القول المختصر بعدم جواز
جمع صلاة العصر مع صلاة الجمعة فى السفر
تحرير مسألة
{جمع العصر مع الجمعة}
إعداد الشيخ: أبو سلمان
عبد الله بن محمد الغليفى رحمه الله
غليفة – مكة المكرمة
--------------------
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد:
فهذه أقوال أهل العلم لمسألةٍ يكثر السؤال عنها وهي: "حكم جمع العصر إلى الجمعة للمسافر" وكثير من المسلمين لا يعرف الحكم الشرعى للمسألة مع كثرة سفرهم وتعرضهم لها وقليل من طلبة العلم يعرف الحكم ولا يعرف الدليل فأحببت أن أشارك فى الخير للمسلمين وأجمع أقوال أهل العلم المتحققين به من علماء أهل السنة والجماعة المشهود لهم بالعلم والإمامة والديانة عسى الله أن ينفع بها ولا يحرمنى أجرها فى الدنيا والآخرة إنه ولى ذلك والقادر عليه.
فيجب على كل مسلم وطالب علم عند بحثه فى أى مسألة من مسائل الدين أن ينظر أولاً ويدقق النظر ويحقق العلم وتحرى البحث الدقيق وثبوت شىء فى المسألة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع وجود المقتضى للفعل فإن وجد فيها نصاً صحيحاً ثابتاً ً عن النبى صلى الله عليه وسلم وجب العمل به, وإن لم يجد ينظر ويبحث هل ورد فيها شيء عن الصحابة رضى الله عنهم؟ فإن وجد فيها أثراً وجب العمل به لأن فهم الصحابة مقدم على فهم غيرهم وإجماعهم مقدم على إجماع غيرهم وهذا ثابت بالكتاب والسنة وإجماع أهل العلم.
فإن لم نجد فيها عن الصحابة أثراً انتقلنا إلى التابعين الذين رباهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضى الله عنهم ثم بعد ذلك تأتى موارد الإجتهاد بضوابط وأصول أهل السُنة والجماعة وفق أصول ومنهج وقواعد الإستدلال عندهم ولا تثريب على المخالف بعد ذلك لأن المسألة حين ذاك ليست وفاقية ولا فيها نص قطعى, وليست هى من مسائل الخلاف على قولين أو أكثر, وليست هى شاذة تخالف الأصول وتعارض المنقول, بل هى من موارد الاجتهاد فيبحث فيها عند الأئمة الأعلام وشيوخ الإسلام المشهود لهم بالعلم والورع والدين مع صحة النظر والاستدلال وبذلك يسلم للمرء دينه ويبرهن عملياً على سلفيته وصدق إتباعه وتجرده للحق وقبوله, وأن يجنبنا التعصب ويعصمنا من الهوى والزيغ والضلال وأن يجعلنا مسلمين متمسكين بما كان عليه النبى صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضى الله عنهم جميعا متبعين أهل السنة والجماعة الفرقة الناجية والطائفة المنصورة رافعين رايتها مكثرين سوادها مجاهدين فى سبيا نصرتها.
فاللهم يا ولى الإسلام وأهله مسّكنا بالإسلام حتى نلقاك، ونسأله سبحانه أن يحسن خاتمتنا وأن يجعلنا من أنصار دينه وسنة نبيه وعباده الموحدين.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
عبد الله بن محمد الغليفى –رحمه الله–
غليفة – مكة المكرمة.
-------------------
أصل المسألة
رجل سافر يوم الجمعة وأثناء سفره أحب أن يأخذ أجر سماع الخطبة والموعظة ومشاركة المسلمين فرحتهم بعيدهم الأسبوعي فى هذا اليوم الطيب المبارك الذى أكرم الله به هذه الأمة المسلمة فصلّى معهم الجمعة بنية الجمعة لا بنية الظهر –مع أن الجمعة لا تجب على المسافر– وبعد أن انتهى من صلاة الجمعة وقبل أن ينطلق فى سفره هل يجوز له أن يصلى العصر ركعتين جمعاً مع الجمعة جمع تقديم؟ أم لا يجوز جمع العصر مع الجمعة؟ وهل وردت هذه المسألة فى عصر النبوة والقرون المفضلة أم لم ترد؟ هذه هى المسألة محل السؤال والبحث وإليك الجواب مفصلاً بعون الله -تعالى-.
أما صلاة العصر في جميع الأعذار فلا يصح أن تجمع إلى صلاة الجمعة؛ لأن الجمعة صلاة منفردة مستقلة في شروطها، وهيئاتها وأركانها، وثوابها، والسنة إنما وردت في الجمع بين الظهر والعصر، ولم يرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه جمع العصر إلى الجمعة، فلا يصح أن تقاس الجمعة على الظهر، ولكن لو صلّى المسافر ظهراً يوم الجمعة ولم يصلّ الجمعة مع المقيمين فلا حرج أن يجمع إليها العصر؛ لأن المسافر لا جمعة عليه، ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- جمع بين الظهر والعصر في حجة الوداع، يوم الجمعة يوم عرفة، بأذان واحد وإقامتين ولم يصل جمعة، ومَنْ جمع من أهل الأعذار صلاة العصر مع الجمعة فعليه أن يعيد صلاة العصر؛ لأنه صلّى قبل الوقت على وجه لا يجوز فيه الجمع، فلا يجوز الجمع بين صلاة الجمعة والعصر: لا في سفر، ولا مطر، ولا وحل، ولا غير ذلك، وإنما يجب على مَنْ صلّى الجمعة من أهل الأعذار أن يصلّي العصر في وقتها" (قال صاحب "شرح منتهى الإرادات" (2/ 288): ((( وَلَا تُجْمَعُ ) جُمُعَةٌ إلَى عَصْرٍ وَلَا غَيْرِهَا))أهـ.
وقال صاحب "كشاف القناع عن متن الإقناع:
(وَلَا تُجْمَعُ) مَعَ الْعَصْرِ (فِي مَحَلٍّ يُبِيحُ الْجَمْعَ) بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، لِعُذْرٍ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي الْجَمْعِ))أهـ.
وقال صاحب "الإنصاف" (3 / 498)، وصاحب "الفروع" ابن مفلح (3 /54):
((قَالَ أَبُو يُعْلَى الصَّغِيرُ وَغَيْرُهُ: فَلَا يُجْمَعُ (أي: صلاة الجمعة مع العصر) فِي مَحَلٍّ يُبِيحُ الْجَمْعَ))أهـ.
وقال صاحب "مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى" (4/ 130):
(((وَلَا تُجْمَعُ) جُمُعَةٌ إلَى عَصْرٍ وَلَا غَيْرِهَا (حَيْثُ أُبِيحَ الْجَمْعُ)، لِعَدَمِ وُرُودِهِ))أهـ
وسئل العلامة الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمه الله-
عن حكم جمع صلاة العصر مع صلاة الجمعة ما نصه؟
السؤال:
يقول سافرت إلى مكة المكرمة لأداء العمرة وأدركتني صلاة الجمعة وأنا بالقرب من إحدى المدن على الطريق وصلّيت الجمعة مع المسلمين في الجامع وبعد أداء الصلاة وحيث إني مسافر أقمت وصلّيت العصر فهل عملي هذا جائز؟ أفتونا مأجورين.
فأجاب -رحمه الله-:
ليس هناك دليل فيما نعلم يدل على جواز جمع العصر مع الجمعة، ولم ينقل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه -رضي الله عنهم-، فالواجب ترك ذلك، وعلى مَنْ فعل ذلك أن يُعيد صلاة العصر إذا دخل وقتها. وفق الله الجميع.
وسئل أيضًا -رحمه الله- ما نصه؟
هل يجوز للمسافر إذا صلى الجمعة مع المُقيمين أن يجمع إليها العصر؟
فأجاب -رحمه الله-:
لا يجوز له ذلك، لأن الجمعة لا يجمع إليها شيء، بل عليه أن يصلي العصر في وقتها، أما إن صلّى المسافر يوم الجمعة ظهراً ولم يصلّ جمعة مع المُقيمين فإنه لا حرج عليه أن يجمع إليها العصر، لأن المسافر لا جمعة عليه، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر في حجة الوداع، يوم عرفة بأذان واحد وإقامتين، ولم يصلّ جمعة. والله ولي التوفيق.
وسئل أيضًا -رحمه الله- ما نصه:
صلّيت في الحرم النبوي الشريف صلاة الجمعة، ولما كنت على سفر فقد نويت أن أجمع معها صلاة العصر قصراً، وما أن هممتُ بالتكبير لصلاة العصر حتى أعلن المؤذن عن الصَّلاة على جنازة فصلّيت مع الجماعة عليها وبعد ذلك صلّيت العصر قصراً، فهل فعلي هذا صحيح، وإذا كان غير صحيح فماذا كان علي أن أفعل، أقصد أدائي لصلاة العصر جمعاً وقصراً مع الجمعة ثم الفصل بينهما بصلاة الجنازة. أفتوني جزاكم الله خيراً وأمد في عمركم على طاعته؟
فأجاب -رحمه الله-:
صلاة العصر لا تجمع مع الجمعة لا في السفر ولا في الحضر في أصح قولي العلماء، وعليك أن تعيد صلاتك لأنك صليتها قبل الوقت على وجه لا يجوز فيه الجمع، أما الفصل بين المجموعتين بصلاة الجنازة فلا حرج في ذلك؛ لأن المشروع الإسراع بها إلى الدفن؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أسرعوا بالجنازة فإن كانت صالحة فخير تقدمونها إليه وإن كانت غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم))، متفق على صحته؛ ولأن الفصل بين الصلاتين بصلاة الجنازة يعتبر فصلاً يسيراً لا يمنع الجمع عند مَنْ اشترط ذلك. والله ولي التوفيق.
وسئل أيضًا -رحمه الله- ما نصه:
هذه الأيام ولله الحمد والمنة أغاثنا الله سبحانه وتعالى بالمطر نسأل الله العلي القدير أن يجعله مباركاً وأن يعم بنفعه أوطان المسلمين.
سماحة الشيخ:
حدث نقاش بين بعض الإخوة حول جواز الجمع إذا وافق نزول المطر الشديد والذي تحصل به المشقة وقت صلاة الجمعة بين صلاة الجمعة والعصر، أفتونا مأجورين؟
فأجاب -رحمه الله-:
لا يجوز الجمع بين صلاتي العصر والجمعة في مطر ولا غيره؛ لأن ذلك لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه رضي الله عنهم فيما نعلم؛ ولأن الجمعة لا تقاس على الظهر، بل هي عبادة مستقلة، والعبادات توقيفية لا يجوز إحداث شيء فيها بمجرد الرأي. وفق الله الجميع للفقه في الدين والثبات عليه إنه سميع))، انظر: مجموع فتاوى الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز, 12 / 300, و 12 / 301- 303)) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من (المجلة العربية).
قال العلامة ابن عثيمين -رحمه الله- في "الشرح الممتع" (4 /572 ـ 576):
وفيه شرط خامس: أن لا تكون صلاة الجمعة، فإنّه لا يصح أن يجمع إليها العصر، وذلك لأن الجمعة صلاة منفردة مستقلة في شروطها وهيئتها وأركانها وثوابها أيضاً، ولأن السُّنَّة إنما وردت في الجمع بين الظهر والعصر، ولم يرد عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أنه جمع العصر إلى الجمعة أبداً، فلا يصح أن تقاس الجمعة على الظهر لما سبق من المخالفة بين الصلاتين، بل حتى في الوقت على المشهور من مذهب الحنابلة فوقتها من ارتفاع الشمس قدر رمح إلى العصر، والظهر من الزوال إلى العصر، وأيضاً الجمعة لا تصح إلا في وقتها، فلو خرج الوقت تُصلّى ظهراً، والظُّهر تصح في الوقت وتصح بعده للعذر.
وهذا الشرط يؤخذ من قول المؤلف رحمه الله:
يجوز الجمع بين الظهرين، فإن المراد بهما الظهر والعصر فلا يدخل في ذلك الجمعة والعصر.
ولكن لو قال قائل:
أنا أريد أن أنوي الجمعة ظهراً؛ لأني مسافر وصلاة الظهر في حقي ركعتان يعني على قدر الجمعة؟
فنقول:
هذه النية لا تصح على قول من يقول: إنه يشترط اتفاق نية الإِمام والمأموم، لأنهم لم يستثنوا من هذه المسألة إلا مَنْ أدرك من الجمعة أقل من ركعة فإنه يدخل مع الإِمام بنية الظهر لتعذر الجمعة في حقه، أما هذه فهي ممكنة فلا يصح أن ينوي الظهر خلف من يصلّي الجمعة، وهذا القول واضح أنه لا يصح أن ينويها ظهراً.
أما على القول الراجح:
أن نية الإِمام والمأموم لا يضر الاختلاف بينهما فإنه يصح، ولكننا نقول: لا تنوّها ظهراً؛ لأنك إذا نويتها ظهراً حرمت نفسك أجر الجمعة وأجر الجمعة أكبر بكثير من أجر الظهر، فكيف تحرم نفسك أجر الجمعة، من أجل الجمع؟ والأمر يسير: اُتْرُك العصر حتى يدخل وقتها ثم صلّها ))أهــ.
الدليل على عدم جواز الجمع بين الجمعة والعصر:
لا يجوز جمع العصر إلى الجمعة في الحال التي يجوز فيها الجمع بين الظهر والعصر، فلو مَرَّ المُسافر ببلد وصلّى معهم الجمعة لم يجز أن يجمع العصر إليها، ولو نزل مطر يبيح الجمع -وقلنا بجواز الجمع بين الظهر والعصر للمطر- لم يجز جمع العصر إلى الجمعة ولو حضر المريض الذي يباح له الجمع إلى صلاة الجمعة فصلاها لم يجز أن يجمع إليها صلاة العصر.
يتبع إن شاء الله...