منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 الطب النبوى - ابن قيم الجوزية (13)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 48337
العمر : 71

الطب النبوى - ابن قيم الجوزية (13) Empty
مُساهمةموضوع: الطب النبوى - ابن قيم الجوزية (13)   الطب النبوى - ابن قيم الجوزية (13) Emptyالثلاثاء 15 سبتمبر 2015, 12:04 am

الطب النبوى - ابن قيم الجوزية (13) Images?q=tbn:ANd9GcQOFGGMtRYcTn9PDAM_RITSNN6X4eBzmMUsAQgo-Z8hYgJgOEDE
فصل
وأنفعُ الجِماع:
ما حصلَ بعد الهضم ، وعند اعتدال البدن فى حرِّه وبرده ، ويُبوسته ورطوبته ، وخَلائه وامتلائه . وَضَرَرُه عند امتلاء البدن أسهلُ وأقل من ضرره عند خُلوِّه ، وكذلك ضررُه عند كثرة الرطوبة أقلُّ منه عند اليبوسة ، وعند حرارته أقلُّ منه عند برودته ، وإنما ينبغى أن يُجامِعَ إذا اشتدتْ الشهوةُ ، وحصَلَ الانتشارُ التام الذى ليس عن تكلُّفٍ ، ولا فكرٍ فى صورة ، ولا نظرٍ متتابع .
ولا ينبغى أن يستدعىَ شهوةَ الجِماع ويتكلفها ، ويحمل نفسه عليها ، وليُبادْر إليه إذا هاجتْ به كثرةُ المَنِىِّ ، واشتد شَبَقُهُ ، وليحذرْ جِماعَ العجوز والصغيرةِ التى لا يُوطأُ مثلُها ، والتى لا شهوة لها ، والمريضةِ ، والقبيحةِ المنظرِ ، والبَغيضة ، فوطءُ هؤلاء يُوهن القُوَى ، ويُضعف الجِماع بالخاصِّية ، وغلط مَن قال من الأطباء : إن جِماع الثيِّب أنفعُ من جِماع البكر وأحفظُ للصحة ، وهذا من القياس الفاسد ، حتى ربما حذَّر منه بعضُهم ، وهو مخالف لِما عليه عقلاءُ الناسِ ، ولِما اتفقتْ عليه الطبيعةُ والشريعة .
وفى جِماع البِكر من الخاصِّية وكمالِ التعلُّق بينها وبين مُجامعها ، وامتلاءِ قلبها من محبته ، وعدم تقسيم هواها بينه وبين غيره ، ما ليس للثَيِّب . وقد قال النبىُّ صلى الله عليه وسلم لجابر : (( هلاَّ تَزوَّجتَ بِكراً )) ، وقد جعل الله سبحانه من كمالِ نساء أهل الجنَّة من الحُور العين ، أنَّهن لم يَطْمِثْهُنَّ أحدٌ قبلَ مَن جُعِلْنَ له ، من أهل الجنَّة . وقالت عائشةُ للنبىِّ صلى الله عليه وسلم : أرأيْتَ لو مَرَرْتَ بشجرةٍ قد أُرْتِعَ فيها ، وشجرةٍ لم يُرْتَعْ فيها ، ففى أيِّهما كنتَ تُرتِعُ بعيرَك ؟ قال : (( فى التى لم يُرْتَعْ فيها )) . تريد أنه لم يأخذ بكراً غيرَها .
وجِماعُ المرأة المحبوبة فى النفس يَقِلُّ إضعافُهُ للبدن مع كثرةِ استفراغه للمَنِىِّ ، وجماع البغيضة يُحِلُّ البدن ، ويُوهن القُوَى مع قِلَّةِ استفراغه ، وجِماعُ الحائض حرامٌ طبعاً وشرعاً ، فإنه مضرٌ جداً ، والأطباء قاطبةً تُحَذِّر منه .
وأحسنُ أشكالِ الجِماع أن يعلوَ الرجلُ المرأةَ ، مُستفرِشاً لها بعدَ المُلاعبة والقُبلة ، وبهذا سُميت المرأة فِراشاً ، كما قال صلى الله عليه وسلم : (( الولَدُ لِلفِراش )) ، وهذا من تمام قَوَّامية الرجل على المرأة ، كما قال تعالى : {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: 34] ، وكما قيل :
إذَا رُمْتُهَا كَانَتْ فِرَاشَاً يُقِلُّنِى وَعِنْدَ فَرَاغِى خَادِمٌ يَتَمَلَّقُ
وقد قال تعالى : {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ} [البقرة: 187] ، وأكملُ اللِّباس وأسبَغُه على هذه الحال ، فإن فِراش الرجل لباسٌ له ، وكذلك لِحَافُ المرأة لباسٌ لها ، فهذا الشكلُ الفاضلُ مأخوذٌ من هذه الآية ، وبه يَحسن موقعُ استعارةِ اللِّباس من كل من الزوجين للآخر .
وفيه وجه آخرُ ، وهو أنها تَنعطِفُ عليه أحياناً ، فتكونُ عليه كاللِّباس ، قال الشاعر :
إذَا مَا الضَّجِيعُ ثَنَى جِيدَها تَثَنَّتْ فَكَانَتْ عَلَيْهِ لِبَاسَا
وأردأُ أشكاله أن تعلُوَهُ المرأةُ ، ويُجامِعَها على ظهره ، وهو خلافُ الشكل الطبيعى الذى طبع الله عليه الرجل والمرأة ، بل نوعَ الذكر والأُنثى ، وفيه من المفاسد ، أنَّ المَنِىَّ يتعسَّرُ خروجُه كلُّه ، فربما بقى فى العضو منه فيتعفنُ ويفسد ، فيضر .
وأيضاً : فربما سال إلى الذَّكر رطوباتٌ من الفَرْج .


وأيضاً : فإنَّ الرَّحِم لا يتمكن من الاشتمال على الماء واجتماعِهِ فيه ، وانضمامِهِ عليه لتَخْلِيقِ الولد .
وأيضاً : فإنَّ المرأة مفعولٌ بها طبعاً وشرعاً ، وإذا كانت فاعلة خالفتْ مقتضى الطبع والشرع .
وكان أهل الكتاب إنما يأتون النساء على جُنوبهن على حَرْفٍ ، ويقولون : هو أيسرُ للمرأة .
وكانت قريش والأنصار تَشْرَحُ النِّساءَ على أقْفَائِهن ، فعابَتِ اليهودُ عليهم ذلك ، فأنزل الله عَزَّ وجَلَّ : {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223].
وفى (( الصحيحين )) عن جابر ، قال : كانت اليهود تقولُ : إذا أتى الرجلُ امرأتَه من دُبُرِها فى قُبُلِها ، كان الولدُ أَحوَلَ ، فأنزل الله عَزَّ وجَلَّ : {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223].
وفى لفظ لمسلم : (( إن شاء مُجَبِّيَة ، وإن شاء غير مُجَيِّبَة ، غَيْرَ أنَّ ذلك فى صِمِامٍ واحدٍ )) .
و(( المُجَبِّبَة )) : المُنْكَبَّة على وجهها ، و((الصمام الواحد)) : الفَرْج ، وهو موضع الحرْثِ والولد .
وأما الدُّبرُ : فلم يُبَحْ قَطُّ على لسان نبىٍّ من الأنبياء ، ومَن نسب إلى بعض السَّلَف إباحة وطء الزوجة فى دُبُرها ، فقد غلط عليه .
وفى (( سنن أبى داود )) عن أبى هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ملعونٌ مَن أتى المرأةَ فى دُبُرِها )) .
وفى لفظ لأحمد وابن ماجه : ((لا يَنْظُرُ اللهُ إلى رَجُلٍ جَامَعَ امرأتَه فى دُبُرِها)).


وفى لفظ للترمذى وأحمد : ((مَن أتى حائضاً ، أو امرأةً فى دُبُرِها ، أوْ كاهناً فَصَدَّقَهُ ، فقد كَفَرَ بما أُنْزِلَ على محمد صلى الله عليه وسلم)) .
وفى لفظ للبيهقى : ((مَنْ أتى شيئاً مِنَ الرِّجَالِ والنِّسَاءِ فى الأدبار فقد كفر)).
وفى (( مصنَّف وكِيع )) : حدثنى زمْعة بن صالح ، عن ابن طاووس ، عن أبيه ، عن عمرو بن دينار ، عن عبد الله بن يَزيد ؛ قال : قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيى من الحقِّ ، لا تأتُوا النِّسَاءَ فى أعجازِهِنَّ )) ، وقال مَرَّة : (( فى أدبارِهِنَّ )) .
وفى (( الترمذى )) : عن على بن طَلْق ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا تأتوا النِّسَاءَ فى أعجازِهِنَّ ، فإن الله لا يستحى من الحقِّ )) .
وفى (( الكامل )) لابن عَدِى : من حديثه عن المحامِلى ، عن سعيد بن يحيى الأموىِّ ، قال : حدَّثنا محمد بن حمزَةَ ، عن زيد بن رَفيع ، عن أبى عُبيدة ، عن عبد الله بن مسعود يرفعه : (( لا تأتوا النِّسَاءَ فى أعْجَازِهِنَّ )) .
وروينا فى حديث الحسن بن على الجوهرىِّ ، عن أبى ذرٍّ مرفوعاً : (( مَنْ أتى الرِّجَال والنِّسَاءَ فى أدْبَارِهنَّ ، فقد كَفَرَ )) .
وروى إسماعيل بن عيَّاش ، عن سُهيل بن أبى صالح ، عن محمد ابن المُنْكَدِر ، عن جابر يرفعه : (( اسْتَحْيُوا مِنَ الله ، فإنَّ اللهَ لا يَسْتَحيى مِنَ الحقِّ ، لا تأْتُوا النِّسَاءَ فى حُشُوشِهِنَّ )) .
ورواه الدارقُطنِىُّ من هذه الطريق ، ولفظه : (( إنَّ الله لا يَسْتَحيى مِنَ الحق ، لا يَحلُّ مَأْتَاك النِّسَاءَ فى حُشُوشِهِنَّ )) .
وقال البغوىُّ : حدثنا هُدْبَةُ ، حدثنا همَّام ، قال : سُئِل قتادة عن الذى يأتى امرأته فى دُبُرِها ؛ فقال : حَدَّثنى عمرو بن شُعَيب ، عن أبيه ، عن جده ، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال : (( تلك اللُّوطِيَّةُ الصُّغْرى )) .
وقال أحمد فى (( مسنده )) : حدَّثنا عبد الرحمن ، قال : حدَّثنا همَّام ، أُخبِرنا عن قتادَةَ ، عن عمرو بن شُعَيب ، عن أبيه ، عن جده ، فذكره .
وفى (( المسند )) أيضاً : عن ابن عباس : أنزلت هذه الآية : {نِسَاءُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ} [البقرة: 223] فى أُناسٍ من الأنصار ، أتَوْا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ، فسألوه ، فقال : (( ائْتِها على كُلِّ حال إذا كان فى الفَرْج )) .
وفى (( المسند )) أيضاً : عن ابن عباس ، قال : جاء عمرُ بنُ الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله : هلكتُ . فقال : (( وما الذى أهلكَكَ )) ؟ قال : حَوَّلْتُ رَحْلى البارِحَةَ ، قال : فلم يَرُدَّ عليه شيئاً ، فأوحى الله إلى رسوله: {نِسَاءُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] أَقْبِلْ وأَدْبِرْ ، واتَّقِ الحَيْضَةَ والدُّبُرَ )) .
وفى (( الترمذى )) : عن ابن عباس مرفوعاً : (( لا يَنْظُرُ اللهُ إلى رَجُلٍ أتى رَجُلاً أو امرأةً فى الدُّبُرِ )) .


وروينا من حديث أبى على الحسن بن الحسين بن دُومَا ، عن البَراء بن عازِب يرفعه : (( كَفَرَ باللهِ العظيم عشرةٌ من هذه الأُمة : القاتِلُ ، والسَّاحِرُ ، والدُّيُّوثُ ، وناكحُ المرأةِ فى دُبُرِها ، ومانِعُ الزكاةِ ، ومَن وَجَدَ سَعَةً فماتَ ولم يَحُجَّ ، وشاربُ الخَمْرِ ، والسَّاعِى فى الفِتَنِ ، وبائعُ السِّلاحِ من أهلِ الحربِ ، ومَن نكَح ذَاتَ مَحْرَمٍ منه )) .
وقال عبد الله بن وهب : حدَّثنا عبد الله بن لَهيعةَ ، عن مِشرَح بن هاعانَ ، عن عقبةَ بن عامر ، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال : (( مَلْعُونٌ مَن يأتى النِّسَاءَ فى محاشِّهِنَّ )) ؛ يعنى : أدْبَارِهِنَّ .
وفى (( مسند الحارث بن أبى أُسامة )) من حديث أبى هريرة ، وابن عباس قالا : خطبنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته ، وهى آخِرُ خُطبةٍ خطبها بالمدينة حتى لحق بالله عَزَّ وَجَلَّ ، وعظنا فيها وقال : (( مَن نَكَحَ امرأَةً فى دُبُرِها أو رجلاً أو صَبِيَّاً ، حُشِرَ يَوْمَ القيامة ، وريحُهُ أنْتَنُ مِنَ الجِيفةِ يتأذَّى به النَّاسُ حتى يَدْخُلَ النَّار ، وأَحْبَطَ اللهُ أجرَهُ ، ولا يَقْبَلُ منه صَرْفاً ولا عدلاً ، ويُدْخَلُ فى تابوتٍ من نارٍ ، ويُشَدُّ عليه مَساميرُ من نارٍ)) ، قال أبو هريرة : هذا لمن لم يتب.
وذكر أبو نعيم الأصبهاني ، من حديث خزيمة بن ثابت يرفعه ، ((إنَّ الله لا يَسْتَحي مِنَ الحَق ، لا تأتوا النِّساَء في أَعْجاَزِهِنَّ)).
وقال الشافعي : أخبرني عمي محمد بن علي بن شافع ، قال : أخبرني عبد الله بن علي بن السائب ، عن عمرو بن أحيحة بن الجلاح ، عن خزيمة بن ثابت ، أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن ، فقال: ((حلال)) ، فلما ولى ، دعاه فقال : ((كيف قُلتَ ، في أيِّ الخُرْبَتَينِ ، أو في أي الخَرْزَتَينِ ، أو في أيِّ الخَصْفَتَينِ أمنْ دُبُرهاَ في قُبُلهَا ؟ فَنَعَم . أم مِنْ دُبُرِهاَ في دُبُرِهاَ ، فلا ، إنَّ الله لا يَسْتَحيِي مِنَ الحَق ، لا تأتوا النِّساَء في أَدبارهِنَّ)).
قال الربيع: فقيل للشافعي : فما تقول ؟ فقال : عمي ثقة ، وعبد الله بن علي ثقة ، وقد أثنى على الأنصاري خيراً ، يعني عمرو بن الجلاح ، وخزيمة ممن لا يشك في ثقته ، فلست أرخص فيه ، بل انهي عنه.
قلت : ومن هاهنا نشأ الغلط على من نقل عنه الإباحة من السلف والأئمة ، فإنهم أباحوا أن يكون الدُّبر طريقاً إلى الوطء في الفرج ، فيطأ من الدبر لا في الدبر ، فاشتبه على السامع ((من)) بـ ((في)) ولم يظن بينهما فرقاً ، فهذا الذي أباحه السلف والأئمة ، فغلط عليهم الغالط أقبح الغلط وأفحشه.


وقد قال تعالى: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ الله} [البقرة: 222] قال مجاهد : سألتُ ابن عَبَّاس عن قوله تعالى : {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ الله} [البقرة: 222] ، فقال : تأتيها من حيث أمرت أن تعتزلها يعني في الحيض . وقال علي بن أبي طلحة عنه يقول : في الفرج ، ولا تعدُه إلى غيره .
وقد دلت الآية على تحريم الوطء في دُبرها من وجهين : أحدهما : أنه أباح إتيانها في الحرث ، وهو موضع الولد لا في الحُشّ الذي هو موضع الأذى ، وموضع الحرث هو المراد من قوله : {مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ الله} [البقرة: 222] الآية قال : {فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] وإتيانُها في قبلها مِن دبرها مستفادٌ من الآية أيضا ، لأنه قال : أنى شئتم ، أي : من أين شئتم من أمام أو من خلف . قال ابن عباس : فأتوا حرثكم ، يعني : الفرج .
وإذا كان الله حرَّم الوطءَ في الفرج لأجل الأذى العارض ، فما الظنُّ بالحشِّ الذي هو محل الأذى اللازم مع زيادة المفسدة بالتعرض لانقطاع النسل والذريعة القريبة جداً من أدبار النساء إلى أدبار الصبيان.
وأيضاً : فللمرأة حق على الزوج في الوطء ، ووطؤها في دُبرها يفوِّتُ حقها ، ولا يقضي وطَرَها ، ولا يُحَصِّل مقصودها.
وأيضاً : فإن الدبر لم يتهيأ لهذا العمل ، ولم يخلق له ، وإنما الذي هيئ له الفرج ، فالعادلون عنه إلى الدُّبُر خارجون عن حكمة الله وشرعه جميعاً .
وأيضاً : فإن ذلك مضر بالرجل ، ولهذا ينهي عنه عقلاءُ الأطباء منِ الفلاسفة وغيرهم ، لأن للفرج خاصية في اجتذاب الماء المحتقن وراحة الرجل منه والوطءُ فى الدُّبُر لا يعين على اجتذاب جميع الماء ، ولا يخرج كلَّ المحتقن لمخالفته للأمر الطبيعى .
وأيضاً : يضر من وجه آخَر ، وهو إحواجُه إلى حركات متعبةٍ جداً لمخالفته للطبيعة .
وأيضاً : فإنه محل القذر والنَّجْوِ ، فيستقبلُه الرَّجل بوجهه ، ويُلابسه .
وأيضاً : فإنه يضرُّ بالمرأة جداً ، لأنه واردٌ غريب بعيدٌ عن الطباع ، مُنافر لها غايةَ المنافرة .
وأيضاً : فإنه يُحِدثُ الهمَّ والغم ، والنفرةَ عن الفاعل والمفعول .
وأيضاً : فإنه يُسَوِّدُ الوجه ، ويُظلم الصدر ، ويَطمِسُ نور القلب ، ويكسو الوجه وحشةً تصير عليه كالسِّيماء يعرِفُها مَن له أدنى فراسة .
وأيضاً : فإنه يُوجب النُّفرة والتباغض الشديد ، والتقاطع بين الفاعل والمفعول ، ولا بُدَّ .
وأيضاً : فإنه يُفسد حال الفاعل والمفعول فساداً لا يكادُ يُرجَى بعده صلاح ، إلا أن يشاءَ الله بالتوبة النصوح .
وأيضاً : فإنه يُذهبُ بالمحاسن منهما ، ويكسوهما ضِدَّها . كما يُذهب بالمَوَدَّة بينهما ، ويُبدلهما بها تباغضاً وتلاعُناً .
وأيضاً : فإنه من أكبر أسباب زوال النِعَم ، وحُلول النِقَم ، فإنه يوجب اللَّعنةَ والمقتَ من الله ، وإعراضه عن فاعله ، وعدم نظره إليه ، فأىُّ خير يرجوه بعد هذا ، وأىُّ شر يأمنُه ، وكيف حياة عبد قد حلَّتْ عليه لعنة الله ومقته ، وأعرض عنه بوجهه ، ولم ينظر إليه .
وأيضاً : فإنه يُذهب بالحياءِ جملةً ، والحياءُ هو حياة القلوب ، فإذا فقدها القلبُ ، استحسَن القبيح ، واستقبحَ الحسن ، وحينئذٍ فقد استَحكَم فسادُه .
وأيضاً : فإنهُ يُحيل الطباعَ عما رَكَّبَها الله ، ويُخرج الإنسانَ عن طبعه إلى طبع لم يُركِّب الله عليه شيئاً من الحيوان ، بل هو طبع منكوس ، وإذا نُكِسَ الطبعُ انتكس القلب ، والعمل ، والهدى ، فيستطيبُ حينئذٍ الخبيثَ من الأعمال والهيئات ، ويفسد حاله وعملُه وكلامه بغير اختياره .
وأيضاً : فإنه يُورِث مِنَ الوقاحة والجُرأة ما لا يُورثه سواه .
وأيضاً : فإنه يُورث مِنَ المهانة والسِّفال والحقَارة ما لا يورثه غيره .
وأيضاً : فإنه يكسو العبدَ مِن حُلَّة المقت والبغضاء ، وازدراءِ الناس له ، واحتقارِهم إيَّاه ، واستصغارِهم له ما هو مشاهَدٌ بالحسِّ ، فصلاة الله وسلامه على مَن سعادةُ الدنيا والآخرة فى هَدْيِه واتباعِ ما جاء به ، وهلاكُ الدنيا والآخرة فى مخالفة هَدْيِه وما جاء به .


فصل
والجِماع الضار : نوعان ؛ ضارٌ شرعاً ، وضارٌ طبعاً .
فالضار شرعاً : المحرَّم ، وهو مراتبُ بعضُها أشدُّ من بعض . والتحريمُ العارض منه أخفُّ من اللازم ، كتحريم الإحرام ، والصيام ، والاعتكاف ، وتحريم المُظاهِرِ منها قبل التكفير ، وتحريمِ وطء الحائض ... ونحو ذلك ، ولهذا لا حدَّ فى هذا الجِمَاع .
وأما اللازمُ : فنوعان ؛ نوعٌ لا سبيل إلى حِلَّه ألبتة ، كذواتِ المَحارم ، فهذا من أضر الجِمَاع ، وهو يُوجب القتل حداً عند طائفة من العلماء ، كأحمد ابن حنبلٍ رحمه الله وغيرِه ، وفيه حديث مرفوع ثابت .
والثانى : ما يمكن أن يكون حلالاً ، كالأجنبية ، فإن كانت ذاتَ زوج ، ففى وطئها حَقَّان : حقٌّ للهِ ، وحقٌّ للزوج . فإن كانت مُكرَهة ، ففيه ثلاثةُ حقوق ، وإن كان لها أهل وأقاربُ يلحقهم العارُ بذلك صار فيه أربعةُ حقوق ، فإن كانت ذات مَحْرَم منه ، صار فيه خمسةُ حقوق . فمَضَرَّةُ هذا النوع بحسب درجاته فى التحريم .
وأما الضار طبعاً ، فنوعان أيضاً : نوعٌ ضار بكيفيته كما تقدَّم ، ونوعٌ ضار بكميته كالإكثار منه ، فإنه يُسقط القُوَّة ، ويُضر بالعصب ، ويُحدث الرِّعشةَ ، والفالج ، والتشنج ، ويُضعف البصر وسائرَ القُوَى ، ويُطفئُ الحرارةَ الغريزية ، ويُوسع المجارىَ ، ويجعلها مستعدة للفضلات المؤذية .
وأنفعُ أوقاته ، ما كان بعد انهضام الغذاء فى المَعِدَة وفى زمانٍ معتدلٍ لا على جوع ، فإنه يُضعف الحار الغريزى ، ولا على شبع ، فإنه يُوجب أمراضاً شديدةً ، ولا على تعب ، ولا إثْرَ حمَّام ، ولا استفراغٍ ، ولا انفعالٍ نفسانى كالغمِّ والهمِّ والحزنِ وشدةِ الفرح .
وأجودُ أوقاته بعد هَزِيع من الليل إذا صادف انهضامَ الطعام ، ثم يغتسل أو يتوضأ ، وينامُ عليه ، وينامُ عقبه ، فَتَراجَعُ إليه قواه ، وليحذرِ الحركة والرياضة عقبه ، فإنها مضرة جداً .


فصل
فى هَدْيه صلى الله عليه وسلم فى عِلاج العشق
هذا مرضٌ من أمراض القلب ، مخالفٌ لسائر الأمراض فى ذاته وأسبابه وعِلاجه ، وإذا تمكَّنَ واستحكم ، عزَّ على الأطباء دواؤه ، وأعيا العليلَ داؤُه ، وإنَّما حكاه اللهُ سبحانه فى كتابه عن طائفتين من الناس : من النِّسَاء ، وعشاقِ الصبيان المُرْدان ، فحكاه عن امرأة العزيز فى شأن يوسفَ ، وحكاه عن قوم لوط ، فقال تعالى إخباراً عنهم لـمَّا جاءت الملائكةُ لوطاً : {وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ * قَالَ إنَّ هَؤُلآءِ ضيفىَ فَلاَ تَفْضَحُونِ * وَاتَّقُواْ اللهَ وَلاَ تُخْزُونِ * قَالُواْ أَوَ لَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ *قَالَ هَؤُلآءِ بَنَاتِى إن كُنْتُمْ فَاعِلِينَ * لَعَمْرُكَ إنَّهُمْ لَفِى سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ}[الحجر : 68-73] .
وأمَّا ما زعمه بعضُ مَن لم يقدرسولَ الله صلى الله عليه وسلم حقَّ قدره أنه ابتُلِىَ به فى شأن زينب بنت جَحْش ، وأنه رآها فقال : ((سُبحانَ مُقَلِّبِ القُلُوبِ)) . وأخذتْ بقلبه ، وجعل يقول لزيد بن حارثةَ : ((أمْسِكْها)) حتى أنزل الله عليه : {وَإذْ تَقُولُ لِلَّذِى أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِى فِى نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ}[الأحزاب : 37] ، فظنَّ هذا الزاعمُ أنَّ ذلك فى شأن العشق ، وصنَّف بعضهم كتاباً فى العشق ، وذكر فيه عشق الأنبياء ، وذكر هذه الواقعة ، وهذا من جهلِ هذا القائل بالقرآن وبالرُّسُل ، وتحمِيلهِ كلامَ الله ما لا يحتمِلُه ، ونسبتِه رسولَ الله صلى الله عليه وسلم إلى ما برَّأَه الله منه ، فإنَّ زينبَ بنت جحش كانت تحتَ زيدِ بن حارثةَ ، وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قد تبنَّاه ، وكان يُدعى ((زيد بن محمد)) ، وكانت زينبُ فيها شَممٌ وترفُّع عليه ، فشاور رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فى طلاقها ، فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : ((أَمْسِكْ عليكَ زوجَكَ واتَّقِ الله)) ، وأخفى فى نفسه أن يتزوَّجَها إن طلَّقها زيد ، وكان يخشى من قالةِ الناس أنه تزوَّج امرأة ابنه ، لأن زيداً كان يُدعى ابنَه ، فهذا هو الذى أخفاه فى نفسه ، وهذه هى الخشية من الناس التى وقعت له ، ولهذا ذكر سبحانه هذه الآية يُعَدِّدُ فيها نعمه عليه لا يُعاتبه فيها ، وأعلمه أنه لا ينبغى له أن يخشى الناسَ فيما أحلَّ الله له ، وأنَّ اللهَ أحق أن يخشاه ، فلا يتحرَّج ما أحَلَّه له لأجل قول الناس ، ثم أخبره أنه سبحانه زوَّجه إيَّاها بعد قضاء زيدٌ وطرَه منها لتقتدىَ أُمَّتُه به فى ذلك ، ويتزوج الرجل بامرأةِ ابنه من التبنِّى ، لا امرأةِ ابنه لِصُلبه ، ولهذا قال فى آية التحريم : {وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ}[النساء :23] ، وقال فى هذه السورة : {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ}[الأحزاب : 40] ، وقال فى أولها : {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ، ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ} [الأحزاب : 4] ، فتأمَّلْ هذا الذبَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودَفْع طعنِ الطاعنين عنه ، وبالله التوفيق .
نعم .. كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ نساءه ، وكان أحبَّهن إليه عائشةُ رضى الله عنها ، ولم تكن تبلُغُ محبتُه لها ولا لأحد سِوَى ربه نهايةَ الحب ، بل صح أنه قال : ((لو كنتُ مُتَّخِذاً من أهل الأرض خليلاً لاتَّخَذْتُ أبا بكرٍ خليلاً)) ، وفى لفظ : ((وإنَّ صَاحِبَكُم خَلِيلُ الرَّحْمَن)) .


فصل
وعشقُ الصُّوَر إنما تُبتلى به القلوبُ الفارغة مِن محبة الله تعالى ، المُعْرِضةُ عنه ، المتعوِّضةُ بغيره عنه ، فإذا امتلأَ القلبُ من محبة الله والشوق إلى لقائه ، دفَع ذلك عنه مرضَ عشق الصور ، ولهذا قال تعالى فى حقِّ يوسف : {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ، إنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}[يوسف : 24] ، فدلَّ على أن الإخلاص سببٌ لدفع العشق وما يترتَّبُ عليه من السوء والفحشاء التى هى ثمرتُه ونتيجتُه ، فصرفُ المسبب صرفٌ لسببه ، ولهذا قال بعضُ السَّلَف : العشقُ حركة قلب فارغ ، يعنى فارغاً مما سوى معشوقه . قال تعالى : {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً}[القصص : 11]، إن كَادَتْ لَتُبْدِى بِهِ أى : فارغاً من كل شىء إلا من موسى لفرطِ محبتها له ، وتعلُّقِ قلبها به
والعشق مُرَكَّب من أمرين : استحسانٍ للمعشوق ، وطمع فى الوصول إليه ، فمتى انتفى أحدهُما انتفى العشقُ ، وقد أعيتْ عِلَّةُ العشق على كثير من العقلاء ، وتكلم فيها بعضهم بكلام يُرغَب عن ذكره إلى الصواب .
فنقول : قد استقرت حكمة الله عَزَّ وجَلَّ فى خلقه وأمره على وقوع التناسب والتآلف بين الأشباه ، وانجذابِ الشىء إلى مُوافقه ومجانسه بالطبعِ ، وهُروبه من مخالفه ، ونُفرته عنه بالطبع ، فسِرُّ التمازج والاتصال فى العالم العُلوى والسُّفلى ، إنما هو التناسبُ والتشاكلُ ، والتوافقُ ، وسِرُّ التباين والانفصال ، إنما هو بعدم التشاكل والتناسب ، وعلى ذلك قام الخلق والأمر ، فالمِثْلُ إلى مثلِه مائلٌ ، وإليه صائرٌ ، والضِّدُّ عن ضده هارب ، وعنه نافرٌ ، وقد قال تعالى : {هُوَ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إلَيْهَا} [الأعراف : 189]، فجعل سُبحانه عِلَّةَ سكون الرَّجل إلى امرأته كونَها مِن جنسه وجوهره ، فعِلَّةُ السكون المذكور وهو الحب كونُها منه ، فدل على أن العِلَّة ليست بحُسن الصورة ، ولا الموافقة فى القصد والإرادة ، ولا فى الخلق والهُدَى ، وإن كانت هذه أيضاً من أسباب السكون والمحبة .
وقد ثبت فى ((الصحيح)) عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((الأرْواحُ جُنُودٌ مُجَنَّدةٌ ، فما تَعارَفَ منها ائْتلَف ، وما تَناكَرَ منها اخْتَلَفَ)) . وفى ((مسند الإمام أحمد)) وغيره فى سبب هذا الحديث : أنَّ امرأة بمكةَ كانت تُضِحكُ الناسَ ، فجاءت إلى المدينة ، فنزلتْ على امرأة تُضِحكُ الناسَ ، فقال النبىُّ صلى الله عليه وسلم : ((الأرواحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ)) ... الحديثَ .
وقد استقرتْ شريعتُه سُبحانه أنَّ حُكم الشىء حُكْمُ مثله ، فلا تُفَرِّقُ شريعته بين متماثلين أبداً ، ولا تجمعُ بين مضادَّين ، ومَن ظنَّ خِلاف ذلك ، فإمَّا لِقلَّة علمه بالشريعة ، وإما لِتقصيره فى معرفة التماثُل والاختلاف ، وإمَّا لنسبته إلى شريعته ما لم يُنزلْ به سلطاناً ، بل يكونُ من آراء الرجال ، فبحكمتِه وعدلِه ظهر خَلقُه وشرعُه ، وبالعدل والميزان قام الخلقُ والشرع ، وهو التسويةُ بين المتمائلَيْن ، والتفريق بين المختلفَيْن .
وهذا كما أنه ثابت فى الدنيا ، فهو كذلك يومَ القيامة . قال تعالى : {احْشُرُواْ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ *مِن دُونِ اللهِ فَاهْدُوهُمْ إلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ }[الصافات : 22].
قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه وبعدَه الإمامُ أحمد رحمه الله : أزواجهم أشباهُهم ونُظراؤهم .
وقال تعالى : {وَإذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ}[التكوير : 7] أى : قُرِن كلُّ صاحب عملٍ بشكله ونظيره ، فقُرِن بين المتحابِّين فى الله فى الجَنَّة ، وقُرِن بين المتحابِّين فى طاعة الشيطان فى الجحيم ، فالمرءُ مع مَن أَحَبَّ شاء أو أبَى ، وفى ((مستدرك الحاكم)) وغيره عن النبى صلى الله عليه وسلم : ((لا يُحِبُّ المَرءُ قَوْماً إلاَّ حُشِرَ مَعَهُم)) .
والمحبة أنواع متعددة ؛ فأفضلها وأجلُّها : المحبةُ فى الله ولله ؛ وهى تستلزِمُ محبةَ ما أحبَّ اللهُ ، وتستلزِمُ محبةَ الله ورسوله .
ومنها : محبة الاتفاق فى طريقةٍ ، أو دين ، أو مذهب ، أو نِحْلة ، أو قرابة ، أو صناعة ، أو مرادٍ ما .
ومنها : محبةٌ لنَيْل غرض من المحبوب ، إمَّا مِن جاهه أو من ماله أو مِن تعليمه وإرشاده ، أو قضاء وطر منه ، وهذه هى المحبة العَرَضية التى تزول بزوال مُوجِبها ، فإنَّ مَن وَدَّك لأمر ، ولَّى عنك عند انقضائه .
وأمَّا محبةُ المشاكلة والمناسبة التى بين المحب والمحبوب ، فمحبةٌ لازمة لا تزولُ إلا لعارض يُزيلها ، ومحبةُ العشق مِن هذا النوع ، فإنها استحسانٌ روحانى ، وامتزاج نفسانى ، ولا يَعرِض فى شىء من أنواع المحبةِ من الوَسْواس والنُّحول ، وشَغْلِ البال ، والتلفِ ما يعرضُ مِن العشق .
فإن قيل : فإذا كان سببُ العشق ما ذكرتم من الاتصال والتناسب الروحانى ، فما بالُه لا يكون دائماً مِنَ الطرَفين ، بل تجدُه كثيراً من طرف العاشق وحده ، فلو كان سببُه الاتصالَ النفسى والامتزاجَ الروحانى ، لكانت المحبةُ مشتركة بينهما .
فالجواب : أنَّ السبب قد يتخلَّفُ عنه مسبِّبه لفوات شرط ، أو لوجود مانع ، وتخلُّف المحبة من الجانب الآخر لا بد أن يكون لأحد ثلاثة أسباب :
الأول : عِلَّةٌ فى المحبة ، وأنها محبة عَرَضية لا ذاتية ، ولا يجب الاشتراكُ فى المحبة العَرَضية ، بل قد يلزمها نُفرةٌ من المحبوب .
الثانى : مانعٌ يقوم بالمحِب يمنع محبة محبوبه له ، إما فى خُلُقه ، أو خَلْقِهِ أو هَدْيه أو فعله ، أو هيئته أو غير ذلك .
الثالث: مانعٌ يقوم بالمحبوب يمنعُ مشاركته للمحبِ فى محبته ، ولولا ذلك المانعُ ، لقام به من المحبة لمحبه مثلَ ما قام بالآخر ، فإذا انتفتْ هذه الموانعُ ، وكانت المحبة ذاتيةً ، فلا يكون قَطُّ إلا من الجانبين ، ولولا مانعُ الكِبْر والحسد ، والرياسة والمعاداة فى الكفار ، لكانت الرُّسُلُ أحبَّ إليهم من أنفسهم وأهليهم وأموالهم ، ولما زال هذا المانعُ من قلوب أتباعهم ، كانت محبتُهم لهم فوقَ محبة الأنفس والأهل والمال .


فصل
والمقصود : أنَّ العشق لما كان مرضاً مِن الأمراض ، كان قابلاً للعلاج ، وله أنواع مِن العِلاج ، فإن كان مما للعاشق سبيلٌ إلى وصل محبوبه شرعاً وقدْراً ، فهو علاجه ، كما ثبت فى
((الصحيحين)) من حديث ابن مسعود رضى الله عنه ، قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : ((يا معشر الشَّبَاب ؛ مَن استطاع منكم الباءةَ فلْيتزوَّج ، ومَن لم يستطِعْ فعليه بالصَّوْم ، فإنَّه له وِجَاءٌ)) . فدَل المحبَّ على علاجين : أصلىٍّ ، وبدلىٍّ . وأمره بالأصلى ، وهو العلاج الذى وُضع لهذا الداء ، فلا ينبغى العدولُ عنه إلى غيره ما وَجد إليه سبيلاً .
وروى ابن ماجه فى ((سننه)) عن ابن عباس رضى الله عنهما ، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((لَمْ نَرَ للمُتحابَّيْنِ مِثْلَ النِّكاح)) . وهذا هو المعنى الذى أشار إليه سبحانه عقيب إحلال النساء حرائرِهن وإمائهن عند الحاجة بقوله : {يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ ، وَخُلِقَ الإنْسَانُ ضَعِيفاً}[النساء : 28] فذكرُ تخفيفِه فى هذا الموضع ، وإخبارُه عن ضعف الإنسان يدل على ضعفه عن احتمال هذه الشهوة ، وأنه سبحانه خفَّف عنه أمرها بما أباحه له من أطايب النساء مَثْنى وثُلاثَ ورُباعَ ، وأباح له ما شاء مما ملكتْ يمينُه ، ثم أباح له أن يتزوَّج بالإماء إن احتاج إلى ذلك علاجاً لهذه الشهوة ، وتخفيفاً عن هذا الخُلق الضعيف ، ورحمةً به .


فصل
وإن كان لا سبيلَ للعاشق إلى وِصال معشوقه قدْراً أو شرعاً ، أو هو ممتنع عليهِ من الجهتين ، وهو الداء العُضال ، فمِن علاجه ، إشعارُ نفسه اليأسَ منه ، فإنَّ النفسَ متى يئستْ من الشىء ، استراحت منه ، ولم تلتفت إليه ، فإن لم يَزلْ مرضُ العشق مع اليأس ، فقد انحرف الطبعُ انحرافاً شديداً ، فينتقل إلى عِلاج آخرَ ، وهو علاجُ عقله بأن يعلم بأنَّ تعلُّق القلب بما لا مطمع فى حصوله نوعٌ من الجنون ، وصاحبه بمنزلة مَن يعشق الشمس ، وروحُه متعلقة بالصعود إليها والدَّوَرانِ معها فى فلكها ، وهذا معدودٌ عند جميع العقلاء فى زُمرة المجانين .
وإن كان الوِصال متعذراً شرعاً لا قدراً ، فعِلاجُه بأن يُنزله منزلة المتعذر قدراً ، إذ ما لم يأذن فيه الله ، فعِلاجُ العبد ونجاتُه موقوف على اجتنابه ، فليُشعرْ نفسَه أنه معدوم ممتنع لا سبيلَ له إليه ، وأنه بمنزلة سائر المحالات ، فإن لم تُجبْه النَّفْسُ الأمَّارة ، فليتركْه لأحد أمرين : إما خشية ، وإما فواتِ محبوب هو أحبُّ إليه ، وأنفع له ، وخير له منه ، وأدْوَمُ لَذَّةً وسروراً ، فإن العاقل متى وازَنَ بين نَيْل محبوب سريع الزوال بفوات محبوب أعظمَ منه ، وأدومَ ، وأنفعَ ، وألذَّ أو بالعكس ، ظهر له التفاوتُ ، فلا تبعْ لَذَّة الأبد التى لا خطرَ لها بلذَّة ساعة تنقلبُ آلاماً ، وحقيقتُها أنها أحلامُ نائم ، أو خيالٌ لا ثبات له ، فتذهبُ اللَّذة ، وتبقى التبعةُ ، وتزولَ الشهوة ، وتبقَى الشِّقوة .
الثانى : حصولُ مكروه أشقَّ عليه مِن فوات هذا المحبوب ، بل يجتمع له الأمران ، أعنى : فوات ما هُو أحبُّ إليه من هذا المحبوب ، وحصولُ ما هو أكرهُ إليه من فوات هذا المحبوب ، فإذا تيقَّن أنَّ فى إعطاء النفسِ حظَّها من هذا المحبوب هذين الأمرين ، هان عليه تركُه ، ورأى أنَّ صبره على فوته أسهلُ من صبره عليهما بكثير ، فعقلُه ودينه ، ومروءته وإنسانيته ، تأمُره باحتمال الضرر اليسير الذى ينقلِبُ سريعاً لذَّةً وسروراً وفرحاً لدفع هذين الضررين العظيمين . وجَهلُه وهواه ، وظلمه وطيشه ، وخفته يأمره بإيثار هذا المحبوب العاجل بما فيه جالباً عليه ما جلب ، والمعصومُ مَن عصمه الله .
فإن لم تقبل نفسُه هذا الدواء ، ولم تُطاوعه لهذه المعالجة ، فلينظر ما تجلبُ عليه هذه الشهوةُ مِن مفاسد عاجِلته ، وما تمنعه مِن مصالحها ، فإنها أجلبُ شىء لمفاسد الدنيا ، وأعظمُ شىء تعطيلاً لمصالحها ، فإنها تحول بين العبد وبين رُشده الذى هو مِلاكُ أمره ، وقِوامُ مصالحه .


فإن لم تقبل نفسُه هذا الدواء ، فليتذكر قبائحَ المحبوب ، وما يدعوه إلى النُّفرة عنه ، فإنه إن طلبها وتأملها ، وجدها أضعافَ محاسنه التى تدعو إلى حبه ، وليسأل جيرانَه عما خفى عليه منها ، فإنَّ المحاسن كما هى داعيةُ الحبِّ والإرادة ، فالمساوئ داعيةُ البغضِ والنُّفرة ، فليوازن بين الداعيَيْن ، وليُحبَّ أسبَقهما وأقرَبَهما منه باباً ، ولا يكن ممن غَرَّه لونُ جمال على جسم أبرصَ مجذوم وليُجاوِزْ بصره حُسنَ الصورة إلى قبح الفعل ، ولْيَعبُرْ مِن حُسن المنظر والجسم إلى قبح المخبر والقلب .
فإن عجزت عنه هذه الأدوية كلها لم يبق له إلا صِدقُ اللجأ إلى مَن يُجيب المضطَر إذا دعاه ، وليطرح نفسه بين يديه على بابه ، مستغيثاً به ، متضرعاً ، متذللاً ، مستكيناً ، فمتى وُفِّقَ لذلك ، فقد قرع باب التوفيق ، فليَعِفَّ وليكتُم ، ولا يُشَبِّبْ بذكر المحبوب ، ولا يفضحْه بين الناس ويُعرِّضه للأذى ، فإنه يكون ظالماً متعدياً .
ولا يغترَّ بالحديث الموضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى رواه سُويد بن سعيد ، عن علىّ بن مُسْهرٍ ، عن أبى يحيى القَتَّات ، عن مجاهد ، عن ابن عباس رضى الله عنهما ، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم ، ورواه عن أبى مسهر أيضاً ، عن هشام بن عروةَ ، عن أبيه ، عن عائشة ، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم ، ورواه الزُّبَيْر بن بَكَّار ، عن عبد الملك ابن عبد العزيز بن الماجِشُون ، عن عبد العزيز بن أبى حازم ، عن ابن أبى نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس رضى الله عنهما ، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((مَنْ عَشِقَ ، فعَفَّ ، فماتَ فهو شهيدٌ)) وفى رواية : ((مَنْ عَشِقَ وكتم وعفَّ وصبرَ ، غفر اللهُ لَهُ ، وأدخَلَهُ الجنَّة)) .
فإنَّ هذا الحديثَ لا يصِحُّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يجوز أن يكونَ من كلامه ، فإنَّ الشهادة درجةٌ عالية عند الله ، مقرونةٌ بدرجة الصِّدِّيقية ، ولها أعمال وأحوال ، هى شرط فى حُصُولها ، وهى نوعان : عامةٌ وخاصةٌ .
فالخاصة : الشهادةُ فى سبيل الله .
والعامةُ خمسٌ مذكورة فى ((الصحيح)) ليس العشقُ واحداً منها . وكيف يكون العشقُ الذى هو شِرْكٌ فى المحبة ، وفراغُ القلب عن الله ، وتمليكُ القلب والروح ، والحب لغيره تُنال به درجةُ الشهادة ، هذا من المحال ، فإنَّ إفساد عشق الصور للقلب فوقَ كل إفساد ، بل هو خمرُ الروح الذى يُسكرها ، ويصدُّها عن ذكر الله وحبِّه ، والتلذذِ بمناجاته ، والأنسِ به ، ويُوجب عبودية القلب لغيره ، فإنَّ قلبَ العاشق مُتَعبِّدٌ لمعشوقه ، بل العشقُ لُبُّ العبودية ، فإنها كمال الذل ، والحب والخضوع والتعظيم ، فكيف يكون تعبُّد القلب لغير الله مما تُنال به درجةُ أفاضل الموحِّدين وساداتهم ، وخواص الأولياء ، فلو كان إسنادُ هذا الحديث كالشمسِ ، كان غلطاً ووهماً ، ولا يُحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لفظُ العشق فى حديث صحيح ألبتة .
ثم إنَّ العشق منه حلالٌ ، ومنه حرامٌ ، فكيف يُظَن بالنبىِّ صلى الله عليه وسلم أنه يحكم على كُلِّ عاشقٍ يكتُم ويَعِفُّ بأنه شهيد ، فترَى مَن يعشق امرأةَ غيره ، أو يعشق المُرْدانَ والبغَايا ، يَنال بعشقه درجةَ الشهداء ، وهل هذا إلا خلافُ المعلوم من دينه صلى الله عليه وسلم بالضرورة ؟ كيف والعشقُ مرض من الأمراض التى جعل اللهُ سبحانه لها الأدويةَ شرعاً وقدراً ، والتداوى منه إما واجب إن كان عشقاً حراماً ، وإما مُسْتَحَب
وأنت إذا تأملت الأمراضَ والآفاتِ التى حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابها بالشهادة ، وجدتها من الأمراض التى لا علاج لها ، كالمطعون ، والمَبْطُون ، والمجنون ، والحريقِ ، والغرِيقِ ، وموتِ المرأة يقتُلها ولدُها فى بطنها ، فإنَّ هذه بلايَا من الله لا صُنع للعبد فيها ، ولا عِلاجَ لها ، وليست أسبابُها محرَّمة ، ولا يترتب عليها مِن فساد القلب وتعبُّده لغير الله ما يترتب على العشق ، فإن لم يكفِ هذا فى إبطال نسبة هذا الحديثِ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلِّدْ أئمةَ الحديث العالمين به وبعلله ، فإنه لا يُحفظ عن إمام واحد منهم قَطُّ أنه شهد له بصحة ، بل ولا بحُسن ، كيف وقد أنكروا على سُويدٍ هذا الحديث ، ورموه لأجله بالعظائم ، واستحلَّ بعضُهم غزوَه لأجله . قال أبو أحمد بن عَدِىٍّ فى ((كامله)): هذا الحديث أحدُ ما أُنكر على سُويد ، وكذلك قال البَيْهقى : إنه مما أُنكر عليه ، وكذلك قال ابن طاهر فى ((الذخيرة)) وذكره الحاكم فى ((تاريخ نيسابور)) ، وقال : أنا أتعجب من هذا الحديث ، فإنه لم يحدَّث به عن غير سُويد ، وهو ثقة ، وذكره أبو الفرج بن الجوزى فى كتاب ((الموضوعات)) ، وكان أبو بكر الأزرقُ يرفعه أوَّلاً عن سُويد ، فعُوتب فيه ، فأسقط النبىَّ صلى الله عليه وسلم وكان لا يُجاوِزُ به ابنَ عباس رضى الله عنهما .
ومن المصائب التى لا تُحتمل جعلُ هذا الحديث من حديث هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضى الله عنها ، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم . ومَن له أدنى إلمام بالحديث وعلله ، لا يحتمِلُ هذا البتة ، ولا يحتمِلُ أن يكونَ من حديث الماجشون ، عن ابن أبى حازم ، عن ابن أبى نَجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس رضى الله عنهما مرفوعاً ، وفى صحته موقوفاً على ابن عباس نظرٌ ، وقد رمى الناسُ سويدَ بن سعيد راوىَ هذا الحديث بالعظائم ، وأنكره عليه يحيى بن مَعِين وقال : هو ساقط كذَّاب ، لو كان لى فرس ورمح كنت أغزوه ، وقال الإمام أحمد : متروك الحديث. وقال النسائى: ليس بثقة، وقال البخارى: كان قد عمىَ فيلقن ما ليس من حديثه، وقال ابن حِبَّان: يأتى بالمعضلات عن الثقات يجبُ مجانبةُ ما روى .. انتهى .
وأحسنُ ما قيل فيه قولُ أبى حاتم الرازىِّ : إنه صدُوق كثير التَّدْليس ، ثم قولُ الدَّارَقُطنىِّ : هو ثقة غير أنه لما كَبِرَ كان ربما قُرئ عليه حديثٌ فيه بعضُ النكارة ، فيُجيزه .. انتهى .
وعِيبَ على مسلم إخراجُ حديثه، وهذه حالُه، ولكن مسلم روى من حديثه ما تابعه عليه غيرُه، ولم ينفرِدْ به، ولم يكن منكراً ولا شاذاً بخلاف هذا الحديث. 
والله أعلم.


الطب النبوى - ابن قيم الجوزية (13) 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الطب النبوى - ابن قيم الجوزية (13)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الطب النبوى - ابن قيم الجوزية (01)
» الطب النبوى - ابن قيم الجوزية (17)
» الطب النبوى - ابن قيم الجوزية (02)
» الطب النبوى - ابن قيم الجوزية (18)
»  الطب النبوى - ابن قيم الجوزية (03)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الــطـــــــــــــب والأطــبــــــــــــــاء :: الطب النبـوي-
انتقل الى: