بســـم الله الرحمـــن الرحيـــم
الحقوق الزوجية (حق الزوجة)
لفضيلة الشيخ: ندا أبـــــو أحمد
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
--------------------------------
تمهيد
إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهد الله فلا مضل له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله...
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } [سورة آل عمران: 102].
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زوجها وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [سورة النساء: 1].
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } [سورة الأحزاب: 70،71].
أما بعد...،
فإن أصدق الحديث كتاب الله ـ تعالى ـ وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
قبل الكلام عن حقوق الزوجة وما لها، نود أن نُصحِّح مفهوم خاطئ يعتقده البعض عن المرأة وهذا المفهوم يجعلهم يتعاملون مع المرأة بحذر، فقد فهموا خطأً الآية القرآنية، فقالوا: إن كيد المرأة أشد من كيد الشيطان.
فيقولون: إن الله لمّا ذكر كيد الشيطان قال: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً} [النساء: 76].
وعندما ذكر كيد النساء قال: {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} [يوسف: 28].
فمن هذا المنطلق يتعاملون مع المرأة على أنها أسوأ من الشيطان وينبغي الحذر منها.
وهذا مفهوم خاطئ؛ لأن الله لَمَّا وصف كيد الشيطان بأنه ضعيف، أي بالمقارنة إلى كيد الله، ولما وصف كيد المرأة بأنه عظيم أي بالنسبة لكيد يوسف -عليه السلام-، فلا وجه للمقارنة بين كيد النساء وكيد الشيطان.
وعلى هذا نقول للأزواج كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "رفقاً بالقوارير" فأنتم تتعاملون مع مخلوق رقيق المشاعر، يعطي بلا حدود، كله حنان وعطف، والكيِّس مَنْ اكتشف هذه الأحاسيس والمشاعر وأحسن توجيهها.
وقبل الكلام عن حقوق الزوجة، أريد منك أن تقف موقف المحايد المُنصف، وأسألك سؤالاً... لو استأجرت خادمة في اليوم، فغسلت لك ملابسك، ثم قامت بكيِّها، ثم طهت لك الطعام، وقامت بتنظيف السكن، وتربية الأولاد، فما جزاءها عندك، وهل ستقابل هذا الإحسان إلا بإحسان مثله، فكيف بزوجتك التي تفعل هذا كله؟! هذا بخلاف قضاء حاجتك من جماع وغيره.
ـ فلا شك أن الزوجة الصالحة من أعظم نعم الله تعالى على الرجل بعد نعمة الإسلام؛ ولذلك يجب على الرجل حفظها ورعايتها، وأن يشكر ربه على هذه النعمة.
وقد جعل الله العلاقة بين الزوجين من أوثق العلاقات التي عرفتها البشرية، فربما لا يوجد علاقة بين اثنين مثلما يوجد بين الزوجين، وقد ربط الله تعالى هذه العلاقة بالمودة والرحمة، قـال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21]، والمقصود دوام هذه الخصال في الزواج.
ـ وكل ما كان من الحقوق بين الزوجين قائم في الحقيقة لحفظ المودة والرحمة بينهما، فالمرأة لباس الزوج وستره وسكينته وهدوء قلبه، وهي أم ولده، وشريكة حياته، فلها من الحقوق على الزوج، كما للزوج من حقوق عليها؛ لقوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ...} [البقرة: 228].
ولقول النبي -صلى الله عليه وسلم- كما عند الترمذي: "ألا إن لكم على نسائكم حقاً، ولنسائكم عليكم حقاً".
فعلى الرجل المسلم أن يتفهَّم لهذه الحقوق، ويتودَّد إلى زوجته، ويؤدى ما لها من حقوق، وأن يكون حريصاً على رضاها ومحبتها حتى تدوم العشرة بينهما، وبذلك لا يدع للشيطان فرصة للتحريش بينه وبين زوجته والتفريق بينهما؛ لأن هذا هو أقصى ما يتمنَّاه الشيطان، وأفضل ما يدخل عليه السرور هو التفريق بين الزوجين، ولكننا بمشيئة الله سنقطع عليه هذا الأمر.
ففي صحيح مسلم من حديث جابر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجئ أحدهم فيقـول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئاً، ثم يجئ أحدهم فيقـول: ما تركته حتى فرَّقت بينه وبين امرأته، قال: فيدنيه منه ويقول: نِعْمَ أنت".
ـ نِعْمَ أنت: أي نِعْمَ تلك الفعلة التي فعلتها وهي التفريق بين الزوجين.
• ومن الحقوق الزوجية للزوجة:
(1) الـمـهــر والـصــداق:
وهو المال الذي تأخذه المرأة تنتفع به وحدها بسبب النكاح، وحكمه الوجوب، ودليل ذلك:-
• من القرآن الكريم
قوله تعالى: {وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً} [النساء: 4]، فأضاف الله تعالى (صَدقات) إليهن، والإضافة فيها إضافة مِلْكْ، فدلَّ هذا على أن المهر حق للمرأة تنتفع به وحدها، وليس لأحد الانتفاع به حتى الوالدين وأقرب الأقربين إليها، إلا إذا أذنت لهم في ذلك عن رضاها وطيب نفسها وحرية إرادتها.
وقال تعالى: {فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 25]، وقال تعالى: {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} [النساء: 24].
وإذا أعطت المرأة مهرها لأحد بسبب مخادعة أو إكراه أو حياء أو خوف، فالمهر حرام على مَنْ أخذه وأكله، قال تعالى: {وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً} [النساء: 20].
• ومن السُّنَّة:
ـ فقد أخرج البخاري ومسلم عن أنس -رضي الله عنه-: "أن عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: تزوجت امرأة، فقال: ما أصدقتها؟ قال: وزن نواةٍ من ذهب، فقال: بارك الله لك، أَوْلِم ولو بشاة".
أخرج البخاري ومسلم عن أنس -رضي الله عنه-: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعتق صفية وجعل عتقها صَداقها"، وغير ذلك من الأدلة، والتي تدل على وجوب صداق المرأة، وهذا ما أجمع عليه المسلمون كما ذكر ذلك ابن قدامة في المغني (6/ 679).
ولقد حذَّر الإسلام خداع المرأة وأكل مهرها، وحذَّر النبي -صلى الله عليه وسلم- من فعل هذا بأشد الوعيد.
فقد أخرج الحاكم بسند حسن حسنه الألباني أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن أعظم الذنوب عند الله رجل تزوج امرأة فلما قضى حاجته منها طلَّقها وذهب بمهرها، ورجل استعمل رجلاً فذهب بأجرته، وآخر يقتل دابةً عبثاً" (السلسلة الصحيحة: 999).
(2) أن يُحْسِن المعاشرة بالمعروف (حُسْن العشرة):
والمراد به إحسان الصحبة، وكف الأذى، وعدم مطل الحقوق مع القدرة، وإظهار البِشْر والطلاقة والانبساط، وهي واجبة على الزوج والأصل فيها قوله تعالى:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19].
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: أي طيِّبوا أقوالكم لهن، وحسِّنُوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم كما تحب منها، فافعل أنت بها مثله كما قال سبحانه: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228].
ولقول النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح ابن حبان: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي"، قال القرطبي في هذه الآية: وهو مثل قوله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 229]، وذلك توفية حقها من المهر والنفقة، وألا يعبس في وجهها بغير ذنب، وألا يكون فظَّاً ولا غليظاً، ولا مظهراً ميلاً إلي غيرها.
وهذه الآية على إيجازها إلا أنها جمعت كل محاسن العشرة بأنواعها، من حسن المعاملة مع الزوجة، وألا يحتقرها ولا يذم أهلها... وغير ذلك من الأمور التي لا تحبها المرأة، فلا ينبغي للزوج أن يفعلها مع المرأة.
فاتق الله أيها الزوج في زوجتك، وانظر بعين من الرحمة إلي قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "استوصوا بالنساء خيراً فإنهن عوانٌ عندكم"، أي: أسيرات، وهذا يدل على ضعفها ومسكنتها.
ومعنى قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "استوصوا" هو الاستيصاء، ومعنى الاستيصاء: قبول الوصية فكأنه يقول: أوصيكم بهن فاقبلوا وصيتي فيهن، أو يكون المعنى: اطلبوا الوصية، أي من أنفسكم في حقهن، فيجب على الزوج الإحسان إليها، وعليه أن يترفق بها.
فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح مسلم: "مَن يُحرم الرفق يُحرم الخير كله".
ووصَّى النبي -صلى الله عليه وسلم- بالنساء فقال كما عند البخاري ومسلم: "استوصوا بالنساء خيراً، فإنهن خلقن من ضلع أعوج، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيراً".
فالنبي يُرغِّب في حسن المعاشرة مع النساء، إذا علم الرجل فطرة المرأة التي فطرها الله عليها فحينئذ يتعامل على هذا الأساس، ويعاملها من باب الفضل فيحسن أخلاقه معها.
فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في سنن الترمذي بسند صحيح: "أكمل المؤمنين إيماناً: أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم".
وعند الترمذي وابن حبان: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي" (وسنده صحيح).
ولَمَّا خَطَبَ عليٌ -رضي الله عنه- فاطمة -رضي الله عنها- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هي لك على أن تحسن صحبتها" (الطبراني بسند صحيح).
• من حسن الصحبة والمعاشرة بالمعروف:
(أ) طلاقة الوجه والكلمة الطيبة:
فقد أخرج الإمام مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تُحقرن شيئاً من المعروف، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق"، وفي رواية أخرى عن أبي داود وصححها الألباني أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تحقرن من المعروف شيئاً، وأن تكلم أخاك وأنت منبسط إليه بوجهك، فإن ذلك من المعروف".
فهذا يكون من المعروف مع أخيك المسلم الغريب عنك، فما بالك إذا كان الوجه المنبسط لزوجتك.
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- أيضاً كما عند البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: "والكلمة الطيبة صدقة". ومَن أحق من الزوجة بهذا المعروف، وهذه الصدقة؟!! فاجعل كلامك لزوجتك عبادة.
إن للكلمة الطيبة سحراً في قلوب الناس وخاصة النساء؛ فإنهن أصحاب عواطف تُهيجها الابتسامة والكلم الطيب.
إن المرأة لا تحتاج إلي المال ومتاع الدنيا، أكثر مما تحتاجه من كلمة طيبة، تشعر فيها بكرامتها وقيمتها الإنسانية، فالكلمة الطيبة والابتسامة الجميلة من أغلى الهدايا التي يُقدمها الزوج لزوجته، خصوصاً عندما تقوم المرأة بخدمة بيتها وزوجها، فيقابلها بالكلمة الطيبة: من الدعاء لها بالخير والدعاء أن يبارك الله فيها، فالمرأة إن وجدت معروفها يُشْكر، وأنّ خيرها يُذْكر ولا يُكْفر، حمدت ذلك من بعلها ونشطت للإحسان إليه، والقيام بأمره وشأنه، بل كان ذلك مُعيناً لها على البقاء على العشرة بالمعروف.
وانظر أخي الحبيب لثواب وجزاء الكلام الطيب...
أخرج الإمام أحمد والحاكم عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن في الجنة غُرفاً يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، فقال أبو مالك الأشعري: لمن هي يا رسول الله؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وبات قائماُ والناس نيام".
يقول الشيخ محمد إسماعيل المقدم كما في "عودة الحجاب" (1 /417): إن الكلمة الطيبة أغلى عند الزوجة في كثير من الأحيان من الحلي الثمينة، والثوب الفاخر الجديد؛ وذلك لأن العاطفة المحببة التي تبثّها الكلمة الطيبة غذاء الروح، فكما أنه لا حياة للبدن بلا طعام، فكذلك لا حياة للروح بلا كلام حلو لطيف.
اشكر زوجتك على صحن الطعام اللذيذ الذي قد أعدَّته لك بيديها، اشكرها بابتسامة ونظرة عطف وحنان، اثنِ عليها وتحدث عن محاسنها وجمالها، والنساء يعجبهن الثناء ويؤثر فيهن، اذكر لها امتنانك لرعايتها، وخدمتها لك ولبيتك وأولادك.
وكما قيل: من حُسن العشرة طيب الكلام، وحُسن الفِعال والهيئات، والتغاضي عن الهفوات.