أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52691 العمر : 72
| موضوع: مواقف منهجية من حياة السلف السبت 25 سبتمبر 2010, 10:42 pm | |
| ضيف الحلقة : الشيخ عبد العزيز ابن محمد السدحان موضوع المحاضرة مواقف منهجية من حياة السلف
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين صلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد، أيها الإخوة الأكارم رأيت أن أصدر هذه المحاضرة ببعض المقدمات علها أن تكون افتتاحاً لما بعدها ، المقدمة الأولى أن ما يصيب أمة الإسلام من المصائب الحسية والمعنوية القاصرة والمتعدية أمر قد فرغ منه وقد سبق به علم الله عزّ وجل وما أصابكم من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير فجميع ما يسيئه الأفراد ناهيك عن المجتمعات أمر قد قدر وقد نفد به الكتاب وقد يبق في علم الله عزّ وجل لكي لا تأسوا على ما فإنكم ولا تفضحوا بما أتيكم. المقدمة الثانية أن أمة الإسلام مهما أصابها من البلاء والمحن والرزايا فإنها منصورة طال الزمن أو قصر ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون وقد أصاب المجتمعات الإسلامية من لا تلزم بالنبوة والقرون المفضلة وما بعد من القرون المفضلة إلى وقتنا هذا لا تزال المحن والرزايا تترا تتوالى كلما خمدت فتنة قامت أختها في أثرها وصفحات التاريخ تشهد بهذا الأمر . المقدمة الثالثة أنه رغم ما أصابه و ما يصيب أمة الإسلام من المصائب والمحن أن مما ينبغي أن يحزر المسلم منه وأن يحاذر ويحذر غيره أن يدخل يأس إلى قلبه أو أن يتذكر قنوط من نفسه فهذا الأمر محرم لا يجوز فالأمل موجود والنصر آت وإن غداً لناظره لقريب إلا أن المحظور الشرعي أن يلبس قوم ثياب اليأس والقنوط ويركبن الإدعاء و ويتركون الحبل على غالبه فهذا لا يليق من عامة الناس فكيف بدعاة الناس إلى الخير . المقدمة الرابعة أن هذه المصائب التي تحل على الإنسان على اختلاف أنواعها وتباعد أزمنتها وأقطارها وعظم أثرها وآثارها ينبغي أن تجعل حلولها من خلال دلالة النصوص الشرعية وأن يحضر المصلح وأن يحضر دعاة الإصلاح من تحكيم العواطف الجياشة التي لم تزمم بزمام العلم فتلك العواطف تنقلب عواصف وتزيد الشقة والمشقة والبلية. المقدمة الخامسة أو السادسة علاج القضايا والفتن لا يكفي فقط أن يكون بنفسه أن يقول الإنسان يقول الله جلّ وعلا كذا ويقول النبي صلى الله عليه وسلم كذا لما لأن عندنا أمرين اثنين أساسيين راسخين كالجبال المنهج في التلقي والمنهج في الاستدلال المنهج في التلقي من الكتاب والسنة على فهم سلف الأمة وإجماع سلف الأمة وما يتبع ذلك مما قرره أهل العلم وهذا الأمر أعني مصادر التلقي كل يدعيها ولهذا يقول الشاطبي في الاعتصام : كل صاحب هوا وصاحب بدعة يحتج بأية على بدعته أو يحتج بسنة على بدعته لكن الفيصل في هذا الأمر الثاني وهو المنهج في الاستدلال فهناك نصوص وهناك إعمال للنصوص في أوقات الفتن والنوازل وفهم هذه النصوص رواية ودراية وكيفية التعامل معها حسب منهج سلف الأمة مقدمة أخرى من الخلل التي عند بعض المصلحين التعجل في طلب النتائج وفي قطف الثمر تجد أن بعضهم يسابق الريح طلباً للنتيجة وطلباً لثمرة عمله أو دعوته وهذا خلل عظيم ذلك لأن نتائج دعوة الإصلاح لست مكلفاً بها ولست موكولاً بها قد أمرت أن تبلغ دعوة الخير أما أن يهتدي من دعيت أو لم يهتدي فذلك ليس لك وأما يؤمرنك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ ولهذا كان من الآفات بل من وسائل الإحباط والتقهقر عند بعض من أراد الإصلاح أنه بعد أن يمضي فترة في دعوة الناس ثم لا يرى نتيجة لدعوته يداخله الشيطان بأنواع كثيرة من التلبيس تدعوا الناس من سنة أو من سنتين أو من عشرة ومع هذا أين النتيجة أين الثمرة المحصلة هذا ليس لك بل هذا من قلة الفقه ومن ضعف البصيرة مقدمة أخرى متعلقة بالتي قبلها كثرة الثمار أو قلتها ينبغي أن لا تعيق الداعي عن دعوته قد تدعوا الناس دهراً ولا يستجيب إلا آحاد من الناس ومع هذا ينبغي الإصرار والاستمرار و شحد الهمة والعزيمة في عدم التقاعس أو اليأس ولعلكم تذكرون ما الحديث النبوي الشريف يأتي قال النبي صلى الله عليه وسلم في رغم ما قال ويأتي النبي ومعه الرهط في لسان العرب الرهط الجماعة الكثيرة ويأتي النبي ومعه الرهيط إلى أن قال ويأتي النبي ومعه الرجلان ويأتي النبي ومعه الرجل ويأتي النبي وليس معه أحد نبي مؤيد بالوحي ومع هذا كله لم يستجب لدعوته أحد ومع هذا فقد بلغ الأمانة وأدى الرسالة ونصح أمته عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه . بعد هذا يقال السلف ما المراد بالسلف نقرأ كثيراً في كتب العقائد من مختصر أو مطول الإشارة إلى سلف الأمة ذكر أهل اللغة أهل العلم تعريفاً لغوية وشرعية للمراد بهذا المصطلح السلف وجامع له من خلال التعارف الكثيرة أنهم ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن سار على نهجهم في سيرتهم رضي الله تعالى عنهم فالصحابة رضي الله تعالى عنهم هم صدارة السلف فهم العصر الذهبي للسلف إذ أنهم أقرب الناس لمواقع التنزيل وصلوا خلف النبي صلى الله عليه وسلم سألوه وأجابهم نظروا إليه فاقتدوا به أمرهم فأتمروا ونهاهم فانتهوا هجر بعضهم وطنه وترك بعضهم ماله وترك بعضهم ولده يؤثرون ولا يستأثرون يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم قصاصاً مرت بهم نوازل كالجبال تعاونوا معها أحسنوا التصرف فيها وفق تربية النبي صلى الله عليه وسلم لهم فخرجوا منها سالمين مسلمين رضي الله تعالى عنهم ورضوا عنه المواقف في حياة السلف كثيرة ولا يحصيها كاتب ولكن التمثيل بالأكبر يدخل فيه الأصغر عقلاً وبدهاً فالفتن التي نعيشها في هذا العصر قد مرت به الإسلام محن أكبر منها ومع هذا فقد قام لها رجال على علم وعلى بصيرة فقادوا سفينة الأمة إلى بر الأمان وأذكر في هذا المقام الشريف واقعة لها فروع وهي من أعظم الوقائع وقعت في صدر الإسلام الأول وحضرها السنة المقدمة في الفضل والديانة والعلم والعمل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ناهيك عن من دونه في الفضل والعلم موت النبي صلى الله عليه وسلم من أعظم المصائب التي حلت بأمة الإسلام وفي الحديث الذي رواه ابن ماجد بما أتذكر إن لم تخوني الذاكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أصابته مصيبة فليتعزى بمصيبته فيا فإنها أعظم المصائب أو كما قال صلى الله عليه وسلم وقبل ذكري سرد مختصر لأحداث هذه الواقعة الكائنة العظيمة والفاجعة الأليمة هناك أمر لازم أن يقال : وهو أن قراءة التاريخ وقراءة انتصارات المسلمين لا تقرأ من باب التواكل والدعا والركون وإنما تقرأ من باب الاعتبار وشحد الهمم ولهذا مما يحسن ذكره في هذا الوقار ما ذكره السخاوي في كتاب الإعلان للتوبيخ على مزم التاريخ عندما عرج على ذكر القصص في القرآن الكريم قال ومن ظن أن الله إنما ذكر القصص في القرآن الكريم من باب قطع الساعات والليالي والأيام في أخذها كأخبار للسمر فقد جهل أو افترا أو كلام في هذا المعنى لأن القصص في القرآن الكريم لها حكم فقد ذكر أصحاب علوم القرآن الكريم أن للقصص فوائد كثيرة وكلاً نقص عليم من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك لقد كان في قصصهم عبرة شاهد القول وعوداً على ما سبق أن قراءتنا جميعاً لما وقع من الفتن في زمن السلف الصالح في العصور الذهبية وبعدها إنما نقرأ حتى نعتبر وحتى نستفيد وحتى نتعامل مع الفتن كما تعاملوا فننجو كما نجو بفضل الله بادئاً ببدء ثم بفضل الاقتداء يهديهم والسير في ربكهم وركابهم وقع خلاف بين الصحابة في حقيقة موت النبي صلى الله عليه وسلم في أول انتشار الخبر فأنقسم الصحابة رضي الله تعالى عنهم إلى أقسام ثلاثة وهذه قسمة عقلية لا بد منها منهم من كذب الخبر ومنهم من صدق الخبر ومنهم شاك ومتردد فأصاب أهل الإسلام في ذلك الوقت أصابهم أمر جلل فمجرد تسرب وفاة النبوية أدخل عليهم من الهم والغم والاضطراب الأمر ما الله تعالى به عليم فنقرأ جميعاً قراءة بعين البصيرة وليس بعين البصر المجرد لأن القراءة بعين البصر والتأمل بعين البصر يشترك فيها أهل الإسلام وغيرهم حتى ذكر ابن القيم حتى البهائم أما القراءة بعين البصيرة فهذه لأهل الإسلام ويتفاوتون في قوة بصرهم بحسب قوة إيمانهم وعلمهم عمر ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه كان يقول :بعدم حقيقة وفاة النبوية وكان رضي الله عنه وأرضاه كما صح في وصفه النبوي أرحم أمتي بأمتي أبو بكر وأشدهم في دين الله عمر كان رضي الله عنه بطبعه شديداً فأغرض القول : لمن قال أن النبي عليه الصلاة والسلام قد مات فهذا هو كثير من الصحابة بل قد وافقه بعضهم خلال سرد الروايات وبعضهم وأهم أقرب الناس من آل بيت النبي عليه الصلاة والسلام يعلمون أنه قد مات ولكن لعظم الخطب وشدة الهول ما وضح الأمر وأكثر الصحابة في المسجد ما بين شاك ومتردد بعضهم يبكي وبعضهم حزين وبعضهم مهموم والسؤال الذي يطرح نفسه أين سيد الصحابة أين إمامهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم ماذا كان موقفه ذكر التاريخ أن الأنباء ترامي إلى مسامع الصديق رضي الله تعالى عنه بخبر وفاة النبوية وكان في وعائل المدينة في السنح فلما ترامت الأنباء إلى مسامعه ركب دابته ثم عاد أدراجه إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم وهنا وقفة منهجية تربوية تعوية وهي أن على الداعية على المصلح إذا كان لكلامه تأثير وكان له القبول وكان يعرف من نفسه أن كلامه يستفسد القضية أن لا يتسرع في قبول أي إشاعة ولا بقبول أي خبر حتى يتأكد من صحة الخبر كتحققه من الشمس في كبد السماء ليس دونها سحاب ولهذا لما بلغ الخبر الصديق رضي الله عنه عاد ودخل ووصل إلى المسجد النبوية ثم دنى فإذا ببيت عائشة ويرى الصحابة أمامه رضي الله تعالى عنه وعنهم ولم يكلم أحد وهنا وقفة ثانية وهي أن الخبر إذا أمكن الوقوف على عين حقيقته فلا شك أن هذا كمن أعلى درجات التثبت واليقين فالخبر الذي تسمعه يزداد تحققاً كما إذا رأيته وعليه ضوابط وقرائن والنبي صلى الله عليه وسلم يقول ليس الخبر كالمعاينة فإن الله لما أخبر موسى أن قومه بعدوا العجل لم يلقي الألواح ألواح التوراة فلما رآهم ألقاها فتكسرت مع أن الذي أخبره أصدق القائلين ومن أصدق من الله قيل ومن أصدق من الله حديثا والشاعر يقول يا ابن الكرام ألا تدنو فتبصر ما حدثوك فما رأيك من سمعه وسيقول الأخر ولكن للعيان لطيف معنى من أجله سأل المعاينة الكريم شاهد القول أن الصديق رضي الله تعالى عنه دخل إلى بيت عائشة ووجد النبي صلى الله عليه وسلم مسجى فكشف عن وجهه الشريف ثم قبله وقال : طبت حياً وميتاً والله لا يميتك الله موتتين إلى أخر ما جاء في الرواية إذاً تأكد الصديق رضي الله عنه من خبر وفاة النبوية تأكد لا يعدله شيء ولا يمكن أن يتطرق إليه شك أو أن يشككه أحد قام الصديق رضي الله تعالى عنه وهنا وقفة ثالثة وهي أن الإنسان إذا تبين له الحق وكشف له من التبس على الناس أمره أن لا يتسرع وأن يتعد في علاج الأمر تؤدة لا تؤخر البيان عن وقت الحاجة قام الصديق رضي الله تعالى عنه ودخل المسجد والمسجد فيه الصحابة أو فيه جمع من الصحابة رضي الله تعالى عنهم وعمر يتكلم فيهم فتوجه الصديق بخطابه إلى عمر وهنا وقفة رابعة وهي أنه إذا كان المخالف له شأن في العلم والدين والعقل أن يحترم وأن يترفق في بيان وجه الصواب له وأن يعرف له مكانه من الفضل والديانة فلكم الصديق عمر قائلاً أجلس يا عمر لعلمه رضي الله تعالى عنه أن عمر مخطئ في قوله فقال أجلس يا عمر مرة ثانية ولكن لعظم الخطب وهول الأمر لم يجلس عمر فترك الصديق خطاب عمر ثم توجه إلى الناس وهنا وقفة خامسة إذا كان ممن له فضل وتحبه وتجل أمره ورأيه قد خالف الصواب وقد خالفه من هو أعلم منه بعد أن تحقق بالخبر أو من صحة الخبر ترك الصديق عمر لأن المصلحة اكبر فتوجه إلى الناس ثم قال أيها الناس من كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ومن كان يعبد محمد فإن محمد قد مات ثم تلى الآية وما محمد إلا رسول وهنا وقفة سادسة وهي ربط الناس بالتوحيد ربط الناس بأمر المعتقد في كل شيء لأن الناس إذا عظموا ربهم انقادوا لأمره واستسلموا لأمره وأعلنوا طوعاً وانقيادا وحباً فلما ذكر الصديق الربط العقدي من كان يعبد محمد فإن محمد قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ثم تلى الآية ووقفة أيضاًَ سابعة إيراد النصوص الشرعية من الكتاب ومن السنة الصحيحة الصريحة في مواقف إقناع الناس أو في مواقف الفتن من أعظم الأساليب لإقناع الناس ولهذا يحرم أهل الخير من هذا النهج نهج السلف الصالح في إيراد النصوص في مقامها الصحيح من حيث الاستدلال فإذا جاء النص الشرعي كان له وقعاً ولهذا ذكر ابن القيم أو غيره أن المفتي إذا ضمن فتواه دليلاً شرعياً كان ذلك أوقع في قلب السائل عوداً إلى الحدث تقول عائشة رضي الله تعالى عنها فلما سمع الناس الآية انصرفوا في الطرقات يتلونها كأنها لتوها نزلت وهنا وقفة ثامنة أن المسلم في وقت الفتن إذا جاءه الدليل الشرعي في موضع استدلاله الصحيح أن ينقاد له وأن يترك من خالفه كائن من كان فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينتهم ثم لا يجددوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت تسليما فقل لي بربك هذه الفتنة العظيمة وهذا الأمر الجلل الذي قيد الله له هذه الثلة المقدمة كيف يكون الحال لو تولى علاجه غيره ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في تعداده لمناقب أبي بكر رضي الله تعالى عنه وعن جميع الصحابة : ولن يختلف الصحابة في أمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم أو مسألة إلا طار الصديق بزمامه وخطابه بعد هذا أو بعدما طويت صحفت هذا الحدث الجلل بأمن وأمان وسلامة وعافية جاء موقف أخر وهو دفن النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته مات النبي صلى الله عليه وسلم وغسل وكفن وبقي موضع الدفن ارتقى بعض المهاجرين رضي الله تعالى عنهم أن يدفن في مكة موطن أبائه وأجداده واتقى بعض الأنصار رضي الله تعالى عنهم أن يدفن في المدينة في مكان استقراره وبقائه فيها إلى موته ولكل وجهة هو موليها فما العمل جاء الصديق رضي الله عنه فقال سمعته صلى الله عليه وسلم يقول يدفن النبي حيث قبض هذا الحديث حسنه بعضهم وتكلمه بعضهم في إسناده فكل حال لما جاء الحديث أنعروا لأمر أبي لأقول الصديق رضي الله تعالى عنه ودفن النبي صلى الله عليه وسلم في مكان قبض روحه الشريف عليه أفضل الصلاة والتسليم وجزاه الله عنا خيراً عنا خير ما جزا الله النبي عن أمته صفحة أخرى فيها مواقف عظيمة بعد دفن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب بعض الأنصار واجتمعوا في سقيفة بني ساعده فبلغ خبرهم بعض المهاجرين وعلى رأسهم أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهم فأشار من أشار من الأنصار على أبي بكر وعمر أن يذهب إلى السقيفة فذهب أبي بكر وعمر ومعهم بعض المهاجرين رضي الله تعالى عن الجميع ودخلوا السقيفة فإذا ببعض الأنصار ببعض أكابر الأنصار في السقيفة وكان الأمر في شأن من يتولى الأمة بعد بينها صلى الله عليه وسلم أخرج البخاري في الصحيح هذه القصة كاملة ومن باب الفائدة من أرادها فهي في كتاب الحدود أظنه في باب رجم الحبلة بعد الزنة الشاهد أن خطيب الأنصار الراوي عمر راوي الخبر عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه قام خطيب الأنصار رضي الله عنهم جميعاً فخطب وذكر ما للأنصار من الفضل والدعم للإسلام ونبي الإسلام صلى الله عليه وسلم قال عمر فزورت في نفسي مقالة يقول في القاموس أن التزوير بمعنى التهيئة يعني هيئت في نفسي مقالة يقول عمر أريد أن أقدمها أو أن أقولها بين يدي أبي بكر فلما فرغ خطيب الأنصار قلت : فأشار إلي الصديق أو فلحظني الصديق بعينه فجلست وكنت أهابه وأداري منه بعض الحد وأستميحكم عذراً هنا في بيان أمر في التاريخ وهو أن كثيراً من المؤرخين يورد الصديق بمظهر الضعيف اللين الشفيق الرحيم نعم هو كذلك ولكن في المواطن التي يناسبها اللين والرفق والشفقة أما في مواطن القوة والحسم والفصل فلا يصل إليه أحد ولهذا انظر إلى فقه عمر وانظر إلى تصرف عمر مع قوة عمر وشدته رضي الله تعالى عنه قال: فلحظني الصديق بعينه الذي أفهم من هذا اللفظ أن الصديق نظر إلى عمر نظرة مفادها أن اجلس أو تريث قال عمر فهمته فجلست فقام الصديق أبو بكر فتكلم بكلام والله ما ترك في نفسي كلمة إلا قالها وأحسن منها وهنا وقفة لا ينبغي للإنسان أن يتقدم في مجلس أو في مقام فتنة أو خلاف أن يتقدم بين يدي من هو أعلى منه وأن يلزم الأدب كما لزمه عمر فانظر إلى بسرات عمر بالجلوس وعدم الترجل فرق بين رجل أشير إليه أن يصمت ويجلس فيجلس متضجراً متحرقاً كارهاً أو أن يجلس راضياً قانعاً مذعناً وهذه مقامات قلبية شاهد المقال أن الصديق رضي الله عنه قال وأجزل في المقولة وعدل في القضية فكان من ضمن ما قال أن أيد الأنصار على ما لهم من الفضل بل وذكر زيادة على ما ذكر وهنا وقفة إذا كان المخالف له فضل في يعني فضل حازه بحق فهذا الفضل يعرف له ولا يقر على خطئه يعرف له فلما ذكر فضلهم مع أنه له رأي مخالف أقروا على ما له فقال الصديق ما قلتم فأنتم له أهل ثم ذكر بعض فضائلهم وهنا الصديق رضي الله عنه وأرضاه استسحب دليل أو حدث سابق مع النبي عليه السلام مع الأنصار فلعلنا نرجع بذاكرتنا لما أخرجه الشيخان لما قسم النبي صلى الله عليه وسلم قسمةً فأعطى المهاجرين وترك الأنصار فقال بعض وهنا ينبغي أن نفرق في سند ذكر الخبر يقول بعضهم فقال الأنصار كلهم حاشى وكلا فقال بعض الأنصار يعني كأنهم قالوا رضي الله عنهم كأن بعضهم قال : أعطى المهاجرين وتركنا وانتهت القضية ولكن لما بلغ الخبر النبي صلى الله عليه وسلم جمع الأنصار فانظر ماذا قال لهم وانظر إلى خطاب النبوة وانظر إلى مشكاة النبوة كيف يكون يختار أطيب الكلمة وإنك لعلى خلق عظيم قال يا معشر الأنصار ما مقاله بلغتني عنكم هم قد قالوا وقد قال بعضهم ولكن من باب تلطف العتب لهم ما مقالة قد بلغتني عنهم فسكتوا لأنه قد قال بعضهم فأراد أن يبين لهم أنهم أهل بالفضل وأن فيهم من الفضل ما لم يذكر فقال أما لو شئتم لقلت أتيتنا ونصرناك ثم ذكر بعض فضائلهم غير التي ذكر ثم جاء الفصل فقال الناس شعار والأنصار دثار أو الناس شعار والأنصار دثار الناس دثار والأنصار شعار والفرق أين الدثار والشعار وأن أحدهم يلي الجلد مباشرة يعني يعلم خاصة أمرهم والثاني الدثار فوق الثوب الشاهد أما لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار أما ترضون أن يذهب الناس بكذا وكذا أن يذهب الناس بالشاة والبعير إلى رحالهم وتذهبون أنتم بالرسول صلى الله عليه وسلم في لحاكم فبكموا حتى اخضلت لحاؤهم رضي الله تعالى عنهم جميعاً فالصديق رضي الله عنه ذكر هذه الفضائل للأنصار لكن مع هذا كله كون الرجل له فضل وله سابقة فإذا كان رأيه مخالفاُ فلا يقر على خلافه فلما بين الصديق ما لهم قال إن الله يقول يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين وقد سمانا الله الصادقين وإن هذا الأمر يعني الخلافة في قريش ثم قال وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين قال عمر فأخذ بيدي وأخذ بيد أبي عبيدة وانظر إلى إنصاف عمر وإلى معرفة عمر لقدر نفسه عند من هو أعظم منه قدراً قال ووالله ما قال كلمة في مقولته أبغض إلي من هذه ووالله لئن أتقدم فتضرب عنقي أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر الشاهد قال عمر فقلت ابسط يدك فبايعه عمر ثم بايعه المهاجرون والأنصار وهنا وقفات كثيرة منها الإنصاف في القول وإذا قلتم فاعدلوا وقولوا للناس حسنى ولا يجبلنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا إذا كان هذا مع الأعداء فكيف مع خاصة الأصحاب فلا شك أن الأمر من باب أولى وأحرى وأجدر فماذا يقال في من إذا لم يوافقه أحد على مسألة أو على رأي من آرائه جعله نظر إليه شذراً وجعل قوله ورأيه شططاً ولم يذكر له حسنة بل يتفرح بذكر سيئاته هذا خلاف يهدم مبنى السلف الصالح ولذا قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى ومن الناس من إذا أحب شخصاً تغاضى عن جم يع سيئاته ومنهم من إذا أبغض شخصاً تغاضى عن جميع حسناته ثم قال وهذا من أعمال أهل البدع من الخوارج والجعمية وغيرهم فالحذر الحذر من هذا الصنيع المشين وما شاكله وشابهه وقفة أخرى أيضاً أن الصديق رضي الله عنه وأرضاه هو أفضل الحاضرين وهذا أمر مقرر عند الصحابة جميعاً ومع هذا كان أبعد الناس عن حب التصدر أو حب الشهرة ولم قال قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين بالخلافة وأنت تعلم أن النفوس مجبولة في الغالب على حب الظهور وحب التصدر إلا من رحم الله أما هذا الصديق سحب بساطه وولى الأمر إلى غيره ولكن عمر وهذه وقفة أخرى رد الحق إلى نصابه وأرجع الأمور إلى مجراها الطبيعي ولم يشاور أو يستشهد نفسه أو غيره لعلمه بأن هذا الأمر لا خلاف أن الصديق رضي الله عنه أفضل الناس وأولى الناس بأمر الخلافة فلم يتردد بالقول فحسب بل بالفعل فقال ابسط يدك فبسط يده فبايعه عمر ثم بايعه بقية من في السقيفة رضي الله تعالى عنهم أجمين فهذه المواقف تجعل ميزان وتجعل من باب المنهجية الدعوية مر على الإسلام فتن وعلى الإسلام فتن فالتعامل مع تلك الفتن بالنص الشرعي يقود إلى بر الأمان أما التعامل معها بالعقليات المجردة من العلم الشرعي وبالعواطف الجياشة فهذا يزيد النار اشتعالاً والدخان عجاجاً هذا معروف في من قرأ وسمع وشاهد أو عاصر موقف أو صفحة أخرى فيها عبر واعتبار ومواقف صلح الحديبية هذا الصلح كما يقول غير واحد من الشراح لو أن العقول المجردة حكمت لأبطلته وطعنته ولكن الأمر فيه وحي والأمر فيه شرع صحيح صريح إذا كان المسلمون في حالة ضعف وأعداؤهم أقوى منهم فلا يتمنى أحد أن يموت حيوان لأحد من المسلمين فضلاً عن أن يموت مسلم موحد لا يرضى بهذا أحد بل يحاول جاهداً أن يحقق مقاصد الشريعة في عدم القول إلا بعلم مراعاة لجانب المصالح ودرئ المفاسد كان المسلمون في حال ضعف يقول شيخ الإسلام رحمه الله : ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم في مكة لم يكن مأموراً بقتال الكفار لعلمه جل وعلا السابق بضعفهم بل كان مأموراً لاحظ العبارة بل كان مأموراً بالعمل بآية الصفح فاصفح عنهم وقل سلام فاصبر صبراً جميلاً فاصبر إن وعد الله حق فاصبر وما صبرك إلا بالله وهنا لا يظن أحد أو يظن بعض الناس أن الصبر على هؤلاء أعداء الإسلام نصر الله الإسلام عليهم وأخزاهم وأذلهم لا يظن أحد أن هذا من الخور في عدم المواجهة لأن العمل إذا لم يكن بعلم شرعي وفق منهج السلف الصالح تلك الساعة إذا تقلبت الموازين واختلت الأمور حصل الهدم وزال البناء وحصل الإفساد وزال الإصلاح فأرادوا من النبي صلى الله عليه وسلم ننتقل إلى الحديبية انتهيت من ذكر في قضية مكة في الحديبية جاء الوحي بالصلح مع هؤلاء صلح وقتي لأن المراد حقن وحفظ المصلحة العامة الكبرى فقال الكفار في ضمن الصلح إن جاءك رجل منا مسلم ترده وإن جاءنا منكم رجل كافر لا نرد العقل يقول لا أما إذا كان العقل منقاداً مع الشرع يقول ماذا قال الشرع إن قال الشرع نعم سمعنا وأطعنا إن قال الشرع لا قلنا سمعنا وعصينا يعني سمعنا وعصينا لمن خالف الشرع فوافق النبي عليه الصلاة والسلام فجاء أبو جندل يصف في قيوده فقال سهل أو الذي جاء للصلح مع النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا لا أكتب حتى تعطيني هذا فقال : ردوه والله يا إخواني أن العقول المجردة إذا سمعت هذا الكلام تطيش وهي تقول أيعقل أن يرد هذا الرجل نعم وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى والقصة كلكم يعرفها في آخرها أن من جاء من الكفار مسلماً لم يذهب إلى النبي عليه الصلاة والسلام لعلمهم أنه سيقوم بردهم كفار ففتحوا جبهة ثالثة أو جبهة ثانية فضاقت على المشركين السبل فأتوا ونقضوا ذلك الشرط وانظر في عاقبة الأمر في أول الأمر كان يظن الإنسان أن عاقبة الأمر خسرى لكن لما إذا نظر الإنسان بعين البصيرة وتأمل وجد أن عاقبة الأمر خيراً أو أن عاقبة الأمر خير كثير فهذا موقف ينبغي أن يكون في سويداء القلب لأن العواطف إذا تدخلت دون النصوص كما تقدم آنفاً انقلبت عواصف .
|
|