وكان التعليم فيه على ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى يبدأ التلميذ فيها بتعلم الهجاء والقراءة والكتابة ويحفظ ما تيسر من القرآن عن ظهر قلب ليكون هذا الجزء المادة التي يستطيع أن يطبق التلميذ فيها عمليا ما أخذ من المعلومات النظرية في تعلمه قواعد الهجاء والكتابة، فيطالب التلميذ بكتابة هذا الجزء وقراءته، ثم ينتقل من هذا الجزء إلى غيره كتابة وقراءة وحفظا حتى يتم القرآن وهذه أول مراحل التعليم، ويكون التلميذ فيها قد تعلم القراءة والكتابة وتستغرق هذه المرحلة من سنتين إلى ثلاث.
ثم ينتقل إلى المرحلة الثانية ويظل تحت إشراف أستاذه، يعطيه دروسا في القراءة والكتابة، وموضوعات إنشائية سهلة تتدرج فيها من السهولة إلى الصعوبة، متمشيا في ذلك مع النمو العقلي للتلميذ، ويكون التلميذ في هذه السن على أبواب دور المراهقة وكل ما استفاده من هذه البرامج تحصيله للقرآن الشريف، فالتلميذ يستطيع أن يستغل ما حفظه منه في تعمير حياته الروحية، وتلاوته تكون سلواه وأنيسه، ويتخير من الآيات ما يتفق ونفسه فيستعملها في دعائه وعبادته وصلاته كل يوم، وتكون قواه العقلية بهذا التمرين قد نشطت بوجه ما، ويكون لسانه قد تقوم واكتسب اللهجة العربية الفصحى.. وأظهر ما يبدو في هذا الأسلوب التعليمي أنه لا يبدأ بتعليم القواعد والتعاريف والكليات في اللغة إلا بعد أن يكون التلميذ قد تذوق هذه اللغة بنفسه، وتكونت في عقله ملكة وذوق.
وأغلب المتعلمين كانوا يقفون عند هذا الحد، ويتخرجون في سن الثانية عشرة، وبعضهم كان يخطو إلى المرحلة الثالثة، يدرسون فيها علوم الدين من فقه وحديث وتوحيد الخ، وفي الأحوال الاستثنائية كان بعض الأفراد يدرسون العلوم الطبيعية والرياضية.
والمتخرج ما كان يحصل على شهادة يعترف بها رسميا، وإنما كان يعتمد على مجهوده الشخصي وشهرته وكفاءته في إلزام الناس بالاعتراف بوجوده ومنزلته، وكان لا يتصدر للتدريس إلا من مارس الفنون المتداولة بالأزهر، وتلقاها من أفواه المشايخ، وصار متأهلا للتصدر، حلاّلا للمشكلات ومعضلات المسائل، فلا يحتاج لاستئذان إلا على جهة الأدب والبركة، وإنما يعلم بعض المشايخ والطلبة فيحضرون درسه، ويتراكمون عليه، وهو يتأنق في الابتداء ويتهالك في طريق الإغراب والتوغل وقد يتعصب عليه بعض الحاضرين ويتعنت، والبعض الآخر ينتصر له، وإذا تلعثم في إجابته لسائل ربما أقاموه ومنعوه من التصدر، وإذا عاند ربما ضربوه.
ولم يكن للأزهر شيخ منذ أن أنشىء إلى القرن العاشر، وإنما كان يتولاه الملوك والأمراء الذين كانوا يهتمون بشأنه ويكرمون أهله، حتى إذا كان القرن الحادي عشر الهجري جعل للأزهر شيخ، ومما يجمل ذكره أن شيخ الأزهر كان بمثابة شيخ الإسلام في دار الخلافة، فكان يقوم بشؤون الأزهر ويرعى أمور أهله ويفصل في قضاياهم ويضبط مرتباتهم، ويمثلهم لدى الحكومة، ومنوط به إقامة شعائر الدين في أنحاء القطر قاطبة.
وأول من تولى المشيخة -كما قاله الجبرتي- هو الإمام محمد بن عبد اللّه الخرشي المالكي، وقد توفي سنة 1101 ه، وتولى بعده الشيخ محمد النشرتي وتوفي سنة 1120 ه، وجاء بعده الشيخ عبد الباقي المالكي القليني، فلما مات تقلد بعده الشيخ محمد شنن المالكي المتوفى سنة 1133 ه؛ ثم تولى بعده الشيخ إبراهيم ابن موسى الفيومي المالكي المتوفى سنة 1137 ه، ثم تولى بعده الشيخ إبراهيم الشبراوي الشافعي وتوفي سنة 1171 ه، فتولى المشيخة بعده الشيخ الحفني المتوفى سنة 1181 ه، ثم تولى المشيخة بعده الشيخ عبد الرؤوف السجيني وتوفي سنة 1182 ه، ثم تولى بعده الشيخ أحمد الدمنهوري المذاهبي وتوفي بمنزله ببولاق سنة 1192 ه، وبعد وفاته حصل نزاع في تولي المشيخة بين الشيخين عبد الرحمن بن عمر العريشي الحنفي وأحمد العروسي الشافعي مدة سبعة أشهر، ثم آلت إلى الثاني وتوفي سنة 1208 ه، فانتقلت المشيخة إلى الشيخ عبد اللّه الشهير بالشرقاوي وهو الذي أنشأ رواق الشراقوة، وقد دخل الفرنسيون مصر في أيامه وانتخبوه عضوا في الديوانين: العمومي والخصوصي.
الأزهر وتاريخنا القومي:
قاد الأزهر ثورتين هامتين تعتبران من أسبق الثورات الدستورية العالمية، إحداهما كانت بقيادة أكبر علماء ذلك العصر وهو الإمام أحمد الدردير، والأخرى بقيادة شيخ الأزهر في ذلك الوقت الشيخ عبد اللّه الشرقاوي رحمهما اللّه تعالى.
فالثورة الاولى سبقت إشارة لها وخلاصتها أنه في يوم من أيام ربيع الأول عام 1200 ه (يناير عام 1786 م) نهب حسين بك شفت وجنوده دارا لشخص يدعى أحمد سالم الجزار بالحسينية جهارا نهارا ظلما وعدوانا. فثارت ثائرة الأهالي، وتشاوروا فيما يجب عليهم أن يفعلوه واتفقوا أخيرا على الالتجاء إلى أقوى العلماء شخصية وأوسعهم نفوذا، وهو الإمام الدردير، فاجتمع الأهالي في اليوم التالي للحادث ويمموا شطر الجامع الأزهر وقصدوا الشيخ وأخبروه بالواقعة، فغضب الشيخ لاستهتار الأمراء وتعسفهم ونادي في الجماهير غير هياب ولا وجل: أنا معكم، وغدا نجمع أهالي الأطراف والحارات وبولاق ومصر القديمة وأركب معكم وننهب بيوتهم كما نهبوا بيوتنا ونموت شهداء أو ينصرنا اللّه عليهم وأمر الشيخ بدق الطبول على المنارات إيذانا بالاستعداد للقتال، وترامت الأخبار بين الأهالي، فأسرعوا نحو الأزهر للاشتراك في المعركة، وكانت أخبار الجماهير الهائجة قد وصلت إلى إبراهيم بك، وبلغه تصميم الإمام الدردير على قيادة الشعب ضد الأمراء، وكان يعلم مقدار ما للشيخ من نفوذ ومكانة على الأهالي، فخشى أن يستفحل الأمر ويؤدي إلى ضياع سلطته في مصر، فأرسل نائبه ومعه أحد الأمراء إلى الإمام الدردير واعتذر له عما حدث، ووعد بأن يكف أيدي الأمراء عن الناس. كما قرر توبيخ حسن بك شفت على صنيعه وطلب قائمة بجميع ما نهبه ليأمره برد ذلك إلى صاحبه، وهكذا وضع الامام قاعدة دستورية هامة وهي احترام الحكم لارادة المحكومين 1.
والثورة الثانية 2تتلخص كما تقدم في أنه في شهر ذي الحجة عام (1209 ه- 1795م) اشتكى فلاحو قرية من قرى بلبيس إلى الشيخ عبد اللّه الشرقاوي من ظلم محمد بك الألفي ورجاله، فبلغ الشيخ الشرقاوي الشكوى إلى كل من مراد وإبراهيم بك، وخاطبهما في كف أذى محمد بك الألفي عن الفلاحين فلم يفعلا شيئا، فما كان من الشيخ الشرقاوي رحمه اللّه تعالى إلا أن عقد اجتماعا في الأزهر حضره العلماء وتشاوروا في الأمر فاستقر رأيهم على مقاومة الامراء بالقوة حتى يجيبوا مطالبهم، وقرروا إغلاق أبواب الجامع الأزهر، وأمروا الناس بغلق الأسواق والحوانيت استعدادا للقتال.
__________
1) مجلة الأزهر عدد شوال 1372 الأستاذ أحمد عز الدين خلف الله-و الجبرتي طبعة بولاق ج 2 ص 103 - 104.
2) الجيرتي ج 2 ص 258، والأستاذ خلف الله في مجلة الأزهر.
وفي اليوم التالي: ركب الشيخ الشرقاوي ومعه العلماء وتبعهم الجماهير وسار الجميع الى منزل الشيخ السادات يستشيرونه في بدء المعركة، وكان قصر ابراهيم بك قريبا من قصر الشيخ السادات، فراعه احتشاد الجماهير هناك، وعلم باجتماع العلماء عند الشيخ السادات، فبادر بارسال أيوب بك الدفتردار ليسأل عن مرادهم.
فقالوا له: نريد العدل ورفع الظلم والجور وإقامة الشرع وإبطال الحوادث والمكوسات التي ابتدعتموها وأحدثتموها.
فأجابهم قائلا: لا يمكن الإجابة إلى هذا كله فإننا إن فعلنا ذلك ضاقت علينا المعايش والنفقات. فقالوا له: هذا ليس بعذر عند اللّه ولا عند الناس، وما الباعث على الاكثار من النفقات وشراء المماليك، والأمير يكون اميرا بالاعطاء لا بالأخذ!. فقال لهم: حتى أبلغ وانصرف ولم يعد لهم بجواب.
صمم العلماء في هذا المجلس على أن يخوضوا المعركة مع الأمراء، فإما ان يستشهدوا أو ينالوا حقوق الشعب كاملة. وأعلنوا أهالي القاهرة بعزمهم. فتقاطرت الجماهير صوب الأزهر وباتوا هم والعلماء داخل المسجد وحوله.
هال إبراهيم بك ما بلغه من احتشاد الشعب ومرابطته مع العلماء استعدادا للقتال. فأرسل الى العلماء يعتذر إليهم ويبرىء نفسه ملقيا التبعة على شريكه في الحكم مراد بك، بل ذهب الى أبعد من هذا إذ يقول «أنا معكم وهذه الأمور على غير خاطري ومرادي»، وأرسل مراد بك يستحثه لعمل شيء ويخيفه عاقبة الثورة التي توشك ان تنفجر.
وفي اليوم الثالث للثورة توجه والي مصر إلى منزل إبراهيم بك واجتمع مع أمراء المماليك وقرروا إيجاد حل سريع حاسم قبل ان يفلت الزمام فتشتعل الثورة، وأرسلوا إلى العلماء ليحضروا الاجتماع، فحضر الشيخ السادات والسيد عمر مكرم والشيخ الشرقاوي والشيخ البكري والشيخ الأمير وطال الحديث بينهم، وكان مداره حول حقوق الشعب، ولم يستطع ابراهيم بك ولا مراد بك ولا الأمراء المكابرة في هذه المرة، فقد كانت القاهرة تغلي كالمرجل وكانت أشبه ببركان يوشك أن يثور، وكان الشعب المتكتل في الخارج يلوح مهددا متوعدا.
وانتهى هذا المجلس التاريخي بموافقة الأمراء والوالي على القرارات الآتية:
أولا: لا تفرض ضريبة الا إذا أقرها مندوبو الشعب.
ثانيا: أن ينزل الحكام على مقتضى أحكام المحاكم.
ثالثا: ألا تمتد يد ذي سلطان إلى فرد من أفراد الأمة إلا بالحق والشرع.
وكان القاضي الشرعي حاضر فحرر (حجة) تضمنت هذه القرارات وقع عليها الوالي، وختم عليها إبراهيم بك وأرسلها إلى مراد بك فختم عليها أيضا وانحلت الأزمة.
ورجع العلماء يحيط بكل منهم موكب من الأهالي وهم ينادون: حسب مارسمه سادتنا العلماء بأن جميع المظالم والحوادث والمكوس بطالة من مملكة الديار المصرية.
ولو تأملنا في هذا النص الذي ساقه مؤرخ مصر الجبرتي ودققنا النظر في قوله «حسب ما رسمه سادتنا العلماء» لوجدنا أن هذه العبارة الظاهرة تحمل مبدأ دستوريا هائلا: وهو أن الأمة مصدر السلطات.
وقد توافق رأي أكثر المؤرخين الفرنجة على ان هذه الحجة بمثابة وثيقة إعلان حقوق الانسان، سبقت بها مصر غيرها.
وقد طبق وكلاء الشعب ويمثلهم العلماء والأعيان هذا المبدأ -مبدأ الأمة مصدر السلطات- على والي مصر خورشيد باشا، حين عجز عن ضبط الأمن في البلاد، إذ عقدوا مؤتمرا وطنيا يوم 13 صفر عام 1220ه، وقرروا عزل الوالي. ولما رفض الاذعان لهذا القرار قام العلماء والأعيان والشعب بتنفيذ قرار الأمة بالقوة ودارت رحا الحرب بينهم وبين الوالي، وكانت الأوامر خلال المعركة تصدر باسم السيد عمر مكرم والعلماء بصفتهم وكلاء الأمة، وأجبروه أخيرا على الاذعان لقرار الأمة في 29 جمادي الأولى عام 1220ه.
هذا وقد سجل التاريخ للعلماء السابقين مواقف مجيدة في الدفاع عن حقوق الشعب نذكر منهم الإمام شمس الدين محمد الحنفي المتوفى ي عام 847 ه، والشيخ شمس الدين الديروطي الواعظ بالأزهر الشريف والمتوفى عام 921 ه، وشيخ الاسلام الامام محمد بن سالم الحنفي المتوفى عام 1181 ه.
الشهاب الخفاجي المصري 975 - 1069ه:
والده هو محمد بن عمر الخفاجي المصري الشافعي احد علماء عصره، وأعلام دهره.
وكان من الفضلاء والأدباء البارعين، المتعمقين المحققين المتقنين، وأخذ عن كبار الشيوخ، وتصدر للإفادة، فانتفع به جماعة من كبار العلماء، من جملتهم ابنه الشاعر العلامة الشهاب الخفاجي صاحب طراز المجالس وسواه من المؤلفات القيمة.
وتوفي الخفاجي عام 1019 ه بعد حياة حافلة، وخدمات جليلة أسداها للعلم والدين والأدب واللغة 1.
أما الشهاب الخفاجي 2:
فمجال الحديث عنه واسع، والمراجع التاريخية والأدبية عنه وعن حياته وشعره كثير وسأتناول جوانب هذه الشخصية الكبيرة في إيجاز.
__________
1) 411 ج 7 دائرة المعارف للبستاني، وورد في هذا المرجع أن وفاته عام 1011 ه وهو غير صحيح إذ قد ذكر الشهاب في الريحانة في ترجمته لخاله أبي بكر الشنواني أنه توفي هو ووالده في وقت واحد [116 الريحانة]؛ وقد توفي خاله سنة 1019 ه.
2) ترجم لنفسه في الريحانة [272 - 309]. وترجم له المحبي في الجزء الأول من تاريخ خلاصة الأثر [331 - 343]. كما ترجم له ابن معصوم في سلافة العصر [420 - 427]، وأشار إلى كتابه الريحانة في ص 8 وأثنى عليه. وله ترجمة في مصباح العصر في تواريخ شعراء مصر طبع بيروت 1288. وترجم له جورجي زيدان في كتابه تاريخ آداب اللغة العربية ص 287 ج 3. وترحم له الأستاذ محمود مصطفى في الجزء الثالث من تاريخ الأدب العربي. وفي الجزء الثاني من المفصل ترجمة له [308 - 311). وترجم له فنديك في اكتفاء الفنوع بما هو مطبوع ص=
يقول ابن معصوم في «السلافة» عنه:
أحد الشهب السيارة، والمقتحم من بحر الفضل لجه وتياره، فرع تهدل من خفاجة 1 وفرد سلك سبيل البيان ومهد فجاجه 2، إلى آخر ما يقول.
ويقول فنديك في كتابه «اكتفاء المطبوع»:
والخفاجي يرجع نسبه إلى قبيلة «خفاجة»، وسكن أبوه في قطعة أرض بقرب سرياقوس شمالي القاهرة 3 وهي قبيلة عربية كبيرة كان لها دولة في العراق ومنها أمراء كثيرون.
وإذا فالشهاب يرجع في نسبته إلى بني خفاجة على وجه التحقيق كما رأينا في هذه المصادر وكما ورد في سوى هذه المصادر.
وإذا كان المحبى في خلاصة الأثر لم يحقق هذه النسبة واكتفى بقوله: خفاجة هي من بني عامر فلعل أصل والده منهم 4، فذلك لأنه لم يكن من علماء الأنساب وكانت حياته بعيدة عن الحجاز ونجد وصميم القبائل العربية، ولم يكن من العرب الخلص، وغير العرب الخلص لا يهتمون بالأنساب ومعرفتها اهتماما كبيرا.
__________
= 351. وترجم له البستاني في دائرة المعارف 587 و588 ج 10 - كما ترجم له كثير من علماء الأدب في شتى المؤلفات وله ترجمة في عقد الجواهر والدرر في أخبار القرن الحادي عشر للشلي (ص 177 من التراجم الملتقطة منه الملحقة بآخر طبقات الشافعية للاسدي رقم 240 تاريخ-تيمورية) وله ترجمة من كتابي بنو خناجة الجزء الثاني ص 59 - 73.
1) هي قبيلته العربية التي ينتمي الشهاب إليها.
2) 420 السلافة.
3) 351 اكتفاء القنوع
4) راجع خلاصة الأثر 342 ج 1، ومقدمة الجزء الأول من حاشية الشهاب المسماة عناية القاضي وكفاية الراضي على تفسير البيضاوي ص 7 حيث صدر بذكر ترجمة المحبي للشهاب في كتابه خلاصة الأثر.
والشهاب هو شهاب الدين محمود بن محمد بن عمر الخفاجي، ترجم لنفسه في الريحانة فقال ما ننقله عنها في إيجاز «كنت بعد سن التمييز، في مغرس طيب النبت عزيز، في حجر والدي. ومقام والدي غني عن المدح، فلما درجت من عشى قرأت على خالي سيبويه زمانه علوم العربية 1، ونافست إخواني في الجد والطلب، ثم قرأت المعاني والمنطق وبقية علوم الأدب الاثني عشر ونظرت في كتب المذهبين: أبي حنيفة والشافعي.
ومن أجلّ من أخذت عنهم:
شيخ الإسلام ابن شيخ الإسلام الشمس الرملي وأجازني بجميع مؤلفاته ومروياته بروايته عن شيخ الإسلام زكريا الأنصاري [توفي 926 ه] وعن والده، ومنهم أحمد العلقمي 2أخذت عنه الأدب والشعر، والعلامة الصالحي الشامي 3 والشيخ داود البصير أخذت عنه الطب» 4 ثم ارتحلت مع والدي للحرمين وقرأت هناك على ابن جاد اللّه وعلى حفيد العصام وغيره.
__________
1) خاله هذا هو أبو بكر إسماعيل بن شهاب الدين، والده شهاب الدين الشنواني القطب الرباني، وجده الأعلى ابن عم سيدى علي وفا الشريف الوفائي التونسي، وكان أبو بكر علامة عصره في جميع الفنون وكان في عصره إمام النحاة. ولد بشنوان، ودرس في القاهرة على ابن قاسم العبادي وعلي محمد الخفاجي والد الشهاب وأخذ عن كثير سواهما، وتخرج عليه كثير من العلماء وانتهت اليه الرياسة العلمية، ولازمه وتخرج عليه ابن أخته الشهاب الخفاجي وسواه من أكابر العلماء، ثم ابتلى بالفالج فمكث فيه سنين لا يقوم من مجلسه إلا بمساعدة وله عدة مؤلفات، وله شعر رواه الشهاب في الريحانة (115 الريحانة) وتوفي سنة 1019 عقب طلوع الشمس من يوم الأحد ثالث ذي الحجة وبلغ من العمر نحو الستين ودفن بمقبرة المجاورين [راجع ترجمته في الريحانة (114 - 117) وفي الجزء الأول من خلاصة الأثر (79 - 81)، وفي الخطط التوفيقية لعلي مبارك باشا في الكلام على شنوان (138 - 143/ 12)]
2) ترجم له في الريحانة ص 195
3) هو محمد بن نجم الدين الصالحي الهلالي م 1012 ه 1603 م وله ديوان شعر اسمه «سجع الحمام في مدح خير الأنام طبع في القسطنطينية سنة 1898 (393 اكتفاء القنوع)
4) راجع 272 الريحانة وترجم له في الريحانة ص 205
ثم ارتحلت الى القسطنطينية فتشرفت بمن فيها من الفضلاء والمصنفين واستفدت وتخرجت عليهم، وممن أخذت عنه الرياضيات وقرأت عليه اقليدس وغيره أستاذي ابن حسن، ثم انقرض هؤلاء العلماء في مدة يسيرة فلم يبق بها عين ولا أثر وآل الامر إلى اجتراء السلاطين والوزراء بقتل العلماء وإهانتهم. ولما عدت إليها-أي القسطنطينية-ثانيا بعدما وليت قضاء العساكر بمصر رأيت تفاقم الأمر وغلبة الجهل فذكرت ذلك للوزير فكان ذلك سبب عزلي وأمري بالخروج من تلك المدينة 1.
«فان أردت مالي من المآثر فمن تأليفي: الرسائل الأربعون، وحاشية تفسير القاضي في مجلدات، وحاشية شرح الفرائض، وشرح الدرة، وطراز المجالس، وحديقة السحر، وكتاب السوائح، والرحلة 2، وحواشي الرضى، والجامي، وشرح الشفاء وغير ذلك: ولي من النظم ما هو مسطور في ديواني؛ ومن المنثور رسائل منها: الفصول القصار 3و المقامة الرومية 4 التي ذكرت فيها أحوال الروم وعلمائها 5».
وللشهاب عدة مقامات نسج فيها على منوال مقامات الحريري منها:
مقامة الغربة 6، والمقامة الساسانية 7، ومقامة عارض بها مقامة الوطواط 1، والمقامة المغربية 2.
__________
1) راجع 273 الريحانة
2) قرأه عليه تلميذ للشهاب اسمه عبد القادر وأجازه الشهاب بماله من التآليف والآثار وما رواه من مشايخه الأخيار (راجع 286 الريحانة) وعبد القادر هذا هو عبد القادر البغدادي نزيل القاهرة وتلميذ الشهاب وصاحب خزانة الأدب وتوفي سنة 1093 (306 فنديك).
3) نسج فيها على منوال ابن المعتز وذكر منها جزءا في الريحانة (281 - 285)
4) راجعها في الريحانة 276 - 281
5) ص 276 الريحانة
6) راجعها في الريحانة (286 - 290) وذكر شرحا موجزا لبعض ما فيها من معان غريبة (راجع 290 - 292)
7) راجعها في الريحانة (292 - 295).
يتبع إن شاء الله...