(10) أن تقوم بخدمته وخدمة أولادها:
فعلى المرأة أن تقوم على خدمة الزوج، وتدبير المنزل، وتهيئة أسباب المعيشة به، لكن هل هذا واجب على المرأة فعله، أم تفعله على سبيل الإحسان والتبرع، وأنه من باب النافلة؟
هذه مسألة خلافية اختلف فيها أهل العلم على قولين:
القول الأول:
وهو أنه لا تجب خدمة المرأة لزوجها، وهذا قول الجمهور.
وقالوا:
ينبغي على الزوج أن يُوفِّر لها مَن يقوم بخدمة حوائجها؛ لأن المعقود من جهتها الاستمتاع، فلا يلزمها غيره.
القول الثاني:
وهو أنه تجب خدمة المرأة لزوجها، وهذا مذهب مالك، وأصبغ كما في "الفتح" (9/418)، وأبي ثور، وأبي بكر بن أبي شيبة، وكذا الجوزجاني من الحنابلة كما في "الاختيارات صـ 145، وهذا هو الراجح الذي رجَّحه طائفة من السلف والخلف منهم شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم.
قال شيخ الإسلام في "الفتاوى" (34/90ـ91):
وتنازع العلماء: هل عليها أن تخدمه في مثل فراش المنزل، ومناولة الطعام والشراب، والخبز والطحن، والطعام لمالكيه وبهائمه، مثل علف دابته... ونحو ذلك؟
فمنهم مَن قال:
لا تجب الخدمة، وهذا القول ضعيف، كضعف قول مَنْ قال: لا تجب عليه العشرة والوطء، فإن هذا ليس معاشرة له بالمعروف، بل الصاحب في السفر الذي هو نظير الإنسان، وصاحبه في المسكن إن لم يعاونه على مصالحه لم يكن قد عاشره بالمعروف.
وقيل -وهو الصواب-:
وجوب الخدمة، فإن الزوج سيدها في كتاب الله، وهي عانية عنده بسُنَّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقد أخرج مسلم: "اتقوا الله في النساء، فإنهن عوانٌ عندكم".
وعلى العاني -أي الأسير- والعبد الخدمة؛ ولأن ذلك هو المعروف، ثم من هؤلاء مَن قال: تجب الخدمة اليسيرة، ومنهم مَن قال: تجب الخدمة بالمعروف، وهذا هو الصواب، فعليها أن تخدمه الخدمة المعروفة من مثلها لمثله، ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال، فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية، وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة، وهذا هو الصواب في رأي العلماء. اهـ
ويقول ابن القيم كما في "زاد المعاد" (5/ 187 ـ 188):
واحتجَّ مَن أوجب الخدمة: بأن هذا هو المعروف عند من خاطبهم الله سبحانه بكلامه.
وأيضاً:
فإن المهر في مقابلة البُضع، وكل من الزوجين يقضي وطره من صاحبه، فإنما أوجب الله نفقتها وكسوتها ومسكنها في مقابلة استمتاعه بها وخدمته، وما جرت به عادة الأزواج.
وأيضاً:
فإن العقود المطلقة إنما تُنزَّل على العُرف، والعُرف خدمة المرأة وقيامها بمصالح البيت الداخلية.
وقولهم:
إن خدمة فاطمة وأسماء كانت تبرعاً وإحساناً
يردُّه:
أن فاطمة كانت تشتكي ما تلقى من الخدمة، فلم يقُل النبي -صلى الله عليه وسلم- لعليٍّ لا خدمة عليها وإنما هي عليك، وهو -صلى الله عليه وسلم- لا يُحابي في الحكم أحداً، ولمَّا رأى أسماء والعلف على رأسها والزبير معه، لم يقل: لا خدمة عليها، وإن هذا ظلم لها، بل أقرَّه على استخدامها، وأقرَّ سائر الصحابة على استخدام أزواجهم، مع علمه أن منهنَّ الكارهة والراضية.
وهذا أمر لا ريب فيه، ولا يصح التفريق بين شريفة ودنيئة، وفقيرة وغنية، فهذه أشرف نساء العالمين كانت تخدم زوجها، وجاءته -صلى الله عليه وسلم- تشكو إليه الخدمة، فلم يُشْكِهِا (يُزِل شكواها).
وقد سمَّى النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح المرأة عانيةً، فقال: "اتقوا الله في النساء، فإنهن عوان عندكم"، والعاني: الأسير، ومرتبة الأسير خدمة مَنْ هو تحت يده، ولا ريب أن النكاح نوع من الرق: كما قال بعض السلف: النكاح رقٌّ، فلينظر أحدكم عند مَن يُرقُّ كريمته، ولا يخفى على المنصف الراجح من المذهبين، والأقوى من الدليلين. (اهـ من كلام ابن القيم -رحمه الله-).
ويقول الشيخ الألباني -رحمه الله- كما في "آداب الزفاف" صـ216:
وقول بعضهم: إن عقد النكاح إنما اقتضى الاستمتاع لا الاستخدام، فهذا مردود؛ وذلك لأن الاستمتاع حاصل للمرأة أيضاً بزوجها، فهما متساويان في هذه الناحية.
ومن المعلوم أن الله -تبارك وتعالى- قد أوجب على الزوج شيئاً آخر لزوجته، ألا وهو نفقتها وكسوتها ومسكنها، فالعدل يقتضي أن يجب عليها مقابل ذلك شيء آخر أيضاً لزوجها، وما هو إلا خدمتها إياه، لاسيما أنه القوَّام عليها بنص القرآن الكريم، وإذا لم تقم هي بالخدمة فسيضطر هو إلى خدمتها في بيتها، وهذا يجعلها هي القوَّامة عليه، وهو عكس للآية القرآنية كما لا يخفى، فثبت أنه لابد لها من خدمته، وهذا هو المراد.
وأيضاً:
فإن قيام الرجل بالخدمة يؤدي إلى أمرين متباينين تمام التباين، أن ينشغل الرجل بالخدمة عن السعي وراء الرزق... وغير ذلك من المصالح، وتبقى المرأة في بيتها عطلاً عن أي عمل يجب عليها القيام به، ولا يخفى فساد هذا في الشريعة التي سوَّت بين الزوجين في الحقوق، بل وفضلت الرجل على المرأة درجة.
ولهذا لم يُزِلْ الرسول -صلى الله عليه وسلم- شكوى ابنته فاطمة -رضي الله عنها-: حينما أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرحى، وبلغها أنه جاءه رقيق، فلم تصادفه، فذكرت ذلك لعائشة، فلما جاء أخبرته عائشة، قال عليٌ -رضي الله عنه- فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبنا نقوم، فقال: على مكانكما، فجاء فقعد بيني وبينها، حتى وجدت برد قدميه على بطني، فقال: ألا أدلكما على خير مِمَّا سألتما؟ إذا أخذتما مضاجعكما أو أويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثاُ وثلاثين، واحمدا ثلاثاُ وثلاثين، وكبرا أربعاً وثلاثين، فهو خير لكما من خادم، قال عليٌ: فما تركتها بعد، قيل: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين"
(البخاري).
فأنت ترى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يقل لعليٍ: لا خدمة عليها وإنما هي عليك، وهو -صلى الله عليه وسلم- لا يحابي في الحكم أحداً. اهـ
• والأدلة التي تؤيد قول الفريق الثاني القائل بوجوب خدمة المرأة لزوجها ما يأتي:
1ـ خدمة أمهات المؤمنين -رضوان الله عليهن- للنبي -صلى الله عليه وسلم-:
أ. ففي سنن النسائي وابن ماجه بسند صحيح عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كنا نعد لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- سواكه وطهوره، فيبعثه الله من الليل ما يشاء" (صححه الألباني في صحيح ابن ماجه).
ب. وأخرج الترمذي عن ميمونة -رضي الله عنها- قالت: "وضعت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- غسل فاغتسل من الجنابة".
2 ـ أخرج البخاري ومسلم حديث علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- حيث قال:
"إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما زوَّج فاطمة، بعث معها بخميلة ووسادة أدم حشوها ليف، ورحاءين، وسقاءين، فقال علي لفاطمة يوماً: لقد سنوت حتى اشتكيت صدري، وقد جاء الله بسبي، فاذهبي فاستخدمي، فقالت: وأنا والله، قد طحنت حتى مجلت يداي، فأتت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ما جاء بك أي بنية؟ فقالت: جئت لأُسلِّم عليك، واستحيت أن تسأله..." الحديث.
وجاء في "أحكام النساء" لابن الجوزي صـ 124 عن علي بن أبي طالب -رضي الله - قال عن فاطمة -رضي الله عنها-: "فَجَرَّت بالرحاء حتى أثَّرت في يدها، واستقت بالقربة حتى أثَّرت في يدها، واستقت بالقربة حتى أثرت القربة بنحرِهِا، وقَمَّت البيت حتى أغبرت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتى دنَّست ثيابها".
3 ـ ما أخرجه البخاري ومسلم عن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها- قالت:
"تزوجني الزبير، وما له في الأرض من مال، ولا مملوك، ولا شيء غير فرسه وناضحه، فكنت أعلف فرسه، وأكفيه مؤنته وأسوسه، وأدق النوى لناضحه، واستقي الماء، وأخرز غربه، وأعجن، وكنت أنقل النوى على رأسي من ثلثي فرسخ حتى أرسلَ إليَّ أبو بكر بجارية، فكفتني سياسة الفرس، فكأنما أعتقني".
ـ ناضحه: بعيره الذي يستقي عليه.
ـ أخرز غربه: أخيط دلوه بالخرز.
ـ الفرسخ: ثلاثة أميال، وثلثي فرسخ: ثلاثة كيلومتر ونصف (3.36 كم).
وفي رواية أخرى عند البخاري ومسلم:
"كنت أخدم الزبير خدمة البيت كله".
4 ـ وكذلك قوله تعالى:
{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: 228].
فالرجل يكون في الكسب والعمل، ولا يليق أن يكون هو القائم بخدمة البيت، بل هذا يتنافى مع القوامة (وقد مر بنا كلام الألباني -رحمه الله-).
5 ـ وكذلك فقد جرى عُرف الناس أن المرأة تقوم بخدمة زوجها، والمعروف عرفاً كالمشروط شرطاً.
6 ـ ما ثبت عند ابن أبي شيبة من حديث أنس -رضي الله عنه- قال:
"كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا زفُّوا امرأة إلى زوجها يأمرونها بخدمة الزوج ورعاية حقه".
7 ـ وقد أقر النبي -صلى الله عليه وسلم- استخدام الصحابة أزواجهم، مع علمه بأن منهن الكارهة والراضية، ولم يخبر بأن ذلك فيه ظلم لتنتصف -على الأقل- الكارهة.
8 ـ ما أخرجه الإمام مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
"اتقوا الله في النساء، فإنهن عوان عندكم".
أي: أسيرات، ومرتبة الأسير خدمة مَن هو تحت يده.
9 ـ وفي مسند الإمام أحمد والبيهقي عن الحصين بن مُحصِن -رضي الله عنه- قال:
حدثتني عمَّتي قالت: "أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض الحاجة، فقال: أي هذه! أذات بعل؟ قلت: نعم. قال: كيف أنتِ له؟ قالت: ما آلوه إلا ما عجزت عنه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: فانظري أين أنتِ منه؟ فإنما هو جنتكِ وناركِ".
ـ ما آلوه: أي لا أُقصِّر في طاعته وخدمته.
قال الألباني -رحمه الله-:
والحديث ظاهر الدلالة على وجوب طاعة الزوجة لزوجها، وخدمتها إياه في حدود استطاعتها، ومما لا شك فيه أن أول ما يدخل في ذلك الخدمة في منزله، وما يتعلق به من تربية أولاده... ونحو ذلك". اهـ
وذلك لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- كما عند البخاري:
"والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده، وهي مسئولة عنهم".
تنبيهان:
أ ـ المرأة تسعى في رعاية مَن يقوم زوجها برعايتهم، كأن يكون له أخوة صغار ولا أم لهم، أو له أم عجوز أو أب شيخ كبير، وهذا ليس من قبيل الفرض عليهاـ إلا إذا اشترط عليها ذلك، ولكن تفعل الزوجة هذا من باب الفضل؛ ولرضا الزوج، وابتغاء الأجر من الله.
فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: تزوجت يا جابر؟ فقال جابر: نعم، فقال: بكراً أم ثيباً؟ قال: بل ثيباً، قال: فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك، وتضاحكها وتضاحكك، قال: إن عبد الله -والد جابر- هلك وترك بنات، وإني كرهت أن أجيئهن بمثلهن، فتزوجت امرأة تقوم عليهن وتصلحهن، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: بارك الله لك، أو قال: خيراً".
ب ـ ليس فيما سبق من وجوب خدمة المرأة لزوجها ما ينافي استحباب مشاركة الرجل لها في ذلك إذا وجد الفراغ والوقت، بل هذا من حُسن المعاشرة بين الزوجين.
ولذلك قالت عائشة -رضي الله عنها- كما عند البخاري:
"كان -صلى الله عليه وسلم- يكون في مهنة أهله (يعني خدمة أهله) فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة".
(11) أن تنفق عليه إن كان فقيراً وهي ذات مال:
فقد أخرج البخـاري ومسلم عن زينب الثقفية امرأة عبد الله بن مسعود أنها قـالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تصدقن يا معشر النساء، ولو من حليكنَّ، قالت: فرجعت إلى عبد الله بن مسعود، فقلت: إنك رجل خفيف ذات اليد، وإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أمرنا بالصدقة، فأْتِه فاسأله، فإن كان ذلك يجزي عني، وإلا صرفتها إلى غيركم، فقال عبد الله: أئته أنتِ، فانطلقت فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حاجتها حاجتي، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد ألقيت عليه المهابة فخرج علينا بلال، فقلنا له: أئت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبره أن امرأتين بالباب يسألانك أتجزي الصدقة عنهما على أزواجهما، وعلى أيتام حجورهما؟ ولا تخبره مَنْ نحن، قالت: فدخل بلال على رسول الله فسأله، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: مَنْ هما، فقال: امرأة من الأنصار، وزينب، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أي الزيانب؟ قال: امرأة عبد الله بن مسعود، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لهما أجران. أجر القرابة، وأجر الصدقة".
وفي رواية للبخاري أنها قالت للنبي -صلى الله عليه وسلم-:
"يا نبي الله، إنك أمرتَ اليوم بالصدقة، وكان عندي حُليٌّ لي، فأردت أن أتصدَّق به، فزعم ابن مسعود: أنه وولده أحقُّ مَنْ تُصُدَّقَ به عليهم، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: صدق ابن مسعود، زوجُكِ وولدُكِ أحقُّ مَنْ تصدقتِ به عليهم".
لكن لا تمُنّ عليه عند إنفاقها عليه، فإن المنَّ يبطل الأجر والثواب، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى} [البقرة: 264].
وأخرج الطبراني في "المعجم الكبير" بسند حسن عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ثلاثة لا يقبل الله منهم يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً: عاقٌ، ومنَّانٌ، ومُكذِّبٌ بالقَدَرْ" (صحيح الجامع: 3065).
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم، ولهم عذابٌ أليمٌ، قال: فقرأ رسول الله ثلاث مرات، قال أبو ذر: خابوا وخسروا، مَنْ هم يا رسول الله؟ قال: المُسْبل، والمنَّان، والمنفق سلعته بالحلف الكذب".
وأخرج النسائي والإمام أحمد بسند صحيح عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والمدمن على الخمر، والمنَّان بما أعطى".
ومن أصدق من الله حديثاً حيث قال رب العالمين في كتابه الكريم:
{قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} [البقرة: 263].
ولله در القائل:
مَنْ مَنَّ بمعروفه سقط شكره، ومَنْ أعجب بعمله حبط أجره.
ومع أن هذا المال ملكٌ للزوجة، ولكن من حق زوجها عليها، أنها لا تستطيع أن تهب أو تتصرف في مالها إلا بإذن من زوجها.
فقد أخرج ابن ماجه بسند صحيح عن عبد الله بن يحي -رجل من ولد كعب بن مالك- عن أبيه عن جده: "أن جدته خَيْرَةَ -امرأةَ كعب بن مالك- أتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بحُليٍّ لها، فقالت: إني تصدقتُ بهذا، قال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا يجوز للمرأة في مالها إلا بإذن زوجها، فهل استأذنت كعباً؟ قالت: نعم، فبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى كعب بن مالك، فقال: هل أذنتَ لخَيْرَة أن تتصدق بحُليِّها؟ قال: نعم، فقبله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منها".
وأخرج أبو داود والنسائي من حديث عمرو بن شعيب عن أبه عن جده أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يجوز لامرأة أمرٌ في مالها إذا ملك زوجُها عِصمتَها".
وفي رواية:
"لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها".
وقد استدل بعض أهل العلم:
على أنه لا يجوز للمرأة التصرف في مالها إلا بإذن من الزوج.
فقال الشوكاني -رحمه الله- كما في "نيل الأوطار" (6 /22):
وقد استدل بهذا الحديث على أنه لا يجوز للمرأة أن تعطي عطيةً من مالها بغير إذن زوجها ولو كانت رشيدة.
بينما ذهب فريق من أهل العلم:
إلى أنه له حرية التصرف في مالها، ويكون استئذان الزوج من باب تمام القوامة وحسن العشرة.
فقد جاء في "عون المعبود" (9 /463) عن الخطابي -رحمه الله- أنه قال في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها"... عند أكثر الفقهاء: هذا على معنى حسن العشرة واستطابة نفس الزوج بذلك، إلا أن مالك بن أنس -رضي الله عنه- قال: "تَرُدُّ ما فعلت من ذلك حتى يأذن الزوج"، وقد يُحتمل أن يكون ذلك في غير الرشيدة.
وقد ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال للنساء: "تصدَّقْن" فجعلت المرأة تلقي القرط والخاتم، وبلال يتلقَّاها بكسائه، وهذه عطية بغير إذن أزواجهن. اهـ
وعلَّق الألباني -رحمه الله- كما في "السلسلة الصحيحة" على الحديث رقم (775) وهو حديث أخرجه الطبراني في "الكبير" من حديث واثلة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ليس للمرأة أن تنتهك شيئاً من مالها إلا بإذن زوجها".
فقال الألباني -رحمه الله-:
وهذا الحديث -وما أشرنا إليه مما في معناه- يدل على أن المرأة لا يجوز لها أن تتصرف في مالها الخاص بها إلا بإذن زوجها، وذلك من تمام القوامة التي جعلها ربنا -تبارك وتعالى- له عليها، ولكن لا ينبغي للزوج -إذا كان مسلماً صادقاً- أن يستغلَّ هذا الحكم فيتجبَّر على زوجته، ويمنعها من التصرف في مالها فيما لا خير عليهما منه، وما أشبه هذا الحق بحق ولي البنت التي لا يجوز لها أن تُزوِّج نفسها بدون إذن وليها، فإذا أعضلها رفعت الأمر إلى القاضي الشرعي لينصفها.
وكذلك الحكم في مال المرأة إذا جار عليها زوجها، فمنعها من التصرف المشروع في مالها، فالقاضي ينصفها أيضاً، فلا إشكال على الحكم نفسه، وإنما الإشكال في سوء التصرف به فتأمل. اهـ (من كلام الشيخ الألباني -رحمه الله- في "السلسلة الصحيحة" جـ 2/ صـ 406).
(12) أن تحافظ على كرامة ومشاعر زوجها في حضوره وغيابه:
وهذا يدل على رجحان عقل المرأة وعلو فهمها؛ لطبيعة الرجل من حيث رجولته ومروءته، فلا تعمل على خدش حيائه، وذهاب مروءته بين الناس.
أ ـ ولا أدل على ذلك من قصة زينب الثقفية زوجة عبد الله بن مسعود في الحديث السابق:
فلقد قالت لبلال: لا تخبره مَنْ نحن، وذلك حفاظاً على كرامة وحياء زوجها؛ لأنها ستعطي زوجها مالاً وتتصدق عليه، وربما هذا ينقص الرجل عند الناس، فأرادت أن تعطيه دون أن يعلم أحدٌ بذلك.
ب ـ بل هناك موقف جليل لأسماء بنت أبي بكر، يدل على مدى حرص الزوجة الصالحة على مشاعر زوجها.
فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أسماء بنت أبي بكر أنها قالت: "فجئت يوماً والنوى على رأسي، فدعاني رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: إخ إخ يستنيخ ناقته ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرجال، وذكرت الزبير وغيرته، وكان أغْيَرَ الناس، فعرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أني قد استحييت، فجئت الزبير، فحكيت له ما جرى، فقال: والله لحملك النوى على رأسكِ، أشدُّ علي من ركوبك معه -صلى الله عليه وسلم-".
فانظر رحمك الله إلى تصرف أسماء، لما تذكرت غيرة الزبير، فأبت أن تجرح مشاعره، مع أن الذي ستركب معه هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، الذي لا يوجد أدنى شك فيه، ومع ذلك أبت الركوب معه حفاظاً على شعور زوجها.
جـ ـ كما رأينا وسمعنا من زوجات فاضلات، عندما تُسأل إحداهن: كيف حالك من زوجك؟
تقول: في أحسن حال، وأتم نعمة، وعندما يسألها أهلها عن الطعام، تقول: نحن نأكل أفضل الطعام وأحسنه، وربما تبيت ليلتها من غير العشاء. فنعم الزوجات هُن.
يتبع إن شاء الله...