| تفسير سورة البقرة (02) | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| |
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| |
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة (02) السبت 17 أكتوبر 2015, 8:43 pm | |
| إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)
شرح الكلمات : { الذين آمنوا } : هم المسلمون آمنوا بالله ووحدوه وآمنوا برسوله واتبعوه . { الذين هادوا } : هم اليهود سُموا يهوداً لقولهم : انا هدنا اليك اى تبنا ورجعنا . { النصارى } : الصليبيون سموا نصارى إما لأنهم يتناصرون أو لنزول مريم بولدها عيسى قرية الناصرة ، والواحد نصران أو نصرانى وهو الشائع على الألسنة . { الصابئون } : امة كانت بالموصل يقولون لا إله إلا الله . ويقرأون الزبور . ليسوا يهودا ولا نصارى واحدهم صابيء ، ولذا كانت قريش تقول لمن قال لا إله الا الله صابيء أى مائل عن دين آبائه الى دين جديد وحَدَ فيه الله تعالى .
مناسبة الآية ومعناها : لما كانت الآية فى سياق دعوة اليهود إلى الاسلام ناسب أن يعلموا أن النِّسَبَ لا قيمة لها وانما العبرة بالإِيمان الصحيح والعمل الصالح المزكى للروح البشرية والمطهرة لها فلذا المسلمون واليهود والنصارى والصابئون وغيرهم كالمجوس وسائر أهل الأديان من آمن منهم بالله واليوم الآخر حق الإِيمان وعمل صالحاً مما شرع الله تعالى من عبادات فلا خوف عليهم بعد توبتهم ولا حزن ينتابهم عند موتهم من أجل ما تكروا من الدنيا ، إذ الآخرة خير وأبقى . والإِيمان الصحيح لا يتم لأحد إلا بالايمان بالنبى الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم والعمل الصالح لا يكون إلا بما جاء به النبى الخاتم فى كتابه وما أوحى إليه ، إذ بشريعته نسخ الله سائر الشرائع قبله وبالنسخ بطل مفعولها فهى لا تزكى النفس ولا تطهرها . والسعادة الأخروية متوقفة على زكاة النفس وطهارتها .
هداية الآية : من هداية الآية : 1- العبرة بالحقائق لا بالألفاظ فالمنافق إذا قال هو مؤمن أو مسلم ، ولم يؤمن بقلبه ولم يسلم بجوارحه لا تغنى النسبة عنه شيئاً ، واليهودي والنصرانى والصابىء وكل ذى دين نسبته إلى دين قد نسخ وبطل العمل بما فيه فأصبح لا يزكى النفس ، هذه النسبة لا تنفعه ، وانما الذى ينفع الايمان الصحيح والعمل الصالح . 2- أهل الإِيمان الصحيح والاستقامة على رع الله الق مبشرون بنفي الخوف عنهم والحزن وإذا انتفى الخوف حصل الأمن واذا انتفى الحزن حصل السرور والفرح وتلك السعادة .
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (64) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65) فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66)
شرح الكلمات : { الميثاق } : العهد المؤكد باليمين . { الطور } : جبل أو هو الجبل الذى ناجى الله تعالى عليه موسى عليه اسلام . { بقوة } : بجد وحزم وعزم { توليتم } : رجعتم عما التزمتم القيامة به من العمل بما فى التوراة . { اعتدوا فى السبت } : تجاوزوا الحدَّ فيه حيث حرم عليهم الصيد فيه فصادوا { قردة } : القردة جمع قرد حيوان معروف مسخ الله تعالى المعتدين فى السبت على نحوه { خاسئين } : مبعدين عن الخير ذليلين مهانين . { نكالاً } : عقبة شديدة تمنع من رآها أو علمها من فعل ما كانت سبباً فيه . { لما بين يديها وما خلفها } : لا بين يدى العقوبة من الناس ، ولمن يأتى بعدهم . { وموعظة للمتقين } : يتعظون بها فلا يقدمون على معاصى الله عز وجل .
معنى الآيات : يذكر الحق عز وجل اليهود بما كان لاسلافهم من أحداث لعلهم يعتبرون فيذكرهم بحادثة امتناعهم من تحمل العمل بالتوراة واصرارهم على ذلك حتى رفع الله تعالى فوقهم جبلاً فأصبح كالظلة فوق رؤسهم حينئذ أذعنوا غير أنهم تراجعوا بعد ذلك ولم يفوا بما التزموا به فاستوجبوا الخسران لولا رحمة الله بهم . كما يذكرهم بجريمة كانت لبعض أسلافهم وهى أنه تعالى حرم عليهم الصيد يوم السبت فاحتالت طائفة منهم على الشرع واصطادوا فنكل الله تعالى بهم فمسخهم قردة ، وجعلهم عظة وعبرة للمعتبرين .
هداية الآيات : من هداية الآيات : 1- وجوب الوفاء باعهود والمواثيق . 2- يجب أخذ أحكام الشرع بحزم ، وذكرها وعدم نسيانها أو تناسيها . 3- لا تتم التقوى لعبد إلا إذا أخذ أحكام الشرع بحزم وعزم . 4- حرمة الاحتيال لإِباحة المحرّم وسوء عاقبة المحتالين المعتدين .
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71)
شرح الكلمات : { البقرة } : واحدة البقر والذكر ثور والانثى بقرة . { الذبح } : قطع الودجين والمارن . { الهزؤ } : السخرية واللعب . { الجاهل } : الذى يقول او يفعل مالا ينبغي قوله أو فعله . { الفارض } : المسنة ، والبكر الصغيرة التى لم تلد بعد . والعوان : النّصَفُ وسط بين المسنة والصغيرة . { فاقع } : يقال : أصفر فاقع شديدة الصفرة كأحمر قانىء وأبيض ناصع . { الذلول } : الرّيّضة التى زالت صعوبتها فاصبحت سهلة منقادة . { تثير الأرض } : تقبلها بالمحراث فيثور غبارها بمعنى أنها لم تستعمل فى الحرث ولا فى سقاية الزرع أى لم يُسن عليها ، وذلك لصغرها . { مسلّمة } : سليمة من العيوب كالعور والعرج . { لا شية فيها } : الشية العلامة أي لا يوجد فيها لون غير لونها من سواد أو بياض .
معنى الآيات : واذكر يا رسولنا لهؤلاء اليهود عيباً آخر من عيوب أسلافهم الذي يَعْتزُّونَ بهم وهو سوء سلوكهم مع أنبيائهم فيكون توبيخاً لهم لعلهم يرجعون عن غيهم فيؤمنوا بك وبما جئت به من الهدى ودين الحق . اذكر لهم قصة الرجل الذى قتله ابن أخيه استعجالا لإِرثه ثم ألقاه تعمية فى حى غير الحى الذي هو منه ، ولما اختلفوا فى القاتل قالوا نذهب الى موسى يدعو لنا ربه ليبين لنا من هو القاتل فجاءوه فقال لهم ان الله تعالى يأمركم ان تذبحوا بقرة من أجل ان يضربوا القتيل بجزء منها فينطق مبيناً من قتله فلما قال لهم ذلك قالوا أتتخذنا هزؤاً فوصفوا نبى الله بالسخرية واللعب وهذا ذنب قبيح وما زالوا يسألونه عن البقرة ويتشددون حتى شدد الله تعالى عليهم الأمر الذى كادوا معه لا يذبحون مع أنهم لو تناولوا بقرة من عرض الشارع وذبحوها لكفتهم . ولكن شددوا فشدد الله عليهم فعثروا على البقرة المطلوبة بعد جهد جهيد وغالى فيها صاحبها فباعها منهم بملء جلدها ذهباً .
هداية الآيات : من هداية الآيات : 1- بيان ما كان عليه قوم موسى من بنى اسرائيل من العجرفة وسوء الأخلاق ليتجنب مثلها المسلمون . 2- حرمة الاعتراض على الشارع ووجوب تسليم أمره أو نهيه ولو لم تعرف فائدة الأمر والنهى وعلتها . 3- الندب الى الأخذ بالمتيسر وكراهة التشدد فى الأمور . 4- بيان فائدة الاستثناء بقوله إن شاء الله ، إذ لو لم يقل اليهود ان شاء الله لمهتدون ما كانوا ليهتدوا إلى معرفة البقرة المطلوبة . 5- ينبغي تحاشي الكلمات التى قد يفهم منها نتقاص الأنبياء مثل قولهم الآن جئت بالحق ، اذ مفهومه أنه ما جاءهم بالحق إلا فى هذه المرة من عدة مرات سبقت!!
وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73) ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)
شرح الكلمات : { نفساً } : نفس الرجل الذى قتله وارثه واستعجالا للإرث . { ادارأتم فيها } : تدافعتم أمر قتلها كل قبيل يقول قتلها القبيل الآخر . { ما تكتمون } : من أمر القاتل ستراً عليه دفعاً للعقوبة الفضيحة . { ببعضها } : ببعض أجزاء البقرة كلسانها أو رجلها مثلا .
معنى الآيات : يقول تعالى لليهود موبخاً لهم اذكروا إذ قتل أحد أسلافكم قريبه ليرثه فاختصم فى شأن القتل كل جماعة تنفي أن يكون القاتل منها ، والحال أن الله تعالى مظهر ما تكتمونه لا محالة إحقاقاً للحق وفضيحة للقاتلين فأمركم أن تضربوا القتيل ببعض أجزاء البقرة فيحيا ويخبر عن قاتله ففعلتم وأحيا الله القتيل وأخبر بقاتله فقتل به فأرادكم الله تعالى بهذه القصة آية من آياته الدالة على حلمه علمه وقدرته وكان المفروض أن تعقلوا عن الله آياته فتكملوا فى إيمانكم وأخلاقكم وطاعتكم ، ولكن بدل هذا قست قلوبكم وتحجرت وأصبحت أشد قساوة من الحجارة فهى لا ترق ولا تلين ولا تخشع على عكس الحجارة إذ منها ما تتفجر منه العيون ، ومنها ما يلين فيهبط من خشية الله كما اندك جبل الطور لما تجلى له الرب تعالى ، وكما اضطرب أُحُد تحت قدمى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه . ثم توعدكم الرب تعالى بأنه ليس بغافل عما تعملون من الذنوب والآثام وسيجزيكم به جزاء عادلا إن لم تتوبوا إليه وتنيبوا .
هداية الآيات : من هداية الآيات : 1- صدق نبوة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وتقريرها أمام اليهود إذ يخبرهم بأمور جرت لأسلافهم لم يكن يعلمها غيرهم وذلك إقامة للحجة عليهم . 2- الكشف عن نفسيان اليهود وانهم يتوارثون الرعونات والمكر والخداع . 3- اليهود من أقسى البشر قلوباً الى اليوم ، اذ كل عام يرمون البشرية بقاصمة الظهر وهم ضاحكون . 4- من علامات الشقاء قساوة القلوب ، وفى الحديث : « من لا يرحم لا يرحم » .
أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76) أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77) وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78)
شرح الكلمات : { افتطمعون } : الهمزة للانكار الاستبعادى ، والطمع تعلق النفس بالشيء رغبة فيه { يؤمنون لكم } : يُتابعون على دينكم ( الإسلام ) { كلام الله } : فى كتبه كالتوراة والإِنجيل والقرآن . { يحرفونه } : التحريف الميل بالكم على وجه لا يدل على معناه كما قالوا في نعت الرسول صلى الله عليه وسلم فى التوراة : اكحل العينين ربعة جعد الشعر حسن الوجه قالوا : طويل ازرق العينين سبط العشر . اذا لقوا الذين آمنوا : إذا لقي منافقوا اليهود المؤمنين قالوا آمنا بنبيكم ودينكم { أتحدثونهم } : الهمزة للاستفهام الانكارى ، وتحديثهم إخبار المؤمنين بنعوت التى فى التوراة . { بما فتح الله عليكم } : إذا خلا منافقوا اليهود برؤسائهم أنكروا عليهم اخبارهم المؤمنين بنعوت النبى صلى الله عليه وسلم فى التوراة ، وهو مما فتح لله به عليهم ولم يعلمه غيرهم . { ليحاجوكم به } : يقولون لهم لا تخبروا المؤمنين بما خصكم الهل به من العلم حتى لا يحتجوا عليكم به فيغلبوكم وتقوم الحجة عليكم فيعذبكم الله . { أميون } : الأمي : المنسوب إلى أمه ما زال فى حجر أمه لم يفارقه فلذا هو لم يتعلم الكتابة والقراءة . { أمانى } : الآمانى جمع أمنية وهى إمّا ما يتمناه المرء فى نفسه من شىء يريد الحصول عليه ، وإما القراءة من تمنى الكتاب اذا قرأه .
معنى الآيات : ينكر تعالى على المؤمنين طمعهم فى إيمان اليهود لهم بنبيهم ودينهم ، ويذكر وجه استبعاده بما عرف به اليهود سلفاً وخلفاً من الغش والاحتيال بتحريف الكلام وتبديله تعمية وتضليلا حتى لا يُهتدى الى وه الحق فيه ومن كان هذا حاله يبعد جداً تخلصه من النفاق والكذب وكتمان الحق { وإِذا لَقُوا الذين آمنوا قالوا آمنا } وهم كاذبون واذا خلا بعضهم ببعض أنكروا على أنفسهم ما فَاه به بعضهم للمسلمين من صدق نبوة الرسول وصحة دينه متعللين بأن مثل هذا الاعتراف يؤدى احتجاج المسلمين به عليهم وغلبهم فى الحجة وسبحان الله كيف فسد ذوق القوم وساء القوم وساء فهمهم حتى ظنوا ان ما يخفونه يمكن اخفاؤه على الله قال تعالى فى التنديد بهذا الموقف الشائن { أولا يعلمون ان الله يعلم ما يسرون وما يعلنون } ؟ ومن جَهْلِ بعضهم بما فى التوراة وعدم العلم بما فيها من الحق والهدى والنور ما دل عليه قوله تعالى : { ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أمانيَّ } أي إلاَّ مُجرَّد قراءة فقط أما إدراك المعانى الموجبة لمعرفة الحق والإِيمان به واتباعه فليس لهم فيها نصيب ، وما يقولونه ويتفوهون به لم يَعْدُ الْخَرْصَ والظَّنُّ الكاذِبَ .
هداية الآيات : من هداية الآيات : 1- أن ابعد الناس عن قبول الحق والاذعان له اليهود . 2- قبح إنكار الحق بعد معرفته . 3- قبح الجهل بالله وبصفاته العلا وأسمائه الحسنى . 4- ما كل من يقرأ الكتاب يفهم معانية فضلا عن معرفة حكمه وأسراره وواقع أكثر المسلمين اليوم شاهد على هذا فإن حفظة القرآن منهم من لا يعرفون معانيه فضلا عن غير الحافظين له .
فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79) وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80) بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81)
شرح الكلمات : { ويل } : الويل : كلمة تقال لمن وقع فى هلكة أو عذاب . { الكتاب } : ما يكتبه علماء اليهود من أباطيل وينسبونه الى الله تعالى ليتوصلوا به الى أغراض دَنِيَّةِ من متاع الدنيا القليل . { من عند الله } : ينسبون ما كتبوه بأيديهم الى التوراه بوصفها كتاب الله ووحيه الى موسى عليه السلام . { يكسبون } : الكسب يكون فى الخير ، وهو هنا فى الشر فيكون من باب التهكم بهم . { أياماً معدودة } : أربعين يوماً وهذا من كذبهم وتضليلهم للعوام منهم ليصرفوهم عن الاسلام . { أتخذتم عند الله عهداً } : الهمزة للاستفهام الانكارى ، والعهد : الوعد المؤكد . { سيّئة } : هذه سيئة الكفر والكذب على الله تعالى . { أحاطت به } : الإِحاطة بالشيء : الالتفاف به والدوران عليه . { خطيئته } : الخطيئة واحدة الخطايا وهى الذنوب عامة . { الخلود } : البقاء الدائم الى لا تحول معه ولا ارتحال .
معنى الآيات : يتوعد الرب تبارك وتعالى بالعذاب الأليم أولئك المضللين من اليهود الذين يحرفون كلام الله ، ويكتبون أموراً من الباطل وينسبونها الى الله تعالى ليتوصلوا بها الى أغراض دنيوية سافلة . وينكر عليهم بتجحهم الفارغ بأنهم لا يعذبون بالنار مهما كانت ذنوبهم ما داموا على ملة اليهود إلا أربعين يوما ثم يخرجون ، وجائز أن يتم هذا لو كان هناك عهد من الله تعالى قطعه لهم به ولكن أين العهد؟ إنما هو لادعاء لكاذب فقط ثم يقرر العليم الحكيم سبحانه وتعالى حكمه فى مصير الإنسان بدخول النار أو الجنة ذلك الحكم القائم على العدل والرحمة البعير عن التأثر بالأنساب والأحساب فيقول بلى ، ليس الأمر كما تدعون ، وإنما هى الخطايا والحسنات فمن كسب سيئة وأحاطت به خطيئاته فخَبّثتْ نفسَه ولوّثتها فهذا لا يُلائم خبث نفسه إلا النار ، ومن آمن وعمل صالحاً فزكى بالإِيمان والعمل الصالح نفسه وطهرها فإنه لا يلائم طهارةَ روحه وزكاة نفسه إلا الجنة دار النعيم . أما الحسب والنسب والادعاءات الكاذبة فلا تأثير لها البتة .
هداية الآيات : من هداية الآيات : 1- التحذير الشديد من الفتاوى الباطلة التى تحرم ما أحل الله أو تحلل ما حرم ليتوصل صاحبها الى غرض دنيوي كمال ، أو حظوة لدى ذي سلطان . 2- إبطال الإِنتفاع بالنّسب والإِنتساب ، وتقرير أن سعادة الإِنسان كشقائه مردهما في السعادة إلى الإِيمان والعمل الصالح . وفي الشقاوة إلى الشرك والمعاصي . 3- التنبيه على خَطَرِ الذنوب صغيرها وكبيرها ، وإلى العمل على تكفيرها بالتوبة والعمل الصالح قبل أن تحوط بالنفس فتحجبها عن التوبة والعياذ بالله .
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (86)
شرح الكلمات : { الميثاق } : العهد المؤكد باليمين . { حسناً } : حسن القول : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمخاطبة باللين ، والكلم الطيب الخالي من البذاءة والفحش . { توليتم } : رجعتم عما التزمتم به مصممين على أن لا تتوبوا . { سفك الدماء } : إراقتها وصبها بالقتل والجراحات . { تطاهرون } : قرىء تظّاهرون ، وتظاهرون بتاء واحدة ومعناه تتعاونون . { بالإِثم والعدوان } : الإِثم : الضار الموجب للعقوبة ، والعدوان الظلم . { أسارى } : جمع أسير : من أخذ في الحرب . { الخزي } : الذل والمهانة .
معنى الآيات : ما زال السياق الكريم في تذكير اليهود بما كان لأسلافهم من خير وغيره والمراد هدايتهم لو كانوا يهتدون ، فقد ذكرهم في الآية ( 83 ) بما أخذ الله تعالى عليهم في التوراة من عهود ومواثيق على أن يعبدوا الله وحده ولا يشركوا في عبادته سواه . وأن يحسنوا للوالدين ولذى القربى واليتامى والمساكين وأن يقولوا للناس الحسن من القول ويقيمو الصلاة ويؤتوا الزكاة ، وندّد بصنيعهم حيث ينقض هذا العهد والميثاق أكثرهم ولم يفوا به وفي الآية الثانية ( 84 ) ذكرهم بميثاق خاص أخذه عليهم في التوراة أيضاً وهو الإِسرائيلي لا يقتل الإِسرائيلي ولا يخرجه من داره بغياً وعدواناً عليه ، وإذا وقع في الأسر وجب فكاكه بكل وسيلة ولا يجوز تركه أسيرا بحال ، أخذ عليهم بهذا ميثاقاً غليظاً وأقروا به وشهدوا عليه وفي الآية الثالثة ( 85 ) وبّخهم على عدم وفائهم بما التزموا به حيث صار اليهودي يقتل اليهودي ويخرجه من داره بغياً وعدواناً عليه . وفي نفس الوقت إن أتاهم يهودي أسيراً فََدَوهُ بالغالي والرخيص ، فندد الله تعالى بصنيعهم هذا الذي هو إهما لواجب وقيامٌ بآخر تبعاً لأهوائهم فكانوا كمن يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض ومن هنا توعدهم بخزي الدنيا وعذاب الآخرة . وفي الآية الرابع ( 86 ) أخبر أنهم بصنيعهم ذلك اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فكان جزاؤهم عذاب الآخرة حيث لا يخفف عنهم ولا ينصرون فيه بدفعه عنهم .
هداية الآيات : من هداية الآيات : 1- مشروعية تذكير الناس ووعظهم بما يكون سبباً لهدايتهم . 2- وجوب عبادة الله وتوحيده فيها . 3- وجوب الإِحسان إلى الوالدين ولذوي القربى واليتامى والمساكين . 4- وجوب معاملة الناس بحسن الأدب . 5- تعرض أمة الإِسلام لخزي الدنيا وعذاب الآخرة بتطبيقها بعض أحكام الشريعة وإهمالها البعض الآخر . 6- كفر من يتخير أحكام الشرع فيعمل ما يوافق مصالحه وهواه ، ويهمل ما لا يوافق . 7- كفر من لا يقيم دين الله إعراضاً عنه وعدم مبالاة به .
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87) وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ (88) وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90)
شرح الكلمات : { موسى } : موسى بن عمران نبي مرسل إلى بني إسرائيل . { الكتاب } : التوراة . { قفينا } : أرسلناهم يَقْفُو بعضهم بعضاً أي واحداً بعدَ واحد . { الرسل } : جمع رسول : ذكر من بني آدم أوحي إليه بشرع وأمر بتبلغيه . { البينات } : المعجزات وآيات الله في الإِنجيل . { روح القدس } : جبيريل عليه السلام . { غلفٌ } : عليها غلاف يمنعها من الفهم لما تدعونا إليه ، أو هي أوعية للعلم فلا نحتاج معها إلى أن نتعلم عنك . { كتاب من عند الله } : القرآن الكريم . { يستفتحون } : يطلبون الفتح أي النصر . { بئسما } : بئس كلمة ذَمّ ، ضدها نِعْمَ فإنها للمدح . { بغياً } : حسداً وظلماً . { باءوا بغضب } : رجعوا والغضب ضد الرضا ، ومن غضب الله عليه أبعده ومن رضي عنه قربه وأدناه . { مهين } : عذاب فيه إهانة وصغار وذلك للمعذب به .
معنى الآيات : ما زال السياق الكريم في ذكر إنعام الله تعالى على بني إسرائيل ، وذكر معايبهم وبيان مثالبهم لعل ذكر الإِنعام يحملهم على الشكر فيؤمنوا ، وذكر المعايب يحملهم على الإِصلاح والتوبة فيتوبوا ويصلحوا ففي الآية ( 87 ) يذكر تعالى منته بإعطاء موسى التوراة وإرسال الرسل بعده بعضهم على أثر بعض ، وبإعطاء عيسى البينات وتأييده بروح القدس جبريل عليه السلام ومع هذا فإنهم لم يستقيموا بل كانوا يقتلون الأنبياء ويكذبونهم فوبخهم الله تعالى على ذلك قوله : { أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون } . وفى الآية الثانية ( 88 ) يذكر تعالى تبجحهم بالعلم واستغناءهم به ، ويبطل دعواهم ويثب علة ذلك وهي أن الله لعنهم بكفرهم فلذا هم لا يؤمنون وفي الآية الثالثة ( 89 ) يذكر تعالى كفرهم بالقرآن ونبيّه بعد أن كانوا قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم يقولون للعرب إن نبياً قد أظل زمانه وسوف نؤمن به ونقاتلكم معه وننتصر عليكم فلما جاءهم ، عرفوا كفروا به فلعنه الله عليهم لأنهم كافرون . وفى الآية الرابعة ( 89 ) يقبّح الله تعالى سلوكهم حيث باعوا أنفسهم رخيصة ، باعوها بالكفر فلم يؤمنوا بالقرآن ونبيّه حسداً أن يكون في العرب نبي يوحى إليه ورسول يطاع ويتبع ، فجعوا من طول رحلتهم في الضلال بغضب عظيم سببه كفرهم بعيسى ، وبغضب عظيم سببه كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ومع الغشب العذاب المهين في الدنيا والآخرة .
هداية الآيات : من هداية الآيات : 1- واجب النعمة الشكر ، وواجب الذنب التوبة . 2- قبح رد الحق لعدم موافقته لهوى النفس . 3- فظاعة جريمة القتل والتكذيب بالحق . 4-سوء عاقبة التبجح بالعلم وإدعاء عدم الحاجة إلى المزيد منه . 5- ذم الحسد وأنه أخو البغي وعاقبتهما الحرمان والخراب . 6- شر ما يخاف منه سوء الخاتمة والعياذ بالله تعالى .
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91) وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (92) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93)
شرح الكلمات : { بما أنزل الله } : من القرآن . { بما أنزل علينا } : التوراة . { وهو الحق مصدقاً } : القرآن الكريم مقرر لأصول الأديان الإِلهية كالتوحيد . { البيانات } : المعجزات . { اخذتم العجل } : يريد إلهاً عبدتموه في غيبة موسى عليه السلام . { وأشربوا في قلوبهم العجل } : أي حب العجل الذي عبدوه بدعوة السامري لهم بذلك .
معنى الآيات : ما زال السياق الكريم في بني إسرائيل وتقريعهم على سوء أفعالهم ففي الآية الأولى ( 191 ) يخبر تعالى أن اليهود إذا دعوا إلى الإِيمان بالقرآن يدّعون أنهم في غير حاجة إلى إيمان جديد بحجة أنهم مؤمنون من قبل بما أنزل الله تعالى في التوراة وبهذا يكفرون بغير التوراة وهو القرآن مع أن القرآن حق والدليل أنه مصدق لما معهم من حق في التوراة ثم أمر اله رسوله أن يبطل دعواهم موبخاً إياهم بقوله : { فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين } إذ قتل الأنبياء يتنافى مع الإِيمان تمام المنافاة . وفي الآية الثالثة ( 93 ) يذكِّر تعالى اليهود بما أخذه على أسلافهم من عهد وميثاق بالعمل بما جاء في التوراة عندما رفع الطور فوق رؤوسهم تهديداً لهم غير أنهم لم يفوا بما عاهدوا عليه كأنهم قالوا سمعنا وعصينا ، فعبدوا العدل وأشربوا حبه في قلوبهم بسبب كفرهم ثم أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقبّح ما ادّعوه من أن إيمانهم هو الذي أمرهم بقتل الأنبياء وعبادة العجل ، والتمرد والعصيان .
هداية الآيات : 1- مشروعية توبيخ أهل الجرائم على جرائمهم إذا أظهروها . 2- جرأة اليهود على قتل الأنبياء والمصلحين من الناس . 3- وجوب أخذ أمور الشرع بالحزم والعزم والقوة . 4- الإِيمان الحق لا يأمر صاحبه إلا بالمعروف ، والإِيمان الباطل المزيف يأمر صاحبه بالمنكر .
قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96) قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98)
شرح الكلمات : { الدر الآخرة } : المراد منها نعيهما وما أعد الله تعالى فيها لأوليائه . { خالصة } : خاصة لا يدخلها أحد سواكم . { تمنوا الموت } : تمنّوه في نفوسكم واطلبوه بألسنتكم فإن من كانت له الدار الآخرة لا خير له في بقائه في الدنيا . { إن كنتم صادقين } : أي في دعوى أن نعيم الآخرة خاص بكم لا يشارككم فيه غيركم . { حياة } : التنكير فيها لتعم كل حياة ولو كانت ذميمة . { يودّ } : يحب { الذين أشركوا } : هم غير أهل الكتاب من سائر الكفار . { بمزحزحه } : بمبعده من العذاب . { أن يعمر } : تعميره ألف سنة . { جبريل } : روح القدس الموكل بالوحي يتنزل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم . { نزّله على قلبك } : نزل جبريل القرآن على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم . { مصدقاً لما بين يديه } : القرآن مصدق لما في الكتب السابقة من نعت الرسول صلى الله عليه وسلم والبشارة به ومن التوحيد ووجوب الاسلام لله تعالى . ميكال : ميكال وميكائيل . ملك من أعاظم الملائكة وقيل معناه عبيد الله .
معنى الآيات : ما زال السياق الكريم فى الرد على اليهود وإبطال حججهم الواهية ففي الآية الأولى ( 94 ) أمر الله تعالى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم مباهلاً إياهم : إن كانت الدار الآخرة خالصة لكم لا يدخل الجنة معكم أحد فتمنوا الموت لتدخلوا الجنة وتستريحوا من عناء الدنيا ومكابلة العيش فيها فإن لم تتمنوا ظهر كذبكم وثبت كفركم وأنكم أصحاب النار ، وفعلاً ما تمنوا الموت ولو تمنوه لماتوا عن آخرهم . وفي الآية الثانية ( 95 ) أخبر تعالى أن اليهود لن يتمنوا الموت أبداً وذلك بسبب ما قدموه من الذنوب والخطايا العظام الموجبة لهم عذاب النار بأنهم مجرمون ظلمة والله عليم بالظالمين وسيجزيهم بظلمهم إن حكيم عليم . وفي الآية الثالث ( 96 ) يخبر الله تعالى أن اليهود أحرص الناس على الحياة حتى من المشركين الذين يود الواحد منهم أن يعيش ألف سنة ، فكيف يتمنون الموت إذاً وهم على هذا الحال من الحرص على الحياة ، وذلك لعلمهم بسوء مصيرهم إن هم ماتوا . كما يخبر أن الكافر لا ينجيه من العذاب طول العمر ولو عاش أكثر من ألف سنة ، ثم هدد الله تعالى اليهود وتوعدهم بقوله { والله بصير بما يعملون } من الشر والفساد وسيجزيهم به . وفي الآية الرابعة ( 97 ) يأمر تعالى رسوله أن يرد على اليهود قولهم : لو كان الملك الذى بأتيك بالوحي مكيائيل لآمنا بك ، ولكن لما كان جبريل فجبريل عدونا لأنه ينزل بالعذاب ، بقوله : { قل من كان عدوا لجبريل } فليمت غيظاً وحنقاً فإن جبريل هوالذي ينزل بالقرآن بإِذن ربه على قلب رسوله مصدقاً -القرآن- لما سبقه من الكتب وهدى يهتدى به وبشى يبشر به المؤمنون الصالحون . وفي الآية الخامسة ( 98 ) يخبر تعالى أن من يعاديه عز وجل ويعادي أولياءه من الملائكة والرسل وبخاصة جبريل فإنه كافر ، والله عدو له ولسائر الكافرين .
هداية الآيات : من هداية الآيات : 1- صحة الإِسلام ، وبطلان اليهودية ، وذلك لفشل اليهود في المباهلة بتمني الموت . 2- المؤمن الصالح يفضل لموت على الحياة لما يرجوه منالراحة والسعادة بعد الموت . 3- صدق القرآن فيما أخبر به عم اليهود من حرصهم على الحياة ولو كانت رخيصة ذميمة إذ هذا أمر مشاهد منهم إلى اليوم . 4- عداوة الله تعالى للكافرين . ولذا وجب على المؤمن معاداة أهل الكفر لمعاداتهم الله ، ومعاداة الله تعالى لهم . يتبع إن شاء الله...
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الثلاثاء 08 يونيو 2021, 5:22 am عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| |
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة (02) السبت 17 أكتوبر 2015, 8:54 pm | |
| وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)
شرح الكلمات : { البيت } : الكعبة التي هي البيت الحرام بمكة المكرمة . { مثابة } : مرجعاً يثوب إليه العُمَّارُ والحجاج . { أمناً } : مكاناً آمناً يأمن فيه كل من دخله . { مقام ابراهيم } : الحجر الذي كان قد قام عليه ابراهيم أيام كان يبيني البيت وذلك أنه لما ارتفع البناء احتاج إبراهيم إلى حجر عال يرقى عليه ليواصل بناء الجدران فجيء بهذا الحجر فقام عليه فسمي مقام إبراهيم . { مصلى } : مكان يصلى فيه أو عنده أو إليه . { عهدنا } : وصينا وأمرنا . { تطهير البيت } : تنزيهه عن الأقذار الحسية كالدماء والأبوال ومعنوية كالشر والبدع والمفاسد . { اضطره } : ألجئه مكرها إلى العذاب .
معنى الآيتين : ما زال السياق في تذكير المشركين وأهل الكتاب معاً بأبي الأنبياء وإمام الموحدين إبراهيم عليه السلام ، ومآثره الطيبة الحميدة ، ومواقفه الإِيمانية العظيمة ليتجلى بذلك بطلان دعوى كل من أهل الكتاب والمشركين في انتسابهم إلى إبراهيم كذباً وزوراً إذ هو موحد وهم مشركون وهو مؤمن وهم كافرون فقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : اذكر لهم كيف جعلنا البيت مثابة للناس يثوبون إليه في كل زمان حجاجاً وعماراً ، وأمناً دائماً من يدخله أمن على نفسه وماله وعرضه . وقلنا لمن حجوا البيت أو أعتمروا اتخذوا من مقام إبراهيم مصلى فكان مِن سنةِ مَنْ طاف بالبيت من كل رجس معنوياً كالأصنام وعبادة غير الله تعالى أو حسياً كالأقذار والأوساخ من دم أو بول حتى يتمكن الطائفون والعاكفون والمصلون من أداء هذه العبادات بلا أي أذىً يلحقهم أو يضايقهم . هذا ما تضمنته الآية ( 125 ) أما الثانية ( 126 ) فقد تضمنت أمر الله تعالى لرسوله أن يذكر دعوة إبراهيم ربَّه بأن يجعل مكة بلداً آمناً من دخله يأمن فيه على نفسه وماله وعرضه ، وأن يرزق أهله وسكانه المؤمنين من الثمرات وأن الله قد استجاب لإبراهيم دعوته إلا أن الكافرين لا يحرمون الرزق في الدنيا ولكن يحرمون الجنة في الدار الآخرة حيث يلجئهم تعالى مضطراً لهم عذاب النار الغليظ وبئس المصير الذي يصيرون إليه- وهو النار- من مصير .
هداية الآيات : من هداية الآيات : 1- منة الله تعالى بجعل البيت مثابة للناس وأمناً توجب حمد الله على كل مؤمن . 2- سنة صلاة ركعتين خلف المقام لمن طاف بالبيت . 3- وجوب حماية البيت والمسجد الحرام من أي ضرر يلحق من يوجد فيه من طائف وعاكف وقائم وراكع وساجد . 4- بركة دعوة إبراهيم لأهل مكة ، واستجابة الله تعالى له دعوته للله الحمد والمنة . 5- الكافر لا يحرم الرزق لكفرة بل له الحق في الحياة إلا أن يحارب فيقتل أو يسلم . 6- مصير من مات كافراً إلى النار ، لا محالة ، والموت في الحرم لا يغني عن الكافر شيئاً .
وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)
شرح الكلمات : { وإذ } : ظرف لما مضى من الزمان ويعلق بمحذوف تقديره أذكر وقت كذا وكذا . { القواعد } : جمع قاعدة ما يبنى عَلَيْه الجدار من أساس ونحوه . { البيت } : الكعبة حماها الله وطهرها . { إنك أنت السميع العليم } : هذه الجملة وسيلة توسل بها إبراهيم وولده لقبول دعائهما . { مسلمين } : منقادين لك خاضعين لأمرك ونهيك راضين بحكمك عابدين لك . { أرنا مناسكنا } : علمنا كيف نحج بيتك ، تنسكاً وتعبداً لك . { تب علينا } : وفقنا للتوبة إذا زََللَنْا واقْبَلْها منا . { وابعث فيهم رسولاً } : هذا الدعاء استجابةُ الله تعالى ، ومحمد صلى الله عليه وسلم هو ما طلباه . { الكتاب } : القرآن . { الحكمة } : السنة وأسرار الشرع والإِصابة في الأمور كلها . { يزكيهم } : يطهر أرواحهم ويكمل عقولهم ، ويهذب أخلاقهم بما يعلمهم من الكتاب والحكمة ، وما بينه لهم من ضروب الطاعات . { العزيز الحكيم } : العزيز الغالب الذي لا يغلب . الحكيم في صنعه وتدبيره بوضع كل شيء في موضعه .
معنى الآيات : ما زال السياق الكريم في ذكر مآثر إبراهيم عليه السلام المنبئة عن مكانته السامية في كمال الإِيمان والطاعة ، وعظيم الرغبة في الخير والرحمة فقد تضمنت الآيات الثلاث ذكر إبراهيم وإسماعيل وهما يبنيان البيت برفع قواعده وهما يدعوان الله تعالى بأن يتقبل منهما عملهما متوسلين إليه بأسمائه وصفاته { إنك أنت السميع العليم } . كما يسألانه عز وجل أن يجعلهما مسلمين له وأن يجعل من ذريتهما أمة مسلمة له مؤمنة به موحدة له ومنقادة لأمره ونهيه مطيعة ، وأن يعلمهما مناسك حج بيته العتيق ليحجاه على علم ويتوب عليهما ، كما سألاه عز وجل أن يبعث في ذريتهما رسولاً منهم يتلو عليهم آيات الله ويعلم الكتاب والحكمة ويزكيهم بالإِيمان وصالح الأعمال ، وجميل الخلاب وطيب الخصال . وقد استجاب الله تعالى دعاءهما فبعث في ذريتهما من أولاد إسماعيل إمام المسلمين وقائد الغر المجحلين نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم بقوله : « ن دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى . . . عليهم جميعاً السلام » .
هداية الآيات : من هدية الآيات : 1- فضل الإسهام بالنفس في بناء المساجد . 2- المؤمن البصير في دينه يفعل الخير وهو خائف أن لا يقبل منه فيسأل الله تعالى ويتوسل إليه بأسمائه وصفاته أن يتقبله منه . 3- مشروعية سؤال الله للنفس واللذرية الثبات على الإِسلام حتى الموت عليه . 4- وجوب تعلم مناسك الحج والعمرة على من أراد أن يحج أو يعتمر . 5- وجوب طلب تزكية النفس بالإِيمان والعمل الصالح ، وتهذيب الأخلاق بالعلم والحكمة . 6- مشورعية التوسل إلى الله تعالى في قبول الدعاء وذلك بأسمائه تعالى وصفاته لا بحق فلان وجاه فلان كما هو شأن المبتدعة والضلال في هذه الآيات الثلاث توسل إبراهيم وإسماعيل بالجمل التالية : 1- { إنك أنت السميع العليم } . 2- { إنك أنت التواب الرحيم } . 3- { إنك أنت العزيز الحكيم } .
وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134)
شرح الكلمات : { ومن يرغب عن ملة ابراهيم } : الرغبة عن الشيء عدم حبه وترك طلبه وملة إبراهيم هي عبادة الله وحده بما شرع لعباده . { إلا من سفه نفسه } : لا يرغب عن ملة إبراهيم التي هي دين الإِسلام إلا عبد جهل قدر نفسه فأذلها وأهانها بترك سبيل عزها وكمالها وإسعادها وهي الإِسلام . { اصطفيناه } : اخترناه لرسالتنا والبلاغ عنا ، ومن ثم رفعنا شأنه وأعلينا مقامه . { أسلم } : انقد لأمرنا ونهينا فاعبُدْنا وحدنا ولا تلتفتْ إلى غيرنا . { اصطفى لكم الدين } : اختار لكم الدين الإِسلامي ورضيه لكم فلا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون . { يعقوب } : هو اسرائيل بن اسحاق بن إبراهيم وبنوه هم يوسف وإخوته . { أمة خلت } : جماعة أمرها واحد . خلت : مضت إلى الدار الآخرة . { لها ما كسبت } : أجر ما كسبته من الخير . { ولكم ما كسبتم } : من خير أو غيره .
معنى الآيات : لما ذكر تعالى في الآيات السابقة مواقف إبراهيم السليمة الصحيحة عقيدة وإخلاصاً وعملاً صالحاً وصدقاً ووفاءً فوضح بذلك ما كان عليه إبراهيم من الدين الصحيح قال تعالى : { ومن يرغب عن ملة إبراهيم } تلك الملة الحنيفة الواضحة السهلة . اللهم لا أحد يرغب عنها إلا عبد جهل قدر نفسه ، ولم يعرف لها حقها في الطهارة والصفاء والإِكمال والإِسعاد وضمن هذا الخبر ذكر تعالى إنعامه على إبراهيم وما تفضل به عليه من الإِصطفاء في الدنيتا والإِسعاد في الآخرة في جملة الصالحين . وفي الآية الثانية ( 131 ) يذكر تعالى أن ذاك إلا اصطفاء تم لإِبراهيم عند استجابته لأمر ربه بالإِسلام حيث أسلم ولم يتردد . وفي الآية الثالثة ( 132 ) يذكر تعالى إقامة الحجة على المشركين وأهل الكتاب معاً إذ ملة الإِسلام القائمة على التوحيد وصى بها إبراهيم بنيه ، كما وصى بها يعقوب بنيه وقال لهم : لا تموتن إلا على الإِسلام فأين الوثنية العربي واليهودية والنصرانية من ملة إبراهيم ، ألا فليثب العقلاء إلى رشدهم . وفي الآي الرابعة ( 133 ) يوبخ تعالى اليهود القائلين كذباً وزوراً للنبي صلى الله عليه وسلم : ألست تعلم أن يعقوب وضى بَنيه باليهودية فقال تعالى : { أم كنتم شهداء } أي أكنتم حاضرين لما حضر يعقوب الموت فقال لبنيه مستفهماً إياهم : ما تعبدون من بعدي؟ فأجابوه بلسان واحد : { نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحق إلهاً واحداً ونحن له مسلمونَ } فإن قالوا كنا حاضرين فقد كذبوا وبهتوا ولعنوا وإن قالوا لم نحضر بطلت دعواهم أن يعقوب وصى بنيه باليهودية ، وثبت أنه وصاهم بالإِسلام لا باليهودية . وفي الآية الأخيرة ( 134 ) ينهي تعالى جدل اليهود الفارغ فيقول لهم : { تلك أمة قد خلت } -يعني إبراهيم وأولاده- لها ما كسبت من الإِيمان وصالح الأعمال ، ولكم أنتم معشر يهود ما اكتسبتم من الكفر والمعاصي وسوف لا تسألون يوم القيامة عن أعمال غيركم وإنما تسألون عن أعمالكم وتجزون بها ، فاتركوا الجدل وأقبلوا على ما ينفعكم في آخرتكم وهو الإِيمان الصحيح والعمل الصالح ، ولا يتم لكم هذا إلا بالإِسلام فأسلموا .
هداية الآيات : من هداية الآيات : 1- لا يرغب عن الإِسلام بتركه أو طلب غيره من الأديان إلا سفيه لا يعرف قدر نفسه . 2- الإِسلام دين البشرية جمعاء ، وما عداه فهي أديان مبتدعة باطلة . 3- استحباب الوصية للمريض يوصي فيها بنيه وسائر أفراد أسرته بالإِسلام حتى الموت عليه . 4- كذب اليهود وبهتانهم وصدق من قال : اليهود قوم بهت . 5- يحسن بالمرء ترك الإِعتزاز بشرف وصلاح الماضيين ، والإِقبال على نفسه بتزكيتها وتطهيرها . 6- سنة الله في الخلق أن المرء يجزى بعمله ، ولا يسأل عن عمل غيره . 7- يطلق لفظ الأب على العم تغليباً وتعظيماً .
وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135) قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138)
شرح الكلمات : { تهتدوا } : تصيبوا طريق الحق . { ملة إبراهيم } : دين إبراهيم الذي كان عليه . { حنفياً } : مستقيماً على دين الله موحداً فيه لا يشرك بالله شيئاً . { ما أوتي موسى } : التوراة . { وما أوتي عيسى } : الإِنجيل . { في شقاق } : خلاف وفراق وعداء لك وحرب عليك . { صبغة الله } : دينه الذي طهرنا به ظاهراً وباطناً فظهرت آثاره علينا كما يظهر أثر الصبغ على الثوب المصبوغ .
معنى الآيات : ما زال السياق في حجاج أهل الكتاب ودعوتهم إلى الإِسلام فقد قال اليهود للرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه . كونوا يهوداً تهتدوا إلى الحق ، وقالت النصارى من وفد نجران كذلك كونوا نصارى تهتدوا فحكى الله تعالى قولهم ، وعلم رسوله أن يقول لهم لا نتبع يهوية ولا نصرانية بل نتبع دين إبراهيم الحنيف المفضي بصاحبه إلى السعادة والكمال . وفي الآية الثانية ( 136 ) أمر الله تعالى رسوله والمؤمنين أن يعلنوا في وضوح عن عقيدتهم الحقة وهي الإِيمان بالله وما أنزل من القرآن ، وما أنزل على الأنبياء كافة ، وما أوتي موسى وعيسى من التوراة والإِنجيل خاصة ، مع عدم التفرقة بين رسول ورسول والإسلام الظاهر والباطن لله رب العالمين . وفي الآية الثالثة ( 137 ) يقول تعالى لرسوله والمؤمنين إن آمن اليهود والنصارى إيماناً صحيحاً كإيمانكم فقد اهتدوا ، وإن أبوا فتولوا وأعرضوا فأمرهم لا يعدو شقاقاً وحرباً لله ورسوله ، والله تعالى سيكفيكهم بما يشاء وهو السميع لأقوالهم الباطلة العليم بأعمالهم الفاسدة ، وقد أنجز تعالى وعده لرسوله فأخرج اليهود من المدينة بل ومن الحجاز مع ما جللهم به من الخزي والعار . وفي الآية الرابعة ( 138 ) يقول تعالى لرسوله والمؤمنين رداً على اليهود والنصارى قولوا لهم : نتبع صبغة الله التي صبغنا بها وفطرته التي فطرنا عليها وهي الإِسلام . ونحن له تعالى عابدون .
هداية الآيات : من هداية الآيات : 1- لا هداية إلا في الإِسلام ولا سعادة ولا كمل إلا بالإِسلام . 2- الكفر برسول ، كفر بكل الرسل فقد كفر اليهود بعيسى ، وكفر النصارى بمحمد صلى الله عليه وسلم فأصبحوا بذلك كافرين ، وآمن المسلمون بكل الرسل فأصحبوا بذلك مؤمنين . 3- لا يزال اليهود والنصارى في عداء للإِسلام وحرب على المسلمين ، والمسلمون يكفيهم الله تعالى شرهم إذا هم استقاموا على الإِسلام عقيدة وعبادة وخلقاً وأدباً وحكماً . 4-الواجب على من دخل في الإِسْلام أن يغتسل غسلاً كغسل الجنابة إذ هذا من صبغة الله تعالى ، لا المعمودية النصرانية التي هي غمس المولود يوم السابع من ولادته في ماء يقال له المعمودي وإدعاء انه طهر بذلك ولا يحتاج إلى الختان .
قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (139) أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (141)
شرح الكلمات : { أتحاجوننا في الله } : أتجادلوننا في دينه والإِيمان به وبرسوله ، والإِستفهام للإِنكار . { له مخلصون } : مخلصون العبادة له ، لا نشرك غيره فيها ، وأنتم مشركون . { شهادة عنده من الله } : المراد بهذه الشهادة ما أخذ عليهم في كتابهم من الإِيمان بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم عند ظهوره . { الغافل } : من لا يتفطن للأمور لعدم مبالاته بها .
معنى الآيات : يأمر تعالى رسوله أن ينكر على أهل الكتاب جدالهم في الله تعالى إذ ادعوا أنهم أولى بالله من الرسول والمؤمنين وقالوا نحن أبناء الله وأحباؤه ، فعلّم الله رسوله كيف ير عليهم منكراً عليهم دعواهم الباطلة . كما أفحمهم وقطع حجتهم في دعواهم أن إبراهيم والأنبياء بعده كانوا هوداً أو نصارى ، إذ قال له قل لهم : { أأنتم أعلم أم الله؟ } فإن قالوا نحن أعلم ، كفروا وإن قالوا الله أعلم انقطعوا لأن الله تعالى أخبر أنهم ما كانوا أبداً يهوداً ولا نصارى ، ولكن كانوا مسلمين ، ثم هددهم تعالى بجريمتهم الكبرى وهي كتمانهم الحق وجحودهم نعوت الرسول والأمر بالأيمان به عند ظهوره فقال ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله ، وما الله بغافل عما تعملون . ثم أعاد لهم ما أدبهم به في الآيات السابقة مبالغة في تأديبهم وإصلاحهم لو كانوا أهلاً لذلك فأعلمهم أن التمسح بأعتاب الماضين والتشبث بالنصب الفارغة إلى الأولين غير مجد لهم لوا نافع فليقبلوا على إنقاذ أنفسهم من الجهل والكفر بالإِيمان والإِسلام والإِحسان ، أما من مضوا فهم أمة قد أفضوا إلى ما كسبوا وسيجزون به ، وأنتم لكم ما كسبتم وستجزون به ، ولا تجزون بعمل غيركم ولا تسألون عنه .
هداية الآيات : من هداية الآيات : 1- فضيلة الإِخلاص وهو عدم الإِلتفات إلى غير الله تعالى عند القيام بالعبادات . 2- كل امرىء يجزىء بعمله ، وغير مسئول عن عمل غيره ، إلا إذا كان سبباً فيه . 3- اليهودية والنصرانية بدعة ابتدعها اليهود والنصارى . 4- تفاوت الظلم بحسب الآثار المترتبه عليه . 5- حرمة كتمان الشهادة لا سيما شهادة من الله تعالى . 6- عدم الاتكال على حَسَبِ الآباء والأجداد ، ووجوب الإِقبال على النفس لتزكيتها وتطهيرها بالإِيمان الصحيح والعمل الصالح .
سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143)
شرح الكلمات : { السفهاء } : جمع سفيه وهو ببه ضعف عقلي لتقليده وإعراضه عن النظر نجم عنه فساد خُلُقٍ وسوء سلوك . { ماولاَّهم } : ما صرفهم عن استقبال بيت المقدس إلى استقبال الكعبة بمكة . { القبلة } : الجهة التي يستقبلها المرء وتكون قبالته في صلاته . { أمةً وسطاً } : وسط كل شيء خياره ، والمراد منه أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير الأمم وأعدلها . { ينقلب على عقبيه } : يرجع إلى الكفر بعد الإِيمان . { لكبيرةً } : شاقة على النفس صعبة لا تطاق إلا بجهد كبير وهي التحويلة من قبلة مألوفة إلى قبلة حديثة . { إيمانكم } : صلاتكم التي صليتموها إلى بيت المقدس قبل التحول إلى الكعبة . { رؤوف رحيم } : يدفع الضرر عنكم ويفيض الإِحسان عليكم .
معنى الآيتين : يخبر الله تعالى بأمر يعلمه قبل وقوعه ، وحكمة الإِخبار به قبل وقوعه تخفيف أثره على نفوس المؤمنين إذ يفقد نقدهُم المرير عنصر المفاجأة فيه فلا تضطرب له نفوس المؤمن . فقاله تعالى : { سيقول السفهاء من الناس ما ولاهَّم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ } وحصل هذا لم حوّل الله تعالى رسول والمؤمنين من استقبال بيت المقدس في الصلاة إلى الكعبة تحقيقاً لرغبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ولعلة الاختبار التي تضمنتها الآية التالية فأخبر تعالى بما سيقوله السفهاء من اليهود والمنافقين والمشركين وعلَّم المؤمنين كيف يردون على السفهاء ، فقال : قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم فلا اعتراض عليه يوجه عباده حيث يشاء ، ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم . وفي الآية الثانية ( 143 ) يقول تعالى : { وكذلك جعلناكم أمة وسطاً } خياراً عدولاً أي كما هديناكم إلى أفضل قبلة وهي الكعبة قبلة إبراهيم عليه السلام جعلناكم خيراً أمة وأعدلها فأهلناكم بذلك للشهادة على الأمم يوم القيامة إذا أنكروا أن رسلهم قد بلغتم رسالات ربهم ، وأنتم لذلك لا تشهد عليكم الأمم ولكن يشهد عليكم رسولكم وفي هذا من التكريم والإِنعام ما الله به عليم ، ثم ذكر تعالى العلة في تحويل القبلة فقال : { وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول } فثبت على إيمانه وطاعته وانقياده لله ولرسوله ممن يؤثر فيه نقد السفهاء فتطضرب نفسه ويجاري السفهاء فيهلك بالردة معهم . ثم أخبر تعالى أن هذه التحويلة من بيت المقدس إلى الكعبة شاقة عل النفس إلا على الذين هداهم الله إلى معرفته ومعرفة محابه ومكارهه فهم لذلك لا يجدون أي صعوبة في الانتقال من طاعة إلى طاعة ومن قبلة إلى قبلة ، مادام ربهم قد أحب ذلك وأمر به . وأخيراً طمأنهم تعالى على أجور صلاتهم التي صلوها إلى بيت المقدس وهي صلاة قرابة سبعة عشر شهراً بأنه لا يُضيعها لهم بل يجزيهم بها كاملة سواء من مات منهم وهو يصلي إلى بيت المقدس أو من حَييَ حَتَّى صلى إلى الكعبة وهذا مظهر من مظاهر رأفته تعالى بعباده ورحمته .
هداية الآيتين : 1- جواز النسخ في الإِسلام فهذا نسخ إلى بدل من الصلاة إلى بيت المقدس إلى الصلاة إلى الكعبة في مكة المكرمة . 2- الأراجيف وافتعال الأزمات وتهويل الأمور شأن الكفار إزاء المسلميم طوال الحياة فعلى المؤمنين أن يثبتوا ولا يتزعزعوا حتى يَظْهَر الباطلُ وَيَنْكَشِفَ الزيفُ وتنتهَي الفتنة . 3- أفضلية أمة الإِسلام على سائر الأمم لكونها أمة الوسط والوسيط شعارها . 4- جَوَازُ امْتِحَانِ المؤمن وجريانه عليه . 5- صحة صلاة من صلى إلى غير القبلة وهو لا يعلم ذلك وله أجرها وليس عليه اعادتها ولو صلى شهوراً إلى غير القبلة ما دام قد اجتهد ي معرفة القبلة ثم ثلى إلى حيث أدّاه اجتهاده .
قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144) وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (147)
شرح الكلمات : { تقلب وجهك في السماء } : تردده بالنظر إليها مرة بعد أخرى انتظاراً لنزول الوحي . { فلنولينك قبلة ترضاها } : فنحولنك إلى القبلة التي تحبها وهي الكعبة . { فول وجهك شطر المسجد } : حوّل وجهك جهة المسجد الحرام بمكة . { الحرام } : بمعنى المحرم لا يسفك فيه دم ولا يقتل فيه أحد . { الشطر } : هنا الجهة واستقبال الجهة يحصل به استقبال بعض البيت في المسجد الحرام ، لأن الشطر لغة : النصف أو الجزاء مطلقاً . { أنه الحق من ربهم } : أي تحول القِبلة جاء منصوصاً عليه في الكتب السابقة . { آية } : حجة وبرهان . { يعرفونه } : الضمير عائد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أي يعلمون نه نبي الله ورسوله لما في كتبهم من صفاته الواضحة القطعية . { من الممترين } : الشاكين والامتراء : الشك وعدم التصديق .
معنى الآيات : يعلم الله تعالى رسوله أنه كان يراه وهو يقلَّب وجهه في السماء انتظاراً لوحي يؤمر فيه باستقبال الكعبة بدل بيت المقدس لرغبته في مخالفة اليهود ولحبه لقبلة أبيه إبراهيم إذ هي أول قبلة وأفضلها فبناء على ذلك { فولِ وجهك شطر المسجد الحرام } ، وبهذا الأمر الإِلهي تحولت القبلة وروي أنه كان يصلي الظهر في مسجد بني سلمة المعروف الآن بمسجد القبلتين فصلى الرسول والمؤمنون وراءه ركعتين إلى بيت المقدس وركعتين إلى الكعبة ، وكيلا تكونَ القبلةُ خاصة بمن كان بالمدينة قال تعالى : { وحيث ما كنتم } أي في نواحي البلاد وأقطار الأرض { فولوا وجوهكم شطره } أي شطر المسجد الحرام كما أخبر تعالى وما أحدثوه من التشويش والتشويه إزاء تحول القبلة فقد علمه وسيجزيهم به إذ لم يكن تعالى بغافل عما يعملونه . وفي الآية الثانية ( 145 ) يخبر تعالى بحقيقة ثابتة وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم لو أتى اليهود والنصارى إلى قبلته كما أن النصارى لم يكونوا ليصلوا إلى بيت المقدس قبلة اليهود ، ولا اليهود ليصلوا إلى مطلع الشمس قبلة النصارى ، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين لم يكونوا أبداً ليتابعوا أهل الكتاب على قبلتهم بعد أن هداهم الله إلى أفضل قبلة وأحبها إليهم . وأخيراً يحذر الله رسوله أن يبتع أهواء اليهود فيوافقهم على بدعهم وضلالاتهم بعد الذي أعطاه من العلم وهداه إليه من الحق ، وحاشاه صلى الله عليه وسلم أن يفعل ولو فعل لكان من الظالمين . وفي الآية الثالثة ( 146 ) يخبر تعالى أن علماء أهل الكتاب يعرفون أن الرسول حق وأن ما جاء به هو الحق معرفةً تامةً كمعرفتهم لأبنائهم ، ولكن فريقاً كبيراً منهم يكتمون الحق وهم يعلمون أنه الحق ، وفي الآية الرابعة ( 147 ) يخبر تعالى رسوله بأن ما هو عليه من الدين الحق هو الحق الوارد إليه من ربه فلا ينبغي أن يكون من الشاكين بحال من الأحوال .
هداية الآيات : من هداية الآيات : 1- وجوب استقبال القبلة في الصلاة وفي أي مكان كان المصلي عليه أن يتجه إلى جهة مكة . 2- كفر كثير من أهل الكتاب كان على علم ايثاراً للدنيا على الآخرة . 3- حرمة موافقة المسلمين أهل الكتاب على بدعة من بدعهم الدينية مهما كانت . 4- علماء أهل الكتاب المعاصِرُونَ للنبي صلى الله عليه وسلم أنه النبي المبشر به وأنه النبي الخاتم واعرضوا عن الايمان به وعن متابعته إيثاراً للدنيا على الآخرة .
وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (149) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150) كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152)
شرح الكلمات : { ولكلٍ وجهة هو موليها } : التنوين في ( كل ) دال على محذوف ، هو لكل أهل ملة كالإِسلام ، واليهودية والنصرانية قبلة يولون وجوههم لها في صلاتهم . { الخيرات } : البر والطاعة لله ورسوله . { الحجة } : الدليل القوي الذي يظهر به صاحبه على من يخاصمه . { نعمتي } : نعم الله كثيرة وأعظمها نعمة الاسلام وإتمامها بمواصلة التشريع والعمل به إلى نهاية الكمال ، وكان ذلك في حجة الوداع بعرفات حيث نزلت آية : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام ديناً } { رسولاً } : هو محمد صلى الله عليه وسلم والتنكير في للتعظيم . { يزكيكم } : يطهركم من الذنوب والأخلاق السيئة والملكات الرديئة . { الحكمة } : السنة وهي كل قول صالح لا ينتهي صلاحه ونفعه بمرور الزمن . { الشكر } : إظهار النعمة بصرفها فيما من أجله وهبها الله تعالى لعباده . { والكفر } : جحد النعم وإخفاؤها وصرفها في غير ما يحب الله تعالى .
معنى الآيات : بعد تقرير تلك الحقيقة التي تضمنتها آية { ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب } إلخ . . . وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم لو أتى أهل الكتاب بكل آية تدل على صدقه في أمر القبلة ما تبعوا قبلته ، النصارى يستقبلون بيت المقدس . أخبر تعالى أن لكل أمة قبلة مولية وجهها الشمس ولا صلاتها ، فاتركوا أيها المسلمون أهل تلك الملل الضالة وسابقوا في الخيرات ونافسوا في الصالحات شكراً لربكم على نعمة هدايته لكم لقبلة أبيك إبراهيم فإنه تعالى جمعكم ليوم القيامة وسائلكم ومجازيكم بأعمالكم إنه على كل شيء قدير ، هذا ثم أمر الله رسوله أن يولي وجهه شطر المسجد الحرام حيثما كان في الحضر كان أو في السفر وأعلمه أن تحوله إلى الكعبة حقٌ ثابت من ربه تعالى فلا يتردد فيه . هذا ما تضمنته الآيتان ( 148 ) و ( 149 ) وأما الآية ( 150 ) فإنه تعالى أمر رسوله والمؤمنين بأن يولوا وجوههم شطر المسجد الحرام حيثما كانوا وأينما وجدوا ويثبتوا على ذلك حتى لا يكون لأعدائهم من اليهود والمشركين حجة ، إذ يقول اليهود : ينكرون ديننا ويستقبلون قبلتنا ، ويقول المشركون : يدعون أنهم على ملة ابراهيم ويخالفون قبلته . هذا بالنسبة للمعتدلين منهم أما الظالمون والمكابرون فإنهم لا سبيل إلى اقناعهم إذ قالوا بالفعل : ما تحول إلى الكعبة إلا ميلاً إلى دين آبائه ويوشك أن يرجع إليه ، فمثل هؤلاء لا يبالي بهم ولا يلتفت إليهم كما قال تعالى : { إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني } . فاثبتوا على قبلتكم الحق لأتم نعمتي عليكم بهدايتكم إلى أحسن الشرائع وأقومها ، ولأهيئكم لكل خير وكمال مثل ما أنعمت عليكم بإرسال رسولي ، يزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ، ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمونه من أمور الدين والدنيا معاً وفي الآية الأخيرة ( 152 ) أمر تعالى المؤمنين بذكره وشكره ، ونهاهم عن نسيانه كفره ، فقال تعالى : { فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون } لما في ذكره بأسمائه وصفاته ووعده ووعيده من موجبات محبته ورضاه ولما في شكره بإقامة الصلاة وأداء سائر العبادات من مقتضيات رحمته وفضله ولم في نسيانه وكفرانه من التعرض لغضبه وشديد عقابه وأليم عذابه .
هداية الآيات : من هداية الآيات : 1- الاعراض عن جدل المعاندين ، والاقبال على الطاعات تنافساً فيها وتسابقاً إليها إذ هو أنفع وأجدى من الجدل والخصومات مع من لا يرجى رجوعه إلى الحق . 2- وجوب استقبال القبلة في الصلاة وسواء كان في السفر أو في الحضر إلا أن المسافر يجوز أن يصلي النافلة حيث توجهت دابته أو طيارته أو سيارته إلى القبلة وإلى غيرها . 3- حرمة خشية الناس ووجوب خشية الله تعالى . 4- وجوب شكر الله تعالى على نعمه الظاهرة والباطنة . 5- وجوب تعلم العلم الضروري ليتمكن العبد من عبادة الله عبادة تزكي نفسه . 6- وجوب ذكر الله بالتهليل والتكبير والتسبيح ووجوب شكره بطاعته . 7- حرمة نسيان ذكر الله ، وكفران نعمه بترك شكرها . يتبع إن شاء الله...
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الثلاثاء 08 يونيو 2021, 5:23 am عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة (02) السبت 17 أكتوبر 2015, 9:01 pm | |
| يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)
شرح الكلمات : { الاستعانة } : طلب المعونة والقدرة على القول أو العمل . { الصبر } : حمل النفس على المكروه وتوطينها على احتمال المكاره . { الشعور } : الاحساس بالشيء المفضي إلى العلم به . { الابتلاء } : الاختبار والامتحان لإِظهار ما عليه الممتحن من قوة أو ضعف . { الأموال } : جمع مال وقد يكون ناطقاً وهو المواشي ويكون صامتاً وهو النقدان وغيرهما { المصيبة } : ما يصيب العبد من ضرر في نفسه أو أهله أو ماله . { الصلوات } : جمع صلاة وهي من الله تعالى هنا المغفرة لعطف الرحمة عليها . { ورحمة } : الرحمة الإِنعام وهو جلب ما يسر ودفع ما يضر ، وأعظم ذلك دخول الجنة بعد النجاة من النار . { المهتدون } : إلى طريق السعادة والكمال بإيمانهم وابتلاء الله تعالى لهم وصبرهم على ذلك .
معنى الآيات : نادى الرب عباده المؤمنين وهم أهل ملة الإِسلام المسلمون ليرشدهم إلى ما يكون عوناً لهم على الثبات على قبلتهم التي اختارها لهم ، وعلى ذكر ربهم وشكره وعدم نسيانه وكفره فقال : { يا أيها الذين آمنوا استعينوا } أي على ما طلب منكم من الثبات والذكر ولشكر ، وترك النسيان ولكفر بالصبر الذي هو توطين النفس وحملها على أمر الله تعالى به وبإقام الصلاة ، وأعلمهم أنه مع الصابرين يمدهم بالعون والقوة ، فإذا صبروا نالهم عون الله تعالى وتقويته وهذا ما تضمنته الآية الأولى ( 153 ) أما الآية الثانية ( 154 ) فقد تضمنت نهيه تعالى لهم أن يقولوا معتقدين إن من قتل في سبيل الله ميت إذ هو ي في البرزخ وليس بميت بل هو حي يرزق في الجنة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر تسرح في الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش » . ( رواه مسلم ) . فلذا لا يقال لمن قتل في سبيل الله مات ولكن استشهد وهو شهيد وحيّ عند ربه حياة لا نحسها ولا نشعر بها لمفارقتها للحياة في هذه الدار . وأما الآية الثالثة ( 155 ) فإنه يقسم تعالى لعباده المؤمنين على أنه يبتليهم بشيء من الخوف بواسطة اعدائه واعدائهم وهم الكفار عندما يشنون الحروب عليهم وبالجوع لحصار العدو ولغيره من الأسباب ، وبنقص الأموال كموت الماشية للحرب والقحط ، وبالأنفس كموت الرجال ، وبفساد الثمار بالجوائح ، كل ذلك لإِظهار من يصبر على إيمانه وطاعة ربه بامتثال أمره واجتناب نهيه ومن لا يصبر فيحرم ولاية الله وأجره ، ثم أمر رسوله بأن يبشر الصابرين ، وبين في الآية الرابعة ( 156 ) حال الصابرين وهي أنهم إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله ، فله أن يصيبنا بما شاء لأنَّا ملكه وعبيده ، وإنا إليه راجعون بالموت فلا جزع إذاً ولكن تسليم لحكمه ورضاً بقضائه وقدره ، وفي الآية الخامسة (157) أخبر تعالى مبشراً أولئك الصابرين بمغفرة ذنوبهم وبرحمة من ربهم ، وإنهم المهتدون إلى سعادتهم وكمالهم، فقال: {أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك المهتدون} .
هداية الآيات : من هداية الآيات : 1- فضيلة الصبر والأمر به الاستعانة بالصبر والصلاة على المصائب والتكاليف وفي الحديث كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة . 2- فضل الشهداء على غيرهم بحياتهم عند ربهم حياة أكمل من حياة غيرهم في الجنة . 3- قد يبتلى المؤمن بالمصائب في النفس والأهل والمال ليصبر فترتفع درجته ويعلو مقامه عند ربه . 4- فضيلة الاسترجاع عند المصيبة وهو قول : إن الله وإنا إليه راجعون ، وفي الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم ، « ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيراً منها » . ( رواه مسلم )
إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158)
شرح الكلمات : { الصفا والمروة } : جبل مقابل البيت في الجهة الشرقية الجنوبية ، والمروة جبل آخر مقابل الصفا من الجهة الشمالية والمسافة بينهما قرابة ( 760 ) ذراعاً . { شعائر الله } : أعلام دينه جمع شعيرة وهي العلامة على عبادة الله تعالى فالسعي بين الصفا والمروة شعيرة لأنه دال على طاعة الله تعالى . { الحج } : زيارة بيت الله تعالى لأداء عبادات معينة تسمى نسكاً . { العمرة } : زيارة بيت الله تعالى للطواف به والسعي بين الصفا والمروة والتحلل بحلق شعر الرأس أو تقصيره . { الجناح } : الاثم وما يترتب على المخالفة بترك الواجب أو بفعل المنهى عنه . { يطوَّف } : يسعى بينهما ذاهباً جائياً . { خيراً } : الخير اسم لكل ما يجلب المسرة ، ويدفع المضرة والمراد به هنا العمل الصالح .
معنى الآية الكريمة : يخبر تعالى مقرراً فرضية السعي بين الصفا والمروة ، ودافعاً ما توهمه بعض المؤمنين من وجود إثم في السعي بينهما نظراً إلى أنه كان في الجاهلية على الصفا صنم يقال له إسافٌ ، وآخر علىلمروة يقال له نائلة يتمسح بهما من يسعى بين الصفا والمروة فقال تعالى : إن الصفا والمروة يعني السعي بينهما من شعائر الله أي عبادة من عباداته إذ تعبد بالسعي بينهما نبيه إبراهيم وولده إسماعيل والمسلمون من ذريتهما . فمن حج البيت لأداء فريضة الحج أو اعتمر لأداه واجب العمرة فليسع بينهما إداءً لركن الحج والعمرة ولا إثم عليه في كون المشركين كانوا يسعون بينهما لأجل الصنمين : اساف ونائلة . ثم أخبر تعالى واعداً عباده المؤمنين أن من يتطوع منهم بفعل خير من الخيرات يجزه به وثبه عليه ، لأنه تعالى يشكر بعباده المؤمنين أعمالهم الصالحة وثيبهم عليها لعلمه بتلك الأعمال ونيات أصحابها ، هذا معنى قوله تعالى : { فمن تطوع خيراً فإن الله شاكر عليم } .
هداية الآية الكريمة : من هداية الآية : 1- وجوب السعي بين الصفا والمروة لكل من طاف بالبيت حاجاً أو معتمراً وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي » . ( رواه الدارقطني ولم يعل ) وسعى صلى الله عليه وسلم في عمراته كلها وفي حجه كذلك . 2- لا حرج في الصلاة في كنيسيةٍ حولت مسجداً ، ولا يضر كونها كانت معبداً للكفار . 3- الترغيب في فعل الخيرات من غير الواجبات ، وذلك من سائر النوافل كالطواف والصلاة والصيام والصدقات والرباط والجهاد .
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (162)
شرح الكلمات : { يكتمون } : يخفون ويغطون حتى لا يظهر الشىء المكتوم ولا يعرف فيؤخذ به . { البينات } : جمع بينة وهي ما يثبت به شيء المراد إثباته ، والمراد به هنا ما يثبت نبوة محمد صلى الله عليه وسلم من نعوت وصفات جاءت في كتاب أهل الكتاب . { الهدى } : ما يدل على المطلب الصحيح ويساعد على الوصول إليه والمراد به هنا ما جاء به رسول الله من الدين الصحيح المفضي بالآخذ به إلى الكمال والسعاة في الدنيا والآخرة . { فى الكتاب } : التوراة والانجيل . { اللعنة } : الطرد والبعد من كل خير ورحمة . { اللاعنون } : من يصدر عنهم اللعن كالملائكة والمؤمنين . { أصلحوا } : ما أفسدوه من عقائد الناس وأمور دينهم بإظهار ما كتموه والايمان بما كذبوا به وأنكروه . { ولا هم ينظرون } : أي بأن يمهلوا ليعتذروا ، كقوله تعالى : ولا يؤذن لهم فيعتذرون
معنى الآيات : عاد السياق بعد الاجابة عن تحرج بعض المسلمين من السعي بين الصفا والمروة عاد إلى التنديد بجرائم علماء أهل الكتاب ، ودعوتهم إلى التوبة بإظهار الحق والايمان به فأخبر تعالى أن الذين يكتمون ما أنزله من البينات والهدى في التوراة والانجيل من صفات الرسول محمد صلى الله عليه وسلم والأمر بالايمان به وبما جاء به من الدين ، هؤلاء البعداء يلعنهم الله تعالى وتلعنهم الملائكة والمؤمنون . هذا ما تضمنته الآية الأولى ( 159 ) وفي الآية التي بعدها ( 160 ) استثنى تعالى من المبعدين من رحمته من تاب من أولئك الكاتمين للحق بعدما عرفوه فبينوا وأصلحوا فهؤلاء يتوب عليهم ويرحمهم وهو التواب الرحيم . وفي الآية الثالثة ( 161 ) والرابعة ( 162 ) أخبر تعالى أن الذين كفروا من أهل الكتاب وغيرهم بنبيه وينه ولم يتوبوا فماتوا على كفرهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ولذا فهم مطرودون مبعدون من الرحمة الإِلهية وهي الجنة خالدون في جهنم لا يخفف عنهم عذابها ، ولا يمهلون فيعتذرون .
هداية الآيات : من هداية الآيات : 1- حرمة كتمان العلم وفي الحديث الصحيح « من كتم علماً ألجمه الله بلجام من نار » . وقال أبو هريرة رضي الله عنه في ظروف معينة : ( لولا آية من كتاب الله ما حدثتكم حديثاً ) وتلا { إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات } إلخ . . . 2- يشترط لتوبة من أفسد في ظلمه وجهله اصلاح ما أفسد ببيان ما حرف أو بدل وغير ، وإظهار ما كتم ، وأداء ما أخذه بغير الحق . 3- من كفر ومات على كفره من سائر الناس يلقى في جهنم بعد موته خالداً في العذاب مخلداً لا يخفف عنه ولا ينظر فيعتذر ، ولا يفتر عنه العذاب فيستريح . 4- جواز لعن المجاهرين بالمعاصي كشراب الخمر والمرابين ، والمتشبهين من الرجال بالنساء ومن النساء بالرجال .
وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)
شرح الكلمات : { الإِله } : المعبود بحق أو بباطل ، والله سبحانه وتعالى هو الإِله الحق المعبود بحق . { وإلهكم إله واحد } : في ذاته وصفاته ، وفي ربوبيته فلا خالق ولا رازق ولا مدبر للكون والحياة إلا هو وفي ألوهيته أي في عبادته فلا معبود بحق سواه . { اختلاف الليل والنهار } : بوجود أحدهما وغياب الثاني لمنافع العباد بحيث لا يكون النهار دائماً ولا الليل دائماً . { وبث فيها من كل دابة } : وفرق في الأرض ونشر فيها من سائر أنواع الدواب . { تصريف الرياح } : باختلاف مهابها مرة صبا ومرة دبور ومرة شمالية ومرة غربية أو مرة ملقحة ومرة عقيم .
معنى الآيتين : لما أوجب الله على العلماء بيان العلم والهدى وحرم كتمانهما أخبر أنه الإِله الواحد الرحمن الرحيم وأن هذا أول ما على العلماء أن يبينوه للناس وهو توحيده تعالى في ربوبيته وعبادته وأسمائه وصفاته ، ولما سمع بعض المشركين تقرير هذه الحقيقة : وإلهكم إله واحد قالوا : هل من دليل -يريدون على أنه لا إله إلا الله- فأنزل الله تعالى هذه الآية : { إن في خلق السموات والأرض } إلى قوله { يعقلون } مشتملة على ستّ آيات كونية كل آية برهان ساطع ودليل قاطع على وجود الله وقدرته وعلمه وحكمته ورحمته وهي كلها موجره لعبادته وحده دون من سواه . الأولى : خلق السموات والأرض وهو خلق عظيم لا يتأتي للقادر الذي لا يعجزه شىء . الثانية : اختلاف الليل والنهار بتعاقبهما وطول هذا وقصر ذاك . الثالثة : جريان الفلك -السفن- في البحر على ضخامتها وكبرها وهي تحمل مئات الأطنان من الأرزاق وما ينتفع به الناس في حياتهم . الرابعة : إنزاله تعالى المضر من السماء لحياة الأرض بالنباتات والزروع بعد جدبها وموتها . الخامسة : تصريف الرياح حارة وباردة ملقحة وغير ملقحة ، شرقية وغربية وشمالية وجنوبية بحسب حاجة الناس وما تطلبه حياتهم . السادسة : السحاب المسخر بين السماء والأرض تكوينه وسوقه من بلد إلى آخر ليمطر هنا ولا يمطر هناك حسب إرادة العزيز الحكيم . ففي هذه الآيات الست أكبر برهان وأقوى ليل على وجود الله تعالى وعلمه وقدرته وحكمته ورحمته وهو لذلك رب العالمين وإله الأولين والآخرين ولا رب غيره ولا إله سواه . إلا أن الذيب يجد هذه الأدلة ويراها ماثلة في الآيات المذكورة هو العاقل أما من لا عقل له لأنه عطل عقله فلم يستعمله في التفكير والفهم والإِدراك ، واستعمل بدل العقل الهوى فإنه أعمى لا يبصر شيئاً وأصم لا يسمع شيئاً ، وأحمق لا يعقل شيئاً ، والعياذ بالله تعالى .
هداية الآيتين : من هداية الآيتين : 1- لا إله إلا الله فلا تصح العبادة لغير الله تعالى ، لأنه لا إله حق إلا هو . 2- الآيات الكونية في السموات والأرض تثبت وجود الله تعالى رباً وإلهاً موصوفاً بكل كمال منزهاً عن كل نقصان . 3- الآيات التنزيلية القرآنية تثبت وجود الله رباً وإلهاً وتثبت النبة والمحمدية وتقرر رسالته صلى الله عليه وسلم . 4- الانتفاع بالآيات مطلقاً -آيات الكتاب أو آيات الكون- خاص بمن يستعملون عقولهم دون أهوائهم .
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167)
شرح الكلمات : { أنداداً } : جمع ند وهو المثل والنظير والمراد بالأنداد هنا الشركاة يعبدونها بحبها والتقرب إليها بأنواع العبادات كالدعاء والنذر لها والحلف بها . { التبرؤ } : التنصل من الشيء والتباعد عنه لكرهه . { الذين اتُّبعوا } : المعبودون والرؤساء المضلون . { الذين اتَّبعوا } : المشركون والملقدون لرؤسائهم في الضلال . { الأسباب } : جمع سبب وهي لغة الحبل ثم استعمل في كل ما يربط بين شيئين وفي كل ما يتوصل به إلى مقصد وغرض خاص . { كرَّة } : رجعة وعودة إلى الحياة الدنيا . { الحسرات } : جمع حسرة وهي الندم الشديد الذي يكاد يحسر صاحبه فيقعد به عن الحركة والعمل .
معنى الآيات : لما تقرر في الآيتين السابقتين بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة أن إله الناس أي ربهم ومعبودهم واحد وهو الله جل جلاله وعظم سلطانه أخبر تعالى أنه مع هذا البيان والوضوح يوجد ناس يتخذون من دون الله آلهة أصناماً ورؤساء يحبونهم كحبهم لله تعالى أي يسوون بين حبهم وحب الله تعالى ، والمؤمنون أشد منهم حباً لله تعالى ، كما أخبر تعالى أنه لو يرى لمشركون عند معاينتهم العذاب يوم القيامة لرأوا أمراً فظيعاً يعجز الوصف عنه ، ولعلموا أن القوة لله وأن الله شديد العذاب إذ تبرأ المتبعون وهم الرؤساء الظلمة دعاة الشرك والضلالة من متبوعيهم الجهلة المقلّدين وعاينوا العذاب أمامهم وتقطعت تلك الروابط التي كانت تربط بينهم ، وتمنى التابعون العودة إلى الحياة الدنيا لينتقموا من رؤسائهم في الضلالة فيتبرءوا منهم في الدنيا كما تبرءوا هم منهم في الآخرة ، وكما أراهم الله تعالى العذاب فعاينوه ، يريهم أعمالهم القبيحة من الشرك والمعاصي فتعظم حسرتهم ويشتد كربهم ويدخلون بها النار فلا يخرجون منها أبداً .
هداية الآيات : { من هداية الآيات } : 1- وجوب حب الله وحبّ كل ما يُحبّ عز وجل بحبه تعالى . 2- من الشرك الحب مع الله تعالى ، ومن التوحيد الحب بحب الله عز وجل . 3- يوم القيامة تنحل جميع الروابط من صداقة ونسب ولم تبق إلا رابطة الإِيمان والأخوة فيه 4- تبرؤ رؤساء الشرك والضلال ودعاة الشر والفساد ممن أطاعوهم في الدنيا واتبعوهم على الظلم والشر والفساد وليس بنافعهم ذلك شيئاً .
يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170)
شرح الكلمات : { الحلال } : ما انحلت عقدة الحظر عنه وهو ما أذن الله تعالى فيه . { الطيب } : ما كان طاهراً غير نجس ، ولا مستقذر تعافه النفوس . { خطوات الشيطان } : الخطوات جمع خطوة وهي المسافة بين قدمي الماشي والمراد بها هنا مسالك الشيطان وطرقة المفضية بالعبد إلى تحريم ما أحل الله وتحليل ما حرم . { عدو مبين } : عداوته بينة وكيف وهو الذي أخرج أبوينا آدم وحواء من الجنة وأكثر الشرور والمفاسد في الدنيا إنما هي بوسواسه وإغوائه . { السوء } : كل ما يسوء النفس ويصيبها بالحزن الغم ويدخل فيها سائر الذنوب . { الفحشاء } : كل خصلة قبيحة كالزنا واللواط والبخل وسائر المعاصي ذات القبح الشديد . { ألفينا } : وجدنا .
معنى الآيات : بعد ذلك العرض لأحوال أهل الشرك والمعاصي والنهاية المرة التي انتهوا إليها وهي الخلود في عذاب النار نادى الرب ذو الرحمة الواسعة البشرية جمعاء { يا أيها الناس كلوا مما في الأرض } ، وهو عطاؤه وإفضاله ، حلالاً طيباً حيث أذن لهم فيه ، وأما ما لم يأذن لهم فيه فإنه لا خير لهم في أكله لما فيه من الأذى لأبدانهم وأرواحهم معاً ، ثم نهاهم عن اتباع آثار عدوه وعدوهم فإنهم إن اتبعوا خطواته قادهم إلى حيث شقاؤهم وهلاكهم ، وأعلمهم وهو ربهم أن الشيطان لا يأمرهم إلا بما يضر أبدانهم وأرواحهم السوء وهو كل ما يسوء النفس والفحشاء وهي أقبح الأفعال وأردى الأخلاق وأفظع من ذلك أن يأمرهم بأن يكذبوا على الله فيقولوا عليه مالا يعلمون فيحرمون ويحللون ويشرعون باسم الله ، والله في ذلك برىء وهذه قاصمة الظهر والعياذ بالله تعالى ، حتى إذا أعرضوا عن إرشاد ربهم واتبعوا خطوات الشيطان عدوهم ففعلوا السوء وارتكبوا الفواحش وحللوا وحرموا وشرعوا ما لم يأذن به الله ربهم ، وقال لهم رسول الله اتبعوا ما أنزل الله قالوا لا ، بل نتبع ما وجنا عليه آباءنا ، يا سبحان الله يتبعون ما وجدوا عليه آباءهم ولو كان باطلاً ، وضلالاً ، أيقلدون أباءهم ولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً من أمور الرع والدين ، ولا يهتدون إلى ما فيه الصلاح والخير .
هداية الآيات : من هداية الآيات : 1- وجوب طلب الحلال والاقتصار على العيش منه ولو كان ضيقاً قليلاً . 2- الحلال ما أحله الله ، والحرام ما حرمه الله تعالى فلا يستقل العقل بشىء من ذلك . 3- حرمة اتباع مسالك الشيطان وهي كل معتقد أو قول أو عمل نهى الله تعالى عنه . 4- وجوب الابتعاد عن كل سوء وفحش لأنهما مما يأمر بهما الشيطان . 5- حرمة تقليد من لا علم له ولا بصيرة في الدين . 6- جواز اتباع أهل العلم والأخذ بأقوالهم وآرائهم المستقاة من الوحي الإِلهي الكتاب والسنة .
وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (171)
شرح الكلمات : { مثل } : المثل الصفة والحال . { ينعق } : يصيح ولاسم النعيق وهو الصياح ورفع الصوت . { الدعاء } : طلب القريب كدعاء المؤمن ربه يا رب . يا رب . { النداء } : طلب البعيد كأذان الصلاة . { الصم } : جمع أصم فاقد حاسة السمع فهو لا يسمع . { البكم } : جمع أبكم فاقد حاسة النطق فهو لا ينطق . { لا يعقلون } : لا يدركون معنى الكلام ولا يميزون بين الأشياء لتعطل آلة الإِدراك عندهم وهي العقل .
معنى الآية الكريمة : لما نددت الآية قبل هذه ( 170 ) بالتقليد والمقلدين الذي يعطلون حواسهم ومداركهم ويفعلون ما يقول لهم رؤساؤهم ويطبقون ما يأمرونهم به مسلمين به لا يعرفون لم فعلوا ولم تركوا جاءت هذه الآية بصورة عجيبة ومثل غريب للذين يعطلون قواهم العقلية ويكتفون بالتبعية في كل شيء حتى أصبحوا كالشياه من الغنم يسوقها راعيها حيث شاء فإذا نعق بها دعياً لها أجابته ولو كان دعاؤه إياها لِذبحها ، وكذا إذا ناداها بأن كانت بعيدة أجابته وهي لا تدري لم نوديت إذ هي لا تسمع ولا تفهم إلا مجرد الصوت الذي ألفته بالتقليد الطويل والاتباع بدون دليل . فقال تعالى : { ومثل الذين كفروا } في جمودهم وتقليد ابائهم في الشرك والضلال كمثل غَنَم ينعق بها راعيها الأمين عليها فهو إذا صاح فيها دعياً لها أو منادياً لها سمعت الصوت وأجابت ولكن لا تدري لماذا دعيت ولا لماذا نوديت لفقدها العقل . وهذا لمثل صالح لكل من يدعو أهل الكفر والضلال إلى الإِيمان الهداية فهو مع من يدعوهم من الكفرة والمقلدين والضلال الجامدين كمثل الذي ينعق إلخ...
هداية الآية : من هداية الآية الكريمة : 1- تسلية الدعاة إلى الله تعالى عندما يواجهون المقلدة من أهل الشرك والضلال . 2- حرمة التقليد لأهل الأهواء والبدع . 3- وجوب طلب العلم والمعرفة حتى لا يفعل المؤمن ولا يترك إلا على علم بما فعل وبما ترك . 4- لا يتابع إلا أهل العلم والبصيرة في الدين ، لأن اتباع الجهال يعتبر تقليداً .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173)
شرح الكلمات : { الطيبات } : جمع طيب وهو الحلال . { واشكروا لله } : اعترفوا بنعم الله عليكم واحمدوه عليها واصرفوها في مرضاته . { إن كنتم إياه تعبدون } : إن كنتم مطيعين لله منقادين لأمره ونهيه . { حرم } : حظر ومنع . { الميتة } : ما مات من الحيوان حتف أنفه بدون تذكية . { الدم } : المسفوح السائل ، لا المختلط باللحم . { الخنزير } : حيوان خبيث معروف بأكل العذرة ولا يغار على أنثاه . { وما أهل به لغير الله } : الإِهلال : رفع الصوت باسم من تذبح له من الآلهة . { اضطر } : ألجىء وأكره بحكم الضرر الذي لحقه من الجوع أو الضرب . { غير باغ ولا عاد } : الباغي الظالم الطالب لما لا يحل له والعادي والمعتدي المجاوز لما له إلى ما ليس له . { الإِثم } : أثر المعصية على النفس بالظلمة والتدسية .
معنى الآيتين الكريمتين : بعد أن بينت الآية السابعة ( 171 ) حال الكفرة المقلدة لآبائهم في الشرك وتحريم ما أحل الله من الأنعام حيث سيبوا للآلهة السوائب ، وحموا لها الحامات ، وبحروا لها البحائر ، نادى الجبار عز ول عباده المؤمنين : يا أيها الذين آمنوا بالله رباً وإلهاً وبالإِسلام ديناً وبمحمد رسولاً كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا الله ربكم ما أنعم به عليكم من حلال اللحوم ، ولا تحرموها كما حرمها مقلدة المشركين ، فإنه تعالى لم يحرم عليكم إلا أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغيره تعالى . ومع هذا من ألجأته الضورة فخاف على نفسه الهلاك فأكل فلا إثم عليه على شرط أن لا يكون في سفره باغياً على المسلمين ولا عاديا بقطع الطريق عليهم وذلك لأن الله غفور لأوليائه التائبين إليه رحيم بهم لا يتركهم في ضيق ولا حرج .
هداية الآيتين : من هداية الآيتين : 1- الندب إلى أكل الطيبات من رزق الله تعالى في غير إسراف . 2- وجوب شكر الله تعالى بالاعتراف بالنعمة له وحمده عليها وعدم صرفها في معاصيه . 3- حرمة أكل الميتة ، والدم المسفوح ، ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله تعالى . 4- جواز األكل من المذكورات عند الضرورة وهي خوف الهلاك مع مراعاة الاستثناء في الآية وهو { غير باغٍ ولا عاد } . 5- أَذِنَ النبي صلى الله عليه وسلم في أكل اسمك والجراد وهُمَا من الميتة ، وحرّم أكل كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطيور .
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (176)
شرح الكلمات : { يكتمون } : يجحدون ويخفون . { ما أنزل الله من الكتاب } : الكتاب التوراة وما أنزل الله فيه صفة النبي محمد صلى الله عليه وسلم والأمر بالإِيمان به . { لا يكلمهم الله } : لسخطه عليهم ولعنه لهم . { ولا يزكيهم } : لا يطهرهم من ذنوبهم لعدم رضاه عنهم . { الضلالة } : العماية المانعة من الهداية إلى المطلوب . { الشقاق } : التنازع والعداء حتى يكون صاحبه في شق ومنازعه في آخر { بعيد } : يصعب انهاؤه والوفاق بعده .
معنى الآيات : هذه الآيات الثلاثة نزلت قطعاً في أحبار أهل الكتاب تندد بصنيعهم وتريهم جزاء كتمانهم الحق وبيعهم العلم الذي أخذ عليهم أن يبينوه بعض خسيس من الدنيا يجحدون أمر النبي صلى الله عليه وسلم ودينه إرضاء للعوام حتى لا يقطع هداياهم ومساعدتهم المالية ، وحتى يبقى لهم السلطان الروحي عليهم فهذا معنى قوله تعالى : { إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمناً قليلاً } وأخبر تعالى أن ما يأكلونه من رشوة في بطونهم إنما هو النار إذ هو مسببها ومع النار غضب الجبار فلا يكلمهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم . كما أخبر تعالى عنهم في الآية ( 175 ) أنهم وهم البعداء اشتروا الضلالة بالهدى أي الكفر بالايمان ، والعذاب بالمغفرة أي النار بالجنة ، فما أجرأ هؤلاء على معاصي الله ، وعلى التقحم في النار فلذا قال تعالى فما أصبرهم على النار . وكل هذا الذي تم مما توعد الله به هؤلاء الكفرة ، لأن الله نزّل الكتاب بالحق مبيناً فيه سبيل الهداية وما يحقق لسالكيه من النعيم المقيم ومبيناً سبيل الغواية وما يفضي بسالكيه إلى غضب الله وأليم عذابه . وفي الآية الآخيرة ( 176 ) أخبر تعالى أن الذين اختلفوا في الكتاب التوراة والانجيل وهم اليهود والنصارى لفي عداء واختلاف بينهم بعيد ، وصدق الله فما زال اليهود والنصارى مختلفين متعادين إلى اليوم ، ثمرة اختلافهم في الحق الذي أنزله الله وأمرهم بالأخذ به فتركوه وأخذوا بالباطل فأثمر لهم الشقاق البيعد .
هداية الآيات : من هداية الآيات : 1- حرمة كتمان الحق ، لا سيما إذا كان للحصول على منافع دنيوية مالاً أو رياسة . 2- تحذير علماء الإِسلام من سلوك مسلك علماء أهل الكتاب بكتمانهم الحق وافتاء الناس بالباطل للحصول على منافع مادية معينة . 3- التحذير من الاختلاف في القرآن الكريم لما يفضي إليه من العداء والشقاق البعيد بين المسلمين .
لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)
شرح الكلمات : { البر } : اسمٌ جامع لكل خير وطاعة لله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم . { ولكن البر من آمن بالله } : البر الحق برٌّ من آمن بالله واليوم الآخر إلى آخر الصفات . { وأتى المال على حبه } : أعطى المال حيث تعين اعطاؤه مع شدة حبه له فآثر ما يحب الله تعالى على ما يحب . { ذوي القربى } : أصحاب القرابات ، الأقرب فالأقرب . { اليتامى } : جمع يتيم وهو من مات والده وهو لم يبلغ الحنث . { المساكين } : جمع مسكين ، فقير معدم أسكنته الحاجة فلم يقدر على التصرف . { ابن السبيل } : المسافر البعيد الدار المنقطع عن أهله وماله . { السائلين } : جمع سائل : الفقير المحتاج الذي أذن له في السؤال لدفع عائلة الحاجة عن نفسه . { في الرقاب } : الرقاب جمع رقبه والإِنفاق منها معناه في عتقها . { البأساء والضراء } : البأساء : شدة البؤس من الفقر ، والضراء : شدة الضر أو المرض . { وحين البأس } : عند القتال واشتداده في سبيل الله تعالى . { أولئك الذين صدقوا } : أي في دعواهم الايمان والبر والبرور
معنى الآية الكريمة : في الآيات الثلاث السابقة لهذه الآي ندد الله تبارك وتعالى بأحبار أهل الكتاب وذكر ما توعدهم به من غضبه وأليم عقابه يوم القيامة كما تضمن ذلك تخويف علماء الإِسلام من أن يكتمون العلم على الناس طلباً لحظوظ الدنيا الفانية ، وفي هذه الآية رد الله تعالى على أهل الكتاب أيضاً تبجحهم بالقبلة وادّعاء هم الايمان والكمال فيه لمجرد أنهم يصلون إلى قبلتهم بيت المقدس بالمغرب أو طلوع الشمس بالمشرق إذ الأولى قبلة اليهود والثانية قبل النصارى فقال تعالى : ليس البر كل البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ، وفي هذا تنبيه عظيم للمسلم الذي يقصر إسلامه على الصلاة ولا يبالي بعدها ما ترك من واجبات وما ارتكب من منهيات ، بين تعالى لهم البار الحق في دعوى الايمان والإِسلام والاحسان فقال : { ولكن البر } أي ذا البر أو البار بحق هو { من آمن بالله } وذكر أركان الإِيمان إلا السادس منها ( القضاء والقدر ) ، { وأقام الصلاة وآتى الزكاة } وهما من أعظم أركان الاسلام ، وأنفق المال في سبيل الله مع حبه له وضنِّه به ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل فهو ينفق ماله على من لا يرجو منه جزاءً ولا مدحاً ولا ثناء كالمساكين وأبناء السبيل والسائلين من ذوي الخصاصة المسبغة ، وفي تحرير الأرقاء وفكاك الأسرى وأقام الصلاة أدامها على الوجه الأكمل في أدائها وأتى الزكاة المستحقين لها ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة من أعظم قواعد السلام ، وذكر من صفاتهم الوفاء بالعهود والصبر في أصعب الظروف وأشد الأحوال ، فقال تعالى : { والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس } وهذا هو مبدأ الإِحسان وهو مراقبة الله تعالى والنظر إليه وهو يزاول عبادته ، ومن هنا قرر تعالى أن هؤلاء هم الصادقون في دعوى الايمان والاسلام وهم المتقون بحق غضب الله وأليم عذابه ، جعلنا الله منهم ، فقال تعالى مشيراً لهم بالم لبعد وكاف لخطاب لبُعْدِ مَكَانتهم وارتفاع درجاتهم { أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون } .
هداية الآية الكريمة : من هداية الآية الكريمة : 1- الاكتفاء ببعض أمور الدين دون القيام ببعض لا يعتبر صاحبه مؤمناً ولا ناجياً . 2- أركان الايمان هي المذكورة في هذه الآية ، والمراد بالكتاب في الآية الكتب . 3- بيان وجوه الانفاق المرجو ثوابه يوم القيامة وهو ذوي القرى إلخ . . . 4- بيان عظم شأن الصلاة والزكاة . 5- وجوب الوفاة بالعهود . 6- وجوب الصبر وخاصة عند القتال . 7- التقوى هي ملاك الأمر ، والغاية التي ما بعدها للعاملين غاية .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)
شرح الكلمات : { كتب عليكم القصاص } : كتب فرض والقصاص : إذا لم يرض ولي الدم بالدية ولم يعف . { في القتلى } : الفاء سببية أي بسبب القتلى جمع قتيل وهو الذي أزهت روحه فمات بأي آلة . { الحر } : الحر خلاف العبد والعبد هو الرقيق المملوك . { فمن عفى له من أخيه شىء } : فمن تنازل له ولي الدم عن القود إلى الدية أو العفو . { فاتباع بمعروف } : فالواجب أن تكون مطالبة الدية بالمعروف بالرفق واللين . { وأداء إليه بإحسان } : وأن يكون أداء الدية بإحسان خالياً من المماطلة والنقص . { ذلك تخفيف من ربكم } : أي ذلك الحكم العادل الرحيم وهو جواز أخذ الدية بدلاً من القصاص تخفيف عنكم من ربكم إذ كان في شرع من قبلكم القصاص فقط أو الدية فقط ، وأنتم مخيرون بين العفو والدية والقصاص . { فمن اعتدى بعد ذلك } : يريد من أخذ الدية ثم قَتَل فإنه يتعين قتله غير . { القصاص } : السماواة في القتل والجراحات وفي آلة القتل أيضاً . { حياة } : إبقاء شامل عميم ، إذ من يريد أن يقتل يذكرأتنه سيقتل فيترك القتل فيحيا ، ويحيا من أراد قتله ، ويحيا بحياتهما خلق كثير ، وعدد كبير . { أولى الألباب } : أصحاب العقول الراجحة ، واحد الألباب : لبٌّ وهو في الانسان العقل . { لعلكم تتقون } : ليعدكم بهذا التشريع الحكيم لاتقاء ما يضر ولا يسر في الدنيا والآخرة .
معنى الآية الكريمة : هذه الآية نزلت في حيين من العرب كان أحد الحيين يرى أنه أشرف من الآخر فلذا يقتل الحر بالعبد ، والرجل بالمرأة تطاولا وكبرياء فحدث بين الحيين قتل وهم في الاسلام فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية تبطل ذحْل الجاهلية وتقرر مبدأ العدل والمساواة في الاسلام فقال تعالى : { يا أيها الذين آمنتوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى } ، فلا يقتل بالرجل رجلان ، ولا بالمرأة رجل ولا امرأتان ولا بالعبد حر ولا عبدان . فمن تنازل له أخوه وهو ولي الدم عن القصاص إلى الدية أو العفو مطلقاً فليتبع ذلك ولا يقل لا أقبل إلا القصاص بل عليه أن يقبل ما عفا عنه أخوه له من قصاص أو دية أو عفو ، وليطلب وليالدم الدية بالرفق والأدب ، وليؤد القاتل الدية بإحسان بحيث لا يماطل ولا ينقص منها شياً . ثم ذكر تعالى منّته على المسلمين حيث وسع عليهم في هذه المسألة فجعل ولي الدم مخيراً بين ثلاثة العفو أو الدية أو القود ( القصاص ) في حين أن اليهود كان مفروضا عليهم القصاص فقط ، والنصارى الدية فقط وأخبر تعالى بحكم أخير في هذه القضية وهو أن من أخذ الدية وعفا عن القتل ثم تراجع وقتل فقال : { فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم } . واختلف في هذا العذاب الأليم هل هو عذاب الدنيا بالقتل ، أو هوعذاب الآخرة ، ومن هنا قال مالك والشافعي حكم هذا المعتدي كحكم القتاتل ابتداء إن عفي عنه قبل ، وإن طولب بالقود أو الدية أعطى ، وقال آخرون ترد منه الدية ويترك الأمر لله ، وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله يرد أمره إلى الإِمام يحكم فيه بما يحقق المصلحة العامة ثم أخبر تعالى : أن في القاص الذي شرع لنا وكتبه علينا مع التخفيف حياةٌ عظيمةً لما فيه من الكف عن إزهاق الأرواح وسفك الدماء فقال تعالى : { ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون } .
هداية الآية الكريمة : { من هداية الآية الكريمة } : 1- حكم القصاص في الإِسلام وهو المساواة والمماثلة فيقتل الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة والمرأة بالرجل والرجل بالمرأة ويقتل القاتل بما قَتَل به مماثلة لحديث : « المرء مقتول بما قتل به » . ولما كان العبد مقوماً بالمال فإنه لا يقتل به الحر بل يدفع إلى سيده مال . وبهذا حكم الصحابة والتابعون وعليه الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد وخالف أبو حنيفة فرأى القود فيقتل الحر بالعبد أخذاً بظاهر هذه الآية . 2- محاسن الشرع الإِسلامي وما فيه من اليسر والرحمة حيث أجاز العفو والدية بدل القصاص . 3- بلاغة القرآن الكريم ، إذ كان حكماء العرب في الجاهلية يقولون : القتل أنفى للقتل ، فقال : القرآن : { ولكم في القصاص حياة } . فلم يذكر لفظ القتل بالمرة فنفاه لفظاً وواقعاً . يتبع إن شاء الله...
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الثلاثاء 08 يونيو 2021, 5:24 am عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| |
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| |
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة (02) السبت 17 أكتوبر 2015, 9:30 pm | |
| وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)
شرح الكلمات : { ولا تَنْكِحُوا } : لا تتزوجوا . { الأمة } : خلاف الحرة . { ولو أعجبتكم } : أي أعجبكم حسنها وجمالها . { يدعون إلى النار } : بحاله ومقالهم وأفعالهم . { آياته } : أحكام دينه ومسائل شرعه .
معنى الآية الكريمة : ينهى الله تعالى المؤمنين أن يتزوجوا المشركات إلا أن يؤمنّ بالله ورسوله ، فإن آمنّ جاز نكاحهن ، وأعلمهم منفراً من نكاح المشركات مرغباً في نكاح المؤمنات فقال : ولأمة مؤمنة فضلا عن حرة خير من حرة مشركة ، حتى يؤمنوا فإن آمنوا جاز لهم أن ينكحوهم بناتهم ونساءهم فقال تعالى : { ولا تنحوا المشركين حتى يؤمنوا } وقال منفراً مرغباً ولعبد مؤمن خير من حرٍ مشرك ولو أعجبهم المشرك لشرفه أو ماله أو سلطانه ، علل لذلك بقوله . أولئك أي المشركات والمشركون يدعون إلى النار فمخالطتهم مضرة ومفسدة لا سيما بالتزوج منهم ، والله عز وجل يدعوا إلى الجنة بالإيمان والعمل الصالح ، وإلى المغفرة بالتوبة الصادقة فاستجيبوا له وأطيعوه فيما أمركم به ونهاكم عنه . كما أنه تعالى يبيّن آياته للناس ليعدهم إلى سخطه والنار .
هداية الآية الكريمة من هداية الآية : 1- حرمة نكاح المشركات ، أما الكتابيات فقد أباحهن الله تعالى بآيات المائدة إذ قال : { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } - حرمة نكاح المؤمنة الكافرة مطلقاً مشركاً كان أو كتابياً . 3- شرط الولاية في نكاح المرأة لقوله تعالى ولا تنكحوا المشركين فهو هنا يخاطب أولياء النساء المؤمنات ، ولذا لا يصح نكاح إلى بولي . 4- التنفير من مخالطة المشركين والترغيب في البعد عنهم لأنهم يدعون إلى الكفر بحالهم ومقالهم وأعمالهم ، وبذلك هم يدعون إلى النار . 5- وجوب موالاة أهل الإِيمان ومعاداة أهل الكفر والضلال لأن الأولين يدعون إلى الجنة والآخرين يدعون إلى النار .
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223)
شرح الكلمات : { المحيض } : مكان الحيض وزمنه والحيض دم يخرج من رحم المرأة إذا خلا من الجنين . { أذىً } : ضرر يضر المجامع في أيامه . { فاعترلوا النساء في المحيض } : اتركوا جماعهن أيام الحيض . { ولا تقربوهن حتى يطهرن } : أي لا تجامعوهن حتى ينقطع دم الحيض . { فإذا تطهرن } : أي إذا انقطع دم حيضهن واغتسلن منه . { فأتوهن من حيث أمركم الله } : أي جامعوهن في قبلهن ، وهن طاهرات متطهرات . { نساؤكم حرث لكم } : يريد مكانة إنجاب الأولاد فشبه النساء بالحرث لأن الأرض إذا حرثت انبتت الزرع ، والمرأة إذا وطئت أنبتت الولد بإذن الله تعالى . { فأتوا حرثكم إنى شئتم } : إذن بجماع لمرأة أو مدبرة إذا كان ذلك في القبل الذي هو منبت الزرع ، وهي طاهرة من الحيض والنفاس . { وقدموا لأنفسكم } : يريد الأعمال الصالحة ومنها إرادة تحصين النفس والزوجية بالجماع وإرادة انجاب الأولاد الصالحين الذين يوحدون الله ويدعون لوالديهم طوال حياتهم .
معنى الآيتين : يخبر تعالى رسوله بأن بعض المؤمنين سألوه عن المحيض هل تساكن المرأة معه وتؤاكل وتشارب أو تهجر بالكلية حتى تطهر إذ كان هذا من عادة أهل الجاهلية ، وأمره أن يقول لهم الحيض أذى يضر بالرجل المواقع فيه ، وعليه فليعتزلوا النساء الحيض في الجماع فقط لا في المعاشرة والمآكلة والمشاربة ، وإنما في الجماع فقط أيام سيلان الدم بل لا بأس بمباشرة الحائض في غير ما بين السرة والركبة للحديث الصحيح في هذا كما أكد هذا المنع بقوله لهم : ولا تقربوهن أن لا تجامعوهن حتى يطهرن بإنقطاع دمهن والاغتسال بعده لقوله فإذا تطهرن أي اغتسلن فأتوهن من حيث أمركم الله باتيانهن وهو القبل لا الدبر فإنه محرم وأعلمهم تعالى أنه يحب التوابين من الذنوب المتطهرين من النجاسات والأقذار فليتوبوا وليتطهروا ليفوزا بحب مولاهم عز وجل هذا معنى الآية الأولى : ( 222 ) أما الآية الثانية ( 223 ) وهي قوله تعالى : { نساؤكم حرث لكم } فهي تضمنت جواب سؤال وهو هل يجوز جماع المرأة مدبرة بأن يأتيها الرجل من ورائها إذ حصل هذا السؤال من بعضهم فعلاً فأخبر تعالى أنه لا مانع من ذلك إذا كان في القبل وكانت المرأة طاهرة من دمي الحيض والنفاس ، ومسىّ المرأة حرثاً لأن رحمها ينبت فيه الولد كما ينبت الزرع في الأرض الطيبة وما دام الأمر كذلك فليأت الرجل امرأته كما شاء مقبلة أو مدبرة إذ المقصود حاصل وهو الإِحصان وطلب الولد . فقوله تعالى أنّى شئتم يريد على أي حال من إقبال أو إدبار شئتم شرط أن يكون ذلك فب القبل لا الدبر . ثم وعظ تعالى عباده بقوله : وقدّموا لأنفسكم من الخير ما ينفعكم في آخرتكم واعلموا أنكم ملاقوا لله تعالى فلا تغفلوا عن ذكره وطاعته إذ هذا هو الزاد الذي ينفعكم يوم تقفون بين يدي ربكم . وأخيراً أمر رسوله أن يبشر المؤمنين بخير الدنيا والآخرة وسعادتهما من كان إِيمانه صحيحاً مثمراً التقوى والعمل الصالح .
{ هداية الآيتين } : من هداية الآيتين : 1- حرمة الجماع أثناء الحيض النفاس لما فيه من الضرر ، ولقوله تعالى { فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن } . 2- حرم وطء المرأة إذا انقطع دم حيضها أو نفاسها ولم تغتسل ، لقوله تعالى : { فإذا تطهرن فأتوهن } . 3- حرمة نكاح المرأة في دبرها لقوله تعالى : { فأتوهن من حيث أمركم الله } وهو القبل . 4- وجوب التطهير من الذنوب بالتوبة ، والتطهير من الأقذار والنجاسات بالماء . 5- وجوب تقديم ما أمكن من العمل الصالح ليكون زاد المسلم إلى الدار الآخرة لقوله تعالى : { وقدموا لأنفسكم } . 6- وجوب تقوى الله تعالى بفعل ما أمر وترك ما نهى عنه وزجر . 7- بشرى الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم لكل مؤمن ومؤمنة .
وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224) لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225) لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)
شرح الكلمات : { العرضة } : ما يوضع مانعاً من شىء ، واليمين يحلفها المؤمن أن لا يفعل خيراً . { الإيمان } : جمع يمين نحو والله لا أفعل كذا أو واله لأفعلنّ كذا . { البُرُور } : الطاعة وفعل البر . { اللغو } : الباطل ، وما لا خير فيه . ولغو اليمين أن يحلف العبد على الشيء يظنه كذا فيتبين خلافه ، أو ما يجري على لسان من أيمان من غير إرادة الحلف . { كسبت قلوبكم } : ما تعمّد القلب وقصد اليمين لأجله لفلعه حتماً أو منعه . { يؤلون } : الإِيلاء : الحلف على عدم وطء الزوجة . { التربص } : الانتظار والتمهل . { فاءوا } : رجعوا إلى وطء نسائهم بعد الامتناع عنه باليمين . { الطلاق } : فك رابطة الزوجية وحلها بوقله هي طالق أو مطلقة أو طلقتك .
معنى الآيات : يهنى الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين أن يجعلوا الحلف به مانعاً من فعل الخير وذلك كأن يحلف العبد أن لا يتصدق على فلان أو أن لا يكلم فلاناً أو أن لا يصلح بين اثنين فقال تعالى ولا تجعلوا الله يريد الحلف به عرضة لأيمانكم أي مانعاً لكم من فعل خير أو ترك إثم أو اصلاح بين الناس . وأخبرهم أنه سميع لأقوالهم عليم بنياتهم وأفعالهم فليتقوه عز وجل . ثم أخبرهم أنه تعالى لا يؤاخذهم باللغو في أيمانهم وهو أن يحلف الرجل على الشيء يظنه كذا فيظهر عل خلاف ما ظن ، أو أن يجري على لسانه ما لا يقصده من الحلف كقوله لا ، والله ، بلى والله فهذا مما عفا الله عنه لعباده فلا إثم فيه ولا كفارة تجب فيه . لكن يؤاخذهم بما كسبت قلوبهم من الإِثم وذلك كأن يحلف المرء كاذباً ليأخذ حق أخيه المسلم بيمينه الكاذبة فهذه هذ اليمين الغموس التي تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار وهذه لا تنفع فيها الكفارة الموضوعة لمن حلف على أن لا يفعل أو يفعل ثم حنث ، وإنما على صاحب اليمين الغموس التوبة بالتكذيب نفسه والاعتراف بذنبه ورد الحق الذي أخذه بيمينه الفاجرة إلى صاحبه وبذلك يغفر الله تعالى له ويرحمه ، والله غفور رحيم . وبمناسبة ذكر اليمين ذكر تعالى حكم من يولي من امرأته أي يحلف أن لا يطأها فأخبر تعالى أن على المولي تربص أربعة أشهر فإن فاء إلى امرأته أي رجع إلى وطئها فبها ونعمت ، وعليه أن يكفر عن يمينه ، وإن لم يفىء إلى وطئها وأصرّ على ذلك فإن على القاضي أن يوقفه أمامه ويطالبه بالفىء فإن أبى طلقها عليه . قال الله تعالى : { للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم } يغفر لهم ما ارتكبوه من الذنب في حق نسائهم ويرحمهم لتوبتهم . وإن عزموا الطلاق بأن أبوا أن يفيئوا طلقوا ، والله سميع لأقوالهم عليهم بما في قلوبهم . فليحذروه بعدم فعل ما يكره ، وترك فعل ما يحب .
هداية الآيات : 1- كراهية منع الخير بسبب اليمين وعليه فمن حلف أن لا يفعل خيراً فليكفر عن يمينه وليفعل الخير لحديث الصحيح « من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير » . - لغو اليمين معفو عنها ولها صورتان الأولى أن يجري على لسانه لفظ اليمين وهو لا يريد أن يحلف نحو لا والله ، وبلى والله ، الثنية أن يحلف على شىء يظنه كذا فيتبين خلافه ، مثل أن يقول والله ما في جيبي درهم ولا دينار وهو ظان أو جازم أنه ليس في جيبه شىء من ذلك ، ثم يجده فهذه صورة لغو اليمين . 3- اليمين المؤاخذ عليها العبد هي أن يحلف متعمداً الكذب قاصداً له من أجل الحصول على منفعة دنيوية وهي المقصودة بقوله تعالى : { ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم } وتسمى باليمين الغموس ، واليمين الفاجرة . 4- اليمين التي تجب فيها الكفارة هي التي يحلف فيها العبد أن يفعل كذا ويعجز فلا يفعل أو يحلف أن لا يفعل كذا ثم يضطر ويفعل ، ولميقل أثناء حلفه إن شاء الله ، والكفارة مبيّنة في آية المائدة وهي إطعام عشرة مساكين ، أو كسوتهم أو تحرير رقبة فإن لم يجد صام ثلاثة أيام . 5- بيان حكم الإِيلاء وهو أن يحلف الرج لأن لا يطأ امرأته مدة فإن كانت أقل من أربعة أشهر فله أن لا يحنث نفسه ويستمر ممنعا عن الوطء ، إلى أن تنتهي مدة الحلف إلا أن الألفض أن يطأ ويكفر عن يمينه ، وإن كانت أثر من أربعة أشهر فإن عليه أن يفىء إلى زوجته أو تطلق عليه وإن كان ساخطا غير راض .
وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)
شرح الكلمات : { المطلقات } : جمع مطلقة وهي المرأة تسوء عشرتها فيطلقها زوجها أو القاضي . { يتربصن } : ينتظرن . { قروء } : القرء إما مدة الطهر ، و مدة الحيض . { ما خلق الله في أرحامهن } : من الأجنّة فلا يحل للمطلقة أن تكتم ذلك . { وبعولتهن } : أزواجهن واحد البعولة : بَعْلٌ كفحل ونخل . { بردهن في ذلك } : أي في مدة التربص والانتظار . { ولهن مثل الذي عليهن } : يريد على الزوجة حقوق لزوجها ، ولها حقوق على زوجها . { وللرجال عليهن درجة } : هي درجة القوامة أن الرجل شرعا هو القيم على المرأة .
معنى الآية الكريمة : بمناسبة طلاق المؤلى إن أصر على عدم الفيئة ذكر تعالى في هذه الآية { والمطلقات } الخ أن على المطلقة التي تحيض أن تنتظر فلا تتعرض للزواج مدة ثلاثة أقراء فإن انتهت المدة ولم يراجعها زوجها فلها أن تتزوج وهذا الانتظار يسمى عدة وهي واجبة مفروضة عليها لحق زوجها ، إذ له الحق أن يراجعها فيها وهذا معنى قوله تعالى في الآية : { وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أراداو إصلاحاً } . كما أن على المطلقة أن لا تكتم الحيض بأن تقول : ما حضت إلا حيضة أو حيضتين وهي حاضت ثلاثة تريد بذلك الرجعة لزوجها ، ولا تقول حضت ثلاثة وهي لم تحض من أجل أن لا ترجع إلى زوجها ، ولا تكتم الحمل كذلك حتى إذا تزوجت من آخر تنسب إليه الولد وهو ليس بولده وهذا من كبائر الذنوب . ولذا قال تعالى ولا يكتمن ما خلق الله في أرحامهن ، يريد من حيض وحمل إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وقوله تعالى : { وبعولتهن أحق بردهن في ذلك } يريد والزوجُ أحقُّ بزوجته المطلقة ما دامت في عدَّتها وعلى شرط أن لا يريد بإرجاعها المضارة بها بل لا بد وان يريد برجعتها الإِصلاح وطيب العشرة بينهم وهذا ظاهر قوله تعالى : { إن أرادوا إصلاحاً } ، وعلى المطلقة أن تنوي برجوعها إلى زوجها الإِصلاح أيضاً . ثم أخبر تعالى أن للزوجة من الحقوق على زوجها ، مثل ما للزوج عليها من حقوق فقال تعالى : { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف } وأخبر أن للرجل على المرأة درجة لم ترقها المرأة ولم تكن لها وهي القيوميّة المفهومة من قوله تعالى من سورة النساء : { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم } وختمت الآية بجملة { والله عزيز حكيم } إشعاراً بوجوب تنفيذ هذه التعاليم لعزة الله تعالى وحكمته فإن الغالب يجب أن يطاع والحكيم يجب أن يسلم له في شرعه لأنه صالح نافع غير ضار .
هداية الآية من هداية الآية : 1- بيان عدة المطلقة إذا كانت تحيض وهو التربص ثلاثة حيض أو أطهار . 2- حرمة كتمان المطلقة حيضا أو حملا خلقه الله تعالى في رحمها ، ولأي غرض كان . 3- أحقية الزوج بالرجعة من مطلقته إذا لم تنقض عدتها ، حتى قيل الرجعية زوجة بدليل أنها لو مات يرثها زوجها ولو مات ترثه . وأنه لا يحل أن تخطب أو تتزوج ما دامت في عدتها . 4- اثبات حقوق كل من الزوجين على صاحبه . 5- تقرير سيادة الرجل على المرأة لما وهبه الله من ميزات الرجولة المفقودة في المرأة .
الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229)
شرح الكلمات : { الطلاق } : الاسم من طلَّق وهو أن يقول الرجل لزوجته أنت طالق أو طلقتك . { مرتان } : يطلقها ، ثم يردها ، ثم يطلقها ثم يردها . أي يملك الزوج الإِرجاع في طلقتين أما إن طلق الثالثة فلا يملك ذلك ولا ترجع حتى تنكح زوجا غيره . { فإن خفتم ألا يقيما حدود الله } : حسن العشرة فإن خافت المرأة أو خاف الزوج أن لا يؤدي حقوق الزوجية جاز الفداء وهو دفع مال للزوج ليخلي سبيل المرأة تذهب حيث شاءت ، ويسمى هذا خلعاً . { حدود الله } : ما يجب أن ينتهي إليه العبد من طاعة الله ولا يتجاوزه . { الظالم } : المتجاوز لما حدَّ الله تعالى ، والظلم وضع الشىء في غير موضعه .
معنى الآية الكريمة ما زال السياق في بيان أحكام الطلاق فيقرر تعالى في هذه الآية أن الطلاق الذي يملك الزوج الرجعة فيه هو طلقتان أولى ، وثانية فقط ، ومن هنا فمن طلق الثانية فهو بين خيارين إما أن يمسك زوجته بمعروف ، أو يطلقها بإحسان فإن طلقها فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره هذا معنى قوله تعالى : { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف } أي بحسن العشرة وهو أداء ما للزوج من حقوق ، أو تسريح أي تطليق بإحسان بأن يعطيها باقي صداقها إن كان ، ويمتعها بشىء من المال ولا يذكرها بسوء . وقوله تعالى : { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا } : حرم تعالى على الزوج أن يأخذ من مهر زوجته شيئا بدون رضاها ، إلا في حال واحدة وهي إذا كرهت المرأة الزوج ولم تطلق البقاء معه وهو غير ظالم الزوج غير الظالم ، وهذا معنى { فإن خفتم ألا يقيما حدود الله } وهي عنا المعاشرة الحسنة فلا جناح أي لا إثم فيما فدت به نفسها فلها أن تعطي المال للزوج وله أن يأخذه منها مقابل تركها وحل عصمة الزوجية بينهما . وقوله تعالى : { تلك حدود الله } يريد أحكام شرعه فلا يحل تجاوز الحلال إلى الحرام ، ولا تجاوز الإِحسان إلى الإِساءة ، ولا المعروف إلى المنكر ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه عرضها للعذاب ، وما ينبغي له ذلك .
هداية الآية من هداية الآية : 1- حرمة الطلاق الثلاث بلفظ واحدن لأن الله تعالى قال الطلاق مرتان . 2- المطلقة ثلاث طلقات لا تحل لزوجها حتى تنكح زوجا غيره ويطلقها أو يموت عنها . 3- مشروعية الخلع وهو أن تكره المرأة البقاء مع زوجها فتخلع نفسها منه بمال تعطيه إياه عوضا عما أنفق عليها في الزواج بها . 4- وجوب الوقوف عند حدود الله وحرمة تعديها . 5- تحريم الظلم وهو ثلاثة أنواع ظلم الشرك وهذا لا يغفر للعبد إلا بالتوبة منه وظلم العبد لأخيه الإِنسان وهذا لا بد من التحلل منه ، وظلم العبد لنفسه بتعدّي حد من حدود الله وهذا أمره إلى الله إن شاء غفره وإن شاء واخذ به .
فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)
شرح الكلمات : { فإن طلقها فلا تحل له } : الطَّلقة الثالثة فلا تحل له إلا بعد ان تنكح زوجاً غيره . { فلا جناح عليهما } : أي لا إثم ولا حرج عليهما في الزواج من جديد . { أن يترجعا } : أن يرجع كل منهما لصاحبه بعقد جديد وبشرط أن يظنا إقامة حدود الله فيهما ، وإلا فلا يجوز نكاحهما .
معنى الآية الكريمة : يقول تعالى مبيناً حكم من طلق امرأته الطلقة الثلاثة : فإن طلقها فلا تحلُّ له حتى تنكح زوجاً غيره ، ويكون النكاح صحيحاً ويبني بها الزوج لحديث « حتى تذوقي تسيلته ويذوق عسيلتك » فإن طلقها الثاني بعد البناء والخلوة والوطء أو مات عنها جاز لها أن تعود إلى الأول إن رغب هو في ذلك وعلما من أنفسهما أنهما يقيمان حدود الله فيهما بإعطاء كل واحد حقوق صاحبه مع حسن العشرة وإلا فلا مراجعة تحل لهما . ولذا قال تعالى إن ظنا أن يقيما حدود الله ثم نوّه الله تعالى بشأن تلك الحدود فقال : { وتلك حدود الله } وهي شرائعه ، يبينها سبحانه وتعالى لقوم يعلمون ، إذ العالمون بها هم الذين يقفون عندها ولا يتعدونها فيسلمون من وصمة الظلم وعقوبة الظالمين .
هداية الآية من هداية الآية 1- المطلقة ثلاثا لا تحل لمطلقها إلا بشرطين الأول أو تنكح زوجا غيره نكاحاً صحيحاً ويبني بها ويطأها والثاني أن يغلب على ظن كل منهما أن العشرة بينهما تطيب وأن لا يتكرر ذلك الاعتداء الذي أدى إلى الطلاق ثلاث مرات . 2-موت الزوج الثاني كطلاقه تصح معه الرجعة إلى الزوج الأول بشرطه . 3- إن تزوجت الملطقة ثلاثة بنيّة التمرد على الزوج حتى يطلقها لتعود إلى الأول فلا يحلّها هذا النكاح لأجل التحليل ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أبطله وقال : « لعن الله المحلل والمحلل له » ويسمّى بالتيس المستعار ، ذاك الذي يتزوج المطلقة ثلاثا بقصد أن يحلها للأول .
وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231)
شرح الكلمات : { أجلهن } : أجل المطلقة مقاربة انتهاء ايام عدتها . { أو سرحوهن } : تسريح المطلقة تركها بلا مراجعة لها حتى تنقضي عدتها وتبين من زوجها . { ضراراً } : مضارة لها وإضراراً بها . { لتعتدوا } : لتتجاوزوا حد الإِحسان إلى الإِساءة . { هزواً } : لعباً بها بعدم التزامكم بتطبيق أحكامها . { نعمة الله } : هنا هي الإِسلام . { الحكمة } : السنة النبوية . { يعظكم به } : بالذي أنزله من أحكام الحلال والحرام؛ لتشكروه تعالى بطاعته .
معنى الآية الكريمة ما زال السياق في بيان أحكام الطلاق والخلع والرجفة في هذه الآية يأمر تعالى عباده المؤمنين إذا طلق أحدهم امرأته وقاربت نهاية عدتها أن يراجعها فيمسكها بمعروف ، والمعروف هو حسن عشرتها أو يتركها حتى تنقضي عدتها ويسرحها بمعروف فيعطيها كامل حقوقها ولا يذكرها إلا بخير ويتركها تذهب حيث شاءت . وحرم على أحدهم أن يراجع امرأته من أجل أن يضرّ بها فلا هو يحسن إليها ولا يطلقها فتستريح منه ، فقال تعالى : { ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا } يريد عليهن حتى تضطر المرأة المظلومة إلى المخالعة فتفدي نفسها منه بمال وأخبر تعالى : أن من يفعل هذا الإضرار فقد عرض نفسه للعذاب الأخروي . كما نهى تعالى المؤمنين عن التلاعب بالأحكام الشرعية ، وذلك بإهمالها وعدم تنفيذها فقال تعالى : { ولا تتخذوا آيا الله هزواً } وأمرهم أن يذكروا نعمة الله عليهم حيث منَّ عليهم بالإِسلام دين الرحمة والعدالة والإِحسان وذلك ليشكروه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه . كما عليهم أن يذكروا نعمة الله عليهم زيادة على الإِسلام وهي نعمة انزال الكتاب . والحكمة ليعظهم بذلك فيأمرهم بما فيه سعادتهم وكمالهم ، وينهاهم عما فيه شقاؤهم وخسرانهم : ثم أمرهم بتقواه عز وجل فقال { واتقوا الله } وأعلمهم أنه أحق أن يُتقى لأنه بكل شيء عليم لا يخفى عليه من أمرهم شيء فيلحذروا أن يراهم على معصيته مجانبين لطاعته .
هداية الآية من هداية الآية : 1- لا حيل للمطلق أن يراجع امرأته من أجل أن يضرّ بها ويظلمها حتى تخالعه بمال . 2- حرمة التلاعب الأحكام الشرعية بعدم مراعتها ، وتنفيذها . 3- وجوب ذكر نعمة الله على البعد وذلك بذكرها باللسان ، والاعتراف بها في الجنان . 4- وجوب تقوى الله تعالى في السر والعلن . 5- مراقبة الله تعالى في سائر شؤون الحياة لأنه بكل شىء عليم .
وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (232)
شرح الكلمات : { بلغن أجلهن } : أى انتهت عدتهن . { فلا تعضلوهن } : أي لا تمنعوهن من التزوج مرة أخرى بالعودة إلى الرجل الذي طلقها ولم يراجعها حتى انقضت عدتها . { إذا تراضوا بينهم بالمعروف } : إذا رضى الزوج المطلق أن يردها إليه ورضيت هي بذلك . { ذلك يوعظ به } : أي النهي عن العضل يُكلف به أهل الإِيمان إذ هم القادرون على الطاعة . { ذلكم أزكى لكم } : أي ترك العضل خير لكم من العضل وأطهر لقلوبكم؛ إذ العضل قد يسبب ارتكاب الفاحشة .
معنى الآية الكريمة : ينهى الله تعالى أولياء أمور النساء أن يمنعوا المطلقة طلقة أو طلقتين فقط من أن تعود إلى زوجها الذي طلقها وبانت منه بانقضاء عدتها ، إذا رضيت هي بالزواج منه مرة أخرى ورضي هو به وعزما على المعاشر الحسنة بالمعروف وكانت هذه الآية استجابة لأخت معقل بن يسار رضي الله عنه حيث أرادت أن ترجع إلى زوجها الذي طلقها وبانت منه بانقضاء العدة فمنعها أخوها معقل . وقوله تعالى : { ذلكم يوعظ به } أي هذا النهي عن العضل يوجه إلى أهل الإِيمان بالله واليوم الآخر فهم الأحياء الذين يستجيبون لله ورسوله إذا أمروا أو نهوا . وأخيراً أخبرهم تعالى أن عدم منع المطلقة من العودة إلى زوجها خير لهمن حالا ومآلاً وأطهر لقلوبهم ومجتمعهم . وأعلمهم أنه يعلم عواقب الأمور وهم لا يعلمون فيجيب التسليم بقبول شرعه ، والانصياع لأمره ونهيه . فقال تعالى : { والله يعلم وأنتم لا تعلمون }
هداية الآية من هداية الآية : 1- حرمة العضل أي منع المطلقة أن ترجع إلى من طلقها . 2- وجوب الولاية على المرأة ، لأأن الخطاب في الآي كان للأولياء « ولا تعضلوهن » . 3- المواعظ تنفع أهل الإِيمان لحياة قلوبهم . 4- في امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه الخير كله ، والطهر جميعه .
وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233)
شرح الكلمات : { حولين } : عامين . { وعلى المولود له } : أي على الأب . { بالمعروف } : بحسب حاله يساراً وإعساراً . { وسعها } : طاقتها وما تقدر عليه . { لا تضار والدة بولدها } : أي لا يحل أن تؤذى أم الولد بمنعها من إرضاع ولدها ، أو بمنعها الأجرة على إرضاعه هذا في حال طلاقها ، أو موت زوجها . { ولا مولود له } : أي ولا يضار الوالد كذلك بأن يجبر على ارضاع الولد من أمه المطلقة أو يطالب بأجرة لا يطيقها . { وعلى الوارث } : الوارث هو الرضيع نفسه إن كان له مال وإلا فعلى من يكفله من عصبته . { فصالا } : فطاماً للولد قبل نهاية العامين .
معنى الآية الكريمة : بمناسبة بيان أحكام الطلاق وقد تطلق المرأة أحياناً وهي حامل ذكر تعالى أحكام الرضاع وقال تعالى : { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة } أي على الأم المطلقة أن ترضع ولدها حولين كاملين إن أرادت هي وأب الرضيع إتمام الرضاعة ، وأن على المولود له وهو الأب ان كان موجوداً نفقة المرضعة طعاماً وشرابا وكسوة بالمعروف بحسب حال الوالد من الغنى والفقر ، إذ لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها من قدرة . ثم نبّه تعالى على أنه لا يجوز أن تؤذى الوالدة بسبب ولدها بأن تمنع من إرضاع ولدها أو تكره على ارضاعه وهي لا تريد ذلك ، أو تحرم النفقة مقابل الإِرضاع أو يضيق عليها فيها كما لا يجوز أن يضار أي يؤذى المولود له وهو الأب : بأن مقابل الإِرضاع ولده من أمه وقد طلقها ولا أن يطالب بنفقة باهظة لا يقر عليها . وعلى الوارث وهو الرضيع نفسه إن كان له مال . فإن لم يكن له مال فعلى عصبته وجب على الأم أن ترضعه مجاناً لأنها أقرب الناس إليه ثم ذكر تعالى رخصتين في الارضاع الأولى إن أراد الأبوان فطام الولد قبل عامين فإن لهما ذلك بعد التشاور في ذلك وتقدير مصلحة الولد من هذا الفطام المبكر . فقال تعالى : « وإن اراد فصالاً عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما } أي لا تضييق ولا حرج . والثانية إن أراد المولود له أن يسترضع لولده من مرضعا غير أمه فله ذلك إن طابت به نفس الأم قال تعالى : { وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم } بشرط أن يسلم الأجرة المتفق عليها بالمعروف بلا إجحاف ولا مماطلة ، وأخيراً وعظ الله كلاً من المُرْضِع والمَرْضَع له بتقواه في هذه الحدود التي وضعها لهما ، وأعلمهم أنه بما يعملون بصير فليحذروا مخالفة أمره ، وارتكاب نهيه . فسبحانه من إلهٍ عظيمٍ برٍ رحيم .
هداية الآية من هداية الآية : 1- وجوب إرضاع الأم ولدها الرضعة الأولى » اللَّبا « إن كانت مطلقة وسائر الرضاع إن كانت غير مطلقة . 2- بيان الحد الأعلى للرضاع وهو عامان تامان . ولذا فالزيادة عليهما غير معتبرة شرعاً . 3- جواز أخذ الأجرة على الإِرضاع . 4- وجوب نفقة الأقارب على بعضهم في حال الفقر . 5- جواز ارضاع الوالد ولده من مرضع غير والدته .
وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234) وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235)
شرح الكلمات : { يتوفون } : يوفيهم الله تعالى ما كتب لهم من العمر فيموتون . { ويذرون أزواجاً } : يتركون زوجات لهم . { يتربصن بأنفسهن } : ينتظرن حتى انقضاء عدتهن وهي أربعة أشهر وعشر ليال . { بلغن أجلهن } : بلغن انتها العدة . { لا جناح عليكم } : لا حرج عليكم أيها الأولياء فيما فعلن في أنفسهن من مس الطيب والتجمل والتعرض للخطاب . { لا جناح عليكم } : لا اثم عليكم في التعريض دون التصريح بالخطبة ، كما لا إثم في اضمار الرغبة في النفس . { حتى يبلغ الكتاب أجله } : أي حتى تنتهى العدة .
معنى الآيتين : ما زال السياق في بيان أحكام الطلاق والعدد والنفقات ففي هذه الآية ( 234 ) أن على من مات عليها زوجها أن تنتظر أربعة أشهر وعشر ليال إن كانت حرة أو نصف المدة إن كانت أمة فلا تتجمل ولا تمس طيباً ولا تتعرض للخطاب بحال تنقضي عدتها المذكورة في الآية إلا أن تكون حاملا فإن عدتها تنقضي بوضع حملها لقوله تعالى من سورة الطلاق : { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } فإذا بلغت أجلها أي انتهت المدة التي هي محدة فيها فلا جناح على ذوي زوجها المتوفى ولا على ذويها هي فيما تفعل بنفسها من ترك الإِحداد والتعرض للخطاب للتزوج هذا معنى قوله تعالى : { والذين يتوفون منك ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف } أي بما هو مباح لهن ووعظهم في ختام الآية بقوله { والله بما تعلمون خبير } فاحذروه فلا تعملون إلا ما أذن فيه لكم . أما الآية الثانية ( 235 ) فقد تضمنت تحريم خطبة المرأة المتعدة من طلاق أو وفاة فلا يحل خطبتها لما في ذلك من الضرر؟ إذ قد تحمل هذه الخطبة من رجل مرغوب فيه لماله أو دينه أو نسبه أن تدعى المرأة انقضاء عدتها وهي لم تنقض ، وقد تفوت على زوجها المطلق لها فرصة المراجعة بالخطبة دون اللفظ الصريح المرحم فقال تعالى : { ولا جناح عليكم } أيها المسلمون فيما عرضتم من خطبة النساء المعتدات نحو قوله : إني راغب في الزواج : أو إذا انقضت عدتك تاورنيني إن أردت الزواج . كما تضمنت الكشف عن نفسية الرجل إذا قال تعالى : { علم الله أنكم ستذكرونهن } مبدين رغبتكم في الزواج منهم فرخص لكم في التعريض دون التصريحن ولكن لا تواعدوهن سراً هذا اللفظ هو الدال على تحريم خطبة المعتدة من وفاة أو من طلاق بائن ، أما الطلاق الرجعي فلا يصح الخطبة فيه تعريضاً ولا تصريحاً لأنها في حكم الزوجة ، وقوله إلا أن تقولوا قولا معروفاً هو الإِذن بالتعريض . كما تضمنت هذه آية حرمة عقد النكاح على المعتدة حتى تنتهي عدتها إذ قال تعالى : { ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله } ، والمراد من الكتاب المدة التي كتب الله على المعدة أن تتربص فيها . وختمت الآية بوعظ الله تعالى المؤمنين حيث أمرهم أن يعلموا أن الله يعلم ما في أنفسهم ولا يخفى عليه شيء من أعمالهم وتصرافاتهم ليحذروه غاية الحذر فلا يخالفوه في أمره ولا في نهيه . كما أعلمهم أنه تعالى غفور لمن تاب منهم بعد الذنب حليم عليهم لا يعاجلهم بالعقوبة ليتمكنوا من التوبة .
هداية الآيتين من هداية الآيتين : 1- بيان عدة الوفاة وهي أربعة أشهر وعشر ليال ، وبينت السنّة أن عدة الأمة على النصف . 2- وجوب الإِحداد على المتوفى عنها زوجها وهو عدم التزيّن ومس الطيب وعدم التعرض للخطاب وملازمة المنزل الذي توفى عنها زوجها وهي فيه فلا تخرج منه إلا لضرورة قصوى . 3- حرمة خطبة المتعدة ، وجواز التعرض لها بلفظ غير صريح . 4- حرمة عقدة النكاح على معتدة قبل انقضاء عدتها وهذا من باب أولى مادام الخطبة محرمة ومن عقد على امرأة قبل انقضاء عدتها يفرق بينهما ولا تحل له بعد عقوبة لهما . 5- وجوب مراقبة الله تعالى في السر والعلن واتقاء الأسباب المفضية بالعبد إلى فعل محرم . يتبع إن شاء الله...
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الثلاثاء 08 يونيو 2021, 5:26 am عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| |
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة (02) السبت 17 أكتوبر 2015, 9:47 pm | |
| لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)
شرح الكلمات : { لا إكراه في الدين } : لا يكره المرء على الدخول في الدين ، وإنما يعتنقه بإرادته واختياره . { الرشد } : الهدى الموصل إلى الإِسعاد والإِكمال . { الغي } : الضلال المفضي بالعبد إلى الشقاء والخسران . { الطاغوت } : كل ما صرف عن عبادة الله تعالى من إنسان أو شيطان أو غيرهما . { العروة الوثقى } : لا إله إلا الله محمد رسول الله . { لا انفصام لها } : لا تنفك ولا تنحل بحال من الأحوال . { الله وليّ الذين آمنوا } : مُتوليهم بحفظه ونصره وتوفيقه . { الظلمات } : ظلمات الجهل والكفر . { النور } : نور الإِيمان والعلم . { أولياؤهم الطاغوت } : المتولون لهم الشياطين الذين زينوا لهم عبادة الأوثان فأخرجوهم من الإِيمان إلى الكفر ومن العلم إلى الجهل .
معنى الآيتين : يخبر الله تعالى بعد ذكر صفات جلاله وكماله في آية الكرسي أنه لا إكراه في دينه ، وذلك حين أراد بعض الأنصار إكراه من تهوّد أو تنصّر من أولادهم على الدخول في دين الإِسلام ، ولذا فإن أهل الكتابين ومن شابهما تؤخذ منهم الجزية ويقرون على دينهم فلا يخرجون منه إلا باختيارهم وإرادتهم الحرة ، أما الوثنيّون والذين لا دين لهم سوى الشرك والكفر فيقاتلون حتى يدخلوا في الإِسلام انقاذاً لهم من الجهل والكفر وما لا زمهم من الضلال والشقاء . ثم أخبر تعالى أنه بإنزال كتابه وبعثه رسوله ونصر أوليائه قد تبين الهدى من الضلال والحق من الباطل ، وعليه فمن يكفر بالطاغوت وهو الشيطان الذين زين عبادة الأصنام ويؤمن بالله فيشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فقد استمسك من الدين بأمتن عروة وأوثقها ، ومن يضرّ على الكفر بالله والإِيمان بالطاغوت فقد تمسك بأوهى من خيط العنكبوت ، والله سميع لأقوال عباده عليم بنياتهم وخفيات أعمالهم وسيجزي كلاً بكسبه . ثم أخبر تعالى أنه ولي عباده المؤمنين فهو يخرجهم من ظلمات الكفر والجهل إلى نور العلم والإِيمان فَيكْمَلُون ويسْعَدُون ، وأن الكافرين أولياؤهم الطاغوت من شياطين الجن والإِنس الذين حسنوا لهم الباطل والشرور ، وزيّنوا لهم الكفر والفسوق والعصيان ، فأخرجوهم بذلك من النور إلى الظلمات فأهَّلوهم لدخول النار فكانوا أصحابها الخالدين فيها .
هداية الآيتين من هداية الآيتين : 1- لا يُكره أهل الكتابين ومن في حُكمهم كالمجوس والصابئة على الدخول في الإِسلام إلا باختيارهم وتقبل منهم الجزية فَيُقُّروْن على دينهم . 2- الإِسلام كلّه رشدن وما عداه ضلال وباطل . 3- التخلي عن الرذائل مقدَّم على التحلي بالفضائل . 4- معنى لا إله إلا الله ، وهي الإِيمان بالله والكفر بالطاغوت . 5- ولاية الله تعالى تُنَال بالإِيمان والتقوى . 6- نَصْرة الله تعالى ورعايته لأوليائه دون أعدائه .
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)
شرح الكلمات : { ألم تر } : ألم ينته إلى علمك يا رسولنا ، والاستفاهم يفيد التعجب من الطاغية . المحاج لإِبراهيم . { حاج } : جادل ومارى وخاصم . { في ربّه } : في شأن ربه من وجوده تعالى وربوبيته وألوهيته للخلق كلهم . { آتاه الله الملك } : أعطاه الحكم والسيادة على أهل بلاده وديار قومه . { إبراهيم } : هو أبو الأنبياء إبراهيم الخليل عليه السلام . وكان هذا الحِجاج قبل هجرة إبراهيم إلى أرض الشام . { فبّهِتَ الذي كفر } : انقطع عن الحجَّة متحِّيراً مدهوشاً ذاك الطاغية الكافر وهو النمرود البابلي .
معنى الآية الكريمة : لما ذكر الله تعالى ولايته لأوليائه وأنه مؤيدهم وناصرهم ومخرجهم من الظلمات إلى النور ذكر مثالاً لذلك وهو محاجة النمرود لإِبراهيم عليه السلام فقال تعالى مخاطباً رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أي ألم ينته إلىعلمك حجاج ذاك الطاغية الذي بطرته نعمة الملك الذي آتينناه امتحاناً له فكفر وادعى الربوبية وحاج خليلنا فبينا إنه لأمر عجب . إذ قال له إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت ، وأنت لا تحيي ولا تميت فقال أنا أحيي وأميت ، فرد عليه إبراهيم حجته قائلاً : ربي يأتي بالشمس من المشرق فأت بها أنت من المغرب فاندهش وتحير وانقطع وأيد الله وليه إبراهيم فانتصر ، فهذا مثال إِخراج الله تعالى أوليائه منظلمة الجهل إلى نور العلم .
هداية الآية من هداية الآية : 1- النعم تبطر صاحبها إذا حرم ولاية الله تعالى . 2- نصرة الله لأوليائه وإلهامهم الحجة لخصم أعدائهم . 3- إذا ظلم العبد ووالى الظلم حتى أصبح وصفاً له يحرم هداية الله تعالى فلا يهتدي أبداً . 4- جواز المجادلة والمناظرة في إثبات العقيدة الصحيحة السليمة .
أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259)
شرح الكلمات : { قرية } : مدينة لم يذكر الله تعالى اسمها فلا يبحث عنها لعدم جدوى معرفتها . { خاوية } : فارغة من سكانها ساقطة عروشها على مبانيها وجدرانها . { أنّى يحيي } : كيف يحيي . { بعد موتها } : بعد خوائها وسقوطها على عروشها . { لبثت } : مكثت وأقمت . { لم يتسنه } : لم يتغير بمر السنين عليه . { آية } : علامة على قدرة الله على بعث الناس أحياء يوم القيامة . { ننشزها } : في قراءة ورش ننشرها بمعنى نحييها بعد موتها . وننشزها نرفعها ونجمعها لتكون حماراً كما كانت .
معنى الآية : هذا مثل آخر معطوف على الأول الذي تجلت فيه على حقيقتها ولاية الله لإِبراهيم حيث أيده بالحجة القاطعة ونصره على عدون النمرود قال تعالى : { أو كالذي مرّ على قرية وهي خاوية } فارغة من سكانها ساقطة سقوفها على مبانيها فقال المارّ بها مُستبعداً حياتها مرة ثانية : كيف يحيي الله هذه القرية بعد خرابها؟ فأماته الله مائة عام ثم أحياه ، وسأله : كم لبثت؟ قال : حسب عادة من نام في يوم واستيقظ فيه فإنه يرى أنه نام يوماً أو بعض يوم . فأجابه مُصَوِّباً فهمه : بل لبثت مائة عام ، ولكي تقتنع بما أخبرت به فانظر إلى طعامك وكان سلة من تين ، وشرابك وكان عصيراً من عنب فإنه لم يتغير طعمه ولا لونه وقد مر عليه قرن من الزمن ، وانظر إلى حمارك فإنه هلك بمرور الزمنولميبق منه إلا عظامه تلوح بيضاء فهذا دليل قاطع على موته وفنائه ، لمرور مائة سنة عليه ، وانظر إلى العظام كيف نجمعها ونكسوها لحماً فإذا هي حمارك الذي كنت تركبه من مائة سنة ونمت وتركته إلى جانبك يرتع ، وتجلت قدرة الله في عدم تغير الذي جرت العادة أنه يتغير فيظرف يوم واحد وهو سلة التين وشراب العصير . وفي تغير الذي جرت العادة أنه لا يتغير إلا في عشرات الأعوام ، وهو الحمار . كما هي ظاهرة في موت صاحبهما وحياته بعد لبثه على وجه الأرض ميتاً لم يعثر عليه أحد طيلة مائة عام . وقال له الرب تبارك وتعالى بعد أن وقفه على مظاهر قدرته فعلنا هذا بك لنريك قدرتنا على إحياء القرية متى أردنا إحياءها ولنجعلك في قصتك هذه آية للناس ، تهديهم إلى الإِيمان وتوحيدنا في عبادتنا وقدرتنا على العبث الآخر الذي لا ريب فيه لتجزى كل نفس بما كسبت وأخيراً لما لاحت أنوار ولاية الله في قلب هذا العبد المؤمن الذي أثار تعجبه خراب القرية فاستبعد حياتها قال : أعلم أن الله على كل شيء قدير ، فهذا مصداق قوله تعالى : { الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور } .
هداية الآية من هداية الآية : 1- جواز طروء استبعاد ما يؤمن به العبد أنه حق وكائن ، كما استبعد هذا المؤمن المار بالقرية حياة القرية مرة أخرى بعد ما شاهد من خرابها وخوائها . 2- عظيم قدرة الله تعالى بحيث لا يعجزه تعالى شيء وهو على كل شيء قدير . 3- ثبوت البعث الآخر وتقريره . 4- ولاية الله تعالى للعبد المؤمن التقي تجلت في إذهاب الظلمةالتي ظهرت على قلب المؤمن باستبعاده قدره الله على إحياء القرية ، فأراه الله تعالى مظاهر قدرته ما صرح به في قوله : { أعلم أن الله على كل شيء قدير } .
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260)
شرح الكلمات : { إبراهيم } : هو خليل الرحمن أبو الأنبياء عليه السلام . { يطمئن قلبي } : يسكن ويهدأ من التطلع والتشوق إلى الكيفيّة . { فصرهنّ إليك } : أملهن واضممهن إليك وقطعهن أجزاء . { سعيا } : مشياً سريعاً وطيرانا . { عزيز } : غالب لا يمتنع عنه ولا منه شيء أراده بحال من الأحوال . { حكيم } : لا يخلُق عبثا ولا يوجد لغير حكمه ، ولا يضع شيئا في غير موضعه اللائق به .
معنى الآية الكريمة : هذا مثل ثالث يوجه الى الرسول والمؤمنين حيث تتجلّى لهم ولايته تعالى لبعاده المؤمنين بإخراجهم من الظلمات إلى النور حتى مجرّد ظلمة باستبعاد شيء عن قدرة الله تعالى ، أو تطلع الى كيفيّة إيجاد شيء ومعرفة صورته . فقال تعالى : اذكروا { إذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى } . سأل إبراهيم ربّه أن يريه طريقة الإِحياء كيف تتم هل هي جارية على نواميس معيّنة أم هي مجرد قدرة يقول صاحبها للشيء كون فيكون ، فسأله ربه وهو عليم به أتقول الذي تقول ولم تؤمن؟ قال إبراهيم : بلى أنا مؤمن بأنك على كل شيء قدير ، ولكن أريد أن أرى صورة لذلك يطمئن لها قلبي ويسكن من التطلع والتشوق إلى معرفة المجهور لدي . فأمره تعال إجابة له لأنه وليّه فلم يشأ أن يتركه يتطلع إلى كيفيّة إحياء ربه الموتى ، أمره بأخذ أربعة طيور وذبحها وتقطيعها أجزاء وخلطها مع بعضها بعضا ثم وضعها على أربعة جبال على كل جبل ربع الأجزاء المخلوطة ، ففعل ، ثم أخذ برأس كل شير على حِدَةٍ ودعاه فاجتمعت اجزاؤه المفرقة المختلطة بأجزاء غيره وجاءه يسعى فقدم له رأسه فالتصق به وطار في السماء وإبراهيم ينظر ويشاهد مظاهر قدرة ربّه العزيز الحكيم . سبحانه لاإله غيره ولا رب سواه .
هداية الآية الكريمة : من هداية الآية الكريمة : 1- غريزة الإِنسان في حب معرفة المجهول والتطلع إليه . 2- ولاية الله تعالى لإِبراهيم حيث أراه من آياته ما اطمأن به قلبه وسكنت له نفسه . 3- ثبوت عقيدة الحياة الثانية ببعث الخلائق أحياء للحساب والجزاء . 4- زيادة الإِيمان واليقين كلما نظر العبد إلى آيات الله الكونية ، أو قرأ وتدبر آيات الله القرآنية .
مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262) قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263)
شرح الكلمات : { مثل الذين ينفقون } : صفتهم المستحسنة العجيبة . { سبيل الله } : كل ما يوصل إلى مرضاة الله تعالى من الإِيمان وصالح الأعمال . { يضاعف } : يزيد ويكثر حتى يكون الشيء أضعاف ما كان . { منّاً ولا أذى } : المنّ : ذكر الصدقة وتعدادها على من تُصُدّق بها عليه على وجه التفضل عليه . الأذى : التطاول على المتصدق عليه وإذلاله بالكلمة النابيه أو التي تمس كرامته وتحط من شرفه . { قول معروف } : كلام طيب يقال للسائل المحتاج نحو : الله يرزقنا وإياكم ، الله كريم . الله يفتح علينا وعليك . { ومغفرة } : ستر على الفقير بعدم إظهار فقره ، والعفو عن سوء خلقه إن كان كذلك . { غني } : غنىً ذاتي لا يفتقر معه إلى شيء أبداً . { حليم } : لا يعاجل بالعقوبة بل يعفو ويصفح .
معنى الآيات : يخبر تعالى مرغبا في الجهاد بالمال لتقدمه على الجهاد بالنفس لأن العدة أولا والرجال ثانياً ، أن مثل ما ينفقه المؤمن في سبيل الله وهو هنا الجهاد ، في نمائه وبركته وتضاعفه ، كمثل حبة برّ بذرت في أرض طيية فأنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبه فأثمرت الحبة الواحدة سبعمائة حبة ، وهكذا الدرهم الواحد ينفقه المؤمن في سبيل الله يضاعف إلى سبعمائة ضعف ، وقد يضاعف إلى أكثر لقوله تعالى : { والله يضاف لمن يشاء والله واسع عليم } هذا ما تضمنته الآية الأولى ( 261 ) وأما الآية الثانية ( 262 ) فهي تحمل بشرى الله تعالى للمنفقين في سبيله الذي لا يتبعون ما أنفقوه منّاً به ولا أذى لمن أنفقوه عليه بأن لا خوف عليهم فيما يستقبلونه من حياتهم ولا هم يحزنون على ما يتركون وراءهم ويخلفون . وهذه هي السعادة حيث خلت حياتهم من الخوف والحزن وحل محلها الأمن والسرور . وأخيرا الآية الثالثة ( 263 ) وهي { قول معروف . . . } فإن الله تعالى يخبر أن الكلمة الطيبة تقال للفقير ينشرح لها صدره وتطيب لا نفسه خير منمال يعطاه صدقة عليه يهان به ويذل فيشعر بمرارة الفقر أكثر ، وألم الحاجة أشد ، ومغفرة وستر لحالته وعدم فضيحته أو عفو عن سوء خلقه كإلحاحه في المسألة ، خير أيضاً من صدقة يفضح به ويعاتب ويشنع عليه بها . وقوله في آخر الآية : { والله غني حليم } أي مستغن عن الخلق حليم لا يعاجل بالعقوبة من يخالف أمره .
هداية الآيات من هداية الآيات : 1- فضل النفقة في الجهاد وأنها أفضل النفقات . 2- فضل الصدقات وعواقبها الحميدة . 3- حرمة المن بالصدقة وفي الحديث : « ثلاثة لا يدخلون الجنة . . . » وذكر من بينهم المنان . 4- الرد الجميل على الفقير إذا لم يوجد ما يعطاه ، وكذا العفو عن سوء القول منه ومن غيره خير من الصدقة يتبعها أذى وفي الحديث : « لكلمة الطيبة صدقة » .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264)
شرح الكلمات : { إبطال الصدقة } : الحرمان من ثوابها . { المن والأذى } : تقدم معناهما . { رئاء الناس } : مراءاة لهم ليكسب محمدتهم ، أو يدفع مذمتهم . { صفوان } : حجر أملس . { وابل } : مطر شديد . { صلداً } : أملس ليس عليه شيء من التراب . { لا يقدرون } : يعجزون عن الانتفاع بشيء من صدقاتهم الباطلة .
معنى الآية : بعد أن رغّب تعالى في الصدقات ونبّه إلى ما يبطل أجرها وهو المنّ والأذى نادى عباده المؤمنين فقال : { يا أيها الذين آمنوا . . . } ناهياً عن إفساد صدقاتهم وإبطال ثوابها فقال : { لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى } مشبهاً ال إبطال الصدقات بحال صدقات المرائي الذي لا يؤمن بالله واليوم الآخر في بطلانها فقال : { كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر } وضرب مثلاً لبطلان صدقات من يبع صدقاته منّا أو أذى أو يرائي بها الناس أو هو كافر لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر فقال : { مثله كمثل صفوان عليه تراب } أي حجر أملس عيه تراب ، { فأصابه وابل فتركه صلدا } أي نزل عليه مطر شديد فأزال التراب عنه فتركه أملس عارياً ليس عليه شيء ، فكذلك تذهب الصدقات الباطلة ولم يبق منها لصابها شيء ينتفع به يوم القيامة ، فقال تعالى : { لا يقدرون على شيء مما كسبوا } أي مما تصدقوا به ، { والله لا يهدي القوم الكافرين } إلى ما يسعدهم ويكملهم لأجل كفرانهم تعالى .
هداية الآية من هداية الآية : 1- حرمة المن والأذى في الصدقات وفسادها بها . 2- بطلان صدقة المان والمؤذي والمرائي بهما . 3- حرمة الرياء وهي من الشرك لحديث : « إياكم والرياء فإنه الشرك الأضغر » .
وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266)
شرح الكلمات : { المثل } : الصفة المستملحة المستغربة . { ابتغاء مرضاة الله } : طلبا لرضا الله تعالى . { تثبيتاً } : تحقيقاً وتَيَقناً بمثوبة الله تعالى لهم على إنفاقهم في سبيله . { جنّة بربوة } : بسنات كثير الأشجار بمكان مرتفع . { ضعفين } : مضاعفاً مرتين ، أو ضعفي ما يثمر غيرها . { الوابل } : المطر الغزير الشديد . { الظلُّ } : المطر الخفيف . { إعصار } : ريح عاصف فيها سموم .
معنى الآيتين : لما ذكر الله تعالى خيبة المنفقين أموالهم رياء الناس محذراً المؤمنين من ذلك ذكر تعالى مرغباً في النفقة التي يريد بها العبد رضا الله وما عنده من الثواب الأخروي فقال ضاربا لذلك مثلاً : { ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله } أي طلباً لمرضاته { وتثبيتاً من أنفسهم } أي تحققا ويقناً منهم بأن الله سيثيبهم عليها مثلهم في الحصول على ما أمّلوا من رضا الله وعظيم الأجر كمثل جنّة بمكان مرتفع عالٍ أصابها مطر غزير فأعطت ثمرها ضعفي ما يعطيه غيرها من البساتين ولما كانت هذه الجنة بمكان عال مرتفع فإنها إن لم يصبها المطر الغزير فإن الندى والمطر اللين الخفيف كافٍ في سقيها وريها حتى تؤتي ثمارها مضاعفاً مرتين ، وختم تعالى هذا الكلام الشريف بقوله : { والله بما تعملون بصير } فواعد به المنفقين ابتغاء مرضاته وتثبيتاً من أنفسهم بعضم الأجر وحسن المثوبة ، وأوعد به المنفقين الذين يتبعو ما أنفقوا بالمن والأذى والمنفقين رياء الناس بالخيبة والخسران . كان هذا معنى الآية الأولى ( 265 ) وأما الآية الثانية ( 266 ) فإنه تعالى يسائل عباده تربية لهم وتهذيباً لأخلاقهم وسموّاً بهم إلأى مدارج الكمال الروحي فيقول : { أيود أحدكم } أي أيحب أحدكم أيها المنفقون في غير مرضاة الله تعالى أن يكون له جنّة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار وله فيها من كل الثمرات والحال أنه قد تقدمت به السن وأصبح شيخاً كبيراً ، ومع هذا العجز فإن له ذريّة صغاراً لا يقدرون على الكسب وجلب عيشهم بأنفهسم ، وأصاب ذلك البستان الذي هو مصدر عيش الوالد وأولاده أصابه ريح عاتية تحمل حرارة السموم فأتت على ذلك البستان فأحرقته ، كيف يكون حال الرجل الكبير وأولاده؟ هكذا الذي ينفق أمواله رئاء الناس يخسرها كلها في وقت هو أحوج إليها من الرجل العجوز وأطفاله الصغار ، وذلك يوم القيامة وأخيراً يمتن تعالى على عباده بما يبين لهم من الآيات في العقائد والعبادات والمعاملات والآداب ليتفكروا فيها فيهتدوا على ضوئها الى كمالهم وسعادتهم فقال تعالى : { كذلك } أي كذلك التبيين { يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون } .
هداية الآيتين من هداية الآيتين : 1- استحسان ضرب الأمثال تقريباً للمعاني الى الأذهان لينتفع بها . 2- مضاعفة أجر الصدقة الخالية من المن والأذى ومراءاة الناس . 3- بطلان صدقات المان والمؤذي والمرائي وعدم الانتفاع بشيء منها . 4- وجوب التكفر في آيات الله لا سيما تلك التي تحمل بيان العقائد والأحكام والآداب والأخلاق .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268) يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)
شرح الكلمات : { من طيبات ما كسبتم } : من جيّد أموالكم وأصلحها . { ومما أخرجما لكم من الأرض } : من الحبوب وأنواع الثمار . { ولا تيمموا الخبيث } : لا تقصدوا الردىء تنفقون منه . { إلا أن تُغْمِضُوا فيه } : إلا أن تغضوا أبصاركم عن النظر في رداءته فتأخذونه بتساهل منكم وتسامح . { حميد } : محمود في الأرض والسماء في الأولى والأخرى لما أفاض ويفيض من النعم على خلقه . { يعدكم الفقر } : يخوفكم من الفقر ليمنعكم من الإِنفاق في سبيل الله . { ويأمركم بالفحشاء } : يدعوكم إلى ارتكاب الفواحش ومنها البخل والشح . { الحكمة } : فهم أسرار الشرع ، وحفظ الكتاب والسنّة . { أولوا الألباب } : أصحاب العقول الراجحة المفكرة فيما ينفع أصحابها .
معنى الآيات : بعدما رغب تعالى عباده المؤمنين في الانفاق في سبيله في الآية السَّابقة ناداهم هنا بعنوان الإِيمان وأمرهم بإخراج زكاة أمزاهلم من جيد منا يكسبون فقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا انفقوا من طيبات ما كسبتم ، ومما أخرجنا لكم من الأرض } يريد الحبوب والثمار كما أن ما يسكبونه يشمل النقدين والماشية من إبل وبقر وغنم ، ونهاهم عن التصدق بالردّيء من أموالهم فقال : { ولا تيمَّموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا إن تغمضوا فيه } يريد لا ينبغي لكم أن تنفقوا الرديء وأنتم لو اعطيتموه في حق لكم ما كنتم لتقبلوه لولا أنكم تغمضوا وتتساهلون في قبوله ، وهذا منه نعالى تأديب لهم وتربية . وأعلمهم أخيراً أنه تعالى غنيٌّ عن خلقه ونفقاتهم فلم يأمرهم بالزكاة والصدقات لحاجة به ، وإنما أمرهم بذلك لإكمالهم وإسعادهم ، / وأنه تعالى حميد محمود بماله من إنعام على سائر خلقه كان هذا معنى الآية ( 267 ) أما الآية ( 268 ) فإنه تعالى يحذر عباده من الشيطان ووساوسه فأخبرهم أن الشيطان يعدهم الفقر أي بخوفهم منه حتى لا يزكوا ولا يتصدقوا ويأمرهم بالفحشاء فينفقون أموالهم في الشر والفساد ويبخلون بها في الخير ، والصالح العام أما هو تعالى فإنه بأمره أياهم بالإنفاق يعدهم مغفرة ذنوبهم لأن الصدقة تكفر الخطيئة ، وفضلا منه وهو الرزق الواسع الحسن . وهو الواسع الفضل العليم بالخلق . فاستجيبوا أيها المؤمنين لنداء الله تعالى ، وأعرضوا عن نداء الشيطان فإنه عدوكم لا يعدكم إلا بالشر ، ولا يأمركم إلا بالسوء والباطل ، كان هذا ما تضمنته الآية الثانية أما الآية الثالثة ( 269 ) فإن الله تعالى يرغِّب في تعلُّم العلم النافع ، العلم الذي يحمل على العمل الصالح ، ولا يكون ذلك إلا علم الكتاب والسنة حفظاً وفهماً وفقهاً فيهما فقال تعالى : { يؤتى } أي هو تعالى { الحكمة من يشاء } ممن طلبها وتعرض لها راغباً فيها سائلا الله تعالى أن يعلمه ، وأخبر أخيراً أن من يؤت الحكمة قد أوتي خيراً كثيراً فليطلب العاقل الحكمة قبل طلب الدنيا هذه تذكرة { وما يذّكّر إلا أولوا الألباب } .
هداية الآيات من هداية الآيات : 1- وجوب الزكاة في المال الصامت من ذهب وفضة وما يَقومُ مقامهما من العمل وفي الناطق من الإِبل والبقر والغنم إذ الكل داخل في قوله : { ما كَسبتم } وهذا بشرط الحول وبلوغ النصاب . 2- وجوب الزكاة في الحرث : الحبوب والثمار وذلك فيما بلغ نصابا ، وكذا في المعادن إذ يشملها لفظ الخارج من الأرض . 3- قبح الإِنفاق من الرديء وترك الجيد . 4- التحذير من الشيطان ووجوب مجاهدته بالإِعراض عن وساوسه ومخالفة أوامره . 5- إجابة نداء الله والعمل بإرشاده . 6- فضل العلم على المال .
وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (270) إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271)
شرح الكلمات : { من نفقة } : يريد قليلة أو كثيرة من الجيد أو الرديء . { من نذر } : النذر التزام المؤمن بما لم يلزمه به الشارع ، كأن يقول : لله علىَّ أن أتصدق بألف؛ أو أصوم شهراً أو أصلي كذا ركعة أو يقول : إن حصل لي كذا من الخير أفعل كذا من الطاعات . { إن تبدو الصدقات } : أي تظهروها . { فنعما هي } : فنعم تلك الصدقة التي أظهرتموها ليُقْتَدى بكم فيها . { ويكفر عنكم من سيئاتكم } : يكفر بمعنى يسترها ولا يطالب بها ، ومن للتبعيض إذ حقوق العباد لا تكفرها الصدقة .
معنى الآية الكريمة : بعدما دعا تعالى عابده إلى الإِنفاق في الآية السابقة أخبر تعالى أنه يعلم ما ينفقه عباده فإن كان المُنْفَق جيداً صالحاً يعلمه ويجزي به وإن كان خبيثاً رديئاً يعلمه ويجزي به وقال تعالى مخاطبا عباده المؤمنين : { وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه } فما كان مبتغىً به وجه الله ومن جيد المال فسوف يكفر به السيئات ويرفع به الدرجات ، وما كان رديئاً ونذيراً لغير الله تعالى فإن أهله ظالمون وسَيُغْرمون أجر نفقاتهم ونذورهم لغير الله ولا يجدون من يثيبهم على شيء منها لأنهم ظالمون فيها حيث وضعوها في غير موضعها ، { وما للظالمين من أنصار } . هذا ما تضمنته الآية الأولى ( 270 ) . أما الآية الثانية ( 271 ) فقد أعلم تعالى عباده المؤمنين أن ما ينفقونه لوجهه ومن طيب أموالهم علناً وجهرة هو مال رابح ، ونفقة مقبولة ، يثاب عليها صاحبها ، إلا أنّ ما يكون من تلك النفقات سراً ويوضع في أيدي الفقراء يكون خيراً لصاحبه لبعده من شائبة الرياء ، ولإكرام الفقراء ، وعدم تعريضهم لمذلة التصدق عليهم وأنه تعالى يكفِّر عن المنفقين سيئاتهم بصدقاتهمن وأخبر أنه عليم بأعمالهم فكان هذا تطميناً لهم على الحصول على أجور صدقاتهم ، وسائر أعمالهم الصالحة .
هداية الآيتين من هداية الآيتين : 1- الترغيب في الصدقات ولو قلّت والتحذير من الرياء فيها وإخراجها من رديء الأموال . 2- جواز إظهار الصدقة عند سلامتها من الرياء . 3- فضل صدقة السرّ وعظم أجرها ، وفي الحديث الصحيح : « ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه » . ذكر من السبعة الذي يظلهم الله بظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله . يتبع إن شاء الله...
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الثلاثاء 08 يونيو 2021, 5:29 am عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: تفسير سورة البقرة (02) السبت 17 أكتوبر 2015, 9:52 pm | |
| لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272) لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)
شرح الكلمات { هداهم } : هدايتهم إلى الإِيمان وصالح الأعمال . { من خير } : من مال . { فأنفسكم } : صوابه العاجل بالبركة وحسن الذكر والآجل يوم القيامة عائد على أنفسكم . { يوف إليكم } : يرد أجره كاملا لا ينقص منه شيء . { احصروا } : حبسوا ومنعوا من التصرف لأنهم هاجروا من بلادهم . { ضربا في الأرض } : أي سيراً فيها لطلب الرزق بالتجارة وغيرها لحصار العدو لهم . { بسيماهم } : علامات حاجتهم من رثاثة الثياب وصفرة الوجه . { من التعفف } : ترك سؤال الناس ، والكف عنه . { إلحافا } : إلحاحا وهو ملازمة السائل من يسأله حتى يعطيه .
معنى الآيات : لما أمر تعالى بالصدقات ورغب فيها وسألها غير المؤمنين من الكفار واليهود فتحرج الرسول والمؤمنون من التصدق على الكافرين فأذهب الله تعالى عنهم هذا الحرج وأذن لهم بالتصدق على غير المؤمنين والمراد من الصدقة التطوع لا الواجبة وهي الزكاة فقال تعالى مخاطبا رسوله وأمته تابعة له : { ليس عليك هداهم } لم يوكل إليك أمر هدايتهم لعجزك عن ذلك وإنما الموكل إليك بيان الطريق لا غير وقد فعلت فلا عليك أن لا يهتدوا ، ولو شاء الله هدايتهم لهداهم ، وما تنفقوا من مال تثابوا عليه ، سواء كان على مؤمن أو كافر إذا أردتم به وجه الله وابتغاء مرضاته ، وأكّد تعالى هذا الوعد الكريم بقوله : { وما تنفقوا من خير يوف إليكم } والحال أنكم لا تظلمون بنقص ما أنفقتم ولو كان النقص قليلا . كان هذا معنى الآية الأولى ( 272 ) أما الآية الثانية وهي : { للفقراء الذين احصروا في سبيل الله . . . } فقد بين تعالى من ديارهم وأموالهم وأحصروا في المال المدينة بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستطيعون ضرباً في الأرض للتجارة ولا للعمل ، ووصفه تعالى بصفات يعرفهم بها رسوله والمؤمنون ولولا تلك الصفات لحسبهم لعفتهم وشرف نفوسهم الجاهلُ بهم أغنياء غَيْرَ محتاجين فقال تعالى : { يَحْسَبُهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم } لا يسألون الناس مجرد سؤال فضلا عن أن يُلِحُّوا ويُلْحِفُوا . ثم في نهاية الآية أعاد تعالى وعده الكريم بالمجازاة على ما يُنْفَقْ في سبيله فقال : { وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم } ولازمة أن يثيبكم عليه أحسن ثواب فأبشروا واطمئنوا . وأما الآية الثالثة ( 274 ) فهي آخر آيات الدعوة إلى الانفاق جاءت تحمل أعظم بشر للمنفقين في كل أحوالهم بالليل والنهار سرّاً وعلانية بأن أجر نفقاتهم مدخر لهم عند ربهم يتسلمونه يوم يلقونه ، ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون في الدنيا والبرزخ والآخرة .
هداية الآيات : من هداية الآيات : 1- جواز التصدق على الكافر المحتاج بصدقة لا الزكاة فإنا حق المؤمنين . 2- نثواب الصدقة عائد على المتصدق لا على المتصدق عليه فلذا لا يضر إن كان كافراً . 3- وجوب الإِخلاص في الصدقة أي يجب أن يراد بها وجه الله تعالى لا غير . 4- تفاضل أجر الصدقة بحسب فضل وحاجة المتصدق عليه . 5- فضيلة التعفف وهوترك السؤالمع الاحتياج ، وذم الإِلحاح في الطلب من غير الله تعالى أما الله عز وجل فإنه يحب الملحين في دعائه . 6- جواز التصدق بالليل والنهار وفي السر والعلن إذا الكل يثيب الله تعالى عليه ما دام قد أريد به وجهه لا وجه سواه . 7- بشرى الله تعالى للمؤمنين المنفقين بادخار أجرهم عنده تعالى ونفي الخوف والحزن عنهم مطلقا .
الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277)
شرح الكلمات : { يأكلون الربا } : يأخذونه ويتصرفون فيه بالأكل في بطونهم ، وبغير الأكل والربا هنا ربا النسيئة وحقيقته أن يكون لك على المرء دين فإذا حل أجله ولم يقدر على تسديده تقول له : أخر وزد فتؤخره أجلا وتزيد في رأس المال قدراً معيناً ، هذا هو ربا الجاهلية والعمل به اليوم في البنوك الربوبة فيسلفون المرء مبلغاً الى أجل ويزيدون قدراً آخر نحو العشر أو أكثر أو أقل والربا حرام بالكتاب والسنة والإِجماع وسواء كان ربا فضل أو ربا نسيئة . { لا يقومون } : من قبورهم يوم القيامة . { يتخبطه الشيطان } : يضربه الشيطان ضرباً غير منتظم . { من المس } : المس الجنون ، يقال : بفلان مسّ من جنون . { موعظة } : أمر أو نهي بترك الربا . { فله ما سلف } : ليس عليه أن يراد الأموال التي سبقت توبته . { يمحق الله الربا } : أي يذهبه شيئاً فشيئاً حتى لا يبقى منه شيء كمحاق القمر آخر الشهر . { ويربي الصدقات } : يبارك في المالك ألذي أخرجت منه ، ويزيد فيه ، ويضاعف أجرها أضعافاً كثيرة . { كفار أثيم } : الكفار : شديد الكفر ، يكفر بكل حق وعدل وخير ، أثيم : منغمس في الذنوب لا يترك كبيرة ولا صغيرة إلا ارتكابها .
معنى الآيتين : لما حث الله على الصدقات وواعد عليها بعيظم الأجر ومضاعفة الثواب ذكر المرابين الذين يضاعفون مكاسبنهم المالية ابالربا وهم بذلك يسدُّون طرق البر ، ويضدون عن سبيل المعروف فبدل أن ينموا أموالهم بالصدقات نموها بالربويات ، فذكر تعالى حالهم عند القيام من قبورهم وهم يقومون ، ويقعدون ، ويغفون ويُصرعون ، حالهم حال من يصرع في الدنيا بمس الجنون ، علامة يعرفون بها يوم القيامة كما يعرفون بانتفاخ بطونهم وكأنها خيمة مضروبة بين أيديهم قال تعالى : { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } ، وذكر تعالى سبب هذه النقمة عليهم فقال { ذلك } أي أصابهم ذلك الخزي والعذاب بأنهم ردّوا علينا حكمنا بتحريم الربا وقالوا انما البيع مثل الربا ، إذ الربا الزايادة في نهاية الأجل ، والبيع في أوله ، ورد تعالى عليهم فقال : { واحل الله البيع وحرم الربا } فما دام قد حرم الربا فلا معنى للاعتراض ، ونسوا أن الزيادة في البيع هي في قيمة سلعة تغلوا وترخص ، وهي جارية على قانون الإِذن في التجارة ، وأما الزيادة في آخر البيع فهي زيادة في الوقت فقط . ثم قال تعالى مبيّناً لعباده سبيل النجاة محذراً من طريق الهلاك : { فمن جاءه موعظة من ربّه } وهي تحريمه تعالى للربا ونهيه عنه فانتهى عنه فله ما سلف قبل معرفته للتحريم ، أو قبل توبته منه ، وأمرُه بعد ذلك إلى الله إن شاء ثبته على التوبة فنجاه ، وإن شاء خذله لسوء عمله ، وفساد نيّته فأهلكه وأرداه وهذا معنى قوله تعالى : { ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } . أخبر تعالى أنه بعدله يمحق الربا ، وبفضله يربي الصدقات ، وأنه لا يحب كل كفار لشرع الله وحدوده ، أثيم بغشيانه الذنوب وارتكابه المعاصي . كان هذا معنى الآية الأولى ( 275 ) أما الآية الثانية ( 276 ) فهي وعد رباني صادق وبشى الهية سارة لكل من آمن وعمل صالحاً وأقام الصلاة على الوجه الذي تقام به وآتى الزكاة بأنْ له أجره وافٍ عند ربّه يتسلمه يوم الحاجة إليه في عرصات القيامة وأنه لا يخاف مما يستقبله فى الحياة الدنيا والآخرة ولا يحزن أيضاً في الدنيا ولا في الآخرة .
هداية الآيتين من هداية الآيتين : 1- بيان عقوبة آكل الربا يوم القيامة لاستباحتهم الربا وأكلهم له وعدم التوبة منه . 2- تحريم الربا وكل مال حرام لما جاء في الآية من الوعيد الشديد . 3- صفة الحب لله تعالى وأنه تعالى حب أولياءه وهم أهل الإِيمان به وطاعته ويكره أعداءه وهم أهل الكفر به ومعاصيه من أكل الربا وغيره من كبائر الذنوب . 4- حلية البيع إن تم على شورطه المبيّنة في كتب الفقه . 5- من تاب من الرب تقبل توبته ، ويحل له ما أفاده منه قبل التوبة بشرط سيأتي في الآيات بعد هذه . 6- وعيد الله تعالى بمحق الربا ووعده بإرباء الصدقة . 7- بشرى الله تعالى أهل الإِيمان والعمل الصالح مع إقامتهم للصلاة وإيتائهم الزكاة .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279) وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280) وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281)
شرح الكلمات : { اتقوا الله } : خافوا عقابه بطاعته بأن تجعلوا طاعته وقاية تقيكم غضبه وعقابه . { وذروا ما بقي من الربا } : اتركوا ما بقي عندكم من المعاملات الربويّة . { فأذنوا بحرب } : اعلموا بحرب من الله ورسوله واحملوا سلاحكم ولا ينفعكم سلاح فإنكم المهزومون الهالكون . { فلكم رؤوس أموالكم } : بعد التوبة مالكم إلا رأس المال الذي عند المدين لكم فخذوه واتركوا زيادة الربا . { العسرة } : الشدة والضائقة المالية . { فنظرة إلى ميسرة } : أي انتظار للمدين إلى أن ييسر الله عليكم فيعطيكم رأس مالكم الذي أخذه منكم . { وأن تصدقوا } : وأن تتصدقوا على المعسر بترك ما لكم عليه فذلك خير لكم .
معنى الآيات : بمناسبة ذكر عقوبة آكلي الربا في الآيات السابقة نادى الله تعالى عباده المؤمنين آمراً إياهم بتقواه تعالى ، وذلك بطاعته وترك معصيته ، وبالتخلي عما بقي عند بعضهم من المعاملات الربويّة مذكراً إياهم بايمانهم إذ من شأن المؤمن الاستجابة لنداء ربه وفعل ما يأمره به وترك ما ينهاه عنه فقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين } ، ثم هدد المتباطئين بقوله : فإن لم تفعلوا فاعلموةا بحرب قاسية ضروس من الله ورسوله ، ثم بيّن لهم طريق التوبة وسبيل الخلاص من محنة الربا وفتنته بقوله : وإن تبتم بترك الربا فلك رؤوس أموالكم لا غير لا تظلمون بأخذ زيادة ، ولا تظلمون بنقص من رأس مالكم . وإن وجد مدين لكم في حالة إعسار فالواجب انتظاره إلى ميسرته ، وشيء آخر وهو خير لكم أن تتصدقوا بالتنازل عن ديونكم كلّها تطيهراً لأموالكم التي لامسها الربا وتزكية لأنفسكم من آثاره السيئة . ثم ذكر تعالى سائر عباده بيوم القيامة وما فيه من أهول ومواقف صعبة حيث يتم الحسبا الدقيق وتجزي فيه كل نفس مؤمنة أو كافرة بارة أو فاجرة ما كسبته من خير وشر وهم لا يظلمون بنقص حسنانتهم أو زيادة سيئاتهم فقال تعالى : { واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون } وهذا التوجيه الذي حملته هذه الآية ذات الرقم ( 280 ) آخر توجيه تلقته البشرية من ربها تعالى إذ هذه آخر ما نزل من السماء على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
هداية الآيات من هداية الآيات : 1- وجوب التوبة من الربا ومن كل المعاصي . 2- المصر على المعاملات الربوية يجب على الحاكم أن يحاربه بالضرب على يديه حتى يترك الربا . 3- من تاب من الربا لا يظلم بالأخذ من رأسه ماله بل يعطاه وافيا كاملاً إلا أن يتصدق بالتنازل عن ديونه الربوية فذل خير له حالاً ومآلا . 4- وجوب ذكر الدار الآخرة والاستعداد لها بالإِيمان والعمل الصالح وترك الربا والمعاصي .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282)
شرح الكلمات : { تداينتم } : داين بعضكم بعضا في شراء أو بيع أو سَلّم أو قرض . { إلى أجل مسمى } : وقت محدد بالأيام أو الشهور أو الأعوام . { بالعدل } : بلا زيادة ولا نقصان ولا غش أو احتيال بل بالحق والإِنصاف . { ولا يأب } : لا يمتنع الذي يحسن الكتابة أن يكتب . { وليملل الذي عليه الحق } : لأن إملاءه اعتراف منه وإقرار بالذي عليه من الحق . { ولا يبخس منه شيئا } : لا ينقص من الدين الذي عليه شيء ولو قل كفلس وليذكره كله . { سفيهاً أو ضعيفاً } : السفيه : الذي لا يحسن التصرفات المالية ، والضعيف : العاجز عن الإِملاء كلأخرس ، أو الشيخ الهرم . { وليّه } : من يلي أمره ويتولى شؤونه لعجزه وقصوره . { من رجالكم } : أي المسلمين الأحرار دون العبيد والكفار . { أن تضل إحداهما } : تنسى أو تخطىء لقصر إدراكها . { ولا تسأموا } : لا تضجروا أو تملّوا من الكتابة ولو كان الدين صغيراً مبلغه . { أقسط عند الله } : أعدل في حكم الله وشرعه . { وأقوم للشهادة } : أثبت لها وأكثر تقريراً لأن الكتابة لا تنسى والشهادة تنسى أو يموت الشاهد أو يغيب . { وأدنى أن لا ترتابوا } : أقرب أن لا تشكوّوا بخلاف الشهادة بدون كتابة . { تديرونها بينكم } : أي تتعاطونها ، البائع يعطي الضاعة والمشتري يعطي النقود فلا حاجة إلى كتابتها ولا حرج أو إثم يترتب عليها . { وأشهدوا إذا تبايعتم } : إذا باع أحدُ داراً أو بستاناً أو حيواناً يشهد على ذلك البيع . { ولا يضار كاتب ولا شهيد } : بأن يكلف ما لا يقدر عليه بأن يُدْعى ليشهد في مكان بعيد يشق عليه أو يطلب إليه أن يكتب زوراً أو يشهد به . { فسوق بكم } : أي خروج عن طاعة ربكم لاحق بكم إثمه وعليكم تبعته يوم القيامة . { اتقوا الله } : في أوامره فافعلوها ، وفي نواهيه فاتركوها ، وكما علمكم هذا يعلمكم كل ما تحتاجون فاحمدوه بألسنتكم واشكروه بأعمالكم ، وسيجزيكم بها وهو بكل شيء عليم .
معنى الآية الكريمة : لما حث تعالى على الصدقات ، وحرم الربا ، ودعا إلى العفو على المعسر ، والتصدّق عليه بإسقاط الدين الأمر الذي قد يتبادر الى الذهن أنّ المال لا شأن له ولا قيمة في الحياة فجاءت هذه الآية ، آية الدين الكريمة لتعطي للمال حقَّه ، وترفع من شأنه فإنه قوام الحاية فقررت واجب الحفاظ عليه ، وذلك بكتاب الديون ، والإِشهاد عليها بمن ترضى عدالتهم ، وكون الشهود رجلين مسلمين حرّين ، فإن انعدم رجل من الاثنين قامت إمرأتان مقامه ، واستحث الله تعالى من حيسن الكتابة أن يكتب إذا كان في سعة من أمره ، وحرم على اشهود إذا ما دُعوا لأداء الشهادة أن يتخَّلْوا عنها ، وحرم على المتداينين أن لا يكتبوا ديونهم ولو كانت صغيرة قليلة فقال تعالى : { ولا ستأموا أن تكتبوه صغيراً أو كبيراً إلى أجله } ورخص تعالى رحمةً منه في عدم كتابة التجارة الحاضرة التي يدفع فيها السلعة في المجلس ، ويقبض الثمن فيه فقال : { إلا أن تكون تجارةً حاضرةً تُدِيُرونها بينكم فليس عليكم جُنَاح ألاَّ تكتبوها . . } وأمر بالإِشهاد عل البيع فقال : { وأشهدوا إذا تبايعتم . . } ونهى عن الإِضرار باكاتب ، أو الشهيد ، بأن يلزم الكاتب أن يكتب إذا كان في شغله ، أو الشاهد بأن يطلب منه أن يشهد وهو كذلك في شغله ، أو أن يُدْعى الى مسافات بعيدة تشُقْ عليه إذ أمره تطوع ، وفعل خير لا غير فليطلب كاتب وشاهد غيرهما إذا تعذر ذلك منهما لانشغالهما . وحذَّره من كتمان الشهادة أو الحيف والجَوْر في الكتابة ، والإِضرار بالكاتب والشهيد فقال : { وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم . . } وأكَّد ذلك بأمره بتقواه فقال : { واتقوا الله . . } بامتثال أمره ، ونهيه لتَكْمْلُوا وتسعدوا وكما علمكم هذا لعلم النافع ما زال يعلمكم وهو بكل شيء عليم . هذا معنى الآية الكريمة : { يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى إجل مسمى فاكتبوه . . }
هداية الآية من هداية الآية : 1- وجوب كتابة الديون سواءٌ كانت بيعاً ، أو شراء ، أو سلفاً ، أو قرضاً هذا ما قرره ابن جرير ، ورد القول بالإرشاد والندب . 2- رعاية النعمة بشكرها لقوله تعالى للكاتب : كما علمه الله فليكتب إذ علمه الكتاب وحرم غيره منها . 3- جواز النيابة في الإِملاء لعجز عنه ، وعدم قدرته عليه . 4- وجوب العدل والإِنصاف في كل شيء لا سيما في كتاب الديو المستحقة المؤجلة . 5-وجوب الإِشهاد على الكتابة لتأكّدها به ، وعدم نسيان قدْر الدّين وأجله . 6- شهو دالمال لا يَقِلُّون عن رجلين عدلين من الأحرار المسلمين لا غير ، والمرأتان المسلمتان اللتان فرض شهادتهما تقومان مقام الرجل الواحد . 7- الحرص على كتابة الديون والعزم على ذلك ولو كان الدين صغيراً تافهاً . 8- الرخصة في عدم تابة التجارة الحاضرة السلعة والثمن المدارة بين البائع والمشتري . 9- ووب الإِشهاد على بيع العقارات والمزارع والمصانع مما هو ذو بال . 10- حرمة الإِضرار بالكاتب والشهيد . 11- تقوى الله تعالى تسبب العلم ، وتُكْسِب المعرفة بإذن الله تعالى .
وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283) لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284)
شرح الكلمات : { السفر } : الخروج من الدار والبلد ظاهراً بعيداً بمسافة أربعة برد فأكثر . { ولم تجدوا كاتبا } : من يكتب لكم ، أو لم تجدوا أدوات الكتابة من دواة وقلم . { فرهان مقبوضة } : فاعتاضوا عن الكتابة الرهن فليضع المدين رهناً لدى الدائن . { فإن أمن بعضكم بعضا } : فلا حاجة الى الرهن . { فلؤد المؤتمن أمانته } : أي فليعط الدين الذي أوتمن عليه حيث تعذَّرت الكتابة ولم يأخذ دائنه منه رهناً على دينه . { آثم قلبه } : لأن الكتمان من عمل القلب فنسب الإِثم الى القلب . { وإن تبدوا } : تظهروا .
معنى الآيتين : لما أمر تعالى بالاشهاد والكتابة في البيوع والسَّلَم والقروض في الآيات السَّابقة أمر هنا - عند تعذّر الكتابة لعدم وجود كاتب أو أدوات الكتابة وذلك في السفر- أمر بالاستعاضة عن الكتابة بالرهن وذلك بأن يضع المدين رهناً لدى دائنه عوضا عن الكتابة يستوثق به دينه هذا في حال عدم ائتمانه ، والخوف منه ، وأمّا إن آمن بعضهم بعضا فلا بأس بعد الارتهان فقال تعالى : { وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً فرهان مقبوضة . . } والرهان جمع رهن . وقال { فإن أمن بعضكم بعضا } { فلم تأخذوا رهاناً } { فليؤد الذي أؤتمن أمانته وليتق الله ربه } في ذلك . ثم نهى تعالى نهياً جازماً الشهودّ عن كِتْمان شهادتهم فقال : { ولا تكتموا الشهادة . . } وبينّ تعالى عِظَم هذا الذنب فقال : { ومن يكتمها فإنه آثم قلبه . . . } وأَعلم أنه عليم بيا يعملونه فيجازيهم بعلمه ، وهو تهديد وعيد منه سبحانه وتعالى لكاتمي الشهادة والقائلين بالزور فيها . هذا معنى الآية الأولى ( 282 ) أما الآية الثانية ( 283 ) فإنه تعالى قد أخبر بأن له جميع ما في السموات وجميع ما في الأرض خلَقْا ومِلْكا وتصرفاً ، وبناءً على ذلك فإن من يبدي ما في نفسه من خير أو شر أو يخفه يحاسب به ، ثم هو تعالى بعد الحساب يغفر لمن يشاء من أهل الإِيمان والتقوى ، ويعذب من يشاء من أهل الشرك والمعاصي ، له كامل التصرف ، لأنّ الجميع خلقه وملكه وعبيده .
هداية الآيتين من هداية الآيتين : 1- جواز أخذ الرهن في السفر والحضر توثيقا من الدائن لدينه . 2- جواز ترك أخذ الرهن إن حل الأمن من سداد الدين وعدم الخوف منه . 3- حرمة كتمان الشهادة والقول بالزور فيها وأن ذلك من أكبر الكبائر كما في الصحيح . 4- محاسبة العبد بما يخفي في نفسه من الشك والشرك والنفاق وغير ذلك من بغض أولياء الله وحب لأعدائه ، ومؤاخذته بذلك ، والعفو عن الهمّ بالخطيئة والذنب دون الشك والشرك والحب والبغض من المؤمن الصادق الإِيمان للحديث الصحيح الذي أخرجه الستة : « إن الله تجاوز لي عن أمتى ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل » .
آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)
شرح الكلمات : { آمن } : صدق جازما بصحة الخبر ولم يتردد أو يشك فيه قط . { الرسول } : نبينا محمد صلى الله عليه وسلم . { كلّ } : كل من الرسول والمؤمنين . { لا نفرق بين أحد من رسله } : نؤمن بهم جميعاً ولا نكون كاليهود والنصارى نؤمن ببعض ، ونكفر ببعض . { سمعنا } : سَماعَ فهمٍ واستجابة وطاعة . { المصير } : المرجع أي رجوعنا إليك يا ربنا فاغفر لنا . { لا يكلف الله نفسا } : التكليف الإِلزام مما فيه كلفة ومشقة تحتمل . { إلا وسعها } : إلا ما تتسع لها طاقتها ويكون في قدرتها . { لها ما كسبت } : من الخير . { وعليها ما اكتسبت } : من الشر . { لا تؤاخذنا } : لا تعاقبنا . { إن نسينا } : فتركنا ما أمرتنا به أو فعلنا ما نهيتنا عنه نسياناً منا غير عمد . { أو أخطأنا } : فعلنا غير ما أمرتنا خطأ منا بدون إرادة فعل منا له ولا عزيمة . { إصراً } : تكليفا شاقا يثقل علينا ويأسرنا فيحبسنا عن العمل . { مولانا } : مالكنا وسيدنا ومتولي أمرنا لا مولى لنا سواك .
معنى الآيتين : ورد أنه لما نزلت الآية ( 284 ) { ه ما في السموات . . } وفيها { . . . وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله . . } اضطربت لها نفوس المؤمنين ، وقالوا من ينجوا منا إذا كنا نؤاخذ بما يُخفى في أنفسنا من الهم والوسواس وحديث النفس فأمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالرضا بحكم الله تعالى والتسليم به فقال لهم : قولوا سمعنا وأطعنا ولا تكونوا كاليهود : { قالوا سمعنا وعصينا . . . } فلما قالوها صادقين أنزل الله تعالى هاتين الآيتين : { آمن الرسول . . . } فأخبر عن ايمانهم مقروناً بإيمان نبيهم تكريما لهم وتطمينا فقال : { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله والملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله . . } وأخبر عنهم بقولهم الذي كان سبب استجابة الله تعالى لهم فقال عنهم : { . . . وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير } وأخبرهم تعالى أنه لرحمته بهم وحكمته في تصرفه في خلقه لا يكلف نفساً إلا ما تتسع له طاقتُها وتقدر على فعله ، وإن لها ما كسبت من الخير فتجزى به خيراً وعليها ما اكتسبت من الشر فتجزى به شرّاً إلا أن يعفوا عنها ويغفر لها فقال : { لا يكلف اله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت . . } وعلمهم كيف يدعونه ليقول لهم قد فعلت ، كما سح به الخبر فقال قولوا : { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولنا فانصرنا على القوم الكافرين } وفعلا قد عفا عنهم في النسيان والخطأ وخفف عنهم في التشريع فما جعل عليهم في الدين من حرج ، وعفا عنهم وغفر هلم ورحمهم ونصرهم على الكافرين بالحجة والبيان وفي المعارك بالسيف والسنان فله الحمد والمنة وهو الكبير المتعال .
هداية الآيتين من هداية الآيتين : 1- تقرير أركان الإيمان وهي الإِيمان بالله وملائكة وكتبه ورسله . 2- وجوب الإِيمان بكافة الرل وحرمة الإِيمان ببعض وترك البعض وهو كفر والعياذ بالله تعالى . 3- وجوب طاعة الله ورسوله والتسليم والرضا بما شرع الله ورسوله وحمرة رد شيء من ذلك . 4- رفع الحرج عن هذه الأمة رحمه بها . 5- عدم المؤاخذه بالنسيان أو الخطأ فمن نسي وأكل أو شرب وهو صائم فلا إثم عليه أو أخطأ فقتل فلا إثم عليه . 6- العفو عن حديث النفس لنزول الآية فيه ما لم يتكلم المؤمن أو يعمل . 7- تعليم هذا الدعاء واستحباب الدعاء به إئتساءً بالرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقد ورد من قرأ هاتين اللآيتين عند النوم كفتاه { آمن الرسول . . . } السورة . |
|
| |
| تفسير سورة البقرة (02) | |
|