أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: مقدمات في منهجية تَدَبُّر القرآن الثلاثاء 27 فبراير 2018, 3:39 am | |
| مقدمات في منهجية تَدَبُّر القرآن بقلـم الأستــاذ: حسَّــان عبد الله غفـر الله له ولوالديه وللمسلمين ----------------------- مقدمات في منهجية تَدَبُّر القرآن (1): المتأمّل في حالة الأمَّة وفي أسباب “الأفُول” و”الأزمة” الحضارية التي تعيشها، يلاحظ توافر كثير من العناصر المادية (الثروات الطبيعية – والبشر المنفذين لفعل النهضة) التي تؤهل لنهوض الأمم وإخراجها من كبوتها، إلا أن النظرة الإمبريقية لحال الأمَّة الإسلامية تقف عند غياب عامل آخر كان هو المحرك لهذه الأمَّة، وهو الذي صنع لها تاريخًا وهوية وحضارة بل وصنع لها وجوداً.
هذا العامل هو عامل الإيمان الذي أوشك على الانطفاء في حياة الأمَّة، فرغم المظاهر الشكلية الإيمانية المتعددة، إلا أن الإيمان لا يُقاس بمظاهره، ولكن يُقاس بفعاليته الواقعية، فماذا يفيد إيمان كامن ذاتي داخل الفرد ليس له تأثير في واقع اجتماعي أو تربوي أو اقتصادي أو سياسي أو أخلاقي..
ونحن في البدء لا ننفي عن المسلم المعاصر إيمانه، ولكن ننفي فعالية ذلك الإيمان، ونحفّزه إلى استعادة جذوة ذلك الإيمان مرة أخرى في دورة حضارية جديدة أو عالمية ثانية للأمة، لن يتحقق مرادها إلا باستعادة تلك الجذوة الإيمانية.
إن غياب فعالية الإيمان في واقع المسلم فرداً، والأمَّة جماعة، بدأ بوهن الدفعة القرآنية في أعماق الشخصية المسلمة وتكوينها النفسي والفكري والاجتماعي، فالقرآن هو الذي غرس في وجدان المسلم جذوة امتدت ظلال نورها قروناً طويلة، والأفكار والقيم والمفاهيم الإيمانية التي تضمنها الوحي هي التي مثلت عند المسلم في دورته الحضارية الأولى منبع التحضر، ويقاس بالقرب منها أو البعد عنها حالة المسلم وتحضره.
وعندما انطفأت شعلة هذه “الجذوة القرآنية” وخَمُدت أصيبت الأمَّة بهذا “الوهن الحضاري“، وتوقفت حركة العالم الإسلامي وضل وجهته، ولم يُفلح معه كل المعوضات الزمنية، ولا الطاقات الوضعية، لأنه لا يمكن لأي معوض زمني أن يحل محل الإيمان.
سبيل استعادة مركزية القرآن في الأمَّة إن استعادة مركزية القرآن في الأمَّة وفي نظمها وأخلاقها، لن يتحقق قبل أن يستقيم تعامل المسلم مع القرآن الذي هو الوقود الإلهي، والذي لا يمكن لأي معوض زمني أن يعوضه، ومن هنا كانت الدعوات الإصلاحية وأفكارها تتمحور حول التعامل مع القرآن واستعادة مركزيته في بناء شخصية الإنسان المسلم.. حتى يستعيد الهَدى الإلهي والنور المفقود.. وهو ما يجب أن تتمركز حوله الجهود التربوية من أجل استعادة المركزية القرآنية في بناء الشخصية المسلمة كمُكون رئيس ومركزي في بنائها التربوي والقيمي.. وتاريخ الإصلاح المعاصر بدأ بذلك.
ولكن جاءت فجوة وأفسدت ذلك بتقسيم التعليم إلى مدني وديني في إهمال تام لمكانة القرآن ودوره في البناء الحضاري الإسلامي، والحل الذي ندعو له الآن هو استعادة هذا المسار مرة أخرى -أي مسار تجديد منهجية التعامل مع القرآن- واستئناف نشاطه في برامج التعليم المواز في الأمَّة.
التَّدَبُّر: منهجية فعالية القرآن دائما نذكر أن التعامل مع القرآن لابد وأن يستند إلى ما بداخله من ضوابط وتوجيهات، وتكون هي الإطار للاجتهاد العقلي لتطوير ذلك التعامل، وهذا أمر بدهي، فالعلوم المعاصرة [على سبيل المجاز] تشترط فيمن يتعامل معها أن يكون على دراية بقواعدها ومناهجها وأدواتها التي تأسَّست بداخلها وتطورت معها، وهذا –أيضاً- أمر منطقي وموضوعي، إذ كيف نتعامل مع هذه العلوم دون دراية بأسسها وأصولها وفنون التعامل معها كما قررتها في مراجعها وكتبها الرائدة.
ذكرت لفظة القرآن في القرآن (50) مرة، أما فيما يتعلق بطريقة التعامل معه فكانت حول أربعة معان: الأول: (التَّدَبُّر) وقد ورد هذا المعنى في موضوعين: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82]، {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد – 24]..
ويُقصد بالتَّدَبُّر: -كما جاء في المعاجم والقواميس والتفاسير- الفهم، والتفكُّر أي فهم القرآن، والتفكر فيه ليعرف به المؤمنين الحق من الباطل، و-أيضا- التأمُّل، وتصرف القلب بالنظر، والتعرف على الحجج والأدلة والتتبع، والتعقب وراء الظاهر، والتبصر، وإدراك المعاني الكامنة.
والمعنى الثاني: (مُدَّكِرْ) وقد ورد هذا المعنى في أربعة مواضع: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [القمر: 17، 22، 40،32].
ويقصد بـ”مُدَّكِرْ”: الاتعاظ، والعبرة، والتذكر، والدرس، والتعلم.
والمعنى الثالث: (الترتيل): ورد هذا المعنى في: {كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} [الفرقان: 32]، {أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: 4].
بمعنى سهولة الكلمة واستقامتها من الفم، و-أيضاً- يعني: الترسُّل، والتثبُّت، والتبيين والتفسير.
والمعنى الرابع (العلم): وقد ورد هذا المعنى في موضوع واحد {عَلَّمَ الْقُرْآنَ} [الرحمن: 2]، والعلم مطلقًا إدراك الشئ على حقيقته، ولا يمكن حصره هنا على القراءة أو تعليم القراءة وفقط كما جاء في بعض التفاسير.
هذه الشبكة من المعان حول طريقة التعامل مع القرآن من داخل القرآن نلاحظ في صدارتها الأفعال العقلية وإعمال العقل عند التعامل مع القرآن: التذكر، والتأمل والتفكر، والتبيين، والتفسير، والتبصر.. و.. و.. كلها من وظائف العقل ويمكن إجمال الطريقة الشاملة لهذه المعان بـ”التَّدَبُّر” وهو ما عَنْوَنَّا به هذه السلسلة من المقالات: ”منهجية تَدَبُّر القرآن”.
أهداف طرح منهجية تَدَبُّر القرآن: في ضوء ما سبق جاءت فكرة طرح “منهجية تَدَبُّر القرآن”،..
ويمكن تحديد الغايات النهائية أو الكبرى لهذا المشروع فيما يلي: 1 – تفعيل ”المنظومة القيمية القرآنية” في نموذج حضاري فاعل في حياة المجتمع والأمَّة، وذلك بتجسدها في الإنسان المسلم. 2 – أن يمتلك العقل المتعامل مع القرآن الأدوات المنهجية والوسائل التي تمكنه من استنهاض ”المنظومة المعرفية القرآنية” لتحقيق مقاصد الاستخلاف، الحرية، والتوحيد، والعدل، والتزكية، والعمران. 3 – استعادة الجذوة التصورية والمعرفية والمنهجية للقرآن في واقع الأمَّة والواقع الإنساني. 4 – تنشئة نموذج الإنسان المتَدَبُّر للقرآن (على مستوى الفرد والجماعة)؛ بما يحقق التعامل الإنساني الرشيد مع القرآن، والتفاعل العميق مع أبعاد التنـزيل. 5 – الوصول بالفرد والجماعة إلى المعرفة التي تؤدي إلى العمل بالمعاني المستفادة من تَدَبُّر النص القرآني.
القواعد الكلية للتعامل مع للقرآن: ومن هذا الهدف ننطلق في حلقات طرح جديد -بإذن الله- هو (مقدمات في منهجية تَدَبُّر القرآن).
نطرحها انطلاقًا من قاعدتين أساسيتين هما: أ – القراءة باسم الله: يحدد القرآن طريقة قراءته وذلك في أول سورة (العلق): {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} فهذه المنهجية تحدد أن القراءة يجب أن تكون: أولاً: باسم الله، باسمه هو فقط.. والمترتب على ذلك أن تكون القراءة وفقًا لهذا المحدد مبدئياً ومطلقاً باسم الله وفقط، وأن منهجية (القراءة) يجب أن تكون من داخل القرآن ذاته..
وأنه لا معنى للمناهج المشوشة والمخالفة التي أرادت أن تقرأ القرآن بغير تلك المنهجية (أي بغير اسم الله) فسقطت ولم تحصل منه على غايته الأساسية وفائدته المرجوة للبشر وهي (الهداية) {ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2].
ولهذا فإن المناهج الاستشراقية -التي تعاملت معه باعتباره كتاباً بشرياً لا إلهياً- التي تعاملت مع القرآن بغير هذا المنهج، أو المناهج المستغربة من داخل الأمَّة هي كلها مناهج مشوشة، أو حتى تلك المناهج التي رأت في القرآن كتاب (إعجاز علمي) أو كتاب (أدب) أو (تاريخ)، كلها لم تستطع أن تحصل على هدايات القرآن ولا أن تقدمه على حقيقته باعتباره كتاب هداية للناس.. أو نقطة انطلاق لفهم العالم وهدايته.
وهذه القراءة باسم الله تؤدي إلى تحقيق غايات نزول القرآن ذاته وهي أنه يحقق للنفس والمجتمع: الشفاء، الهدى، العلم، الإنسجامية، الإرشاد، الصلاح، العصمة.
ب – الشمولية أو الوحدة البنائية أو كل ما هو نقيض القراءة التفتيتية للقرآن: القرآن أنزل جملة واحدة ومرة واحدة، من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة: 185]، ثم نزل على صدر النبي متفرقًا لحكمة أعلنها الله تعالى: {كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} [الفرقان: 32].
وعلى ذلك فالمنهجية الراشدة للمسلم هي أن يتعامل مع القرآن جملة واحدة، ولا يتعامل بالطريقة التجزيئية حتى يستطيع الوصول إلى الفهم والتَّدَبُّر السليم، ولهذا ظهر ما يُعرف بالتفسير الموضوعي وهو الذي يُحقق كثيراً من هذا المعنى، فالقرآن يُفسر بعضه بعضاً، والقضايا والموضوعات لا يمكن النظر إليها في القرآن إلا بصورة متكاملة، ومن ثَمَّ لا يمكن الوقوف على آية أو بضع آيات في حكم ما أو قضية ما والتغاضي عن باقي القرآن في ذات القضية.
وكذلك إن هذه النظرة الشاملة للقرآن تجعل العقل المسلم يتجاوز النظرة الفقهية التي ينظر بها البعض للقرآن على أنه كتاب أحكام أو تشريعات وفقط، لتمتد تلك النظرة إلى قضايا التربية والسياسة والثقافة والاجتماع.
إن النظرة الشاملة والكلية للقرآن تساعد في فهم الواقع وإدراك السنن في الكون والطبائع والنفوس، كما أنه يتيح الوصول إلى أطر عامة حاكمة لحركة الإنسان والمجتمع والتاريخ.
إن المعاني الكبرى في القرآن لا يمكن الوقوف عليها من خلال القراءة التجزيئية، فالتوحيد، والاستخلاف، والعمران، والخير والشر، والحسنة والسيئة، والتداول، والنصر والهزيمة، والدعوة، والإصلاح، والإيمان والكفر..
هذه المعاني وغيرها لا تؤدي إليها الطريقة المجتزئة المبتسرة للقرآن، فلابد أن يكون القارئ المتَدَبُّر يشبه الطائر المحلق في السماء في التلقي واستقبال المعاني القرآنية من خلال القراءة الواعية الراشدة، التي تحيط بالمعنى البعيد والكامن من خلال الإحاطة بالمضمون الكلي للمعاني القرآنية والغاية الكبرى للقرآن ذاته.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الجمعة 28 مايو 2021, 2:57 pm عدل 1 مرات |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: مقدمات في منهجية تَدَبُّر القرآن (2): الثلاثاء 27 فبراير 2018, 3:45 am | |
| مقدمات في منهجية تَدَبُّر القرآن (2): تَدَبُّر أسماء السُّوَر القرآنية: إن عملية تَدَبُّر القرآن عملية اكتسابية مهارية كما أنها عملية وجدانية وعقلية أيضًا والمقصود بهذا الوصف أنها عملية تحتاج إلى تنشئةٍ عليها لذا نقدم هنا منهجية للطفولة الإسلامية وتمتد مناسبتها لما بعدها وتتواصل مع المنهجية المقدمة لاحقًا للراشدين وتتمثل تلك المنهجية المقترحة في برنامج تَدَبُّر أسماء السُّوَر القرآنية.
موضوعه الأساس هو أسماء السُّوَر والتَّدَبُّر كمرحلة أولى للتدريب على تَدَبُّر القرآن جملة وإدراك مقاصده، ولعله يتناسب مع الناشئة كما يتناسب مع الكبار -أيضاً- أما فكرته فتقوم على أساس الإحاطة باسم السُّوَرة معنى ومبنى وتاريخاً ومعرفة ودلالة ذلك الاسم وأهميته في السُّوَرة التي عنون بها ومقاصده الحياتية، ودلالاته الاجتماعية والنفسية إن وجدت.. يشير الإمام البقاعي الشافعي (توفى 885 هـ) إلى أن اسم السُّوَرة يدل على مقصودها ومضمونها “…كل اسم سورة مترجم عن مقصودها, لأن اسم كل شيء تلحظ بينه المناسبة وبين مسماه, عنوانه دال بالإجمال على تفصيل ما فيه… ومقصود كل سورة هاد إلى تناسبها” (مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السُّوَر, ج1, ص209).. وغير ذلك مما يمكن استقراءه فيما يتعلق باسم السُّوَرة.
ولتسهيل هذه الطريقة نقترح برنامج ”حِزَمُ الهدى” في هذه المنهجية. (أ) حِزَمُ الهدى: يتناسب هذا البرنامج مع الناشئة من (5-12 عاماً), ويتطلب تصميمه أن يقوم المربي بإعداد (حِزَمُ الهدى) لمادته التربوية التي يقدمها للطفل أو الناشئ ونقصد (بحِزَمِ الهدى): تصنيف أسماء السُّوَر القرآنية إلى مجموعات متجانسة ومتشابهة يكون بينها رابط أساسي وعلى معيار واحد وثابت.
مثل: – حِزْمَة السُّوَر التي سُمِّيَتْ باسم بشر مثل: (آل عمران, النساء, يونس, يوسف, هود, إبراهيم, مريم, طه, الأنبياء, المؤمنون, لقمان, يس, محمد, نوح, الإنسان, الناس).
– حِزْمَة السُّوَر التي سُمِّيَتْ بأسماء (كائنات حية أو حشرات اجتماعية) مثل: (البقرة, النمل, النحل, العاديات,,}
– حِزْمَة السُّوَر التي سُمِّيَتْ بأسماء ظواهر طبيعية وثروات مثل: (الرعد, الدخان, الذاريات, الحديد, التكوير, الانفطار, الانشقاق.., .., ..).
– حِزْمَة السُّوَر التي سُمِّيَتْ بأسماء وحدات الزمن (أيام-أوقات) مثل: (الجمعة, الفجر, الليل, الضحى, القدر, العصر, الفلق..).
– حِزْمَة السُّوَر التي سُمِّيَتْ باسم (الكواكب والنجوم) مثل: {النجم, القمر, الشمس, ,..,}.
– حِزْمَة السُّوَر التي سُمِّيَتْ باسم (الظواهر الطبيعية) مثل: {الانشقاق, التكوير, التكاثر, ..,}.
– حِزْمَة السُّوَر التي سُمِّيَتْ باسم الأماكن مثل: {الطور, الروم, الكهف, …}.
وهكذا يجتهد المربي في عملية تصنيف (حِزَمِ الهدى) تصنيفاً دقيقاً وشاملاً بحيث يسكن أسماء السُّوَر القرآنية الــ (114) في حزم يطلق عليها (حزم الهدى).
والخطوة الثانية في تصميم (حِزَمُ الهدى) أن يقوم المربي بالبحث عن خصائص كل حِزْمَة ودلالتها المتشعبة حسب تلك الخصائص (فيما يتعلق بأسماء السُّوَر) وعناصر الجمع أو معيار الجمع بينهم (كل حِزْمَة مع بعضها البعض) ثم بيان علاقات هذه الحزم (جميعها) والروابط التي تربط بينها [وهذا بالطبع يمكن أن يأخذ عشرات الحلقات المتتابعة مع مناسبة الأنشطة المقدمة (والتي نعزم على إعطاء إشارات منها في هذا المقترح بإذن الله) لتكون عوناً للطفل في استقبال المعنى ورسوخه.
مثال (1): إدراك أوجه الشبه داخل الحِزْمَة ذاتها (حِزْمَة السُّوَر التي سُمِّيَتْ باسم (إنسان) (يمكن التطرق فيها إلى أسماء الرسل ولمن أرسلوا (أقوامهم)؟ وما أسماء أقوامهم؟ وما ترتيب ذلك البعث وتلك الرسالة؟ والاختلاف في العصور الزمنية بين هؤلاء الرسل.. ومكانة السيدة مريم بين الرُّسل.. بمعنى إدراك أوجه الشَّبه والاختلافات والعلاقات بين الحِزْمَة ذاتها).
مثال (2): إدراك أوجه الشبه بين الحزم بعضها وبعض (بمعنى ما الذي يربط الإنسان بالثروات بالكائنات الحية بالظواهر الطبيعية …, …,) وما أوجه الاختلاف بينهم, وما العلاقات المعيارية بينهم في ضوء النهج القرآني.
الغرض الأساس لهذه الخطوة -بناء/ تصميم (حزم الهدى)- هو تقديم القرآن للطفل بصورة كلية وشاملة ليتعود على التعامل الموضوعي والاستقبال الكلي للقرآن عند الدخول في مرحلة النضج والرشد, وبذلك نتغلب على النظرة التفتيتية للقرآن التي فقدت الأمَّة معها مقاصد القرآن ومعانيه ومبانيه.
كذلك مد الطفل بطرق للتفكير الوصفي والمقارن وممارسة إعمال العقل عند التعرض لآي القرآن.
(ب) مجالات تَدَبُّر أسماء السُّوَر القرآنية: نطرح هنا المستوى الثاني لبرنامج تَدَبُّر (أسماء السُّوَر القرآنية 5-12 عاماً).. فبعد أن تم تقسيم أسماء السُّوَر إلى حِزَم حسب معيار محدد, في هذا المستوى نطرح مجالات التَّدَبُّر لأسماء السُّوَر (في كل حِزْمَة على حدة) وذلك في ضوء عدة مجالات تتقاطع مع اسم كل سورة نستخرج منها في دليل المعلم ما يمكن استخراجه حسب كل اسم ومعطياته القرآنية والمجالية والدلالية ومجالات التَّدَبُّر المقترحة هي: اللغة - المفاهيم - المعرفة – التصورات – السلوك – الجمال – القيم – الوجدان.
نحاول من خلال اسم كل سورة على حدة من (سور حِزْمَة الهدى) أن نستخرج مجالات التَّدَبُّر الثمانية (والتي يمكن أن نضيف إليها أو نحذف منها حسب كل اسم ومعطياته ودلالته).
بمعنى أن اسم السُّوَرة المفردة يكون موضوع التَّدَبُّر لهذه المجالات الثمانية التي يمكن أن تزيد أو تنقص بحسب المعطيات والدلالات كما ذكرنا سابقًا كما أنها تتنوع في الطرح بحسب المستويات المتباينة داخل السن المقترح (5- 12) فتتدرج من البساطة إلى العمق ومن الجزئية إلى الكلية ومن المادية إلى التجرد.
مثال: سورة الضحى.. اللغة: وقت ارتفاع النهار وامتداده.
المفاهيم: وحدة من وحدات الزمن (اليوم)..
المعرفة: والمعرفة هنا يمكن أن تتضمن ثلاثة جوانب هي معرفة علمية بطبيعة هذا الوقت وخصائصه بين أوقات النهار وهذا يتطلب حشد معلومات تتصل بطبيعة وقت الضحى وتأثيره على الإنسان والنبات في ضوء مناسبة المرحلة العمرية وتنوع المعلومات وتدرجها، وما يتصل بأفعال المسلم المستحبة فيه، وهذا يتطلب أيضًا حشد المعلومات بما يتصل بوقت الضحى في الأحاديث النبوية وتقديمها بما يناسب المرحلة العمرية.. الثالث: معرفة مناسبة النزول لسورة الضحى.
التصورات: نتوقع أن يتكون لدى الطفل -في ضوء مصاحبة مربٍ واعٍ- فكرة شاملة عن اسم ”الضحى” معرفةً, وشرعاً.
السلوك: (الحث على صلاة الضحى)، (العناية بالوقت الذي أقسم الله به), ( الاهتمام بالقراءة العلمية عن هذا الوقت …., ….).
الجمال: استدعاء أو استحضار البُعد الجمالي في لوحة فنية تعبر عن هذا الوقت أو حضور الطفل فيه في ذات الوقت نفسه.. أو أي أنشطة أخرى ترتبط بإبراز هذا البُعد.
القيم: نتوقع أن يتكون لدى الطفل: (اهتمام بالوقت, والعناية بالأعمال المرتبطة به, …, ….).
الوجدان: يرتبط الطفل وجدانيًا بهذا الوقت في ضوء الحشد المعرفي والإيماني المناسب الذي تم في مجالات التَّدَبُّر السابقة.. (هذا النموذج على سبيل المثال المختصر والذي يحتاج إلى جهد كبير من المرشد أو المربي الذي يقوم بعملية التفاعل والتدارس القرآني مع الأطفال في هذه السن الباكرة). |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: مقدمات في منهجية تَدَبُّر القرآن (3) الثلاثاء 27 فبراير 2018, 4:02 am | |
| مقدمات في منهجية تَدَبُّر القرآن (3) ====================== نطرح هنا عدة كليَّات أساسية في منهجية تَدَبُّر القرآن للراشدين، الذين يستطيعون التعامل بوعي أكبر مع القرآن الكريم، وإدراك مقاصده ومعانيه الشاملة، وسوف نطرح هذه الكليات مع نماذج تطبيقية مختصرة وعلى القارئ التمرُّن على القراءة من خلال هذه النماذج والتوسع فيها.
الكليَّات الأربع لتَدَبُّر القرآن مع نماذج وتطبيقات الكلية الأولى: تحديد المقصد العام للسورة القرآنية، والمقاصد التابعة.
تقوم هذه الكلية على مبدئية النظر إلى السُّورة باعتبارها وحدة واحدة من النظم والمعاني والمقاصد، فالسُّورة الواحدة مهما تعددت فيها المواقف والأحداث، وتنوع فيها الخطاب بين عام وخاص، وتنوع فيها المخاطب العقل أم الوجدان، المسلم أم غير المسلم.. فإنها كلها يحيطها مقصد أساس، ومقاصد فرعية توضحه وتدعم وجوده في ذهن المتَدَبُّر، فكل هذه التنوعات والتعددات إنما هي متآلفة وليست مختلفة فضلاً عن أن تكون متناقضة فوحدة المصدر للقرآن: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء: 82]، ووحدة رسالته: [وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ} [الزخرف: 44] يقتضيان هذا التآلف العام بين سور القرآن عموماً والانسجام الخاص –بين السُّورة الواحدة خصوصاً–، ووحدة الغاية والمقصد.
يذكر القاضي أبوبكر ابن العربي (ت 1148م) في مبدئية وحدة السُّورة قوله: ”…ارتباط آي القرآن بعضها ببعض حتى تكون كالكلمة الواحدة، متسقة المعاني، منتظمة المباني”. (ابن العربي، سراج المريدين).
ويطرح الإمام البقاعي الشافعي (ت885 هـ) في كتابه الموسوعي (مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السُّوَر) معتمدًا في تحديد مقصد السُّورة من اسمها أو أسمائها -التي ذكرت في الروايات المختلفة- ففي سورة الفاتحة على سبيل المثال، يذكر: أن مقصود هذه السُّورة هو مراقبة العباد لربهم.. فإن التزام اسمه تعالى في كل حركة وسكون داع إلى ذلك، وعلى ذلك دلّت أسماؤه.. وأن أسماء هذه السُّورة مع الفاتحة، أم القرآن، وأم الكتاب، والسبع المثاني، والأساس، والكنز، والشافية، والكافية، والواقية، والشفاء، والرقية، والحمد، والشكر، والصلاة، والدعاء، والصلاة..
فمدار هذه الأسماء -كما يقول البقاعي-: على أمر خفي، كاف لكل مراد، وذلك هو المراقبة، وكل شيء لا يُفتتح بها لا يُعتد به… وهي -أي سورة الفاتحة- جامعة لجميع معاني القرآن، ولا يلزم ذلك اتحادها مع مقصوده بالذات، وإن توافقا في المآل، فإنه فرق بين الشيء وبين ما جمع ذلك الشيء. (مصاعد النظر، ص 210).
وحديثًا أطلق عبدالله دراز (ت 1958): ما عرف بنظام “عقد المعاني” على منهجية وحدة السُّورة أو مقاصد السُّورة، ويذكر في ذلك ”أن القرآن في قطعة قطعة منه تلتقي عنده نهايات الفضيلة كلها على تباعد ما بين أطرافها (دراز، النبأ العظيم، ص143).
ويضرب دراز مثالًا لنظام عقد المعاني من خلال تعرضه لسورة البقرة، ويري أن هذه السُّورة –البقرة– على طولها تتألف وحدتها من: المقدمة، وأربعة مقاصد، وخاتمة...
على الترتيب التالي: (المقدمة) في التعريف بشأن القرآن، وبيان أن ما فيه من الهداية قد بلغ حدًا من الوضوح لا يتردد فيه ذو قلب سليم.
وإنما يعرض عنه من لا قلب له، أو كان في قلبه مرض.
(المقصد الأول): دعوة الناس كافة إلى اعتناق الإسلام.
(المقصد الثاني): في دعوة أهل الكتاب خاصة دعوة خاصة إلى ترك باطلهم والدخول في هذا الدين الحق.
(المقصد الثالث): في عرض شرائع هذا الدين تفصيلاً.
(المقصد الرابع): ذكر الوازع والنازع الديني الذي يبعث على ملازمة تلك الشرائع وينهى عن مخالفتها.
(الخاتمة): في التعريف بالذين استجابوا لهذه الدعوة الشاملة لتلك المقاصد، وبيان ما يُرجى لهم في آجلهم وعاجلهم.
– أما طه العلواني (ت 2016) فيقدم رؤية متقاربة -أيضاً- حول مقصد السُّورة، وأطلق عليه ”عمود السُّورة” وهو يعتمد كما أشرنا سابقاً على النظرة الكلية للسورة القرآنية ”فالسُّورة من القرآن لها وحدتها البنائية الخاصة بها، ضمن الوحدة الكلية للقرآن المجيد، وإدراك الوحدة البنائية للسورة، والكشف عن معانيها، وإبراز وحدتها، يجعلنا نبحث عن ” عمودها الأساس” فلكل سورة عمود، لأن السُّورة بمثابة بيت كبير، له دعامة أساسية، أو عمود يقوم عليه البيت، تحيط بهذه الدعامة الأساسية دعامات أو أوتاد فرعية أخرى بالنسبة للعمود الأساس، لتتضافر معه في تشكيل بنية السُّورة.” (العلواني، أفلا يتَدَبُّرون القرآن، ص137).
نصل من خلال ما تقدم حول هذه الكلية الأولى -الوقوف على ”مقاصد السُّورة “- إلى خلاصة معرفية مفادها أن تحديد مقاصد السُّورة إنما يعتمد على النظرة الكلية والشاملة للقرآن الكريم، وأنه جملة واحدة، ومن مصدر واحد، ورسالة واحدة، وإن تنوعت طرق خطابه وبيانه وموضوعاته، وأن إحساس المسلم القارئ للقرآن بهذه المنهجية يجب أن ينشغل بهذه الوَحدة في قراءته مهما كانت المعاناة العقلية في ذلك، إلا أنها تحقق في النهاية مقصد القراءة وهو التَّدَبُّر.
الكلية الثانية: استخراج المفاهيم الرئيسة بدأ القرآن في تربيته للجماعة المسلمة التي انطلقت من فورها من حال الظلمات إلى النور، فراح يحدد لها مفاهيمها ويوضحها ويصحح أوجه اللبس والاختلاط بين بعضها البعض، وذلك لتحديد الهوية والتأكيد على الأصالة، لذلك جاءت لفظة: “قولوا” في هذا الإطار من أجل: بناء مفاهيم الجماعة المسلمة، وتصحيح الاعتقادات المشوهة.
ومن نماذج المفاهيم التي اعتنى القرآن بتصحيحها وبناءها من جديد عند الجماعة المسلمة ما يلي: 1- مفهوما “الإسلام” و”الإيمان”: ميَّز القرآن بين مفهومي الإسلام والإيمان على أساس العام والخاص، والكلي والجزئي بينهما: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 14]، فالإسلام له شروط ظاهرة يمكن أن نراها جميعًا، ولكن الإيمان خاصية بالقلب لا يمكن أن يراه إلا الله تعالى، فالإسلام بنطق الشهادتين يجعل الإنسان ينطوي تحت مسمى (مسلم) أما الإيمان فهو عمل قلبي لا يطّلع عليه ولا يدرك حقيقته إلا الله..
أو لأن الإسلام قول فقط، بينما الإيمان قول وعمل، والعمل شرطه النية والنية محلها القلب الخاص بعلم الله.. فالذين لا يصدقون بأعمالهم أقوالهم لا يندرجون تحت مظلة (المؤمنين) وإن بقوا تحت مظلة (الإسلام). أشارت بعض التفاسير إلى شرط العلم بالشريعة حتى يندرج المسلم تحت مظلة الإيمان، وفيه شيء من المنطق، إذ كيف يعمل المسلم بالتكليفات دون علم؟ وهل يعبد الله على جهل؟ وكيف يمكن أن يتم معرفة الأوامر والنواهي؟ والأحكام والحدود؟ والتشريعات والتكليفات دون علم؟ وعليه فيمكن للمتَدَبُّر أن يتتبع أحوال اللفظتين: الإسلام، والإيمان ليكون تصورًا عامًا وخاصًا لهما في ضوء التتبع والاستقراء لأحوالهما في القرآن، مدركًا بملكة التفكير الناقد والمقارن، جوانب الاشتراك، والتشابه، والاختلاف والتباين، كما يمكنه أن يدرك خصائص كلا المفهومين وطبيعة العلاقة بينهما في هذا الإطار القرآني.
2- مفهوما “راعنا” و ”انظرنا” ومدخل جديد للتعامل مع بناء المفهوم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا} [البقرة: 104]، وهنا مدخل مهم لإدراك طبيعة المفهوم الذي يُفهم من الكلمة، فإن المفهوم كلمة، ولكنه ليست كلمة فقط، بل أيضًا بما تحمله الثقافة التي تشبع بها هذا المفهوم، وما حقيقته في تلك الثقافة ومقصوده، فرغم أن الكلمتين “راعنا” و”انظرنا” بمعنى قريب وواحد: [رَاعِنَا: فِعْلُ أَمْرٍ. أمر من المُراعاة، أي راعنا سمعك أي اسمع لنا ما نريد أن نسألك عنه أو انظر في مصالحنا وتدبير أمورنا..
انْظُرْنا: انظر إلينا، أو انتظرنا وتأنَّ علينا وأمهلنا]..
ولكن اليهود (البعد الثقافي للكلمة) كانت تستخدم راعنا في سَبّ وتقبيح النبي -صلى الله عليه وسلم- فجاء أمر الله للمؤمنين أن لا يقولوا هذه الكلمة ويستبدلونها بكلمة أخرى لا تحمل هذا التشبع الثقافي بالسَّبّ والتوبيخ والذي كان يفعله اليهود مع النبي –صلى الله عليه وسلم–.
ومن الدراسات المُهمَّة في هذا الشأن دراسة السيد عمر (خارطة المفاهيم القرآنية) [1] والذي عَدَّ فيها ما يقرب من (25) مفهومًا قرآنيًا استخرجها من القرآن الكريم منها: مفهوم العبادة، الحرم، السير، الجهاد العفة، الصبر، سُنَّةَ الله.. وغيرها من المفاهيم القرآنية.
وبمكن للقارئ الرجوع إليها من أجل التمرين والتدريب على طريقة استخراج المفاهيم من القرآن مباشرة.
كما قدَّم السيد عمر -أيضًا- دراسة مفصَّلة حول كيفية استخراج المفاهيم وبناءها من القرآن الكريم بالتطبيق على مفهوم التزكية [2]، وقد طرح هذا المفهوم من خلال البحث في المحاور التالية: مصدر التزكية، ميزان التزكية، المكلف بعملية التزكية، مضمون التزكية، عاقبة التزكية. ________________________________________ [1] السيد عمر: خارطة المفاهيم القرآنية, دمشق, دار الفكر, 2009. [2] السيد عمر: بناء المفاهيم ودورها في نهضة الأمَّة, الرياض, دار الهدى, 2014. |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: مقدمات في منهجية تَدَبُّر القرآن (4) الثلاثاء 27 فبراير 2018, 4:05 am | |
| مقدمات في منهجية تَدَبُّر القرآن (4) ====================== الكلية الثالثة: التصورات التي تتضمنها السُّورة ومجال هذه التصورات هي (الله، والإنسان، والمجتمع)، القرآن هو المرتكز الأساس في بناء الشخصية المسلمة، وهو الذي يمنحها رؤية الخالق والعالم والكون، وتتضمن هذه الرؤية نظام القيم الذي ينبغي أن يعتقد الإنسان، فيما يسمى برؤية العالم أو النموذج المعرفي، أو الرؤية الكلية، بمعنى امتلاك التصور والقدرة على تفسير الظواهر الكونية والإنسانية في ضوء مرجعية الوحي، وهذا لن يتأتى إلا بنظرة تَدَبُّرية راشدة للقرآن.
ويمكن أن نشير إلى نماذج من التصورات الأساسية التي يمكن استخراجها من القرآن كما يلي: 1- مجال التصور: (الله) “لا إله إلا الله” هي نواة العقيدة لدى المسلم، ويدور القرآن حول فكرة “التوحيد” في مجال التصور الإلهي وهي الفكرة القائمة على التنزيه الكامل لله تعالى، تنزيهه عن التشبه، والترمز والتجسيد والتمثل أو الشرك.
فالله تعالى واحد لا شريك له في الرؤية القرآنية وهو ما تجمله سورة الإخلاص: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 1-4]، فهذه السُّورة هي خلاصة وكمال فكرة التوحيد من الناحية المعرفية والإيمانية في القرآن.
إن كلية التَّدَبُّر في مجال التصور الإلهي هنا تعتمد على مركزية فكرة “التوحيد” وأبعادها وتمايزها عن مجال التصور الإلهي في المسيحية واليهودية وعن التصورات الوضعية التي أشار إليها القرآن أيضاً: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية: 24].
كذلك يقدم القرآن الاستدلال العقلي على الاستدلال النقلي في مسألة التصور الإلهي فيشير القرآن دائمًا إلى استخدام العقل والاستدلال في التعرف على الله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ} [المُلك: 3-4].
ويرجح القرآن العقل على النقل في الاستدلال على الله تعالى ويدعو الكافرين إلى الإتيان بحججهم ودلائلهم على هذا الكفر وعدم الإيمان: {أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [النمل: 64].
ويعبر التوحيد -كما يقول إسماعيل الفاروقي (ت 1986) بعبارته البالغة الإيجاز: “لا إله إلا الله”-، عن معان ثلاثة، على المستوى القيمي، أولها: أن الخليقة هي المادة التي ينبغي تجسيد الإرادة الإلهية المطلقة فيها.
وكل مقومات الخليقة في الوضع الذي فطرها الله تعالى عليه خيره. والخليقة ليست هي أفضل العوالم الممكنة فحسب، بل إنها كاملة ولا عيب فيها.
ويكفينا هنا التَّدَبُّر في هذين الشاهدين القرآنيين: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ} [السجدة: 7]، و [المُلك: 3 – 4].
إن التَّدَبُّر في مجال التصور الإلهي يقود ضمن ما يقود إلى أولوية الدرس العقل في مسألة الإيمان وهو من الأهمية بمكان في كل العصور والأزمنة، لاسيما العصر الحالي وقد انتشرت فيه موجات الإلحاد حتى في البلاد الإسلامية وبدأت تتغلغل الدعوات إليها، وما كان لهذه الدعوات أن تجد قبولًا لها لو انبنى التعامل مع القرآن على أساس من التَّدَبُّر، وانبنى الإيمان على الدرس العقلي الذي أرساه القرآن ذاته.
وفي ضوء ذلك يمكن للمتَدَبُّر أن يصل إلى قواعد متعددة في تأسيس الإيمان على أساس عقلي، وأدلة وحجج وبراهين لها قوة الثبات والمواجهة الفكرية والنفسية التي يمكن أن تواجه المسلم في ظل ثورة الاتصالات والغزو الفكري والعقدي الذي تتعرض له أمتنا خلال قرن أو يزيد.
وكذلك ظلال الإيمان على واقع الحياة الفردية والجماعية بل والإنسانية أيضاً.
وبصفة عامة لا تكاد تخلو سورة من القرآن إلا وهي متضمنة لهذا المجال (التصور الإلهي) لأن فكرة التوحيد فكرة ضاربة في جميع التصورات القرآنية: الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والجمالية.
2 – مجال التاريخ: يشمل هذا المجال البحث عن رؤية المسلم لدوره في التاريخ، ومكانته التي حددها القرآن، ومن ثَمَّ يتشكَّل وعيه التاريخي وفقًا لهذا الدور، وعلى سبيل المثال، يشير القرآن إلى تلك المكانة، وهذا الدور في قوله تعالى: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: 61].
وهذا المعنى يجب أن يلتقطه المسلم خلال قراءته التَّدَبُّرية في القرآن، باعتباره مسؤولاً عن أحداث التاريخ وحركتها، ومن ثَمَّ ينبذ السلبية التي تحكم حركة الأمَّة اليوم، والقدرية المذمومة في تلك الحالة.
وهذه هي المسؤولية الفردية والجماعية في التغيير التي يهدف إليها القرآن: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ}[الإسراء: 13] {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:11]، ولعل من المعاني التي يجب أن يصل إليها المتَدَبُّر وأن تشكل له تصوراً أساسياً حول التاريخ هي أن الإسلام أعطى اعتباراً كبيراً للحياة -ولم يرفضها كما فعلت المسيحية على سبيل المثال- لأنها مسرح حياة المسلم التي يمارس فيها فعل الاستخلاف.
ويكفي أن الله تعالى يساوى بين منع إعانة المسكين على الحياة وبين التكذيب بالدين: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَٰلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: 1 – 7].
كذلك من المهم في مجال الوعي التاريخي الوقوف على مفهومي التداول والتدافع القرآنيين اللذان يشكلان للإنسان المسلم طبيعة تصوره عن الصراعات الموجودة، وطبيعته مركزيته الحضارية فيها.
3 – مجال المجتمع: (نظام القيم).. مسار التَّدَبُّر في هذا المجال هو البحث عن القيم التي تحكم حركة المجتمع وتطوره، لاسيما وأن المجتمع هو مجال تحقيق المشيئة الإلهية، وتحقيق رسالة الإنسان المسلم، من خلال تلك المشيئة.
ومن ثَمَّ فالمتَدَبُّر هنا مطالب بالتأمل في القرآن وأبعاده الاجتماعية، وما يتصل بالنظر إلى المجتمع وطبيعة العلاقات فيه.
وشبكة التواصل ومداها ومحتواها، لاسيما وأن الشطر الأعظم من أحكام الشريعة الإسلامية تتعلق بالنظام الاجتماعي.
وعلاوة على ذلك، فإن الجوانب الشخصية من الشريعة الخاصة بشعائر العبادات، وبالشعائر ذاتها، تكتسب في الإسلام بُعداً اجتماعياً من الخطورة بمكان، إلى حد أن إضعافه أو إنكاره، يمثل تعطيلاً لها بحكم طبيعتها.
والبُعد الاجتماعي جلي في بعض الشعائر مثل الحج والزكاة، بحكم طبيعة تلك الشعائر وأثرها.
وفي حين قد يكون البعد الاجتماعي أقل وضوحاً في شعائر أخرى، مثل الصلاة والصوم، فإن المسلمين مجمعون على التسليم بأن الصلاة التي لا تؤدي بصاحبها إلى هجر الشر، صلاة غير مقبولة عند الله، والحج الذي لا يحقق منافع اجتماعية للحاج غير كامل.
كما يمكن -أيضاً- أن يتأمل المتَدَبُّر مفاهيم: المساواة، والعدالة، والحرية، والشورى باعتبارها مفاهيم أساسية في بناء المجتمع الإسلامي أقرها الوحي وحفز عليها. |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: مقدمات في منهجية تَدَبُّر القرآن (5) الثلاثاء 27 فبراير 2018, 4:07 am | |
| مقدمات في منهجية تَدَبُّر القرآن (5) ====================== الكلية الرابعة: منهجية “الإصلاح” وقضاياه الدعوة الأساسية لمبلغي الوحي / الرسالة وأهل النبوة هي الدعوة إلى الإصلاح، {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88].
والقرآن بالأساس هو كتاب هداية للبشر جميعًا ليخرجهم من الظلمات إلى النور، ومن ثم فالتعرض للقرآن وتَدَبُّره، هو تعرض لتجارب في الإصلاح والهداية، أبطالها -لو جاز القول- هم الأنبياء والرسل، وأولياء الله، والبشر الصالحين، والبحث في هذا المجال (مجال الإصلاح وقضاياه) يجعلنا نتوقف أمام عدة قضايا.
أهمها: منهجية الإصلاح، وموضوع الإصلاح، وخصائص القائم بالإصلاح وصفاته، وخصائص عملية الإصلاح ذاتها.
ونشير فيما يلي إلى بعض الأفكار التي يمكن أن يتأملها المتَدَبُّر في هذه الكلية الخامسة.
1 – منهجية الإصلاح: تتعدد منهجية الإصلاح في القرآن ويمكن أن نرصد مسارين أساسيين هما: مسار الإصلاح الفردي والذي يتمحور حول إصلاح الفرد وتهيئته لأداء وظيفته الكبرى التي أعد من أجلها في الكون وهي العبادة بمفهومها الكوني العام: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] والتغير المطلوب هنا هو التغير الذاتي الذي يؤكده الوحي كسبيل لبناء الشخصية الإنسانية من أجل صلاحيتها لأداء هذه المهمة الكونية الإصلاحية: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد: 11].
والمنهجية الثانية: منهجية الإصلاح الجماعي: وهي منهجية الأنبياء والرسل والصالحين في أقوامهم كما في حالة شعيب عليه السلام: {وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ (84) وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85) بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ (86) قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)} [هود].
2 – قضايا الإصلاح: تنوَّعت قضايا الإصلاح في القرآن الكريم، ولعل من أبرزها قضية إصلاح وضع المرأة، وإصلاح ما كانت تعاني منه المرأة ومن النظرة الدونية والمتدنية في الجاهلية، فجاء الإسلام مبرزًا مكانتها الإنسانية ومساواتها مع الرجل، وأقر القرآن القواعد التالية لإصلاح وضع المرأة في الجاهلية وبناء وضع إنساني جديد لها:
القاعدة الأولى: المساواة فالمساواة من القواعد التي أقرها الإسلام للمرأة مع الرجل، وتشمل هذه المساواة مجالات الحياة الدنيا والآخرة.
وهي كما يلي: – مساواة في الخلق. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء: 1]، {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى} [النجم: 45]، {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى} [الليل: 3].
– مساواة في الجزاء والعمل {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ} [آل عمران: 195]، {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [النحل: 97]، {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} [غافر: 40].
– مساواة في العبادات. {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} [الأحزاب: 35].
– مساواة في التكاليف الاجتماعية. {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 71].
القاعدة الثانية – التمايز والتكامل بين دور المرأة والرجل يرى الإسلام أن المرأة والرجل خُلِقَا لتحقيق وظيفتين مختلفتين ولكنهما متكاملتان.
يقول الله تعالى: (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ ۚ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ ۗ) [النساء: 32].
فوظائف الأمومة المتمثلة في الرعاية المنزلية وتربية الأطفال، ووظائف الأبوة المتمثلة في حماية البيت وتزويده بمتطلبات المعيشة والقوامة العامة، استدعت اختلاف الرجل عن المرأة في البنية الجسدية والنفسية والعاطفية.
كما اهتم بتشريعاتها وأحوالها حال كونها كزوجة أو مطلقة أو أم وهكذا.. وهو ما يمكن للمتَدَبُّر تأمله والنظر فيه عبر آيات القرآن.
كما أشار القرآن إلى قضايا الإصلاح الاجتماعي بصفة عامة والسياسي بصفة خاصة بدعم مبدأ الشورى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38] وتخصيص سورة كاملة تحمل اسم هذا المبدأ.
وكذلك الإصلاح الاقتصادي بتحريم الربا، وتحريم التطفيف في الميزان، وإقرار الزكاة والصدقات والتكافل وجدارة العمل وكلها عناصر أساسية لبناء اقتصاد المجتمعات.
3- خصائص المُصلح وصفاته: أهم هذه الصفات التي أشار إليها القرآن والتي ينبغي تتبعها في القرآن هي: ”القدوة”، قدوة المصلح ذاته: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} [هود: 88].
والصبر والجَلَد على أمر الدعوة وتحمُّل مشاقها: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} [يس: 20].
وقول الحق والتضحية في سبيله: {وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} [غافر: 28].
كذلك الاحتكام إلى الدليل العقلي والمشاهدات والتجربة، وقصة سيدنا إبراهيم زاخرة بهذه المعاني الشاملة للأدوات العلمية التي يجب على المصلح أن يتسلح بها في دعوته.
ما نود التأكيد عليه أن ما أوردناه في مقدمات هذه المنهجية يحمل معنى المقدمات، معنى ومبنى، وأن على القارئ المتأمل المتَدَبُّر للقرآن أن يستنطق القرآن بقدر ما يستطيع استنطاقه بكل شؤون الحياة الدنيا، ليستقيم بها حال الفرد والأمَّة.
والمسلم في ذلك بحاجة إلى أدوات علمية معاونة له في هذا التَّدَبُّر منها ما نشير إليه من مصادر.
على سبيل المثال: 1 – طه العلواني: أفلا يتَدَبُّرون القرآن، القاهرة، دار السلام، 2010.
2 – طه العلواني: الوحدة البنائية للقرآن المجيد، القاهرة، مكتبة الشروق الدولية، 2008.
3 – إسماعيل الفاروقي: التوحيد ومضامينه في الفكر والحياة،ترجمة: السيد عمر، عمان، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 2016.
4 – البقاعي الشافعي: مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السُّوَر، الرياض مكتبة المعارف.
5 – عبدالله دراز: النبأ العظيم نظرات جديدة في القرآن الكريم، القاهرة، دار القلم،ط10، 2008.
6 – عبدالله دراز: مدخل إلى القرآن الكريم، القاهرة، دار القلم، ط5، 2003.
7 – السيد عمر: خارطة المفاهيم القرآنية، دمشق ، دار الفكر، 2009.
8 – السيد عمر: بناء المفاهيم ودورها في نهضة الأمَّة، الرياض، دار الهدى، 2014.
9 – طه العلواني: الجمع بين القراءتين قراءة الوحي وقراءة الكون، القاهرة، مكتبة الشروق الدولية، ط2، 2008.
10 – وليد منير: النص القرآني من الجملة إلى العالم، المعهد العالمي للفكر الإسلامي،1997.
11 – الطبرسي: مجمع البيان لعلوم القرآن، القاهرة، 1958.
12 – وهبة الزحيلي: التفسير الوجيز، دمشق، دار الفكر، 1994.
13 – جلال الدين السيوطي: ترتيب سور القرآن، القاهرة، مكتبة الهلال، 1986.
14 – فريد الأنصاري: سلسلة مجالس القرآن، القاهرة، دار السلام.
المصدر: https://islamonline.net/21915 |
|