أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: زواج المؤمن بمشركة الخميس 23 مارس 2017, 5:34 pm | |
| زواج المؤمن بمشركة ============ السؤال: لماذا اشترط الله سبحانه النكاح بين المؤمنين والمؤمنات؟
الجواب: يريد الحق ـ سبحانه وتعالى ـ أن يَضمن وَحدة العقيدة بدون مؤثِّر يؤثِّر فيها، فشَرَط في بناء اللَّبِنة الأولى للأسرة ألّا يَنكح مؤمنٌ مشركةً؛ لأن المشركة في مثل هذه الحالة ستتولى حضانة الطفل لمدة طويلة هي أطول أعمار الطفولة في الكائن الحيّ. ولو كان الأبُ مؤمنًا والأم مشركة فالأب سيكون مشغولًا بحركة الحياة فتتأصل عن طريق الأمّ معظم القيم التي تتناقص مع الإيمان.
وأراد الحق ـ سبحانه وتعالى ـ أيضًا ألّا تتزوج المؤمنة مشركًا لأنها بحكم زواجها من مشرك ستنتقل إليه وإلى أسرته وسينشأ طفلها الوليد في بيئة شركية، فتتأصل فيه الأشياء التي تناقض الإيمان.
ويريد الحق سبحانه وتعالى بهذه الصيانة ـ أي بعدم زواج المؤمن من مشركة وبعدم زواج المؤمنة من مشرِك ـ أن يحميَ الحاضنَ الأول للطفولة، وحين يحمي الحاضن الأول للطفولة يكون الينبوع الأول الذي يصدُر عنه تربيةُ عقيدةِ الطفل ينبوعًا واحدًا، فلا يتذبذب بين عقائد متعددة، لذلك جاء قوله الحق سبحانه: (ولا تَنكِحوا المشركاتِ حتى يُؤمِنَّ ولأمَةٌ مؤمنةٌ خيرٌ من مشركةٍ ولو أعجبتكم ولا تُنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبدٌ مؤمنٌ خيرٌ من مشركٍ ولو أعجبكم أولئك يَدْعُون إلى النار واللهُ يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آيته للناس لعلهم يتذكَّرون) (البقرة: 221).
كل ذلك حتى يَصون الحقُّ سبحانه البيئةَ التي ينشأ فيها الوليد الجديد (قال ابن كثير في عمدة التفسير 2/92: "ولا تَنكِحوا المشركاتِ حتى يُؤمِنَّ ولأمَةٌ مؤمنةٌ خيرٌ من مشركةٍ ولو أعجبتكم ولا تُنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبدٌ مؤمنٌ خيرٌ من مشركٍ ولو أعجبكم أولئك يَدْعُون إلى النار واللهُ يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آيته للناس لعلهم يتذكَّرون) هذا تحريم من الله عز وجل على المؤمنين أن يتزوجوا المشركات من عبدة الأوثان.
ثم إن كان عمومها مرادًا وأنه يدخل فيها كل مشركة من كتابية ووثنية فقد خصَّ من ذلك نساء أهل الكتاب بقوله: "والمُحصَناتُ من الذين أوتوا الكتب من قبلكم إذا آتيتموهنَّ أجورَهنَّ مُحصنِين غيرَ مسافحِين" قال ابن عباس: استُثنيَ من ذلك نساءُ أهل الكتاب.
وهكذا قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وغيرهم.
وقيل: بل المراد بذلك المشركون من عبدة الأوثان ولم يُرِدْ أهلَ الكتاب بالكلِّيَّة.
والمعنى قريب من الأول، والله أعلم.
فأما ما رواه ابن جرير عن عبد الله بن عباس قال: نهى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن أصناف النساء إلا ما كان من المؤمنات المهاجرات وحرَّم كلَّ ذاتِ دين غير الإسلام، قال الله عز وجل: (ومن يكفُرْ بالإيمان فقد حَبِطَ عملُه) فهو حديث غريب جدًّا ـ قال الشيخ أحمد شاكر: رواه الطبريّ 2/377 وإسناده صحيح، ولكن هذا المتن غريب جدًّا شاذّ يخالف سائر الدلائل ـ قال أبو جعفر ابن جرير رحمه الله بعد حكايته الإجماعَ على إباحة تزويج الكتابيات: وإنما كَرِهَ عمر ذلك لئلّا يَزهَد الناس في المسلمات أو لغير ذلك من المعاني.
ثم روى عن شقيق قال: تزوج حذيفة يهودية، فكتب إليه عمر: خلِّ سبيلها. فكتب إليه: أتزعم أنها حرام فأخلِّيَ سبيلَها؟ فقال: لا أزعم أنها حرام، لكني أخاف أن تَعَاطَوا المومسات منهنَّ. وإسناده صحيح ـ قال الشيخ شاكر: رواه الطبريّ 2/378 وشقيق هو ابن سلمة أبو وائل التابعيّ الكبير.
وكلمة "المومسات" حُرِّفَت في الطبريّ طبعة بولاق ومطبوعة ابن كثير والدّرّ المنثور "المؤمنات" وهو تحريف قبيح، وثبت على الصواب في المخطوطة الأزهرية والبيهقيّ 13984 والجصاص 1/455 والقرطبيّ 3/68 ـ وروى ابن جرير عن عمر بن الخطاب قال: المسلم يتزوج النصرانية ولا يتزوج النصرانيُّ المسلمة.
قال: وهذا أصحّ إسنادًا من الأول. رواه الطبريّ 2/378 وإسناده صحيح متصل، والبيهقيّ في السنن الكبرى 13985. ورَوَى عن الحسن عن جابر بن عبد الله قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "نتزوج نساء أهل الكتاب ولا يتزوجون نساءنا" ثم قال: وهذا الخبر وإن كان في إسناده ما فيه فالقول به لإجماع الجميع من الأمة على صحة القول به. كذا قال ابن جرير. رواه الطبريّ 2/378.
وقال الشيخ شاكر: حديث جابر هذا لم أجده في شيء من المراجع غير رواية الطبريّ هذه، وإسناده صحيح على الرغم من قول ابن جرير "وإن كان في إسناده ما فيه" لعله يشير إلى زَعْمِ مَن زعَم أن الحسن لم يسمع من جابر، والمعاصرة كافية، وقد رجح أيضًا أنه سمع منه وروَى ابن أبي حاتم عن ابن عمر أنه كَرِهَ نكاح أهل الكتاب وتأول (ولا تَنكِحوا المشركاتِ حتى يؤمِنَّ). قال البخاريّ: وقال ابن عمر: لا أعلم شركًا أعظم من أن تقول ربُّها عيسى.
وقوله: (ولأمَةٌ مؤمنةٌ خيرٌ من مشركة ولو أعجبتكم) روى عبد بن حُميد عن عبد الله بن عمرو عن النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "لا تَنكِحوا النساءَ لِحُسنهنَّ فعسى حُسنُهنَّ أن يُرْديَهنَّ، ولا تَنكِحوهنَّ على أموالهنَّ فعسى أموالُهنَّ أن تُطغيَهنَّ، وانكِحوهنَّ على الدين، فلأمَةٌ سوداءُ خَرْماءُ ذاتُ دين أفضلُ" والإفريقيّ ضعيف قال الشيخ شاكر: إسناده صحيح، والإفريقيّ الذي في إسناده هو عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، وهو ثقة، وقد أخطأ من ضعفه، وقد بيَّنَّا القول في توثيقه في تخريجات الطبريّ 2195 والحديث رواه ابن ماجه 1859 وزاد السيوطيّ في الدر المنثور 1/ 616 نسبته لسعيد بن منصور والبيهقيّ.
وذكر البوصيريّ في زوائد ابن ماجه أنه رواه أيضًا ابن حبان في صحيحه بإسناد آخر. وضعفه الألبانيّ في ضعيف ابن ماجه 409 و"الخَرماء" المثقوبة الأُذُن. ووقع في المطبوعة "جَرداء" وهو خطأ وقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "تُنكح المرأة لأربع، لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها، فاظفَر بذات الدين تَرِبَت يداك" ولمسلم عن جابر مثله أخرجه البخاريّ 5090 ومسلم 1466/53.
وله عن ابن عمرٍو أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة" أخرجه مسلم 1467/59 ورواه أحمد في المسند 2/168 والنسائيّ في المجتبَى 3232 وابن ماجه 1855 وقال الشيخ شاكر: والصحابيّ راوِيهِ هو عبد الله بن عمرو العاص، ووقع هنا في المخطوطة والمطبوعة "ابن عمر" وهو خطأ من الناسخين وقوله: (ولا تُنكحوا المشركين حتى يؤمنوا) أي لا تُزوِّجوا الرجال المشركين النساءَ المؤمناتِ، كما قال تعالى: (لا هنَّ حِلٌّ لهم ولا هم يَحِلُّون لهنَّ).
ثم قال تعالى: (ولعبدٌ مؤمنٌ خيرٌ من مشركٍ ولو أعجبكم) أي ولَرَجل مؤمن ولو كان عبدًا حبشيًّا خير من مشرك وإن كان رئيسًا سَرِيًّا (أولئك يَدْعُون إلى النار) أي معاشرتهم ومخالطتهم تبعث على حب الدنيا واقتنائها وإيثارها على الدار الآخرة، وعاقبة ذلك وخيمة (والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه) أي بشرعه وما أمَرَ به وما نهَى عنه (ويبيّن آياته للناس لعلهم يتذكّرون). |
|