منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 الفصل الثاني: تراجم لبعض شيوخ الأزهر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49013
العمر : 72

الفصل الثاني: تراجم لبعض شيوخ الأزهر Empty
مُساهمةموضوع: الفصل الثاني: تراجم لبعض شيوخ الأزهر   الفصل الثاني: تراجم لبعض شيوخ الأزهر Emptyالسبت 23 أبريل 2016, 11:42 pm

الفصل الثاني: تراجم لبعض شيوخ الأزهر
=====================
الشيخ محمد الأحمدى الظواهري:
توفي رحمه اللّه في 13 مايو عام 1944، وقد تولى المشيخة خمس سنوات كان الأزهريون والشيخ فيها في نضال مستمر؛ مع ما كسب الأزهر فيها من استتباب الدراسة وقوة الروح العلمية.

ولي مشيخة معهد طنطا، في سن مبكرة، وبقي شيخاً له، إلى أن نقل شيخا لمعهد أسيوط، في أكتوبر- 1923 فأحسن الناس استقباله وراقهم فيه فخامة مظهره، وفصاحة منطقه، وسخاء يده، وسرهم أن يروا لشيخ العلماء مهابة خاصة.

ولكن الشيخ في أسيوط، لم يكن يفارقه الحزن إلا قليلا، لأنه نقل إلى أسيوط، وهو غير راض بنقله، لذا كان كثير المرض، كثير السفر قليل الاهتمام بالحياة.

وله على معهد أسيوط فضل كثير، إذ نقل الدراسة من المساجد وأنقذ الطلاب من افتراش الحصر، واستأجر للدراسة قصوراً فخمة واسعة، في مناطق عامرة.

وتنازل للحكومة عن مستشفى الحميات، وأخذ بدله تلك البقعة التي أقيم عليها المعهد الجديد، على شاطىء النيل بالحمراء، سنة 1924.

وحينما وضع الحجر الأساسي في بناء المعهد، سنة 1930 كان الشيخ شيخا للأزهر.

ولما عين الأستاذ المراغى، شيخاً للأزهر سنة 1928 وشاع الخبر في أسيوط، اتفق ان أصيب الشيخ الأحمدي بمرض شديد، أثار حوله الأقاويل، ولكنه شفي منه، وبعد قليل نقل شيخاً لمعهد طنطا، في يوليو- 1927.

وفي أكتوبر 1929 استقال الشيخ المراغى، وعين الشيخ الأحمدي، شيخاً للأزهر.

وفي 28 أبريل 1935 استقال من وظيفة المشيخة وعين الشيخ المراغى مكانه..

ويقول الدكتور عثمان أمين عنه من كلمة له:
«يرجع اهتمامي بالشيخ الظواهري إلى ما قرأته عنده لأحد المستشرقين، في النسخة الفرنسية لدائرة المعارف الإسلامية، تعريفا بكتاب له عنوانه «العلم والعلماء» نشر بطنطا سنة 1904، وقد أحببت أن أقتطف من مقال ذلك المستشرق ما ترجمته إلى العربية: «إن روح الإخلاص والصفاء التي تظهر في هذا الكتاب لتعد نادرة حتى بيننا نحن المسيحيين، فما بالك بوجودها في الإسلام الذي دب فيه الجمود» ومن العجب جداً في هذا الكتاب الجمع بين وجهة النظر الإسلامية والإحساس بفائدة ما يأتي من مصادر أخرى.

فالمؤلف يرى أنه يجب أن يأخذ المسلمون ليس عن أوروبا فحسب، بل عن الصين واليابان ايضا.

ويرى أن من بين المواد التي ينبغي دراستها الدعوة للإسلام، ويرغب المؤلف في عقد المؤتمرات السنوية لبناء فكرة الجامعة الإسلامية ثم يعين وسائل الثقافة التي تتطلبها لجان من العلماء، واخراج دائرة معارف، ونشر التعليم الجامعي بين أفراد الأمة، كما قال إنه يجب تطهير الإسلام من الخزعبلات والعوائق التي تبهظه.

والكتاب على كل حال برهان ساطع على عقيدة الكاتب الراسخة وإيمانه بالمثل العليا».

أغراني هذا الوصف الذي قرأته في باريس بالبحث عن الكتاب في مصر.

كان من تلاميذ الأستاذ الإمام محمد عبده:
فهو يذكره في الكتاب صراحة، وهو ينهج في التعليم نهجه، ويدعو الأزهريين إلى ترسم خطاه، وثانيهما أن هذا الشاب كان فيلسوفا ناشئا، وأن لم يكن يعلم ذلك عن نفسه، فإنه حين تكلم في كتابه عن الكمال الروحي وعن الصوفية عالج هذه الأمور بروح فلسفية، ولعل الفلسفة أخذت سبيلها إلى نفسه، دون وعي ظاهر منه عن طريق أستاذه محمد عبده.

ويرجع توثق الصلة بين الأستاذ والتلميذ إلى سنة 1902 حين تقدم الظواهري لنيل شهادة العالمية إلى لجنة الامتحان المنعقدة برياسة محمد عبده، فأجاد في الإجابة أعجب بها الأستاذ الإمام، فأثنى عليه على مسمع من الحاضرين، ويقال إنه طلب له شيئا من شراب الخروب وقال له «لقد فتح اللّه عليك يا أحمدي، وو اللّه إنك أعلم من أبيك، ولو كان عندي أرقى من الدرجة الأولى لأعطيتك إياها».

ولهذه الحادثة نفسها دلالتان:
الأولى انها تشير إلى ذكاء الاحمدي الظواهري وسعة علمه اللذين اشتهر بهما منذ نشأته، والثانية انها تشير إلى ما اتصف به الاستاذ الإمام من الإنصاف وقوة الأخلاق: فقد كان بينه وبين الشيخ ابراهيم الظواهري -والد الشيخ الأحمدي- خلاف في الرأي والمنازعات، لأن إبراهيم الظواهري كان من الشيوخ المحافظين الميالين إلى تصديق الكرامات والاعتقاد بقصص المجاذيب والأولياء، وكان الشيخ محمد عبده يستنكر ذلك، لكنه لم يتأثر في حكمه على الابن بما كان بينه وبين أبيه.

وفي مكتبته ذخيرة من العلم المخطوط بيده، هي مجموعة من مؤلفات كتبها في شبابه منها «خواص المعقولات في أصول المنطق وسائر العقليات» و «التفاضل بالفضيلة» و «الوصايا والآداب» و «صفوة الأساليب» و «حكم الحكماء» و «براءة الإسلام من أوهام العوام» و «مقادير الأخلاق» ولكن مخطوطا منها استوقفني لطرافته، وعنوانه «الكلمة الأولى في آداب الفهم».

وقد أراد به أن يكون بمثابة ضابط عقلي أو قانون كلي، لرفع الخلاف القائم في كيفية فهم المتأخرين لأقوال العلوم الدينية.

وقد جاء في مقدمة المخطوط:
«لقد دعاني داعي الاستكمال والتمسك بأذيال الامتثال إلى مطالعة أسرار الدين للوصول إلى عين البقين، والنهوض من مراقد الوهم وظلمات الجهالة إلى مراقي الفهم ونور الحق المبين»... «بيد أنه قد تباينت الطرق، وتنازعت الفرق، واختلفت أهواء الخلف في كيفية الوصول الى مرامي أنظار الأول، وإصابة الغرض المقصود من عباراتهم، وتفرقوا شيعا في تقرير المسائل، فكانت همة قوم فيما يرجع إلى المعاني الأصلية، ومال قوم إلى الخطابة والجدل، وآخرون إلى التخريج على المعنى البعيد أو التنبيه على احتمال جديد، وتنافس البعض في الاستشكال والتغليط، حتى إنه ليخيل الى الناظر في طرائقهم أن الحقيقة صعبة المنال، وأن اليقين مطلب محال..

فدفعني ذلك إلى أن اضع علماً شاملاً وقانوناً جامعاً به تستفاد حقائق المعاني من أصداف الكلام، ويجمع الناظرين على أقوم طريق به يمكن الوصول الى تمام المعنى بحيث يوقف القارىء البصير في وقت قصير على كل ما في الحواشي والتقارير.

ويرفع الخلاف القائم في كيفية الفهم، ويزيل التشويش والإبهام، ويمكن أهل العلم من الانتصار على جيوش الأوهام».

وقلما تحمس الظواهري في شبابه لإعلاء شأن الأزهر وإصلاح المسلمين، كما يتضح من كتاب «العلم والعلماء»، فأصابه من جراء ذلك ما أصاب غيره من المصلحين، كما يتضح ذلك من مذكراته التي نشرها ابنه بعنوان «السياسة والأزهر».

وتبين من الرسالة التي نشرتها مشيخة الأزهر هذا العام لمناسبة المعرض المصري الأخير أن أكثر ما استحدث من منشآت وما تم من إصلاحات في الأزهر الحديث كان للظواهري فيه أثر بارز..

وبمقتضى القانون رقم 49 لسنة 1930 الذي صدر في عهد مشيخته أنشئت الكليات الأزهرية الثلاث، وبمقتضى القانون رقم 37 لسنة 1932 الذي صدر في عهده أيضا نظم التخصص، وغيرت مناهج التعليم في الجامعة الأزهرية لكي تتمشى مع التقدم العلمي الحديث.

بذلك دخلت الأزهر على يد الظواهري دراسات لم يكن للأزهريين عهد قبل، كاللغات الأجنبية، من شرقية وغربية والاقتصاد السياسي والقانون الدولي الخاص، وأصول القوانين ووسائل الدعوة الى سبيل اللّه، والخطابة والالقاء والمناظرة، وعلم النفس والتربية البدنية وغيرها، ويتبين من رسالة مشيخة الأزهر أيضا أن الظواهري قد سبق إلى التفكير في إيفاد بعوث من الأزهر للدعوة للاسلام في الخارج، فأوفد بعثتين للصين والحبشة وأنشأ مجلة «نور الإسلام» ووضع مشروع الأبنية الفخمة للجامعة الأزهرية الحديثة، وقد تمت في عهده ثلاث من عمائرها الكبرى.

وللشيخ الأحمدي أثر ظاهر في ميدان آخر نحب أن لا يفوتنا التنويه به هنا.

ويتجلى ذلك في الأثر في تقرير محفوظ بوزارة الخارجية المصرية عن المؤتمر الإسلامي الذي دعا إليه الملك ابن سعود، وعقد في مكة سنة 1926، ويتبين منه أن الشيخ الظواهري استطاع وهو رئيس وفد مصر في ذلك المؤتمر أن يكون واسطة العقد بين المؤتمرين، وأن يكون رسول سلام وتوفيق بين المتنازعين في موضوع الحرية المذهبية في أرض الحجاز، كما استطاع بقوة حجته وإقناعه أن يستصدر من المؤتمرين قرارا يصرح على رؤوس الإشهاد بوحدة مصر والسودان.

ومما يجدر ذكره في هذا المقام أن عبد الخالق ثروت وزير الخارجية المصرية وقتئذ قال حين علم بنجاح الشيخ الظواهري في ذلك المؤتمر: «لم أكن أعلم أن الأزهر يخرج سفراء في السياسة».

يتبع إن شاء الله...



الفصل الثاني: تراجم لبعض شيوخ الأزهر 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأحد 02 مايو 2021, 4:52 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49013
العمر : 72

الفصل الثاني: تراجم لبعض شيوخ الأزهر Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الثاني: تراجم لبعض شيوخ الأزهر   الفصل الثاني: تراجم لبعض شيوخ الأزهر Emptyالأحد 24 أبريل 2016, 12:01 am

الشيخ محمّد مصطفى المراغي
علم من أعلام الفكر الإسلامي المعاصر، وشخصية نادرة من أشهر الشخصيات الإسلامية في القرن العشرين، ورجل غريب بين زملائه وأقرانه في العصر الذي عاش فيه، وزعيم روحي ألقيت إليه مقاليد الأزهر فترة طويلة.

ذلكم هو الشيخ محمد مصطفى المراغى، تلميذ محمد عبده، والعالم الأزهري الواسع الأفق، العميق الثقافة، وقاضي القضاة المصري في السودان، ورئيس المحكمة العليا الشرعية، وشيخ الأزهر من عام 1928 إلى عام 1929 م ثم من عام 1935 حتى عام 1945 م (1364 ه‍) حيث وافاه أجله المحتوم.

كان المراغى مثالا نادرا في الاعتزاز بالنفس، والشعور بالكرامة، والإيمان بالإصلاح، وفي عهد توليه مشيخة الأزهر وضع أساسا قويا لصرح الأزهر العلمي برعايته لأقسام الدراسات العليا فيه، وتشجيعه لطلابها وخريجيها، وإشرافه على مواسمها العلمية، ومناقشته لرسائلها.

وكان الشيخ المراغى ذا قوة فكرية قوية عن الثقافة الحديثة، ورغبة حافزة في صبغ الأزهر بصبغتها. وقد عمل على إخراج جيل جديد من العلماء المثقفين بشتى الثقافات، ونجح في ذلك إلى حد بعيد، وكانت صلات المراغى بأقطاب المجتمع والسياسة والفكر والأدب في عهده عونا له على بلوغ آماله في الإسلامية الكبرى، ولبث روح الحياة والإصلاح فيها.

وكانت مكانته في نفوس الجماهير من العلماء والطلاب تساعده على الإصلاح.

وكان أكثر الأزهريين تقديرا للكفايات من العلماء والطلاب وتشجيعا لها، كانوا يأخذون عليه تدخله في السياسة، وقيام إدارته في الأزهر على العصبية، ولكن ذلك شيء تافه لا يقاس بجانب ما أحدثه في الأزهر من ثورة وحياة وتجديد.

لقد انتهت بعد المراغى الاجتماعات في المناسبات الدينية التي كانت تضم الألوف من القادة والعلماء والطلاب والجماهير.

وحوربت وعطلت أقسام الدراسات العليا في الأزهر. وساءت أمور الأزهر، وضعف نشاطه العلمي.

استقال رحمه اللّه من مشيخته الأولى في آخر سبتمبر سنة 1929 على أثر تأخر صدور المرسوم الملكي بقانون الأزهر الجديد، وقد حاول رئيس الوزراء آنئذ وهو المرحوم محمد محمود باشا إقناعه بالعدول عنها، ولكنه لم يقبل، وصدر المرسوم الملكي بتعيين الشيخ الظواهري شيخاً للأزهر في أوائل أكتوبر سنة 1929.

وأذكر أنه لما تولى المراغى مشيخة الأزهر للمرة الثانية، استقبله الأزهر استقبالاً كريماً، وأقام له حفلة تكريم في يوليو عام 1935 بسراي معرض الجيزة بالقاهرة حضرها حشد كبير من الشخصيات الكبيرة ورجال الدين، ودعى ممثلو طلبة المعاهد الدينية لإلقاء كلمات في هذه الحفلة، وكنت ممثلا لطلاب معهد الزقازيق الديني، وكان ممثل الأساتذة الأستاذ الكبير الشيخ محمود النواوي وكنت قد أعددت حينئذ كلمة لألقائها في الحفلة، ولكن عدل عن إلقاء ممثلي المعاهد لكلماتهم، لضيق الوقت وكثرة الخطباء، وكان من هذه الكلمة التي أعددتها حينئذ، وأنا طالب في السنة الرابعة الثانوية بمعهد الزقازيق الديني: الشامخ وشيخه الجديد حديثاً ملؤه الإعجاب والإجلال، لأنه حديث الأرواح ونجوى القلوب.

أما الأزهر فهو الأزهر كما يعرفه الخاصة والعامة وكما يعرفه المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها وكما تعرفه الأجيال الغابرة والأجيال الحاضرة..

هو محط الرحال، وكعبة الآمال، ومجمع الدين والعلم والأدب ومفخرة مصر والشرق والعرب، هو قلب الإسلام الخافق ولسانه الناطق، وعلمه المرفوع، هو تلك الجامعة العظيمة التي أضفى عليها الزمان ثياب الجلال وأسبل عليها الخلود ستور الجمال، فحفظت للإسلام مكانته ورفعت للدين رايته ومدت على العربية ظلها الممدود، وحملت لواءها المعقود، وخرجت أئمة الهدى ومصابيح الحكمة وشعت منها أشعة النور في كل بقعة ومكان - فالأزهر هو دعامة الأخلاق وحصن الفضيلة ومفخرة القاهرة وصرح مصر الخالدة، بل هو معجزة الدهور وآية القرون..

وما دام للأزهر وجود فله رسالة في الحياة تضارع في جلالها رسالة الأنبياء ووحي المرسلين، وإن استمدت آيتها من آيتهم، وهديها من هديهم.

رسالة الأزهر هي العناية بنشر الدين، والسهر على مصالح المسلمين، وإحياء الأخلاق الفاضلة، وإقامة المبادىء العادلة التي جاء بها القرآن الكريم، وإيقاظ الشرق الراقد من غفلته، ليكون مهبط الوحي ومبعث النور ومصدر الهداية ورسول الحضارة، وقائد العالم كما كان الأزهر في أيامه الماضية.

وإذا كان للأزهر مكانة وجلالة ومهمة ورسالة، فله رئاسة جليلة نصبها الإسلام عنه وكيلاً وأقامها الأزهر له كفيلاً، فالتفت حولها القلوب، وشايعتها الأرواح وآوى اليها الخائف والمظلوم والمكروب، ولقد أدت مشيخة الأزهر للشرق والإسلام خدمات جليلة، فحفظت تراث السالفين وسهرت على تهذيب الناشئين، وأطفأت نار الشك ببرد اليقين.

ما للأزهر من فضل وجميل، وطفقوا ينعون عليه جهوده، ويعيبون عليه جموده، حتى هزمتهم صيحة الإصلاح من رجل الإصلاح الأول حكيم الإسلام وفقيد الشرق المغفور له الإمام محمد عبده، فعارضها المعارضون وسخر منها الجامدون، ولم يقدرها إلا أفراد قلائل كان من بينهم شاب ذكي وفتى نابه اقتفى أثر أستاذه الحكيم، هو الشيخ المراغى.

وجاء من خطبة فضيلة الأستاذ الشيخ علي سرور الزنكلوني في حفلة تكريم الأستاذ المراغى عام 1354 - 3 يوليو 1935 ما يلي: «الأزهر كما تحدث عنه التاريخ وكما تصورناه نحن حين رحلنا اليه في نعومة الأظفار، وكما يعرفه المصريون وغير المصريين حين يخطر ببالهم، ويحجون إليه لطلب العلم، هو هذه الشخصية الكبرى البارزة في العالم، والتي ينعكس منها على طلابه ورواده نور العلم وجلال الدين والتي عاشت ألف سنة إلا قليلا، وهي تصارع الأحداث والأحداث تصارعها بما لم يقو على احتماله أضخم بناء في التاريخ، ولو لا سر اللّه الخفي لتلاشى، فهو الذي حفظه ولا يزال يحفظه ويجدد مجده إلى اليوم..

إن الأزهر كما تواضع عليه الناس هو الذي تحيا عليه علوم الإسلام والقرآن، وهي أسمى ما تستكمل به النفس الإنسانية قواها، والأزهر بمقتضى وضعه وطبيعته يجب أن يكون خالصاً للّه وحده، فإذا ألمت به الأحداث وسلطت عليه تيارات الأهواء الملتوية فللّه فيه نصيب كبير: دينه، وعلومه..

وهذا الشباب الغض من الطلاب الذين يبعثون إليه بنية صادقة ليتفقهوا في دين اللّه ولينذروا قومهم إذا رجهوا إليهم لعلهم يحذرون، للّه فيهم النصيب الأوفر، واللّه غيور على دينه، وعلى وحيه، وعلى هذا الشباب الغض الذي يحب الخير ولا يريد إلا الخير..

ومن هنا تدركون سر بقاء الأزهر وثباته على كثرة ما نزل به من أحداث.. ما هي مشيخة الأزهر؟ لا أريد ان أتعرض إلى مشيخة الأزهر بالنظر إلى ما ورثته عن العواصم الإسلامية من خلافة العلم والدين، ولا إلى ما قامت به من جلائل الأعمال في عصور مصر المختلفة ومواقفها المشرفة في وجوه الآن بالنظر إلى طبيعتها وإلى ما يفهمه الناس فيها قبل أن يحتكم الهوى وينتشر الفساد. إن مشيخة الأزهر الكبرى هي التي تقوم بمعونة الأساتذة والطلاب على حراسة الدين وأحياء تعاليمه، فإذا فكر العقل تفكيرا مستقيما ولم يلتفت إلى زخارف الحياة الكاذبة، فلا يستطيع أن يدرك الجلال الحق إلا في كنف هذه الرعاية السامية، لأن شرف الاشياء بشرف غاياتها، ومشيخة الأزهر تقوم على حراسة ما به تؤدى وظيفة الرسل عليهم الصلاة والسلام ووظيفة الرسل إذا أديت على غير وجهها فكلها خير وكلها سعادة، فإذا تنكب الأزهر الطريق يوما، فليس ذلك من طبيعة الدين الذي يقوم على حفظه، ولا من طبيعة علومه التي هي نور العقل وقوة للإنسان، وإنما منشأ هذا التنكب هو القوي التي تتسلط عليه وتوجهه إلى طريقها، وإذن لا تلوموا الأزهر ما دام غير قائم على قدميه بنفسه، وإنما اللوم على من يمتلكون أمره ويوجهونه حيث تأبى طبيعته أن تتوجه...

إن أعدل ميزان تعرفون به الفرق في كل عصر بين رجل الأزهر القائم على حراسة دين اللّه وبين عبد الشهوات الجامحة وأن تربع بين الأزهريين ونال أكبر مناصبهم أن ترى عزة النفس وخشية اللّه ماثلتين في رجل الأزهر خصوصا إذا عظمت المحنة واشتد البلاء، أما عبد الشهوات فتراه دائما مغمورا بخشية الناس والطمع فيما بأيديهم.

وقلب المؤمن الصادق في إيمانه لا يتسع لخشيتين، فأظهر مظاهر الإيمان العميق خشية اللّه وحده إذا اشتد الخطب، وأظهر مظاهر الإيمان الرقيق الذي لا يزن مثقال ذرة أن يخشى صاحبه الناس أشد من خشية اللّه، وإن كثرت وتفرعت صور عبادته لأنها في ميزان الدين والعلم ليست أكثر من صور كاذبة تولدها العادة أو الرياء..

إن الحقائق لا يغيرها ولا ينقص من جلالها الذاتي ما قد يطرأ عليها من أمراض وعلل تدفعها يد الشهوة على غفلة من أهلها، ولهذا يعاقب اللّه حراس الحقائق أولا فأولا، بمقدار غفلتهم وإهمالهم، ثم يكتب النصر لهم في النهاية إذا ما انتبهوا..

أما المبطلون المفتونون باستشراء الضعف ليتمتعوا بباطلهم فلا يعاقبهم اللّه أولا فأولا، وإنما يمهلهم لتتجلى حكمة اللّه في قوله:
الغرور وعدم الإنصاف أن يقال: ما فائدة الأزهر وأين جلال مشيخته؟

وأقوى رد على هذه الغفلة وهذا الغرور أن نقول لأصحابهما: إذن ما فائدة علوم الحياة كلها؟ وهي اليوم تولد الجشع في قلوب الأمم وتقلبها سباعا كاسرة وحيوانات مفترسة..

فالدين خير كله والعلم خير كله بمقتضى طبيعتهما فعليهما أن يتنبها إلى من يعمل على تغيير وضعهما، فاذا حرص الأشرار على أداء وظيفتهم بمقتضى طبعهم، فحرص الأخيار يجب أن يكون أشد وألزم.. هذا هو الأزهر على ما يجب أن يكون وهذه هي مشيخته كما نفهم عظمتها وجلالها.

فإذا ظهر يوما ما في غير مكانهما فالمصريون شركاء في المسؤولية أمام اللّه وأمام التاريخ. لأن العلماء غير معصومين.
والأمم الحية هي التي تقوم على حراسة قواها الطبيعية والمعنوية، ولا ترتفع المسؤولية عن الأمم إلا إذا كانت في طفولتها أو في شيخوختها، وقد أدت الأمة المصرية والحمد للّه واجبها نحو مشيخة الأزهر».

وقد ألقى في حفلة التكريم الشيخ عبد الجواد رمضان الاستاذ بالأزهر قصيدة جاء فيها:
دعوا باسمك الآمال فهي بواسم وبلّوا به الأرواح وهي حوائم
دجاليلهم حتى إذا لحت أصبحوا وأنف الدياجي والحوادث راغم
هو الدين، فادعم عرشه بعزيمة فقد وهنت أركانه والدعائم
وما الأزهر المعمور إلا مناره ولا أهله الأدنون إلا العمائم
مطالع يمن للزمان وأهله بها تسعد الدينا وتدنو العظائم
فيا رجل الإسلام أدرك رجاله فقد أنكرتهم في الحياة المكارم
وفيهم، بحمد اللّه، غر أزاهر وفيهم بحار في العلوم خضارم
إذا عالجوا كانوا الشفاء وإن دعوا إلى رد باغ فالذرا والمقادم
وكم لهمو -في اللّه- غرّ مواقف تنشّق ريّاها القرى والعواصم
أولئك أجناد إذا جدّ جدّهم سمت بهمو للفرقدين العزائم
إذا ما المراغى قام تحت لوائهم فقد زأرت في الغاب تلك الضياغم
فتى فتية الشرق الأولى تنجلي بهم غياهبه، والشرق بالخطب غائم
وصارم هذا الدين دين محمد وقد أسلمته في الجلاد الصوارم
فمن مبلغ أفناء يثرب أننا سلمنا، على أن ليس في الناس سالم
وأنّ الذي شاد النبيّ محمد على حفظه شيخ المراغة قائم
تبوّأ عرش الدين فاهتزّ ركنه وطاولت الجوزاء منه القوائم
وأمست شعوب الشرق نشوى قريرة تساهم في تكريمه وتزاحم
قصاراه أن يدعو بها عمريّة ترد وجوه الشرك وهي سواهم
إذا ائتلقت في مصر أضواء شمسها سعت في هداها للكمال العوالم


وقد ألقى المراغى كلمة في حفلة تكريمه جاء فيها:
أحمد اللّه جل شأنه على ما أولانيه من الكرامة بهذه المنزلة في نفوسكم، وأشكر لحضرات الداعين المحتفلين برهم وكرمهم وعاطفة الحب الفياض البادية في قولهم وفعلم في شعرهم ونثرهم ولحضرات المدعوين تشريفهم واحتمالهم مشقة الحضور الذي أعربوا به عن جميل عطفهم وحبهم.

ويسهل على قبول هذه المنن كلها واحتمالها إذا أذنتم لي في صرف هذه الحفاوة البالغة عن شخصي الضعيف واعتبارها كلها موجهة إلى الأزهر الشريف الذي تجلونه جميعا، وتعتبرونه بحق شيخ المعاهد الإسلامية في مصر وغيرها من البلاد.

ولئن دل هذا الاجتماع بالقصد الأول على غرض التكريم فقد دل بالإشارة على ما هو أسمى من غرض التكريم.

دل على أن الأزهر خرج عن حالته التي طال أمدها ونهض يشارك الأمة في الحياة العامة وملابساتها وعزم على الاتصال بها ليفيد ويستفيد، وهذه ظاهرة من ظواهر تغير الاتجاه الفكري الذي نشأ عن تغير طرائق التعليم فيه وعن شعوره يجب أن تحتذي ويهتدي بها. ومنذ أربعين سنة اشتد الجدل حول جواز تعليم الحساب والهندسة والتاريخ في الأزهر وحول فائدة تعليمها لعلماء الدين ومنذ أربعين سنة قرأ لنا أحد شيوخنا كتاب الهداية في الفلسفة في داره على شرط أن نكتم الأمر لئلا يتهمه الناس ويتهمونا بالزيغ والزندقة..

والآن تدرس في كلية أصول الدين الفلسفة القديمة والحديثة، وتدرس الملل والنحل، وتقارن الديانات، وتعلم لغات أجنبية شرقية وغربية.
يتبع إن شاء الله...



الفصل الثاني: تراجم لبعض شيوخ الأزهر 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأحد 02 مايو 2021, 4:53 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49013
العمر : 72

الفصل الثاني: تراجم لبعض شيوخ الأزهر Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الثاني: تراجم لبعض شيوخ الأزهر   الفصل الثاني: تراجم لبعض شيوخ الأزهر Emptyالأحد 24 أبريل 2016, 12:06 am

ومن الحق علينا ألا ننسى في هذه المناسبة والحديث حديث الأزهر والأزهريين ذلك الكوكب الذي انبثق منه النور الذي نهتدي به في حياة الأزهر العامة، ويهتدى به علماء الأقطار الاسلامية في فهم روح الإسلام وتعاليمه، ذلك الرجل الذي نشر الحياة العلمية والنشاط الفكري ووضع المنهج الواضح لتفسير القرآن الكريم وعبد الطريق لتذوق سر العربية وجمالها وصاح بالناس يذكرهم بأن العظمة والمجد لا يبنيان إلا على العلم والتقوى ومكارم الأخلاق، ذلك الرجل الذي لم تعرفه مصر إلا بعد أن فقدته ولم تقدره قدره الا بعد أن أمعن في التاريخ، ذلك هو الأستاذ الإمام محمد عبده قدس اللّه روحه وطيب ثراه، وقد مر على وفاته ثلاثون حولا كاملة، ومن الوفاء بعد مضي هذه السنين ونحن نتحدث عن الأزهر أن نجعل لذكراه المكان الأول في هذا الحفل، فهو مشرق النور وباعث الحياة، وعين الماء الصافية التي نلجأ إليها إذا اشتد الظمأ، والدوحة المباركة التي نأوي إلى ظلها إذا قوى لفح الهجير.

والأزهر كما تعلمون هو البيئة التي يدرس فيها الدين الإسلامي الذي أوجد أمما من العدم، وخلق تحت لوائه مدنية فاضلة، وكان له هذا الأثر الضخم في الأرض فهو يوحي بطبعه إلى شيوخه وأبنائه واجبات إنسانية، ويشعرهم بفروض صورية ومعنوية، يعدون مقصرين آثمين أمام اللّه وأمام الناس إذا هم تهاونوا في أدائها وأنهم لا يستطيعون أداء الوجب لربهم ودينهم ولمعهدهم وأنفسهم إلا إذا فهموا هذا الدين حق فهمه، وأجادوا معرفة المحدثين فيما تمس الحاجة إليه مما هو متصل بالدين، أصوله وفروعه، وعرفوا بعض اللغات التي تمكنهم من الاتصال بآراء العلماء والاستزادة من العلم وتمكنهم من نشر الثقافة الإسلامية في البلاد التي لا تعرف اللغة العربية، هذا كله يحتاج إلى جهود تتوافر عليه وإلى التساند التام بين العلماء والطلبة والقوامين على التعليم، ويحتاج إلى العزم والتصميم على طي مراحل السير في هدوء ونظام وحب وصدق نية وكمال توجه إلى اللّه وحب للعلم لا يزيد عليه إلا حب اللّه وحب رسوله.

وللمسلمين في الأزهر آمال، ومن الحق أن يتنبه أهله لها وهي:
أولاً- تعليم الأمم الإسلامية المتأخرة في المعارف وهدايتها إلى أصول الدين وإلى فهم الكتاب والسنة ومعرفة الفقه الإسلامي وتاريخ الإسلام ورجاله، وقد كثر تطلع هذه الأمم إلى الأزهر في هذه الأيام وزاد قاصدوه منها أفرادا وجماعات، واشتد طلبها لعلماء الأزهر يرحلون إليها لأداء أمانة الدين وهي بيانه ونشره.

ثانياً- إثارة كنوز العلم التي خلفها علماء الإسلام في العلوم الدينية والعربية والعقلية وهي مجموعة مرتبط بعضها ببعض، وتاريخها متصل الحلقات، وقد حاول العلماء كشفها فنقبوا عنها وبذلوا جهودا مضنية وعرضوا نتائج بعضها صحيح وكثير منها غير صادق، وعذرهم أنهم لم يدرسوا هذه المجموعة دراسة واحدة على أن بعضها متصل بالآخر، كما هو الحال في دراسة الأزهر..

فإذا وفق اللّه أهل الأزهر إلى التعمق في دراسة هذه المجموعة قديمة حديثة ودراسة المعارف المرتبطة بها وأتقنوا طرق العرض الحديثة أمكنهم أن يعرضوا هذه الآثار عرضاً صحيحاً صادقاً بلغة يفهمها أهل العصر الحديث وإذ ذاك يكونون أداة اتصال جيدة بين الحاضر والماضي ويطلعون العالم على ما يبهر الأنظار من آثار الأقدمين، وأعتقد أن التعليم الأزهري على النحو الذي أشرت إليه هو الذي يرجى لتحقيق الأمل، وأنه مدخر لأبنائه إن شاء اللّه.

ثالثاً- عرض الإسلام على الأمم غير المسلمة عرضا صحيحاً في ثوب نقي خال من الغواشي المشوهة لجماله، وخال مما أدخل عليه وزيد فيه من الفروض المتكلفة التي يأباها الذوق ويمجها طبع اللغة العربية.

رابعاً- العمل على إزالة الفروق المذهبية أو تضييق شقة الخلاف بينها، فإن الأمة في محنة من هذا التفرق ومن العصبية لهذه الفرقة، ومعروف لدى العلماء أن الرجوع إلى أسباب الخلاف ودراستها دراسة بعيدة عن التعصب المذهبي يهدي إلى الحق في أكثر الأوقات، وإن بعض هذه المذاهب والآراء قد أحدثتها السياسة في القرون الماضية لمناصرتها ونشطت أهلها وخلفت فيهم تعصبا يساير التعصب السياسي، ثم انقرضت تلك المذاهب السياسية وبقيت الآراء الدينية لا ترتكز إلا على ما يصوغه الخيال وما افتراه أهلها، وهذه المذاهب فرقت الأمة التي وحدها القرآن وجعلتها شيعا في الأصول والفروع ونتج عن ذلك التفرق حقد وبغضاء بين من يلبسون ثوب الدين، ونتج عنه سخف ما يقال في فروع الفقه الصحيح أن ولد الشافعي كفء لبنت الحنفي؛ ومثل ما يرى في المساجد من تعدد صلاة الجماعة وما يسمع اليوم من الخلاف العنيف في التوسل والوسيلة وعذبات العمائم وطول اللحى حتى إن بعض الطوائف لا تستحي اليوم من ترك مساجد جمهرة المسلمين.

إن من الخير والحق أن نتدارك هذا، وأن يعني العلماء بدراسة القرآن الكريم والسنة المطهرة دراسة عبرة وتقدير، لما فيها من هداية ودعوة إلى الوحدة، دراسة من شأنها أن تقوي الرابطة بين العبد وربه، وتجعل المؤمن رحب الصدر هاشا باشا للحق مستعدا لقبوله عاطفا على إخوانه في الإنسانية كارها للبغضاء والشحناء بين المسلمين..

قد أتهم بأني تخيلت فخلت، ولا أبالي بهذه التهمة في سبيل رسم الحدود، ولفت النظر إليها وفضل اللّه واسع وقدرته شاملة، وما ذلك على اللّه بعزيز.

العبء الملقى على عاتق الأزهر ليس هين الحمل، فإنه في حاجة إلى العون الصادق من كل من يقدر على العون: إما بالمال أو العقل، أو بالمعارف والتجارب، وكل شيء يبذل في طريق تحقيق هذه الآمال هين، إذا أتت الجهود بهذه الثمرات الطيبة المباركة..

ولقد ولد الشيخ مصطفى المراغى في اليوم التاسع من شهر مارس سنة 1881 في المراغة من أعمال مديرية جرجا بمصر العليا وحفظ القرآن الكريم بمكتب القرية وتلقى على أبيه بعض العلوم ثم التحق بالأزهر، واتصل بالأستاذ الإمام محمد عبده فثقف نفسه عليه في دروس التفسير التي كان يلقيها بالرواق العباسي.

ونال شهادة العالمية عام 1904، وكانت سنة إذ ذاك أربعاً وعشرين سنة، وكان بذلك من أصغر الحاصلين على هذه الشهادة يومذاك.

وكان تاريخ دخوله امتحان الشهادة العالمية هو 12 ربيع الثاني 1322 ه‍، وقد أعجب به الإمام محمد عبده إعجاباً شديداً.

ولم يكن رحمه اللّه، من العاكفين على تناول علوم الأزهر وحدها وإنما كان يضيف إليها ما يشعر به هو نحو العلم من احتياجات، شأن الشبان الفائقين، فلقد أخذ دراساته الشخصية، من بطون الكتب، ومن منابعها الأصلية في المخطوطات والهوامش والمتون..

كما كان عاكفاً على دراسة الأدب، ودراسة الفلسفة وعلم الكلام، وما ذلك إلا استجابة منه للوقوف على روح الثقافة، ولذلك فقد نشأ صاحب عقلية مرنة مبسوطة، تمضي إلى الدقائق وما يخفي أمره على الكثيرين.

ولا جرم بعد ذلك أن يشيع اسمه بين الطلبة الذين أقبلوا حول حلقته بالجامع الأزهر، وهو يلقي عليهم الدروس بعد تخرجه، بطريقة جديدة، كان هدفها البحث عن الحقيقة، ووسيلتها التعريج بعقلية السامع إلى فنون الأدب وأشتات الفلسفة وأمشاج الكلام.

السودان، ذلك المنصب الذي ساعده على تسلق الحواجز السياسية، وإعلاء شأن كلمة الدين والحق بين الشمال والجنوب، فتتلمذ عليه الكثيرون من أبناء الجنوب، بعد أن استساغوا لذة الوطنية الإسلامية من شروح الشيخ الجليل لقضايا الوطن بين خلصائه وصفوة تلاميذه في السودان، وكان يعني بذلك المسلك أن رجل الدين إنما هو من رجال السياسة يدلي بدلوه فيها دون انغماس، حتى يكون القائد إلى تحقيق الوطنية الإسلامية، وفقا لتعاليم الدين، لا انحيازا إلى المعتقدات السياسية.

لقد كان الشيخ المراغى -رحمه اللّه- يعرف رسالة رجل الدين تماما، وهي رسالة العالم الذي يعمل للحياة كلها، وللوطن الإسلامي كله، فلا يصدر رأيا إلا إذا كان الرأي لبنة في بناء هذا الوطن الكبير..

ومن ذلك، أن سلاطين باشا يوم أن عرض عليه قبول منصب قاضي قضاة السودان -قبل أن يتولى منصب رئيس المحكمة الشرعية العليا- اشترط لقبول المنصب أن يكون تعيينه فيه بأمر يصدره خديو مصر، لا رجال السلطة الإنجليزية في السودان.

وفي عام 1923 عين رئيسا للمحكمة العليا الشرعية، فواجه بمنصبه ذلك تلك الحوائل التي تمنى أن يقضي عليها بالمحاكم.

وكانت المحاكم الشرعية في ذلك الوقت تحكم في قضايا الزواج والطلاق وسائر الأحوال الشخصية، وفق القول الراجح من مذهب أبي حنيفة.

ولما كانت هناك أحكام أخرى تحقق التيسير على المتقاضين، فقد رأى أن يؤخذ بهذه الأحكام، وأن يعدل قانون المحاكم الشرعية.

وكان من رأيه الأخذ برأي ابن تيمية ومحمد بن قيم الجوزية في جعل الرأي في مشروع أعده، حتى استهدف لحملة عنيفة من بعض العلماء ورجال القضاء الشرعي.

ولكن تاريخه في العلم، والدراسة، وتشربه من روح الإمام الأكبر الشيخ محمد عبده مكنته من الثبات للمعركة، والعمل على تيسير القضاء وتم له ما أراد.

ولعل ما كتبه في الرد على العلماء الذين تناقشوا معه في تيسير تعاليم الإسلام في المحاكم الشرعية مما يشرح عقلية الرجل المبسوطة في ثقافة الإسلام الممدودة في بطون أسفار العلوم الإسلامية.

قال رحمه اللّه:
أثار مشروع قانون الزواج والطلاق حركة فكرية اجتماعية دينية، فنشط العلماء للبحث والاستنباط والرجوع إلى كتب الشريعة المطهرة، وتطبيقها على القانون، ونشط غيرهم إلى بحثه من الوجهة الاجتماعية، وما لنا لا نغتبط بهذا، وقد تستمر هذه الحركة، ويتجدد نشاط الفقه الإسلامي بعد ركوده في المتون والشروح، وتتجه إليه الأنظار وتتولد فكرة تهذيبية باختيار ما صح دليله وما قام البرهان على أن فيه مصلحة الناس من أقوال أئمة الهدى وفقهاء الإسلام.

وقد يقضي على تلك الفكرة الخاطئة فكرة وجوب تقليد الأئمة الأربعة دون سواهم سواء أوافقت مذاهبهم أم خالفتها مصلحة المجتمع.

أما جهوده في إصلاح الأزهر والعناية بإعادة سالف مجده إليه كأقدم جامعة في التاريخ، والجامعة الكبرى التي قامت على حفظ التراث الإسلامي ولغة القرآن فحديث معاد..

ويقول فيه الأستاذ الأكبر الشيخ عبد المجيد سليم:
لقد كان المراغى ذا فطرة سليمة صافية، يمدها ذكاء شديد، واستعداد طيب، وكان مما أفاده وخرجه تخريجا قويا تلمذته على الرجلين العظيمين المغفور لهما الشيخ أحمد أبي خطوة والشيخ محمد عبده، فعنهما الاعتقاد بما يراه أهل التقليد، وكان له مع هذا كله قدرة عظيمة على التعبير عن أفكاره، في لفظ رائق وأسلوب قوي وبيان فصيح، وهذا هو السر في أنه ظهر بين شيوخ الأزهر مبرزا قويا، مجلجلا مدويا، وإن لم يكن أكثر علما من الشيخ أبي الفضل ولا من الشيخ الشربيني.

إن العلم كسائر ما وهبه اللّه للناس، منه مبارك فيه، يجل به النفع، ويسري من صاحبه إلى غيره سهلا مفيدا، ومنه ما ليس كذلك، وليست العبرة على كل حال بالقلة أو الكثرة، وقد كان المغفور له الشيخ المراغى كالمغفور له الأستاذ الإمام الشيخ عبده من أصحاب العلم النافع المبارك فيه..

ثم قال:
لقد كنت أنا والشيخ المراغى صديقين حميمين، كلانا يحب صاحبه، ويقدر فيه مواهبه، ولم تكن هذه الصداقة عارضة بل كانت أصيلة، مرت بها عهود، وأعمال مختلفة اشتركنا فيها ولكننا مع ذلك اختلفنا بعد لأي من مشيخته الثانية للأزهر، وكان خلافنا معروفا للخاصة والعامة من الأزهريين وغيرهم، وسببه الجوهري ميله رحمه اللّه إلى ناحية السياسة الحزبية وشدة نفوري من ذلك، فإني أرى أن الخير كل الخير في أن يتجنب العلماء السياسة الحزبية، وينأوا عن مكايد الحزبية ومتاعبها التي تقضي إلى ما لا يحمد من العواقب، ولكن هذا الخلاف لم يخرج بي ولا به عن الجادة، وما ينبغي أن يكون عليه أهل العلم من المودة والنصيحة، فكنت أبدي له ودي ونصحي، وأنقد مع ذلك بعض تصرفاته التي أرى أن مبعثها غالبا هو ذاك، وكان يتقبل ودي، ويبادلني إياه، ويعتذر عن عدم مشاطرتي الرأي فيما أنقده فيه، أو يبدي من المبررات ما يراه لفعله، وعلى كل حال لم يكن هذا الخلاف بالذي يقطع ما بيننا من محبة وتعاون، بل كان خلاف الشرفاء والحمد للّه.

لقد كان رحمه اللّه في عهد مشيخته الأولى مؤيدا تمام التأييد، وكنت معجباً بآرائه وأفكاره الإصلاحية وطريقته في الإدارة، وتركيز قواه وما آتاه قوية، وقد ظللت أقوم على رياسة قسم التخصص وأنا في منصب الإفتاء مدة طويلة، أشرفت فيها على تخريج مئات العلماء الأقوياء الذين يحملون الآن على عواتقهم أهم أعباء الأزهر، وكنت أشترك معه في كثير من اللجان العلمية: كلجنة الأحوال الشخصية ولجنة مناقشة الرسائل العلمية التي كان يتقدم بها طلاب شهادة العالمية من درجة أستاذ، وقد كانت هذه اللجنة تعقد أحيانا في الرواق العباسي، ويشهدها- والمناقشات العلمية على أتم ما تكون قوة ودقة- علماء الأزهر وطلابه والراغبون في العلم والبحث من غير الأزهريين..

وكما كان يتجلى في هذه المناقشات الحرة ذكاء الشيخ المراغى وعلمه وقوة تفكيره وإخلاصه للفكرة العلمية وحرصه على تبين الحق، وضرب المثل لأبناء الأزهر في تقبله والنزول على حكمه.

وكتب الأستاذ محمد فريد وجدي بمناسبة وفاته يقول:
رزئت أسرة العلم في العالم الإسلامي كله بوفاة عميدها، غير مدافع، الشيخ مصطفى المراغى شيخ الجامع الأزهر، فلا نقول: كان لها أثر بالغ في النفوس، ولكننا نقول: إنها كانت كارثة على الجهود النبيلة التي يبذلها العارفون بأمور الأزهر، ويعملون على إحلاله المكانة التي تناسب عظمة الاسلام، وتمثله على حقيقته في نظر العالم. نعم إن البذر الذي وضعه رحمه اللّه، لينتج هذا الأثر الفخم، بطيء النمو، ولكنه هو الدواء الوحيد لداء المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.

لسنا نعني بإصلاح الأزهر ترتيب الدروس في أوقاتها، وتوزيع مقررات الدراسات عليها، وتعيين المدرسين الأكفاء لتدريسها، ومراعاة كفايتهم في تحديد مرتباتهم، كل هذه الشؤون أعراض لا تمت إلى اللباب في شيء، وإنما إصلاحه الصحيح ينحصر في أن يصبح جهة دينية يسندها العلم وتؤيدها الفلسفة، بحيث يتفق ذلك وحقيقة الإسلام ومعناه، ولا يدع في صدر مستشكل اعتراضاً بأن الأزهر يمثل عهدا لا يمت إليه اليوم أحد بسبب.

هذا الاصلاح، إن لم يصل إليه ما يمثل مطالب روحهم في مكان آخر، أو -وهو الأرجح- اندفعوا في تيار الفلسفة المادية لا يلوون على شيء، على مثال غيرهم من الأمم الأخرى.

إن الشيخ المراغى كان يجيد فهم هذه الناحية من نفسية المعاصرين، وكان يعمل في سبيل الوصول إلى ما أشرنا إليه في تؤدة ورفق، صابرا على ما يحتوش هذه التؤدة، مما يخيل أنها الوقوف بل القهقري بل الانحلال الذريع، والحقيقة كانت غير ذلك لمن يتأملها تحت ضوء النظر البعيد، والتفكير العميق في مستقبل العقيدة الإسلامية.

كان المراغى يعلم أن العالم المتمدن اليوم انتهى إلى حد من عقائده، أملته عليه فلسفة بوخنر وهايكل ومولخوت الخ، وان العالم الإسلامي يترسم خطواته شبرا بشبر، مدفوعا بطبيعة الدراسات العلمية التي لا بد له منها، وكان يعلم أن الأزهر في حالته التي هو عليها لا يصلح أن يقف حائلا دون هذا التطور، وإنه لا بد له من انقلاب ذريع يطرأ عليه ليصبح جديرا بالمهمة التي أرادها مؤسسوه منه في كل عهد فماذا يفعل؟ وليس بين يديه ممن يحسون بهذا الخطر سوى عدد نزر، لا يكفون لإحداث انتقال خطير، يتأدى به إلى غرضه بالسرعة المرجوة؟ اضطر لأن يسير وئيدا، والسير الوئيد في مثل هذا العهد جريمة.

فماذا يفعل والأحوال حوله تجري في تيار معاكس؟ وكثيراً ما رأى أن الأولى به التخلي عن وظيفته، لولا أن الشعب كان يرى أن ليس لهذه المهمة العالمية غيره فيتمسك به.



الفصل الثاني: تراجم لبعض شيوخ الأزهر 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأحد 02 مايو 2021, 4:53 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49013
العمر : 72

الفصل الثاني: تراجم لبعض شيوخ الأزهر Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الثاني: تراجم لبعض شيوخ الأزهر   الفصل الثاني: تراجم لبعض شيوخ الأزهر Emptyالأحد 24 أبريل 2016, 12:29 am

الشيخ مصطفى عبد الرازق
ولد رحمه اللّه عام 1885 بأبي جرج من أعمال مديرية المنيا، وهو الابن الثاني من أولاد المرحوم حسن عبد الرازق باشا، وبعد أن أتم تعليمه الأولى حفظ القرآن الكريم وجوده، ثم التحق لطلب العلم بالأزهر الشريف وتخرج في سنة 1906 وحصل على شهادة العالمية من الدرجة الأولى بين زملائه الشافعية.

وعين للتدريس في مدرسة القضاء الشرعي، وفي سنة 1909 سافر إلى فرنسا والتحق بجامعة السربون ليضم إلى ثقافة الشرق ثقافة الغرب وندبه مسيو لابيير لتدريس بعض المباحث الإسلامية بجامعة ليون، ثم عاد من فرنسا في أوائل الحرب الكبرى وعين سكرتيراً لمجلس الأزهر وكان ذلك في سنة 1916 وفي سنة 1921 عين مفتشاً في المحاكم الشرعية، ثم عين سنة 1927 أستاذاً للفلسفة بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول وظل في كرسي الأستاذية حتى اختير في سنة 1938 وزيراً للاوقاف في وزارة المغفور له محمد محمود باشا الثانية واختير عدة مرات في وزارات مختلفة لتولي هذا المنصب حتى انتقل المغفور له الشيخ المراغي شيخ الأزهر إلى جوار ربه، فاختير لهذا المنصب وهو وزير الأوقاف وصدر الأمر الملكي بتعيينه شيخا للأزهر في 27 ديسمبر سنة 1945، وظل في هذا المنصب حتى لقي الرفيق الأعلى وقد اختير أميرا للحج في العام الذي توفي فيه، فكان خير مبعوث لمصر بين أبناء البلاد الإسلامية عند البيت الحرام.

ويقول عند الأستاذ محمد فريد وجدي حين وفاته:
انتقل إلى عالم الأرواح الخالدة الأستاذ الأزهر، وهو أصح ما يكون جسما وعقلا، فكان لهذه الفجاءة أثر في النفوس لم نشهد مثله لأحد قبله، لأن الناس كانوا أحوج ما يكونون إلى مثله في هذا العهد من الانتقال، وفي هذا الدور من الاعتراك بين القديم والحديث، وكان الأستاذ بشخصيته الممتازة، وسعة أفقه الثقافي خير من يدرك آثار هذا العهد في حياة الأمم، وأصلح من يوكل إليه أمر التوفيق بينهما لمصلحة الدين والدنيا معا، فلا غرو إن ساور الهلع كل نفس تنتظر عهد الاستقرار والهدوء والتقدم.

لم أر فيمن قابلت من القادة والأعلين أكرم خلقا في غير استكانة، ولا أهدأ نفسا في غير وهن، ولا أكثر بشاشة في غير رخوة، من الشيخ مصطفى عبد الرازق، وكل ذلك إلى حزم لا يعتوره لوث، واحتياط لا يشوبه تنطع، وأناة لا يفسدها فتور، وإدمان على العمل ينسى معه نفسه، وهي صفات كبار القادة.

وعلية المصلحين، ممن خلقوا لمعالجة الشؤون المعقدة، وحسم المنازعات الشائكة، والتوفيق بين المطالب المتنافرة، وهذه مواقف كما تقتضي مضاء العزيمة، تحتاج إلى هوادة الأناة، وكما تستدعي سرعة البت، لا بد لها من القدرة على إزالة الحوائل، وقديما قالوا: رب عجلة أورثت ريثا، ورب إقدام جر إلى نكوص، فكان بما حباه به بارئه من هذه المواهب النادرة، كفاء المهمة التي وفق المسؤولون في إسنادها إليه، وكنت لا أشك في أنه بما جبل عليه من حب الإصلاح، وما اتصف به من الصفات التي سردناها آنفا، سيصل إلى حل مشكلة الأزهر حلا حاسما، يعيش تحت نظامه آمنا شر العوادي، وفي منجاة من عوامل القلق والاضطراب.

ذلك أنه بما تضلع من إلمام بنظم الجامعات، وما حصل من علم بمقوماتها وحاجاتها؛ لتمضيته في صميمها سنين طوالا من حياته طالبا ومدرسا، يعرف من أسرار حياتها وبقائها وبواعث عللها وأعراضها، ما لا يعلمه إلا الأقلون، والأزهر لا يخرج عن جامعة قديمة في دور انتقال، تتفاعل لتتناسب والعهد الذي تعيش فيه، فهي في حاجة إلى أن تحصل على المقومات التي تؤاتيها بهذا التناسب، وهو لا ينحصر في زيادة ميزانيتها، ولا في دراستها، ولكنه يتعداهما إلى ما هو إيجاد المجال الحيوي لخريجيها.

ولد فقيدنا أجزل اللّه ثوابه في قرية أبي جرج بمديرية المنيا سنة (1304) ه‍ الموافقة لسنة (1885) م وتلقى التعليم الأولى فيها، ثم بعث به والده إلى الأزهر فلبث فيه اثنتي عشرة سنة.

ولما نال درجة العالمية فيه أسندت إليه مهمة التدريس في مدرسة القضاء الشرعي، ثم رأى أن الأولى به أن يتمم ثقافته بالمعارف الغربية، فأم باريس، والتحق بجامعة (السوربون) المشهورة ونال إجازة في الأدب الفرنسي والفلسفة، وانتقل من السوربون إلى معهد الدراسات الاجتماعية العليا لينال حظا من معارفها. ثم دعاه الأستاذ لامبيير إلى ليون ليلقى محاضرات في الشريعة الإسلامية، ويقوم بتدريس اللغة العربية هناك، فلم تمنعه هذه الأعمال من متابعة دراساته في الفلسفة والأدب الفرنسي. وفي هذه الأثناء تتلمذ للأستاذ جوبلو، الذي كان مرجع علم المنطق في فرنسا إذ ذاك، ولما عاد إلى مصر سنة 1916، عين سكرتير المجلس الأزهر الأعلى، ثم مفتشا للمحاكم الشرعية سنة 1921.

وفي سنة 1927 عين أستاذا للمنطق والفلسفة الإسلامية بجامعة فؤاد، وإليه يرجع الفضل في إحياء المصطلحات العربية القديمة واستعمالها في تعليم فروع الفلسفة.

ومما هو جدير بالذكر أن جميع مدرسي الفلسفة في عهدنا الحاضر بجامعتي فؤاد والاسكندرية من تلاميذه، ولم تنقطع صلتهم به، وقد أسندت إليه وزارة الأوقاف مرتين 1، ولما توفي الأستاذ الشيخ محمد مصطفى المراغي، وعز وجود من يملأ مكانه، أسندت المشيخة إليه في 27 من ديسمبر سنة 1945.
__________
1) وأسفرت الوزارة كذلك إلى شقيقه علي عبد الرازق من بعده، وتوفي علي عبد الرّازق من 24/ 9 / 1966.

__________

ومن مؤلفاته العديدة:
1 - ترجمة فرنسية لرسالة التوحيد تأليف الشيخ محمد عبده، وضعها بالاشتراك مع الأستاذ ميشيل، وحلاها هو بمقدمة طويلة.
2 - رسائل صغيرة بالفرنسية عن المرحوم الأثري الكبير بهجت بك، وعن معنى الإسلام ومعنى الدين في الإسلام.
3 - كتاب التمهيد لتاريخ الفلسفة.
4 - فيلسوف العرب والمعلم الثاني. لاسلامية.
5 - الدين والوحي في الإسلام.
6 - الإمام الشافعي.
7 - الامام محمد عبده، وهو مجموع محاضرات ألقيت في الجامعة الشعبية سنة 1919... وكلها مؤلفات تعتبر غاية في الإفادة.

وله كتب لم تنشر، منها مؤلف كبير في المنطق، وكتاب في التصوف، وفصول في الأدب تقع في مجلدين كبيرين، وكان رئيسا لمجلس إدارة الجمعية الخيرية، التي كان والده من مؤسسيها، وكان عضوا في مجمع اللغة العربية، والمجمع العلمي المصري.

وفي 27 مارس عام 1947 أقيمت حفلة لتأبينه في جامعة فؤاد الأول، ألقى فيها لطفي السيد وعبد العزيز فهمي والدكتور حسين هيكل ومنصور فهمي وإبراهيم دسوقي أباظة وطه حسين وأمين الخولى والعقاد وسواهم كلمات وقصائد في الإشادة بمناقبه.

وألقى الشيخ محمد عبد اللطيف دراز في الحفلة كلمة جاء فيها:
عرفت مصطفى عبد الرازق سكرتيرا عاما لمجلس الأزهر الأعلى، وعرفته موظفا في وزارة العدل بعد إبعاده عن الأزهر بسبب موقف وطني كريم، وعرفته أستاذا في الجامعة، ووزيرا، وشيخا للجامع الأزهر، وخالطته أطول مخالطة، وخبرته أشد الخبرة في كل ما ينبغي أن يعرف صديق عن صديق، عهد، ولا زال عنه من خلق الرجال ما يزول عن المسترجلين والمتعاظمين، إذا دالت الدولة ونبا الزمان وتقطعت بهم الأسباب، فهو راض وإن سخط غيره، وهو سمح وإن تعسر الزمان.

كان مصطفى عبد الرازق مثقفا، ولكن أية ثقافة هي؟ هي الثقافة الإسلامية التي أفنى العمر في تصويرها والدعوة إليها، وحمل الأمة عليها جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي ومحمد مصطفى المراغي وغيرهم من قادة النهضة وأئمة الإسلام في عصرنا القريب.

كان هو المثال الذي تمثلت فيه هذه الثقافة الحية الناهضة الجامعة بين خير ما في الشرق وخير ما في الغرب من تراث الإسلام الطاهر، وثمرة العقول الناضجة، وبهذا نعلم مقدار خسارتنا وخسارة الأزهر والإسلام بفقد هذا الرجل.

كان مصطفى عبد الرازق مؤمنا، وإيمانه هو الذي كون له هذه النفس القوية العظيمة، فإن الثقافة وحدها لا تصنع النفوس، فنحن نرى بعض المثقفين يتخذون من ثقافتهم طريقا لمجرد كسب العيش، وهي في البعض الآخر طريق إلى الشرور والمآثم والفتن، تشقى ولا تسعد، وتدمر ولا تعمر، وتهلك الحرث والنسل، ويبغى بها الناس بعضهم على بعض، ويسعون بها في الأرض فسادا، فما أبعد الفرق بين هذه الثقافة وبين كرائم الإيمان!.

تلك مادية صرف، وليس من هذا فقط كان فسادها فقد تنفع المادة وتصلح، ولكن فسادها كان من أن الشيطان تولى زمامها فصرفها عن غايتها المثلى وأركسها في الشهوات والأهواء.

أما مواهب الايمان فهي نفحات قدسية تملأ القلب هداية ونورا، وسكينة وثباتا، وأمنا وسلاما، ومحبة ورضا، وأملا في اللّه ومراقبة له، وعملا لوجه ربك ذي الجلال والإكرام.

وهذه هي السعادة التي جاء بها المرسلون وجاهد في سبيلها المصلحون، وسعد بها المؤمنون، فإذا هيء لنفس طيبة نبيلة أن تجمع بين هبة الدين الحق والعلم الصحيح، فقد أشرقت بنور على نور، ونور الإيمان باللّه يملأ القلب، ونور العلم يهتدي به العقل في الوصول جمع اللّه له من خير ما يحمد لعباده الصالحين، فمنحه سلامة الفطرة، فكان من أسلم الناس نفسا، ومنحة سداد العقيدة فكان من أنفذ الناس بصيرة في الدين، ومن أشدهم استمساكا به واعتصاما بهديه، ومنحه العلم الصحيح والمعرفة الواسعة فكان من أجمع الناس لعلوم الشرق والغرب، تمثلهما عن خبرة ودراية وإمامة، وهو بهذا من الأمثلة الكاملة في الشرق للثقافة الإسلامية الكاملة.

فإذا أراد الأزهر مثالا أعلى لأبنائه وإذا أراد الأزهر مثالا أعلى لشيوخه ورؤسائه، فإن مصطفى عبد الرازق هو المثل الذي يعز نظيره ويندر وجوده.

وهل هناك أدلة على بنوته الأصيلة للأزهر من أن ثقافته الحديثة لم تحل بينه وبين أزهريته في جميع مراحل حياته، وبقي ابنا للأزهر في روحه وعمله وفي وفائه لأصدقائه؟ وقد بالغ في التمسك بأزهريته إلى حد أنه وقد تقلد منصب الوزارة لم يستطع أن يغير زيه الأزهري وقد قبل منه ذلك على روى.

وهل هناك دليل على تأصل الروح الأزهري في نفسه أظهر من هذا؟ إن الطلبة الأزهريين الآن يحاولون أن يخلعوا أزياءهم ليبرزوا في صورة أخرى زعموا أنها هي الموافقة لروح العصر، فكيف تقول في رجل سافر إلى أوروبا وتولى من المناصب وخالط من الأشخاص والهيئات والبيئات ما كان يلح في دعائه إلى تغيير زيه فلم يجد منه ذلك كله إلا إباء وامتناعا واعتصاما بكل ما يدل على أنه ابن الأزهر؟ ومسألة الزي عندنا مسألة شكلية، ولكني قصدت أن أشير إلى مظهر للأزهرية الأصيلة في نفس مصطفى عبد الرازق، وهذه الأزهرية الصحيحة هي التي مكنت له أن يجمع بين ثقافة الشرق والغرب فلم يختلفا عليه، ولم يستعص عليه أمرهما كما استعصى على غيره.

وإذا تحدث متحدث عن مصطفى عبد الرازق فلن يستطيع أن يغفل الحديث عن سماحة نفسه وعطفه على المحتاجين، وإن كان حديثه معادا، لأن في تكرار هذا الحديث متعة لنفس المتحدث ونفوس السامعين، يعرف هذه السماحة كل موطن من المواطن التي عاش فيها الفقيد موظفا وغير وبين عايتهم، فكان مصطفى عبد الرازق هو الذي يكفيهم، وهو الذي يفرج عنهم -بفضل اللّه عليهم وعليه- هذه الشدة، وتعرفه عائلات فقيرة أخنى عليها الدهر، فكان مصطفى عبد الرازق غوثها ومددها وعائلها، يخفى ذلك عن الناس، ولو استطاع لأخفاه عن نفسه، حتى لا تعرف شماله ما تنفق يمينه.

وفي مارس عام 1947 أيضاً أقام معهد المنيا الديني حفلة تأبين للمغفور له الأستاذ الأكبر الراحل، ألقى فيها صاحب الفضيلة الشيخ محمود أبو العيون خطبة بليغة جاء فيها:

فجع الأزهر في شيخه فجاءة، فكانت صدمة الفجيعة فيه شديدة، صدمة روعت القلوب، وأذهلت النفوس، وأدهشت العقول.

وقعت الواقعة في وقت كان الأزهر يستشرف بواكير أعمال شيخه الجليل وإصلاحاته التي وضع أسسها في أيامه القليلة التي قضاها بين ربوعه..

إن الشيخ مصطفى كان يحمل على أطواء قلبه النابض بالخير للأزهر والإسلام بنود العمل المجيد، والنهضة الصالحة للجامعة الأزهرية بما يكفل لها الحياة الأزهرية القيمة، والمستوى الرفيع بين جامعات الأمم المتحضرة.

وكان طموحه وهدفه أن ييسر للأزهر النهوض برسالته الدينية والجماعية، ونشر السلام والطمأنينة في هذا العالم المملوء بالشرور والقلق الروحى.

كان يجمعنا إليه ويضع الاقتراح في مسألة معينة من مسائل الإصلاح في الأزهر، ونتداول الرأي فيها ويدلى هو برأيه كالمستفهم، وفي النهاية يستقيم الأمر على الأساس الذي ارتآه في نفسه وفي سريرته.

وهكذا دواليك، حتى اجتمع من ذلك جملة مسائل للإصلاح الذي انتواه، ووضع أساسه، وأزمع إجراءه.

وفي الحق: انه ما كان يقطع برأى دون الإجماع منا على استحسانه ونفعه، وكان سبيله في الإقناع الرفق واللين، والحجة الناطقة، والبرهان الواضح.

وضع مرة مسألة أمامنا:
فقيدنا العظيم، ووكيل الأزهر، ومديره، والمائل أمامكم. تداولنا الرأي في المسألة فكان رأيي مخالفا للجميع في صلابة. فابتسم المغفور له ابتسامة عميقة ثم قال: لعل لفلان حجة يكون فيها مقنع لنا. وما زال بي يلطف ويرق، ويعالج ويقنع، حتى جرني إليه وأسلس قيادي، فكنت في صف الجماعة.

وكان شيخنا كثير الحلم والأناة، وأذكر أنه عرض من بعض الطلبة شيء مخالف قبيل وفاته مما يستفز صدر الحليم، فرعد وزمع، وتمعر وجهه على غير عادته، فقلت: سيدي أين غاب عنك حلمك، ولم تغيرت عادتك في هذه المرة؟! فقال مبتسما، وفي صوت مرنان: ومن ذا الذي ياعز لا يتغير؟

إن الأزهر حين فجع في شيخه الأكبر، فإنما فجع في أسمى وأطيب وأعرق الخلال الكريمة التي لو وزعت على جماعة كثيرة لوسعتهم جميعا، وكان أجلى ما في خلاله الوفاء، الوفاء الخالص المتصل، لأصدقائه ولداته، والعفاة المحرومين الذين اتصلوا به، وكان إلى جانب الوفاء الكرم والسماحة، كرم النفس، وسماحة الصدر إلى حد التضحية بكل نفيس في سبيل ذلك، وفي جانب الوفاء والكرم والسماحة والحياء.
يتبع إن شاء الله...



الفصل الثاني: تراجم لبعض شيوخ الأزهر 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأحد 02 مايو 2021, 4:53 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49013
العمر : 72

الفصل الثاني: تراجم لبعض شيوخ الأزهر Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الثاني: تراجم لبعض شيوخ الأزهر   الفصل الثاني: تراجم لبعض شيوخ الأزهر Emptyالأحد 24 أبريل 2016, 12:32 am

ومن كلماته كلمة ألقاها بمناسبة اختياره رئيساً فخرياً لجمعيات المحافظة على القرآن الكريم بعد وفاة الشيخ المراغي، قال فيها:
«القرآن مصقلة القلوب كما ورد في الحديث، وما أحوج قلوبنا إلى ما يصقلها ويجلو منها الصدأ! والقرآن هدى ونور، فهل إلا القرآن لما بغشى العالم اليوم من ظلام وضلال، والقرآن من بعد هذا ثقاف للألسن، يقوم عوجها، ويصلح عجمتها، ويغذى من البلاغة مادتها، فمن عمل على تنشئة أطفالنا على حفظ القرآن وترتيله ومدارسته، فإنما يصلح القلوب، ويقوم الأخلاق، ويخدم العربية، وما أشرف ذلك مقصدا وأعظمه نفعا!» ويتقاضانا الوفاء بمناسبة أول احتفال سنوي بعد وفاة الرئيس الفخري السابق رضى اللّه عنه أن نذكر مآثره الباقيات في خدمة القرآن الكريم: كان رحمه اللّه مسلما صادقا، وكان يحب القرآن حبا جما، وقد عنى في أكثر دروسه الدينية بالتفسير في أسلوب يلائم جلال كتاب اللّه، ويوطد أسباب فهمه لأذواق الأجيال الحاضرة، كما كان يصنع من قبل أستاذنا القرآن، وقد أنشأ معهد القراءات والتجويد، والمرجو أن يتابع الأزهر السير في هذه السبيل، فيقوى معهد القراءات ويكمله، وينشىء إلى جانبه دراسات عالية للحديث وعلومه، حتى يستوفي الأزهر جميع الوسائل التي تعده لأن يكون كعبة المسلمين في كل ما يتصل بالقرآن والحديث. وفي مجلة الأزهر دراسة عن الشيخ مصطفى عبد الرازق 1.

رأي طه حسين في الشيخ كتب طه حسين عن مصطفى عبد الرزق يقول:
كنت في السادسة عشرة حين لقيته لأول مرة حين أقبل زائرا لثلاثة من رفاقه في الأزهر، بينهم أخي، وكانوا جميعا يقيمون في غرفات متقاربة في ربع من تلك الربوع التي كان طلاب الأزهر يحتلونها في حوش عطى..

وكانوا يجتمعون في غرفة أحدهم حين يزورهم الزائرون، وقد كان الاجتماع في غرفتنا تلك المرة، وقد لقيت منه شابا حار الصوت، صادق اللهجة، عذب الحديث، لا يرفع صوته إلا بمقدار، وكان قليل الحركة، معتدل النشاط، يمتاز من رفاقه أولئك بهذا الوقار الهادىء المطمئن الذي لا يتسم به الشباب عادة، وإنما هو سمة الشيوخ ومن يجري مجراهم من الذين تقدمت بهم السن.

كان جم الأدب، موفور التواضع، لا يتجاوزر القصد في قول أو عمل، يفرض عليه طبعه ذلك، ويفرضه هو على الذين يجالسهم أو يتحدث إليهم، كأنما كان يلقي في نفوسهم وقلوبهم وعلى ألسنتهم، فضلا من وقاره وهدوء نفسه.

فهم يتحدثون مثله في أناة، ويضحكون مثله في قصد، ويروون معه أحاديث الجد، وربما عبثوا شيئا بنوادر الشيوخ من أساتذة الأزهر، ومضى وقت غير قصير قبل أن تقوى الصلة بينه وبيني.
__________
1) عدد شعبان 1370.

__________

كان قد أشرف على الخروج من طور الطلب إلى طور العلماء، وكنت في أول عهدي بالدرس، لم أنفق في الأزهر إلا عامين أو ثلاثة، وكان أولئك الرفاق يلقونه في درس الأستاذ الإمام، ويزورونه -إذا أقبل الليل- في داره بعابدين.

فإذا عادوا تحدثوا عنه وعن إخوته، وعمن كانوا يلقونه في تلك الدار من أصحاب المنازل الرفيعة، يملأون أفواههم بهذه الأحاديث، ويشعرون بأنها ترفعهم درجة عن أمثالهم من الطلاب.

وكان أولئك الرفاق يمتازون من زملائهم بالذكاء، وحسن التحصيل، والبراعة في مجادلة الشيوخ. وأكبر الظن أن هذا هو الذي لفت إليهم زميلهم مصطفى عبد الرازق، فقد كان شديد الحرص على أن يصل أسبابه بأسباب الذين يحبون العلم، ويمتازون فيه، كأنه أخذ هذه الخصلة عن والده وعن أستاذه الإمام، فكلاهما كان يرى حب العلم نادرا في مصر، ويبحث عن الذين يتصفون به بين طلاب الأزهر وغيرهم من الشباب.

وقد ظلت هذه الخصلة ملازمة لمصطفى عبد الرازق حياته كلها، وقد وصلت أسبابه بكثير من الذين امتازوا في طلب العلم بين الأزهريين وبين المختلفين إلى مدرسة القضاء وبين الجامعيين آخر الأمر، على اختلاف بيئاتهم وطبقاتهم.

وكان لا يعرف محبا لطلب العلم مخلصا في هذا الحب إلا سعى إليه واتصل به وقربه منه وفتح له قلبه وعقله وداره أيضا.

ومهما أنس فلن أنسى تلك الجماعة التي ألفها من بعض أولئك الممتازين من طلاب العلم في الأزهر، ونظم لها اجتماعا برياسته مساء الجمعة من كل أسبوع.

وكانت هذه الجماعة تلتقي في غرفة من غرفات الطلاب في ربع من ربوعهم أيضا بخان الخليلي، ويلقي أعضاؤها أحاديث في موضوعات مختلفة تدور كلها حول الإصلاح الذي كانت مصر كلها تتحرق ظمأ إليه، وإلى إصلاح الأزهر خاصة بعد أن شب الأستاذ الإمام في قلوب الممتازين من شبابه جذوة الثورة على ذلك الركود الذي اطمأن إليه الأزهر قرونا طوالا.

وكان افتتاح مصطفى عبد الرازق لجلسات تلك الجماعة هو أشد ما يعجبني ويروعني، فهو لم يكن يزيد على أن يسمي اللّه ويقرأ الفاتحة، ثم تأخذ الجماعة فيما تريد أن تدير بينها من الحديث وأي افتتاح أبلغ وأوقع في القلوب من اسم اللّه وفاتحة الكتاب المجيد! وقد عرفت بعد ذلك أن مصطفى عبد الرازق كان يذهب في ذلك مذهب الوفاء الصادق لأستاذه الإمام الذي افتتح رسالته في التوحيد نفس هذا الافتتاح.

وإذا كان حب العلم وطلابه المخلصين هو الخصلة الأولى من الخصال التي لزمته حياته كلها، فخصلة الوفاء هي الخصلة الثانية من خصاله.

فقد عرفته محبا للعلم وطلابه كأشد ما يكون الحب وأصدقه وأعمقه، يسعى إليهم ويقربهم منه ويؤثرهم بالخير وينزلهم من نفسه مكانة الصديق، وعرفته كذلك وفيا لكل من أحب من الناس لا يفرق بينهم في ذلك مهما تكن الظروف ومهما يبعد بهم الزمان والمكان ومهما تلم الأحداث وتدلهم الخطوب.

كان وفيا للشافعي، رحمه اللّه، لأنه كان يذهب مذهبه في الفقه، ويرى الوفاء له دينا عليه، ومن أجل ذلك ترجم رسالته وعني بدرسها وترجمتها وقتا غير قصير، وأثر هذا الوفاء للشافعي في حياته العقلية نفسها وفي نهجه الفلسفي تأثيرا شديدا، وفتح له أبوابا من العلم لم تفتح لأحد من قبله من علماء المسلمين. فدراسته لرسالة الشافعي في الأصول ألقت في روعه رأيا خصبا لم يستغله تلاميذه بعد، وأرجو أن يتاح لبعضهم تعمقه واستقصاء آثاره الخطيرة في تاريخ الحياة العقلية للمسلمين.

فقد رأى أن الشافعي يفلسف في أصول الفقه وما يتصل به من المشكلات المختلفة في الدين واللغة واستنباط الأحكام من النصوص، فارتقى برأيه هذا إلى من سبق الشافعي من المفكرين المسلمين الذين لم يجادلوا في أصول الفقه وحدها، بل جادلوا في أصول الدين أيضا، فأولئك الزعماء القدماء للأحزاب الإسلامية الأولى.

حين كانوا يجادلون في مذاهب أحزابهم الفتنة موقف الحياد، وحين كانوا يجادلون في مقترف الكبيرة أمؤمن هو أم كافر أم هو يصير إلى منزلة بين منزلتين من الإيمان والكفر أم هو مرجأ إلى اللّه يقضي في أمره بالحق؟ وحين صاروا من هذا الجدال إلى الجدال في أمور أخرى أعمق من هذه الأمور، فجادلوا في العدل والتوحيد، إنما كانوا يفلسفون في مسائل الدين قبل أن يعرفوا الفلسفة اليونانية، بل قبل أن يحسنوا العلم باللاهوت عند المسيحيين واليهود.

ومعنى ذلك أن المسلمين قد أنشأوا فلسفتهم الأولى من عند أنفسهم، وكانت فلسفة يسيرة سمحة كالإسلام نفسه، ثم لقيت الفلسفة اليونانية بعد ذلك فأدركها ما في هذه الفلسفة من العسر والتعقيد.

وكذلك جره الوفاء للشافعي، رحمه اللّه، إلى استكشاف مذهب جديد في الفلسفة الإسلامية له خطره العظيم أن عرف تلاميذه كيف يتعمقون وينتهون به إلى غايته.

وكان وفيا للذين عرفهم وحسنت الصلة بينه وبينهم من الأساتذة الفرنسيين حين أقام في فرنسا طالبا للعلم الحديث، بعد أن أخذ بحظه من العلم القديم في مصر.

عرف أستاذا فرنسيا شابا في إحدى الجامعات هناك واشتد الألف بينهما، ثم أعلنت الحرب العالمية الأولى، ودعى ذلك الأستاذ الفرنسي إلى أداء واجبه العسكري، فاستجاب للدعاء وترك زوجة وليس لها عائل، فكان مصطفى عبد الرازق يؤثرها على نفسه بالنصيب الأوفر مما كان يصل إليه من المال، لا يتردد في ذلك ولا ينقطع عنه حتى عاد إلى مصر.

واللّه يعلم ماذا فعل بعد عودته، وقد عرفت ذلك من الأستاذ الفرنسي نفسه، وقد كلمت فيه مصطفى فغير مجرى الحديث، وظل وفيا لهذا الأستاذ، حتى إذا وضعت الحرب أوزارها، ومضى شيء من الوقت، وخلا منصب فني من المناصب في مصر، ولم يكن بين المصريين من يستطيع النهوض بأعباء هذا المنصب، وأخدت الحكومة تبحث عن أجنبي -جدّ مصطفى الأستاذ وجده في السعي له، فأنبأني بأنه يرى فيه الكفاية لمنصبه أولا، وبأنه فقد زوجه وجزع لفقدها، فمن الخير أن يترك وطنه ومدينته ويشغل عمله ذاك الجديد، عسى أن يجد في ذلك عزاء وتسلية.

وربما جر عليه وفاؤه ذاك بعض ما كان يضيق به من الأمر، ولكنه لم يحفل قط بعواقب الوفاء أتكون خيرا أم شرا، بل لم يحفل قط بعواقب الواجب وما يمكن أن تجر عليه مما يسوؤه أو يرضيه.

كان سعد زغلول منفيا عن وطنه وكانت زوجه تعيش في دارها بالقاهرة يبرها المصريون والسعديون منهم خاصة، وكان مصطفى من أسرة تذهب مذهب الأحرار الدستوريين الذين كانوا يخاصمون سعدا أشد الخصام، وكان مفتشا قضائيا بوزارة العدل، وأقبل عيد من الأعياد، فلم يتردد مصطفى في أن يذهب إلى دار سعد ويترك بطاقته هناك.

وانقضت أيام العيد، وذهب مصطفى إلى عمله، فلم يكد يستقر في مكتبه حتى دعي للقاء الوزير. فلما لقيه قال له الوزير: ألم أعلم أنك ذهبت الى دار سعد وتركت فيها بطاقتك يوم العيد؟ قال مصطفى: قد كان ذلك. قال الوزير: أو لم تعلم أن سعدا يناوىء الحكومة القائمة وأن زيارة داره سياسة محظورة على الموظفين؟ قال مصطفى: تلك مجاملات لا شأن لها بالسياسة ولا بالحكومة، قال الوزير: فأنت مفصول منذ الآن. قال مصطفى: أنت وما تريد. وعاد مصطفى إلى داره غير حافل بما كان.

ولكن رئيس الوزراء ثروت باشا، رحمه اللّه، علم بالأمر فعاتب الوزير فيه، وترضى ذلك الوفى الذي وشت به الأرصاد فعوقب على الوفاء.

والبر بطلاب العلم خاصة، وبكل من يحتاج إلى البر عامة، كان الخصلة الثالثة من خصال مصطفى عبد الرازق، فلم أعرف قط قلبا ابر بفقير ولا نفسا أرق لذي حاجة، ولا يدا أسرع إلى العطاء، من قلب مصطفى عبد الرازق ونفسه ويده.

بعض الأوقات، وكان فقراء الطلبة أكثر مما تحتمل قواعد المجانية في الكلية إذ ذاك، فكان يسعى إلي في بعضهم، فأجتهد له في ذلك حتى لا أجد سبيلا إلى الاجتهاد، فأشهد ما تخلف قط عن أداء نفقات التعليم عن أولئك الذين كانت تضيق بهم القواعد.



وكلمته في ذلك ذات يوم وقلت له:
توشك ألا تجد شيئا من مرتبك آخر الشهر، فضحك ضحكة حلوة، وقدم إلي سيجارة من نوع جديد، كما كان يقول، ثم ألقى بهذه الكلمة التي لم أنسها قط، والتي ينبغي أن يذكرها كل قادر على العون: وماذا تريد أن نصنع بهؤلاء الطلاب؟ أتريد أن نتركهم يصدون عن العلم ونحن نرى؟

كان وفيا وكان أبيا وكان برا وكان سمح الطبع والنفس والقلب، لم أره قط يخرج عن هذه الخصال منذ عرفته إلى أن فرق بيننا الموت، وكان لهذه الخصال كلها تأثير أي تأثير في حديثه إذا تكلم وفي فنه اذا كتب.

واقرأ ما شئت من فصول هذا الكتاب:
ما كتبه منها أيام شبابه الأول، وما كتبه منها بعد أن تقدمت به السن، ما كتبه منها حين كانت الأيام هينة لينة، وما كتبه منها حين كانت الأيام شدادا ثاقلا.

لم يكن شيء قادرا على ان يغير من خصاله تلك شيئا، كان سمحا في جميع أطواره وفي أطوار من حوله من الناس وما يحيط به من الظروف، كانت الابتسامة الحلوة أدل شيء عليه، والحديث العذب ألزم شيء له.

وكان يضيف إلى خصاله هذه خصلة أخرى إذا كتب، وهي خصلة العناية الدقيقة جدا بالتفكير أولا وبالتعبير بعد ذلك عما فكر فيه، كان لا يكره شيئا كما كان يكره العجلة في القول والعمل والمشي أيضا.

كان شديد الإيثار للإناة، وكان ذلك ربما عرضه لدعابات الصديق والزملاء، فما أكثر ما كانت تعقد الاجتماعات، ويحضر أعضاء هذه الاجتماعات في الموعد المقدر لا يتأخرون عنه إلا الدقيقة أو الدقائق أن يأخذوا في العمل قبل حضوره.

فكانوا ينتظرون وينتظرون، وربما اضطرهم ذلك إلى بعض الضيق، ولكنه كان يطلع عليهم بابتسامته الحلوة تلك، فلا يكادون يرونه حتى يضحكوا له، ولا يأخذون في عملهم إلا بعد دعابة لا تمل.

وكان لهذه الأناة أثرها في كتابته، فأنت لا تجد فيما يكتب معنى نافرا أو فجا لم يتم نضجه قبل أن يعرب عنه، وأنت لا تجد فيما يكتب لفظا نابيا عن موضعه، أو كلمة قلقة في مكانها، وإنما كان كلامه يجري هادئا مطمئنا كما يجري ماء الجدول النقي، حتى حين يداعب صفحته النسيم وكنت أشبه له كتابته بعمل صاحب الجواهر: يستأني بها ويتأنق في صنعها لتخرج من يده جميلة رائعة تثير فيمن يراها المتعة والرضى والإعجاب.

كان يتأنق في فنه كما كان يتأنق في حياته كلها، وكما كان يتأنق في سيرته مع الناس جميعا، سواء منهم من كان يألف ومن كان يجفو فلست أعرف أن أحدا سخط عليه أو ضاق به أو شكا منه.

كان راضي النفس، يبعث الرضى في نفوس الناس حين يرونه وحين يسمعونه وحين يقرؤون له واني لأذكر حديثا له ألقاه في مؤتمر من مؤتمرات المستشرقين في مدينة «ليدن» وكان المؤتمرون كثيرين، وكانت أحاديثهم كثيرة متنوعة، وكان رئيس الجلسة مضطرا إلى أن يقدر للمتحدثين عشرين دقيقة لا يعدوها احد مهما يكن حديثه.

وقد التزم المؤتمرون ذلك ولم يخالف عنه أحد منهم فلما أخذ مصطفى في حديثه في صوته ذاك الهادىء العذب الرقيق أصغت إليه الآذان، ثم صغت إليه القلوب، ثم اتصلت به النفوس، وكان يقطع حديثه بين حين وحين ويلتفت إلى الرئيس مبتسما كأنه يسأله: أيمضي في حديثه! فيشير الرئيس إليه: أن نعم، حتى إذا أتم حديثه كان قد جاوز الأربعين من الدقائق.

لم يحس أحد أنه قد أطال، وأخذ من الوقت أكثر مما كان ينبغي له.

اختلافا شديدا فستراه على ذلك مؤتلفا أشد الائتلاف يؤلف بين مختلفاته ما تفيض عليه نفس الكاتب الهادئة السمحة الرزينة من هدوء سمح رزين.

ولو أني أرسلت نفسي على سجيتها لما وجدت لحديثي عن مصطفى غاية انتهى اليها أو حدا أقف عنده.

فاشهد ما مر بي يوم دون أن أفكر فيه يقظا، وأشهد ما مر أسبوع دون أن أراه فيما يرى النائم، كما كنت ألقاه اثناء الحياة.

فلأخلص أنا للتفكير في هذا الصديق العزيز، ولتخلص أنت لقراءة أصدق حديث لأخ عن أخيه اولا، وأسمح كلام كتبه كاتب في هذا العصر الحديث بعد ذلك.



الفصل الثاني: تراجم لبعض شيوخ الأزهر 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأحد 02 مايو 2021, 4:54 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49013
العمر : 72

الفصل الثاني: تراجم لبعض شيوخ الأزهر Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الثاني: تراجم لبعض شيوخ الأزهر   الفصل الثاني: تراجم لبعض شيوخ الأزهر Emptyالأحد 24 أبريل 2016, 12:50 am

الشيخ مأمون الشنّاوي
شيخ الأزهر 1880 - 1950م
------------------------------
من بيت علم وتقوى وصلاح، كان والده الشيخ سيد أحمد الشناوي من مركز السمبلاوين، وأقام في بلدة الزرقا من أعمال مديرية الدقهلية لمصالح مالية له، وكان عالما جليلا متفقها في شئون الدين، وكان أخوه الأكبر فضيلة الأستاذ الجليل المرحوم الشيخ سيد الشناوي من كبار رجال القضاء الشرعي، وتولى رئاسة المحكمة العليا الشرعية، ومات بعد أن ترك وراءه ذكرى عاطرة، وآثارا طيبة في القضاء، وأحكاما تعد مثالا يحتذى في سلامة الفهم، ونفاذ الخاطر، وسعة الإطلاع.

ولد عام 1885، وحفظ القرآن الكريم في قريته وهو في الثانية عشرة من عمره.

وأرسله والده إلى الأزهر الشريف بالقاهرة يطلب العلم، فعاش عيشة طلاب الأزهر، يوجهه أخوه الأكبر الشيخ السيد الشناوي الذي كان قد سبقه بسنوات إلى المجاورة في الأزهر.

وكاد الشيخ محمد مأمون يسأم من حياته في الأزهر، وينقطع عن الدراسة، ويترك التعليم، ويعيش في قريته فلاحا يزرع الأرض، لو لا أن رأى في نومه حلما يدل على أنه سيكون له ولدان عالمان، فاستبشر محمد مأمون بهذه الرؤيا وعاد إلى الأزهر.

وواصل الدراسة حتى كان موضع إعجاب شيوخه، وأساتذته، وفي طليعتهم الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده، والشيخ أبو الفضل الجيزاوي.

وتقدم الشاب الشيخ محمد مأمون لامتحان العالمية، ولكنه كان قد سبقته وشايات بعض الطلاب إلى أساتذته، بأنه يتناولهم بالنقد، وأنه شاعر، إلى غير ذلك، فأخذ أعضاء اللجنة يتحدونه وهو يتحداهم..

وكان الشيخ أبو الفضل الجيزاوي أحد الأعضاء، ولكنه لم يكن يعرف شيئا عن الوشايات التي بلغت زملاءه، ورأى هذا العالم الصغير الشاب جديرا بلقب «عالم»، بل مثالا لإخوانه في سلامة الفهم وسعة المحصول العلمي، فدافع عنه ونال شهادة العالمية عام 1906..

ومما يذكر أنه وهو يتأهب لامتحان العالمية أصابه إجهاد شديد من كثرة المذاكرة، فذهب إلى عالم صالح من أولياء اللّه، يستفتيه في أمره، فبشره هذا الولي بأنه سيكون عالماً فاضلاً فقاضياً عادلاً، فإماماً نبيلاً، فرئيساً جليلاً، فشيخاً كبيراً.. وتحققت النبوءة على مر الأيام.

وعين مدرساً بمعهد الاسكندرية الديني، بعد تخرجه من الأزهر، ثم اختير عام 1917 قاضياً شرعياً بعد أن طارت شهرته، وذاع صيته، وضرب أحسن الأمثال في جلال الخلق، وسعة الأفق، وطول الباع في الإلمام بأسرار علوم الشريعة والدين.

واختير محمد مأمون الشناوي إماما (للسراي)، ثقة بعلمه وخلقه ودينه وفضله، فكان موضع التقدير والإجلال من الجميع.

وفي عام 1930 صدر قانون تنظيم الجامع الأزهر والمعاهد الدينية في عهد شيخه الشيخ الأحمدي الظواهري؛ وأنشئت الكليات الأزهرية الثلاث: الشريعة واللغة وأصول الدين، على نظام جامعي راق، فاختير لتولي مشيخة الكليات الثلاث، وهم الشيخ محمد مأمون الشناوي الذي تولى مشيخة كلية الشريعة، والأستاذ الأكبر الشيخ إبراهيم حمروش شيخ معهد الزقازيق الديني حينذاك وقد تولى مشيخة كلية اللغة العربية، والشيخ الجليل المرحوم الشيخ عبد المجيد اللبان شيخ القسم العام بالأزهر الشريف الذي تولى مشيخة كلية أصول الدين.

وكان للشيخ مأمون طيب اللّه ثراه آثار جليلة في التوجيه العلمي والديني للأساتذة والطلاب...

ولما افتتحت كلية الشريعة -يوم الأربعاء 3 من ذي الحجة عام 1350 29 مارس 1933- ألقى الشيخ محمد مأمون الشناوي كلية قيمة في حفلة الافتتاح صور فيها سير النهضة العلمية والدينية في الأزهر عامة وفي كلية الشريعة خاصة.

وفي عام 1934 منح الشيخ محمد مأمون الشناوي عضوية جماعة كبار العلماء.

ثم اختير وكيلاً للأزهر بعد ذلك بعشر سنوات -عام 1944- وفي عهد وكالته للأزهر فاض الخير على العلماء، وشملهم الأنصاف وسارت الأمور في الأزهر في مجراها الطبيعي.. وتولى منصب رئاسة لجنة الفتوى بالأزهر الشريف.

وفي عام 1945 توفي شيخ الأزهر الشريف الأستاذ الأكبر المغفور له الشيخ مصطفى المراغي طيب اللّه ثراه، وأريد اختيار خلف له، وكان من الطبيعي أن يعين في منصب المشيخة وكيل الأزهر أو أحد كبار علماء الأزهر الشريف وفي مقدمتهم الأستاذ الأكبر الشيخ إبراهيم حمروش، ومفتي الديار حينذاك الشيخ عبد المجيد سليم، ولكن الحكومة في عهد النقراشي أصرت على تعيين المغفور له الأستاذ الأكبر الشيخ مصطفى عبد الرازق في منصب المشيخة الجليلة.

وقدم الشيخ مأمون استقالته من وكالة الأزهر، كما قدم الأستاذ الأكبر استقالته من الإفتاء، وذلك يوم الثلاثاء 11 ديسمبر عام 1945.

وأصدر كبار الشيوخ وفي مقدمتهم الشيخ الشناوي بعد ذلك بيومين بيانا تاريخيا للأمة الإسلامية عن الخلاف بين الأزهر الشريف والحكومة في شأن مشيخة الجامع الأزهر، إثر إقدام الحكومة على تعديل قانون الأزهر وتعيين المغفور له الأستاذ الأكبر الشيخ مصطفى عبد الرازق شيخا للأزهر، وقد رفع هذا البيان إلى المسئولين في 13 ديسمبر عام 1945.

وفي مساء يوم الأحد 7 ربيع الأول عام 1367 ه‍- 18 يناير عام 1948 عين الأستاذ الأكبر الشيخ محمد مأمون الشناوي شيخا للأزهر الشريف بعد شيخه الراحل المغفور له الأستاذ الشيخ مصطفى عبد الرازق.

واستقبل فضيلته من الأزهريين ومن العالم الإسلامي استقبالا رائعا.

وللأستاذ الأكبر الشيخ الشناوي مآثر خالدة على الأزهر في عهد مشيخته..

ففي عهده أنشىء معهد محمد علي الديني بالمنصورة ومعهد منوف، وأنشئت الوحدة الصحية للأزهر، وضم معهد المنيا وجرجا وسمنود إلى الأزهر.

وزادت البعوث الإسلامية إلى الأزهر، كما زادت بعثات الأزهر إلى البلاد العربية والإسلامية.

وفي عهده ألغي البغاء الرسمي، وجعل الدين مادة أساسية في المدارس، وحوربت الفوضى الخلقية والاجتماعية والصور الخليعة، وحددت الخمور في المحلات العامة.

وفي عهده نقلت كلية اللغة من الصليبة إلى البراموني، ونقلت كلية الشريعة إلى المباني الجديدة للجامعة الأزهرية، واشترك الأزهر في المؤتمر الثقافي العربي، وتمت أماني كلية اللغة في المساواة بينها وبين وارتفعت ميزانية الأزهر، وقضي على الفتن المختلفة فيه، إلى غير ذلك من جلائل الأعمال.

وبعد حياة حافلة بجلائل الأعمال توفي الأستاذ الأكبر الشيخ الشناوي عليه رحمة اللّه، ففي الساعة العاشرة من صباح اليوما لحادي والعشرين من ذي القعدة عام 1369 ه‍- 4 سبتمبر عام 1950 فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها راضية مرضية.

وابنته الصحف في العالم العربي والغربي في حسرة ولوعة وتقدير وفي ذلك تقول جريدة المصري عدد 5 سبتمبر 1950م: فجعت مصر بل العالم الإسلامي كله أمس بوفاة المغفور له الأستاذ الأكبر محمد مأمون الشناوي شيخ الجامع الأزهر؛ وقد خسر العالم الإسلامي بوفاته عالما ثبتا وحجة قوية وفقدت مصر فيه الورع والتقوى والبر والخير والإخلاص لدين اللّه، وفقد الأزهر فيه كبير علمائه وشيخا من أخلص شيوخه، ظل يعمل لخيره، ويواصل السعي لتحقيق رسالته بين ربوع العالم الإسلامي، ولم يقعد به المرض أو النصب يوما عن مواصلة سعيه وصرف اهتمامه إليه.

تولى رحمه اللّه مشيخة الأزهر في 18 يناير سنة 1948 وكان الأزهر في ذلك الحين نهبا لعصبية ممقوتة كادت تقضي على ما يتمتع به من سمعة طيبة وماله في العالم من مكانة، فرأب الصدع ولم الشمل وقضى على الفتنة في مهدها، وشعر الأزهريون جميعا بأنهم أبناء جامعة واحدة وأنهم تربطهم صلات أقوى من صلات الدم..

وعلى هذا النحو ساس فضيلته شئون الأزهر، وعمل على تقوية ما بينه وبين العالم الإسلامي من روابط فأوفد البعوث الإسلامية المختلفة إلى ربوع العالم الإسلامي تنشر مبادىء الإسلام والثقافة الإسلامية وتقرب ما بين المسلمين وتعمل على إزالة الفرقة والخلاف بينهم.

لدراسة اللغة الانجليزية، لإرسال أعضائها إلى البلاد العربية الإسلامية التي لا تجيد التخاطب باللغة العربية.

ولم يكتف فضيلته بذلك بل عنى أيضا بربط الجامع الأزهر بجميع المعاهد الإسلامية في بقاع الأرض، فاهتم بشئون التعليم في الباكستان والهند والملايو وأندونسيا وأفريقيا الجنوبية.

وإلى جوار هذا وذاك عمل على التمكين لأبناء المسلمين بطلب العلم في الأزهر وفتح أبوابه للوافدين حتى بلغت البعوث الإسلامية في عهده ما يزيد على ألفي طالب، خصصت لهم أماكن الدراسة والمسكن اللائق.

وأخذ يعمل على زيادة المعاهد الدينية في عواصم المديريات، وقد افتتحت في عهده أربعة معاهد نظامية كبيرة، هي معاهد المنصورة والمنيا وسمنود ومنوف.

وهكذا مضى في سياسته الإصلاحية والتوسع في رسالة الأزهر، وقد نال الأزهر بفضل جهوده وتقواه خيرا كثيرا، فارتفعت ميزانيته إلى أكثر من مليون جنيه، ووضع مشروع كادر لتسوية أساتذة الكليات في الأزهر بزملائهم الجامعيين.

وكان من رأيه رحمه اللّه جعل دراسة الدين مادة أساسية في المدارس ليقي النشىء من الآراء الفاسدة، وما زال ينافح عن هذا الرأي حتى تحققت أمنيته وتقررت دراسة الدين مادة أساسية في المدارس.

ومنذ شهور مرض مرضا ألزمه الفراش، ولكن ثقته باللّه وشدة إيمانه حفزاه على مقاومة العلة، وتمكن الأطباء في النهاية من القضاء عليها.

ورأى أن يستجم في الاسماعيلية عند نجله الأستاذ عبد العزيز الشناوي فسافر إليها وكان ينعم فيها بالصحة التامة، وزاره كثيرون من أصدقائه ومن كبار رجال الأزهر هناك.

ثم أصيب في عقبها بالتهاب رئوي كان أيسر وأهون ما لقيه في مرضه، ولكن استعصي دواؤه على الأطباء، وفاضت روحه الطاهرة إلى بارئها فلقي ربه راضيا مرضيا.

وقد شيعت جنازته يوم الثلاثاء 5 سبتمبر 1950 بما يليق بمكانته التي كانت له في القلوب، وبأعماله الجليلة في خدمة الإسلام والمسلمين.. وصلى عليه في الأزهر الشريف، وكبر المؤذنون في شتى المساجد حينما صلى عليه، ثم وورى جسده الطاهر التراب.

لقد كان -رحمه اللّه وطيب ثراه- كريم الخلق نبيل النفس رائعا في وقاره وهيبته وسمته وصلاحه وورعه وزهده، ذا شخصية قوية بارزة.

وكان موضع المهابة من الجميع يجلونه ويحترمونه ويرجعون  إليه يستفتونه، كان موثوقا بعلمه ورأيه، واسع الثقافة، كثير الإطلاع.

اشترك في كل الأعمال التي كانت تبذل لإصلاح الأزهر وتنظيمه في الربع الثاني من القرن العشرين..

وتقول جريدة المصور من مقال عنه بعد وفاته:
كان رحمه اللّه يتذوق الشعر وينظمه ويقدر الشعراء.. وقد ترك في مكتبته الكبيرة في بيته بالحلمية الجديدة، مجموعة من دواوين الشعر وكتب الأدب، غير كتب الدين والتاريخ الإسلامي والبلاغة والفلسفة والأصول والحديث والفقه والتوحيد.

وخير الشعراء عنده شاعران:
المتنبي وشوقي.. وقد عثرت بين أوراقه على بعض القصائد التي نظمها بنفسه أيام الشباب.

أمضى المرحوم الشيخ مأمون الشناوي حياته في الدرس والاطلاع، وقد اعتاد منذ أيام الشباب أن يتلو بعض الأدعية قبل كل صلاة وبعدها وفي البيت ومقر العمل.. وكان يكتب بعضها ويضعها في حافظته لتلازمه على الدوام وتصونه من المكاره.. وظل محافظا على ذلك لا يتهاون فيه إلى أن دعاه اللّه إليه.

ووجدت بين مخلفاته ورقة كتب فيها بخطه: «يد اللّه فوق أيديهم» وورقة أخرى كتب فيها بخطه أيضا: «اللهم اهدني من عندك، وأمنن علي من فضلك، وانشر علي من رحمتك، وانزل علي من بركاتك، اللهم استرني بسترك الجميل، اللهم ارزقني سعادة الدارين واكفني همهما».

وكان بعد الصلاة يتلو دعاء طويلا هذه بدايته:
«اللّه أكبر اللّه أكبر، بسم اللّه على نفسي وديني، بسم اللّه على أهلي ومالي، بسم اللّه على كل شيء أعطانيه ربي، بسم اللّه خير الأسماء، بسم اللّه الذي لا يضر مع اسمه داء، بسم اللّه الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم»...

وقد ساهم رحمه اللّه في الحركة الوطنية عند قيامها في سنة 1919، فكان يلقي الخطب الحماسية في المساجد والكنائس ويكتب المقالات في الصحف، بل نظم المظاهرات، ومشى في طليعتها، مع أنه كان وقتئذ قاضيا بمحكمة الاسكندرية الشرعية!.

لكنه كان ينفر من الحزبية، ويرى أن رجل الدين لا ينبغي له أن يجمع بين الدين والسياسة..

حينما كان إماما في السراي طلب إليه أحد رجال القصر أن ينضم إلى حزب الاتحاد فأبى، ثم ألح عليه فازداد إباء وقال له: «إنني أستطيع بسهولة أن أخرج من الباب الذي دخلت منه».

وفي اليوم التالي دعاه رئيس الديوان لمقابلته، وكان المرحوم توفيق نسيم، وأبلغه أن الملك فؤاد أحيط علما بما حدث، وأنه سر من موقفه، ولكنه يأخذ عليه قوله إنه يستطيع الخروج بسهولة من الباب الذي دخل منه.. ولم يرث فضيلة الشيخ محمد مأمون الشناوي شيئا عن أبيه.

وظل لا يملك إلا مرتبه، حتى رأى في سنة 1930 أن يستبدل بجزء من معاشه قطعة أرض زراعية هي كل ما كان يملك من حطام الدنيا..

وكان رحمه اللّه قوي الإيمان، كثير تحري العدالة، يحب الهدوء والنظام، ويشتد في الحق، ويسوس من مرؤسيه باللين والعطف، ويقسو أحيانا للتأديب.. وكانت داره في الحلمية الجديدة محط أهل الفضل والعلم والأدب..

وقالت مجلة الأزهر في تأبينه:
«انتقل إلى الدار الآخرة في اليوم الرابع من شهر سبتمبر سنة 1950 العالم الشيخ محمد مأمون الشناوي شيخ الجامع الأزهر متأثرا بداء عضال ألم به نحو ثلاثة أشهر، فكان لنعيه أسف عميق لدى كل من عرفه وغشى مجلسه، لما كان عليه، رحمه اللّه، من محاسن الشيم، والتواضع، وحسن الإصغاء لذوي الحاجات.

وقد تلقى رحمه اللّه العلم في الأزهر، ونال درجة العالمية في سنة 1906، وعين مدرسا في معهد الاسكندرية، ثم تولى القضاء بالمحاكم الشرعية، وتقلب في وظائفها واشتهر فيها بإيثار العدل والإنصاف. وفي سنة 1916 اختير ليكون إماما في السراي فظل في هذا المنصب نحو خمس سنين، وفي سنة 1931، حين وضع للتدريس بالأزهر نظام جديد، وقسمت الدراسة العالية فيه إلى ثلاثة فروع، وأنشئت لها كليات ثلاث: واحدة للشريعة وأخرى لأصول الدين، وثالثة للغة، اختير الشيخ رحمه اللّه شيخا لكلية الشريعة، فمكث يشغل منصبه فيها بكفاية محمودة، وعمل قرابة ثلاث عشرة سنة. وفي سنة 1944 أسندت إليه وكالة الجامع الأزهر، وكان المرحوم الشيخ مصطفى المراغي شيخا له، فلبث في هذا المنصب حتى توفي الأستاذ المذكور، وترددت الحكومة في تخير رجل كفء لشغل منصب المشيخة، فوقع الاختيار على المرحوم الأستاذ مصطفى عبد الرازق، فرأى أن قانون الأزهر يشترط فيمن يتولى هذه الوظيفة أن يكون من هيئة كبار العلماء.

ولم يكن الأستاذ المذكور منها، فاستحسن أن ينقح هذا القانون حتى من يصلح ممن لا تنطبق عليه شروطه من أجلاء العلماء، ما دامت تتوافر فيه المؤهلات العلمية والأدبية.

فلما عرض هذا الحل على المرحوم الشيخ محمد مأمون الشناوي أبى ورأى أن يستقيل من منصبه، وأن يتولى هذا الأمر غيره. فقبلت استقالته ومضت الحكومة في إصلاح ذلك القانون، وعين المرحوم الشيخ مصطفى عبد الرازق شيخا للأزهر: فلما كانت سنة 1948 وتوفي الأستاذ المذكور، أسندت الحكومة مشيخة الأزهر إلى الشيخ محمد مأمون الشناوي في الشهر الأول من تلك السنة فلبث فيها إلى أن وافاه أجله في الحين الذي ذكرناه آنفا. ومما يجب تسجيله للأستاذ المرحوم حالة الاستقرار الذي شمل جميع طلبة الكليات والمعاهد الأزهرية، وما قام به للأزهريين من مساواة خريجيهم بخريجي الجامعة المصرية في المرتبات، ومن عمله على تحقيق أمانيهم.



الفصل الثاني: تراجم لبعض شيوخ الأزهر 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأحد 02 مايو 2021, 4:54 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49013
العمر : 72

الفصل الثاني: تراجم لبعض شيوخ الأزهر Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الثاني: تراجم لبعض شيوخ الأزهر   الفصل الثاني: تراجم لبعض شيوخ الأزهر Emptyالأحد 24 أبريل 2016, 12:53 am

الأستاذ الأكبر الشيخ عبد المجيد سليم
----------------------------------
كان الأستاذ الأكبر عبد المجيد سليم من العلماء القلائل الذين قل أن شهد لهم الأزهر مثيلا: في سعة الأفق، وجلال الخلق، وعظمة النفس، وقوة النزوع إلى المثل العليا، فهو بحق خلف عظيم لأسلاف كرام.

تتلمذ على الإمام محمد عبده، فتخرج عالما قديرا، وشيخا جليلا، وما لبث أن جعلته مواهبه وكفايته وشخصيته علما بين زملائه العلماء.

وشاهد الأحداث الكبرى في تاريخ الوطن الديني والفكري والاجتماعي والسياسي، واشترك فيها موجها وهاديا وشغل الكثير من المناصب الدينية الجليلة في الأزهر والقضاء الشرعي والإفتاء، وكان لآرائه الدينية صداها البعيد في العالم الإسلامي كافة، ثم عهد إليه بالإشراف على الدراسات العليا في الأزهر الجامعي، ثم صارت إليه رياسة لجنة الفتوى، فكان له في كل ناحية أعمال خالدة مأثورة.. وإصلاح الأزهر الجامعي في شتى أطواره المختلفة في العصر الحديث مدين لفضيلته بالرأي والتوجيه.

وقد ولد الشيخ عبد المجيد سليم في 13 أكتوبر 1882، وتخرج من الأزهر عام 1908، حاملا العالمية من الدرجة الأولى.. وشغل وظائف التدريس والقضاء والإفتاء ومشيخة الجامع الأزهر ومكث في الإفتاء قرابة عشرين عاما وله من الفتاوى ما يربو على خمسة آلاف.

ولقد تولى مشيخة الأزهر مرتين، أقيل في أولهما لأنه نقد الملك وقد ركز نشاطه في السنوات الأخيرة في الاشتغال بجماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية، وقد جعلت هذه الجماعة من أهدافها أن تتفاهم الطوائف الإسلامية على ما ينفع المسلمين، وأن تعمل على نسيان الخلاف واستلال الضغائن من بينهم، وله في هذه الناحية كتابات ورسائل ومراسلات بينه وبين كثير من علماء البلاد الإسلامية، فلم يقتصر فضله على العلم في مصر، ولكنه تجاوز ذلك إلى آفاق الإسلام، وإلى كل الطوائف.

ولفضيلته عدة رسائل مخطوطة، وقد أثر عنه الشجاعة في قول الحق والجهر به أمام الحكام دون خوف أو حذر، وقد استقال من الإفتاء عام 1946 حين وجد حكومة ذلك العهد تريد التدخل في شؤون الأزهر، وقال لرئيس ديوان الملك حين حذره من الخطر الذي سيلحقه: «إنني ما دمت أتردد بين بيتي والمسجد فلا خطر علي».

عين فضيلته في مشيخة الأزهر للمرة الأولى يوم 26 ذي الحجة عام 1369 ه‍ - الثامن من شهر أكتوبر عام 1950 وأعفي من المنصب في 4 سبتمبر 1951 ثم تولى المشيخة لثاني مرة في 10 فبراير 1952 واستقال من المنصب في 17 سبتمبر 1952، وتوفي عليه رحمة اللّه في صباح يوم الخميس 10 من صفر 1374 ه‍- 7 من أكتوبر 1954، تاركا ذكريات إسلامية لا تنسى.



الفصل الثاني: تراجم لبعض شيوخ الأزهر 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الفصل الثاني: تراجم لبعض شيوخ الأزهر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تابع: تراجم لبعض شيوخ الأزهر
» الباب الثاني: تاريخ الأزهر الحديث الفصل الأول: القوّة الشعبيّة بعد الحملة الفرنسيّة ممثلة في الأزهر
» الفصل الثالث: الأزهر والحركة الوطنية عام 1919م
» الفصل الرابع: الأزهر في ظلال الفاطميين
» الفصل الخامس: الأزهر في عهد الدولة الأيوبيّة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـثـقــــافـــــــــــة والإعـــــــــــلام :: الأزهــــــر في ألف عام-
انتقل الى: