تحمُّل كل منهما الآخر والصبر عليه:
وهذا من المعاشرة بالمعروف، فممَّا لا شك فيه أن الزوج عندما يخرج إلي عمله؛ فإنه يواجه أمور صعبة في العمل تجعله متعكر المزاج سريع الغضب.
وكذلك فهو مهموم بتوفير احتياجات الأسرة من مطعم وملبس ومصاريف التعليم... وغير ذلك، وقد يمر الزوج في بعض الأحيان بضائقة مالية، والاحتكاك في وسائل المواصلات، ومع الجمهور في العمل، وأخذ الأوامر من المدير كل هذا قد يجعله في بعض الأحيان ضيق الصدر، فعلى الزوجة أن تُقدِّر ذلك، وتوفر له سبل الراحة والسكن، حتى ينسى كل هذه الهموم ويلقيها عن كاهله على عتبة المنزل.
ـ وكذلك الزوج لابد أن يُقدِّر ما تفعله الزوجة من مجهود في البيت من طهي، وإعداد للطعام، وتنظيف السكن، وتربية للأولاد وسهر على راحتهم، وكذلك تعرض المرأة للحمل والوضع والنفاس والحيض، كل هذه الأمور تجعل المرأة متعكرة المزاج في الغالب.
فعلى الزوج أن يراعي ذلك، وألا يلقى بالمسئولية كلها عليها، بل تجده لا يقدرها ولا يصبر عليها، فيقف لها على الهفوات، ويستغل القوامة التي حباه الله بها في الضرب واللعن والسبِّ، وهذا كله ليس من أخلاق المسلم.
والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال كما في الترمذي وأبو داود وصححه الألباني: "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً".
وقال أيضاً في حديث آخر هو عند الترمذي وابن ماجه وصحَّحه الألباني كذلك: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي".
ـ فلابد من غضِّ الطرف عن الهفوات والأخطاء، وخاصة غير المقصود منها، وليعلم كل من الزوجين أنه لا يخلو إنسان من خطأ.
فقد أخرج الترمذي وابن ماجه عن أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "كلُّ ابن آدمَ خَطَّاء وخير الخَطَّائين التوَّابون".
وصدق الشاعر حيث قال:
مَنْ ذا الذي ما ساء قط ومَنْ له الحسنى فقط
فعلى كُلٍّ من الزوج والزوجة أن يتحمل صاحبه، فلكل جواد كبوة، ولكل امرئ هفوة، ولكل إنسان زلة، وأحق الناس بالاحتمال مَنْ كان كثير الاحتكاك بمَن يُعاشِر.
قال الشاعر:
إذا كنت في كل الأمور مُعاتباً
صديقَكَ، لم تَلْقَ الذي لا تُعَاتِبُه
فَعِشْ واحداً أوْ صِلْ أخاكَ فإنه
مُقــارِفُ ذَنبٍ مرةً ومُجَانِبُه
إذا أنتَ لم تشربْ مِراراً على القَذَى
ظَمِئْتَ، وأيُّ الناسِ تَصْفُو مَشَاربُه؟
منْ ذا الذي تُرْضَى سجَاياهُ كُلَّهَا
كفى المرءَ نُبْلاً أنْ تُعَدَّ مَعَايِبُه
وهناك أمور تُعين الزوجة على غَضّ الطَّرف عن الهفوات والأخطاء وهي:
أن كلاً من الزوجين لا يقابل انفعال الآخر بمثله، فإذا رأى أحد الزوجين صاحبه منفعلاً بحدة، فعليه أن يكظم غيظه، ولا يرد على الانفعال مباشرة، وهذه النصيحة يجب أن تعمل بها المرأة أكثر من الرجل رعاية لحق الزوج.
وما أجمل قول أبي الدرداء -رضي الله عنه- لزوجته:
"إذا رأيتني غَضِبت، فَرَضِّني، وإذا رأيتك غَضْبَى رَضَّيْتُكِ، وإلا لم نصطحب".
وجاء في "أحكام النساء" صـ12 عن محمد بن إبراهيم الأنطاكي قال:
"حدثنا محمد بن عيسى قال: "أراد شعيب بن حرب أن يتزوج أمرأة، فقال لها: "إني سَيْءُ الخُلُق، فقالت: أسوأ منك خُلُقاً مَنْ أحْوَجَكَ أن تكون سَيْءَ الخُلُق، فقال: إذاً أنتِ امرأتي" (عودة الحجاب ص: 259 ـ260).
ومن الأمور التي تُعين على غض الطرف عن الأخطاء بين الزوجين:
هو التماس الأعذار، فإن المؤمن يطلب المعاذير، والمنافق يطلب الزَّلات، وهنا يُفهم كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- الثابت في صحيح مسلم: "لا يَفْرَك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خُلُقَاً رضي منها آخر".
ـ الفِرك: هو بُغض أحد الزوجين الآخر، والفارك: هو المُبْغِض لزوجته.
فمَن تفهَّم هذا الأمر من الأزواج عاش في سعادة وهناء؛ لأن الإنسان إن كان فيه خطأ فعنده محاسن، فلننظر إلى محاسنه ونغُض الطرف عن أخطائه ونسامحه؛ عملاً بقوله تعالى: {وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة: 237].
وجاء في "طبقات الحنابلة" (1/ 429) عن الإمام أحمد -رحمه الله-:
"إنه تزوج عباسة بنت المفضل، أم ولده صالح، وكان الإمام أحمد يثني عليها، ويقول في حقها: أقامت أم صالح معي عشرين سنة فما اختلفت أنا وهي في كلمة.
9) أن يعين كل منهما صاحبه على طاعة الله:
فعلى الزوجين أن يمتثلا لقوله تعالى: {وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ} [يونس: 87].
وليرفعوا شعار:
{وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2].
أخرج الإمام أحمد وأبو داود بسند صحيح
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "رَحِمَ اللهُ رَجُلاً قام من الليل، فصلَّى وأيقظ امرأته، فصلَّت، فإن أبَتْ نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلَّت، وأيقظت زوجها فصلَّى، فإن أبَى نضحت في وجهه الماء" (صحيح الجامع: 3494).
ـ ومعنى النضح:
الرَّش الذي لا يؤذي ولا يؤدي إلى استفزاز، ويمكن استعمال شيء آخر كماء الزهر، أو مسح الوجه بشيء من الطيب. ا.هـ (ماذا عن المرأة؟ للدكتور نور الدين عتر).
وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- راوي هذا الحديث يُطبِّق هذا على نفسه وأهله.. فقد جاء في "البداية والنهاية (8 /920): "أنه كان يقوم ثلث الليل، ثم يوقظ امرأته فتقوم ثلثه، ثم يوقظ ابنته لتقوم ثلثه".
وجاء في "حلية الأولياء"(1 /383) عن أبي عثمان النهدي قال:
"تضيَّفت أبا هريرة سبع ليال، فكان هو وخادمه وامرأته يعتقبون الليل أثلاثاً".
وأخرج أبو داود
عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أيقظ الرجل أهله من الليل، فصليا ركعتين جميعاً، كُتِبا في الذاكرين الله كثيراً والذاكرات" (قال الألباني في "المشكاة: إسناده صحيح).
وجاء في "صفوة الصفوة" (4 /33)
عن الحسين بن عبد الرحمن قال: "حدثني بعض أصحابنا قال: قالت امرأة حبيب أبي محمد: وانتبهت ليلة وهو نائم، فأنبهته في السَّحَر، وقالت: قُم يا رجل فقد ذهب الليل، وجاء النهار، وبين يديك طريق بعيد، وزاد قليل، وقوافل الصالحين قد سارت قُدَّامنا، ونحن قد بقينا".
فعلى الزوج أن يكون خير مُعين للزوجة، وعلى الزوجة أن تكون خير مُعين للزوج على أمر دينه ودنياه، فيُعين كل منهما الآخر على حفظ القرآن، وطلب العلم الشرعي، والدعوة إلي الله.
فقد أخرج الإمام أحمد والترمذي
عن ثوبان -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ليتخذ أحدكم قلباً شاكراً، ولساناً ذاكراً، وزوجة مؤمنة تُعينه على أمر الآخرة".
وأخرج الحاكم والطبراني في "الأوسط"
أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ رزقهُ اللهُ امرأةً صالحةً فقد أعانهُ على شَطْر دينه، فليتق اللهَ في الشّطر الثاني" (حسَّنه الألباني في "الترغيب والترهيب": 1916).
وعند الترمذي من حديث ثوبان -رضي الله عنه- قال:
"لما نزلت: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34] قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره، فقال بعض أصحابه: أُنْزِلَتْ في الذهب والفضة لو علمنا أي مال خير فنتخذه؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: أفضله لسانٌ ذاكر، وقلبٌ شاكر، وزوجة مؤمنةٌ تُعينه على إيمانه". (السلسلة الصحيحة: 2176).
قال المباركفوري كما في "تحفة الأحوذي" (4 /165):
"أي على دينه بأن تُذكِّره الصلاة والصوم... وغيرهما من العبادات، وتمنعه من الزنا، وسائر المحرمات. اهـ
وها هو نموذج للمرأة الصالحة التي تُعين زوجها على طاعة الله، فقد أخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: "لَمَّا نزلت هذه الآية: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً} [البقرة: 245]، قال أبو الدحداح الأنصاري: يا رسول الله، وإن الله يريد منا القرض؟! قال: نعم يا أبا الدحداح، قال: أرني يدك يا رسول الله، قال: فناوله يده، قال: فإني قد أقرضت ربي حائطي، وله حائط فيه ستمائة نخلة، وأم الدحداح فيه وعيالها، قال: فجاء أبو الدحداح فناداها: يا أم الدحداح، قالت: لبيك، قال: اُخرجي فقد أقرضت ربي -تعالى-.
-وفي رواية: أنها قالت له:
رَبِح بيعُك يا أبا الدحداح- ونقلت منه متاعها وصبيانها، وإن رسول الله قال: كم من غدق (1) رداح (2) في الجنة لأبي الدحداح.
-وفي لفظ:
رُبَّ نخلة مُدلاة عروقها دُرٌّ وياقوت لأبي الدحداح في الجنة-".
(1) الغدق: بفتح الغين: النخلة، وبكسرِها: عرجونها.
(2) الرداح: الثقيل.