومتى ذلك؟ قال: «إذا ظهرت القينات والمعازف وشربت الخمور» رواه الترمذي، وفي حديث أبي هريرة: «وظهرت القيان والمعازف وشربت الخمور، ولعن آخر هذه الأمة أولها فليرتقبوا عند ذلك ريحًا حمراء وزلزلة وخسفًا ومسخًا وقذفًا وآيات تتابع كنظام انقطع سلكه فتتابع» رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن غريب.
وعن أبي أمامة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «تبيت طائفة من أمتي على أكل وشرب ولهو ولعب، ثم يصبحون قردة وخنازير ويبعث الله على أحياء من أحيائهم ريحًا فتنسفهم كما نسف من كان قبلكم باستحلالهم الخمور وضربهم بالدف واتخاذهم القينات» رواه أحمد، وعن أبي أمامة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله بعثني رحمة وهدى للعالمين وأمرني أن أمحق المزامير والكبارات -يعني البرابط والمعازف- والأوثان التي كانت تعبد في الجاهلية» رواه أحمد.
ويحرم إعارة إناء نقد ذهب أو فضة، ويحرم إعارة سلاح في فتنة، وإعارة دابة وسيارة ودراجة ودبابة لمن يؤدي عليها محرمًا، ويحرم إعارة دار أو دكان أو حجرة أو نحو ذلك لمن يفعل فيها معصية أو لمن يتخذها كنيسة أو يشرب فيها مسكرًا أو دخانًا أو شيشة أو للمغنين أو المطربين أو لحلاق اللحى ورؤوس النساء، وتحرم إعارة البضع؛ لأنه لا يباح إلا بملك اليمين أو نكاح، وتحرم إعارة أمة جميلة لرجل غير محرم وإن كانت إعارتها لصبي أو امرأة أو محرم جاز؛ لأنه مأمون عليها، وتحرم إعارة امرأة جميلة.
وقديمًا قيل: لا يأمنن على النساء أخ أخًا ما في الرجال على النساء أمينُ حُرُّ الرجال وإنْ تَعَفَّفَ جُهْده لابُدَّ أنَّ بِنظرة سَيَخُونُ
وقال القحطاني: لا تَخْلُ بامرأة لَدَيْكَ بريْبَةٍ لو كُنْتَ في النُّسَاك مِثلَ بَنَانِ إنَّ الرجَال الناظرينَ إلى النسا مثلُ الكِلابِ تطُوفُ باللُّحْمَانِ إن لم تصُنْ تلكَ اللحُّومَ أسُودُها أكِلتْ بلَا عَوضٍ ولا أثمان
وتحرم إعارة أمرد لغير مأمون كما تحرم إجارتهما للعزاب الذين لا نساء لهم من قرابات ولا زوجات لما فيه من التعرض للخلوة بالأجنبية، وتحرم الخلوة بالأجنبيات كغير المعارة؛ لما ورد عن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يبتن رجل عند امرأة ثيب إلا أن يكون ناكحًا أو ذا محرم» رواه مسلم، وعن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إياكم والدخول على النساء»، فقال رجل: يا رسول الله، أرأيت الحمو؟ قال: «الحمو الموت» متفق عليه.
ويحرم النظر إلى الأجنبية لغير حاجة شرعية، وكذا الأمرد، ويحرم أن تعار الأمة للاستمتاع بها في وطء ودواعيه؛ لأنه لا يباح إلا بملك اليمين أو بالنكاح؛ فإن وطئ المستعير الأمة المعارة مع العلم بالتحريم، فعليه الحد لانتفاء الشبهة إذن، وكذا هي يلزمها الحد إن طاوعته عالمة بالتحريم وولده رقيق تبعًا لأمه ولا يلحقه نسبه؛ لأنه ولد زنا وإن كان وطئ جاهلًا بأن اشتبهت عليه بزوجته أو سريته أو جهل التحريم لقرب عهده بالإسلام فلا حد عليه؛ لحديث: «أدرأوا الحدود بالشبهات».
وكذا لا حد عليها إن جهلت أو أكرهت وولده حر ويلحق به للشبهة وتجب قيمته يوم ولادته على المستعير للمالك؛ لأنه فوته عليه باعتقاده الحرية ويجب مهر المثل وأرش البكارة في وطئه عالمًا أو جاهلًا ولو مطاوعة؛ لأن المهر للسيد فلا يسقط بمطاوعة الموطوءة إلا أن يأذن السيد في الوطء فلا مهر ولا أرش ولا فداء للولد؛ لأنه أسقط حقه بإذنه، وأما إعارة الأمة للخدمة فإن كانت برزة أو شوهًا، والشوهاء العابسة الوجه القبيحة المنظر.
قال الشاعر: اكْرِمْ بشَوْهَاء مَا همَّتْ بفَاحِشَةٍ غَدَتْ على الغَزْل لَيْسَتْ تَعْرِفُ الغَزَلَا
وقال الحطيئة: أرى ثَمَّ وَجْهًا شَوَهَ اللهُ خَلْقَهُ فُقُبَّح مِن وَجْهٍ وقُبِّحَ حَامِلُه
ويقال أيضًا:
شوهاء للمليحة الحسناء. وروي عن منتج بن نبهان قال: امرأة شوهاء رائعة الحسن، وفي الحديث: «بينا أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا امرأة شوهاء إلى جنب قصر، فقلت: لمن هذا القصر؟ قالوا: لعمر».
وقال الشاعر: وبِجَارَتِي شَوْهَاءَ تَرْقُبُنِي وَحَمًا يظل بمنبذ الحِلْس
والبرزة من النساء: المرأة تبرز للقوم يجلسون إليها ويتحدثون عنها وهي مع ذلك عفيفة عاقلة، ويقال: برزة موثوق برأيها وعفافها، وقال في «النهاية»: وفي حديث أم معبد وكانت برزة تحتبي بفناء القبة، يقال: امرأة برزة إذا كانت كهلة لا تحتجب احتجاب الشواب، وهي مع ذلك عفيفة عاقلة تجلس للناس وتحدثهم من البروز، وهو الظهور والخروج، فإعارتها إذا كانت برزة وشوهاء جائزة فلسيدها أن يعيرها مطلقًا للأمن عليها، والذي تميل إليه النفس المنع من ذلك، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وتكره إعارة أصله كأبيه وأمه وجده وجدته وإن علوا لخدمته؛ لأنه يكره للولد استخدام أحدهم فكرهت استعارته، والذي تميل إليه نفسي التحريم، والله أعلم.
ووجه ذكرها بعد الإجارة؛ لأن كلًا منهما استيفاء منفعة ولاتحاد شرط ما يؤجر وما يعار؛ ولذا قيل: كل ما جازت إجارته جازت إعارته. واستثنى من ذلك بعض الفروع، من محاسن العارية أنها إحسان إلى من تحققت حاجته غالبًا وقصرت قدرته لقصور يده عن ملك العين فلا يمكن قضاء حاجته بالعين؛ لعدم الملك لها ولا بالإجارة لعدم الأجرة، وربما كان مضطرًا. وقد حث الله على الإحسان وأخبر أنه يحب المحسنين. أولاً: هي نوع من الإحسان. ثانيًا: أنه إحسان مع بقاء العين للإنسان. ثالثًا: أن الإعارة سبب لتآلف بين المسلمين وسبب لمحبة بعضهم لبعض. رابعًا: أنها سبب لصيانة غيره مما ابتلى به من ملك اليمين. خامسًا: أن المستعير بعيد عن الكبر والعجب. سادسًا: أنها خلف عن الهبة فإذا لم يسامحه بتمليك العين سامحه بتمليك المنفعة. سابعًا: ربما كانت سببًا لبذلها للمستعير دوامًا وذلك بتمليكه لها. ثامنًا: الخروج عن من ذمهم الله جل وعلا بقوله: {وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ} فقد روي عن ابن عباس وابن مسعود -رضي الله عنهم- قال: العواري، وفسرها ابن مسعود، قال: القِدر والميزان والدلو. تاسعًا: البعد عن البخل والشح. عاشرًا: مخالفة المجوس واليهود، فالمجوس أحرص الناس على حطام الدنيا فلحرصهم لا يتصدقون ولا يعيرون، واليهود أخس طبيعة ولازمهم البخل لزوم الظل للشمس فلخساستهم ونذالتهم ورذالتهم وسائر خصالهم الذميمة لا يرون ذلك إحسانًا، عصمنا الله تعالى وجميع المسلمين من سفساف الأمور وشح الصدور.
71- الرجوع في العارية وما حول ذلك من المسائل س71: تكلم بوضوح عما يلي: الرجوع في العارية من نحو إناء أو سفينة، الرجوع في الإعارة للأرض قبل دفن الميت، الرجوع في الزرع قبل أوان الحصاد، إذا سقط الخشب عن الحائط المعار فهل يعاد، إذا حدد وقت العارية ومضى الأمد فهل له الانتفاع أم لابد من إذن جديد، ووضع ما يترتب على ذلك وحكم ما إذا كانت الإعارة مطلقة أو مقيدة وفيما إذا أعار أرضًا لغرس أو بناء وشرط قلعه بوقت أو حال رجوع، وهل يلزم تسوية الحفر؟ وضح ذلك واذكر ما يترتب عليه واذكر المحترزات والشروط والأدلة والتعليلات والخلاف والترجيح.
ج: يصح رجوع معير في عارية ولو قبل أمد عينه؛ لأن المنافع المستقبلة لم تحصل في يد المستعير؛ لأنها تستوفي شيئًا فشيئًا، فكلما استوفى شيئًا فقد قبضه والذي لم يستوفه لم يقبض فجاز الرجوع فيه كالهبة قبل القبض.
وجائزٌ توقيتُها إلى أجَلْ كذ الرجُوعُ قبل أن يُقْضَي الأجَلْ
إلا أن يأذن المعير في شغل المعار بشيء في حال يستضر المستعير برجوع المعير في العارية فلا يصح رجوعه لما فيه من الضرر فمن أعار سفينة لحمل أو لوحًا لرفع سفينة فرفعها به وولج في البحر، فليس له الرجوع في العارية والمطالبة في السفينة ما دامت في اللجة حتى ترسي؛ لما فيه من الضرر، وكذا لو أعاره طائرة أو آلة من آلاتها فما دامت في الجو تطير متوجهة فليس له الرجوع فيها ولا في الآلة التي يخل أخذها بها حتى تقع، فإذا وقعت فله الرجوع وله الرجوع في السفينة المعارة قبل دخولها البحر؛ لانتفاء الضرر وله الرجوع في الطائرة قبل أن تطير لانتفاء الضرر، وليس لمن أعار أرضًا للدفن الرجوع حتى يبلى الميت ويصير رميمًا؛ لما فيه من هتك حرمته.
وقال المجد في «شرحه»: بأن يصير رميمًا، ولم يبق شيء من العظام في الموضع المستعار، وللمعير الرجوع قبل الدفن لانتفاء الضرر ولا أجرة على مستعير منذ رجع المعير إلى زوال الضرر عن المستعير حيث كان الرجوع يضر به إذن ولا إذا أعار لغرس أو بناء، ثم رجع إلى حين تملكه بقيمته أو قلعه مع ضمان نقصه أو بقائه إذا أبى المعير ذلك إلى أن يتفقا ويأتي إن شاء الله تعالى؛ لأنه لا يملك الرجوع في عين المنفعة فيما إذا أضر بالمستعير إذن فلا يملك طلب بدلها كالعين المرهونة؛ ولأنه فيما إذا لم يأخذ الغرس أو البناء بقيمته أو يقلعه مع ضمان نقصه كان إبقاؤه في أرضه من جهته فلا يملك طلب المستعير بالأجرة كما قبل الرجوع إلا في الزرع إذا رجع المعير قبل أوان حصاده وهو لا يحصد قصيلًا؛ فإن له أجرة مثل الأرض المعارة من حين رجع إلى حين الحصاد لوجوب تبقيته في أرض المعير إلى أوان حصاده قهرًا عليه؛ لكونه لم يرض بذلك بدليل رجوعه، ولأنه لا يملك أن يأخذ الزرع بقيمته؛ لأن له أمدًا ينتهي إليه وهو قصير بالنسبة إلى الغرس فلا داعي إليه ولا أن يقلعه ويضمن نقصه؛ لأنه لا يمكن نقله إلى أرض أخرى بخلاف الغرس وآلات البناء؛ لأن المستعير إذا اختار قلع زرعه ربما يفوت المالك الانتفاع بأرضه في ذلك العام فيحصل له بذلك ضرر فيتعين أن يبقى بأجرة مثله إلى حصاده جمعًا بين الحقين، ولا يرجع معير دابة أو سيارة لعاجز عن المشي صار ببرية منقطعة؛ لأن رجوعه يضر بالمستعير والضرر يزال كمن أعار سفينة وصارت في لجة البحر، وأراد أخذها قبل أن ترسي فيمنع من ذلك إزالة لضرر المستعير، وإن دفن ميت في أرض معارة وأخرجه سبع أو نحوه، فقيل: لا يعاد في محله في الأرض المعارة بلا إذن صريح من مالك؛ لأن عقد العارية انقضى بتفريغ المعارة فلا تشغل ثانيًا بدون إذن مالكها، ومن أعار ثوب صلاة عريانًا بعد الشروع فيما يمنع المعير من الرجوع في الثوب قبل [غير واضح بالأصل] كإعارة جدار لحمل أطراف خشب عليه لمحتاج إلى تسقيف ولم يمكن التسقيف إلا بوضع خشبه على جدار جاره ولا ضرر فوضع الخشب وبنى عليه أو أعار حائط لتعلية سترة عليه وبنيت السترة ولم يتضرر رب الحائط، فإنه يمنع المعير من الرجوع ما دام الخشب أو بناء السترة عليه؛ لما فيه من الضرر على المستعير، ولأن العارية وقعت لأزمة ابتداء.
وإن قال: أنا أدفع إليك ما ينقص بالقلع لم يلزم المستعير ذلك؛ لأنه إذا قلعه انقطع ما في ملك المستعير منه ولا يجب على المستعير قلع شيء من ملكه بضمان القيمة، وللمعير الرجوع في حائطه قبل وضع الخشب وبعد وضعه قبل أن يبني عليه لانتفاء الضرر، فإن خيف سقوط الحائط بعد وضع خشب عليه لزم إزالته؛ لأنه يضر بالمالك، والضرر لا يزال بالضرر، وإن لم يخف على الحائط السقوط؛ لكن استغنى المستعير عن إبقاء الخشب عليه لم يلزم المستعير إزالته لما فيه من الضرر وإن سقط الخشب عن الحائط المعار لوضعه أو سقطت السترة لهدم الجدار أو غير الجدار كما لو سقط الخشب عن الحائط أو السترة مع بقاء الحائط لم يعد الخشب ولا السترة؛ لأن العارية ليست بلازمة وإنما امتنع الرجوع قبل السقوط؛ لما فيه من الضرر بالمستعير بإزالة المأذون في وضعه، وقد زال إلا بإذن المعير أو عند الضرورة بأن لا يمكن التسقيف إلا به إن لم يتضرر الجدار سواء أعيد الحائط بآلته الأولى أو أعيد بغيرها؛ لأن العارية لا تلزم، ومن أعار حجرًا بنى عليه إعارته مدة مؤقتة ثم انقضت يخير المعير بين أخذه أو أخذ قيمته إلا إذا كان في قلعه ضرر فيبقى إلى أن يسقط بنفسه أو يخرجه المستعير قياسًا على الجدار.
ومدة الإعارة إما مطلقة وإما مقيدة؛ فإن أطلقها المعير فلم يقيدها بزمن فللمستعير أن ينتفع بالعارية ما لم يرجع، وإن وقتها المعير فللمستعير أن ينتفع بالعارية ما لم يرجع المعير أو ينقضي الوقت، فإذا انقضى الوقت امتنع عليه الانتفاع إلا بإذن جديد لإنتهاء مدة الإعارة؛ فإن كان المعار أرضًا وانقضت مدة الإعارة لم يكن للمستعير أن يغرس ولا يزرع بعد الوقت الذي حدث به الإعارة أو بعد الرجوع في الإعارة وإن فعل شيئًا من ذلك فحكمه حكم الغاصب على ما يأتي تفصيله، ومن أعير أرضًا لغرس أو بناء وشرط المعير على المستعير قلعه أي الغراس أو البناء بوقت عينه له أو شرط القلع حال رجوع ثم رجع المعير لزم المستعير قلع ما غرسه أو بناه عنده أي عند الوقت الذي ذكره أو عند رجوع المعير وظاهره وإن لم يؤمر أي ولو لم يأمره المعير بالقلع؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «المؤمنون على شروطهم» قال في «الشرح»: حديث صحيح، ولأن المستعير داخل في العارية بالتزام الضرر الذي دخل عليه ولا يلزم رب الأرض نقص الغراس والبناء ولا يلزم المستعير تسوية الأرض إذا حصل فيها حفر بلا شرط المعير على المستعير ذلك لرضاه بذلك حيث لم يشترط على المستعير، فإن شرطه عليه لزمه لدخوله على ذلك وحيث لا شرط من المعير قلع غرسه وبناؤه بوقت أو رجوع ولم يلزم المستعير القلع إلا أن يضمن له المعير النقص لمفهوم قوله –عليه الصلاة والسلام-: «ليس لعرق ظالم حق» والمستعير إنما حصل غراسه أو بناؤه في الأرض بإذن ربها ولم يشترط عليه قلعه فلم يلزمخ لدخول الضرر عليه بنقص قيمة ذلك؛ ولأن العارية عقد إرفاق ومعونة وإلزامه وإلزامه بالقلع مجانًا يخرجه إلى حكم العدوان والضرر، ومتى أمكن القلع من غير نقص أجبر عليه المستعير ولو قلع المستعير غراسه وبناءه باختياره سوى الأرض من الحفر وجوبًا؛ لأنها حصلت بفعله لتخليص ماله من ملك غيره من غير إلجاء أشبه المشتري إذا أخذ غرسه أو بناءه من المشفوع ومتى لم يمكن قلعه بلا نقص وأباه مستعير في الحال التي لا يجبر فيها بأن كان عليه ضرر ولم يشترط عليه فللمعير أخذ الغراس أو البناء قهرًا بقيمته كالشفيع ما لم يختر مستعير قلعه وتفريغ الأرض في الحال وإن قال مستعير: أنا أدفع قيمة الأرض لتصير لي لم يلزم المعير؛ لأن الغراس والبناء تابع للأرض ولذلك يتبعها الغراس والبناء في البيع ولا تتبعهما فيه، ولمعير قلع الغراس والبناء جبرًا ويضمن المعير نقصه؛ لأن في ذلك دفعًا لضرره وضرر المستعير وجمعًا بين الحقين ومؤنة القلع على المستعير كالمستأجر وليس لمستعير إبقاء البناء والغراس بالأجرة ما لم يرض المعير؛ فإن رضي بإبقائه بالأجرة جاز؛ لأن الأرض ملكه وله التصرف بها كيف شاء كما لو غرس أو بنى مشتر أرضًا، ثم فسخ عقد البيع بنحو عيب وجده المشتري بالأرض كأن وجدها سبخة أو مأوى للصوص أو فسخ العقد بتقايل فلرب الأرض تملك الغراس أو البناء بقيمته قهرًا أو قلعه وضمان نقصه للمشتري، وكما في إنسان بائع أرضًا من مفلس فغرس فيها أو بنى ثم رجع بائع الأرض، فللمفلس والغرماء القلع فإن أبوا القلع وطلب البائع التملك بالقيمة ملكه، وكذا إذا طلب القلع مع ضمان النقص، وكما لو اشترى مشتر أرضًا بعقد فاسد وغرس فيها أو بنى ثم ردت إلى ملكها فللغارس قلع غراسه؛ فإن أبى القلع فلرب الأرض تملكه بالقيمة أو القلع، ويضمن النقص وما ذكر من التملك والقلع ما لم يرض المعير والمستعير بإبقاء البناء أو الغراس في الأرض المعارة المؤجرة؛ لأن الحق لهما لا يعدوهما فإن أجريا عقد الإجارة صح من حينئذ ولا أجرة لما مضى. فإن أبى معير الأخذ بالقيمة والقلع مع ضمان النقص لم يجبر عليه، وكذا لو امتنع مستعير من دفع أجرة الغراس والبناء ومن القلع لم يجبر عليه، وبيعت أرض بما فيها من غرس أو بناء عليها إن رضي المعير والمستعير أو رضي به أحدهما ويجبر الآخر بطلب من رضي؛ لأنه طريق لإزالة المضارة وتحصيل مالية كل منهما، وإذا بيعا دفع لرب الأرض من الثمن قيمتها فارغة من الغراس والبناء ودفع الباقي من الثمن للآخر وهو رب الغراس أو البناء ولكل من رب أرض وغراس وبناء بيع ماله منفردًا من صاحبه وغيره ويكون مشتر كبائع فيما تقدم، فيقوم المشتري لشيء من ذلك مقام البائع فمشتري الأرض بمنزلة المعير ومشتر الغراس والبناء بمنزلة المستعير على التفصيل السابق، وكذا الإجارة وإن أبى المعير والمستعير البيع ترك الغراس والبناء بحاله واقفًا في الأرض حتى يصطلحا؛ لأن الحق لهما والأجرة على المستعير من حين رجوع معير به نظير بقاء غرس وبناء في معارة ما دام الأمر موقوفًا ولا أجرة أيضًا للمعير في سفينة في لجة بحر ولا أجرة له من حين رجوع في أرض أعارها لدفن قبل أن يبلى؛ لأن بقاء هذه بحكم العارية فوجب كونه بلا أجرة كالخشب على الحائط، ولأنه لا يملك الرجوع في عين المنفعة المذكورة لإضراره بالمستعير إذن فلا يملك طلب بدلها كالعين الموهوبة وكعارية شقص بيع بعقد فاسد إذا غرس فيه المشتري أو بنى حكمه حكمها فلا يملك البائع قلعه من غير ضمان نقصه لتضمنه إذًا قاله في «الإنصاف» و«المحرر»، ولا أجرة له وله تملك بالقيمة كغرس المستعير لا ما استؤجر بعقد فاسد، فإن حكمه حكم المأجور بعقد صحيح من أنه يلزم المستأجر أجرة المثل مدة وضع يده عليه، ولمعير مع تبقية الغراس والبناء الانتفاع بأرضه؛ لأنه يملك عينها ومنفعتها على وجه لا يضر بما فيها من غرس المستعير وبنائه لاحترامهما بإذن المعير في وضعهما ولمستعير غرس الأرض الدخول لسقي الغراس والزرع وله الدخول لإصلاح ولأخذ ثمر؛ لأن الإذن في فعل شيء إذن فيما يعود بصلاحه، ولا يجوز لمستعير الدخول لغير حاجة كتفرج وكمبيت فيها؛ لأن لا يعود بصلاح ماله؛ لأنه ليس بمأذون فيه نطقًا ولا عرفًا وهذا فيما إذا كانت محوطة، فإنه ممنوع منه إذ غير المحوطة لا يمنع داخلها لتفرج ونحوه إن لم يضر بها، فإن أضر منع وإن كانت البساتين مغلقة الأبواب محوطة فيحرم الدخول بدون إذن وكذا إذا كانت منظورة؛ لأن التحويط علامة على عدم الإذن في الدخول.
وإن غرس مستعير أو بنى فيما استعاره بعد رجوع معير فغاصب أو غرس أو بنى بعد أمد العارية المؤقتة ولو لم يصرح بعده بالرجوع فغاصب؛ لأن الإذن في الإنتفاع إذا وقت بزمن تقيد به، وكذا إذا جاوز مستعير دابة أو سيارة مسافة قدرت فغاصب لتصرفه في مال غيره بغير إذنه أشبه ما لو قهره على ذلك لزوال الإعارة بالرجوع وبانتهاء وقتها إذا قيدت.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 6:02 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الخامس الثلاثاء 15 ديسمبر 2015, 4:33 pm | |
| 72- مسائل تتعلق في مدة الإعارة ونفع الإعارة وضمانها والتصرف فيها س72: تكلم بوضوح عن أحكام ما يلي: مَن القول قوله في مدة الإعارة، ما يترتب على ذلك، من حمل السيل إلى أرضه، بذر غيره أو غراسه أو نواه فنبت أو حمل أرضًا بغراسها إلى أرض أخرى وبمن يقاس المستعير في استيفاء النفع، ما يترتب على ذلك من أحكام، وأمثلة حكم، تعيين نوع الانتفاع، السفر بالدابة أو السيارة المستعارة، إعارة ما استعير أو إجارته إذ ترتب على ذلك تلف، ومتى تضمن العارية، وإذا اشترط نفي ضمانها فما الحكم؟ وهل الموقوف في الضمان كغيره؟ وهل غير المنقول كالمنقول؟ وما الذي لا يضمن من العواري؟ واذكر الدليل والتعليل والشروط والمحترزات والتفاصيل والخلاف والترجيح.
ج: يقبل قول مالك في مدة بأن قال المالك: أعرتكها سنة، فقال المستعير: بل سنتين، فقول مالك؛ لأن الأصل عدم الإعارة في الزائد، وكذا إذا قال: أعرتكها لتركبها أو تحمل عليها إلى فرسخ، فقال: بل إلى فرسخين، فالقول قول المالك؛ لأنه منكر لإعارة الزائد والأصل عدمها، كما لو أنكر الإعارة من أصلها ويلزم المستعير أجرة مثل لقدر زائد على مدة أو مسافة فقط لحصول التعدي في الزائد دون ما قبله ومن حَملَ سيلٌ إلى أرضه بذْرَ غيره فنبت فيها، فالزرع لرب البذر وليس للمالك قلعه ولا يملكه، بل يبقى إلى الحصاد لعدم عدوان ربه وإن كان يحصد قصيلًا حصد وعلى ربه عن بقائه أجرة المثل؛ لأن إلزام رب الأرض تبقية زرع لم يأذن فيه في أرضه بغير أجرة إضرار به فوجب أجر مثل كما لو انقضت مدة الإجارة، وفي الأرض زرع بغير تفريطه، ولا يجبر رب الزرع على قلعه وإن أحب مالكه قلعه فله ذلك وعليه تسوية الحفر ونقصها؛ لأنه أدخل النقص على ملك غيره لاستصلاح ملكه وحملُ السيل لغراسٍ أو نوىً أو جوزٍ أو لوز أو فستُقٍ إلى أرض غيرٍ مالك ذلك فينبت في الأرض التي حمله السيل إليها، فالحكم كالعارية لربِّ الأرض تملكه بقيمته أو قلعه مع ضمان نقصه ولا يقلعه مجانًا؛ لعدم عدوان ربه ومثله لو غرس مشتر شقصًا مشفوعًا فأخذه الشفيع فله أخذه بقيمته أو قلعه مع ضمان نقصه إلا أن رب الغراس إن اختار قلعه فلا يجب عليه أن يسوي الحفر التي حصلت بسبب غرسه ولا عليه أن يضمن نقصًا حصل في الأرض بسبب قلع لحصول الغرس في ملك غيره بغير تفريط منه ولا عدوان وإن حمل السيل أرضًا بغراسها إلى أرض أخرى فنبت كما كان قبل نقله فهو لمالكه لعدم ما ينقل الملك فيه ولا يجبر رب أرض محمولة بشجرها على إزالة الشجر؛ لأنه ملكه وما تركه مالكه لرب الأرض المنتقل إليها من زرع أو غرس أو نوى أو نحوه وليس على التارك لذلك أجرة ولا يلزمه نقله لحصوله بلا تفريط ولا عدوان وإن شاء محمول إليه الغرس أخذه لنفسه بقيمته أو قلعه وضمن نقصه؛ لأن الخيرة له في ذلك ومستعير في استيفاء نفع من عين معارة بنفسه أو نائبه كمستأجر فله أن ينتفع بنفسه وبمن يقوم مقامه لملكه التصرف فيها بإذن مالكها، فإن أعارها أرضًا للغراس والبناء أو لأحدهما فله ذلك وله أن يزرع ما شاء؛ لأن الضرر أخف وإن استعارها للزرع لم يغرس ولم يبن؛ لأنهما أكثر ضررًا وإن استعارها للغرس أو البناء فليس له الآخر؛ لأن ضررهمنا يختلف وكمستأجر أيضًا في أنه يملك استيفاء نفع بعينه، ومثل النفع ضررًا فما دون النفع في الضرر من نوعه، فإذا أعاره لزرع البر فله زرعه وزرع شعير؛ لأنه دونه لا ما فوقه ضررًا كدخن وذرة وإذا أعاره لركوب لم يحمل وعكسه، وكذا إن أذن له في زرع مرة لم يكن له أن يزرع أكثر منها وإن أذن في غرس شجرة فانقلعت لم يملك غرس الأخرى؛ لأن الإذن اختص بشيء لم يجاوزه؛ فإن زرع أو غرس أو بنى ما ليس له زرعه أو غرسه أو بناءه فكغاصب؛ لأنه تصرف بغير إذن المالك، ولا يشترط للإعارة تعيين نوع الانتفاع؛ لأنها عقد جائز فلا أثر للجهالة فيه للتمكن من قطعها بالفسخ بخلاف الإجارة.
فلو أعير إنسان عينًا ولم يبين له نوع الانتفاع بها ملك المستعير الانتفاع بها بالمعروف في كل ما صلحت له عرفًا كأرض مثلًا تصلح لغرس وزرع وبناء وغيره فله الانتفاع بها في أي ذلك أراد وما كان غير صالح له وإنما يصلح لجهة واحدة كثوب للبس وبساط لفرش فالإطلاق فيه كالتقييد لتعيين نوع الانتفاع بالعرف فيحمل الإطلاق عليه وللمستعير استنساخ الكتاب المعار، وله دفع الخاتم المعار إلى من ينقش عليه له مثاله؛ لأن المنافع واقعة له فهو كالوكيل واستعارة دابة أو سيارة لركوب لا يستفاد سفر بها؛ لأنه ليس مأذونًا فيه نطقًا ولا عرفًا ولا يعير مستعير ولا يؤجر المعار ولا يرهنه إلا بإذنه لا يملك المنفعة فلا يصح أن يبيعها ولا يبيحها بخلاف مستأجر ولا يودع المعار وليس له أن يرهنه بغير إذن مالكه وله ذلك بإذنه ولا يضمن مستأجر من المستعير مع الإذن من المعير إذا تلفت العين عنده بلا تفريط كالمستأجر من ربها، وإذا أجر المستعير العارية بإذن المعير فلا أجرة لربها؛ لأنه بدل ما يملكه من المنافع، وإنما يملك الانتفاع، فإن خالف المستعير بأن أعار المعار بلا إذن المعير فتلفت العارية عند المستعير الثاني ضمن مالك العين أيهما شاء، أما الأول فلأنه سلط عليها غيره على أخذ مال غيره بغير إذنه أشبه ما لو سلط على مال غيره دابة فأكلته، وأما الثاني فلأن العين والمنفعة فأتا على مالكها في يده والقرار في الضمان على الثاني؛ لأنه المستوفي للمنفعة بدون إذن المالك وتلف العين إنما حصل تحت يده ومحل ذلك إن علم الثاني الذي هو المستعير من المستعير بالحال بأن للعين مالكًا لم يأذن في إعارتها، وكذا لو أجرها بلا إذنه وإن كان الثاني غير عالم بالحال، بل ظنها ملك للمعير له ضمن العين فقط فيما تضمن فيه لدخوله على ضمانها بخلاف ما لا تضمن كأن تلفت فيما أعيرت له أو أركبها منقطعًا، ولم تزل يده عليها فلا ضمان على الثاني؛ لأنها غير مضمونة عليه لو كان المعير مالكًا فكذلك مع عدم العلم بأن المعير مستعير ويستقر ضمان المنفعة على المستعير الأول؛ لأنه غر الثاني بدفعها له على أن يستوفي منافعها بغير عوض وعكس ذلك لو أجرها لغير عالم بالحال فيستقر على المستأجر ضمان المنفعة وعلى المستعير ضمان العين والعواري المقبوضة فرط أو لم يفرط، وروي عن ابن عباس وأبي هريرة لما روى الحسن عن سمرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «على اليد ما أخذت حتى تؤديه» رواه الخمسة وصححه الحاكم؛ ولحديث صفوان بن أمية أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استعار منه درعًا يوم حنين، فقال: أغصبًا يا محمد؟ قال: «بل عارية مضمونة» رواه أبو داود، وأشار أحمد إلى الفرق بين العارية والوديعة بأن الوديعة أخذتها اليد والوديعة دفعت إليك، ولأنه أخذ ملك غيره لنفع نفسه منفردًا من غير استحقاق ولا إذن في الإتلاف فكان مضمونًا كالغصب وقاسه في المعنى والشرح على المقبوض على وجه العموم.
فيضمنها المستعير بقيمة متقوم يوم تلف: ثم الضمانُ لِلْمُعَارِ يُعرفُ بما يُساوِي عَيْنَه إذْ تتلفُ
ولأنه حينئذ يتحقق فوات العارية فوجب إعتبار الضمان به إن كانت متقومة، والمراد بيوم التلف وقته ليلًا أو نهارًا ومثل مثليه، كصنجة من نحاس لا صناعة بها استعارها ليزن بها فتلفت فعليه مثل وزنها من نوعها؛ لأنه أقرب إليها في القيمة، ولو شرط نفي ضمانها فيلغوا الشرط ولا يسقط ضمانها؛ لأن كل عقد اقتضى الضمان لم يغيره الشرط كالمقبوض ببيع فالشرط فاسد وكل ما كان أمانة لا يزول عن حكمه بشرط ضمان كالوديعة والرهن أو كان مضمونًا لا يزول عن حكمه بالشرط؛ لأن شرط خلاف مقتضى العقد فاسد، وذكر الحارثي: لا يضمن، وذكره الشيخ تقي الدين –رحمه الله- عن بعض الأصحاب، واختاره ابن القيم في «الهدي»، وعن أحمد أنه ذكر له ذلك، فقال: المسلمون على شروطهم، فيدل على نفي الضمان بشرطه، فهذه رواية يضمن إن لم يشترط نفي الضمان وعنه يضمن إن شرطه وإلا فلا، اختاره أبو حفص العكبري والشيخ تقي الدين وصاحب «الفائق»، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس، والله سبحانه وتعالى أعلم؛ لكن لا يضمن موقوفًا على جهة بر كعلي الفقراء وككتب علم وسلاح موقوف على غزاة إذا استعارها لينظر فيها أو ليلبسها عند قتال كفار فتلفت بلا تعد ولا تفريط لم يضمنها المستعير، ولعل وجه عدم ضمانها لكون قبضها على وجه يختص المستعير بنفعه لكون تعلم العلم وتعليمه والغزو من المصالح العامة أو لكون الملك فيه ليس لمعين أو لكونه من جملة المستحقين له أشبه ما لو سقطت قنطرة موقوفة بسبب مشيه عليها. اهـ.
وإذا كان الوقف على شخص معين وتلف ضمنه مستعيره كالطلق وحيوان موصى بنفعه تلف بعد قبضه عند موص له فلا يضمنه إن لم يفرط؛ لأن نفعه مستحق لقابضه، وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ليس على المستعير غير المغل ضمان» أجيب عنه بأنه يرويه عمرو بن عبد الجبار عن عبيد بن حسان عمرو بن شعيب وعمرو وعبيد ضعيفان، قاله الدارقطني، وعلى تقدير صحته فالجواب عنه من وجهين، أحدهما: أنه محمول على ضمان الأجزاء التالفة بالاستعمال وإن كان تخصيصًا فلما عارضه من الأخبار المخصصة له، والثاني: أن المغل في هذا الموضع ليس بمأخوذ من الجناية والغلول، وإنما مأخوذ من استغلال الغلة، يقال: هذا غل فهو مغل إذا أخذ الغلة فيكون معنى الخبر لا ضمان على المستعير غير المتنقل: أي غير القابض؛ لأنه بالقبض يصير مستغلًا ومرادهم ما لم يكن المعير مستأجرًا للعين المعارة، فإن المستعير لا يضمنها بتلفها عنده من غير تعد ولا تفريط، اهـ. من «الغاية وشرحها» بتصرف، وحكم كتب العلم والسلاح والحيوان الموصى بنفعه حكم عوار غير منقول كعقار من دار ونحوها خسف به وذهب في الأرض أو هدم بنحو صاعقة أو برد أو ثلج أو زلزلة فلا يضمن من تلف في يده لعدم تفريطه، ولو أركب إنسان دابته شخصًا منقطعًا لله تعالى فتلفت الدابة تحته، ولم ينفرد بحفظها لم يضمن؛ لأن المالك هو الطالب لركوبه تقربًا إلى الله تعالى كرديف رب الدابة، قلت: ومثله لو أركب إنسان آخر سيارته أو دبابه أو سيكله فخربت تحته أو خرب فيها شيء أو ضاع شيء من آلات بلا تعد منه ولا تفريط فلا ضمان عليه، ومثله الرائض وهو الذي يركب الدابة ليعلمها السير إذا تلفت تحته وهو بعرف كثير من الناس الذي يَعْسِفُ الدابة فلا ضمان عليه إذا تلفت تحته؛ لأنه أمين، وكوكيل؛ لأنه ليس بمستعير وكتغطية ضيقه بلحاف فاحترق عليه لم يضمن؛ لعدم عدوانه، وكذا لو أركب إنسان توددًا ولم ينفرد بحفظها فتلفت بلا تعد ولا تفريط فلا ضمان على ذلك الشخص؛ لأنه لا فرق بينه وبين المنقطع بجامع أن كلًا منهما لم يتعرض للطلب وإنما أركبه المالك من قبل نفسه، ومن قال لرب دابة أو سيارة أو دبابة: لا أركب إلا بأجرة، فقال له ربها: ما آخذ أجرة ولا عقد بينهما وأخذها فهي عارية تثبت لها أحكام العارية؛ لأن ربها لم يبذلها إلا كذلك، وكذا إذا استعمل مودع الوديعة بإذن ربها فهي عارية فيضمن ما تلف من ذلك ولا يضمن مستعير ولد عارية سلم معها بتلفه عنده بلا تفريط؛ لأنه لم يدخل في الإعارة ولا فائدة للمستعير فيه أشبه الوديعة، فإن قيل: قد تقدم أن الحمل وقت عقد البيع فعليه هنا يكون معارًا، وفرق بعضهم بينهما بأن العقد في البيع على العين بخلاف العارية، فإنه على المنافع ولا منفعة للحمل يرد عليها العقد ولا يضمن مستعير زيادة متصلة حصلت وحدثت في معارة عنده فتلفت لعدم ورود عقد العاقد عليها ويضمن مستعير زيادة كانت موجودة عند عقد كِسمَنٍ زال عند مستعير لتلفه تحت يده، وهذا إن لم تذهب في الإستعمال بالمعروف أو بمرور الزمان، ولا يضمن مستعير إن بليت العارية أو بلى جزؤها باستعمالها بمعروف كخمل منشفة وطنفسة وهي بساط له خمل رقيق، قلت: ومثل ذلك والله أعلم ليف التغسيل وحديد التغسيل والأسفنج وصوف الجواعد المعارة للاستعمال ونحو ذلك؛ لأن الإذن في الإستعمال تضمن الإذن في الإتلاف الحاصل بالاستعمال وما أذن في إتلافه لا يضمن كالمنافع.
قال العمريطي: والمستعير ضامن في الحال ... إن تلفت في غير الإستعمال
فإن حمل المستعير في القميص ترابًا أو حصى أو حديدًا أو نحوه أو حمل فيه قطنًا فتلف ضمن أو استظل بالبساط من الشمس فتلف ضمنه لتعديه بذلك؛ لأنه استعمل ما استعاره في غير ما يستعمل فيه مثله ويقبل قول مستعير بيمينه في عدم تعديه الاستعمال المعهود بالمعروف؛ لأنه مُنكِرٌ والأصل براءته.
73- رد العارية ومؤنتها والاختلاف فيها س73: تكلم بوضوع عن أحكام ما يلي: رد العارية - تأخير الرد - ما يترتب على ذلك - مؤنة العارية - موضع رد العارية - إذا طالب المستعير في بلد بدابة أو سيارة كان أخذها في بلد آخر - استعارة ما ليس بمال مثالًا وحكمًا - رد العارية إلى زوجة المعير أو ولده أو خازنه أو وكيل عام أو إلى المربط أو إلى الغلام أو إلى البائكة. إذا كانت سيارة من سلم لشريكه نحو دابة أو سيارة أو آنية مشتركة ليحفظها له فتلفت. إذا استعملها، إذا غصبت الدابة أو السيارة أو الدبابة أو الدراجة المستعملة بإذن الشريك، ما يترتب على ذلك، استعمالها في مقابلة علف الدابة، مَن استعار شيئًا ثم ظهر أنه مستحقًا، إذا دفع المعار ثم اختلفا هل هو إجارة أو عارية أو غصب أو وديعة، ما يترتب على ذلك؟ واذكر الدليل والتعليل والشروط والمحترزات والخلاف والترجيح.
ج: يجب على المستعير رد العارية بطلب مالك له بالرد ولو لم ينقض غرضه منها أو يمضي الوقت؛ لأن الإذن هو المسلط لحبس العين وقد انقطع بالطلب، ويجب الرد أيضًا بانقضاء غرض المستعير من العين المعارة؛ لأن الانتفاع هو الموجب للحبس، وقد زال ويجب الرد بانتهاء المدة المؤقتة إن كانت العارية مؤقتة لانتهائها، ويجب بموت أحدهما المعير أو المستعير لبطلان العارية مؤقتة لانتهائها، ويجب بموت أحدهما المعير أو المستعير لبطلان العارية بذلك؛ لأنها عقد جائز من الطرفين، فإن أخّر المستعير الرد فيما ذكر فتلفت العارية ضمن قيمتها مع أجرة مثلها لمدة تأخيره وعلى المستعير مؤنة رد العارية إلى مالكها كمغصوب؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «على اليد ما أخذت حتى تؤديه» وإذا كانت واجبة الرد وجب أن تكون مؤنة الرد على من وجب عليه الرد، كما يجب على المستعير مؤنة أخذ، ولا يجب على المستعير مؤنة العارية من مأكل ومشرب ما دامت عنده، بل على مالكها كالمستأجرة ويلزم المستعير رد العارية إلى مالكها أو وكيله لموضع أخذها منه كالمغصوب إلا أن يتفقا على ردها إلى غيره، ويبرأ بذلك من ضمانها ولا يجب على المستعير أن يحمل العارية للمعير إلى موضع غير الذي استعارها فيه فلو طالب المستعير بالرياض بسيارة أو دابة كان قد أخذها منه بالقصيم، فإن كانت الدابة مع المستعير لزمه دفعها إلى ربها لعدم العذر وإلا تكن معه بالقصيم فلا يلزمه حملها إليها؛ لأن الإطلاق إنما اقتضى الرد من حيث أخذ وإعادة الشيء إلى ما كان عليه فلا يجب ما زاد، وإن استعار ما ليس بمال ككلب مباح الاقتناء أو جلد ميتة مدبوغ أو أخذ حرًا صغيرًا أو مجنونًا أو أبعده عن بيت أهله لزمه الرد ومؤنته؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «على اليد ما أخذت حتى تؤديه ولو مات الحر لم يضمنه» ويبرأ مستعير برد عارية إلى من جرت عادة الود على يده كسائس رد إليه الدابة وخازن وزوجة وسائق المالك لها متصرفين في ماله ووكيل عام في قبض حقوقه فلا يضمن إذا ردها إلى من جرت عادته بجريان ذلك على يده، قال أحمد في الوديعة: إذا سلمها إلى امرأته لم يضمنها؛ لأنه مأذون في ذلك عرفًا أشبه ما لو أذن فيه نطقًا ولا يبرأ مستعير برد الدابة إلى اصطبل أو إلى غلامه وهو القائم بخدمته وقضاء أموره عبدًا كان أو حرًا أو ردها إلى المكان الذي يأخذها منه أو إلى ملك صاحبها ولم يسلمها لأحد أو إلى عياله الذين لا عادة لهم بقبض ماله؛ لأنه لم يردها إلى مالكها ولا نائبه فيها، فلم يبرأ كما لو دفعها إلى أجنبي وكرد السارق ما سرقه إلى الحرز.
قلت: وإذا سلم السيارة إلى السائق الذي يسوقها بمالكها فقد برئ وإذا رد السيارة إلى البائكة بدون إعلام ولا إذن لم يبرأ كما لا يبرأ برد الدابة إلى المربط، ومن سلم لشريكه نحو دابة أو سيارة أو دبابة أو سيكل أو ثوب أو آنية مشتركة ليحفظها فتلفت بلا تفريط ولا تعد لم يضمن؛ لأنها أمانة بيده، فإن استعملها بإذن شريكه مجانًا فعارية تضمن مطلقًا، وإن سلمها إليها لركوبها لمصالحه وقضاء حوائجه عليها فعارية أيضًا فلو غصبت الدابة أو السيارة المستعملة بإذن الشريك ضمن المأذون نفعها؛ لأن العارية مضمونة على كل حال وبدون إذن الشريك فغصب يحرم عليه ويضمن العين والمنفعة فرط أو لم يفرط لتعديه بذلك، وإن أخذها من شريكه بأجرة فهي إجارة لا تضمن بلا تعد ولا تفريط وإن أخذها من شركيه بغير أجرة فهي أمانة؛ لأن المشاع إذا قبض بإذن الشريك يكون نصفه مقبوضًا تملكًا ونصف الشريك أمانة، فلا تضمن بدون تعد أو تفريط كسائر الأمانات، وإن فرط الشريك بسوق أو السيارة فوق العادة ضمن وإن سلم الدابة إليه ليعلفها ويقوم بمصالحها ونحوه لم يضمن وإن استعملها في نظير إنفاقه عليها أو تناوبه معه لم يضمن بلا تفريط؛ لأنها أمانة، ومن استعار شيئًا ثم ظهر مستحقًا فلمالكه أجرة مثله لعدم إذنه في الاستعمال يطالب به من شاء منهما، أما الدافع فلتعديه بالدفع، وأما القابض فلقبضه مال غيره بغير إذنه، فإن ضمن المستعير رجع على المعير بما غرم؛ لأنه غره ما لم يكن المستعير عالمًا بالحال فيستقر عليه الضمان؛ لأنه دخل على بصيرة وإن ضمن المالك المعير لم يرجع بالأجرة على أحد إن لم يكن المستعير عالمًا وإلا رجع عليه.
وإن دفع إليه الدابة أو غيرها من الأعيان المنتفع بها مع بقائها ثم اختلف المالك والقابض، فقال المالك: أجرتك، وقال القابض: بل أعرتني، وكان ذلك الإختلاف قبل مضي مدة من القبض لها أجرة، فقول قابض بيمينه إن لم يستأجرها؛ لأن الأصل عدم الإجارة وترد إلى مالكها، وإن كان الاختلاف بعد مدة لها أجرة، فالقول قول مالك فيما مضى من المدة فقط مع يمينه لاختلافهما في كيفية انتقال المنافع إلى ملك القابض فقدم قول المالك، كما لو اختلفا في عين فادعى المالك بيعها والآخر هبتها إذ المنافع تجري مجرى الأعيان، ولو اختلفا في الأعيان، فالقول قول المالك، وأما الباقي من المدة فلا يقبل قول المالك فيه؛ لأن الأصل عدم العقد، وإذا حلف المالك فله أجر مثل؛ لأن الإجارة لا تثبت بدعوى المالك بغير بينة، وإنما يستحق بدل المنفعة وهو أجرة المثل، وإن كانت الدابة قد تلفت، وقال المالك: أجرتكها، وقال القابض: أعرتنيها لم يستحق صاحبها المطالبة بقيمتها لإقراره بما يسقط ضمانها وهو الإجارة ولا نظر إلى إقرار المستعير بالعارية؛ لأن المالك رد قوله بإقراره بالإجارة فبطل إقراره، وكذا لو ادعى زارع أرض غيره أنه زرع الأرض عارية، وقال ربها: زرعتها إجارة، فقول مالك وله أجرة المثل، وإن قال القابض للمالك: أعرتني، أو قال له: أجرتني، وقال المالك: بل غصبتني، فإن كان اختلافهما عقب العقد والبهيمة قائمة أخذها مالكها ولا شيء له؛ لأن الأصل عدم الإجارة والعارية ولم يفت منها شيء ليأخذها المالك عوضه وإن كان اختلافهما وقد مضى مدة لها أجرة فقول المالك بيمينه لما تقدم أن الأصل عدم الإجارة والعارية، وأن الأصل في القابض لمال غيره الضمان فتجب له أجرة المثل على القابض للعين حيث لا بينة له؛ لأن الأصل عدم ما ادعاه وإن تلفت الدابة واختلفا، ففي مسألة دعوى القابض العارية والمالك الغصب هما متفقان على ضمان العين إذ كل من الغصب والعارية مضمون مختلفان في الأجرة؛ لأن المالك يدعيها لدعواه الغصب والقابض ينكرها بدعواه العارية، والقول قول المالك لما تقدم فيحلف وتجب له أجرة المثل على القابض كما تقدم، وفي دعوى القابض الإجارة مع دعوى المالك هما متفقان على وجوب الأجرة مختلفان في ضمان العين، والقول قول المالك فيغرم القابض قيمتها في صورتي دعوى الإجارة ودعوى العارية حيث ادعى المالك الغصب فيهما، ويغرم القابض أيضًا أجرة مثلها إلى حين التلف فيهما، أو قال المالك: أعرتك العين، قال القابض: بل أجرتني والبهيمة تالفة فقول مالك بيمينه؛ لأن الأصل في القابض بمال غيره الضمان، وكذا لو قال القابض: أعرتني، أو قال: أجرتني، فقال المالك: غصبتني والعين قائمة، فقول مالك بيمينه في وجوب الأجرة وفي وجوب دفع اليد ورد العين لمالكها؛ لأن الأصل عدم ما يدعيه القابض، وإن قال المالك: أعرتك، فقال القابض: أودعتني، فقول مالك بيمينه أو قال المالك: غصبتني، فقال القابض: أودعتني، فقول مالك بيمينه، أو قال المالك: غصبتني، فقال القابض: أودعتني فقول مالك بيمينه وللمالك على القابض قيمة عين تالفة لثبوت حكم العارية بحلفه عليه ولا أجرة، وكذا يقبل قوله بيمينه في عكسها كقول المالك: أودعتك، فقال القابض: أجرة ما انتفع بها، أي العين ويردها إن كانت باقية وإلا فقيمتها؛ لأن الأصل أن ضمان المنافع عليه ودعواه العارية غير مقبولة، وإن اختلفا في ردها بأن قال مستعير: رددتها، وأنكره المالك، فقول المالك بيمينه؛ لأن الأصل عدم الرد وكالمدين إذا ادعى أداء الدين، قال المجد في «شرحه»: من بعث رسولًا يستعير له دابة ليركبها من بغداد إلى الكوفة مثلًا فجاء إلى المعير فاستعارها منه ليركبها إلى الحلة فركبها المستعير إلى الكوفة ولا يدري فعطبت، فالضمان على الرسول إن اعترف بالكذب، وإن قال للمستعير: كذلك أمرتني وكذبه المستعير، فلا يكون الرسول هنا شاهدًا؛ لأنه خصم والمستعير ضامن إلا أن يأتي ببينة أنه أمره إلى الكوفة.
كتاب العارية وعارية الأعيان مشروعة سوى لصنوع وعون في الحرام المسفد فقيل هبات النفع فيها وقيل بل إباحته من أجل ذا لم يعدد ولم أر تصريحًا بمن ذا يمونها ويوهمه إنفاق خادم خرد ومِن جائز في ماله أمره أجز بما نفعه حل كفحل بمرغد وللمستعير الانتفاع بعرفه كما مر في نفع الإجارة فاقصد وما أذْنُ الإستعمال ضَمَّنَ فَوتَه كحمل متى يذهب به أضمن بمبعد ولا غرم في أولادِ كل معارة كالإيداع لا كالغصب في المتجودِ وما كان مضمونًا من أجزائها متى تَوت قُوِّمَتْ معه وإلا فجردِ وليس له الإيجار إلا بإذنه على مُدَّةٍ معلومةٍ بتَقَيُّدِ ومِن غير إذنٍ لا تعرفي الموجود وفي ثالث إن وُقِتَتْ فَأعِر قد ومَن شئت ضَمِّن والفرارُ على الأجير وقيل إن جهل فالنفع قرر بمبتدي ومَن يَسْتَعْر شيئًا ليرهنه يُجزْ ويَفْكُكْهُ إن يَطْلبْ فإن باع يُورد لمالكه الأوفى من الثمن الذي به بَاعَ أو مِن قيمةٍ إن تَزَيدِ ومن يستَعر للغَزْوِ ذا السهمَ سَهْمهُ فالأولى له كالجنس والمؤجر أشهد ويحرم بتًا أن يعير لكافر على الظاهر المعروف مسلم أعبد ويكره للمرء استعارة والد ووالدة في خدمة لا مُوَلَّدِ وأن يستعير المشتهات أجنبي إن تَخَفْ خَلْة والحظر لَمَّا أبَعِّدِ وترجع متى ما شئت ما لم يكن أذى على مستعير فعله غير معتد كإذنك في دَفْنٍ ولم يَبْلَ مَيِّتٌ في فلكٍ بلجةِ مُزُبدِ وفي وضع أخشابٍ على حائط فإنْ تَزُلْ لم تُعَدْ إلا بإذنٍ مُجَدَّدِ وعن أحمدٍ قَبْلَ انتفاع رجُوعُه حرامٌ ومِن قَبْل انقضاء المُحَدَّدِ وإما تَعِرْ للزرعِ فاصبِر لِحَصْدِهِ وإن كان ما يُحصَدْ قَصِيلًا لِيَحْصُدِ وإن للبناء والغرس وقتَّ مُدَّة فلا يَرجِعَنْ مِن قَبلُ تَمْضِي بأوطد وليس له أجر لما مر كله لمستقبل من حين عَود بأجود وإن يطلقن للغرس أو للبناء أو إلى مدة إن تشرط القلع فاعضد وإلا فخذهُ إن أردت بقيمةِ أو اقطعه وأضمنْ نقصَه إن يأب ذو اليد وقيمةُ أرضٍ إن بَذَلت لِرِّبَها لِتَملِكهَا لم يُجزِئ المرء يَا عَدِي ويَثْبُتُ مَجانًا بأرضك غَرسُه مَتَى تأبَ ذيْنِ إن شَاء إبقَاء المُمَدَّدِ وكلّ إذا باعا له قدرُ ملكه فإن أبَيا يترك وفي الغر ردد والزم هنا لا عند شرطك قلعَه مُعَارًا بلا شرط بطَمٍّ المُخَدَّدِ وذا الأرضِ ملك من تصرفه سوى مضر بأشجار المعار فتهتدي وتملك ذي الأشجار فيها دخولها لإصلاح أثمار وجد ومحصد وأيهما يبغي من الثاني بيع ما له بيعه فأجبر بوجه مبعد وشغلكها غصب بُعَيْدَ انقضا المدى وبذرك إن يحمله سَيلٌ فَيَرْكُدِ فيلبث في أرض لغيرك أبقه إلى حصده مع أجر مثلٍ بأجود وقيل إن يشا زيدٌ يَنَلْهُ بقيمةٍ وإن كان ذا غرس على قلعه أظهر ويجعل في الأقوى كغرس الشنيع لا كغرس غصيب ظالم العرق معتدي وعارية الإنسان مضمونة ولو بغير تعد يوم تتلف فاشهد ولو شرط الإنسان نفي ضمانها بقيمتها في الأظهر المتأكد وليس مفيدًا للضمان اشترطه بما كان من باب الأمانات فارشد ومن يستعر أو يغصب العين يلتزم مؤونة رد دون مستأجر اليد وليس بمبر ردها لغلامه ولا اصطبله بل ردها لمعود وحلف المليك أقبله عند ادعاء ما بفوت فضمنها وأجرًا بأجود وقيل اقبن من جاحد الغصب قابضًا ومن ربها في الأجر لا غصبها قد ومن قابض دعوى الإعارة فاقبلن ومن ربها دعوى الإجارة فاردد على إثر قبض واقبلن منه حالفًا على زمن قد فات دون المجدد له أجر مثل لا المسمى لما مضى في الأقوى وأدنى الأجرتين بمبعد ومن يستعر شيئًا فبان غصبه فغرم فممن قد أعار ليردد
هذا آخر ما تيسر لي جمعه في هذا الجزء من الأسئلة والأجوبة الفقهية مبتدئًا به من كتاب الحجر ومنتهيًا به إلى آخر كتاب العارية، ويليه إن شاء الله تعالى الجزء السادس وأوله باب الغصب، وكان الفراغ من كتابة هذا الجزء الخامس الساعة ثلاث ونصف من ليلة الجمعة الموافق يومها 24/ 1/ 1391هـ.
هذا وأسأل الله الحي القيوم العلي العظيم القوي العزيز الرؤوف الرحيم القريب المجيب أن يجعل عملنا خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفع بهذا الكتاب نفعًا عامًا لجميع إخواننا المسلمين إنه على كل شيء قدير. اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وَقْفٌ للهِ تَعَالَى. ==================== تَأْلِيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــفُ عَبــدِ الْعَــزِيـزِ بــْنِ مُـحَـمَّــدٍ السّـلـمـانِ المدرس في معهد إمام الدعوة بالرياض غـفـر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين |
|
| |
| المجلد الخامس | |
|