توبة فتاة إماراتية
منذ صغري تربيت على مائدة القرآن الكريم في أحد المراكز الخيريّة لتحفيظ القرآن في مدينتي، وكان من توفيق الله لي أن تعلّمت تلاوة القرآن وترتيله وتجويده على يد معلم متفهم لأحكام القرآن، فكان يحدثنا كثيراً عن الدين وعن القضايا المتعلقة بالمرأة إلى أن تحصّلت على شهادة تفوق في تعلم القرآن.
ولكني –عياذاً بالله– كنت بئس حاملٍ للقرآن، فقد كنت –مع إجادتي للقرآن– مغرمة بسماع صوت الشيطان: الغناء، فقد كنت أحببّه حبّاً جمّاً، ولا أطيق الصبر عنه.
وفي المرحلة الثانوية وقعت في بليّة أخرى، فقد أحببت إحدى المعلّمات –وكانت متدينة– لكني عند ما أتذكر طريقة حبّي لها أقول: لقد كان حباً شيطانياً، وإن ما كان يحدث لي عند مرآها مما لا أستطيع وصفه، لأكبر دليل على ذلك.. كانت تدعوني وبعض أخواتي في الله إلى حضور المحاضرات النافعة، وكنت أذهب إليها ليس رغبة في سماع جميل الكلام ومفيده، ولكن لرؤية تلك المعلّمة، فكنت أفعل المستحيل من أجل الذهاب..
وفي مرة من مرات ذهابي إلى إحدى المحاضرات، وكانت في شهر رمضان المبارك تكلّمت المحاضرة عن الحياة البرزخيّة وما بعدها، فجالت خواطر كثيرة في مخيّلتي..
تذكّرت القبر وما فيه من الأحوال والأهوال، وتذكرت البعث والنشور والنفخ في الصور، وما يتبع ذلك من الحساب والعذاب، ومن ذلك اليوم بدأ عقلي يفكر في سلوك طريق الخير والهدى والرشاد، وقد واكب بداية اختبارات نهاية العام، فكنت أبكي لعدم تمكني من الجلوس مع نفسي –ولو قليلاً– لمحاسبتها، وابتداء السير في الطريق، وكنت أدعو الله عز وجل أن يبقيني على قيد الحياة حتى انتهاء الامتحانات لأتفرّغ لنفسي!!
وانتهت الامتحانات، فوجدت في نفسي شغفاً لقراءة الكتب الدينية، وخصوصاً ما يتعلق بالقبر واليوم الآخر، وقلت: عليّ أن أعمل حتى يقيني الله عذابه..
ووقع في يدي كتاب، ولكنه كان أكبر من سني، ولا يلائم من بدأ لتوّه مثلي في اختيار طريق الصلاح!
إلا أني وجدت لذة في قراءته، فترك انطباعاً عكسياً في نفسي، حيث كرهت الجهل الذي أعيش فيه، واعتزلت أهلي ومَن حولي، وانطويت على قراءة الكتب، ومحاسبة النفس بشدة، وأكثرت من العبادات والتسبيح، فلا أخرج من غرفتي إلا لطعام أو حاجة ملحة، كنت حتى في صلاتي أحاسب نفسي على عطسة أو تثاؤب صدر مني فيها، وأذمّها، وأؤنّبها قائلة: ألا تخجلين أن تفعلي هذا وأنت بين يدي الله.
واستمرّ التشدد.. لا خروج، ولا حتى طعام يسند الجسد، بل طعام قليل جداً اعتقاداً مني أن ذلك تطبيقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذ أكلنا لا نشبع)).
حتى أصابني الهزال، واصفر لوني ، ثم جاءت السنة الدراسية الجديدة ، فإزدادت متاعبي وآلامي، إذ كيف لي أن أوفّق بين العبادات –التي كنت أظنّها الصلاة والتسبيح ونحو ذلك فقط- وبين المذاكرة والدراسة!!.
وكان من نتيجة ذلك أن ازدادت ساعات نومي، وفقدت الثقة في نفسي، حتى أثر ذلك في مستواي الدراسي، فقد كنت دائمة التأنيب لنفسي، واتّهامها بالتقصير وعدم الإخلاص..، وصدق المصطفى صلى الله عليه وسلم حين قال: ((.. ولن يشاد الدين أحدٌ إلا غلبه..)).
فأنا ممَّن فعل ذلك حتى سئمت معيشتي الروحانية، وعلمت بأنني على خطأ، وكنت أتساءل: إذاً كيف تطهر النفس؟..
أريد نفساً زكيّة لا تخشى إلا الله، فقد كنت أقول أفظع الكلام عن نفسي أمام رفيقة عمري، فكانت تؤنبني، وتقول لي: لو كنت لا أعرفِك لصدّقت كلامك..
وبتوفيق الله عز وجل، ثم بدعوات والديَّ العزيزين لي بالهداية وأن يبعد عني الشيطان ووساوسه، وبدعوات أخواتي لي، ودعواتي لنفسي أن يُفرج كربي، ويهديني إلى الطريق القويم، أعادني الرحمن إلى رشدي، وعرفت طريق العبادة الحقّة، وأنّ كل ما يفعله المؤمن ممَّا يرضى الله عز وجل هو عبادة، كما قال سبحانه: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)) (الذاريات: 56).
وها أنذا أجد الرحمن في كل يوم يزيدني من جوده الفيّاض، فالحمد له على نعمائه وجوده.. فقد اخترت طريق الحق والصلاح فأعانني وهداني إليه.. والحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات..
أم الفضل.