منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

  الطب النبوى - ابن قيم الجوزية (10)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52691
العمر : 72

 الطب النبوى - ابن قيم الجوزية (10) Empty
مُساهمةموضوع: الطب النبوى - ابن قيم الجوزية (10)    الطب النبوى - ابن قيم الجوزية (10) Emptyالإثنين 14 سبتمبر 2015, 10:17 pm

 الطب النبوى - ابن قيم الجوزية (10) 23237.imgcache
فصل
في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج حر المصيبة وحزنها
قال تعالى : {وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا : إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون}[البقرة: 155] . وفي ((المسند)) عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((ما من أَحَدٍ تصيبُه مصِيبَةٌ فيقولُ : إنَّا لله وإنَّا إليه رَاجِعُونَ ، اللهم أجرنِي في مُصيبَتى وأخلفْ لي خيراً منهَا ، إلا أجاَرَه الله في مصِيبَتِهِ ، وأخلفَ لهُ خَيراً منها)).
وهذه الكلمة من أبلغ علاج المصاب ، وأنفعه له في عاجلته وآجلته ، فأنها تتضمن أصلين عظيمين إذا تحقق العبد بمعرفتهما تسلى عن مصيبته.
أحدهما : أن العبد وأهله وماله ملك لله عز وجل حقيقة ، وقد جعله عند العبد عارية ، فإذا أخذه منه ، فهو كالمعير يأخذ متاعه من المستعير ، وأيضا فإنه محفوف بِعَدَمينِ : عدم قبله ، وعدم بعده ، وملك العبد له متعة معارة في زمن يسير ، وأيضا فإنه ليس الذي أوجده من عدمه، حتى يكون ملكه حقيقةً، ولا هو الذي يحفظه من الآفات بعد وجوده ، ولا يبقى عليه وجوده ، فليس له فيه تأثير ، ولا ملك حقيقي ، وأيضا فإنه متصرف فيه بالأمر تصرف العبد المأمور المنهي ، لا تصرف الملاك ، ولهذا لا يباح له من التصرفات فيه إلا ما وافق أمر مالكه الحقيقي .
والثاني : أن مصير العبد ومرجعه إلى الله مولاه الحق ، ولا بد أن يخلف الدنيا وراء ظهره ، ويجيء ربه فرداً كما خلقه أول مرة بلا أهل ولا مال ولاعشيرة ، ولكن بالحسنات والسيئات ، فإذا كانت هذه بداية العبد وما خُوِّله ونهايته ، فكيف يفرح بموجود ، أو يأسى على مفقود ، ففكره فى مبدئه ومعاده من أعظم علاج هذا الداء ، ومن علاجه أن يعلم علم اليقين أنَّ ما أصابه لم يكن ليُخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليُصيبه . قال تعالى : {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِى الأَرْضِ وَلاَ فِى أَنْفُسِكُمْ إلاَّ فِى كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ، إنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ * لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَا آتَاكُمْ * وَاللهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}[الحديد : 22].
ومن علاجه أن ينظر إلى ما أُصيبَ به ، فيجد ربه قد أبقى عليه مثله ، أو أفضل منه ، وادَّخر له إن صبرَ ورضِىَ ما هو أعظمُ من فوات تِلك المصيبةِ بأضعافٍ مُضاعفة ، وأنه لو شاء لجعلها أعظم مما هى .
ومن عِلاجه أن يُطفئَ نارَ مصيبته ببرد التأسِّى بأهل المصائب ، وليعلم أنه فى كل وادٍ بنو سعد ، ولينظر يَمْنةً ، فهل يرى إلا مِحنةً ؟ ثم ليعطف يَسْرةً ، فهل يرى إلا حسرةً ؟ ، وأنه لو فتَّش العالَم لم ير فيهم إلا مبتلىً ، إما بفوات محبوب ، أو حصول مكروه ، وأنَّ شرورَ الدنيا أحلامُ نوم أو كظلٍّ زائلٍ ، إن أضحكتْ قليلاً ، أبكتْ كثيراً ، وإن سَرَّتْ يوماً ، ساءتْ دهراً ، وإن مَتَّعتْ قليلاً ، منعت طويلاً ، وما ملأت داراً خيرةً إلا ملأتها عَبْرة ، ولا سرَّته بيومِ سرور إلا خبأتْ له يومَ شرور .
قال ابن مسعود رضى الله عنه : لكل فرحةٍ تَرْحة ، وما مُلِىءَ بيتٌ فرحاً إلا مُلِىءَ تَرحاً .
وقال ابن سيرين : ما كان ضحكٌ قَطٌ إلا كان من بعده بُكاء .
وقالت هند بنت النُّعمان : لقد رأيتُنا ونحن مِن أعزِّ الناس وأشدِّهم مُلكاً ، ثم لم تَغِبِ الشمسُ حتى رأيتُنا ونحن أقلُّ الناس ، وأنه حقٌ على الله ألا يملأ داراً خَيْرة إلا ملأها عَبرة .
وسألها رجلٌ أن تُحَدِّثه عن أمرها ، فقالت : أصبحنا ذا صباح ، وما فى العرب أحدٌ إلا يرجونا ، ثم أمسينا وما فى العرب أحد إلا يرحمُنا .
وبكت أختها حُرقَةُ بنت النُّعمان يوماً ، وهى فى عِزِّها ، فقيل لها : ما يُبكيكِ ، لعل أحداً آذاك ؟ قالت : لا ، ولكن رأيتُ غَضارة فى أهلى ، وقلَّما امتلأت دارٌ سروراً إلا امتلأت حُزناً .
قال إسحاق بنُ طلحة : دخلتُ عليها يوماً ، فقلتُ لها : كيف رأيتِ عبراتِ الملوك ؟ فقالت : ما نحنُ فيه اليومَ خيرٌ مما كنا فيه الأمس ، إنَّا نجِدُ فى الكتب أنه ليس مِن أهل بيت يعيشون فى خيْرة إلا سيُعقَبون بعدها عَبرة ، وأنَّ الدهر لم يظهر لقوم بيوم يحبونه إلا بَطَن لهم بيوم يكرهونه ، ثم قالت :
فَبَيْنَا نَسُوسُ النَّاسَ وَالأَمْرُ أَمْرُنَا إذَا نَحْنُ فِيهِمْ سُوقَةٌ نَتَنَصَّفُ
فَأُفٍّ لِدُنْيَا لاَ يَدُومُ نَعِيمُهَـا تَقَلَّبُ تَارَاتٍ بِنَا وَتَصَرَّفُ
ومِن عِلاجها : أن يعلم أنَّ الجزع لا يردها ، بل يُضاعفها ، وهو فى الحقيقة من تزايد المرض .
ومِن عِلاجها : أن يعلم أنَّ فوت ثواب الصبر والتسليم ، وهو الصلاةُ والرحمة والهداية التى ضمِنَها الله على الصبر والاسترجاع ، أعظمُ مِن المصيبة فى الحقيقة .
ومِن عِلاجها : أن يعلم أنَّ الجَزَعَ يُشمت عدوه ، ويسوء صديقه ، ويُغضب ربه ، ويَسرُّ شيطانه ، ويُحبط أجره ، ويُضعف نفسه ، وإذا صبرَ واحتسب أنضى شيطانه ، وردَّه خاسئاً ، وأرضى ربه ، وسرَّ صديقه ، وساء عدوه ، وحمل عن إخوانه ، وعزَّاهم هو قبل أن يُعَزُّوه ، فهذا هو الثباتُ والكمال الأعظم ، لا لطمُ الخدودِ ، وشقُّ الجيوب ، والدعاءُ بالوَيْل والثُّبور ، والسخَطُ على المقدور .
ومِن عِلاجها : أن يعلم أنَّ ما يُعقبه الصبرُ والاحتساب من اللَّذة والمسرَّة أضعافُ ما كان يحصُل له ببقاء ما أُصيبَ به لو بقى عليه ، ويكفيه من ذلك بيتُ الحمد الذى يُبنى له فى الجنَّة على حمده لربه واسترجاعه ، فلينظرْ : أىُّ المصيبتين أعظمُ ؟ مصيبةُ العاجلة ، أو مصيبةُ فواتِ بيتِ الحمد فى جنَّة الخلد ؟
وفى الترمذى مرفوعاً : ((يَوَدُّ ناسٌ يَوْمَ القيامة أنَّ جُلُودَهُم كانت تُقْرَضُ بالمقارِيض فى الدُّنيا لما يَرَوْنَ من ثوابِ أهلِ البلاءِ)) .
وقال بعضُ السَّلَف : لولا مصائبُ الدنيا لورَدْنا القيامة مفاليس .
ومِن عِلاجها : أن يُرَوِّح قلبه برَوْح رجاء الخَلَفِ من الله ، فإنه من كُلِّ شىء عِوَض إلا الله ، فما مِنه عِوَضٌ كما قيل :
مِنْ كُلِّ شَىْءٍ إذَا ضَيَّعْتَهُ عِوَضٌ وَمَا مِنَ اللهِ إنْ ضَيَّعْتَهُ عِوَضُ
ومن عِلاجها : أن يعلم أنَّ حظه من المصيبة ما تُحدثه له ، فمن رضى ، فله الرِّضى ، ومن سخِط ، فله السَّخَط ، فحظُّك منها ما أحدثته لك ، فاختر خيرَ الحظوظ أو شرَّها ، فإن أحدثت له سخطاً وكفراً ، كُتِب فى ديوان الهالكين ، وإن أحدثت له جزعاً وتفريطاً فى ترك واجب ، أو فى فعل مُحَرَّم ، كُتِبَ فى ديوان المفرِّطين ، وإن أحدثتْ له شكايةً وعدم صبرٍ ، كُتِبَ فى ديوان المغبونين ، وإن أحدثتْ له اعتراضاً على الله ، وقدحاً فى حكمته ، فقد قرع باب الزندقة أو ولَجه ، وإن أحدثت له صبراً وثباتاً لله ، كُتِبَ فى ديوان الصابرين ، وإن أحدثت له الرِّضى عن الله ، كُتِبَ فى ديوان الراضين ، وإن أحدثت له الحمدَ والشكرَ ، كُتِبَ فى ديوان الشاكرين ، وكان تحتَ لواء الحمد مع الحمَّادين ، وإن أحدثت له محبةً واشتياقاً إلى لقاء ربه ، كُتِبَ فى ديوان المُحبِّين المخلصين .
وفى ((مسند الإمام أحمد)) والترمذىِّ ، من حديثِ محمود بن لبيد يرفعه : ((إنَّ اللهَ إذا أحبَّ قوماً ابتلاهُم ، فمَن رَضِىَ فَلَهُ الرِّضى ، ومَن سَخِط فَلَهُ السُّخْطُ)) . زاد أحمد : ((ومَن جَزِع فَلَهُ الجَزَعُ )) .
ومِن عِلاجها : أن يعلم أنه وإن بلغ فى الجَزَع غايتَه ، فآخِرُ أمره إلى صبر الاضطرار ، وهو غيرُ محمود ولا مُثاب ، قال بعض الحكماء : العاقلُ يفعل فى أوَّل يوم من المصيبة ما يفعله الجاهل بعد أيام ، ومَن لم يصبْر صَبْرَ الكِرَام ، سلا سُلُوَّ البهائم
وفى ((الصحيح)) مرفوعاً : ((الصَّبْرُ عند الصَّدْمَةِ الأُولى))
وقال الأشعث بن قيس : إنك إن صبرتَ إيماناً واحتساباً ، وإلا سَلَوْتَ سُلُوَّ البهائِم .
ومِن عِلاجها : أن يعلم أنَّ أنفع الأدوية له موافقةُ ربه وإلهه فيما أحبَّه ورضيه له ، وأن خاصيَّة المحبة وسِرَّها موافقةُ المحبوب ، فمَن ادَّعى محبة محبوب ، ثم سَخِطَ مَا يُحِبُّه ، وأحبَّ ما يُسخطه ، فقد شهد على نفسه بكذبه ، وتَمقَّتَ إلى محبوبه .
وقال أبو الدرداء : إنَّ الله إذا قضى قضاءً ، أحب أن يُرضَى به .
وكان عِمران بن حصين يقول فى عِلَّته : أحَبُّهُ إلىَّ أحَبُّهُ إليه ، وكذلك قال أبو العالية .
وهذا دواءٌ وعِلاجٌ لا يَعمل إلا مع المُحبِّين ، ولا يُمكن كُلّ أحد أن يتعالج به .
ومِن عِلاجها : أن يُوازِن بين أعظم اللَّذتين والتمتعين ، وأدْوَمِهما : لذَّةِ تمتعه بما أُصيب به ، ولَذَّةِ تمتُّعه بثواب الله له ، فإن ظهر له الرجحان ، فآثر الراجِحَ ، فليحمدِ الله على توفيقه ، وإن آثر المرجوحَ مِن كل وجه ، فليعلم أنَّ مصيبتَه فى عقله وقلبه ودينه أعظمُ مِن مصيبته التى أُصيب بها فى دنياه
ومِن عِلاجها : أن يعلم أنَّ الذى ابتلاه بها أحكمُ الحاكمين ، وأرحمُ الراحمين ، وأنه سبحانه لم يُرسل إليه البلاءَ ليُهلكه به ، ولا ليُعذبه به ، ولا ليَجْتاحَه ، وإنما افتقده به ليمتحن صبره ورضاه عنه وإيمانه ، وليسمع تضرُّعه وابتهالَه ، وليراه طريحاً ببابه ، لائذاً بجنابه ، مكسورَ القلب بين يديه ، رافعاً قصصَ الشكوى إليه .
قال الشيخ عبد القادر : يا بُنَىَّ ؛ إنَّ المصيبةَ ما جاءت لِتُهلِكَكَ ، وإنَّما جاءت لتمتحِنَ صبرك وإيمانَك ، يا بُنَىَّ ؛ القَدَرُ سَبُعٌ ، والسَّبُعُ لا يأكل الميتةَ .
والمقصود : أنَّ المصيبة كِيرُ العبدِ الذى يُسبَك به حاصله ، فإما أن يخرج ذهباً أحمر ، وإما أن يخرج خَبَثاً كله ، كما قيل : سَبَكْنَاه ونَحْسِبـــُهُ لُجَيْناً فأَبْدَى الْكِيرُ عَنْ خَبَثِ الْحَدِيدِ
فإن لم ينفعه هذا الكِيرُ فى الدنيا ، فبيْنَ يديه الكِيرُ الأعظم ، فإذا علم العبد أنَّ إدخاله كِيرَ الدنيا ومَسبكَها خيرٌ له من ذلك الكِير والمسبك ، وأنه لا بد من أحد الكِيرَين ، فليعلم قدرَ نعمة الله عليه فى الكِير العاجل .
ومِن عِلاجها : أن يعلم أنه لولا مِحَنُ الدنيا ومصائبُها ، لأصاب العبدَ مِن أدْواء الكِبْرِ والعُجب والفرعنة وقسوة القلب ما هو سببُ هلاكه عاجلاً وآجلاً ، فمن رحمةِ أرحم الراحمين أن يتفقَّده فى الأحيان بأنواع من أدوية المصائب ، تكون حِمية له من هذه الأدواء ، وحِفظاً لصحة عُبوديتهِ ، واستفراغاً للمواد الفاسدة الرديئة المهلكة منه ، فسبحانَ مَن يرحمُ ببلائه ، ويبتلى بنعمائه كما قيل:
قَدْ يُنْعِمُ اللهُ بِالْبَلْوَى وَإنْ عَظُمَتْ وَيَبْتَلِى اللهُ بعْضَ الْقَـوْمِ بِالنِّعَمِ
فلولا أنه سبحانه يداوى عباده بأدوية المحن والابتلاء ، لطَغَوا ، وبَغَوْا ، وعَتَوْا ، واللهُ سبحانه إذا أراد بعبد خيراً سقاه دواءً من الابتلاء والامتحان على قدر حاله يستفرِغُ به من الأدواء المهلكة ، حتى إذا هذَّبه ونقَّاه وصفَّاه ، أهَّلَه لأشرفِ مراتب الدنيا ، وهى عبوديتُه ، وأرفع ثواب الآخرة ، وهو رؤيتُه وقُربه ومِن عِلاجها : أن يعلم أنَّ مرارةَ الدنيا هى بعينها حلاوةُ الآخرة ، يَقلِبُها الله سبحانه كذلك ، وحلاوة الدنيا بعينها مرارةُ الآخرة ، ولأَنْ ينتقل مِن مرارة منقطعة إلى حلاوة دائمة خيرٌ له من عكس ذلك . فإن خَفِىَ عليك هذا ، فانظر إلى قول الصادق المصدوق : ((حُفَّتِ الجَنَّةُ بالمَكَارهِ ، وحُفَّتِ النَّارُ بالشَّهَواتِ))
وفى هذا المقام تفاوتت عقولُ الخلائق ، وظهرت حقائقُ الرجال ، فأكثرُهم آثرَ الحلاوةَ المنقطعة على الحلاوة الدائمة التى لا تزول ، ولم يحتمل مرارةَ ساعةٍ لِحلاوة الأبد ، ولا ذُلَّ ساعةٍ لِعزِّ الأبد ، ولا مِحنةَ ساعةٍ لعافيةِ الأبد ، فإنَّ الحاضر عنده شهادةٌ ، والمنتظر غيبٌ ، والإيمان ضعيفٌ ، وسلطانُ الشهوة حاكم ، فتوَلَّد من ذلك إيثارُ العاجلة ، ورفضُ الآخرة ، وهذا حال النظر الواقع على ظواهر الأُمور ، وأوائلها ومبادئها ، وأما النظر الثاقب الذى يَخرِق حُجُب العاجلة ، ويُجاوزه إلى العواقب والغايات ، فله شأنٌ آخرُ .
فادع نفسك إلى ما أعدَّ الله لأوليائه وأهل طاعته من النعيم المقيم ، والسعادة الأبدية ، والفوز الأكبر ، وما أعدَّ لأهل البطالة والإضاعة من الخزى والعقاب والحسرات الدائمة ، ثم اخترْ أىُّ القسمَيْن أليقُ بك ، وكُلٌ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ ، وكُلُّ أحد يصبُو إلى ما يُناسبه ، وما هو الأَوْلَى به ، ولا تستطِلْ هذا العلاج ، فشدةُ الحاجة إليه من الطبيب والعليل دعت إلى بسطه. وبالله التوفيق.


فى هَدْيه صلى الله عليه وسلم فى علاج الكرب والهم والغم والحزن
أخرجا فى ((الصحيحين)) من حديث ابن عباس ، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكَرْب : ((لا إلهَ إلا اللهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ ، لا إلهَ إلا اللهُ ربُّ العرشِ العَظِيمُ ، لا إلهَ إلا اللهُ رَبُّ السَّمَواتِ السَّبْع ، ورَبُّ الأرْض
رَبُّ العَرْشِ الكَرِيمُ)) .
وفى ((جامع الترمذىِّ)) عن أنس ، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ، ((كان إذا حَزَبَهُ أمرٌ ، قال : ((يا حَىُّ يا قَيُّومُ برحمتِكَ أستغيثُ)) .
وفيه عن أبى هُريرة : ((أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم ، كان إذا أهمَّهُ الأَمْرُ ، رفع طرفه إلى السماء فقال : ((سُبْحَانَ الله العظيمِ)) ، وإذا اجتهد فى الدعاء قال : ((يا حَىُّ يا قَيُّومُ)) .
وفى ((سنن أبى داود)) ، عن أبى بكر الصِّدِّيق ، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((دَعَواتُ المكروبِ : اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أرجُو ، فَلا تَكِلْنِى إلى نَفْسى طَرْفَةَ عَيْنٍ ، وأصْلِحْ لى شَأنى كُلَّهُ ، لا إله إلا أنْتَ)) .
وفيها أيضاً عن أسماء بنت عُمَيس قالت : قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ألا أُعلِّمُكِ كلماتٍ تقوليهِنَّ عِنْدَ الكَرْبِ أو فى الكَرْبِ:
((اللهُ رَبِّى لا أُشْرِكُ به شيئاً)) .
وفى رواية أنها تُقال سبعَ مرات .
وفى ((مسند الإمام أحمد)) عن ابن مسعود ، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم قال : ((ما أصابَ عبداً هَمٌ ولا حُزْنٌ فقال : اللَّهُمَّ إنِّى عَبْدُكَ ، ابنُ عَبْدِكَ ، ابنُ أمتِكَ ، ناصِيَتى بيَدِكَ ، مَاضٍ فِىَّ حُكْمُكَ ، عَدْلٌْ فىَّ قضاؤكَ ، اسألُكَ بكل اسْمٍ هُوَ لكَ سَمَّيْتَ به نَفْسَكَ ، أو أنزلْتَه فِى كِتَابِكَ ، أو عَلَّمْتَهُ أحداً من خَلْقِك ، أو استأثَرْتَ به فى عِلْمِ الغَيْبِ عِنْدَكَ : أن تَجْعَل القُرْآنَ العظيم رَبيعَ قَلْبِى ، ونُورَ صَدْرى ، وجِلاءَ حُزنى ، وذَهَابَ هَمِّى ، إلا أذْهَبَ اللهُ حُزْنَه وهَمَّهُ ، وأبْدَلَهُ مكانَهُ فرحاً)) .
وفى ((الترمذىِّ)) عن سعد بن أبى وَقَّاص ، قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : ((دعوةُ ذى النُّون إذْ دَعَا رَبَّهُ وهو فى بَطْنِ الحُوتِ : {لاَ إلهَ إلا أَنتَ سُبْحَانَكَ إنِّى كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ، لَمْ يَدْعُ بها رجلٌ مسلمٌ فى شىءٍ قَطُّ إلا اسْتُجِيبَ له)) .
وفى رواية : ((إنِّى لأعلمُ كِلْمَةً لا يقولُهَا مكْروبٌ إلا فرَّج الله عنه : كَلِمَةَ أخى يُونُس)) .
وفى ((سنن أبى داود)) عن أبى سعيد الخدرى ، قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد ، فإذا هو برجل من الأنصار يُقالُ له : أبو أُمَامة ، فقال : ((يا أبا أُمامة ؛ ما لى أرَاكَ فى المسجدِ فى غَيْرِ وَقْتِ الصَّلاةِ)) ؟ فقال : هُمومٌ لَزِمَتْنى ، وديونٌ يا رسولَ الله ، فقال : ((ألا أُعَلِّمُكَ كلاماً إذا أنت قُلْتَهُ أذهبَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ هَمَّكَ وقَضَى دَيْنَكَ)) ؟ قال : قلتُ : بلى يا رسول الله، قال : ((قُلْ إذا أصْبَحْتَ وَإذَا أمْسَيْتَ : اللَّهُمَّ إنِّى أعُوذُ بِكَ من الهَمِّ والحَزَنِ ، وأعوذُ بِكَ من العَجْزِ والكَسَلِ ، وأعوذُ بِكَ من الجُبْنِ والبُخْلِ ، وأعُوذُ بِكَ من غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَال)) ، قال : ففعلتُ ذلك ، فأذهب الله عَزَّ وجَلَّ هَمِّى ، وقَضى عنى دَيْنِى .
وفى ((سنن أبى داود)) ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((مَن لَزِمَ الاستغفارَ ، جَعَلَ اللهُ لَهُ من كلِّ هَمٍّ فَرَجاً ، ومِن كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجاً ، ورزَقَهُ مِن حَيْثُ لا يَحْتَسِب))
وفى ((المسند)) : أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا حَزَبَه أمرٌ ، فَزِعَ إلى الصَّلاة ، وقد قال تعالى : {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالْصَّلاَة}
وفى ((السنن)) : ((عَلَيْكُم بالجِهَادِ ، فإنَّه بابٌ مِن أبوابِ الجَنَّةِ ، يدفعُ اللهُ به عن النُّفُوسِ الهَمَّ والغَمَّ)) .
ويُذكر عن ابن عباس ، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم : ((مَن كَثُرَتْ هُمُومُهُ وغُمُومُهُ ، فَلْيُكْثِرْ مِنْ قَوْلِ : لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلاَّ باللهِ)) .
وثبت فى ((الصحيحين)) : أنها كَنزٌ من كنوز الجَنَّة .
وفى ((الترمذى)) : أنها بابٌ من أبواب الجَنَّة .
هذه الأدوية تتضمَّن خمسةَ عشرَ نوعاً من الدواء ، فإن لم تقو على إذهاب داءِ الهَمِّ والغَمِّ والحزن ، فهو داءٌ قد استحكم ، وتمكنت أسبابه ، ويحتاج إلى استفراغ كُلِّى ..
الأول : توحيد الرُّبوبية .
الثانى : توحيد الإلهية .
الثالث : التوحيد العلمى الاعتقادى .
الرابع : تنزيه الرَّب تعالى عن أن يظلم عبده ، أو يأخذه بلا سبب من العبد يُوجب ذلك .
الخامس : اعتراف العبد بأنه هو الظالم .
السادس : التوسُّل إلى الرَّب تعالى بأحبِّ الأشياء ، وهو أسماؤه وصفاته ، ومن أجمعها لمعانى الأسماء والصفات : الحىُّ القَيُّوم .
السابع : الاستعانة به وحده .
الثامن : إقرار العبد له بالرجاء .
التاسع : تحقيقُ التوكلِ عليه ، والتفويضِ إليه ، والاعترافُ له بأنَّ ناصيتَه فى يده ، يُصرِّفُه كيف يشاء ، وأنه ماضٍ فيه حُكمُه ، عدلٌ فيه قضاؤه .
العاشر : أن يَرتَعَ قلبُه فى رياض القرآن ، ويجعلَه لقلبه كالربيع للحيوان ، وأن يَسْتَضِىءَ به فى ظُلُماتِ الشُّبهات والشَّهوات ، وأن يَتسلَّى به عن كل فائت ، ويَتعزَّى به عن كل مصيبة ، ويَستشفِىَ به من أدواء صدره ، فيكونُ جِلاءَ حُزْنِه ، وشفاءَ همِّه وغَمِّه .
الحادى عشر : الاستغفار .
الثانى عشر : التوبة .
الثالث عشر : الجهاد .
الرابع عشر : الصلاة .
الخامس عشر : البراءة من الحَوْل والقُوَّة وتفويضُهما إلى مَن هُما بيدِه .


فصل
فى بيان جهة تأثير هذه الأدوية فى هذه الأمراض
خلق الله سبحانه ابن آدمَ وأعضاءَه ، وجعل لكل عُضو منها كمالاً إذا فقده أحسَّ بالألم ، وجعل لِمَلِكها وهو القلب كمالاً ، إذا فقده ، حضرتْه أسقامُه وآلامُه من الهموم والغموم والأحزان .
فإذا فقدت العَيْنُ ما خُلِقَتْ له مِن قوة الإبصار ، وفقدت الأُذنُ ما خُلِقتْ له مِن قوة السَّمْع ، واللِّسَانُ ما خُلِقَ له مِن قُوَّة الكلام ، فقدتْ كمالَها
والقلبُ : خُلِقَ لمعرفةِ فاطره ومحبته وتوحيده والسرور به ، والابتهاج بحبه ، والرضى عنه ، والتوكل عليه ، والحب فيه ، والبغض فيه ، والموالاة فيه ، والمعاداة فيه ، ودوام ذكره ، وأن يكون أحبَّ إليه مِن كل ما سواه ، وأرْجَى عنده مِن كل ما سواه ، وأجَلَّ فى قلبه مِن كل ما سواه ، ولا نعيمَ له ولا سرورَ ولا لذَّةَ ، بل ولا حياة إلا بذلك ، وهذا له بمنزلة الغِذاء والصحة والحياة ، فإذا فَقَدَ غذاءه وصحته وحياته ، فالهمومُ والغموم والأحزان مسارعةٌ مِن كل صَوْبٍ إليه ، ورهْنٌ مقيم عليه .
ومن أعظم أدوائه : الشِّركُ والذنوبُ والغفلةُ والاستهانةُ بِمَحابِّه ومَراضيه ، وتركُ التفويض إليه ، وقِلَّةُ الاعتماد عليه ، والركونُ إلى ما سواهُ ، والسخطُ بمقدوره ، والشكُّ فى وعده ووعيده .
وإذا تأملتَ أمراض القلب ، وجدتَ هذه الأُمور وأمثالها هى أسبابُها لا سببَ لها سِواها ، فدواؤه الذى لا دواءَ له سواه ما تضمنتْهُ هذه العلاجات النبوية من الأُمور المضادة لهذه الأدواء ، فإنَّ المرضَ يُزال بالضد ، والصِّحةُ تُحفظ بالمِثْل ، فصحتُه تُحفظ بهذه الأُمور النبوية ، وأمراضُه بأضدادها .
فالتوحيد .. يفتح للعبد بابَ الخير والسرور واللَّذة والفرح والابتهاج ، والتوبةُ استفراغٌ للأخلاط والمواد الفاسدة التى هى سببُ أسقامه ، وحِميةٌ له من التخليط ، فهى تُغْلِق عنه بابَ الشرور ، فيُفتَح له بابُ السعادة والخير بالتوحيد ، ويُغْلَق باب الشرور بالتوبة والاستغفار .
قال بعض المتقدمين من أئمة الطب : مَن أراد عافية الجسم ، فليقلِّلْ مِن الطعام والشراب ، ومَن أراد عافية القلب ، فليترُكْ الآثام .
وقال ثابت بن قُرَّةَ : راحةُ الجسم فى قِلَّة الطعام ، وراحةُ الرَّوح فى قِلَّة الآثام، وراحةُ اللِّسان فى قِلَّة الكلام .
والذنوبُ للقلب ، بمنزلة السُّموم ، إن لم تُهلكْه أضعفتْه ، ولا بُدَّ ، وإذا ضعُفت قوته ، لم يقدرْ على مقاومة الأمراض ، قال طبيبُ القلوب عبدُ الله ابن المُبارَك :
رَأَيْتُ الذنُوبَ تُمِيتُ الْقُلـُوبَ وَقَدْ يُورِثُ الذُّلَّ إدْمَانُهـَا
وَتَرْكُ الذُّنُوبِ حَيَاةُ الْقُلـُوبِ وَخَيرٌ لِنَفْسِــكَ عِصْيَانُهَا
فالهوى أكبرُ أدوائها ، ومخالفتُه أعظمُ أدويتها ، والنفس فى الأصل خُلِقَتْ جاهلة ظالمة ، فهى لجهلِها تظن شِفاءَها فى اتباع هواها ، وإنما فيه تلفُها وعطَبُها ، ولظلمِها لا تقبل مِن الطبيب الناصح ، بل تضَعُ الداء موضِعَ الدواء فتعتمده ، وتضعُ الدواء موضع الداء فتجتنبه ، فيتولَّدُ مِن بين إيثارِها للداء ، واجتنابِها للدواء أنواعٌ من الأسقام والعِلل التى تُعيِى الأطباء ، ويتعذَّرُ معها الشفاء . والمصيبةُ العظمى ، أنها تُرَكِّبُ ذلك على القَدَر ، فتُبرِّىء نفسَها ، وتلومُ ربَّها بلسان الحال دائماً ، وَيقوَى اللَّومُ حتى يُصرِّحَ به اللِّسان .
وإذا وصل العليلُ إلى هذه الحال ، فلا يُطمَع فى بُرئه إلا أن تتداركه رحمة من ربه ، فيُحييه حياةً جديدة ، ويرزقُه طريقةً حميدة ، فلهذا كان حديث ابن عباس فى دُعاء الكرب مشتملاً على توحيد الإلهية والربوبية ، ووصف الرب سبحانه بالعظمة والحلم ، وهاتان الصفتان مستلزمتان لكمال القُدرة والرحمة ، والإحسان والتجاوز ، ووصفِه بكمال ربوبيته للعالَم العُلوىِّ والسُّفلىِّ ، والعرش الذى هو سقفُ المخلوقات وأعظمها . والرُّبوبية التامة تستلزِمُ توحيدَه ، وأنه الذى لا تنبغى العبادةُ والحبُّ والخوفُ والرجاء والإجلال والطاعة إلا له . وعظمتُه المطلقة تستلزمُ إثباتَ كل كمال له ، وسلبَ كل نقص وتمثيل عنه . وحِلمُه يستلزم كمال رحمته وإحسانه إلى خلقه .
فعِلْمُ القلب ومعرفتُه بذلك توجب محبته وإجلاله وتوحيدَه ، فيحصل له من الابتهاج واللَّذة والسرور ما يدفع عنه ألم الكرب والهم والغم ، وأنت تجدُ المريض إذا ورد عليه ما يسرُّهُ ويُفرحه ، ويُقوِّى نفسه ، كيف تقوى الطبيعة على دفع المرض الحسِّى ، فحصولُ هذا الشفاء للقلب أولى وأحرى .
ثم إذا قابلتَ بين ضيق الكرب وسعة هذه الأوصاف التى تضمَّنها دعاءُ الكرب ، وجدته فى غاية المناسبة لتفريج هذا الضيق ، وخروج القلب منه إلى سعَةِ البهجة والسرور ، وهذه الأُمورُ إنما يُصدِّق بها مَن أشرقت فيه أنوارُها ، وباشر قلبُه حقائقَها .
وفى تأثير قوله : ((يا حىُّ يا قَيُّومُ ، برحمتِك أستغيثُ)) فى دفع هذا الداء مناسبة بديعة ، فإنَّ صفة الحياة متضمِّنةٌ لجميع صفات الكمال ، مستلزمة لها ، وصفة القَيُّومية متضمنة لجميع صفات الأفعال ، ولهذا كان اسمُ الله الأعظمُ الذى إذا دُعىَ به أجاب ، وإذا سُئِلَ به أعطى : هو اسمُ الحَىّ القَيُّوم ، والحياة التامة تُضاد جميعَ الأسقام والآلام ، ولهذا لَمَّا كَمُلَتْ حياة أهل الجَنَّة لم يلحقهم هَمٌ ولا غَمٌ ولا حَزَنٌ ولا شىء من الآفات . ونقصانُ الحياة تضر بالأفعال ، وتنافى القيومية ، فكمالُ القيومية لكمال الحياة ، فالحىُّ المطلق التام الحياة لا يفوتُه صِفة الكمال ألبتة ، والقَيُّوم لا يتعذَّرُ عليه فعلٌ ممكنٌ ألبتة ، فالتوسل بصفة الحياة والقَيُّومية له تأثيرٌ فى إزالة ما يُضادُّ الحياة ، ويضُرُّ بالأفعال .
ونظير هذا توسلُ النبى صلى الله عليه وسلم إلى ربه بربوبيته لجبريلَ ومِيكائيلَ وإسرافيلَ أن يَهدِيَه لما اختُلِفَ فيه من الحق بإذنه ، فإنَّ حياة القلب بالهداية ، وقد وكَّل الله سبحانه هؤلاء الأملاك الثلاثة بالحياة ، فجبريلُ موَّكلٌ بالوحى الذى هو حياةُ القلوب ، وميكائيل بالقَطْر الذى هو حياةُ الأبدان والحيوان ، وإسرافيل بالنَّفْخ فى الصُّور الذى هو سببُ حياةِ العالَم وعَودِ الأرواح إلى أجسادها ، فالتوسل إليه سبحانه بربوبية هذه الأرواح العظيمة الموكلة بالحياة ، له تأثير فى حصول المطلوب .
والمقصود : أن لاسم الحىّ القَيُّوم تأثيراً خاصاً فى إجابة الدعوات ، وكشف الكُربات .
وفى ((السنن)) و((صحيح أبى حاتم)) مرفوعاً : ((اسمُ اللهِ الأعْظَم فى هاتَيْنِ الآيتين : {وَإلهُكُمْ إلهٌ وَاحِدٌ ، لا إلهَ إلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}[البقرة : 163]، وفاتحةِ آلِ عمران : { آلم * اللهُ لاَ إلهَ إلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ}[آل عمران : 1-2]، قال الترمذىُّ : حديث صحيح
وفى ((السنن)) و((صحيح ابن حِبَّان)) أيضاً : من حديث أنس أنَّ رجلاً دعا ، فقال : اللَّهُمَّ إنِّى أسألُكَ بأنَّ لَكَ الْحَمْدَ ، لا إلَهَ إلا أنتَ المنَّانُ ، بديعُ السَّمواتِ والأرضِ ، ياذا الجلال والإكرام ، يا حىُّ يا قَيُّومُ ، فقال النبى صلى الله عليه وسلم : ((لقد دَعَا اللهَ باسمِهِ الأعْظَم الذى إذا دُعِىَ به أجابَ ، وإذا سُئِلَ به أعْطَى)) .
ولهذا كان النبىُّ صلى الله عليه وسلم إذا اجتهد فى الدعاء ، قال : ((يَا حىُّ يا قَيُّومُ)) .
وفى قوله : ((اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أرْجُو ، فلا تَكِلْنى إلى نفسى طَرْفَةَ عَيْنٍ ، وأصْلِحْ لى شأنى كُلَّهُ لا إلهَ إلاَّ أنتَ)) من تحقيق الرجاء لمن الخيرُ كُلُّهُ بيديه والاعتمادُ عليه وحده ، وتفويضُ الأمر إليه ، والتضرع إليه ، أن يتولَّى إصلاح شأنه ، ولا يَكِلَه إلى نفسه ، والتوسُّل إليه بتوحيده مما له تأثيرٌ قوى فى دفع هذا الداء ، وكذلك قوله : ((اللهُ ربِّى لا أُشْرِكُ بِه شَيْئاً)) .
وأما حديث ابن مسعود : ((اللَّهُمَّ إنِّى عَبْدُكَ ابْنُ عَبْدِكَ)) ، ففيه من المعارف الإلهية ، وأسرارِ العبودية ما لا يتَّسِعُ له كتاب ، فإنه يتضمَّن الاعترافَ بعبوديته وعبودية آبائه وأُمهاته ، وأنَّ ناصيته بيده يُصرِّفها كيف يشاء ، فلا يملِك ُ العبدُ دونه لنفسه نفعاً ولا ضراً ، ولا موتاً ولا حياةً ، ولا نُشوراً ، لأنَّ مَن ناصيتُه بيد غيره ، فليس إليه شىءٌ من أمره ، بل هو عانٍ فى قبضته ، ذليل تحت سلطان قهرِه .
وقوله : ((ماضٍ فىَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِىَّ قضاؤكَ)) متضمنٌ لأصلين عظيمين عليهما مدارُ التوحيد .
أحدهما : إثباتُ القَدَر ، وأنَّ أحكام الرَّبِّ تعالى نافذةٌ فى عبده ماضيةٌ فيه ، لا انفكاكَ له عنها ، ولا حِيلةَ له فى دفعها .
والثانى : أنه سبحانه عدلٌ فى هذه الأحكام ، غير ظالم لعبده ، بل لا يخرُج فيها عن موجب العدل والإحسان ، فإنَّ الظلم سببه حاجةُ الظالم ، أو جهلُه ،أو سفهُه ، فيستحيلُ صدورهُ ممن هو بكل شىء عليمٌ ، ومَن هو غنىٌ عن كل شىء ، وكلُّ شىء فقيرٌ إليه ، ومَنْ هو أحكم الحاكمين ، فلا تخرُج ذَرَّةٌ مِن مقدوراته عن حِكمته وحمده ، كما لم تخرج عن قُدرته ومشيئته ، فحِكمته نافذة حيثُ نفذتْ مشيئته وقُدرته ، ولهذا قال نبىُّ الله هودٌ صَلَّى الله على نبينا وعليه وسَلَّم ، وقد خَوَّفه قومُه بآلهتهم :{إنِّى أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُواْ أَنِّى بَرِىءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ *مِن دُونِهِ ، فَكِيدُونِى جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ * إنِّى تَوَكَّلْتُ علَى اللهِ رَبِّى وَرَبِّكُم * مَّا مِن دَابَّةٍ إلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ، إنَّ رَبِّى عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}[هود : 54-57] ، أى مع كونه سبحانه آخذاً بنَواصى خلقه وتصريفهم كما يشاء ، فهو على صراطٍ مستقيمٍ لا يتصرَّفُ فيهم إلا بالعدل والحكمة ، والإحسان والرحمة . فقوله : ((ماضٍ فىَّ حُكْمُكَ)) ، مطابقٌ لقوله : {مَا مِن دَابَّةٍ إلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} ، وقولُه : ((عَدْلٌ فِىَّ قضاؤكَ)) ، مطابقٌ لقوله :
{إنَّ رَبِّى عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [هود : 57] ، ثم توسَّلَ إلى رّبِّه بأسمائه التى سمَّى بها نفسه ما عَلِمَ العبادُ منها وما لم يعلموا . ومنها : ما استأثره فى علم الغيب عنده ، فلم يُطلع عليه مَلَكاً مُقرَّباً ، ولا نبيّاً مرسلاً ، وهذه الوسيلةُ أعظمُ الوسائل ، وأحبُّها إلى الله ، وأقربُها تحصيلاً للمطلوب .
ثم سأله أن يجعلَ القرآن لِقلبه كالربيع الذى يرتَع فيه الحيوانُ ، وكذلك القرآنُ ربيعُ القلوب ، وأن يجعلَه شفاءَ هَمِّه وغَمِّه ، فيكونُ له بمنزلة الدواء الذى يستأصِلُ الداء ، ويُعيدُ البدن إلى صحته واعتداله ، وأن يجعله لحُزنه كالجِلاء الذى يجلو الطُّبوعَ والأصديةَ وغيرها ، فأحْرَى بهذا العلاج إذا صدق العليل فى استعماله أن يُزيلَ عنه داءه ، ويُعقبه شفاءً تاماً ، وصحةً وعافيةً .. والله الموفق .
وأما دعوةُ ذى النون .. فإنَّ فيها من كمال التوحيد والتنزيه للربِّ تعالى ، واعترافِ العبد بظلمه وذنبه ما هو من أبلغ أدويةِ الكَربِ والهَمِّ والغَمِّ ، وأبلغِ الوسائل إلى الله سبحانه فى قضاء الحوائج ، فإنَّ التوحيدَ والتنزيه يتضمنان إثبات كل كمال للهِ ، وسلبَ كُلِّ نقصٍ وعيب وتمثيل عنه . والاعترافُ بالظلم يتضمَّن إيمانَ العبد بالشرع والثواب والعقاب ، ويُوجب انكسارَه ورجوعَه إلى الله ، واستقالته عثرتَه ، والاعترافَ بعبوديته ، وافتقاره إلى ربه ، فههنا أربعةُ أُمور قد وقع التوسلُ بها : التوحيد ، والتنزيه ، والعبودية ، والاعتراف .
وأما حديث أبى أمامة : ((اللَّهُمَّ إنِّى أعوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ والحَزَنِ)) ، فقد تضمَّن الاستعاذة من ثمانية أشياء ، كُلُّ اثنين منها قَرينان مزدوجان ، فالهمُّ والحَزَنُ أَخوان ، والعجزُ والكسلُ أخوان ، والجُبنُ والبُخلُ أَخوان ، وضَلَعُ الدَّيْن وغلبةُ الرجال أخوان ، فإنَّ المكروه المؤلم إذا ورد على القلب ، فإما أن يكون سببهُ أمراً ماضياً ، فيُوجب له الحزن ، وإن كان أمراً متوقعاً فى المستقبل ، أوجب الهم ، وتخلفُ العبد عن مصالحه وتفويتها عليه ، إما أن يكون مِن عدم القُدرة وهو العجز ، أو من عدم الإرادة وهو الكسل ، وحبسُ خيره ونفعه عن نفسه وعن بنى جنسه ، إما أن يكونَ منعَ نفعه ببدنه ، فهو الجُبن ، أو بماله ، فهو البخل ، وقهرُ النَّاس له إما بحق ، فهو ضَلَعُ الدَّيْن ، أو بباطل فهو غَلبَةُ الرِّجال ، فقد تضمَّن الحديثُ الاستعاذة من كل شَرٍّ .
وأما تأثيرُ الاستغفار فى دفع الهَّمِّ والغَمِّ والضِّـيق ، فلِمَا اشترَكَ فى العلم به أهلُ الملل وعقلاءُ كُلِّ أُمة أنَّ المعاصىَ والفسادَ تُوجب الهَمَّ والغَمَّ ، والخوفَ والحُزن ، وضيقَ الصدر ، وأمراض القلب ، حتى إنَّ أهلها إذا قضَوْا منها أوطارَهم ، وسئمتها نفوسُهم ، ارتكبوها دفعاً لما يَجِدُونه فى صدورهم من الضيق والهَمِّ والغَمِّ ، كما قال شيخُ الفسوق:
وَكَأْسٍ شَرِبْتُ عَلَى لَذَّةٍ وَأُخْرَى تَدَاوَيْتُ مِنْهَا بِهَا
وإذا كان هذا تأثير الذنوب والآثام فى القلوب ، فلا دواءَ لها إلا التوبةُ والاستغفار
وأما الصَّلاةُ .. فشأنها فى تفريح القلب وتقويته ، وشرحِه وابتهاجه ولذَّته أكبرُ شأن ، وفيها من اتصالِ القلب والروح بالله ، وقربه والتنعم بذكره ، والابتهاجِ بمناجاته ، والوقوفِ بين يديه ، واستعمالِ جميع البدن وقُواه وآلاته فى عبوديته ، وإعطاء كل عضو حظَّه منها ، واشتغالهِ عن التعلُّق بالخلق وملابستهم ومحاوراتهم ، وانجذابِ قُوى قلبه وجوارحه إلى ربه وفاطره ، وراحتِه من عدوِّه حالةَ الصلاة ما صارت به من أكبر الأدوية والمفرِّحات والأغذية التى لا تُلائم إلا القلوبَ الصحيحة . وأمَّا القلوبُ العليلة ، فهى كالأبدان لا تُناسبها إلا الأغذية الفاضلة .
فالصلاةُ من أكبر العَوْن على تحصيل مصالح الدنيا والآخرة ، ودفع مفاسد الدنيا والآخرة ، وهى منهاةٌ عن الإثم ، ودافعةٌ لأدواء القلوب ، ومَطْرَدَةٌ للداءِ عن الجسد ، ومُنوِّرةٌ للقلب ، ومُبيِّضَةٌ للوجه ، ومُنشِّطةٌ للجوارح والنفس ، وجالِبةٌ للرزق ، ودافعةٌ للظلم ، وناصِرةٌ للمظلوم ، وقامِعةٌ لأخلاط الشهوات ، وحافِظةٌ للنعمة ، ودافِعةٌ للنِّقمة ، ومُنزِلةٌ للرحمة ، وكاشِفة للغُمَّة ، ونافِعةٌ من كثير من أوجاع البطن .
وقد روى ابن ماجه فى ((سننه)) من حديث مجاهد ، عن أبى هريرة قال : رآنى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأنا نائم أشكو مِن وجع بطنى ، فقال لى : ((يا أبا هُرَيْرَة ؛ أشِكَمَتْ دَرْدْ)) ؟ قال : قلتُ : نعم يا رسولَ الله ، قال : ((قُمْ فَصَلِّ ، فإنَّ فى الصَّلاةِ شِفَاءً)) .
@ وقد رُوى هذا الحديثُ موقوفاً على أبى هُرَيرةَ ، وأنه هو الذى قال ذلك لمجاهد ، وهو أشبهُ . ومعنى هذه اللفظةِ بالفارسى : أيوجعُكَ بطنُكَ ؟
فإن لم ينشرح صدرُ زنديق الأطباء بهذا العلاج ، فيُخاطَبُ بصناعة الطب ، ويقالُ له : الصلاةُ رياضة النفس والبدن جميعاً ، إذ كانت تشتمِلُ على حركات وأوضاع مختلفة مِن الانتصاب ، والركوع ، والسجود ، والتورُّك ، والانتقالات وغيرها من الأوضاع التى يتحرَّك معها أكثرُ المفاصل ، وينغمِزُ معها أكثرُ الأعضاء الباطنة ، كالمَعِدَة ، والأمعاء ، وسائر آلات النَّفَس ، والغذاء ، فما يُنكر أن يكونَ فى هذه الحركات تقويةٌ وتحليلٌ للمواد ، ولا سِيَّما بواسطة قوةِ النفس وانشراحِها فى الصلاة ، فتقوى الطبيعة ، فيندفع الألم .
ولكن داء الزندقةِ والإعراض عما جاءت به الرُّسلُ ، والتَّعوُّضِ عنه بالإلحاد داءٌ ليس له دواء إلا نارٌ تَلَظَّى لاَ يَصْلاَهَا إلاَّ الأشْقَى الَّذِى كَذَّبَ وَتَوَلَّى
وأمَّا تأثيرُ الجهادِ فى دفع الهم والغم ، فأمرٌ معلوم بالوجدان ، فإنَّ النفس متى تركتْ صائِلَ الباطل وصَوْلته واستيلاءَه ، اشتد همُّها وغمُّها ، وكربُها وخوفها ، فإذا جاهدته لله أبدل الله ذلك الهمَّ والحُزْنَ فرحاً ونشاطاً وقوةً ، كما قال تعالى : {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ*وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ}[التوبة : 14-15]، فلا شىءَ أذهبُ لجوَى القلب وغَمِّه وهَمِّه وحُزنه من الجهاد .. والله المستعان .
وأمَّا تأثيرُ ((لا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلا بالله)) فى دفع هذا الداءِ ، فلِما فيها من كمالِ التفويضِ ، والتبرِّى من الحَوْل والقُوَّة إلا به ، وتسليمِ الأمر كله له ، وعدمِ منازعته فى شىء منه ، وعموم ذلك لكلِّ تحوُّلٍ من حَال إلى حال فى العالَم العُلوىِّ والسُّفلىِّ ، والقوةِ على ذلك التحول ، وأنَّ ذلك كُلَّه باللهِ وحدَه ، فلا يقوم لهذه الكلمة شىء .
وفى بعض الآثار: إنه ما ينزِلُ مَلَكٌ من السماء، ولا يَصعَدُ إليها إلا بـ ((لاَ حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلاَّ بالله))، ولها تأثيرٌ عجيب فى طرد الشيطان.. 
والله المستعان .


 الطب النبوى - ابن قيم الجوزية (10) 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الطب النبوى - ابن قيم الجوزية (10)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الطب النبوى - ابن قيم الجوزية (08)
»  الطب النبوى - ابن قيم الجوزية (09)
» الطب النبوى - ابن قيم الجوزية (11)
» الطب النبوى - ابن قيم الجوزية (12)
» الطب النبوى - ابن قيم الجوزية (13)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الطب النبـوي-
انتقل الى: