حرف القاف
قُرْآنٌ: قال الله تعالى: { وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82 ]
والصحيح: أنَّ ((من)) ههنا لبيان الجنس لا للتبعيض.
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِى الصُّدُورِ}[يونس: 57] .
فالقرآنُ هو الشِّفاء التام مِن جميع الأدواء القلبية والبدنية، وأدواءِ الدنيا والآخرة، وما كُلُّ أحدٍ يُؤهَّل ولا يُوفَّق للاستشفاء به، وإذا أحسن العليل التداوىَ به، ووضعَه على دائه بصدقٍ وإيمان، وقبولٍ تام، واعتقادٍ جازم، واستيفاءِ شروطه، لم يُقاوِمْهُ الداءُ أبداً.
وكيف تُقاوِمُ الأدواءُ كلامَ ربِّ الأرض والسماءِ الذى لو نزل على الجبال، لصَدَعَهَا، أو على الأرض، لقطعها، فما مِن مرضٍ من أمراض القُلُوبِ والأبدان إلا وفى القُرآن سبيلُ الدلالة على دوائه وسببه، والحِمية منه لمن رزقه الله فهماً فى كتابه.
وقد تقدَّم فى أول الكلام على الطب بيانُ إرشاد القرآن العظيم إلى أُصوله ومجامعه التى هى حفظُ الصحة والحِميةُ، واستفراغُ المؤذى، والاستدلالُ بذلك على سائر أفراد هذه الأنواع.
وأما الأدوية القلبية، فإنه يذكرها مُفصَّلةً، ويذكر أسبابَ أدوائها وعلاجها. قال: { أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ}[العنكبوت: 51] ، فمَن لم يَشْفِه القرآنُ، فلا شفاه الله، ومَن لم يَكفِه، فلا كفاه الله.
قِثَّاءٌ: فى ((السنن)): من حديث عبد الله بن جعفر رضى الله عنه ((أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يأكلُ القِثَّاءَ بالرُّطب)). ورواه الترمذىُّ وغيره.
القِثَّاء بارد رطب فى الدرجة الثانية، مطفىءٌ لحرارة المَعِدَة الملتهبة، بطىء الفساد فيها، نافعٌ من وجع المثانة، ورائحتُه تنفع من الغَشْى، وبِزرُه يُدِرُّ البَوْل، وورقهُ إذا اتُّخِذ ضِماداً، نفع من عضة الكلب.
وهو بطىءُ الانحدار عن المَعِدة، وبرده مُضِرٌ ببعضها، فينبغى أن يُستعملَ معه ما يُصلحه ويكسر برودته ورطوبته، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أكله بالرُّطب، فإذا أُكل بتمر أو زبيب أو عسل عدَّله.
قُسْطٌ وكُسْت:
بمعنى واحد. وفى ((الصحيحين)): من حديث أنس رضى الله عنه، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم: ((خيرُ ما تداوَيْتُم به الحِجامةُ والقُسْطُ البَحْرِىُّ)).
وفى ((المسند)): من حديث أُمِّ قيـس، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بهذا العُود الهندىِّ، فإنَّ فيه سَـبْعَةَ أشْــفِيةٍ منها ذاتُ الجَنْبِ)).
القُسْط: نوعان. أحدهما: الأبيضُ الذى يُقَال له: البحرىُّ. والآخر: الهندىُّ، وهو أشدُّهما حراً، والأبيضُ ألينهُما، ومنافعُهما كثيرة جداً.
وهما حاران يابسان فى الثالثة، يُنشِّفان البلغم، قاطعانِ للزُّكام، وإذا شُرِبَا، نفعا من ضعف الكَبِدِ والمَعِدَة ومن بردهما، ومِن حُمَّى الدَّوْرِ والرِّبع، وقطعا وجعَ الجنب، ونفعا مِن السُّمُوم، وإذا طُلِىَ به الوجهُ معجوناً بالماء والعسل، قَلَعَ الكَلَف.
وقال ((جالينوسُ)): ينفع من الكُزَاز، ووجع الجَنْبين، ويقتل حَبَّ القَرَع.
وقد خفىَ على جُهَّال الأطباء نفعُه من وجِعَ ذاتِ الجَنْب، فأنكروه، ولو ظَفِر هذا الجاهلُ بهذا النقل عن ((جالينوس)) لنزَّله منزلةَ النص، كيف وقد نصَّ كثيرٌ من الأطباء المتقدمين على أنَّ القُسْطَ يصلحُ للنوع البلغمىِّ من ذات الجنب، ذكره الخطَّابىُّ عن محمد بن الجَهْم.
وقد تقدَّم أنَّ طِبُّ الأطباء بالنسبة إلى طِبِّ الأنبياء أقلُّ من نسبةِ طِب الطُّرقيَّة والعجائز إلى طِبِّ الأطباء، وأنَّ بيْن ما يُلقَّى بالوحى، وبيْن ما يُلَقَّى بالتجربة، والقياسِ من الفرْق أعظمَ مما بَيْن القَدَم والفرق.
ولو أنَّ هؤلاء الجُهَّال وجدوا دواءً منصوصاً عن بعض اليهود والنصارى والمشركين من الأطباء، لتلقَّوْه بالقبول والتسليم، ولم يتوقَّفُوا على تجربته.
نعم.. نحن لا ننكِرُ أنَّ للعادة تأثيراً فى الانتفاع بالدواء وعدمه، فمَن اعتاد دواءً وغذاءً، كان أنفعَ له، وأوفقَ ممن لم يَعتدْه، بل ربما لم ينتفع به مَن لم يعتده.
وكلامُ فضلاء الأطباء وإن كان مطلَقاً فهو بحسب الأمزجة والأزمنة، والأماكن والعوائد، وإذا كان التقييدُ بذلك لا يقدح فى كلامهم ومعارفهم، فكيف يقدح فى كلام الصادق المصدوق، ولكن نفوس البَشَر مركبةٌ على الجهل والظلم، إلا مَن أيَّده الله بروح الإيمان، ونَوَّرَ بَصيرته بنور الهُدَى.
قَصَبُ السُّكَّرِ: جاء فى بعض ألفاظ السُّـنَّة الصحيحة فى الحَوض: ((ماؤه أحلى من السكَّر )) ولا أعرف ((السكر)) فى الحديث إلا فى هذا الموضع.
والسكر حادث لم يتكلم فيه متقدِّمو الأطباء، ولا كانوا يعرفونه، ولا يَصِفونه فى الأشربة، وإنما يعرفون العسل، ويُدخلونه فى الأدوية.
وقصبُ السكر حارٌ رطب ينفع من السُّعال، ويجلو الرطوبةَ والمثانة، وقصبةَ الرِّئة، وهو أشدُّ تلييناً من السكر، وفيه معونةٌ على القىء، ويُدِرُّ البَوْل، ويزيد فى الباه. قال عفان بن مسلم الصفَّار: مَنْ مَصَّ قصبَ السكر بعد طعامه، لم يزل يومَه أجمعَ فى سرور.. انتهى.
وهو ينفع من خشونة الصدر والحلق إذا شُوِىَ، ويُولِّد رياحاً دفعُها بأن يُقشَّرَ ويُغسل بماء حار.
والسكر حارٌ رطب على الأصح، وقيل: بارد. وأجودُه: الأبيض الشفاف الطَّبَرْزَد، وعَتيقُه ألطفُ من جديده، وإذا طُبِخَ ونُزِعَتْ رغوتُه، سكَّن العطشَ والسُّعال، وهو يضر المَعِدَة التى تتولَّد فيها الصفراءُ لاستحالته إليها، ودفعُ ضرره بماء اللَّيمون أو النارَنْجِ، أو الرُّمان اللــفَّان.
وبعضُ الناس يُفضِّلُه على العسل لقِلَّة حرارته ولينه، وهذا تحامل منه على العسل، فإنَّ منافع العسل أضعافُ منافع السكر، وقد جعله الله شِفاءً ودواءً، وإداماً وحلاوةً، وأين نفعُ السكر مِن منافع العسل: مِن تقويةِ المَعِدَة، وتليين الطبع، وإحدادِ البصر، وجِلاءِ ظُلمته، ودفعِ الخوانيق بالغرغرةِ به، وإبرائِهِ من الفالج واللَّقْوة، ومِن جميع العلل الباردة التى تَحدُث فى جميع البدن من الرطوبات، فيجذِبُها من قعر البدن، ومن جميع البدن، وحفظِ صحته وتسمينه وتسخينه، والزيادةِ فى الباه، والتحليلِ والجِلاءِ، وفتح أفواهِ العروق، وتنقيةِ المِعَى، وإحدارِ الدُّود، ومنعِ التخم وغيره من العفن، والأُدم النافع، وموافقةِ مَن غلب عليه البلغمُ والمشايخ وأهلِ الأمزجة الباردة.. وبالجملة: فلا شىء أنفعُ منه للبدن، وفى العلاج وعجز الأدوية، وحفظِ قواها، وتقويةِ المَعِدة إلى أضعاف هذه المنافع، فأين للسُّكَّرِ مثلُ هذه المنافع والخصائص أو قريبٌ منها ؟
حرف الكاف
كِتَابٌ لِلحُمَّى: قال المرْوَزِىُّ: بَلَغَ أبا عبد الله أنى حُممتُ، فكتب لى من الحُمَّى رقعةً فيها: بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله، وبالله، محمدٌ رسول الله، {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِى بَرْداً وَسَلاَمَاً عَلَى إبْرَاهِيمَ *وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ}[الأنبياء : 69-70]، اللَّهُمَّ ربَّ جبرائيلَ، وميكائيلَ، وإسرافيلَ، اشفِ صاحبَ هذا الكتابِ بِحَوْلِك وقُوَّتِكَ وجَبَرُوتِكَ، إلهَ الحق آمين.
قال المَرْوزىُّ: وقرأ على أبى عبد الله وأنا أسمعُ أبو المُنذر عمرُو بن مجمع، حدَّثنا يونسُ بن حِبَّانَ، قال: سألتُ أبا جعفر محمد بن على، أن أُعلِّقَ التَعْويذَ، فقال: إن كان من كتاب الله أو كلام عن نبىِّ الله فعلِّقْه واستَشفِ به ما استطعتَ. قلتُ: أكتبُ هذه من حُمَّى الرِّبع: باسم الله، وبالله، ومحمد رسول الله.... إلى آخره ؟ قال: أىْ نعم.
وذكر أحمدُ عن عائشة رضى الله عنها وغيرها، أنهم سهَّلُوا فى ذلك.
قال حربٌ: ولم يُشدِّدْ فيه أحمد بن حنبل. قال أحمد: وكان ابن مسعود يكرهه كراهةً شديدة جدّا. وقال أحمد وقد سُئِل عن التمائمُ تُعَلَّق بعد نزول البلاء ؟ قال: أرجو أن لا يكونَ به بأس.
قال الخَلاَّل: وحدَّثنا عبد الله بن أحمد، قال: رأيتُ أبى يكتب التعويذَ للذى يفزَعُ، وللحُمَّى بعد وقوع البلاء.
كتاب لعُسْر الولادة: قال الخَلال: حدَّثنى عبدُ الله بن أحمد، قال: رأيتُ أبى يكتب للمرأة إذا عَسُرَ عليها ولادُتها فى جامٍ أبيض، أو شىء نظيف، يكتُبُ حديث ابن عباس رضى الله عنه: لا إله إلا الله الحليمُ الكريمُ، سبحان الله ربِّ العرش العظيم، الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِين: { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُواْ إلاَّ سَاعَةً مِّنْ نَهَارٍ، بَلاَغٌ}[الأحقاف: 35] ، {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا}[النازعات: 46]
قال الخَلال: أنبأنا أبو بكر المَرْوزىُّ: أنَّ أبا عبد الله جاءه رجل فقال: يا أبا عبد الله؛ تكتبُ لامرأة قد عَسُرَ عليها ولدُها منذ يومين ؟ فقال: قُلْ له: يَجِئ بجامٍ واسِع، وزعفرانٍ، ورأيتُهُ يكتب لغير واحد.
ويُذكر عن عِكرمةَ، عن ابن عباس، قال: مَرَّ عيسى صلَّى الله على نبيِّنا وعليه وسَلَّم على بقرة قد اعتَرَضَ ولدُها فى بطنها، فقالت: يا كلمةَ الله؛ ادعُ الله لى أن يُخَلِّصَنى مما أنا فيه. فقال: يا خالقَ النفسَ مِنَ النفسِ، ويا مخلِّصَ النفسَ مِنَ النفسِ، ويا مُخْرِجَ النفسَ مِنَ النفسِ، خَلِّصْهَا. قال: فرمتْ بولدها، فإذا هى قائمة تَشُمُّه. قال: فإذا عَسُرَ عَلى المرأة ولدُها، فاكتبْه لها. وكل ما تقدم من الرقى، فإن كتابته نافعة.
ورخص جماعة من السلف في كتابة بعض القرآن وشربه، وجعل ذلك من الشفاء الذي جعل الله فيه.
كتاب آخر لذلك: يكتب في إناء نظيف: {إذا السماء انشقت * وأذنت لربها وحقت * وإذا الأرض مدت * وألقت ما فيها وتخلت} [الانشقاق: 1-4]، وتشرب منه الحامل، ويرش على بطنها.
كتاب للرعاف: كان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يكتب على جبهته: {وقيل يا أرض ابلعي ماءك، ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر} [هود: 44]. وسمعته يقول: كتبتها لغير واحد فبرأ، فقال: ولا يجوز كتابتها بدم الراعف، كما يفعله الجهال، فإن الدم نجس، فلا يجوز أن يكتب به كلام الله تعالى.
كتاب آخر له: خرج موسى عليه السلام برداء، فوجد شعيباً، فشده بردائه {يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب} [الرعد: 39].
كتاب آخر للحزاز: يكتب عليه: {فأصابها إعصار فيه نار، فاحترقت} [البقرة: 266] بحول الله وقوته.
كتاب آخر له: عند اصفرار الشمس يكتب عليه: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نوراً تمشون به، ويغفر لكم والله غفور رحيم} [الحديد: 28].
كتاب آخر للحمى المثلثة: يكتب على ثلاث ورقات لطاف: بسم الله فرَّت، بسم الله مرت، بسم الله قلت، ويأخذ كل يوم ورقة، ويجعلها في فمه، ويبتلعها بماء.
كتاب آخر لعرق النسا: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم رب كل شيء، ومليك كل شيء، وخالق كل شيء، أنت خلقتني، وأنت خلقت النَّسا، فلا تسلطه علي بأذى، ولا تسلطني عليه بقطع، واشفني شفاء لا يغادر سقماً، لا شافي إلا أنت.
كتاب للعرق الضارب: روى الترمذي في ((جامعه)): من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم من الحمى، ومن الأوجاع كلها أن يقولوا: ((بسم الله الكبير، أعوذ بالله العظيم من شر كل عرق نعار، ومن شر حر النار)).
كتاب لوجع الضرس: يكتب على الخد الذي يلي الوجع: بسم الله الرحمن الرحيم: {قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون} [النحل: 78]، وإن شاء كتب: {وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم} [الأنعام: 13].
كتاب للخراج: يكتب عليه: {ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفاً فيذرها قاعاً صفصفاً لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً} [طه: 105].
كمأة: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين))، أخرجاه في ((الصحيحين)).
قال ابن الأعرابي: الكمأة: جمع، واحده كمء، وهذا خلاف قياس العربية، فإن ما بينه وبين واحده التاء، فالواحد منه بالتاء، وإذا حذفت كان للجمع. وهل هو جمع، أو اسم جمع ؟ على قولين مشهورين، قالوا: ولم يخرج عن هذا إلا حرفان: كمأة وكمء، وجبأة وجبء، وقال غير ابن الأعرابي: بل هي على القياس: الكمأة للواحد، والكمء للكثير، وقال غيرهما: الكمأة تكون واحداً وجمعاً.
واحتج أصحاب القول الأول بأنهم قد جمعوا كمئاً على أكمؤ، قال الشاعر:
ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا ولقد نهيتك عن بنات الأوبر
وهذا يدل على أن ((كمء)) مفرد، ((وكمأة)) جمع.
والكمأة تكون في الأرض من غير أن تزرع، وسميت كمأة لاستتارها، ومنه كمأ الشهادة: إذا سترها وأخفاها، والكمأة مخفية تحت الأرض لا ورق لها، ولا ساق، ومادتها من جوهر أرضي بخاري محتقن في الأرض نحو سطحها يحتقن ببرد الشتاء، وتنميه أمطار الربيع، فيتولد ويندفع نحو سطح الأرض متجسداً، ولذلك يقال لها: جدري الأرض، تشبيهاً بالجدري في صورته ومادته، لأن مادته رطوبة دموية، فتندفع عند سن الترعرع في الغالب، وفي ابتداء استيلاء الحرارة، ونماء القوة.
وهي مما يوجد في الربيع، ويؤكل نيئاً ومطبوخاً، وتسميها العرب: نبات الرعد لأنها تكثر بكثرته، وتنفطر عنها الأرض، وهي من أطعمة أهل البوادي، وتكثر بأرض العرب، وأجودها ما كانت أرضها رملية قليلة الماء.
وهي أصناف: منها صنف قتال يضرب لونه إلى الحمرة يحدث الاختناق.
وهي باردة رطبة في الدرجة الثالثة، رديئة للمعدة، بطيئة الهضم، وإذا أدمنت، أورثت القولنج والسكتة والفالج، ووجع المعدة، وعسر البول، والرطبة أقل ضرراً من اليابسة ومن
أكلها فليدفنها فى الطين الرَّطب، ويَسلِقها بالماء والملح والصَّعْتر، ويأكلها بالزيت والتوابِل الحارَّة، لأن جوهرها أرضى غليظ، وغِذاءها ردىء، لكن فيها جوهر مائى لطيف يدل على خفتها، والاكتحال بها نافع من ظلمة البصر والرَّمد الحار، وقد اعترف فضلاء الأطباء بأنَّ ماءها يجلو العَيْن. وممن ذكره المسيحىُّ، وصاحب القانون، وغيرهما.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (( الكَمْأَة من المَنِّ))، فيه قولان:
أحدهما: أنَّ المنَّ الذى أُنزل على بنى إسرائيل لم يكن هذا الحلو فقط، بل أشياءُ كثيرة مَنَّ الله عليهم بها من النبات الذى يُوجد عفواً من غير صنعة ولا عِلاج ولاحرث، فان المن مصدر بمعنى المفعول أى ((ممنون)) به فكل ما رزقه الله العبد عفوا بغير كسب منه ولا علاج، فهو مَنٌ محضٌ، وإن كانت سائر نعمه مَنّاً منه على عبده، فخصَّ منها ما لا كسب له فيه، ولا صُنعَ باسم ((المنِّ))، فإنه مَنٌ بلا واسطة العبد، وجعل سبحانه قُوتَهم بالتِّيه ((الكمأة))، وهى تقومُ مقام الخبز، وجعل أُدمهم ((السَّلْوى))، وهو يقوم مقام اللَّحم، وجعل حَلواهم ((الطلَّ)) الذى ينزلُ على الأشجار يقوم لهم مقام الحلوى. فكَمُل عيشهُم.
وتأمل قوله صلى الله عليه وسلم: (( الكمأة من المنِّ الذى أنزله الله على بنى إسرائيل)) فجعلها من جملته، وفرداً من أفراده، والترنْجبين الذى يسقط على الأشجار نوع من المَنِّ، ثم غلب استعمال المَنِّ عليه عُرْفاً حادثاً.
والقول الثانى: أنه شَبَّهَ الكمأةَ بالمَنِّ المُنَزَّل من السماء، لأنه يُجمع من غير تعب ولا كلفة ولا زرع بِزر ولا سقى.
فإن قلت: فإذا كان هذا شأنَ الكمأة، فما بالُ هذا الضرر فيها، ومن أين أتاها ذلك ؟
فاعلم أنَّ اللهَ سبحانه أتقن كُلَّ شىء صنعه، وأحسن كُلَّ شىء خلقه، فهو عند مبدإ خلقه برىءٌ من الآفات والعلل، تامُّ المنفعة لما هُيىء وخُلِقَ له، وإنما تعرِضُ له الآفاتُ بعد ذلك بأُمور أُخَر من مجاورة، أو امتزاج واختلاط، أو أسباب أُخَر تقتضى فسادَه، فلو تُرِكَ على خِلقته الأصلية من غير تعلق أسباب الفساد به، لم يفسد.
ومَنْ له معرفة بأحوال العالَم ومبدئه يعرِف أنَّ جميع الفساد فى جَوِّه ونباته وحيوانه وأحوالِ أهله، حادثٌ بعد خلقه بأسباب اقتضت حدوثَه، ولم تزل أعمالُ بنى آدَم ومخالفتُهم للرُّسُل تُحدث لهم من الفساد العام والخاص ما يجلب عليهم من الآلام، والأمراض، والأسقام، والطواعين، والقحوط، والجدوب، وسلب بركات الأرض، وثمارها، ونباتها، وسلب منافعها، أو نقصانها أُموراً متتابعة يتلو بعضُهَا بعضاً.
فإن لم يَتَّسِعْ علمك لهذا فاكتفِ بقوله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ}[الروم :41]، ونَزِّل هذه الآية على أحوالِ العالَم، وطابِقْ بين الواقع وبينها، وأنت ترى كيف تحدث الآفاتُ والعلل كل وقت فى الثمار والزرع والحيوان، وكيف يحدُث من تلك الآفات آفاتٌ أُخَرُ متلازمة، بعضُها آخذ برقاب بعض، وكُلَّما أحدث الناسُ ظلماً وفجوراً، أحدث لهم ربهم تبارك وتعالى من الآفات والعلل فى أغذيتهم وفواكههم، وأهويتهم ومياههم، وأبدانهم وخلقهم، وصُورهم وأشكالهم وأخلاقهم من النقص والآفات، ما هو موجب أعمالهم وظلمهم وفجورهم.
ولقد كانت الحبوب من الحِنطة وغيرها أكبرَ مما هى اليوم، كما كانت البركةُ فيها أعظمَ. وقد روى الإمام أحمد بإسناده: أنه وجد فى خزائن بعض بنى أميةَ صرة فيها حِنطةٌ أمثال نوى التمر مكتوبٌ عليها: هذا كان ينبُت أيامَ العدل. وهذه القصة، ذكرها فى ((مسنده)) على أثر حديث رواه
وأكثرُ هذه الأمراض والآفات العامة بقيةُ عذاب عُذِّبتْ به الأُممُ السالفة، ثم بقيت منها بقية مُرصَدَةٌ لمن بقيت عليه بقيةٌ من أعمالهم، حكماً قسطاً، وقضاءً عدلاً، وقد أشار النبىُّ صلى الله عليه وسلم إلى هذا بقوله فى الطاعون: (( إنَّه بقيةُ رجز أو عذاب أُرسِلَ على بنى إسرائيلَ)).
وكذلك سلَّط اللهُ سبحانه وتعالى الريحَ على قومٍ سبعَ ليالٍ وثمانيةَ أيام، ثم أبقَى فى العالَم منها بقيةً فى تلك الأيام، وفى نظيرها عِظةً وعِبرة.
وقد جعل اللهُ سبحانه أعمال البَرِّ والفاجر مقتضياتٍ لآثارها فى هذا العالَم اقتضاءً لا بد منه، فجعل منعَ الإحسان والزكاة والصدقة سبباً لمنع الغَيْث من السماء، والقحطِ والجَدْبِ، وجعَلَ ظلمَ المساكين، والبخسَ فى المكاييل والموازين، وتعدِّى القَوِّىُّ على الضعيف سبباً لجَوْر الملوك والولاة الذين لا يَرحمون إن اسْتُرْحِموا، ولا يَعْطِفُون إن استُعطِفُوا، وهم فى الحقيقة أعمالُ الرعايا ظهرت فى صور وُلاتهم، فإنَّ اللهَ سبحانه بحكمته وعدله يُظهِرُ للناس أعمالَهم فى قوالِب وصورٍ تناسبها، فتارةً بقحط وجدب، وتارة بعدوٍّ، وتارةً بولاة جائرين، وتارةً بأمراضٍ عامة، وتارةً بهُموم وآلام وغموم تحضُرها نفوسُهم لا ينفكُّونَ عنها، وتارةً بمنع بركات السماء والأرض عنهم، وتارةً بتسليط الشياطين عليهم تَؤُزُّهم إلى أسباب العذاب أزَّاً، لِتَحِقَّ عليهم الكلمة، وليصيرَ كل منهم إلى ما خُلِقَ له. والعاقل يُسَيِّر بصيرته بين أقطار العالَم، فيُشاهدُه، وينظر مواقعَ عدل الله وحكمته، وحينئذ يَتَبيَّنُ له أنَّ الرُّسُلَ وأتباعَهُم خاصةً على سبيل النجاة، وسائر الخلق على سبيل الهلاك سائرون، وإلى دار البَوار صائرون، واللهُ بالغُ أمرِه، لا مُعَقِّبَ لحكمه، ولا رادَ لأمره.. وبالله التوفيق
وقوله صلى الله عليه وسلم فى الكمأة: (( وماؤها شفاء للعَيْنِ )) فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنَّ ماءَها يُخلَط فى الأدوية التى يُعالَج بها العَيْنُ، لا أنه يُستعمل وحده، ذكره أبو عُبيد.
الثانى: أنه يُستعمل بحْتاً بعد شَـيِّها، واستقطار مائها، لأنَّ النار تُلطِّفه وتُنضجه، وتُذِيبُ فضلاتِه ورطوبتَه المؤذية، وتُبقى المنافع.
الثالث: أنَّ المراد بمائها الماءُ الذى يحدث به من المطر، وهو أولُ قَطْر ينزل إلى الأرض، فتكون الإضافة إضافةَ اقتران، لا إضافة جزء، ذكره ابن الجوزى، وهو أبعدُ الوجوه وأضعفها.
وقيل: إن استُعمل ماؤها لتبريد ما فى العَيْن، فماؤها مجرَّداً شفاء، وإن كان لغير ذلك، فمركَّب مع غيره.
وقال الغافقى: ماء الكمأة أصلح الأدوية للعَيْن إذا عُجِنَ به الإثمِد واكتُحِلَ به، ويُقوِّى أجفانها، ويزيدُ الروحَ الباصرة قوةً وحِدَّة، ويدفع عنها نزول النوازل.
كَبَاثٌ: فى ((الصحيحين)): من حديث جابر بن عبد الله رضى الله عنه، قال: كُنَّا مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَجْنِى الكَباثَ، فقال:
((عليكم بالأسْوَدِ مِنْهُ، فإنَّه أطْيَبُه)).
الكَباث بفتح الكاف، والباء الموحدة المخففة، والثاء المثلثة ثمرُ الأراك. وهو بأرض الحجاز، وطبعُه حار يابس، ومنافعُه كمنافع الأراك: يُقَوِّى المعدة، ويُجيدُ الهضمَ، ويجلُو البلغمَ، وينفعُ مِن أوجاع الظهر، وكثيرٍ من الأدواء. قال ابن جُلْجُل: إذا شُرِبَ طحينُه، أدرَّ البَوْلَ، ونقَّى المثانة، وقال ابنُ رضوان: يُقَوِّى المَعِدَة، ويُمسكُ الطبيعة.
كَتَمٌ: روى البخارىُّ فى ((صحيحه)): عن عثمان بن عبد الله ابن مَوْهَب، قال: دخلنا على أُمِّ سَلَمة رضى الله عنها، فأخرجت إلينا شعَراً من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو مخضوبٌ بالحِنَّاء والكَتَمِ.
وفى ((السنن الأربعة)): عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إنَّ أحسنَ ما غيَّرْتُم به الشَّيْبَ الحِنَّاءُ والكَتَمُ)).
وفى ((الصحيحين)): عن أنس رضى الله عنه، أنَّ أبا بكر رضى الله عنه اختَضب بالحِنَّاءِ والكَتَمِ.
وفى ((سنن أبى داود)): عن ابن عباس رضى الله عنهما، قال: مَرَّ على النبىِّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ قد خَضَبَ بالحِنَّاء، فقال:
((ما أحْسَنَ هذا)) ؟، فمرَّ آخرُ قد خَضَبَ بالحِنَّاءِ والكَتَم، فقال: ((هذا أحسنُ من هذا))، فمرَّ آخَرُ قد خَضَبَ بالصُّفرة، فقال: (( هذا أحسنُ من هذا كُلِّهِ)).
قال الغافِقى: ((الكَتَمُ نبتٌ ينبُت بالسهول، ورقُه قريب مِن ورق الزَّيْتون، يعلُو فوقَ القامة، وله ثمر قَدْرَ حَبِّ الفُلفُل، فى داخله نوى، إذا رُضِخَ اسودَّ، وإذا استُخرجَتْ عُصارة ورقه، وشُرِبَ منها قدرُ أُوقية، قَيَّأَ قيئاً شديداً، وينفع عن عضة الكلب. وأصلُه إذا طبِخَ بالماء كان منه مِدادٌ يُكتب به.
وقال الكِندى: بزر الكَتَم إذا اكتُحِلَ به، حلَّل الماء النازل فى العين وأبرأها.
وقد ظن بعض الناس أنَّ الكَتَمَ هو الوَسْمة، وهى ورق النِّيل، وهذا وهَمٌ، فإن الوَسْمة غير الكَتَم. قال صاحب ((الصحاح)): ((الكَتَم بالتحريك: نبت يُخلط بالوَسْمة يُختضَب به. قيل: والوَسْمة نباتٌ له ورق طويل يَضرِبُ لونه إلى الزرقة أكبرُ من ورق الخِلاف، يُشبه ورق اللُّوبياء، وأكبرُ منه، يُؤتى به من الحجاز واليمن.
فإن قيل: قد ثبت فى ((الصحيح)) عن أنس رضى الله عنه، أنه قال: ((لم يختضِب النبىُّ صلى الله عليه وسلم)).
قيل: قد أجاب أحمد بن حنبلٍ عن هذا وقال: قد شَهِدَ به غيرُ أنس رضى الله عنه على النبىِّ صلى الله عليه وسلم أنه خَضَبَ. وليس مَنْ شَهِدَ بمنزلة مَن لم يشهدْ، فأحمدُ أثبتَ خِضاب النبىّ صلى الله عليه وسلم، ومعه جماعة من المحدِّثين، ومالك أنكره.
فإن قيل: قد ثبت فى ((صحيح مسلم)) النهىُ عن الخِضاب بالسواد فى شأن أبى قُحافةَ لمَّا أُتِىَ به ورأسُه ولحيتُه كالثَّغَامة بياضاً، فقال: ((غَيِّرُوا هذا الشَّيْبَ وجَنِّبُوهُ السَّوَاد)). والكتمُ يُسَوِّد الشعرَ.
فالجواب من وجهين، أحدهما: أنَّ النهى عن التسويد البحت، فأمَّا إذا أُضيف إلى الحِنَّاء شىءٌ آخرُ، كالكَتَم ونحوه، فلا بأس به، فإنَّ الكَتَمَ والحِنَّاء يجعل الشعر بيْن الأحمر والأسود بخلاف الوَسْمة، فإنها تجعلُه أسود فاحماً، وهذا أصح الجوابين.
الجواب الثانى: أنَّ الخِضَاب بالسَّوَاد المنهى عنه خِضابُ التدليس، كخِضاب شعر الجارية، والمرأةِ الكبيرة تغرُّ الزوج، والسيدَ بذلك، وخِضَاب الشيخ يَغُرُّ المرأةَ بذلك، فإنه من الغش والخِداع، فأما إذا لم يتضمن تدليساً ولا خِداعاً، فقد صحَّ عن الحسن والحسين رضى الله عنهما أنهما كانا يخضِبان بالسَّواد، ذكر ذلك ابن جرير عنهما فى كتاب ((تهذيب الآثار))، وذكره عن عثمان ابن عفان، وعبد الله بن جعفر، وسعد بن أبى وقاص، وعُقبةَ بن عامر، والمغيرة بن شعبة، وجرير بن عبد الله، وعمرو بن العاص.
وحكاه عن جماعة من التابعين، منهم: عمرو بن عثمان، وعلى بن عبد الله بن عباس، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعبد الرحمن بن الأسود، وموسى بن طلحة، والزُّهْرى، وأيوب، وإسماعيل بن معدى كرب.
وحكاه ابن الجوزى عن محارب بن دِثار، ويزيد، وابن جُريج، وأبى يوسفَ، وأبى إسحاق، وابن أبى ليلى، وزياد بن عَلاقة، وغَيلان بن جامع، ونافع بن جُبير، وعمرو بن على المُقَدَّمى، والقاسم بن سلام
كَرْمٌ: شجرة العِنَب، وهى الحَبَلَةُ، ويُكره تسميتها كَرْماً، لما روى مسلم فى ((صحيحه)) عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا يقولَنَّ أحدُكُمْ للعِنَبِ الكَرْمَ، الكَرْمُ: الرَّجُلُ المُسْلِمُ)). وفى رواية: ((إنما الكَرْمُ قَلْبُ المُؤْمِنِ))، وفى أُخرى: ((لا تقولوا: الكرمُ، وقُولُوا: العِنَبُ والحَبَلَةُ)).
وفى هـذا معنيـان:
أحدهما: أنَّ العرب كانت تُسمى شجرة العِنَب الكَرْمَ، لكثرة منافعها وخيرها، فكره النبىُّ صلى الله عليه وسلم تسميَتها باسم يُهيِّج النفوس على محبتها ومحبة ما يُتخذ منها من المسكر، وهو أُمُّ الخبائث، فكره أن يُسمَّى أصلُه بأحسن الأسماء وأجمعها للخير.
والثانى: أنه من باب قوله: ((لَيْسَ الشَّدِيدُ بالصُّرَعَةِ))، و((لَيْسَ المِسْكينُ بالطَّوَّافِ)). أى: أنكم تُسمون شجرةَ العِنَب كَرْماً لكثرة منافعه، وقلبُ المؤمن أو الرجل المسلم أولى بهذا الاسم منه، فإنَّ المؤمنَ خيرٌ كُلُّه ونفع، فهو من باب التنبيه والتعريف لما فى قلب المؤمن من الخير، والجود، والإيمان، والنور، والهدى، والتقوى، والصفات التى يستحق بها هذا الاسم أكثرُ من استحقاق الحَبَلَة له.وبعد.. فقوةُ الحَبَلَةِ باردة يابسة، وورقُها وعلائقها وعرمُوشها مبرد فى آخر الدرجة الأُولى، وإذا دُقَّت وضُمِّدَ بها من الصُّدَاع سكنته، ومن الأورام الحارة والتهاب المعدة. وعُصارةُ قضبانه إذا شُرِبت سكَّنت القىء، وعقلت البطن، وكذلك إذا مُضغت قلوبها الرطبة. وعُصارةُ ورقها، تنفع من قروح الأمعاء، ونفْث الدم وقيئه، ووجع المَعِدَة. ودمعُ شجره الذى يُحمل على القضبان، كالصمغ إذا شُرِبَ أخرج الحصاة، وإذا لُطِخَ به، أبرأ القُوَبَ والجَرَبَ المتقرح وغيره، وينبغى غسل العضو قبل استعمالها بالماء والنَّطْرون، وإذا تمسَّح بها مع الزيت حلق الشعر، ورمادُ قضبانه إذا تُضمِّدَ به مع الخل ودُهْن الورد والسَّذاب، نفع من الورم العارض فى الطِّحال، وقوةُ دُهْن زهرة الكَرْم قابضة شبيهةٌ بقوة دُهْن الورد، ومنافعها كثيرة قريبة من منافع النخلة.
كَرَفْس: روى فى حديث لا يصِحُّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((مَن أكَلَهُ ثم نامَ عليه، نام ونَكْهتُهُ طَيِّبةٌ، وينامُ آمناً من وَجَعِ الأضراسِ والأسنانِ))، وهذا باطل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن البُسْتانىَّ منه يُطيِّب النكهة جدّاً، وإذا عُلِّق أصله فى الرقبة نفع من وجع الأسنان.
وهو حارٌ يابس، وقيل: رطب مفتِّح لسُداد الكَبِد والطِّحال، وورقُه رطباً ينفعُ المَعِدَة والكَبِدَ الباردة، ويُدِرُّ البَوْل والطَّمْث، ويُفتِّت الحصاة، وحَبّه أقوى فى ذلك، ويُهيِّج الباه، وينفعُ مِن البَخَر. قال الرازىُّ: وينبغى أن يُجتنب أكله إذا خِيفَ من لدغ العقارب.
كُرَّاثٌ: فيه حديث لا يصِحُّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هو باطل موضوع: ((مََن أَكَلَ الكُرَّاث ثم نامَ عليه نام آمناً مِنْ ريح البَوَاسيرِ واعْتَزَلَهُ الملََكُ لِنَتَنِ نََكْهَتِه حتى يُصْبحَ)).
وهو نوعان: نَبَطىٌّ وشامىٌّ، فالنبطىُّ: البقلُ الذى يوضع على المائدة. والشامىُّ: الذى له رؤوس، وهو حار يابس مُصدِّع، وإذا طُبخَ وأُكِلَ، أو شُرِب ماؤه، نفع من البواسير الباردة. وإن سُحِقَ بزره، وعُجِنَ بقَطِرَانٍ، وبُخِّرَت به الأضراسُ التى فيها الدودُ نثرها وأخرجها، ويُسكِّن الوجع العارض فيها، وإذا دُخنت المقعدةُ ببزره خَفَّت البواسير، هذا كله فى الكُرَّاث النَبَطى.
وفيه مع ذلك فساد الأسنان واللِّثَة، ويُصَدِّع، ويُرى أحلاماً رديئةً، ويُظلم البصر، ويُنتن النَّكهة، وفيه إدرارٌ للبَوْل والطَّمث، وتحريكٌ للباه، وهو بطىءُ الهضم.
والله أعلم.