منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي المنتدى)
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه)

(فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 القول الفصل في أحكام صلاة القصر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52879
العمر : 72

القول الفصل في أحكام صلاة القصر Empty
مُساهمةموضوع: القول الفصل في أحكام صلاة القصر   القول الفصل في أحكام صلاة القصر Emptyالخميس 14 مايو 2015, 1:04 am

القول الفصل
في أحكام صلاة القصر

القول الفصل في أحكام صلاة القصر Images?q=tbn:ANd9GcRBSOimpeBsAIcaLTVR9i37FgmnzDcwYI-lCDAvUwryhofv7-HtnA
الدكتور
صبري عبد الرءوف محمد

أستاذ الفقه المقارن (المساعد)
جامعة الأزهر
الطبعة الأولى
حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
-------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه واتبع هداه.
وبعد:
فإن الصلاة عماد الدين من أقامها فقد أقام الدين ومن هدمها فقد هدم الدين، وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد" (1).

وجه الدلالة:
ووجه الدلالة من هذا الحديث الشريف أن الرسول صلى الله عليه وسلم يرشدنا إلى أن الإسلام هو رأس الأمر الذي يهم كل إنسان في دنياه وأخراه، وأول ما يجب على المسلم أن يعتني به وأن يلم بأحكامه.
وأن العمود الأساسي الذي يقوم عليه هذا الدين هو الصلاة، وأن أسمى عمل فيه هو الجهاد في سبيل الله ؛ لأن الحرمات تُصَان به ، وبه يظهر الإسلام ويعلو على سائر الأديان.
والصلاة صلة وثيقة تربط بين العبد وربه، وهي قربة من أعظم القربات وهي بمثابة عهد يجدده الإنسان مع خالقه في اليوم والليلة خمس مرات فكلما ناداه المنادي: حي على الصلاة حي على الفلاح أقبل العبد على ربه خاضعاً خاشعاً يقف وقفة الذليل الخائف فيناجي ربه بأحب أسمائه وصفاته، ويضع جبهته على الأرض تواضعاً لعظمته جل جلاله، لا فرق في ذلك بين غني أو فقير فالكل بين يدي الله سواء.
من هنا كانت الصلاة عبادة من أفضل العبادات وقربة من أعظم القربات، كما أن الصلاة هي آخر وصية وصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته عند مفارقته الدنيا فقال: "الصلاة وما ملكت أيمانكم" (1) والصلاة تدفع الإنسان دفعا إلى فعل الخير وتبعده عن الشر، قال الله تعالى: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) (2) والصلاة تنهى صاحبها عن الفحشاء وعن كل ما يغضب الله إذا أداها صاحبها بخشوع وخضوع لله رب العالمين.

يقول الإمام القرطبي في تفسير هذه الآية:
"لاسيما وإن أشعر نفسه أن هذا يكون آخر أعماله في الدنيا، وهذا أبلغ في المقصود وأتم في المراد ؛ لأن الموت يأتي بغتة، وليس للموت زمن مخصوص أو مرض معلوم.
وروي عن بعض السلف أنه إذا أراد أن يقوم للصلاة ارتعد واصفر لونه فسأله بعض أصحابه يوماً عن سبب ذلك فقال: إني أقف بين يدي الله تعالى وحالي هذا مع ملوك الدنيا، فكيف مع ملك الملوك (1).
والصلاة التي يقبل العبد فيها على ربه بقلب خالص ويؤديها كما ينبغي تكفر الذنوب وتمحو الخطايا وترفع الدرجات.
وقال تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) (2).

تعريف الصلاة
التعريف اللغوي:
تطلق الصلاة في اللغة على عدة معان نذكر منها ما يأتي:-
- الصلاة بمعنى الدعاء، وقيل:
 أصلها في اللغة التعظيم.
وسميت الصلاة المخصوصة صلاة لما فيها من تعظيم الرب ولذلك يُقال في التشهد: "الصلوات لله" أي الأدعية التي يراد بها تعظيم الله هو مستحقها لا تليق بأحد سواه، وكذلك: "اللهم صل على سيدنا محمد"، فمعناه: عظمه في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دعوته وإبقاء شريعته وفي الآخرة بتشفيعه في أمته وتضعيف أجره ومثوبته.
وقيل: المعنى: لما أمرنا الله سبحانه وتعالى بالصلاة عليه، ولم نبلغ قدر الواجب من ذلك أحلناه على الله وقلنا: اللهم صل أنت على سيدنا محمد لأنك أعلم بما يليق به (1).
وقال ابن الأعرابي: "الصلاة من الله رحمة، ومن المخلوقين القيام والركوع والسجود والدعاء والتسبيح، والصلاة مـن الطيـر والهوام التسبيح" (2)‏.
وقيل: هي مأخوذة من اللزوم ومنه: صَلَى بالنار إذا لزمها ومن ذلك قوله تعالى: (تَصْلَى نارًا حامية) (3).
وكأن المعنى -على هذا- ملازمة العبادة على الحد الذي أمر الله تعالى به، وتطلق الصلاة ويراد بها العبادة، ومن ذلك قوله تعالى: (وما كان صلاتهم عند البيت) أي عبادتهم، وتطلق ويراد بها النافلة ومنه قوله تعالى: (وأمر أهلك بالصلاة ) والصلاة بمعنى التسبيح ومنه قوله تعالى: (ولا تجهر بصلاتك) أي لا تجهر بقراءتك (4)، وعلى هذه المعاني السابقة يكون لفظ الصلاة من الألفاظ المشتركة، وقد لاحظنا من معانيها السابقة أنها مشتركة بين الدعاء والتعظيم والرحمة والبركة.

التعريف الشرعي للصلاة :
وهي أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم (1).

حكمها:

فرض عين على كل مسلم بالغ عاقل وثبت ذلك بالكتاب والسنة والإجماع.

فضلها:

الصلاة أفضل عبادات البدن بعد الإسلام؛ لأنها تلو الإيمان الذي هو أفضل القرب؛ لاشتمالها على نطق باللسان وعمل بالأركان واعتقاد بالجنان؛ ولأنها تجمع من القرب ما تفرق في غيرها من ذكر الله تعالى ورسوله والقراءة والتسبيح واللبث والاستقبال والطهارة والسترة وترك الأكل والكلام، وغير ذلك مع اختصاصها بالركوع والسجود وغيرهما.
وإذا كانت الصلاة أفضل العبادات ففرضها أفضل الفروض وتطوعها أفضل التطوع (2).
والصلاة تكفر الذنوب وتمحو الخطايا وتباعد بين الإنسان وبين ما حرم الله عز وجل عليه، وتكون سببا في دخول الجنة، قال صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع: "اعبدوا ربكم وصلوا خمسكم وصوموا شهركم وحجوا بيتكم وأدوا زكاة أموالكم طيبة بها أنفسكم تدخلوا جنة ربكم " (1).
فالصلاة نعمة من الله عز وجل امتن بها على عباده، ومن الواجب علينا أن نحافظ على هذه النعمة، وأن نشكر الله عليها بالمحافظة عليها وأدائها في أوقاتها كاملة غير منقوصة طاعة لله رب العالمين.
والصلاة وسيلة لكشف الضر والنجاة من العقاب والشر؛ ولهذا سنت صلاة الكسوف والخسوف كما أنها مجلبة للخير والحياة، ولهذا شرعت صلاة الاستسقاء للتضرع فيها إلى الله طلبا للنعمة، وكذلك هي أمان واطمئنان عند الفزع، وكان صلى الله عليه وسلم إذا أهمه أمر فزع إلى الصلاة، كما أنها في صفوفها المنتظمة في الجماعات والجمع والأعياد مظهر للعزة والقوة ورهبة الأعداء، وهي فوق ذلك وسيلة للمغفرة والرحمة في صلاة الجنازة.

كيف فرضت الصلاة:
قال الإمام الشافعي رضي الله عنه:-
"سمعت مَن أثق بخبره وعلمه أن الله سبحانه وتعالى أنزل فرضاً في الصلاة ثم نسخه بفرض غيره، ثم نسخ الثاني بالفرض في الصلوات الخمس كأنه يعني قول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا المُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً) (1) ثم نسخها في نفس السورة بقوله: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ) إلى قوله: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ) (2) فنسخ قيام الليل أو نصفه أو أقل أو أكثر بما تيسر وما أشبه (3).وقال رحمه الله تعالى: "إن الذي نسخ آية المزمل هو قول الله تعالى: (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) ودلوكها زوالها (إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ) أي العتمة (وَقُرْآنَ الفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً) الصبح (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ) فأعلم اللهُ رسولَه صلى الله عليه وسلم أن صلاة الليل نافلة لا فريضة وأن الفرائض فيها ذكر من ليل أو نهار (4).
ويقال في قول الله عز وجل: (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ) المغرب والعشاء، (وحِينَ تُصْبِحُونَ) الصبح، (وَلَهُ الحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا) والعصر (وَحِينَ تُظْهِرُونَ) (5) الظهر.
وقد أجمع الفقهاء على أن فريضة الصلاة كانت في ليلة الإسراء والمعراج، وقد فرضها الله سبحانه وتعالى علينا خمس صلوات في اليوم والليلة (1).
ونرى عظمة الإسلام في تشريعه وتيسيره على الناس وشفقته ورأفته بأبنائه فأباح للمسافر قصر الصلاة لما في السفر من مشقة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "السفر قطعة من العذاب، يَمنع أحدَكم طعامَه وشرابَه ونومَه، فإذا قضى أحدكم نَهْمَتَهُ من سفره فليعجل إلى أهله" (2).

وجه الدلالة:

ووجه الدلالة من هذا الحديث الشريف أن السفر قطعة من العذاب ويكفي أنه يجعل المسافر لا يشعر بكمال لذته في طعامه وشرابه لما في ذلك من المشقة والتعب ومقاساة الحر والبرد ومفارقة الأهل والأصحاب وخشونة العيش (وهذا على سبيل التغليب).
ومعنى "فإذا قضى أحدكم نهمته من سفره فليعجل إلى أهله" النَّهْمَة:- بفتح النون وإسكان الهاء - هي الحاجة.
والمقصود من هذا الحديث استحباب تعجيل الرجوع إلى الأهل بعد قضاء مصالحه والانتهاء من أعماله التي سافر من أجلها، ولا يجوز له أن يتأخر إلا لأمر مهم .
والذي يُفهم من هذا الحديث النبوي الشريف أنه لا يجوز للمسافر أن يترك أهله لغير سبب؛ لأن المستحب أن يرجع إليهم على وجه السرعة، وذلك لحاجتهم إلى تقويته وقيامه بأمرهم.
وقد قرر الفقهاء أن السفر يعتبر سبباً من أسباب التخفيف لما فيه من مشقة ولحاجة المسافر إلى التقلب في حاجاته؛ ولهذا كان السفر سبباً من أسباب المشقة بل اعتبر نفس السفر سبباً للرخص وأقيم مقام المشقة (1).
والمسافر معرض للأخطار ووعثاء السفر إذ يكون دائما مشغول البال كما هو معلوم لدى من كابد عناء ومشقة الأسفار (2).
من أجل كل ما سبق كان هذا البحث.

خطة البحث:
وقد اشتمل هذا البحث على ثلاثة فصول وخاتمة:
الفصل الأول:
في مشروعية القصر
واشتمل على ثلاثة مباحث:
المبحث الأول:
ماهية القصر وحكمه
المبحث الثاني:
أفضلية قصر الصلاة أو الإتمام
المبحث الثالث:
حقيقة قصر الصلاة

الفصل الثاني:
السفر وأحكامه
واشتمل على خمسة مباحث:
المبحث الأول:
المسافة التي تبيح القصر
المبحث الثاني:
السفر المبيح للقصر
المبحث الثالث:
الموضع الذي يبدأ منه القصر
المبحث الرابع:
مدة القصر
المبحث الخامس:
أحكام متعلقة بصلاة المسافر

الفصل الثالث:
أحكام الجمع بين الصلاتين
واشتمل على خمسة مباحث:
المبحث الأول:
الجمع بسبب السفر
المبحث الثاني:
الجمع بسبب المطر
المبحث الثالث:
الجمع بسبب المرض
المبحث الرابع:
الجمع لغير سبب المطر والمرض
المبحث الخامس:
حكم الأذان والإقامة للجمع بين الصلاتين

الخاتمة:
واشتملت على أهم نتائج البحث.

منهجي في البحث:
1 – سأقوم -بتوفيق من الله وعنايته- بعرض المسألة عن طريق ذكر أقوال الفقهاء وأدلتهم مبيناً سبب اختلافهم، ومناقشة أدلتهم مع ذكر الدليل الراجح لكل مسألة من غير تعصب مذهبي.
2 – عزو الآيات القرآنية إلى سورها مع بيان وجه الدلالة فيها.
3 – تخريج الأحاديث النبوية من كتب السنة الصحيحة التي يعتد بها  مع بيان وجه الدلالة من الحديث.
4 – الرجوع إلى المراجع الفقهية لكل مذهب والاعتماد على أمهات الكتب التي يعتد بها.
هذا وإنني دائما أستعين بالله في كل عمل من أعمالي وحسبي أنني بشر أصيب وأخطئ؛ وذلك لأن الكمال لله وحده، والله وحده حسبي ونعم الوكيل.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الدكتور
صبري عبد الرءوف محمد

--------------------------
يتبع إن شاء الله...


القول الفصل في أحكام صلاة القصر 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52879
العمر : 72

القول الفصل في أحكام صلاة القصر Empty
مُساهمةموضوع: رد: القول الفصل في أحكام صلاة القصر   القول الفصل في أحكام صلاة القصر Emptyالخميس 14 مايو 2015, 1:11 am

الفصل الأول
القول الفصل في أحكام صلاة القصر Images?q=tbn:ANd9GcRSz-CA-b216UiGETI2iKj697o61dFb3yOWKSjbVSr9_sV4du_F
في حكم القصر ومشروعيته

---------------------------
ويشتمل على ثلاثة مباحث:
المبحث الأول:
حكم القصر ودليله
المبحث الثاني:
أفضلية قصر الصلاة أو الإتمام
المبحث الثالث:
حقيقة قصر الصلاة
المبحث الأول
حكم القصر ودليله

------------------
تعريف القصر:
القصر في اللغة معناه -كما جاء في لسان العرب-:
القَصْرُ والقِصَرُ في كل شيء: خلافُ الطُّولِ؛ وقَصُرَ الشيءُ، بالضم، يَقْصُرُ قِصَراً: خلاف طال؛ وقَصَرْتُ من الصلاة أَقْصُر قَصْراً والقَصِيرُ: خلاف الطويل (1).
وهذا المعنى اللغوي يبين لنا أن الإنسان حينما كان مسافراً وأدى الصلاة الرباعية كانت الصلاة طويلة، فلما قصرها وصلاها ركعتين كانت الصلاة قصيرة.
وهنا فإننا حينما نرى بعض الفقهاء يعبرون عن هذا بصلاة المسافر، إنما يقصدون غير المقيم في وطنه.

تعريف قصر الصلاة عند الفقهاء:
السفر:

قطع المسافة، وليس كل قطع تتغير به الأحكام بل المراد قطع خاص (2).

وقيل:
المسافر هو المتلبس بالسفر وهو قطع مسافة مخصوصة، وجمعه أسفار، وسمي قطعها سفرا لأنه يسفر عن أخلاق الرجال أي يكشفها ويبينها (3).
ولهذا فقد آثرت أن يكون حديثي هنا عن قصر الصلاة، وقصدت بهذا العنوان أن يكون حديثي عن قصر الصلاة وأحكامها، أما الحديث عن صلاة المسافر فقط فهذا معناه أن القصر لغير السفر لا يجوز، ومن هنا أردت أن يكون بحثي واضحا وشاملا للقصر بسبب السفر أو بغيره؛ ليعم جميع الأسباب التي تبيح للمسافر قصر الصلاة خاصة وأن الشريعة الإسلامية قائمة على التيسير.

حكم القصر:
لا خلاف بين الفقهاء في إتمام الصلاة في الحضر، وعلى جواز القصر في السفر، لكنهم اختلفوا في حكم القصر أثناء السفر على قولين:
القول الأول:
أن المسافر مخير بين القصر والإتمام فإن شاء قصر الصلاة وإن شاء أتم، وهذا هو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة، لكن المالكية يرون أن القصر سنة مؤكدة، وهذا معناه أن القصر أفضل من الإتمام، وبهذا أخذ الحنابلة أيضاً.
أما الشافعية فقد ذهبوا إلى أن الإتمام أفضل من القصر؛ لأنه أكثر عددا وعملا، وهو الأصل فكان أفضل إلا إذا كانت مدة السفر ثلاثة أيام خروجا من الخلاف (1).

القول الثاني:
أن قصر الصلاة واجب: وهذا هو مذهب الإمام أبي حنيفة وداود وابن حزم (2).

ثمرة الخلاف:
وتظهر ثمرة هذا الاختلاف فيما إذا كان الإنسان مسافراً وصلى الظهر أربعاً، فإن صلاته تكون صحيحة عند جمهور الفقهاء: المالكية والشافعية والحنابلة، وتكون صلاته باطلة عند أبي حنيفة ومن معه، بل إنهم يوجبون إعادة الصلاة على من كان مسافرا وصلى الظهر أربعا.

سبب الاختلاف:
ويرجع سبب الاختلاف بين الفقهاء في هذه المسألة إلى اختلافهم في أمرين:
الأمر الأول:
تعارض الآثار الواردة في ذلك.

الأمر الثاني:
هل قصر الصلاة رخصة أو عزيمة؟

هذا هو ما سنبحثه بالتفصيل إن شاء الله تعالى في موضعه.

دليل مشروعية قصر الصلاة:
إن جميع الفقهاء قد اتفقوا على مشروعية قصر الصلاة مستدلين على ذلك بما جاء في كتاب الله عز وجل وسنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أولا: دليل الكتاب:
قال تعالى: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُواًّ مُّبِيناً) (1).

وجه الدلالة:
ووجه الدلالة من هذه الآية الكريمة أن الله سبحانه وتعالى قال: (ليس عليكم جناح) ونفْي الجُناح معناه: نفي الحرج، وهذا يدل على أن الله سبحانه وتعالى أراد التخفيف عن المسافر حال سفره.
روي عن سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: "سأل قوم من التجار رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: "إنا نضرب في الأرض فكيف نصلي؟" فأنزل الله تعالى: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) ثم انقطع الكلام، فلما كان بعد ذلك بحول غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الظهر فقال المشركون: لقد أمكنكم محمد وأصحابه من ظهورهم هلا شددتم عليهم؟ فقال قائل منهم: إن لهم أخرى في أثرها، فأنزل الله بين الصلاتين: (إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُواًّ مُّبِيناً) فشرعت صلاة الخوف.

وفي ذلك دليل على مشروعية القصر من غير خوف (1).
وما دام الأمر كذلك فإن ذلك ينفي قول مَن يرى أن قصر الصلاة لا يجوز إلا في حالة الخوف فقط.

ثانياً: دليل السنة:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان أول ما افترض الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة ركعتين ركعتين إلا المغرب فإنها كانت ثلاثاً، ثم أتم الله الظهر والعصر والعشاء الآخرة أربعاً في الحضر وأقر الصلاة على فرضها الأول في السفر" (2).

وجه الدلالة:
ووجه الدلالة من هذا الحديث النبوي الشريف أن السيدة عائشة رضي الله عنها بينت لنا أن الصلاة حينما افترضها الله عز وجل ليلة الإسراء والمعراج افترضها ركعتين ركعتين إلا المغرب فإنها فرضت ثلاثاً، ثم كان الوحي بجعل صلاة الظهر والعصر والعشاء أربعاً في الحضر، أما في السفر فقد بقيت الصلاة على ما كانت عليه، وهذا يؤكد لنا مشروعية قصر الصلاة الرباعية.

ولا يهمنا هنا إن كانت الصلاة في أول أمرها ركعتين في السفر ثم زيدت في الحضر أو أنها كانت أربعاً أول أمرها ثم أصبحت ركعتين في السفر وظلت على ما هي عليه في الحضر.
فما دامت صلاة المسافر ركعتين والمقيم أربعاً، فهذا يدل على مشروعية قصر الصلاة وذلك لورود حديث آخر نصه: عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "فرض الله عز وجل صلاة الحضر أربعاً وفي السفر ركعتين والخوف ركعة على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم" (1).

وجاء في الحديث الذي يليه:
عن عبيد الله بن زحر أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: "أيها الناس إن الله فرض لكم على لسان نبيكم صلى الله عليه وعلى آله وسلم الصلاة في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين" (1).

وجه الدلالة:
ووجه الدلالة من الحديثين السابقين أن الله سبحانه وتعالى فرض الصلاة أربعاً للظهر والعصر والعشاء، وظلت على ما هي عليه في الحضر، وقصرت في السفر، وكما سبق لنا القول أن المراد هو بيان مشروعية القصر، وسواء أكانت الصلاة في أول أمرها ركعتين ثم زيد أو كانت تامة ثم قصرت، فكل هذا ما دام ثابتا بنص فإنه يكون مشروعاً.

وقد قال كثير من الفقهاء:
إن المراد زيادة الصلاة بعد الهجرة النبوية، واستقر الأمر على ذلك جمعا بين الأدلة حتى لا يتعارض ذلك مع حديث السيدة عائشة رضي الله عنها وهو حديث متفق عليه.

وقال الإمام النووي رحمه الله:
"هذا الحديث قد عمل بظاهره طائفة من السلف منهم الحسن والضحاك وإسحاق بن راهويه وقال مالك والشافعي والجمهور: إن صلاة الخوف كصلاة الأمن في عدد الركعات، فإن كانت في الحضر وجب أربع ركعات، وإن كانت في السفر وجب ركعتين، ولا يجوز الاقتصار على ركعة واحدة في حال من الأحوال.
‏ وتأولوا حديث ابن عباس هذا وهو قوله: "والخوف ركعة" على أن المراد ركعة مع الإمام وركعة أخرى يأتي بها منفرداً، كما جاءت الأحاديث الصحيحة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الخوف (1).
وهذا التأويل لابد منه للجمع بين الأدلة.

ثالثاً: دليل الإجماع:
وقد أجمعت الأمة الإسلامية على مشروعية قصر الصلاة في السفر؛ لثبوت ذلك بالقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وما كان عليه العمل على عهد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد التابعين، وظل هذا إلى يومنا وسيظل إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها، وهذا أمر متفق عليه بين السلف والخلف ولم ينكره أحد.

المبحث الثاني
في الرخصة والعزيمة والحكمة من مشروعية الرُّخَص

الرخصة والعزيمة:
لقد رأيت أننا ما دمنا نرغب في بيان حكم قصر الصلاة، وعرفنا أن قصر الصلاة مشروع بالقرآن والسنة والإجماع، فلابد من بيان حكم القصر للصلاة: هل هو رخصة أو عزيمة لنستطيع بعد ذلك أن نقول: هل الأفضل قصر الصلاة أو إتمامها؟
ونظراً لأن هذه المسألة مسألة اختلف الفقهاء فيها كان لزاماً علينا أن نوضح الفرق بين الرخصة والعزيمة فنستعين بالله ونقول:

أولا: تعريف العزيمة:
العزيمة في اللغة:

القصد المؤكد بمعنى الجد والاجتهاد في الأمر وهي عزم على الشيء.

بمعنى:

عقد ضميره على فعله، وعزيمة الله فريضته التي افترضها والجمع عزائم (1).

تعريف العزيمة عند الفقهاء:
هي: عبارة عن الحكم الأصلي السالم موجبه عن المُعَارض كالصلوات الخمس من العبادات ومشروعية البيع وغيرهما من التكاليف (2).

وقال الغزالي في "المستصفى":
هي عبارة عما لزم العباد بإيجاب الله تعالى (3).

وهذان التعريفان معناهما:
أن العزيمة هي الأحكام التي افترضها الله عز وجل على عباده ابتداء كمشروعية الصوم والقيام في الصلاة ونحو ذلك.

تعريف الرخصة:
هي في اللغة:

نعومة الملمس، والإذن في الأمر بعد النهي عنه، والتسهيل في الأمر والتيسير.

ويقال:
رخَّص الشرع لنا في الأمر ترخيصاً إذا يسَّرَه وسهَّله.
والرخصة ضد التشديد أي أنها تعني التيسير في الأمور (1).

والرخصة عند الفقهاء هي:
عبارة عما وُسِّعَ للمكلف في فعله لعذر عجز عنه مع قيام السبب المُحَرم (2)،

ومعنى هذا أن الرخصة:
ما شرعه الله عز وجل من الأحكام وجعله الله مبنياً على أعذار العباد لوجود المشقة أو العجز عن إتيان الفعل.
يتبع إن شاء الله...


القول الفصل في أحكام صلاة القصر 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52879
العمر : 72

القول الفصل في أحكام صلاة القصر Empty
مُساهمةموضوع: رد: القول الفصل في أحكام صلاة القصر   القول الفصل في أحكام صلاة القصر Emptyالخميس 14 مايو 2015, 1:27 am

القول الفصل في أحكام صلاة القصر Images?q=tbn:ANd9GcRtAfkujWuYZULlUuOVjoF1yNXSayCuCMF0j7kx13qNbm-cGZNhlg
الحكمة من تشريع الرُّخَص:

الشريعة الإسلامية قائمة على التيسير، ومن الأسس التي قامت عليها رفع الحرج، وهذا المبدأ الإسلامي يدل على رحمة الله عز وجل بعباده.
قال الله تعالى في سورة البقرة: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْر وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ) (1).

وجه الدلالة:
وهذه الآية الكريمة تبين لنا أن اليسر صفة أساسية في دين الله كما أن التيسير مقصد أساسي من مقاصد الشريعة.

وقال جل شأنه في سورة الحج:
(وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (2).

وجه الدلالة:
وجه الدلالة من هذه الآية الكريمة أن الله سبحانه وتعالى يبين في هذه الآية الكريمة يسر الإسلام وسعته، وما جعل فيه من التوبة والكفارات، ومما يؤكد أن الله سبحانه وتعالى شرع الرُّخَص رحمة بعباده ما جاء في قوله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفا) (3) ووجه الدلالة من الآية الكريمة واضح المعنى.
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى لم يبعثني معنتا ولا متعنتا ولكن بعثني معلما ميسرا" (1).

وجه الدلالة:
ووجه الدلالة من هذا الحديث النبوي الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بيَّنَ أن الله سبحانه وتعالى لم يبعثه معقدا للأمور أو متشددا على الناس أو مضيِّقًا عليهم، وإنما بعثه بالحنيفية السمحة، وكل هذه الأمور نراها واضحة من خلال تعاليم الإسلام وإرشاداته الحكيمة التي ترفع الحرج والمشقة عن جميع الناس، وللرخص تقسيمات متعددة ذكرها الأصوليون في كتبهم، فليرجع إليها من شاء.

حكم الأخذ بالعزيمة أو الرخصة:
المتأمل لأحكام الشريعة الإسلامية يتبين له أن تعاليم الإسلام قائمة على التيسير ورفع الحرج عن المكلفين، ولهذا فإن الشريعة الإسلامية ترفع الحرج عن الإنسان في الأخذ بالعزيمة أو الأخذ بالرخصة.
وهذا معناه:
أن الإنسان مخير في بعض الحالات، وله أن يفعل ما شاء منهما؛ لأن ما بينهما صار بمثابة الواجب المخير الذي يُكْتَفَى فيه بالإتيان بأي نوع من أنواعه.
ولكن مع هذا كان للترجيح مجال رحب غزير تباينت فيه أقوال المجتهدين؛ لأنهم بين مرجح للأخذ بالعزيمة أو الأخذ بالرخصة.
وقد استدل كل فريق منهم بما ذهب إليه مستدلاً بالدليل الذي اطمأن إليه قلبه (1).
أما عن تتبع الرخص من أجل الأخذ بالأيسر فإن الفقهاء قد ذهبوا إلى أن الأخذ بالرخص الشرعية الثابتة بالكتاب أو السنة لا بأس في تتبعها؛ وذلك لورود نص صريح في ذلك؛ حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب أن تُؤْتَى رُخَصُهُ كما يحب أن تُؤْتَى عزائمُه" (2).

ووجه الدلالة من هذا الحديث النبوي الشريف:
أن الرسول صلى الله عليه وسلم أباح للإنسان أن يأخذ بالرخصة أو بالعزيمة، وكلاهما سواء في الحكم ما دام الأمر قد بني على نص صريح في ذلك.
أما تتبع الرخص الاجتهادية من أجل الهروب من التكاليف الشرعية فإن هذا يعتبر هدماً لعـزائم الأوامـر والنواهي وجحودًا وإنكارًا لحق الله عز وجل في العبادة.
وهذا يتعارض مع مقاصد الشريعة الإسلامية التي تحث على التخفيف وعلى الأخذ بالرخص مادام قد وجد المبرر لها من كتاب الله أو سنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ونُقِلَ عن الإمام ابن حزم:
أنه يرى أن مثل ذلك من الخروج عن الدين، ولو أن كل إنسان أخذ برخصة كل عالم اجتمع فيه الشر كله (1).

ومن كل ما سبق نستطيع أن نقول:
إن الأخذ بالرخصة لا يعني تتبعها والبحث عنها للتحلل من التكاليف، وإنما يعني الانتقال من تكليف أشد إلى تكليف أخف لسبب شرعي، أما في غير ذلك فإنه لا يجوز.

حكــــــــــــــم القـــــــــــــــــصر
ذهب الحنفية والهادوية إلى أن القصر عزيمة (1)، وذهب الشافعية والمالكية والحنابلة وغيرهم إلى أن القصر رخصة (2).

وينبني على مذهب الحنفية ومن معهم:
أن من صلى أربع ركعات وهو مسافر بجلوس واحد بعد الأربع كانت تلك الصلاة باطلة لأنه ترك الجلوس الفاصل بين الركعتين الأوليين والأخيرتين الذي هو فرض، ولما ترك فرضاً بطلت صلاته، وأنه إن أتى به صحت صلاته وتكون الركعتين الأخيرتين نافلة، هذا هو مذهب بعض الصحابة والتابعين.

فمن الصحابة:
علي وعمر وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم جميعاً.

ومن التابعين:
عمر بن عبد العزيز وقتادة والحسن.

والقائلون بأن القصر رخصة اختلفوا في حكمها:
فقال المالكية:
إن حكم القصر سنة مؤكدة، فإن تركه عمدا أعاد في الوقت وإن تركه نسيانا سجد للسهو (3).

وقالت الحنابلة:
القصر مندوب وعلى ذلك: فإن القصر أفضل من الإتمام (4).

وفصَّل الشافعية:
إن كان السفر ثلاثة أيام فالقصر أفضل، وإن كان دونها فالإتمام أفضل (1).

سبب الخلاف:
وسبب الخلاف في هذا هو تعارض الآثار:
الأدلة:
دليل الحنفية:
1 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: "فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فأقرت صلاة السفر وزيدت في صلاة الحضر" (2).

وجه الدلالة:
والوجه منه على المدعى:

أن السيدة عائشة رضي الله عنها أخبرت بأن الصلاة فرضت ركعتين ركعتين، واستقر أمرها على ذلك بعد في السفر، وزيدت صلاة الحضر.

ويشهد لذلك:
قول عائشة في بعض الروايات عنها: "فرضت الصلاة ركعتين فزيدت في الحضر وأقرت في السفر".
2 - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "صحبت النبي صلى الله عليه وسلم وكان لا يزيد في السفر على ركعتين وأبا بكر وعمر وعثمان كذلك" (3).

وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ملازماً للقصر في جميع أسفاره، وصار من جاء بعده رضي الله عنهم على القصر، فلو كان غير فرض ما حافظ عليه الخلفاء.
3 - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتانا ونحن ضلال فكان فيما علمنا: أن الله عز وجل أمرنا أن نصلي ركعتين في السفر" رواه النسائي (1).
4 - عن ابن شهاب عن عبد الله بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن أمية بن عبد الله بن خالد أنه قال لعبد الله بن عمر: "إنا نجد صلاة الحضر وصلاة الخوف في القرآن ولا نجد صلاة السفر في القرآن؟" فقال ابن عمر: "يا ابن أخي: إن الله عز وجل بعث إلينا محمداً صلى الله عليه وسلم ولا نعلم شيئا وإنما نفعل كما رأينا محمداً صلى الله عليه وسلم يفعل" (2).

وجه الدلالة:
ووجه الدلالة أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقصر الصلاة ويصلي ركعتين في السفر، وهذا دليل على أن القصر متعين وفرض؛ وذلك لفعله صلى الله عليه وسلم ولاقتداء الصحابة به، ولو لم يكن القصر واجباً لنهاهم عن الاقتداء ولكن لم يفعل، فدل ذلك على مشروعيته وفرضيته.
5 - عن عمر رضي الله عنه أنه قال: "صلاة الجمعة ركعتان والفطر ركعتان والنحر ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم" (1).

وجه الدلالة:
أن قول عمر رضي الله عنه: "تمام غير قصر على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم" يدل على أنها شرعت هكذا، واستمر العمل على ذلك عصر الصحابة حتى خلافة عمر، ولم يثبت أن أحدا من الصحابة الكرام أنكر على غيره قصر الصلاة، وهذا يدل على وجوبها.

دليل المعقول:
واستدلوا بالمعقول فقالوا: إن الركعتين الأخيرتين من الرباعية لا يأثم التارك لهما إذا كان مسافراً ولا يؤمر بقضائها؛ وذلك لأن الترخص في الترك المطلق مع قيام الفرضية لا يُتَصور.

مناقشة دليل الحنفية:
أولا:
إن حديث عائشة الأول غير مرفوع؛ لأنها لم تشهد فرضية الصلاة؛ لأن الصلاة فرضت بمكة صبيحة الإسراء، وعائشة حينذاك صغيرة.

ثانيا:
إن حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما الدالّ على الملازمة لا يدل على الفرضية إلا بدليل ولا دليل، فكم من سنن كثيرة واظب عليها الرسول صلى الله عليه وسلم كالمضمضة وغسل اليدين إلى الكوعين مع أنها ليست بفرض اتفاقاً.

ثالثا:
حديث عمر لا تقوم به حجة، وذلك لأن من رواته عبد الرحمن بن أبي ليلى وعبد الرحمن لم يسمع من عمر رضي الله عنه؛ لأنه ولد لست سنوات بقين من خلافة عمر.

مناقشة دليل المعقول:
إن عدم الإثم بالترك لا يستلزم عدم الوجوب، فكم من فرائض لا يأثم المكلف بتركها مع أنها فرض.

مثال ذلك:
الزيادة في السجود والركوع على ثلاث تسبيحات، وصوم المسافر، وحج الفقير فإنه إذا أتى بها فهي تسقط الفرض، وإن تركها لا يأثم بتركها، فدل ذلك على أن عدم الإثم بالترك لا يستلزم عدم الوجوب.

دليل الجمهور:
استدل الجمهور بالكتاب والسنة والقياس:
أما الكتاب:
فقوله تعالى: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُواًّ مُّبِيناً) الآية (1).

وجه الدلالة:
إن الله نفى الحرج والإثم عن الذين ضربوا في الأرض إذا قصروا الصلاة.

قال الشافعي:
"لا يُسْتَعْمَل الجُنَاح إلا في المباح، وقد ورد في القرآن الكريم قال تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ) (2).
وقال: (وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ) (3).
وقال تعالى: (لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ) (4) إلى غير ذلك من الآيات المتعددة التي تدل على أن لفظ الجناح في القرآن الكريم يأتي ويراد به رفع الحرج، وهذا يدل على جواز القصر لا على وجوبه.

أما السنة:
فعن يعلى بن أمية قال: قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) وقد أمن الناس؟ قال: "عجبتُ مما عجبتَ منه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: "صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته" (1).

وجه الدلالة:
1 - إن التعبير عن القصر بالصدقة يدل على أن القصر ليس بواجب، وما ليس بواجب يكون رخصة.
2 - ما جاء في صحيح مسلم وغيره أن الصحابة رضي الله عنهم جميعاً كانوا يسافرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنهم القاصر ومنهم المتم، ومنهم الصائم ومنهم المفطر، ولا يعيب بعضهم على بعض" (2).

وجه الدلالة:
أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا مع الرسول في سفر فأقرهم على صنيعهم وهو الإتمام والقصر والصوم والفطر، على أن ذلك كان بحضرته ولم يعب بعضهم على بعض.
3 - عن عائشة رضي الله عنها: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقصر في السفر ويتم ويصوم ويفطر" رواه الدارقطني وقال: إسناده صحيح (1).

وجه الدلالة:
إن النبي صلى الله عليه وسلم وقع منه القصر والإتمام في السفر فلو كان القصر فرضا ما أتمه، فدل ذلك على أنه غير فرض.

4 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: "خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة في رمضان فأفطر وصمتُ وقصرَ وأتممتُ، فقلت: بأبي أنت وأمي أفطرتَ وصمتُ وقصرتَ وأتممتُ" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحسنتِ يا عائشة" رواه الدارقطني وقال: إسناده حسن (2).

وجه الدلالة:
أن إقراره لعائشة على الإتمام والصوم يدل على عدم وجوب القصر، إذ لو كان القصر فرضا لنهاها عن ذلك، لكنه حسَّن فعلها.

5 - عن عبد الرحمن بن يزيد قال: "صلى بنا عثمان رضي الله عنه بمنى أربع ركعات، فقيل ذلك لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه فاسترجع ثم قال: "صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين وصليت مع أبي بكر رضي الله عنه ركعتين وصليت مع عمر رضي الله عنه ركعتين، فليت حظي مع أربع ركعات، ركعتان متقبلتان" (1).

وجه الدلالة:
أنه لو كان القصر فرضاً لما أتم عثمان رضي الله عنه الرباعية، لكنه أتم فدل على عدم فرضيته.

دليل القياس:
واستدلوا بالقياس فقالوا:
أولا:
أجمع الفقهاء على صحة اقتداء المسافر بالمقيم، وأن فرضه الإتمام حينئذ، كما اتفقوا على صحة صلاته، فلو كان القصر فرضا لما تغير بنية الإمام الطارئة، لكنه تغير فوجب على المسافر الإتمام، فدل على أن القصر ليس بفرض، فإذا اقتدى شخص يصلي الصبح بشافعي يصلي الظهر، فإن صلاة الصبح لا تنقل فرضه بالاقتداء الواقع منه.

ثانيا:
إنه رخصة أبيح للسفر كالفطر والمسح على الخفين وهما مما يجوز تركهما باتفاق العلماء، فكذا القصر (1).
يتبع إن شاء الله...


القول الفصل في أحكام صلاة القصر 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52879
العمر : 72

القول الفصل في أحكام صلاة القصر Empty
مُساهمةموضوع: رد: القول الفصل في أحكام صلاة القصر   القول الفصل في أحكام صلاة القصر Emptyالخميس 14 مايو 2015, 1:34 am

مناقشة أدلة الجمهور:
القول الفصل في أحكام صلاة القصر Images?q=tbn:ANd9GcR_3JLWgnMy-WrObLSF-DE-4kLRUQGSz67apa6IcSbq-HkB-WwM
مناقشة دليل الكتاب:
أولا:
لا نسلم أن الآية التي استدللتم بها، وهي قوله تعالى: (وإذا ضربتم في الأرض) الآية تثبت مدعاكم في قصر الصلاة في السفر، وذلك لوجوه:

الأول:
أن الآية إنما نزلت بيانا في قصر الصفة في صلاة الخوف؛ لأن مشروعية قصر العدد في صلاة السفر سابق على نزول هذه الآية، فلا تصلح الآية بيانا لكم.

الثاني:
ومما يدل على حملها على قصر الصفة في صلاة الخوف الآية اللاحقة، وهي قوله تعالى: (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة) الآية.

الثالث:
أن قصر الصلاة الذي دلت عليه الآية مشروط بالخوف كما يدل عليه قوله تعالى: (إن خفتم)، وحمل الآية على العموم خروج عن مقتضى الظاهر لا يصار إليه إلا بدليل ولا دليل.

فإن قيل:
إن الآية محمولة على العموم، وقد فهم ذلك بعض الصحابة كعمر ويدل على ذلك قوله في الحديث السابق:
"عجبتُ مما عجبتَ منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: "صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته" (1)، فعلم عمر من هذا أن الآية لا تكون نصا في المدعى (2).

مناقشة أدلة السنة:
أولاً:

قيل لهم في حديث يعلى الذي استدلوا به أنه لا يدل على المدعى وذلك لأن لفظ "صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته" لا يدل على الرخصة؛ وذلك لأن الشارع إنما أراد بهذا التعبير اليسر وعدم الحرج، وإذا كان المراد هو اليسر وعدم الحرج، أمكن التعبير بالصدقة عن كثير من الواجبات، قال تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا) (3) مع أن المراد بالصدقة في الآية الزكاة عند أكثر المفسرين، والزكاة فرض بالاتفاق.

ثانياً:
إن ما استدل به الجمهور رواية عن الإمام مسلم رضي الله عنه، وقد قال الشوكاني: بحثنا في صحيح مسلم فلم نجد قوله: "فمنا القاصر ومنا المتم"، بل وجدنا: "فمنهم المفطر ومنهم الصائم" (1).
إذن فهذه اللفظة زيادة غير محفوظة، فسقط الاستدلال بما روي عن مسلم، فإن سلمنا ثبوتها عنه لكنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرهم على فعلهم.

فإن قيل:
إنه لم يعب بعضهم بعضا على ما وقع منهم من القصر والإتمام والصوم والفطر فكان ذلك إجماعاً، والإجماع حجة.
قلنا:
إن إجماعهم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم غير معتبر؛ لأن إجماعهم يكون حجة بعد موته صلى الله عليه وسلم.
وأما ما احتج به الجمهور من إتمام عثمان فلا يصلح دليلاً على مدعاكم؛ ذلك لاختلافهم فيه وإنكار بعضهم عليه، وتأولوه بتأويلات مختلفة، فلو كان رخصة ما ساغ الإنكار عليه.

ثالثاً:
ردوا على ما استدل به الجمهور من حديث عائشة الذي خرجت فيه مع النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة في رمضان بمناقشات منها:

1- مناقشة سند الحديث:
إن في إسناده العلاء بن زهير، قال فيه ابن حبان: كان يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات، فبطل الاحتجاج به، وفي إسناده عبد الرحمن بن الأسود كذلك لأنه لم يثبت سماعه من عائشة، فقد دخل عليها وهو صغير ولم يسمع منها كما قال أبو حاتم، وبذلك يكون غير صالح للاحتجاج به لانقطاعه.

2- مناقشة متن الحديث:
قال صاحب البدر المنير: إن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع مرات ليست واحدة منها في رمضان فيكون قولها: "خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان" كلام منكر مخالف للواقع.

مناقشة دليل القياس:
فمع إجماع الفقهاء على أن فرض المسافر المقتدي بالمقيم الإتمام لجواز القصر له، قال إسحاق بن راهويه: يجوز القصر للمسافر المقتدي بالمقيم.

مناقشة الحنفية لدليل الجمهور:
الذي هو القياس أن فرضه تغير إلى الإتمام عملاً بنية المتابعة وما دام في الوقت فهو في عرضة التغير بطروئية الإقامة، فلم يتقرر فرضه ركعتين، فنية المتابعة في الوقت مع عدم التقرر المذكور أثرت في الإتمام حتى لو زالت المتابعة في الوقت بأن أفسد المسافر صلاته خلف المقيم فإنه لا يصلي إلا ركعتين ولا أثر لنية المتابعة، وبما قرروه ظهر فرق بين المقيس والمقيس عليه، وبيان ذلك: أن الصبح ليس بعرضة للتغير أصلا بخلاف المقيس، فإنه باتفاق عرضة للتغير بطروئية الإقامة كما قلنا؛ ولذا كان لا يصح له الاقتداء بالمقيم بعد خروج الوقت لتقرر الركعتين فقياس صلاة المسافر في الوقت على صلاة الصبح قياس مع الفارق.

الرد عليه:
أولاً:

إن واقع ما قرر الحنفية تسليم بحجة الجمهور ومحاولة للتخلص منها بما لا يدفعها.
فإن نية الإقامة مما يؤثر في السفر باتفاق العلماء، ومعقول أن يتأثر السفر وتتغير أحكامه بنية الإقامة.

ثانيها:
أما دعوى أن نية المتابعة في الوقت تنهض سببا للتغير المذكور كنية الإقامة، فدعوى عارية عن الدليل والصحة.

مناقشة الوجه الثاني لقياس الجمهور:
إن قياسكم القصر في السفر على الفطر في الصوم يعكر صفوه أن الحنفية لا يرون القصر رخصة إلا مجازا باعتبار الصورة حقيقته أنه عزيمة شرعت أولا وأقرها الشارع، غاية ما في الأمر أنه لوحظ فيهما ابتداء بقاء التخفيف على المسافر.
وهذا ما لا تنطبق عليه الرخصة الحقيقية عند العلماء، فلا يصح قياسها على ما هو حقيقة شرعت لعذر تخفيفاً لحكم آخر دليله لا يزال معمولاً به (1).

التــــــرجيـــــــــح:
وبعد أن ذكرنا أقوال الفقهاء في هذه المسألة الهامة وأدلة كل فريق منهم وتعرضت لمناقشتهم لبعضهم البعض، فإننا نرى أن القول الراجح في هذه المسألة الهامة هو ما ذهب إليه القائلون: إن قصر الصلاة رخصة معللين ذلك بأن الأصل الإتمام وأن القصر رخصة شرعه الإسلام للتخفيف عن المسافر خاصة وأن هؤلاء الفقهاء قد أكدوا ما ذهبوا إليه بأدلة متعددة تعرضنا لها بالبيان فيما سبق.
وهذا هو ما ذهب إليه المالكية والشافعية والحنابلة، ومما يؤكد هذا القول ما استدل به هؤلاء من قول سيدنا عمر رضي عنه حينما سئل عن القصر وقد أمن الناس قال: "صدقة امتن الله بها عليكم فاقبلوا صدقته".

ولكن الأولى للمسافر أن يأخذ بالرخصة؛ لأنها هنا عبارة عن هدية أهديت من الله عز وجل للمسافر أثناء سفره، ولا يجوز للعبد أن يرد هدية الرب أبداً، ونحن لا نستطيع أن ننكر أدلة المخالفين وهم الحنفية وأيضاً لا نستطيع أن ننكر أدلة الجمهور؛ ولأن كلا الفريقين يستدل بأدلة تطمئن إليها النفس ويرتاح إليها القلب فلهذا نقول: إن القصر والإتمام سواء ولا يجوز لإنسان أن ينكر على غيره، فلا يجوز للمتم أن ينكر على الذي يقصر الصلاة أو العكس وإن كنا نرى القصر أولى من الإتمام؛ لأن قصر الصلاة رخصة والإنسان مخير فيها بين الأخذ والترك كسائر الرخص، والرسول صلى الله عليه وسلم ما واظب عليه إلا ليؤكد مشروعية القصر لكن عدم نهيه للمتم يدل على جواز الأخذ وعدمه (1).
يتبع إن شاء الله...


القول الفصل في أحكام صلاة القصر 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52879
العمر : 72

القول الفصل في أحكام صلاة القصر Empty
مُساهمةموضوع: الفصل الثاني السفر وأحكامه   القول الفصل في أحكام صلاة القصر Emptyالخميس 14 مايو 2015, 4:13 am

الفصل الثاني
القول الفصل في أحكام صلاة القصر Articles_663_53008
السفر وأحكامه

--------------------------
واشتمل على خمسة مباحث
المبحث الأول:
المسافة التي تبيح القصر
المبحث الثاني:
السفر المبيح للقصر
المبحث الثالث:
الموضع الذي يبدأ منه القصر
المبحث الرابع:
مدة القصر
المبحث الخامس:
أحكام متعلقة بصلاة المسافر
-----------------------------

المبحث الأول
المسافة التي تبيح القصر

----------------------------
المسافة التي تبيح القصر
اختلف الفقهاء في المسافة التي تبيح للمسافر قصر الصلاة على أقوال متعددة ؛ لأن الجميع اشترط مسافة محددة ليكون قصر الصلاة مباحا ، لكنهم اختلفوا في تحديد هذه المسافة:
أولا: مذهب المالكية والشافعية والحنابلة:
ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن مسافة القصر يوم وليلة ( 1 ) .
ثانيا: مذهب الحنفية:
وذهب الحنفية إلى أن مسافة القصر ثلاثة أيام ( 2 ) .
ثالثا: مذهب أهل الظاهر:
وذهب أهل الظاهر إلى أنه لا يشترط مسافة معينة للقصر فمطلق السفر يكون مبيحا للقصر ( 3 ) .

سبب الاختلاف:
وسبب الاختلاف بين الفقهاء في هذه المسألة يرجع إلى اختلافهم في مفهوم الآثار الواردة في ذلك .
استدل المالكية والشافعية والحنابلة على ما ذهبوا إليه ، وهو القول بأن مسافة القصر يوم وليلة وتقدر بأربعة بُرُدٍ .
وذلك لأنهم قدروا السفر بالأميال واعتبروا ذلك ثمانية وأربعين ميلاً، وهي تقدر بسير يومين أو ليلتين أو يوم وليلة ، وهي عبارة عن ثمانية وأربعين ميلا .
والميل يساوي 1760 ياردة ، والياردة تساوي 3 أقدام ، والقدم يساوي 12 بوصة ، والبوصة تساوي 5 , 2 سم ( 1 ) .
استدلوا بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: " يا أهل مكة لا تقصروا الصلاة في أدنى من أربعة بُرُدٍ من مكة إلى عسفان " ( 2 ) .

وجه الدلالة:
ووجه الدلالة من هذا الحديث النبوي الشريف أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لأهل مكة: " لا تقصروا الصلاة في أدنى من أربعة برد " وهذا نهي صريح من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل مكة بعدم قصر الصلاة لأقل من أربعة برد .
وكان سيدنا عبد الله بن عمر وسيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يقصران ويفطران في أربعة برد فما فوقها ، ولم يعرف لهما مخالف في ذلك ، وهما من هما من الفقه والأمانة العلمية ، ولا يمكن أن يفعلا شيئاً إلا عن علم علماه من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أما الحنفية فقد استدلوا على ما ذهبوا إليه ، وهو القول بأن أقل مسافة السفر مسيرة ثلاثة أيام ولياليها بما روي عن سيدنا علي رضي الله عنه أنه سئل عن المسح على الخفين فقال: " جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوما وليلة للمقيم " ( 1 ) .

وجه الدلالة:
ووجه الدلالة من هذا الحديث النبوي الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للمسافر في المسح على الخفين ثلاثة أيام ولياليها ومدة السفر أقل من هذه المدة ، وبهذا الحديث أخذ الحنفية في اشتراط مدة السفر بثلاثة أيام ولياليها وهي مدة تزيد على مسافة السفر .
واستدلوا أيضا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة ثلاث ليال إلا ومعها مَحْرَم " ( 2 )  .

وجه الدلالة:
ووجه الدلالة من هذا أنه لا يحل لامرأة تؤمن بالله وتؤمن بما جاء به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسافر وحدها مسيرة ثلاثة أيام إلا إذا كان معها زوجها كما جاء في رواية أخرى أو معها ذو رحم محرم ، وإلا كانت المرآة آثمة ؛ لأنه لا يليق بالمرأة المؤمنة أن تفعل ذلك أبداً .
وقالت الحنفية: لو لم تكن المدة مقدرة بالثلاث لم يكن لتخصيص الثلاث معنى .
أما أهل الظاهر فقد استدلوا على ما ذهبوا إليه بظاهر النص القرآني حيث قال تعالى: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) .

ووجه الدلالة من الآية:
أن الله سبحانه وتعالى علق القصر على السفر ، فكلما وجد السفر وجد القصر .

المناقشة:
ناقش الحنفية ما استدل به الجمهور على ما ذهبوا إليه وهو أن مسافة القصر لا تقل عن أربعة برد بحديث سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قالوا في اعتراضهم عليه: هذا الحديث ليس مما تقوم به حجة؛ لأن في إسناده عبد الوهاب بن مجاهد بن جبير وهو متروك ونسبه النووي إلى الكذب .

وقال الأزدي:
لا تحل الرواية عنه ، والراوي عنه إسماعيل ابن عياش ، وهو ضعيف ( 1 ) .

وأما جمهور الفقهاء:
المالكية والشافعية والحنابلة فقالوا فيما استدل به الحنفية :
إن تحديد المسح على الخف بثلاثة أيام لا يستلزم أن تكون مسافة القصر ثلاثة أيام ، وكذا يقال في نهي المرأة عن السفر مسيرة ثلاثة أيام إلا مع زوج أو ذي رحم محرم ؛ لأن الحكم على الأقل حكم على الأكثر ( 2 ) .

الترجيح:
وبعد أن عرفنا أقوال الفقهاء وأدلتهم في ذلك يتبين لنا أن الرأي الراجح في ذلك هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء، وهو القول بأن مدة السفر أربعة برد؛ وذلك لقوة أدلتهم التي استدلوا بها على ما ذهبوا إليه، أما الحنفية فقد أخذوا بالقياس فيما ذهبوا إليه، ولذلك رجحنا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء: المالكية والشافعية والحنابلة لقوة أدلتهم ووضوحها وعدم خفائها في بيان المدعى.

يتبع إن شاء الله...


القول الفصل في أحكام صلاة القصر 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52879
العمر : 72

القول الفصل في أحكام صلاة القصر Empty
مُساهمةموضوع: رد: القول الفصل في أحكام صلاة القصر   القول الفصل في أحكام صلاة القصر Emptyالخميس 14 مايو 2015, 4:28 am

المبحث الثاني
نوع السفر الذي يبيح القصر
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على أقوال متعددة:

القول الفصل في أحكام صلاة القصر 2014_4_18_18_15_1_603
أولا: مذهب المالكية والشافعية:
وذهب هؤلاء إلى القول بأنه يشترط في السفر الذي يبيح القصر أن يكون سفراً مباحاً ( 1 ) .

ثانيا: مذهب أبي حنيفة والثوري وأبي ثور:
وذهب هؤلاء إلى عدم اشتراط أن يكون السفر سفرا مباحا وإنما أباحوا القصر لمطلق السفر لا فرق في ذلك بين السفر المباح أو السفر لمعصية ( 2 ) .

ثالثا: مذهب الحنابلة:
وذهب هؤلاء إلى ضرورة أن يكون السفر سفر طاعة كالحج والعمرة ونحو ذلك ( 3 ) .

سبب الاختلاف:
وسبب اختلاف الفقهاء في هذه المسألة يرجع إلى معارضة المعنى المعقول أو ظاهر اللفظ لدليل الفعل ، وذلك أن من اعتبر المشقة أو ظاهر لفظ السفر لم يفرق بين سفر وسفر .
وأما من اعتبر دليل الفعل قال: إنه لا يجوز إلا في سفـر الطاعة الذي يقصد به التقرب إلى الله عز وجل ؛ لأن رسـول الله صلى الله عليه وسلم لم يثبت أنه قَصَرَ إلا في سفر قربة إلى الله عز وجل .
وأما من فرق بين المباح والمعصية فعلى جهة التغليظ، والأصل فيه هل تجوز الرخص للعصاة أم لا؟، وهذه المسألة عارض فيها اللفظُ المعنَى فاختلف الناس فيها لذلك ( 1 ) .

الأدلة:
استدل القائلون بأن المسافر الذي يباح له قصر الصلاة هو المسافر في غير معصية بأن الرخص لا يجوز أن تتعلق بالمعاصي وجواز الرخص في سفر المعصية إعانة على المعصية وهذا لا يجوز ( 2 ) .
وهذا يكون موافقا لما ذهب إليه المالكية والشافعية والحنابلة، وإن كان الحنابلة يرون أن سفر الطاعة فقط هو الذي يبيح القصر للمسافر .
لكننا نرى أن السفر المباح ما دام لا يؤدي إلى معصية فإنه يكون سفر طاعة، فالمسافر للتجارة والمسافر لزيارة أخ في الله ، ونحو ذلك هو سفر طاعة؛ لأنه لا يشتمل على معصية، وهذا ما ذهب إليه المالكية والشافعية والحنابلة كما ذكرنا .

دليل الحنفية ومن معهم:
استدلوا على ما ذهبوا إليه بالقول بأن أي سفر يكون مبيحا لقصر الصلاة ، لا فرق في ذلك بين سفر الطاعة أو المعصية ، وقالوا: عموم الأدلة الواردة في ذلك لم تفرق بين سفر وسفر .

ومن هذه الأدلة:
1 - قول الله تعالى في سورة البقرة: (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) ( 1 ) .

وجه الدلالة:
ووجه الدلالة من هذه الآية الكريمة أن الله سبحانه وتعالى رخص الفطر مع شرط قضاء أيام أخر بالنسبة للمريض والمسافر ، والآية لم تحدد نوع السفر فيظل الحكم على إطلاقه ، لا فرق بين سفر طاعة أو سفر معصية .
2 - روي عن سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه سئل عن المسح على الخفين فقال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل مسافر أن يمسح ثلاثة أيام ولياليهن ويوما وليلة للمقيم ( 1 ).

وجه الدلالة:
ووجه الدلالة من هذا الحديث النبوي الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن من غير فصل بيت سفر وسفر ؛ ولهذا وجب العمل بعموم النصوص وإطلاقها ( 2 ) .
3 - إن نفس السفر ليس بمعصية ، وإنما المعصية ما يكون بعده أو يجاوره فصلح متعلق الرخصة ( 3 ) .

الترجيح:
والراجح في هذه المسألة هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء:
المالكية والشافعية والحنابلة الذين قالوا:
لا يجوز للمسافر سفر معصية قصر الصلاة .
وذلك لأن الرخص شرعت للإعانة على سبيل المقصد المباح توصلا إلى المصلحة ، فلو شرعت الرخصة للعاصي لكانت قد شرعت للإعانة على المحرم تحصيلا للمفسدة والشرع منزه عن هذا.
والنصوص الشرعية وردت في حق الصحابة، وكانت أسفارهم مباحة ، وبالتالي فإنه لا يثبت الحكم فيمن سفره مخالف لسفرهم ، ويتعين الحمل على ذلك جمعا بين النصين .
وقياس المعصية على الطاعة يؤدي إلى التضاد .
ولهذا كله فقد رجحنا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء المالكية الشافعية والحنابلة وهو أن العاصي بسفره لا يباح له قصر الصلاة ، وإن كنت لا أتصور إنسانا يسافر من أجل ارتكاب معصية ، وهو يبحث عن الترخص له بقصر الصلاة أثناء سفره أو عدمها ؛ لأن الإنسان يعلم أن الصلاة قربة إلى الله ووقوفه بين يديه من أجل الامتثال والخشوع والخضوع والاعتراف بأن الله عز وجل وحده هو المطلع على أسرارنا العالم بما تخفيه صدورنا .
ولكن مع هذا فقد تعرضنا لأقوال الفقهاء في هذه المسألة احتراما منا لأئمتنا وعلمائنا الكرام وتقديرا لما بذلوه من تراث فقهي عظيم ، ووجهة نظري هذه قد تحتمل الخطأ وقد تحتمل الصواب ، فالكمال لله عز وجل وحده .
يتبع إن شاء الله...


القول الفصل في أحكام صلاة القصر 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52879
العمر : 72

القول الفصل في أحكام صلاة القصر Empty
مُساهمةموضوع: المبحث الثالث: في الموضع الذي يبدأ منه القصر   القول الفصل في أحكام صلاة القصر Emptyالخميس 14 مايو 2015, 4:39 am

المبحث الثالث
في الموضع الذي يبدأ منه القصر

القول الفصل في أحكام صلاة القصر %D9%84%D9%85%D9%88%D9%86%DA%81
الموضع الذي يبدأ منه القصر
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين:

القول الأول:
ذهب إليه الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وقالوا: إن المسافر الذي يريد قصر الصلاة لا يجوز له قصر الصلاة إلا إذا جاوز حدود محل إقامته ( 1 ) .

القول الثاني:
ذهب إليه عطاء وسليمان بن موسى وقالا: يباح القصر للمسافر في البلدة التي يقيم بها ما دام قد نوى القصر ( 2 ) .

سبب الاختلاف:
ويرجع سبب الاختلاف بين الفقهاء في هذه المسألة إلى اختلاف مفهوم النصوص التي تبيح قصر الصلاة بسبب السفر ، فمن راعى مفهوم اسم السفر وأنه لا يكون مسافرا إلا إذا خرج من بيته بالفعل وجاوز محل إقامته قال: لا بد من مجاوزة حدود البلدة التي يقيم بها .
ومن راعى إطلاق اللفظ على الإنسان بمجرد نيته للسفر قال: يباح القصر بمجرد نيته وإن ظل باقيا ببلدته .

الأدلة:
استدل جمهور الفقهاء على ما ذهبوا إليه وهو القول بإباحة قصر الصلاة بمجاوزة محل إقامته بما جاء في قوله تعالى: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) ( 1 ).

وجه الدلالة من الآية:
ووجه الدلالة من الآية أن الإنسان لا يكون ضاربا في الأرض حتى يخرج من بيته ويشرع في السفر فعلا، أما قبل خروجه من بيته فإنه لا يطلق عليه اسم المسافر.
واستدل الجمهور أيضا بما ورد في السنة من أحاديث متعددة.

منها ما رواه البخاري في صحيحه:

حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا سفيان بن محمد بن المنكدر وإبراهيم بن ميسرة عن أنس رضي الله عنه قال: "صليت الظهر مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعا وبذي الحليفة ركعتين" ( 2 )

وجه الدلالة من الحديث:
ووجه الدلالة من هذا الحديث النبوي الشريف أن من أراد قصر الصلاة في السفر لا يباح له القصر حتى يخرج من محل إقامته .

وقد أكد هذا الإمام البخاري حيث عقد بابا قال فيه:

" باب يقصر إذا خرج من موضعه " وخرج علي رضي الله عنه فقصر وهو يرى البيوت فلما رجع قيل له: هذه الكوفة . قال: لا حتى ندخلها" ( 1 ) .

وجه الدلالة :
ووجه الدلالة من هذا الأثر المروي عن سيدنا علي رضي الله عنه أن المسافر إذا قصد سفرا تقصر في مثله الصلاة فإنه يقصر الصلاة .

وقال ابن المنذر:
أجمعوا على أن لمن يريد السفر أن يقصر إذا خرج من بيوت القرية التي يخرج منها .
وقد تبين من الأثر المروي عن سيدنا علي رضي الله عنه أنه كان يقصر إذا خرج من محل إقامته وظل يقصر حتى رجع فلما قيل له: هذه الكوفة . أي أَتِمَّ الصلاةَ . قال: لا حتى ندخلها .
أي لا نزال نقصر حتى ندخلها ، وما دمنا لم ندخلها فنحن في حكم المسافرين ( 2 ) والثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يقصر الصلاة حتى يجاوز محل إقامته ويخرج من المدينة بالفعل .

أما الذين قالوا:
يباح القصر بمجرد نية السفر فقد استدلوا بهذا الحديث الذي رواه الإمام أبو داود في سننه قال :
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ ح و حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُسَافِرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى الْمَعْنَى حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ وَزَادَ جَعْفَرٌ وَاللَّيْثُ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ كُلَيْبَ بْنَ ذُهْلٍ الْحَضْرَمِيَّ أَخْبَرَهُ عَنْ عُبَيْدٍ قَالَ جَعْفَر بْنُ جَبْرٍ قَالَ كُنْتُ مَعَ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ صَاحِبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفِينَةٍ مِنْ الْفُسْطَاطِ فِي رَمَضَانَ فَرُفِعَ ثُمَّ قُرِّبَ غَدَاهُ قَالَ جَعْفَرٌ فِي حَدِيثِهِ فَلَمْ يُجَاوِزْ الْبُيُوتَ حَتَّى دَعَا بِالسُّفْرَةِ قَالَ اقْتَرِبْ قُلْتُ أَلَسْتَ تَرَى الْبُيُوتَ قَالَ أَبُو بَصْرَةَ أَتَرْغَبُ عَنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ جَعْفَرٌ فِي حَدِيثِهِ فَأَكَلَ " ( 1 ) .

وجه الدلالة:
ووجه الدلالة من هذا الحديث أن أبا بصرة كان في سفر من الفسطاط إلى الإسكندرية -كما ذكر صاحب عون المعبود في شرح هذا الحديث– فأكل قبل أن يجاوز البيوت، وهذا يدل على أن المسافر له قصر الصلاة قبل مجاوزته لمحل إقامته.

المناقشة:
لقد ناقش جمهور الفقهاء ما استدل به المخالفون على أن قصر الصلاة للمسافر تكون قبل مجاوزته لمحل إقامته ما دامت نية السفر قد وجدت ، بأن هذا الحديث لا يدل على مشروعية قصر الصلاة وإنما يدل على مشروعية الفطر بسبب السفر .
يؤكد هذا ما ذكره ابن القيم –رحمه الله– في تعليقاته على سنن أبي داود وما قاله صاحب عون المعبود أن هذا خاص بالمسافر فقط ( 1 ) .
وما دام الأمر كذلك فإن هذا لا تقوم به حجة وهو استدلال في غير موضعه ؛ لأن الاستدلال المطلوب ينبغي أن يكون متعلقا بقصر الصلاة للمسافر ، وهذا لم يثبت من خلال عرض هذا الحديث .
وعلى ذلك فإن هذا الاستدلال في غير موضعه وبالتالي فلا تقوم به حجة .

الترجيح:
وبعد هذا الذي تقدم يتبين لنا أن الراجح في هذه المسألة الهامة هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء وهو القول بأن المسافر لا يقصر الصلاة إلا إذا جاوز محل إقامته التي يقيم بها.

وذلك لما يأتي:
أولا: الأدلة الواردة في ذلك عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه كان يقصر الصلاة إذا جاوز محل إقامته .
ثانيا: ما ثبت من فعل الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين وأنهم كانوا لا يقصرون الصلاة إلا إذا جاوزوا محل إقامتهم .
ثالثا: إن المسافر لا يكون مسافرا بالنية وإنما يكون مسافرا إذا خرج من بيته قاصدا السفر .

ولهذا فإن الراجح هو مذهب الجمهور الذين قالوا:
إن قصر الصلاة لا يكون إلا بعد خروج الإنسان من بيته قاصدا السفر ، وأن القصر لا يكون جائزا إلا بمجاوزة الديار التي يقيم الإنسان بها وذلك ليتحقق فيه معنى السفر الحقيقي .
يؤكد هذا ما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صليت الظهر مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعا وصليت معه العصر بذي الحليفة ركعتين" ( 1 ) .

وهذا معناه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقصر الصلاة إلا بعد خروجه ، ولو كان القصر جائزا قبل الخروج من البيت أو قبل مجاوزة محل الإقامة لقصر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر وصلاها ركعتين ، لكن الثابت أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر أربعا قبل خروجه وبعد خروجه صلى العصر قصراً .

يتبع إن شاء الله...


القول الفصل في أحكام صلاة القصر 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52879
العمر : 72

القول الفصل في أحكام صلاة القصر Empty
مُساهمةموضوع: المبحث الرابع: مــدة القصــــــــــــــر   القول الفصل في أحكام صلاة القصر Emptyالخميس 14 مايو 2015, 4:59 am

المبحث الرابع
مــدة القصــــــــــــــر

----------------------------
مـدة القصر

القول الفصل في أحكام صلاة القصر 639551815
تمهيد:

إن شريعتنا الغراء اهتمت ببيان الأحكام الشرعية ولم تترك صغيرة ولا كبيرة إلا وتعرضت لها بالبيان .
وصدق رب العالمين حيث قال: (اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً) ( 1 ) .
ولهذا رأينا الشريعة الإسلامية لم تترك المسافر يسافر حيث يشاء ويُمْضِي من الزمن ما يشاء ، وإنما حددت له المدة التي يقصر الصلاة فيها .
فقد يسافر الإنسان مدة معينة لقضاء بعض مصالحه ثم يعود إلى وطنه وقد يسافر إلى مكان معين ليقيم حيث شاء من غير تحديد لمدة إقامته .
ولهذا رأينا الفقهاء قد اختلفوا في هذه المسألة الهامة التي تتعلق بمدة السفر الذي يباح للمسافر أن يقصر الصلاة أثناءه .
ومع اتفاقهم على أن المسافر يقصر الصلاة إلا أنهم اختلفوا في الزمن الذي يطلق على الإنسان فيه أنه مسافر .
ولما كانت أقوال الفقهاء مختلفة وكان لكل واحد منهم دليله الذي اطمأن إليه قلبه وجعله يعمل به ، فإننا قد رأينا أن نبين هذه المسألة ونتعرض لها بالبيان ليكون المسلم عارفا بدينه ملتزما بما هو الصواب .

أقوال الفقهاء في مدة السفر المبيحة للقصر:
أولا: مذهب الحنفية:

ذهب الحنفية إلى أن المسافر إذا نوى الإقامة مدة خمسة عشر يوما أتم ، أما إذا نوى الإقامة أقل من ذلك فعليه قصر الصلاة ( 1 ) .

ثانيا: مذهب المالكية والشافعية:
ذهب المالكية والشافعية إلى أن المسافر إذا نوى الإقامة لمدة أربعة أيام: أتم .
وهذا معناه أن القصر لا يكون إلا إذا كانت الإقامة أقل من أربعة أيام ، أما إذا كانت أربعة أيام فما فوقها فإن الإتمام يكون واجباً ( 2 ) .

ثالثا: مذهب الحنابلة:
ومذهبهم في ذلك أن المسافر إذا نوى الإقامة أكثر من أربعة أيام أتم ، أما إذا نوى الإقامة أربعة أيام فأقل فله القصر ( 3 ) .

سبب الاختلاف :
وسبب الاختلاف بين الفقهاء كما علمنا يرجع إلى أن هذا الأمر مسكوت عنه في الشرع ، والقياس على التحديد ضعيف عند الجميع ؛ ولذلك فإن جميع الفقهاء يستدلون على ما ذهبوا إليه في هذه المسألة بالأحوال التي نقلت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أقام فيها يقصر الصلاة أو أنه جعل لها حكم المسافر ( 1 ).

الأدلة:
استدل الحنفية على ما ذهبوا إليه بأن المسافر يقصر الصلاة ما دام قد نوى الإقامة خمسة عشر يوما فأقل مستدلين على ذلك بما روي عن سيدنا عبد الله بن عباس وابن عمر رضي الله عنهما أنهما قالا: " إذا دخلت بلدة وأنت مسافر وفي عزمك أن تقيم بها خمسة عشر يوما فأكمل الصلاة وإن كنت لا تدري متى تظعن فاقصر" ( 2 ) وهذا باب لا يوصل إليه بالاجتهاد لأنه من جملة المقادير ، ولا يظن بهما المتكلم جزافا ، فالظاهر أنهما قالاه سماعا من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

دليل المالكية والشافعية:
استدل المالكية والشافعية على ما ذهبوا إليه وقالوا: إن أقل مدة الإقامة أربعة أيام صحاح، ولا يحتسب يوم الدخول والخروج ، ولو أقام أربعة أيام بلا نية انقطع سفره بتمامها؛ لأن الله تعالى أباح القصر بشرط الضرب في الأرض، والمقيم والعازم على الإقامة غير ضارب في الأرض ، وقالوا: بينت السنةُ أن ما دون الأربع لا يقطع السفر .
ففي الصحيحين عن أنس بن مالك قال: " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فصلى ركعتين ركعتين حتى رجع. قلت: كم أقام بمكة؟ قال: عشراً" ( 1 ) .

وجه الدلالة:
ووجه الدلالة من هذا الحديث النبوي الشريف أن  رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة وما جاورها لا في نفس مكة فقط .
والمراد أنه في سفره صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فقدِم مكة في اليوم الرابع فأقام بها الخامس والسادس والسابع وخرج منها في الثامن إلى منى وذهب إلى عرفات في التاسع وعاد إلى منى في العاشر ، فأقام بها الحادي عشر والثاني عشر ونفر في الثالث عشر إلى مكة ، وخرج منها في الرابع عشر إلى المدينة .
فمدة إقامته صلى الله عليه وسلم في مكة وحواليها عشرة أيام وكان يقصر الصلاة فيها كلها .
ففيه دليل على أن المسافر إذا نوى إقامة دون أربعة أيام سوى يومي الدخول والخروج يقصر وأن الثلاثة ليست إقامة ؛ لأن  رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام هو والمهاجرون ثلاثا بمكة ، فدل على أن الثلاثة ليست إقامة شرعية ، وأن يومي الدخول والخروج لا يحسبان منها ( 1 ) .
وهذا يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قصر الصلاة أثناء تأديته لفريضة الحج ، وأنه كان يقصر الصلاة أثناء سفره ، وأن مدة إقامته في مكان واحد لم تزد على أربعة أيام ، فدل ذلك على أن المسافر يقصر الصلاة في أربعة أيام فأقل .

دليل الحنابلة:
واستدل الحنابلة على ما ذهبوا إليه بالقول بأن المسافر لا يجوز له قصر الصلاة إذا نوى الإقامة لمدة تزيد على أربعة أيام بما روي عن أنس رضي الله عنه قال: " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة ". قلت: أقمتم بمكة شيئا ؟ قال: " أقمنا بها عشرا "  ( 2 ) .

وجه الدلالة:
ووجه الدلالة من هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بمكة أربعة أيام وكان عدد الصلوات التي صلاها عشرين صلاة .

وقال الإمام أحمد بن حنبل:
" ليس لحديث أنس وجه إلا أنه حسب أيام إقامته بمكة في حجته منذ دخل مكة إلى أن خرج منها ، ولا وجه له إلا هذا .
وقد أطلق على ذلك إقامة بمكة لأن هذه المواضع مواضع النسك ، وهي في حكم التابع لمكة لأنها المقصود بالأصالة " ( 1 ) .

المناقشة:
يقال للحنفية في استدلالهم بأن المسافر يتم الصلاة إذا نوى الإقامة مدة خمسة عشر يوما مستدلين بما قاله سيدنا عبد الله بن عباس وسيدنا عبد الله بن عمر: " إذا أقمت ببلدة وأنت مسافر وفي نفسك أن تقيم خمسة عشر يوما فأكمل الصلاة " .
إن هذا الاستدلال مردود ؛ لأنه لا حجة في أقوال الصحابة في المسائل التي للاجتهاد فيها مسرح وهذه منها .
وروي عن الإمام الأوزاعي التحديد باثني عشر يوما .
وعن ربيعة يوم وليلة .
وعن الحسن البصري: أن المسافر يصير مقيماً بدخول البلد.
وعن عائشة: بوضع الرَّحْل .
قال الإمام يحيى: ولا يعرف لهم مستند شرعي ، وإنما ذلك اجتهاد من أنفسهم .
والحق أن من حط رحله ببلد ونوى الإقامة بها أياما دون تردد لا يقال له: مسافر فيتم الصلاة ولا يقصر إلا لدليل ، ولا دليل هنا ( 1 ) .
كما أن الخمسة عشر يوماً التي أقامها صلى الله عليه وسلم عام الفتح إنما أقامها وهو أبداً ينوي أنه لا يقيم أربعة أيام  ( 2 ) .
وما دام الإنسان موجوداً في مكان ولم ينو فيه الإقامة أربعة أيام فأكثر فإنه يأخذ حكم المسافر ، وإن طال به الزمن ما دام قد ظل في مكانه وهو على نية السفر .
ويقال للمالكية والشافعية ومن سلك مسلكهم كالحنابلة وغيرهم:
إن الذي استدللتم به لا تقوم به حجة ؛ لأنكم تستندون إلى ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أباح للمهاجرين البقاء بمكـة ثلاثة أيام ، لكنه صلى الله عليه وسلم كره للمهاجرين الإقامة بمكـة التي كانت أوطانهم فأخرجوا عنها في الله تعالى حتى يلقوا ربهم عز وجل غـرباء عن أوطانهم لوجهه عز وجل ثم أباح لهم المقام ثلاثا بعد تمام النسك .
وليس في هذا الخبر نص ولا إشارة إلى المدة التي إذا أقامها المسافر أتم ، وإنما هو في حكم المهاجر .
وهذا قياس مع الفارق ؛ لأن المسافر يباح له أن يقيم ثلاثا أو أكثر من ثلاث لا كراهية في شيء من ذلك ، وأما المهاجر فمكروه له أن يقيم بمكة بعد انقضاء نسكه أكثر من ثلاث .
ومن المعلوم أن ما زاد على الثلاثة أيام للمهاجر داخل عندهم في حكم أن يكون مسافرا لا مقيما ، وما زاد على هذه المدة يجعل الإنسان مقيما لا مسافرا ، وهذا مانع من أن يقاس أحدهما على الآخر ( 1 ) .
***
الترجيح:
هذه مسألة اختلف الفقهاء فيها كما سبق أن علمنا ذلك، ولكل قول دليله، وقد قال الإمام ابن رشد: " الأشبه بالمجتهد في هذا أن يسلك أحد أمرين:

-    إما أن يجعل الحكم لأكثر الزمان الذي روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه أقام فيه يقصر الصلاة، ويجعل ذلك حَدًّا من جهة الأصل فوجب ألا يزاد على هذا الزمان إلا بدليل .
أو يقول: إن الأصل في هذا هو أقل الزمان الذي وقع عليه الإجماع .
-    وما ورد من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام يقصر الصلاة أكثر من ذلك الزمن فيحتمل أن يكون أقامه ؛ لأنه جائز للمسافر ، ويحتمل أن يكون أقامه بنية الزمان الذي تجوز إقامته فيه يقصر الصلاة باتفاق فعرض له أنه أقام أكثر من ذلك .
-    وإذا كان الاحتمال وجب التمسك بالأصل .
-    وأقل ما قيل في ذلك يوم وليلة وهو قول ربيعة بن عبد الرحمن ، وروي عن الحسن البصري أن المسافر يقصر أبدا إلا أن يقدم مصرا من الأمصار . وهذا بناء على أن اسم السفر واقع عليه حتى يقدم مصرا من الأمصار ( 1 ) .

وبناء على ما تقدم نقول:
إن الذي يطلق عليه اسم المسافر هو من كان على نية السفر كمن ينتظر قدوم غائب أو تحقيق مصلحة ترك وطنه من أجلها ونحو ذلك ، فما دام على نية سفر ولم ينو إقامة فإنه يظل مسافرا ويباح له قصر الصلاة ، بخلاف المقيم الذي تردد بين الإقامة والسفر فإنه يظل مقيما ولا يباح له قصر الصلاة ؛ لأن المقيم لا يقصر الصلاة ، وإنما شرع القصر لمن كان مسافرا فقط .
ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظل بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة ( 2 ) ولا شك أن القصر في تلك المدة لا تنفي القصر فيما زاد عليها ؛ لأن العبرة في هذا كله ببقاء نية السفر من غير تحديد لزمن الإقامة ، ومعنى هذا أن من كان ينتقل من بلدته إلى مكان آخر ويظل في هذا المكان زمنا معينا فإنه لا يباح له القصر .

مثال ذلك:
الطلاب الذين يقيمون بالمدينة الجامعية مثلا ويسافرون إلى وطنهم كل أسبوع أو أسبوعين مثلا ، وكذلك العاملون بشركات البترول أو المحاجر أو المجندون وأمثال هؤلاء جميعا لا يباح لهم قصر الصلاة ؛ لأن وجودهم بهذه الأماكن يجعلهم مقيمين لا مسافرين .

يؤكد هذا أمران:
الأمر الأول:
ما رواه الإمام أحمد رضي الله عنه في مسنده:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ قَيْسٍ الْمَأْرِبِيُّ حَدَّثَنَا ثُمَامَةُ بْنُ شَرَاحِيلَ قَالَ خَرَجْتُ إِلَى ابْنِ عُمَرَ فَقُلْنَا مَا صَلَاةُ الْمُسَافِرِ؟ فَقَالَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ إِلا صَلَاةَ الْمَغْرِبِ ثَلاثًا . قُلْتُ أَرَأَيْتَ إِنْ كُنَّا بِذِي الْمَجَازِ قَالَ وَمَا ذُو الْمَجَازِ قُلْتُ مَكَانًا نَجْتَمِعُ فِيهِ وَنَبِيعُ فِيهِ وَنَمْكُثُ عِشْرِينَ لَيْلَةً أَوْ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً قَالَ يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ كُنْتُ بِأَذْرَبِيجَانَ لا أَدْرِي قَالَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ فَرَأَيْتُهُمْ يُصَلُّونَهَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ .
وَرَأَيْتُ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُصْبَ عَيْنِي يُصَلِّيهِمَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ نَزَعَ هَذِهِ الآيَةَ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ حَتَّى فَرَغَ مِنْ الآيَةِ  ( 1 ) .

وجه الدلالة:
ووجه الدلالة من هذا أن المسافر يقصر الصلاة ، وإن طال الزمن به إلى أربعة أشهر أو أكثر ما دام على نية سفر .
وقال الإمام أحمد:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ مَرَّ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ فَجَلَسْنَا فَقَامَ إِلَيْهِ فَتًى مِنْ الْقَوْمِ فَسَأَلَهُ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَزْوِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَجَاءَ فَوَقَفَ عَلَيْنَا فَقَالَ إِنَّ هَذَا سَأَلَنِي عَنْ أَمْرٍ فَأَرَدْتُ أَنْ تَسْمَعُوهُ أَوْ كَمَا قَالَ غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُصَلِّ إِلا رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَحَجَجْتُ مَعَهُ فَلَمْ يُصَلِّ إِلا رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَشَهِدْتُ مَعَهُ الْفَتْحَ فَأَقَامَ بِمَكَّةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ لا يُصَلِّي إِلا رَكْعَتَيْنِ وَيَقُولُ لِأَهْلِ الْبَلَدِ صَلُّوا أَرْبَعًا فَإِنَّا سَفْرٌ ، وَاعْتَمَرْتُ مَعَهُ ثَلاثَ عُمَرٍ فَلَمْ يُصَلِّ إِلا رَكْعَتَيْنِ ، وَحَجَجْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا حَجَّاتٍ فَلَمْ يُصَلِّيَا إِلا رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَا إِلَى الْمَدِينَةِ " ( 1 ) .

وجه الدلالة:

ووجه الدلالة من هذا أن من سافر إلى مكان لقضاء مصلحة في هذا المكان فإنه يقصر أبدا مدة انتظاره تلك الحاجة ؛ لأن الأصل السفر .

ثانيا:     إن الأصل في المقيم الإتمام ؛ لأن القصر لم يشرع إلا للمسافر فقط والمقيم غير مسافر ، ومن علق سفره على قضاء مصلحة معينة فإنه لا يكون مقيما بل يكون مسافرا ، وما دام اسم السفر يطلق عليه فله قصر الصلاة وإن طال الزمن ، أما من كان متزوجا أو له منزل خاص به فإنه لا يكون مسافرا ، وإنما يكون مقيما يؤكد هذا ما رواه الإمام أحمد رضي الله عنه قال:
حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ يَعْنِي مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبَاهِلِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَلَّى بِمِنًى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَأَنْكَرَهُ النَّاسُ عَلَيْهِ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي تَأَهَّلْتُ بِمَكَّةَ مُنْذُ قَدِمْتُ وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " مَنْ تَأَهَّلَ فِي بَلَدٍ فَلْيُصَلِّ صَلاةَ الْمُقِيمِ " ( 1 ) .

وجه الدلالة:
ووجه الدلالة من هذا أن المسافر إذا تزوج ببلد أو كان له به زوجة صلى صلاة المقيم ، خاصة وأن هذا الحديث صحيح ووقفه الإمام ابن القيم .
ونستنتج من كل ما تقدم أن الراجح في هذه المسألة أن المسافر ما دام على نية سفر فله قصر الصلاة وإن طال الزمن ، أما في غير ذلك فلا يجوز له قصر الصلاة ويجب عليه الإتمام باعتباره مقيما ، وأن صلاة المقيم تُؤَدَّى تامة .
-
يتبع إن شاء الله...


القول الفصل في أحكام صلاة القصر 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52879
العمر : 72

القول الفصل في أحكام صلاة القصر Empty
مُساهمةموضوع: رد: القول الفصل في أحكام صلاة القصر   القول الفصل في أحكام صلاة القصر Emptyالأربعاء 20 مايو 2015, 4:36 am

المبحث الخامس: أحكام متعلقة بصلاة المسافر
القول الفصل في أحكام صلاة القصر 2014_510
-----------------------------------
حكم مَن ترك موطنه الأصلي:
مَن ترك موطنه الأصلي إلى مكان آخر وينقل أسرته معه ويضرب عن الوطن الأول فإن الوطن الأول يخرج بذلك عن أن يكون وطناً أصلياً له ، بمعنى أنه يجوز له قصر الصلاة إن دخل الموطن القديم ، وله أن يؤدي الصلاة صلاة قصر غير تامة .
وقد اتفق فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة على ذلك ( 1 ) وقد استدلوا على ذلك بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرين معه من أصحابه الكرام رضي الله عنهم أجمعين كانوا من أهل مكة وكان لهم بها أوطان أصلية ، ثم لمَّا هاجروا وتوطنوا بالمدينة ، وجعلوها داراً لأنفسهم انتقض وطنهم الأصلي بمكة حتى كانوا إذا أتوا مكة يُصلون صلاة المسافرين .
ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صلى بهم: " أتموا صلاتكم يا أهل مكة فإنا قوم سَفْرٌ " ( 2 ) .


وجه الدلالة:
ووجه الدلالة من هذا الحديث النبوي الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما هاجر إلى المدينة اعتبر المدينة وطناً له ، وكذلك مَن كان معه من المسلمين من أهل مكة الذين هاجروا إلى المدينة واستوطنوا بها وجعلوها وطناً لهم ولذلك رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قصر الصلاة بمكة وأمر أهلها بإتمام الصلاة ؛ لأنه ومَن معه على سفر .


الاقتداء في السفر
اتفق الفقهاء على أن الاقتداء هو: ربط صلاة المؤتم بالإمام ( 1 ) ومعنى هذا أن يكون هناك إمام ومقتد ، وهو أقل مَن تنعقد به الجماعة وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الاثنان فما فوقهما جماعة " ( 2 ) .


وجه الدلالة:
ووجه الدلالة من هذا الحديث النبوي الشريف أن الجماعة لا تنعقد إلا باثنين على الأقل إمام ومأموم ، فلو كان العدد أقل من ذلك فإن الجماعة لا تنعقد لأن صلاة المصلي تكون مفردة .
وقد اتفق الفقهاء على جواز اقتداء المسافر بالمُقيم ولكن بشرط أن تنقلب صلاة المُسافر إلى صلاة مُقيم ويصلي صلاته تامة وهذا محل اتفاق بين الفقهاء ( 3 ) .
واستدل الفقهاء على ما ذهبوا إليه بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما جُعِلَ الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه " ( 4 ) .


وجه الدلالة:
ووجه الدلالة من هذا الحديث أن الإمام يُقْتَدى به والواجب على المأموم أن يقتدي بصلاة إمامه ؛ لأن متابعة المأموم لصلاة إمامه أمر واجب ، وعلى هذا فإن المسافر إذا اقتدى بالمقيم فإنه يصلي أربعا ، ولا يجوز له أن يصلي ركعتين وإلا كانت صلاته باطلة ؛ وذلك لأن صلاة المأموم مرتبطة بصلاة الإمام .
أما اقتداء المقيم بالمسافر فلا خلاف فيه بين الفقهاء في جواز مشروعيته ، واتفقوا أيضا على أن المقيم يأتم بالمسافر بشرط أن يتم المقيم صلاته ولا يقصرها ( 1 ) .
فإذا صلى المقيم مع المسافر فعلى المقيم أن لا يُسلم مع الإمام بعد ركعتين ، فإذا سلم الإمام على رأس الركعتين لا يُسلم المقيم ؛ لأنه قد بقي عليه شطر الصلاة ، فإذا سلم فسدت صلاته ، وعليه أن يقوم ويتم صلاته أربعاً .
وقد استدل جمهور الفقهاء على ما ذهبوا إليه بما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حينما هاجر إلى مكة المكرمة صلى بالناس إماما وقال: " أتموا صلاتكم يا أهل مكة فإنا قـوم سَفْرٌ " ( 2 ) .


وجه الدلالة:
ووجه الدلالة من هذا الحديث الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما فتح مكة صلى بالناس إماماً وصلى أهل مكة خلفه لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى قَصرًا وسلّم بعد ركعتين ثم قال لمَن خلفه من أهل مكة:
" أتموا صلاتكم يا أهل مكة فإنا قوم سَفْرٌ " .
ولهذا فعلى الإمام أن يقول هذه العبارة لمَن خلفه من المقيمين اقتداءً بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولكي يعلم المقيمون الذين خلفه أن الإمام قد فرغ من صلاته وأنه صلى ركعتين بسبب السفر .
أما المقيمون فعليهم أن يؤدوا الصلاة تامة ؛ لأنه لا يجوز لهم قصر الصلاة لأن القصر لا يكون إلا للمسافر فقط .
والمقيم لا يحق له قصر الصلاة ، وإن قصرها حال كونه مقيماً فإن صلاته تكون فاسدة .


قضاء فائتة السفر
للفقهاء أقوال في هذه المسألة:
القول الأول:
ذهب إليه الحنفية والمالكية وقالوا: من فاتته صلاة في السفر قضاها في الحضر ركعتين ، ومن فاتته صلاة في الحضر قضاها في السفر أربعاً .
واستدلوا على ذلك بأن القضاء بحسب الأداء ( 1 ).


القول الثاني:
ذهب إليه الشافعية وقالوا: مَن فاتته صلاة في السفر فأراد أن يُصليها في الحضر أو فاتته صلاة في الحضر فأراد أن يُصليها في السفر فإنه لا يجوز له القصر وعليه أن يصليها تامة ( 2 ) .


واستدلوا على ذلك فقالوا: 
إن قصر الصلاة تخفيف تعلق بعذر فزال التخفيف بزوال العذر ، أما من فاتته صلاة في السفر فقضاها في السفر ففيه قولان:
أحدهما: لا يقصر ؛ لأنها صلاة ردت من أربع إلى ركعتين فكان من شرطها الوقت .
ثانيها:  له أن يقصر وهو الأصح .
لأنه تخفيف تعلق بعذر والعذر باق ، فكان التخفيف باقياً .
وإن فاتته في الحضر صلاة فأراد قضاءها في السفر لم يجز له القصر لأنه ثبتت في ذمته صلاة تامة فلم يجز له القصر ( 1 ) .


القول الثالث:
ذهب إليه الحنابلة وقالوا:
إذا نسي الإنسان صلاة في الحضر لكنه تذكرها أثناء السفر أو نسي صلاة السفر لكنه تذكرها في الحضر فإنه يصلي صلاة تامة في الحالتين .
وعللوا ذلك: بأن القصر رخصة من رُخَص السفر فيبطل القصر بزوال سببه ( 2 ) .


الترجيح: والراجح في هذه المسألة هو:
أن مَن فاتته صلاة في الحضر وأراد قضاءها في السفر أو فاتته صلاة في السفر فأراد قضاءها في الحضر فعليه أن يصليها تامة ولا يُقصر الصلاة مراعاة للاختلاف الواقع بين الفقهاء .
خاصة وأن القصر رخصة كما ذهب إلى ذلك جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة، فيكون الأحوط أن يصلي الإنسان صلاة تامة ولا يقصر الصلاة .


صلاة النافلة في السفر:
يظن بعض الناس أن قصر الصلاة في السفر يسقط عنهم النوافل وهذا خطأ ؛ لأن القصر شرع للتيسير في أداء الفريضة .
لكن التيسير لا يمنع من أداء النوافل ؛ لأنه لم يرد ما يمنع من أداء النوافل في السفر.


وقد جاءت كتب السنة بأحاديث متعددة تؤكد مشروعية النوافل في السفر ومن ذلك: ما ذكره الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ قَالَ فَصَلَّى لَنَا الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَقْبَلَ وَأَقْبَلْنَا مَعَهُ حَتَّى جَاءَ رَحْلَهُ وَجَلَسَ وَجَلَسْنَا مَعَهُ فَحَانَتْ مِنْهُ الْتِفَاتَةٌ نَحْوَ حَيْثُ صَلَّى فَرَأَى نَاسًا قِيَامًا فَقَالَ مَا يَصْنَعُ هَؤُلاءِ قُلْتُ يُسَبِّحُونَ قَالَ لَوْ كُنْتُ مُسَبِّحًا لأتْمَمْتُ صَلاتِي يَا ابْنَ أَخِي إِنِّي صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ وَصَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ وَصَحِبْتُ عُمَرَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ ثُمَّ صَحِبْتُ عُثْمَانَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ 
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ: ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) " ( 1 ) .
ووجه الدلالة من هذا الحديث النبوي الشريف أن سيدنا عبد الله بن عمر حينما كان في سفر صلى الظهر ركعتين ثم انصرف إلى رحله وجلس فجلس الناس معه فلما رأى جماعة من الناس يصلون قال: " مَا يَصْنَعُ هَؤُلاءِ قُلْتُ يُسَبِّحُونَ قَالَ لَوْ كُنْتُ مُسَبِّحًا لأَتْمَمْتُ صَلاتِي " .
وأجابوا عن هذا بأن الفريضة محتمة فلو شرعت تامة لتحتم إتمامها ، وأما النافلة فهي متروكة للمصلي ؛ لأنه بالخيار في أدائها  فطريق الرفق أن تكون مشروعة ويخير فيها .
وقول سيدنا عبد الله بن عمر: " لو كنت مسبحا ( أي مصلياً صلاة النافلة ) لأتممت " أي لو كان مخيرا بين الإتمام وصلاة الراتبة لكان الإتمام أحب إليه ، لكنه فهم من القصر التخفيف ؛ فلذلك كان لا يصلي الراتبة ولا يتم .


ويُستفاد من الحديث: 
أن نفي التطوع في السفر محمول على ما بعد الصلاة خاصة ، فلا يتناول ما قبلها ولا ما لا تعلق بها من النوافل المطلقة كالتهجد والوتر والضحى وغير ذلك .
والفرق بين ما قبلها وما بعدها أن التطوع قبلها لا يظن أنه منها ؛ لأنه ينفصل عنها بالإقامة وانتظار الإمام غالبا ونحو ذلك ، بخلاف ما بعدها فإنه في الغالب يتصل بها فقد يظن أنه منها .


وقد ذكر الإمام النووي أن العلماء اختلفوا في التنفل في السفر على ثلاثة أقوال:
القول الأول: المنع مطلقاً .
القول الثاني: الجواز مطلقاً .
القول الثالث: الفرق بين الرواتب والمطلقة .
وهو مذهب ابن عمر كما أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن مجاهد قال: " صحبت ابن عمر من المدينة إلى مكة وكان يصلي تطوعا على دابته حيثما توجهت به ، فإذا كانت الفريضة نزل فصلى ( 1 ) .


الترجيح:
وبعد أن استعرضنا ما ذكره الإمام ابن حجر في " الفتح " والإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم يتبين لنا أن الراجح في هذه المسألة هو مشروعية التنفل لمن أراد أن يصلي النافلة .
ولا فرق في ذلك بين صلاة النافلة المطلقة أو الراتبة ؛ لأن عدم ثبوت الفعل من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام لا ينفي مشروعية التنفل أيًّا كان .


ويمكن أن نؤكد ذلك بما يأتي:
1 - ما رواه أبو داود والترمذي من حديث البراء بن عازب قال: " سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر سفرا فلم أره ترك ركعتين إذا زاغت الشمس قبل الظهر " وقد نُقِل عن البخاري أنه رآه حديثا حسنا ( 1 ) .
2 - إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام بأداء صلاة الضحى حينما فتح مكة وكان حينئذ يقصر الصلاة المفروضة وكان حكمه حكم المسافر .
3 - ما نقل عن الإمام النووي أنه قال: " لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي الرواتب في رحله ولا يراه ابن عمر أو لعله تركها في بعض الأوقات لبيان الجواز" ( 2 ) .


وجملة القول: 
أن التنفل في السفر مشروع وأن صلاة النافلة في السفر متروكة لاختيار المصلي ، فهو مخير بين الإتيان وعدمه .
وإذا كانت بعض النصوص قد ذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يثبت أنه صلى النافلة المتعلقة بالفرائض ، فهذا لا ينفي أداءها ؛ لأنه من عادة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي النافلة في بيته ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُرغب أصحابه في ذلك .
ولهذا لم يشاهده أحد يصلي النوافل في السفر ؛ لأنه كان يصليها في رحله خاصة ، وأنه لم ينه عن قيام الليل في السفر أو لم ينه عن صلاة الضحى ونحو ذلك ، عدا الصلوات الأخرى التي يتقرب بها العبد إلى الله عز وجل .
يتبع إن شاء الله...


القول الفصل في أحكام صلاة القصر 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52879
العمر : 72

القول الفصل في أحكام صلاة القصر Empty
مُساهمةموضوع: رد: القول الفصل في أحكام صلاة القصر   القول الفصل في أحكام صلاة القصر Emptyالأربعاء 20 مايو 2015, 5:00 am

الفصل الثالث
أحكام الجمع بين الصلاتين
--------------------------
واشتمل على خمسة مباحث:
المبحث الأول:
الجمع بسبب السفر
المبحث الثاني:
الجمع بسبب المطر
المبحث الثالث:
الجمع بسبب المرض
المبحث الرابع:
الجمع لغير سبب المطر والمرض
المبحث الخامس:
حكم الأذان والإقامة للجمع بين الصلاتين
--------------------------
المبحث الأول
القول الفصل في أحكام صلاة القصر Images89
الجمع بسبب السفر
--------------------------
الجمع بسبب السفر:
اتفق الفقهاء على أن جمع الظهرين بعرفة جمع تقديم ، وأن جمع العشاءين بمزدلفة جمع تأخير في الحج سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( 1 ) .


ثم اختلفوا بعد ذلك: 
فذهب الحنفية إلى عدم جواز الجمع فيما عدا عرفة والمزدلفة وتبعهم على ذلك النخعي والحسن وغيرهما ( 2 ) .
أما الفقهاء الآخرون فقد أجازوا في غير عرفة والمزدلفة على الوجه الذي سنبينه .
ذهب الشافعية إلى جواز الجمع بين الظهرين والعشاءين جمع تقديم وتأخير وذلك لمسافر له رخصة القصر ، ويجيزون فيها للمقيم جمع التقديم فقط بسبب المطر الذي يبل الثياب ( 3 ) .
وأما المالكية فإنهم يجيزونها بسبب السفر المباح –ولو كان قصيراً- ويجيزون للمقيم أن يجمع جمع تقديم بين الظهرين والعشاءين إذا خاف حصول دوخة تمنع من أداء الصلاة على وجهها أو إعياء يمنعه من الصلاة عند دخول وقت الثانية .
ويجيزون للمقيم أيضا جمع التقديم في المسجد بين العشاءين فقط بسبب المطر الغزير والوحل الكثير مع الظلمة ( 4 ) .
وأما الحنابلة فإنهم يجيزون جمعيْ التقديم والتأخير في الظهرين والعشاءين للمسافر سفر قصر وللمريض الذي تلحقه المشقة بترك الجمع ، وللمرضع والمستحاضة والمعذور والعاجز عن الطهارة لكل صلاة وعن معرفة الوقت ، ولمن خاف ضرراً يلحقه في معيشته بترك الجمع ويجيزونها بين العشاءين خاصة بسبب الثلج والجليد والحر والبرد الشديد والمطر الذي يبل الثياب ( 1 ) .
وحكى الشوكاني أن جماعة من العلماء ذهبوا إلى جواز الجمع مطلقا بشرط ألا يتخذ ذلك خلقا وعادة  ( 2 ) .


وقال ابن حجر في فتح الباري:
وممن قال به ابن سيرين وربيعة وأشهب وابن المنذر والقفال الكبير وحكاه الخطابي عن جماعة من أصحاب الحديث ( 3 ) .
وحكاه غيره عن غيرهم ونسبه في المغني إلى ابن شبرمة ( 4 ) .


ومما تقدم يتبين لنا ما يأتي:
أولا: 
أن الأئمة الثلاثة يرون جواز الجمع لغير الحاج بعرفة ومزدلفة ويخالفهم في ذلك الحنفية .


ثانيا: 
أن الأئمة الثلاثة يرون جواز الجمع بالسفر غير أن الشافعية والحنابلة يشترطون أن يكون سفر قصر ، وقالوا أيضا بجواز الجمع بالمطر .
غير أن الشافعية والمالكية يخصونه بالتقديم ويجيزه الشافعية في الظهرين والعشاءين، والمالكية في العشاءين فقط  أما الحنابلة فيجيزونه في العشاءين تقديماً وتأخيراً .


ثالثاً: 
أن المالكية والحنابلة يجيزون الجمع مطلقا بالمرض ، لكن المالكية خصوه بالإغماء وما في معناه ، وأطلقه الحنابلة ، وخالفهما الشافعي فلم يجزه بالمرض مطلقا .


رابعاً: 
أن الحنابلة انفردوا بجوازه لأصحاب الأعذار وللخائف ومن إليهما وبذلك كان مذهب الحنابلة أوسع المذاهب الأربعة في مسألة الجمع .
وكان مذهب الحنفية أضيق وبينهما الشافعـية والمالكـية، والمالكية أقرب إلى الحنابلة، والشافعية أقرب إلى الحنفية .


سبب الاختلاف:
ومما تقدم لك تعلم أن الفقهاء قد اختلفوا على نحو ما رأيت.


وأن الباعث لهم على هذا الاختلاف واحد من الأمور الآتية:
1 – اختلافهم في تأويل الآثار التي رويت في الجمع والاستدلال فيها على جواز الجمع ؛ لأنها كلها أفعال وليست أقوالا ، والأفعال يتطرق إليها الاحتمال كثيرا أكثر من تطرقه إلى الألفاظ .
2 – اختلافهم في تصحيح بعض هذه الآثار .
3 – اختلافهم في إجزاء القياس في ذلك وعدم إجزائه .


الأدلة: أدلة الحنفية:
استدل الحنفية بالسنة والمعقول:
أما السنة: فأولا:
إن الأحاديث التي وردت بيانا لتحديد الأوقات ثابتة ، إما بالتواتر أو بالشهرة ( 1 ) .
وأما الأحاديث التي وردت لجواز الجمع بسبب السفر أو المطر أو غير ذلك فهي أخبار آحاد... وإذا كانت أخبار آحاد فلن تقوى على معارضة المتواترة أو المشهورة .


ثانيا:
عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: " ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء قط في السفر إلا مرة واحدة " ( 2 ).


وجه الدلالة:
وجه الدلالة منه أن ابن عمر أخبر بأنه لم يقع من النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين أي المغرب والعشاء إلا بمزدلفة .
وهو يدل على أنه لا يجوز الجمع في غير هذا المكان .


ثالثا: 
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: " والذي لا إله إلا هو ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة قط إلا لوقتها إلا صلاتين جمع بين الظهر والعصر بعرفة وبين المغرب والعشاء بجمع " متفق عليه ( 1 ) .


ووجه الدلالة منه على المدعى:
أن ابن مسعود أخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صلى صلاة إلا لوقتها ، واستثنى صلاتين جمعهما الظهرين بعرفة والعشاءين بمزدلفة .
وهذا يدل على نفي الجمع في غير هذين المكانين .


رابعا: المعقول:
أما المعقول فقالوا فيه:
إن تقديم الصلاة عن وقتها فعل لها قبل تحقق شرط الانعقاد وسبب الوجوب ، وهو الوقت ، فلا تنعقد وتكون باطلة ، وفعلها بعد وقتها مع دخول وقت الثانية تفريط .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس في النوم تفريط إنما التفريط في اليقظة " رواه مسلم .
وقال أبو جعفر الطحاوي: قال ذلك وهو مسافر فدل على أن مناط التفريط وعدمه اليقظة والنوم ، ولا دخل فيهما للإقامة والسفر وبذلك علم أن تأخير الصلاة عن وقتها تفريط ما لم يكن عن نوم لا غير .


مناقشة أدلة الحنفية:
أولاً: 
إن الأحاديث التي دلت على تحديد المواقيت ، وحديث التفريط الذي رواه مسلم عامة في السفر والحضر وأحاديث الجمع خاصة بالسفر أو بالمطر أو المرض ، والشأن إذا تعارض الخاص والعام حمْلُ العام على الخاص جمعا بين الأدلة.


ثانيا: 
إننا لا نسلم أن أحاديث تحديد المواقيت متواترة –كما يقول الخصم– ودعوى أنها متواترة –وخبر الآحاد لا يعارض المشهور– فذلك مبني على اصطلاح الحنفية ؛ لأن الفقهاء يرون في تقسيم الحديث إما متواتر وإما آحاد ، فليس عندهم مشهور ، خلافا للحنفية ، وقد منعنا أن أحاديث تحديد الأوقات متواترة .


ثالثا: 
إن حديث عبد الله بن عمر الذي استدل به الحنفية موقوف كما قال أبو داود على ابن عمر .
وروي من طريق آخر مرفوعاً . والحديث إذا اختلف في وصله وعدمه ففي الاحتجاج به خلاف .


رابعا: 
إنه قد روي عن ابن عمر أخبار صريحة وصحيحة في جمعه صلى الله عليه وسلم في السفر ، وبذلك وجب رد الرواية التي استدل بها الحنفية أو تأويلها .


خامسا: 
قالوا في حديث ابن مسعود أنه نفي فيقدم عليه الإثبات .


أدلة الجمهور:
استدل الجمهور بالسنة والمعقول:
أما السنة: فما ثبت من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَإِذَا زَاغَتْ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ " ( 1 ) .
وفي رواية للإمام مسلم عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إِذَا أراد أن يجمع بين الصلاتين في السَّفَرُ يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إِلَى أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا ، وَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ " ( 2 ) .
فقد دل الحديث على جواز جمع الصلاتين تأخيرا إذا كان مسافراً ، ودل كذلك على عدم جواز جمع التقديم لقوله: " صلى الظهر ثم ركب " إذ لو جاز جمع التقديم لقال: ولضم إليه العصر عند فعله لصلاة الظهر في أول وقتها .
وهذا الفعل منه أيضا صلى الله عليه وسلم يخصص أحاديث التوقيت مع أن هذا الحديث متفق عليه بين الشيخين .
واستدلوا ثانياً بما روي عن مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَجْمَعَهَا إِلَى الْعَصْرِ فَيُصَلِّيَهُمَا جَمِيعًا وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْـدَ زَيْغِ الشَّمْسِ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ثُمَّ سَارَ وَكَانَ إِذَا ارْتَحَـلَ قَبْلَ الْمَغْرِبَ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الْعِشَاءِ وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْـدَ الْمَغْرِبِ عَجَّلَ الْعِشَاءَ فَصَلاهَا مَعَ الْمَغْرِبِ " ( 1 ) .


وجه الدلالة:
ووجه الدلالة من هذا الحديث أنه دل على جواز جمع التقديم والتأخير .


ثالثا: 
وعن ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ :" أَلا أُحَدِّثُكُمْ عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ قَالَ قُلْنَا بَلَى قَالَ كَانَ إِذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ فِي مَنْزِلِهِ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ يَرْكَبَ وَإِذَا لَمْ تَزِغْ وهو فِي مَنْزِلِهِ سَارَ حَتَّى إِذَا حَانَتْ الْعَصْرُ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَإِذَا حَانَتْ الْمَغْرِبُ فِي مَنْزِلِهِ جَمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ وَإِذَا لَمْ تَحِنْ فِي مَنْزِلِهِ رَكِبَ حَتَّى إِذَا حَانَتْ الْعِشَاءُ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا " .
رواه أحمد والشافعي في مسنده بنحوه ، وقال فيه: " وإذا سار قبل أن تزول الشمس أخر الظهر حتى يجمع بينها والعصر في وقت واحد " ( 1 ) .
والوجه منه على المدعى ظاهر .
فهذه الأحاديث التي استدل بها الجمهور أحاديث صحيحة صريحة في جواز جمع التقديم والتأخير للمسافر وإفادتها لذلك أمر مقطوع به لا يتطرق إليها الاحتمال .


دليل المعقول:
أما المعقول فقالوا: الجمع في السفر كالجمع بعرفة والمزدلفة بجامع الاحتياج في كل منهما للشغل ، فإن الجمع بعرفة إنما جاز بين الصلاتين لتفرغ الحاج إلى أداء المناسك ، وجاز الجمع في السفر لمكان المشقة ، ولم يعهد في الشريعة أن لخصوص النسك دخلا في ثبوت الترخص ، فثبت الجمع في السفر للمشقة .


المناقشة:
وناقش الحنفية هذه الأدلة وقالوا: إن المراد بالجمع الوارد في هذه الأحاديث المذكورة التي استدللتم بها محمول على الجمع الصوري ، وهو فعل الأولى في أخر وقتها والثانية في أول وقتها .


دفع مناقشة الحنفية لوجه الدلالة:
أولا: 
بأن الجمع رخصة ، فلو كان الجمع المراد هو الجمع الصوري لما كان للرخصة معنى ، وذلك أن الجمع الصوري يؤدي إلى شدة الحرج والضيق من فعل كل صلاة في وقتها ؛ وذلك لأن معرفة أوائل الأوقات وأواخرها ليس متيسرا لمعظم الخاصة فضلا عن العامة .


ثانيا: 
أن الأخبار جاءت صريحة بجمع الصلاتين في وقت إحداهما  وذلك هو المتبادر إلى الذهن والتبادر إلى الذهن أمارة الحقيقة .


ثالثا: 
لو كان الجمع الصوري هو المراد – كما قلتم – لما كان هناك جمع تقديم مع أن جمع التقديم مما صرحت به الأحاديث ، وهو لا يتأتى مع الجمع الصوري  ( 1 ).


الترجيح:
والحق ترجيح ما ذهب إليه الجمهور لقوة أدلته وسلامتها عن المعارض والله أعلم .
يتبع إن شاء الله...


القول الفصل في أحكام صلاة القصر 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52879
العمر : 72

القول الفصل في أحكام صلاة القصر Empty
مُساهمةموضوع: رد: القول الفصل في أحكام صلاة القصر   القول الفصل في أحكام صلاة القصر Emptyالأربعاء 20 مايو 2015, 5:32 am

المبحث الثاني
القول الفصل في أحكام صلاة القصر Images90
الجمع بسبب المطر
-------------------------
اتفق جمهور الفقهاء: 
المالكية والشافعية والحنابلة على مشروعية الجمع بين الصلاتين بسبب المطر ( 1 ).


واستدلوا على ذلك بما يأتي:
أولا: 
قال تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) ( 2 ) .


وجه الدلالة:
ووجه الدلالة من هذه الآية الكريمة أن الله سبحانه وتعالى رفع الحرج عن جميع المسلمين في جميع أمور الدين من ضيق بعدم تكليف ما يشق القيام به ، وهذا أصل لقاعدة: " المشقة تجلب التيسير " ( 3 ) .
ولا خلاف بين الفقهاء أن كل مشقة تقتضي التخفيف والجمع بين الصلاتين فيه تخفيف عن المسافر ، وكذا من به عذر يمنعه من الالتزام بأداء الصلاة في وقتها ، ولهذا كان التخفيف عن طريق الجمع بين الصلاتين .


ثانيا:
عن يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ : " قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلا سَفَرٍ " ( 1 ) .


ثالثا: 
عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : " صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا بِالْمَدِينَةِ فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلا سَفَرٍ قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ فَسَأَلْتُ سَعِيدًا لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ كَمَا سَأَلْتَنِي فَقَالَ أَرَادَ أَنْ لا يُحْرِجَ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِهِ " ( 2 ) .


وجه الدلالة:
ووجه الدلالة من الحديثين السابقين أن الرسول صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين من غير سفر ولا خوف ، فدل ذلك على أن الجمع بين الصلاتين كان بسبب المطر .


رابعا: 
ثبت أن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وسيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كانا يجمعان بين الصلاتين بسبب المطر .
وهذان الصحابيان الجليلان معروفان بصلاحهما وتشبههما بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع أقواله وأفعاله ، ولا يمكن أن يحدث منهما مثل هذا الأمر إلا عن علم علماه من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم  ( 3 ).
فدل كل ما سبق على مشروعية الجمع بين الظهر والعصر بسبب المطر .
لكن المالكية والحنابلة خالفوا الشافعية في الجمع بين الظهر والعصر وبين جمع التقديم وجمع التأخير بسبب المطر .
فذهب المالكية والحنابلة إلى عدم جواز الجمع بين الظهر والعصر بسبب المطر ، وعللوا ذلك بأن المشقة في المغرب والعشاء أشد لأجل الظلمة ( 1 ) .
أما الشافعية فقد قالوا بمشروعية الجمع بين الصلاتين في الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء .
وعللوا ذلك بإطلاق الأحاديث الواردة في ذلك ؛ ولأن علة الجمع هي المطر ولا فرق بين أن يكون المطر ليلاً أو نهاراً ( 2 ) .


واختلفوا أيضا في جمع التقديم والتأخير:
فذهب المالكية والشافعية في قول إلى جواز جمع التقديم فقط دون جمع التأخير لأن استدامة المطر ليست مؤكدة ( 3 ) ؛ ولأن المطر قد ينقطع فيترتب عليه أداء الصلاة في غير وقتها من غير عذر ، وذهب الشافعية في قولهم الثاني ووافقهم الحنابلة على جواز جمع التأخير بسبب المطر كالسفر ( 4 ) .


واشترط الفقهاء لجواز الجمع بين الصلاتين بسبب المطر ما يأتي:
- أن يبدأ بالأولى من الصلاتين .
- أن ينوي الجمع بينهما .
- الموالاة بين صلاة الظهر والعصر أو بين صلاة المغرب والعشاء .


وزاد المالكية على الشروط السابقة ما يأتي:
- وجود المطر في أول الصلاتين، وعند السلام من الأولى، وعند دخول الثانية .
- أن تكون صلاة الجمع في المسجد .
- أن يوجد الطين أو الوحل .
- والشرط الأخير قال به الحنابلة؛ لأنه يلوث الثياب والنعال، وقد يؤدي إلى ضرر بالإنسان كالزحلقة ونحوها، والخطر هنا يكون أشد من خطر البلل ( 1 ).


الترجيح:
بعد أن استعرضنا أقوال المالكية والشافعية والحنابلة فيما ذهبوا إليه وما تعللوا به نرى أن الرأي الراجح في هذه المسألة هو: مشروعية الجمع بين الصلاتين بسبب المطر الشديد ؛ لأن وجود المطر الشديد يلحق الضرر بالمصلين عند ذهابهم إلى المساجد وعند رجوعهم ويؤدي إلى مشقة ، والشريعة الإسلامية تعمل على رفع الضيق والمشقة عن الإنسان.


ولهذا فإننا نقول:
إن الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء بسبب المطر الشديد الذي يؤدي إلى وحل أو طين ، ويترتب عليه عدم القدرة على السير في أمن ، وأن كل ذلك يجعل الجمع مباحا بشرط أن يكون الجمع في جماعة بالمساجد ، أما بالمنازل فليس فيها من الحرج ما هو بالمساجد ؛ ولذلك فلا يجوز الجمع بين الصلاتين في المنازل بسبب المطر .
---------------------------
المبحث الثالث
الجمع بسبب المرض
---------------------------
اتفق الفقهاء: 
المالكية والشافعية والحنابلة على جواز الجمع بين الصلاتين بسبب المرض .
وهذا أمر لا خلاف عليه بين هؤلاء الفقهاء ( 1 ) .


لكنهم اختلفوا فيما بينهم في كيفية الجمع بين الصلاتين:
ومذهب المالكية في ذلك هو جواز جمع التقديم فقط ( 2 ) .
أما الشافعية والحنابلة فذهبوا إلى جواز الجمع مطلقا لا فرق في ذلك بين جمع التقديم وجمع التأخير ( 3 ) .
والحق أن هذا الاختلاف ليس له أثر كبير لأن المهم هو مشروعية الجمع بسبب المرض ، والمرض من الأعذار التي تبيح الجمع.


ولهذا رأينا المالكية يقولون:
إن الجمع الجائز بسبب المرض هو جمع التقديم فقط لمن خاف الإغماء أو الحمى أو غيرهما ، وإن سلم من هذه الأمراض ولم تصبه أعاد الثانية في وقتها ( 4 ) .
وهذا معناه أن المريض إذا جمع بين الظهر والعصر بسبب الإغماء أو الحمى أو ما شابه ذلك ولكنه ظل في عافية إلى وقت العصر فعليه إعادة صلاة العصر في وقتها ؛ لأن التقديم كان لعذر سوف يطرأ ولكنه لم يطرأ أو ظل المريض في عافية فكأنه صلى في وقت غير وقت الصلاة . وأداء الصلاة في غير وقتها يجعلها كأن لم تكن ويطالب فاعلها بالإعادة .


وقد استدل الفقهاء: المالكية والشافعية والحنابلة على جواز الجمع بسبب المرض بأحاديث متعددة منها ما يأتي:
1 - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: " صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلا سَفَرٍ " ( 1 ) .


وجه الدلالة:
ووجه الدلالة أنه بمجموع الروايتين تبين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين ، وكان جمعه لغير غرض السفر أو الخوف أو المطر ، وقد اتفق الفقهاء على أنه لا يجوز الجمع لغير عذر ، وليس من عذر وراء الثلاثة ( السفر - الخوف - المرض ) إلا المرض ، فتعين أن يكون الجمع بسبب المرض .
2 - إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَر سهلة بنت سهيل وحمنة بنت جحش رضي الله عنهما لما كانتا مستحاضتين بتأخير الظُّهْرَ وتعجيل الْعَصْر والجمع بينهما بِغُسْلٍ وَاحِدٍ " ( 2 ) .


وجه الدلالة:
ووجه الدلالة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر المرأتين حينما سألتاه عن الجمع بين الصلاتين أباح لهما ذلك من غير سفر ولا خوف ولا مطر .
ويفهم من هذا أن الاستحاضة مرض ، ولهذا رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل من المرأتين بالجمع بين الصلاتين بسبب الاستحاضة ؛ ولأن هذا أشبه بالمريض بسلس البول .
فإذا كان المريض بسلس البول يتوضأ لكل صلاة ، فإن المستحاضة تغتسل أولا ثم تتوضأ عند كل صلاة ؛ وذلك لدفع الحرج والمشقة عن كل من المريض بسلس البول والمستحاضة .
وإذا كان الحنفية لا يجيزون الجمع بين الصلاتين ، فإن هذا يرجع إلى اختلافهم في جمع الصلاة مطلقا ، وهم لم يقولوا بجواز الجمع بين الصلاتين إلا في المزدلفة فقط ، ولهذا فلا يجوز الجمع بسبب السفر ولا غيره .
وذهب بعض الشافعية إلى أن الجمع بسبب المرض لا يجوز وعلل هؤلاء قولهم : بأنه لم يثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا سيما أنه صلى الله عليه وسلم مرض أمراضا كثيرة ، ولم ينقل أنه جمع بين الصلاتين بسبب المرض كما أن مواقيت الصلاة ثابتة فلا يجوز تركها لأمر محتمل .


الترجيح:
بعد أن استعرضنا أقوال الفقهاء وأدلتهم يتبين لنا أن ما ذهب إليه المالكية والشافعية والحنابلة وهو القول بجواز الجمع بين الصلاتين بسبب المرض ؛ لأن الشريعة الإسلامية قائمة على التيسير وإذا كان الإسلام قد يسر على المسافر ويسر في حالة المطر ، أليس المريض أولى من هؤلاء جميعا بالتخفيف عنه والتيسير عليه إذا كان المرض يسبب له نوبة تخرجه عن وعيه وإدراكه أو توصله إلى حالة لا يقدر أثناءها على أداء الصلاة في وقتها .
كما أن المريض بالفشل الكلوي ونحوه يستمر تحت الأجهزة الطبية لساعات طويلة تمنعه من الحركة فماذا يفعل ؟


هل يترك الصلاة ؟ أو يجمع بين الصلاتين ؟
ونحن نرى أن كل مريض بمرض يمنعه من أداء الصلاة في وقتها له أن يجمع بين الصلاتين جمع تقديم أو جمع تأخير ، بمعنى أنه يجوز له أن يفعل أرفقهما به .
وأقوى دليل على ذلك ما ذكره الله عز وجل في قوله: (لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى المَرِيضِ حَرَجٌ) ( 1 ) .
----------------------------------------
المبحث الرابع
الجمع بين الصلاتين لغير السفر والمرض
----------------------------------------
اتفق المالكية والشافعية والحنابلة على أن الجمع بين الصلاتين بسبب السفر أو المرض جائز ، واتفقوا أيضا على عدم جواز الجمع لغير السفر أو المرض .
لكن طائفة من الفقهاء قالوا بجواز الجمع لحاجة ما لم يتخذ ذلك عادة ، ونقل هنا عن أشهب من المالكية وابن المنذر من الشافعية وابن سيرين وابن شبرمة ( 1 ) .


سبب الاختلاف:
وسبب الاختلاف بين الفقهاء في هذه المسألة يرجع إلى اختلاف الفقهاء في مفهوم الآثار الواردة في ذلك...
فمن رأى أن صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت في مواقيتها المحددة قال بعدم جواز الجمع بين الصلاتين .
ومن رأى أن الشريعة الإسلامية قائمة على رفع الحرج ، وأن الحرج ما دام قد وجد فلا بد من رفعه قال بجواز الجمع بين الصلاتين للحاجة .


الأدلة: 
استدل القائلون بعدم جواز الجمع بين الصلاتين لغير السفر والمرض بما ثبت عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: " دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَرَفَةَ فَنَزَلَ الشِّعْبَ فَبَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَلَمْ يُسْبِغْ الْوُضُوءَ فَقُلْتُ لَهُ: الصَّلاةُ ، فَقَالَ: " الصَّلاةُ أَمَامَكَ " فَجَاءَ الْمُزْدَلِفَةَ فَتَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلاةُ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إِنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلاة فَصَلَّى وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا " ( 1 ) .


وجه الدلالة:
ووجه الدلالة من هذا الحديث النبوي الشريف هو بيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جمع بين الصلاتين إلا بمزدلفة ؛ لأن سيدنا زيد بن حارثة رضي الله عنه حينما دفع الرسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة إلى المزدلفة قال الصلاة ، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الصلاة أمامك " أي أن المغرب لا تُصَلَّى هنا .
وكأن سيدنا زيد بن حارثة ظن أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم نسي صلاة المغرب ورأى وقتها قد كاد أن يخرج أو خرج ، فأعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها في تلك الليلة يُشرع تأخيرها لتجمع مع العشاء بالمزدلفة .
وهو يدل على أن سيدنا زيداً لم يكن على علم بهذه السنة إلا بعد أن أخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن المغرب والعشاء يُجْمَع بينهما بمزدلفة وذلك من أجل النسك ، وهذا هو ما قال به الحنفية ( 2 ) .
واستدلوا أيضا بما ثبت عن سيدنا عمر وأبي موسى أنهما قالا: " الجمع بين الصلاتين بغير عذر من الكبائر " ( 1 ) .
وروي هذا مرفوعاً عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مَن جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتى باباً من أبواب الكبائر " ( 2 ) .


وجه الدلالة:
ووجه الدلالة مما سبق أن من جمع بين صلاتين وليس له عذر في الجمع فإنه يكون قد فعل إثما عظيما ، وكأنه فعل كبيرة من الكبائر .


واستدلوا أيضا بالمعقول فقالوا:
إن السبب في عدم جواز الجمع لغير عذر هو أن أخبار المواقيت الثابتة لا تجوز مخالفتها إلا بدليل خاص؛ ولأنه تواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحافظة على أوقات الصلاة خاصة وأن الجمع كان لسبب النسك ، كما ذهب إلى ذلك الحنفية ، وبسبب السفر والمرض كما قال المالكية والشافعية والحنابلة ( 3 ).


دليل القائلين بجواز الجمع: استدلوا بما يأتي: 
1 - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا بِالْمَدِينَةِ فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلا سَفَرٍ " قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: فَسَأَلْتُ سَعِيدًا لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ ؟ فَقَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ كَمَا سَأَلْتَنِي فَقَالَ: أَرَادَ أَنْ لا يُحْرِجَ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِهِ " ( 1 ).
2 - عن جَابِر بن زيد قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: " صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِيًا جَمِيعًا وَسَبْعًا جَمِيعًا " قُلْتُ: يَا أَبَا الشَّعْثَاءِ أَظُنُّهُ أَخَّرَ الظُّهْرَ وَعَجَّلَ الْعَصْرَ وَعَجَّلَ الْعِشَاءَ وَأَخَّرَ الْمَغْرِبَ . 
قَالَ: وَأَنَا أَظُنُّهُ " ( 2 ) .


وجه الدلالة:
ووجه الدلالة مما سبق هو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين وهو مقيم بالمدينة من غير خوف ولا مطر.
وأنه صلى الظهر والعصر جمعاً ، والمغرب والعشاء جمعاً ولم يكن هناك خوف ولا مطر .
فدل ذلك على جواز الجمع بين الصلاتين إذا كانت الحاجة داعية إلى ذلك ولكن هذا مشروط بأن لا يتخذ الإنسان ذلك عادة له .


وبهذا القول قال أشهب وابن سيرين وربيعة وابن المنذر والقفال وقالوا: 
إن إباحة الجمع هنا لرفع الحرج عن المسلم ( 3 ) .


وقال ابن المنذر: 
يجوز الجمع في الحضر من غير خوف ولا مطر ولا مرض ؛ وذلك لما روي من بعض الآثار عن علماء الحديث وعن بعض الصحابة والتابعين من أنهم كانوا يجمعون بين الصلاتين لغير الأعذار المذكورة ( 1 ) .


المناقشة:
وناقش القائلون بجواز الجمع لغير السفر أو المطر والمرض لمخالفيهم الذين قالوا بعدم جواز الجمع بما يأتي:
قالوا لهم في استدلالهم بحديث أسامة بن زيد الذي قال فيه: " دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة ... إلخ الحديث " إن هذا الحديث لا ينفي مشروعية الجمع في غير عرفة والمزدلفة بل هو مثبت للجمع فيها .
والفقهاء لم يختلفوا في جواز الجمع بين الظهر والعصر جمع تقديم بعرفة وبين المغرب والعشاء جمع تأخير بمزدلفة ، وإنما الخلاف فيما هو غير ذلك .


وقالوا في الاستدلال الثاني للذين قالوا بعدم جواز الجمع لغير السفر والمطر:
إن استدلالكم بحديث ابن عباس  فيه حنش بن قيس وهو ضعيف ولا يصح الاستدلال به .


وقالوا في الاستدلال بالمعقول: 
إن هذا الاستدلال الذي تستدلون به لا يصلح أن يكون دليلا على دعواكم ؛ لأن الجمع بين الصلاتين بعذر السفر من الأمور المشهورة المستعملة فيما بين الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين .
مع الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عن أصحابه .
ثم إن الجمع رخصة فلو لم يكن الجمع مباحا لكان أشد ضيقا وأعظم حرجا في السفر من الإتيان بكل صلاة في وقتها .
ثم إن أداء الصلاة جمعا ثابت عن كثير من الصحابة والتابعين ، وهم يستحيل عليهم أن يقولوا شيئا من غير دليل تطمئن إليه النفوس .
والأدلة كثيرة وواضحة .


أما الذين قالوا بعدم جواز الجمع لغير عذر فقد قالوا ما يأتي: 
إن الجمع المذكور الذي تستدلون به على دعـواكم كان لمـرض أو كان لغيم أو أن الجمع كان صوريا ، بمعنى أنه أخر الظهر إلى آخر وقتها وعجل العصر في أول وقتها .


وأجاب المخالفون لهؤلاء بقولهم:
لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين لعذر المرض لما صلى معه إلا من له نحو ذلك العذر .
أما عن التعليل بوجود الغيم فإنه تعليل باطل ؛ لأنه وإن كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر ، فلا احتمال فيه في المغرب والعشاء .
أما تعليلهم بالجمع الصوري فإنه احتمال ضعيف ؛ لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل .


الترجيح:
والراجح في هذه المسألة هو ما ذهب إليه القائلون بجواز الجمع بين الصلاتين لغير عذر السفر والمرض ونحوه ؛ وذلك بشرط أن لا يتخذ ذلك عادة له .
لأن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما صلى بالبصرة صلاة الظهر والعصر ليس بينهما شيء ، فعل ذلك من شُغْل " ( 1 ) .
وعن عبد الله بن شقيق أن شغل ابن عباس كان بالخطبة وأنه خطب بعد العصر إلى أن بدت النجوم ثم جمع بين المغرب والعشاء كما أن سيدنا عبد الله بن عباس علل هذا بنفي الحرج ، ونفي الحرج هنا ظاهر في مطلق الجمع .
ولهذا نقول بجواز الجمع بين الصلاتين إذا كان هناك من الأعذار ما لا يقدر الإنسان معه على أداء الصلاة في وقتها ما لم يتخذ ذلك عادة له ؛ لأن الشريعة قائمة على التيسير ورفع الحرج .
---------------------------------------
المبحث الخامس
حكم الأذان والإقامة للجمع بين الصلاتين
----------------------------------------
اتفق الفقهاء على أن الإقامة للصلاة مشروعة في الحضر والسفر ( 1 ) .
واتفقوا على أن الإقامة مطلوبة لكل صلاة .
واستدلوا على ذلك بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين المغرب والعشاء بمزدلفة وأقام لكل صلاة .
ولأنهما صلاتان جمعهما وقت واحد وتُصَلَّى كل صلاة وحدها فاقتضى أن تكون لكل صلاة إقامة ( 2 ) .
عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي المغرب والعشاء بإقامة واحدة " ( 3 ) .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين المغرب والعشاء بجمع ، صلى المغرب ثلاثاً والعشاء ركعتين بإقامة واحدة " ( 4 ) .


وجه الدلالة:
ووجه الدلالة من هذه الأحاديث السابقة يؤكد لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين بأذان واحد وإقامتين ، وهذا معناه أن المصلي الذي يجمع بين الصلاتين عليه أن يؤذن لإعلام الناس بأداء الصلاة.


والمراد بقوله: 
" صلى المغرب والعشاء بإقامة واحدة أو صلى المغرب ثلاثا والعشاء ركعتين بإقامة واحدة " أي إقامة واحدة لكل صلاة كما ثبت ذلك عند البخاري عن ابن عمر أيضاً ، وكذلك في بعض روايات أبي داود ، وهو الذي يتفق مع حديث جابر وحديث ابن مسعود ، وإلى ذلك ذهب الجمهور واختاره الطحاوي .
ثم عليه أن يقيم للصلاة الأولى ليعلم الناس بإقامته الصلاة ، ثم يقيم لأداء الصلاة الثانية ، وهذا أمر لا خلاف فيه بين الفقهاء ( 1 ) وهذا هو ما نرجحه ونميل إليه .
تم البحث بحمد الله وتوفيقه.


القول الفصل في أحكام صلاة القصر 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
القول الفصل في أحكام صلاة القصر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» القول المختصر بعدم جواز جمع صلاة العصر مع صلاة الجمعة فى السفر
» القول الفصل في بيع الأجل
» أحكام صلاة المريض وطهارته
» الفصل الثالث: بعض أحكام الصلاة للداخل في الإسلام
» الفصل الثالث: السلطة القضائية.. الفرع الأول: أحكام عامة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـعــقـيــــــــدة الإســــلامـيــــــــــة :: كتابات في العقيدة-
انتقل الى: