أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52683 العمر : 72
| موضوع: تاريخ ماء زمزم وذكر فضائله الأربعاء 07 سبتمبر 2016, 5:27 am | |
| تاريخ ماء زمزم وذكر فضــائله كتبه: محمــد سعــد عبــدالدايـم غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ================== إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)). ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)). ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا)).
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ وَكُلُّ ضَلالَةٍ فِي النَّارِ وإِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ. يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمُّوا إِلَى رَبِّكُمْ.. فَإِنَّ مَا قَلَّ وَكَفَى خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى.
بسم الله الرحمن الرحيم قال الله تبارك وتعالى: ((إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ)). يخبر تعالى عن شرف هذا البيت الحرام، وأنه أول بيت وضعه الله للناس، يتعبدون فيه لربهم فتغفر أوزارهم، وتقال عثارهم، ويحصل لهم به من الطاعات والقربات ما ينالون به رضى ربهم والفوز بثوابه والنجاة من عقابه.
ولهذا قال ((مباركاً)) أي: فيه البركة الكثيرة في المنافع الدينية والدنيوية.
((فيه آيات بينات)) أي: أدلة واضحات، وبراهين قاطعات على أنواع من العلوم الإلهية والمطالب العالية، كالأدلة على توحيده ورحمته وحكمته وعظمته وجلاله وكمال علمه وسعة جوده، وما مَنَّ به على أوليائه وأنبيائه.
فمن الآيات: ((مقام إبراهيم)): يحتمل أن المراد به المقام المعروف وهو الحجر الذي كان يقوم عليه الخليل لبنيان الكعبة لما ارتفع البنيان، والآية فيه قيل أثر قدمي إبراهيم، قد أثرت في الصخرة وبقي ذلك الأثر إلى أوائل هذه الأمة، وهذا من خوارق العادات، وقيل إن المراد بـ ((آيات بينات)): فيه ما أودعه الله في القلوب من تعظيمه وتكريمه وتشريفه واحترامه ويحتمل أن المراد بمقام إبراهيم: أنه مفرد مضاف يراد به مقاماته في مواضع المناسك كلها، فيكون على هذا جميع أجزاء الحج ومفرداته آيات بينات، كالطواف والسعي ومواضعها، والشرب من زمزم ، والوقوف بعرفة ومزدلفة، والرمي، وسائر الشعائر، والآية في ذلك ما جعله الله في القلوب من تعظيمها واحترامها وبذل نفائس النفوس والأموال في الوصول إليها وتحمل كل مشقة لأجلها، وما في ضمنها من الأسرار البديعة والمعاني الرفيعة، وما في أفعالها من الحكم والمصالح التي يعجز الخلق عن إحصاء بعضها.
ولا يمتنع دخول كل المعاني السابقة في معنى: ((فيه آيات بينات مقام إبراهيم)) لأن كل هذا حاصل بالفعل. ومن هذه الآيات البينات "ماء زمزم" هذا الماء الطيب المبارك، فقد أحاطه الله تعالى، بأحداث عظيمة لبيان علو قدره وعظيم شأنه، وجعل له من الميزات والفضائل ما لم يكن لغيره على الإطلاق وهو موضع اهتمام الأنبياء وأتباعهم على مر الدهور.
وجاء النبي صلى الله عليه وسلم فبين مزيدًا من فضله، وعَظَّمَ شأنه، وسَنَّ الشرب منه وأدخله في مناسك الحج والعمرة، ولا زال هذا الاهتمام والتعظيم موجود في أبناء هذه الأمة ويستمر إلى زوال هذه الدنيا بإذن الله تعالى.
وفي هذه الرسالة نذكر بإذن الله تعالى، بدايات ظهور ما زمزم وما أحاط بها من أحداث.. ثم نبين فضائل هذا الماء المبارك وفوائد الشرب منه.. مع ذكر بعض ما قاله أهل العلم الحديث عن عظمة هذا الماء وتفرده بخصائص وميزات ليست لغيره وعما فيه من إعجاز.. مما يدل على أنه من آيات الله تعالى الكبرى، التي يجب الاعتناء بها وتدبر ما فيها من إيمانيات وحكمة ونعمة.
أصل ماء زمزم وحكاية بداية ظهوره: لم يرد أن ماء زمزم كانت موجودة على ظهر الأرض من ذي قبل، حتى أذن الله بظهورها وذلك في زمن نبي الله إبراهيم عليه السلام، ويبين كيفية ظهورها الحديث التالي: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ((أَوَّلَ مَا اتَّخَذَ النِّسَاءُ الْمِنْطَقَ مِنْ قِبَلِ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ اتَّخَذَتْ مِنْطَقًا لَتُعَفِّيَ أَثَرَهَا عَلَى سَارَةَ (المنطق: هُوَ مَا يُشَدّ بِهِ الْوَسَط، وَكَانَ السَّبَب فِي ذَلِكَ أَنَّ سَارَةَ كَانَتْ وَهَبَتْ هَاجَرَ لِإِبْرَاهِيم فَحَمَلَتْ مِنْهُ بِإِسْمَاعِيل, فَلَمَّا وَلَدَتْهُ غَارَتْ مِنْهَا فَحَلَفَتْ لَتَقْطَعَنَّ مِنْهَا ثَلَاثَة أَعْضَاء فَاِتَّخَذَتْ هَاجَر مِنْطَقًا فَشَدَّتْ بِهِ وَسَطهَا وَهَرَبَتْ وَجَرَّتْ ذَيْلهَا لِتُخْفِي أَثَرهَا عَلَى سَارَةَ)، ثُمَّ جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُرْضِعُهُ حَتَّى وَضَعَهُمَا عِنْدَ الْبَيْتِ عِنْدَ دَوْحَةٍ (شجرة كبيرة) فَوْقَ زَمْزَمَ فِي أَعْلَى الْمَسْجِدِ (أَيْ مَكَان الْمَسْجِد, لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ بُنِيَ)، وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ، وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ، فَوَضَعَهُمَا هُنَالِكَ وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ، ثُمَّ قَفَّى إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا. فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَقَالَتْ: يَا إِبْرَاهِيمُ أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلا شَيْءٌ؟ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا، وَجَعَلَ لا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا. فَقَالَتْ لَهُ: آللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَتْ: إِذَنْ لا يُضَيِّعُنَا، ثُمَّ رَجَعَتْ. فَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ حَيْثُ لا يَرَوْنَهُ اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الْبَيْتَ ثُمَّ دَعَا بِهَؤُلاءِ الْكَلِمَاتِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: "رَبِّ إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ حَتَّى بَلَغَ يَشْكُرُونَ". وَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تُرْضِعُ إِسْمَاعِيلَ وَتَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا فِي السِّقَاءِ عَطِشَتْ وَعَطِشَ ابْنُهَا، وَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ يَتَلَوَّى، أَوْ قَالَ يَتَلَبَّطُ، فَانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ. (يَتَلَبَّط: أي: يَتَمَرَّغ وَيَضْرِب بِنَفْسِهِ الْأَرْض وفي رواية: فَلَمَّا ظَمِئَ إِسْمَاعِيل جَعَلَ يَضْرِب الْأَرْض بِعَقِبَيْهِ", وأخرى "كَأَنَّهُ يَنْشَغ لِلْمَوْتِ": أَيْ يَشْهَق وَيَعْلُو صَوْته وَيَنْخَفِض كَاَلَّذِي يُنَازِع) فَوَجَدَتْ الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ فِي الأَرْضِ يَلِيهَا فَقَامَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَتْ الْوَادِيَ تَنْظُرُ هَلْ تَرَى أَحَدًا فَلَمْ تَرَ أَحَدًا. فَهَبَطَتْ مِنْ الصَّفَا حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ الْوَادِيَ رَفَعَتْ طَرَفَ دِرْعِهَا ثُمَّ سَعَتْ سَعْيَ الإِنْسَانِ الْمَجْهُودِ حَتَّى جَاوَزَتْ الْوَادِيَ ثُمَّ أَتَتْ الْمَرْوَةَ فَقَامَتْ عَلَيْهَا وَنَظَرَتْ هَلْ تَرَى أَحَدًا فَلَمْ تَرَ أَحَدًا. فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَذَلِكَ سَعْيُ النَّاسِ بَيْنَهُمَا". فَلَمَّا أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَرْوَةِ سَمِعَتْ صَوْتًا، فَقَالَتْ: صَهٍ، تُرِيدُ نَفْسَهَا، ثُمَّ تَسَمَّعَتْ، فَسَمِعَتْ أَيْضًا. فَقَالَتْ: قَدْ أَسْمَعْتَ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ غِوَاثٌ. فَإِذَا هِيَ بِالْمَلَكِ عِنْدَ مَوْضِعِ زَمْزَمَ فَبَحَثَ بِعَقِبِهِ أَوْ قَالَ بِجَنَاحِهِ حَتَّى ظَهَرَ الْمَاءُ فَجَعَلَتْ تُحَوِّضُهُ وَتَقُولُ بِيَدِهَا هَكَذَا وَجَعَلَتْ تَغْرِفُ مِنْ الْمَاءِ فِي سِقَائِهَا وَهُوَ يَفُورُ بَعْدَ مَا تَغْرِفُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ أَوْ قَالَ لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنْ الْمَاءِ لَكَانَتْ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا" (أَيْ ظَاهِرًا جَارِيًا عَلَى وَجْه الْأَرْض)، قَالَ: فَشَرِبَتْ وَأَرْضَعَتْ وَلَدَهَا. فَقَالَ لَهَا الْمَلَكُ: لا تَخَافُوا الضَّيْعَةَ فَإِنَّ هَا هُنَا بَيْتَ اللَّهِ يَبْنِي هَذَا الْغُلامُ وَأَبُوهُ وَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَهْلَهُ.
وَفِي حَدِيث عَلِيّ عِنْد الطَّبَرِيِّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ:
"فَنَادَاهَا جِبْرِيل فَقَالَ: مَنْ أَنْتِ؟ قَالَتْ: أَنَا هَاجَرُ أُمُّ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ, قَالَ: فَإِلَى مَنْ وَكَلَكُمَا؟ قَالَتْ: إِلَى اللَّهِ، قَالَ: وَكَلَكُمَا إِلَى كَافٍ"، وَكَانَ الْبَيْتُ مُرْتَفِعًا مِنْ الأَرْضِ كَالرَّابِيَةِ تَأْتِيهِ السُّيُولُ فَتَأْخُذُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ. فَكَانَتْ كَذَلِكَ (فَكَانَتْ) أَيْ هَاجَرُ (كَذَلِكَ) أَيْ عَلَى الْحَال الْمَوْصُوفَة, وَفِيهِ إِشْعَار بِأَنَّهَا كَانَتْ تَغْتَذِي بِمَاءِ زَمْزَم فَيَكْفِيهَا عَنْ الطَّعَام وَالشَّرَاب حَتَّى مَرَّتْ بِهِمْ رُفْقَةٌ مِنْ جُرْهُمَ أَوْ أَهْلُ بَيْتٍ مِنْ جُرْهُمَ مُقْبِلِينَ مِنْ طَرِيقِ كَدَاءٍ فَنَزَلُوا فِي أَسْفَلِ مَكَّةَ فَرَأَوْا طَائِرًا عَائِفًا، فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا الطَّائِرَ لَيَدُورُ عَلَى مَاءٍ لَعَهْدُنَا بِهَذَا الْوَادِي وَمَا فِيهِ مَاءٌ فَأَرْسَلُوا جَرِيًّا (رَسُولًا) أَوْ جَرِيَّيْنِ فَإِذَا هُمْ بِالْمَاءِ فَرَجَعُوا فَأَخْبَرُوهُمْ بِالْمَاءِ فَأَقْبَلُوا. قَالَ: وَأُمُّ إِسْمَاعِيلَ عِنْدَ الْمَاءِ. فَقَالُوا: أَتَأْذَنِينَ لَنَا أَنْ نَنْزِلَ عِنْدَكِ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ وَلَكِنْ لا حَقَّ لَكُمْ فِي الْمَاءِ. قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَأَلْفَى ذَلِكَ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُحِبُّ الإِنْسَ فَنَزَلُوا وَأَرْسَلُوا إِلَى أَهْلِيهِمْ فَنَزَلُوا مَعَهُمْ حَتَّى إِذَا كَانَ بِهَا أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْهُمْ وَشَبَّ الْغُلامُ وَتَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ مِنْهُمْ فِيهِ (إِشْعَار بِأَنَّ لِسَان أُمّه وَأَبِيهِ لَمْ يَكُنْ عَرَبِيًّا)، وَأَنْفَسَهُمْ (صَارَ نَفِيسًا عِنْدهمْ) وَأَعْجَبَهُمْ حِينَ شَبَّ فَلَمَّا أَدْرَكَ زَوَّجُوهُ امْرَأَةً مِنْهُمْ وَمَاتَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ، فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ بَعْدَمَا تَزَوَّجَ إِسْمَاعِيلُ يُطَالِعُ تَرِكَتَهُ فَلَمْ يَجِدْ إِسْمَاعِيلَ فَسَأَلَ امْرَأَتَهُ عَنْهُ؟ فَقَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا. ثُمَّ سَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ؟ فَقَالَتْ: نَحْنُ بِشَرٍّ نَحْنُ فِي ضِيقٍ وَشِدَّةٍ فَشَكَتْ إِلَيْهِ. قَالَ: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلامَ وَقُولِي لَهُ يُغَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِهِ. فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ كَأَنَّهُ آنَسَ شَيْئًا فَقَالَ: هَلْ جَاءَكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ جَاءَنَا شَيْخٌ كَذَا وَكَذَا فَسَأَلَنَا عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ وَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا فِي جَهْدٍ وَشِدَّةٍ. قَالَ: فَهَلْ أَوْصَاكِ بِشَيْءٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ السَّلامَ وَيَقُولُ غَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِكَ. قَالَ: ذَاكِ أَبِي وَقَدْ أَمَرَنِي أَنْ أُفَارِقَكِ الْحَقِي بِأَهْلِكِ. فَطَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ أُخْرَى فَلَبِثَ عَنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَتَاهُمْ بَعْدُ فَلَمْ يَجِدْهُ فَدَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ فَسَأَلَهَا عَنْهُ؟ فَقَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا. قَالَ: كَيْفَ أَنْتُمْ وَسَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ؟ فَقَالَتْ: نَحْنُ بِخَيْرٍ وَسَعَةٍ وَأَثْنَتْ عَلَى اللَّهِ. فَقَالَ: مَا طَعَامُكُمْ؟ قَالَتْ: اللَّحْمُ. قَالَ: فَمَا شَرَابُكُمْ؟ قَالَتْ: الْمَاءُ. قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي اللَّحْمِ وَالْمَاءِ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ حَبٌّ وَلَوْ كَانَ لَهُمْ دَعَا لَهُمْ فِيهِ قَالَ فَهُمَا لا يَخْلُو عَلَيْهِمَا أَحَدٌ بِغَيْرِ مَكَّةَ إِلا لَمْ يُوَافِقَاهُ. قَالَ: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلامَ وَمُرِيهِ يُثْبِتُ عَتَبَةَ بَابِهِ. فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ قَالَ: هَلْ أَتَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ أَتَانَا شَيْخٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ وَأَثْنَتْ عَلَيْهِ فَسَأَلَنِي عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ فَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا بِخَيْرٍ. قَالَ: فَأَوْصَاكِ بِشَيْءٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ هُوَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلامَ وَيَأْمُرُكَ أَنْ تُثْبِتَ عَتَبَةَ بَابِكَ. قَالَ: ذَاكِ أَبِي وَأَنْتِ الْعَتَبَةُ أَمَرَنِي أَنْ أُمْسِكَكِ. ثُمَّ لَبِثَ عَنْهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِسْمَاعِيلُ يَبْرِي نَبْلاً لَهُ تَحْتَ دَوْحَةٍ قَرِيبًا مِنْ زَمْزَمَ فَلَمَّا رَآهُ قَامَ إِلَيْهِ فَصَنَعَا كَمَا يَصْنَعُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ وَالْوَلَدُ بِالْوَالِدِ. ثُمَّ قَالَ: يَا إِسْمَاعِيلُ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِأَمْرٍ. قَالَ: فَاصْنَعْ مَا أَمَرَكَ رَبُّكَ. قَالَ: وَتُعِينُنِي؟ قَالَ: وَأُعِينُكَ. قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ هَا هُنَا بَيْتًا وَأَشَارَ إِلَى أَكَمَةٍ مُرْتَفِعَةٍ عَلَى مَا حَوْلَهَا قَالَ فَعِنْدَ ذَلِكَ رَفَعَا الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ.
وفِي رِوَايَة: "إِنَّ رَبَّك أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ لَهُ بَيْتًا" وَوَقَعَ فِي حَدِيث أَبِي جَهْم عِنْد الْفَاكِهِيّ: "أَنَّ عُمْر إِبْرَاهِيم كَانَ يَوْمئِذٍ مِائَة سَنَة وَعُمْر إِسْمَاعِيل ثَلَاثِينَ سَنَة".
فَجَعَلَ إِسْمَاعِيلُ يَأْتِي بِالْحِجَارَةِ وَإِبْرَاهِيمُ يَبْنِي حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ جَاءَ بِهَذَا الْحَجَرِ فَوَضَعَهُ لَهُ فَقَامَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَبْنِي وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ وَهُمَا يَقُولانِ: "رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" قَالَ: فَجَعَلا يَبْنِيَانِ حَتَّى يَدُورَا حَوْلَ الْبَيْتِ وَهُمَا يَقُولانِ: "رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ")).
فهذا الحديث يبيَّنَ كيفية بداية ظهور زمزم، وأن ذلك كان بسبب عطش إسماعيل عليه السلام وهو رضيع، وأن الذي قام بحفرها هو جبريل عليه السلام رئيس الملائكة المكلف بالوحي.
فأحاط الفضل والخير والشرف بماء زمزم من كل وجه، فهي مباركة من عند الله تعالى، وحفرها جبريل الأمين عليه السلام، وظهرت أول مرة من أجل أن تسقي نبي الله إسماعيل عليه السلام وهو ابن إبراهيم الخليل عليه السلام.
ماء زمزم سبب عمران مكة: وبيَّنَ الحديث أيضًا: فضيلة عظيمة لهذه البئر المباركة وهي أن وجود زمزم كان السبب في عمران هذه البقعة من الأرض "مكة المكرمة" وكانت من قبل صحراء قاحلة غير معمورة، كما مر معنا في الحديث أنها سبب توجه قبيلة جرهم إلى مكة والإقامة فيها وعمران هذه المنطقة بالناس. وبيَّنَ الحديث أيضًا: بداية بناء الكعبة المشرفة، وأن أول من بناها إبراهيم وولده إسماعيل عليهما السلام.
فتم الفضل لهذا البلد الطيب من جميع جوانبه فبوجود ماء زمزم وبناء الكعبة توجه الكثير من خلق الله تعالى إلى هذا البلد الذي أصبح عاصمة أهل الإيمان عل مر العصور والأزمان، تهفو إليه نفوسهم وتتطلع إليه أبصارهم وتتعلق به أفئدتهم.
عن وهب بن منبه قال: ((كان بطن مكة ليس فيه ماء، وليس لأحد فيه قرار، حتى أنبط الله تعالى لإسماعيل عليه السلام زمزم، فعمرت مكة يومئذ وسكنها من أجل الماء قبيلة من اليمن يقال لهم جرهم، وليست من عاد كما يقال، ولولا الماء الذي أنبطه الله تعالى لإسماعيل عليه السلام لما أراد من عمارة بيته، لم يكن لأحد بها يومئذ مقام)). يتبع إن شاء الله... |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52683 العمر : 72
| موضوع: رد: تاريخ ماء زمزم وذكر فضائله الأربعاء 07 سبتمبر 2016, 6:08 am | |
| تحقق دعوة نبي الله إبراهيم صلى الله عليه وسلم قال تعالى: ((وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ))، وقال تعالى: ((وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)). ترك إبراهيم عليه السلام زوجه وولده في أرض صحراء قاحلة لا يوجد فيها شيء من مقومات الحياة امتثالاً لأمر الله تعالى له بذلك، ودعا إبراهيم عليه السلام بهذه الدعوات التي ذكرها الله تعالى في كتابه.. فاستجاب له ربه عز وجل وحقق له الدعاء فكان أول البركات والرحمات إخراج ماء زمزم المباركة الطيبة.. وبفضل وجودها أتى إليها الناس ليسكنوا حولها، وانقلبت مكة المباركة من صحراء قاحلة إلى بلد عامرة يأتيها رزقها رغدًا من الثمرات وسائر أنواع الخيرات من كل مكان وصارت محط أنظار العالمين خاصة بعد بناء الكعبة المشرفة وتشريع المناسك فيها.
فصارت مكة بها منافع الدنيا والآخرة، وبها فضل الله العظيم من خيري الدنيا والآخرة ويحج إليها الملايين من الناس على مر العصور والأزمان.
وجعل الله لمكة الطيبة المكانة الرفيعة في جميع قلوب المسلمين، فإليها تهفو النفوس وتشتاق إليها القلوب وتسافر إليها الأبدان عل مدار العام.
قصة ردم زمزم وجفافها ثم حفرها مرة أخرى: بينت كتب السير والتاريخ: أنه لما طالت ولاية جرهم استحلوا من الحرم أمورًا عظامًا، ونالوا ما لم يكونوا ينالون، واستخفوا بحرمة الحرم، وأكلوا مال الكعبة الذي يهدى إليها سراً وعلانيةً، وكلما عدا سفيه منهم على منكر وجد من أشرافهم من يمنعه ويدفع عنه، وظلموا من دخلها من غير أهلها.
فلما رأى مضاض بن عمرو بن الحارث بن مضاض ما تعمل جرهم في الحرم، وما تسرق من مال الكعبة سراً وعلانيةً، فقام بنصحهم فلم ينتصحوا، فعمد إلى غزالين كانا في الكعبة من ذهب، وأسياف قلعية، فدفنها في موضع بئر زمزم، وكان ماء زمزم قد نضب وذهب لما أحدثت جرهم في الحرم ما أحدثت، حتى غبي مكان البئر ودرس، فقام مضاض بن عمرو وبعض ولده في ليلة مظلمة، فحفر في موضع بئر زمزم وأعمق، ثم دفن فيه الأسياف والغزالين.
فبينا هم على ذلك إذ كان من أمر أهل مأرب ما ذكر أنه ألقت طريفة الكاهنة إلى عمرو بن عامر الذي يقال له مزيقياء بن ماء السماء، وهو عمرو بن عامر بن حارثة بن ثعلبة بن امرئ القيس بن مازن بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وكانت قد رأت في كهانتها أن سد مأرب سيخرب، وأنه سيأتي سيل العرم فيخرب الجنتين، فباع عمرو بن عامر أمواله، وسار هو وقومه من بلد إلى بلد، لا يطئون بلداً إلا غلبوا عليه وقهروا أهله، حتى يخرجوا منه، حتى استولى على مكة وفنيت جرهم وفر منهم من فر منهم مضاض، واستولت خزاعة على مكة واقامت فيها.
وظلت زمزم مردومة هكذا، حتى كان زمان عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي حفرها للمرة الثانية.
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال وهو يحدث حديث زمزم: ((قَالَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ: إنّي لَنَائِمٌ فِي الْحِجْرِ إذْ أَتَانِي آتٍ فَقَالَ احْفِرْ طَيْبَةَ. قَالَ قُلْت: وَمَا طَيْبَةُ؟ قَالَ ثُمّ ذَهَبَ عَنّي. (وفي رواية عبدالرزاق: احفر زمزم خبيئة الشيخ الأعظم).
فَلَمّا كَانَ الْغَدُ رَجَعْتُ إلَى مَضْجَعِي فَنِمْت فِيهِ فَجَاءَنِي فَقَالَ احْفِرْ بَرّةَ. قَالَ وَمَا بَرّةُ؟ قَالَ ثُمّ ذَهَبَ عَنّي، فَلَمّا كَانَ الْغَدُ رَجَعْت إلَى مَضْجَعِي فَنِمْت فِيهِ فَجَاءَنِي فَقَالَ احْفِرْ الْمَضْنُونَةَ. قَالَ فَقُلْت: وَمَا الْمَضْنُونَةُ؟ قَالَ ثُمّ ذَهَبَ عَنّي.
فَلَمّا كَانَ الْغَدُ رَجَعْتُ إلَى مَضْجَعِي فَنِمْت فِيهِ فَجَاءَنِي فَقَالَ احْفِرْ زَمْزَمَ. قَالَ قُلْت: وَمَا زَمْزَمُ؟ قَالَ لَا تَنْزِفُ أَبَدًا وَلَا تُذَمّ، تَسْقِي الْحَجِيجَ الْأَعْظَمَ وَهِيَ بَيْنَ الْفَرْثِ وَالدّمِ عِنْدَ نُقْرَةِ الْغُرَابِ الْأَعْصَمِ (حَيْثُ يُنْقَرُ الْغُرَابُ غَدًا) عِنْدَ قَرْيَةِ النّمْلِ.
فَلَمّا بُيّنَ لَهُ شَأْنُهَا، وَدُلّ عَلَى مَوْضِعِهَا، وَعَرَفَ أَنّهُ صُدّقَ غَدَا بِمِعْوَلِهِ وَمَعَهُ ابْنُهُ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، لَيْسَ لَهُ يَوْمَئِذٍ وَلَدٌ غيره.
فَوَجَدَ قَرْيَةَ النّمْلِ، وَوَجَدَ الْغُرَابَ يَنْقُرُ عِنْدَهَا بَيْنَ الْوَثَنَيْنِ إسَافٍ وَنَائِلَةٍ، اللّذَيْنِ كَانَتْ قُرَيْشٌ تَنْحَرُ عِنْدَهُمَا ذَبَائِحَهَا. فَجَاءَ بِالْمِعْوَلِ وَقَامَ لِيَحْفِرَ حَيْثُ أُمِرَ فَقَامَتْ إلَيْهِ قُرَيْشٌ حِينَ رَأَوْا جِدّهُ فَقَالُوا: وَاَللّهِ لَا نَتْرُكُك تَحْفِرُ بَيْنَ وَثَنَيْنَا هَذَيْنِ اللّذَيْنِ نَنْحَرُ عِنْدَهُمَا، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ لِابْنِهِ الْحَارِثِ ذُدْ عَنّي حَتّى أَحْفِرَ، فَوَاَللّهِ لَأَمْضِيَن لِمَا أُمِرْت بِهِ. فَلَمّا عَرَفُوا أَنّهُ غَيْرُ نَازِعٍ خَلّوْا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَفْرِ، وَكَفّوا عَنْهُ.
فَلَمْ يَحْفِرْ إلّا يَسِيرًا، حَتّى بَدَا لَهُ الطّيّ، فَكَبّرَ وَعَرَفُوا أَنّهُ قَدْ صُدِقَ.
فَلَمّا تَمَادَى بِهِ الْحَفْرُ وَجَدَ فِيهَا غَزَالَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ وَهُمَا الْغَزَالَانِ اللّذَانِ دَفَنَتْ جُرْهُمٌ فِيهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنْ مَكّةَ، وَوَجَدَ فِيهَا أَسْيَافًا قَلْعِيّةً وَأَدْرَاعًا، فَقَالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ يَا عَبْدَ الْمُطّلِبِ، لَنَا مَعَك فِي هَذَا شِرْكٌ وَحَقّ.
وفي رواية: فقام يحفر حيث نعت له، فقالت له قريش: ما هذا يا عبد المطلب؟ فقال: أمرت بحفر زمزم، فلما بَدَا لِعَبْدِ الْمُطّلِبِ الطّيّ كَبّرَ فَعَرَفَتْ قُرَيْشٌ أَنّهُ قَدْ أَدْرَكَ حَاجَتَهُ (وفي رواية: فلما كشف عنه وبصروا بالظبي) فَقَامُوا إلَيْهِ فَقَالُوا: يَا عَبْدَ الْمُطّلِبِ، إنّهَا بِئْرُ أَبِينَا إسْمَاعِيلَ وَإِنّ لَنَا فِيهَا حَقّا فَأَشْرِكْنَا مَعَك فِيهَا.
قَالَ مَا أَنَا بِفَاعِلِ إنّ هَذَا الْأَمْرَ قَدْ خُصِصْتُ بِهِ دُونَكُمْ وَأُعْطِيته مِنْ بَيْنِكُمْ فَقَالُوا لَهُ فَأَنْصِفْنَا فَإِنّا غَيْرُ تَارِكِيك حَتّى نُخَاصِمَك فِيهَا، قَالَ فَاجْعَلُوا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مَنْ شِئْتُمْ أُحَاكِمُكُمْ إلَيْهِ قَالُوا: كَاهِنَةُ بَنِي سَعْدٍ بن هُذَيْمٌ قَالَ نَعَمْ قَالَ وَكَانَتْ بِأَشْرَافِ الشّامِ.
فَرَكِبَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ بَنِي أَبِيهِ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وَرَكِبَ مِنْ كُلّ قَبِيلَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ نَفَرٌ. قَالَ وَالْأَرْضُ إذْ ذَاكَ مَفَاوِزُ. قَالَ فَخَرَجُوا حَتّى إذَا كَانُوا بِبَعْضِ تِلْكَ الْمَفَاوِزِ بَيْنَ الْحِجَازِ وَالشّامِ، فَنِيَ مَاءُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ وَأَصْحَابِهِ فَظَمِئُوا حَتّى أَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ فَاسْتَسْقَوْا مَنْ مَعَهُمْ مِنْ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ، فَأَبَوْا عَلَيْهِمْ. وَقَالُوا: إنّا بِمَفَازَةٍ وَنَحْنُ نَخْشَى عَلَى أَنْفُسِنَا مِثْلَ مَا أَصَابَكُمْ فَلَمّا رَأَى عَبْدُ الْمُطّلِبِ مَا صَنَعَ الْقَوْمُ وَمَا يَتَخَوّفُ عَلَى نَفْسِهِ وَأَصْحَابِهِ، قَالَ مَاذَا تَرَوْنَ؟ قَالُوا: مَا رَأْيُنَا إلّا تَبَعٌ لِرَأْيِك، فَمُرْنَا بِمَا شِئْت؛ قَالَ فَإِنّي أَرَى أَنْ يَحْفِرَ كُلّ رَجُلٍ مِنْكُمْ حُفْرَتَهُ لِنَفْسِهِ بِمَا بِكُمْ الْآنَ مِنْ الْقُوّةِ فَكُلّمَا مَاتَ رَجُلٌ دَفَعَهُ أَصْحَابُهُ فِي حُفْرَتِهِ ثُمّ وَارَوْهُ حَتّى يَكُونَ آخِرُكُمْ رَجُلًا وَاحِدًا، فَضَيْعَةُ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَيْسَرُ مِنْ ضَيْعَةِ رَكْبٍ جَمِيعًا، قَالُوا: نِعْمَ مَا أَمَرْتَ بِهِ.
فَقَامَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَحَفَرَ حُفْرَتَهُ ثُمّ قَعَدُوا يَنْتَظِرُونَ الْمَوْتَ عَطَشًا، ثُمّ إنّ عَبْدَ الْمُطّلِبِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ وَاَللّهِ إنّ إلْقَاءَنَا بِأَيْدِينَا هَكَذَا لِلْمَوْتِ لَا نَضْرِبُ فِي الْأَرْضِ وَلَا نَبْتَغِي لِأَنْفُسِنَا، لَعَجْزٌ فَعَسَى اللّهُ أَنْ يَرْزُقَنَا مَاءً بِبَعْضِ الْبِلَادِ ارْتَحِلُوا، فَارْتَحَلُوا. حَتّى إذَا فَرَغُوا، وَمَنْ مَعَهُمْ مِنْ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ يَنْظُرُونَ إلَيْهِمْ مَا هُمْ فَاعِلُونَ تَقَدّمَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ إلَى رَاحِلَتِهِ فَرَكِبَهَا.
فلما جلس عليها وانْبَعَثَتْ بِهِ انْفَجَرَتْ مِنْ تَحْتِ خُفّهَا عَيْنُ مَاءٍ عَذْبٍ فَكَبّرَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ وَكَبّرَ أَصْحَابُهُ ثُمّ نَزَلَ فَشَرِبَ وَشَرِبَ أَصْحَابُهُ وَاسْتَقَوْا حَتّى مَلِئُوا أَسْقِيَتَهُمْ ثُمّ دَعَا الْقَبَائِلَ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ هَلُمّ إلَى الْمَاءِ فَقَدْ سَقَانَا اللّهُ فَاشْرَبُوا وَاسْتَقَوْا، فَجَاءُوا فَشَرِبُوا وَاسْتَقَوْا.
ثُمّ قَالُوا: قَدْ وَاَللّهِ قُضِيَ لَك عَلَيْنَا يَا عَبْدَ الْمُطّلِبِ، وَاَللّهِ لَا نُخَاصِمُك فِي زَمْزَمَ أَبَدًا، إنّ الّذِي سَقَاك هَذَا الْمَاءَ بِهَذِهِ الْفَلَاةِ لَهُوَ الّذِي سَقَاك زَمْزَمَ، فَارْجِعْ إلَى سِقَايَتِك رَاشِدًا. فَرَجَعَ وَرَجَعُوا مَعَهُ وَلَمْ يَصِلُوا إلَى الْكَاهِنَةِ وَخَلّوْا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا.
قال ابن إسحاق: فانصرفوا ومضى عبد المطلب فحفر، فلما تمادى به الحفر وجد غزالين من ذهب، وهما الغزالان اللذان كانت جرهم دفنت فيها حين أخرجت من مكة وهي بئر إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام الذي سقاه الله عز وجل حين ظمئ وهو صغير.
قال ابن إسحاق: ووجد عبد المطلب أسيافاً مع الغزالين، فقالت قريش: لنا معك في هذا يا عبد المطلب شرك وحق، فقال: لا، ولكن هلموا إلى أمر نصف بيني وبينكم، نضرب عليها بالقداح، فقالوا: فكيف نصنع؟ قال: اجعلوا للكعبة قدحين ولكم قدحين ولي قدحين، فمن خرج له شيء كان له، فقالوا له: قد أنصفت، وقد رضينا، فجعل قدحين أصفرين للكعبة وقدحين أسودين لعبد المطلب وقدحين أبيضين لقريش ثم أعطوها الذي يضرب بالقداح.
وقام عبد المطلب يدعو الله ويقول: اللهم أنت الملك المحمود ربي وأنت المبدئ المعيد وممسك الراسية الجلمود من عندك الطارف والتليد إن شئت ألهمت لما تريد لموضع الحلية والحديد فبين اليوم لما تريد إني نذرت عاهد العهود اجعله رب لي ولا أعود وضرب صاحب القداح القداح، فخرج الأصفران على الغزالين للكعبة فضربهما عبد المطلب في باب الكعبة فكانا أول ذهب حليته، وخرج الأسودان على السيوف والأدراع لعبد المطلب فأخذها، وكانت قريش ومن سواهم من العرب في الجاهلية إذا اجتهدوا في الدعاء سجعوا فألفوا الكلام، وكانت فيما يزعمون قلما ترد إذا دعا بها داع.
قال ابن إسحاق: فلما حفر عبد المطلب زمزم ودله الله عليها وخصه بها زاده الله تعالى بها شرفا وخطرا في قومه ، وعطلت كل سقاية كانت بمكة حين ظهرت، وأقبل الناس عليها التماس بركتها ومعرفة فضلها لمكانها من البيت، وأنها سقيا الله عز وجل لإسماعيل عليه السلام)). ومات عبد المطلب والنبي صلى الله عليه وسلم ابن ثمان سنين، وولي زمزم والسقاية من بنيه العباس بن عبد المطلب، فلم تزل إليه حتى قام الإسلام وهي بيده، فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما مضى.
ذِكْرُ الآبار التي كانت لقَبَائِلِ قُرَيْشٍ بِمَكّةَ: الطّوِيّ: لعَبْدِ شَمْسِ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ، وهي الْبِئْرُ الّتِي بِأَعْلَى مَكّةَ.
بَذّرُ: لهَاشِم بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ، عَلَى فَمِ شِعْبِ أَبِي طَالِبٍ.
سَجْلَةُ: بِئْرُ الْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ. الْحَفْرُ: لأمَيّة بْنُ عَبْدِ شَمْسٍ.
سُقَيّةُ: لبني أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى. أُمّ أَحْرَادٍ: لبني عَبْدِ الدّارِ. السّنْبُلَةُ: لبني جُمَحَ، وَهِيَ بِئْرُ خَلَفِ بْنِ وَهْبٍ.
الْغِمْرُ: لبني سَهْمٍ.
وَكَانَتْ آبَارُ حَفَائِرَ خَارِجًا مِنْ مَكّةَ قَدِيمَةً مِنْ عَهْدِ مُرّةَ بْنِ كَعْبٍ، وَكِلَابِ بْنِ مُرّةَ لقُرَيْشٍ الْأَوَائِلِ مِنْهَا يَشْرَبُونَ وَهِي: رُمّ وَرُمّ: بِئْرُ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ.
وَخُمّ: لبَنِي كِلَابِ بْنِ مُرّةَ.
وَالْحَفْرُ: لبَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ.
ترك الناس للآبار المذكورة وانصرافهم للسقيا من زمزم: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَعَفّتْ زَمْزَمُ عَلَى الْبِئَارِ الّتِي كَانَتْ قَبْلَهَا يَسْقِي عَلَيْهَا الْحَاجّ ، وَانْصَرَفَ النّاسُ إلَيْهَا لِمَكَانِهَا مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَلِفَضْلِهَا عَلَى مَا سِوَاهَا مِنْ الْمِيَاهِ وَلِأَنّهَا بِئْرُ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السّلَامُ وَافْتَخَرَتْ بِهَا بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ عَلَى قُرَيْشٍ كُلّهَا ، وَعَلَى سَائِرِ الْعَرَبِ ، فَقَالَ مُسَافِرُ بْنُ أَبِي عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَهُوَ يَفْخَرُ عَلَى قُرَيْشٍ بِمَا وُلّوا عَلَيْهِمْ مِنْ السّقَايَةِ وَالرّفَادَةِ وَمَا أَقْدَمُوا لِلنّاسِ مِنْ ذَلِكَ وَبِزَمْزَمَ حِينَ ظَهَرَتْ لَهُمْ وَإِنّمَا كَانَ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ أَهْلَ بَيْتٍ وَاحِدٍ شَرَفُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضِ شَرَفٌ وَفَضْلُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضِ فَضْلٌ.
وَرِثْنَا الْمَجْدَ مِنْ آبَا ئِنَا فَنَمَى بِنَا صُعُدَا أَلَمْ نَسْقِ الْحَجِيجَ وَنَنْحَرُ الدّلّافَةَ الرّفُدَا وَنُلْقَى عِنْدَ تَصْرِيفِ الْمَنَايَا شُدّدًا رُفُدَا فَإِنْ نَهْلِكْ فَلَمْ نُمْلَكْ وَمَنْ ذَا خَالِدٌ أَبَدَا وَزَمْزَمُ فِي أَرُومَتِنَا وَنَفْقَأُ عَيْنَ مَنْ حَسَدَا
وَقَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ غَانِمٍ أَخُو بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ: وَسَاقِي الْحَجِيجِ ثُمّ لِلْخَيْرِ هَاشِمُ وَعَبْدُ مَنَافٍ ذَلِكَ السّيّدُ الْفِهْرِي طَوَى زَمْزَمَ عِنْدَ الْمَقَامِ فَأَصْبَحَتْ سِقَايَتُهُ فَخْرًا عَلَى كُلّ ذِي فَخْرِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يَعْنِي عَبْدَ الْمُطّلِبِ بْنَ هَاشِمٍ.
حساب السنين من حين ظهور ماء زمزم إلى الآن: لم يكن ماء زمزم ظاهرًا على وجه الأرض، فلم يظهر إلا بعد حادثة سيدنا إسماعيل وأمه هاجر عليهما السلام وحفر جبريل عليه السلام لهذه البقعة وخروج الماء ونبعه منها.. فهي ظهرت منذ ذلك الزمان..
وقد ذكر الإمام الطبري في تاريخه مجموعة من الآثار ذكر فيها المدة منذ نزول آدم عليه السلام إلى الأرض ، وحتى هجرة نبينا عليه الصلاة والسلام.. ولن نطيل بذكر هذه الأقوال: انظر تاريخ الطبري (1/ 494 - 496).
وقد ذكر فيها أنه: ما بين إبراهيم وموسى عليها السلام 1000 سنة. وما بين موسى وعيسى عليهما السلام 1900 سنة. وما بين عيسى ومحمد عليهما السلام 600 سنة. فيكون المجموع ما بين إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام (3500) سنة.
أضف إليها (1435) سنة هي التاريخ من الهجرة إلى الآن، فيكون مجموع السنين من تاريخ ظهور زمزم إلى الآن (4935) سنة..
أي أن عمر ماء زمزم على وجه الأرض منذ ظهورها إلى الآن حوالى خمسة آلاف سنة وهذا طبعًا بالتقريب.. فهناك اختلاف في تواريخ الفترات ما بين الأنبياء عليهم السلام. والله سبحانه وتعالى أعلم بحقائق الأمور.
فضائل ماء زمزم: من أعظم فضائل زمزم حفر جبريل عليه السلام لها من أعظم فضائل زمزم أن الذي قام بحفرها وإظهارها على وجه الأرض لأول مرة هو رئيس الملائكة القوي الأمين: سيدنا جبريل عليه السلام رفيع الشأن.. عظيم المنزلة عند الله رب العالمين وهذا ليبين الله تعالى عظيم أمر هذا الماء المبارك، وقوة منفعته، وعلو أمره وشأنه، وأنه ماء مبارك اختصه الله بكل هذه العناية والرعاية فتدبر. ومر بنا الحديث في أول الكتاب الذي رواه البخاري وغيره عن محمد بن إسحاق قال: وقد قالت صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها: نحن حفرنا للحجيج زمزما ... شفاء سقم وطعام مطعما ركضة جبريل ولما تعظما ... سقيا نبي الله في المحرما ابن خليل ربنا المكرما.
وعن عثمان: أخبرت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل كعباً عن أشياء فقال: حدثني عن زمزم قال: «وطأة جبريل عليه السلام، خفقة من جناحه حين خشيت هاجر على ابنها العطش».
وعن مجاهد أبي الحجاج أنه قال: «لم نزل نسمع أن زمزم هزمة جبريل بعقبه، وسقيا الله إسماعيل».
وعن مجاهد قال في ماء زمزم: (( هي برة، وهي هزمة جبريل عليه السلام بعقبه، وسقيا الله إسماعيل، وإنما سميت زمزم؛ لأنها مشتقة من الهزمة، والهزمة: الغمزة بالعقب في الأرض)). ونقل عثمان بن ساج عن غير واحد: أن زمزم تدعى سابق، وكانت وطأة من جبريل، وكان سقياها لإسماعيل يوم فرج له عنها جبريل عليه السلام، وهو يومئذ وأمه عطشانان.
أبناء مــاء السـمـاء: من أعظم فضائل ماء زمزم، أن الذي أظهره للوجود على وجه الأرض، هو جبريل عليه السلام، فكان إظهاره بجناح ملك من السماء، بل هو رئيس الملائكة وأعظمهم شأنًا وأشدهم خلقة وقوة، لذلك يقال عن ماء زمزم: "ماء السماء" نسبة إلى الملك الذي أظهره.
ويزيد هذا الماء المبارك فضلاً.. سبب ظهوره.. وهو عطش سيدنا إسماعيل عليه السلام وهو رضيع، فأظهره الله تعالى ليكون طُعمة لهذا النبي الكريم الذي خرج من نسله خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
فكل هذه فضائل اختص الله تعالى بها هذا الماء المبارك.. لذلك كان يقال لنسل السيدة هاجر عليها السلام أم نبي الله إسماعيل: "أولاد ماء السماء"، لأن جدهم الأكبر تربى على هذا الماء المبارك.
قال أبو حاتم: ((كل من كان من ولد هاجر يقال له: ولَدُ ماءِ السماءِ، لأن إسماعيلَ من هاجر، وقد ربَّيَ بماء زمزم، وهو ماء السماء الذي أكرم الله به إسماعيل، حيث ولدته أمه هاجر، فأولادها أولادُ ماءِ السماءِ)). يتبع إن شاء الله... |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52683 العمر : 72
| موضوع: رد: تاريخ ماء زمزم وذكر فضائله الأربعاء 07 سبتمبر 2016, 6:42 am | |
| غسل قلب النبي صلى الله عليه وسلم بماء زمزم وذلك لشرفها وعلو قدرها وطهارتها لماء زمزم فضيلة عظمى جدًا، وشرف كبير جدًا، فهو الماء الذي غسل به جبريل الأمين عليه السلام قلب النبي صلوات الله وسلامه عليه ثلاث مرات: المرة الأولى: في طفولته عليه الصلاة والسلام عندما كان عند حليمة أمه من الرضاعة في بادية بني سعد، وهو يلعب مع الغلمان: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قال: ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ فَأَخَذَهُ فَصَرَعَهُ فَشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ، فَاسْتَخْرَجَ الْقَلْبَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً، فَقَالَ: هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ، ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ لأَمَهُ ثُمَّ أَعَادَهُ فِي مَكَانِهِ. وَجَاءَ الْغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إِلَى أُمِّهِ، يَعْنِي ظِئْرَهُ فَقَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ، فَاسْتَقْبَلُوهُ وَهُوَ مُنْتَقِعُ اللَّوْنِ. قَالَ أَنَسٌ: وَقَدْ كُنْتُ أَرْئِي أَثَرَ ذَلِكَ الْمِخْيَطِ فِي صَدْرِهِ)).
والمرة الثانية: في ليلة الإسراء والمعراج التي عرج فيها صلى الله عليه وسلم فيها إلى السماوات العلى، فكان الغسيل بماء زمزم تهيئة له صلى الله عليه وسلم لما سيقدم عليه من كلامه لربه تبارك وتعالى ومقابلة الملأ الأعلى من الملائكة الكرام والأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام أجمعين: عن أَنَس بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه يَقُولُ: ((لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ أَنَّهُ جَاءَهُ ثَلاثَةُ نَفَرٍ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ وَهُوَ نَائِمٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَقَالَ أَوَّلُهُمْ: أَيُّهُمْ هُوَ؟ فَقَالَ أَوْسَطُهُمْ: هُوَ خَيْرُهُمْ فَقَالَ آخِرُهُمْ: خُذُوا خَيْرَهُمْ فَكَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ. فَلَمْ يَرَهُمْ حَتَّى أَتَوْهُ لَيْلَةً أُخْرَى فِيمَا يَرَى قَلْبُهُ وَتَنَامُ عَيْنُهُ، وَلا يَنَامُ قَلْبُهُ، وَكَذَلِكَ الأَنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ وَلا تَنَامُ قُلُوبُهُمْ. فَلَمْ يُكَلِّمُوهُ حَتَّى احْتَمَلُوهُ فَوَضَعُوهُ عِنْدَ بِئْرِ زَمْزَمَ، فَتَوَلاهُ مِنْهُمْ جِبْرِيلُ، فَشَقَّ جِبْرِيلُ مَا بَيْنَ نَحْرِهِ إِلَى لَبَّتِهِ، حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَدْرِهِ وَجَوْفِهِ، فَغَسَلَهُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ بِيَدِهِ حَتَّى أَنْقَى جَوْفَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ تَوْرٌ مِنْ ذَهَبٍ مَحْشُوًّا إِيمَانًا وَحِكْمَةً فَحَشَا بِهِ صَدْرَهُ وَلَغَادِيدَهُ يَعْنِي عُرُوقَ حَلْقِهِ ثُمَّ أَطْبَقَهُ ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَضَرَبَ بَابًا مِنْ أَبْوَابِهَا.. الحديث)).
المرة الثالثة: عند البعثة: قال ابن حجر: وثبت شق الصدر أيضًا عند البعثة كما أخرجه أبو نعيم في الدلائل.
وقال في موضع آخر: وَأَنَّ شَقَّ الصَّدْر وَقَعَ أَيْضًا عِنْد الْبَعْثَة كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَده وَأَبُو نُعَيْم وَالْبَيْهَقِيُّ فِي دَلائِل النُّبُوَّة، وَذَكَرَ أَبُو بِشْر الدُّولابِيّ بِسَنَدِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي الْمَنَام أَنَّ بَطْنه أُخْرِجَ ثُمَّ أُعِيدَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِخَدِيجَة الْحَدِيث...
عن عائشة رضي الله عنها: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نذر أن يعتكف شهرًا هو وخديجة بحراء فوافق ذلك شهر رمضان فخرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فسمع: السلام عليك فظننتها فجأة الجن فجئت مسرعًا حتى دخلت على خديجة فسجتني ثوباً وقالت: ما شأنك يا ابن عبد الله؟ فقلت: سمعت: السلام عليك فظننتها فجأة الجن، فقالت: أبشر يا ابن عبد الله فإن السلام خير. قال: ثم خرجت مرة فإذا بجبريل على الشمس، جناح له بالمشرق وجناح له بالمغرب فهلت منه فجئت مسرعاً فإذا هو بيني وبين الباب فكلمني حتى أنست به ثم وعدني موعدًا فجئت له فأبطأ علي فأردت أن أرجع فإذا أنا به وميكائيل قد سدا الأفق فهبط جبريل وبقي ميكائيل بين السماء والأرض فأخذني جبريل فاستلقاني لحلاوة القفا ثم شق عن قلبي فاستخرجه ثم استخرج منه ما شاء الله أن يستخرج ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم أعاده مكانه ثم لأمه ثم أكفأني كما يكفأ الأديم ثم ختم في ظهري حتى وجدت مس الخاتم في قلبي ثم قال: اقرأ ولم أك قرأت كتاباً قط فلم أجد ما أقرأ ثم قال: اقرأ قلت: ما أقرأ؟ قال: اقرأ باسم ربك الذي خلق حتى انتهى إلى خمس آيات منها، فما نسيت شيئا بعد ثم وزنني برجل فوزنته ثم وزنني بآخر فوزنته حتى وزنني بمائة رجل فقال ميكائيل: تبعته أمته ورب الكعبة فجعلت لا يلقاني حجر ولا شجر إلا قال: السلام عليك يا رسول الله حتى دخلت على خديجة قالت: السلام عليك يا رسول الله)). حلاوة القفا: أي وسطه.
قلو لم يكن هناك شرفًا لماء زمزم وفضلاً غير هذا الشرف والفضل لكفى، فيكفي أنه الماء الذي غُسِلَ به قلب النبي صلى الله عليه وسلم، فهو أنقى وأطهر وأنفع ماء خلقه الله تعالى على وجه الأرض، وفيه ما فيه من بركة الله تعالى وفضله ورحمته.
ماء زمزم من عيون الجنة: فقد ثبتت الآثار في ذلك عن الصحابة والتابعين، بأن ماء زمزم أصل نبها من عين من عيون الجنة.. ويأتي معنا في آخر البحث تعجب أهل العلم الحديث عند بحثهم في منبع الماء في البئر وكلامهم عليه.
عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((ضع دلوك من قبل العين التي تلي البيت أو الركن فإنها من عيون الجنة)).
وعن عبدالله بن عمرو قال: ((إن في زمزم عينًا في الجنة من قِبَلِ الركن)).
وعن عطاء رحمه الله: ((أن حبشيًا وقع في زمزم فمات، قال: فأمر ابن الزبير أن ينزف ماء زمزم قال فجعل الماء لا ينقطع قال فنظروا فإذا عين تنبع من قبل الحجر الأسود، فقال ابن الزبير: حسبكم).
ماء زمزم خير ماء على وجه الأرض: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((خَيْرُ مَاءٍ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ: مَاءُ زَمْزَمَ، فِيهِ طَعَامٌ مِنَ الطُّعْمِ، وَشِفَاءٌ مِنَ السُّقْمِ، وَشَرُّ مَاءٍ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ: مَاءٌ بِوَادِي بَرَهُوتٍ بَقِيَّةُ حَضْرَمَوْتَ كَرِجْلِ الْجَرَادِ مِنَ الْهَوَامِّ يُصْبِحُ يَتَدَفَّقُ وَيُمْسِي لا بَلالَ بِهَا)).
فثبت بالنص الصحيح من قول النبي صلى الله عليه وسلم أن ماء زمزم هو خير ماء موجود على وجه الأرض، وبالتالي يكون فيه كل خير وبركة، وقد ذكر في هذا الحديث شيئًا من بركته وهو أنه يقع بمنزلة الطعام، ويشفي من الأسقام.
طعام من الطعم: إي طعام إشباع فمن شرب منه، كفاه الطعام، وأشبعه كشبعه من الطعام.
وفي قصة أبي ذر أنه لما دخل مكة أقام بها شهرًا لا يتناول غير مائها وقال: دخلتها وأنا أعجف فما خرجت إلا ولبطني عكن من السِمَنْ.
السقم: المرض، فهو شفاء من الأمراض لمن شربه بنية صالحة. الجراد: الحشرات المعروفة والتي تأكل الزروع وتقضي عليها الهوام: جمع هامَّة وهي كل ذات سم يقتل، وأيضا هي ما يدب من الحيوان وإن لم يقتل كالحشرات.
والبئر بئر عميقة بحضرموت لا يمكن نزول قعرها، ويقال أنه يخرج منها رائحة منتنة كل حين.
عن ابن جريج قال: سمعت أنه يقال: ((خير ماء في الأرض ماء زمزم وشر ماء في الأرض ماء برهوت -شعب من شعاب حضرموت- وخير بقاع الأرض المساجد، وشر بقاع الأرض الأسواق)).
ماء زمزم من أعظم المنافع المشهودة عند البيت الحرام: قال تعالى: ((وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28).. سورة الحج.
فمن أعظم المنافع التي يشهدها حجاج بيت الحرام هي الشرب من ماء زمزم، لنيل ما فيها من خير وبركة، وما يكون عند شربها من استجابة الدعاء، والاستشفاء بها.
فمن عظيم منافعه: أن جعله الله تعالى سقيا للحجاج والعمار على مر الأزمان.. وكان العرب وإلى الآن يعظمون أمر السقيا من ماء زمزم ويعتقدون حصول الشرف والسيادة لمن يقوم بأمر السقيا.
ومن الفضائل التي يختص بها ماء زمزم وجوده في البقعة المباركة بأرض الحرم: فهو عند بيت الله المحرم، وقرب الركن والمقام، والصفا والمروة، فهذا المكان يحج إليه الملايين، ابتغاء ما فيه من أجر وثواب، وما يتنزل عل هذا المكان من البركات والصلوات والرحمات من رب العالمين.. وما يتنزل فيه من الملائكة الكرام الطيبين في الليل والنهار.. وهذا المكان لا يكاد أن تنقطع عنه العبادة ليلاً أو نهارًا على مدار الساعة فالناس ما بين راكع وساجد وتالٍ للقرآن وهم بين الطواف جول الكعبة والسعي بين الصفا والمروة وبين التمتع بالشرب والطهارة من ماء زمزم فالمكان كله نعمة وبركة وصلوات وخير لا ينقطع.. فلا شك أن وجود ماء زمزم في هذه البقعة المشرفة يزيد من منزلته وفضله وعلو شأنه.
فأشرف ماء على وجه الأرض وأنفعه وأعظمه نعمة وبركة.. أوجده الله تعالى في خير بقاع الأرض.. البلد الحرام.. مكة المكرمة.. وفي خير بقاعها.. بيت الله تعالى.. المسجد الحرام.
تنبيه مهم: أفضل ماء وأشرفه على الإطلاق: هو الذي نبع من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم وهو أفضل من ماء زمزم.. ويأتي ماء زمزم بعدها.
وأشرف بقعة على وجه الأرض: هي التي ضمت جسد النبي صل الله عليه وسلم، ويأتي بعدها في الفضل والشرف بيت الله تعالى في مكة المكرمة.
ماء زمزم شفاء من كل داء: من البركات التي جعلها الله تعالى في ماء زمزم، أن تكون شفاء من الأمراض، وكان صلى الله عليه وسلم يداوي بها المرضى بالشرب منها، ويصبها عليهم.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: ((كان صلى الله عليه وسلم يحمل ماء زمزم، في الأداوي والقرب، وكان يصب على المرضى ويسقيهم)).
فمن السُّنة إذًا مداوة المرضى بماء زمزم بالشرب منها وبصبها عليهم، وقد يختلف هذا الأمر من شخص لأخر حسب احتياجه لذلك فقد يحتاج إلى تكرار الأمر، كما أنها تحتاج لصحة الاعتقاد فالأمر كما قال الحافظ ابن حجر وغيره: "طِبّ النُّبُوَّة لا يُنَاسِب إِلا الأَبْدَان الطَّيِّبَة, كَمَا أَنَّ شِفَاء الْقُرْآن لا يُنَاسِب إِلا الْقُلُوب الطَّيِّبَة".
وعَنْ أَبِي جَمْرَةَ الضُّبَعِيِّ قَالَ: ((كُنْتُ أُجَالِسُ ابْنَ عَبَّاسٍ بِمَكَّةَ، فَأَخَذَتْنِي الْحُمَّى، فَقَالَ: أَبْرِدْهَا عَنْكَ بِمَاءِ زَمْزَمَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَأَبْرِدُوهَا بِمَاءِ زَمْزَمَ")).
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أن ماء زمزم خير ماء خلقه الله تعالى على وجه هذه الأرض، ومن الخيرية التي جعله الله فيه الشفاء من الأمراض.
عن ابن عباس رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: ((خير ماء على وجه الأرض: ماء زمزم، فيه طعام من الطعم، وشفاء من السقم)).
وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ماء زمزم لِمَا شُربَ له، إن شربته تستشفي شفاكَ الله)).
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: ((زمزم: طعام طعم، وشفاء سقم)). قوله: شفاء سقم: يشمل بعمومه الأسقام الحسية والمعنوية.
وعن عباد بن عبد الله قال: ((لما حج معاوية رضي الله عنه حججنا معه، فلما طاف بالبيت، وصلى عند المقام ركعتين، ثم مر بزمزم وهو خارج إلى الصفا فقال: «انزع لي منها دلوًا يا غلام، قال: فنزع له منها دلوًا، فأتى به فشرب منه وصب على وجهه ورأسه، وهو يقول: زمزم شفاء، هي لما شرب له)).
وعن ابن أبي نجيح قال: ((ماء زمزم شفاء لما شرب له)).
عن مجاهد قال: ((ماء زمزم لما شرب له، إن شربته تريد شفاء شفاك الله)).
وقال سعيد مولى أبي لهب في زمزم وهو يذكر هذه الخصال: زمزم بئر لكم مباركة تمثالها في الكتاب ذي العلم طعام طعم لمن أراد وإن تبغي شفاء شفته من سقم.
عن طاوس قال: «زمزم طعام طعم، وشفاء سقم».
وهذا الأمر أيضًا كان معروفًا عند أهل الكتاب، وقد أقر بذلك من أسلم منهم، كوهب بن منبه وكعب الأحبار.
فعن ابن خيثم قال: "قدم علينا وهب بن منبه فاشتكى، فجئناه نعوده فإذا عنده من ماء زمزم، فقلنا: لو استعذبت فإن هذا ماء فيه غلظ، قال: «ما أريد أن أشرب حتى أخرج منها غيره، والذي نفس وهب بيده إنها لفي كتاب الله زمزم، لا تنزف ولا تذم، وإنها لفي كتاب الله برة شراب الأبرار، وإنها لفي كتاب الله مضنونة، وإنها لفي كتاب الله طعام طعم وشفاء سقم، والذي نفس وهب بيده لا يعمد إليها أحد فيشرب منها، حتى يتضلع إلا نزعت منه داء وأحدثت له شفاء».
وقوله: (إنا لنجدها في كتاب الله) يقصد به التوارة.
وعن كعب أنه قال في زمزم: «إنا لنجدها مضنونة ضن بها لكم، أول من سقى ماءها إسماعيل عليه السلام طعام طعم، وشفاء سقم». وقول كعب ووهب: (إنا لنجدها مضنونة ضن بها لكم) أي أن الله تعالى منعها عن غير هذه الأمة واستأثر بها لهم، ويقصد بذلك جفاف زمزم بعد عهد إسماعيل عليه السلام وجرهم حتى تم ردمها إلى زمان عبدالمطلب وقرب ظهور نبوة نبينا عليه الصلاة والسلام، فحفرها عبدالمطلب وظهرت للوجود مرة أخرى فكانت لهذه الأمة.
قال عبدالله ابن الإمام أحمد: رأيت أبي يشرب من ماء زمزم يستشفي به، ويمسح به يديه ووجهه.
وقال ابن القيم: "وَقَدْ جَرّبْتُ أَنَا وَغَيْرِي مِنْ الِاسْتِشْفَاءِ بِمَاءِ زَمْزَمَ أُمُورًا عَجِيبَةً وَاسْتَشْفَيْتُ بِهِ مِنْ عِدّةِ أَمْرَاضٍ فَبَرَأْت بِإِذْنِ اللّهِ".
وقال ابن القيم: "وَلَقَدْ مَرّ بِي وَقْتٌ بِمَكّةَ سَقِمْتُ فِيهِ وَفَقَدْتُ الطّبِيبَ وَالدّوَاءَ فَكُنْت أَتَعَالَجُ بِهَا آخُذُ شَرْبَةً مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَأَقْرَؤُهَا عَلَيْهَا مِرَارًا ثُمّ أَشْرَبُهُ فَوَجَدْتُ بِذَلِكَ الْبُرْءَ التّامّ ثُمّ صِرْت أَعْتَمِدُ ذَلِكَ عِنْد كَثِيرٍ مِنْ الْأَوْجَاعِ فَأَنْتَفِعُ بِهَا غَايَةَ الِانْتِفَاعِ". والأخبار في الشفاء بماء زمزم كثيرة وصحت عن الكثير من أبناء هذه الأمة العلماء منهم والعامة لا يستطيع أن ينكرها أو يعارضها أحد.
قال ابن حجر الهيثمي: "وَلَقَدْ أَخْبَرَنِي بَعْضُ الْعَارِفِينَ أَنَّهُ يُمْكِنُ قَطْعُ الْأَفْيُونِ فِي سَبْعَةِ أَيَّامٍ بِدَوَاءٍ بَرَّهُ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ بَلْ أَخْبَرَنِي بَعْضُ طَلَبَةِ الْعِلْمِ الصُّلَحَاءُ إنَّهُ كَانَ مُبْتَلًى مِنْهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ بِمِقْدَارٍ كَثِيرٍ فَسَاءَهُ حَالُهُ وَتَعَطَّلَ عَلَيْهِ عَقْلُهُ وَأَدْرَكَ أَنَّهُ الْمَسْخُ الْأَكْبَرُ وَالْقَاتِلُ الْأَكْبَرُ وَالْمُزِيلُ لِكُلِّ أَنَفَةٍ وَمُرُوءَةٍ وَأَدَبٍ وَرِيَاسَةٍ وَالْمُحَصِّلُ لِكُلِّ ذِلَّةٍ وَرَذِيلَةٍ وَبِذْلَةٍ وَرَثَاثَةٍ وَخَسَاسَةٍ قَالَ فَذَهَبْت إلَى الْمُلْتَزَمِ الشَّرِيفِ وَابْتَهَلْت إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِقَلْبٍ حَزِينٍ وَدُمُوعٍ وَأَنِينٍ وَحُرْقَةٍ صَادِقَةٍ وَتَوْبَةٍ نَاصِحَةٍ وَسَأَلْت اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يَمْنَعَ ضَرَرَ فَقْدِهِ عَنِّي ثُمَّ ذَهَبْت إلَى زَمْزَمَ وَشَرِبْت مِنْهَا بِنِيَّةِ تَرْكِهِ وَكِفَايَةِ ضَرَرِ فَقْدِهِ فَلَمْ أَعُدْ إلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ أَجِدْ لِفَقْدِهِ ضَرَرًا بِوَجْهٍ مُطْلَقًا".
قال الإمام زكريا القزويني: "وماء زمزم صالح لجميع الأمراض المتفاوتة, قالوا: لو جمع جميع من داواه الأطباء لا يكون شطراً ممن عافاه الله بشرب ماء زمزم" ومما يستشهد به على هذا ما رواه البخاري في تاريخه عن عائشة رضي الله عنها أنها حملت زمزم في القوارير وقالت: حمله رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ في الأداوي والقرب, فكان يصب على المرضى ويسقيهم.
ولا يعجلن سامع هذه الأخبار فيحكم باستبعادها وإنكارها وليقوِّي إيمانه بالله, فهذا الاستشفاء موجود وحاصل إلى يوم القيامة, لمن صلحت نيته, وسلمت طريقته, ولم يكن به مكذباً, ولم يشربه مجرباً, فإن الله مع المتوكلين, وهو يفضح المجربين, ويختص زمزم في أنه نافع للحمى, خافض لحرارته, دافع لشدته, فعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الحمى من فيح جهنم فابردوها بماء زمزم)). شفيت يا زمزم داء السقيم فأنت أصفى ما تعاطى الحكيم وكم رضيعٍ لك أشواقــه إليك بعد الشيب مثل الفطيم
وقال آخر: وصلى بأركان المقام حجيجنا وفي زمزم ماء طهور وردناه وفيه الشفاء وفيه بلوغ مرادنا لما نحن ننويه إذا شربنــاه
قال أبو بكر المالكي رحمه الله عن الاستشفاء بماء زمزم: وهذا موجود فيه إلى يوم القيامة لمن صلحت نيته، وسلمت طويته، ولم يكن يه مكذبًا، فإن الله مع المتوكلين، وهو يفضح المجربين.
وتواترت الأنباء و الأخبار عن أولئك الذين تداووا بزمزم من شتى الأمراض بأنواعها, فكانت زمزم علاجاً ناجعاً, كمن شربه لعمى به فأبصر, أو لفالج فعوفي, أو لعقدة في لسانه فانحلَّت, وفي زماننا تداوى به ناس من السرطان فشفوا, وأخبار المستشفين بما زمزم أكثر من أن تحصى, ولو أنها سُرِدت لطال المقام. يتبع إن شاء الله... |
|