توبة فتاة من شرك المعاكسات
تقول هذه الفتاة:
أنا فتاة في الخامسة عشرة من عمري، كنت أعيش حياتي بشكل طبيعي، سواء الأسرية أو الاجتماعية أو المدرسيّة، وقد تجاوزت المرحلة الابتدائية –ولله الحمد– بخير وسلام، ولم أتأثّر بشيء كان يحصل آنذاك، وأظنّ أن السبب في ذلك هو صغر سنّي، وعدم فهمي للحياة على حقيقتها، فما بدأت حياة الضلال والتخبط والجهل إلا في المرحلة المتوسطة، كنت أضل يوماً بعد يوم بشكل غير واضح، ودون أن أشعر بذلك، كانت البداية بعض المعاصي الصغيرة التي لا يعاقب عليها الشرع بشدة، إلى أن وقعت في ذنب كبير أحسست بأن نفسي قد احترقت بسببه، وكانت الخطوة الأولى مكالمة هاتفية من مجهول.
كنت في تلك الليلة وحدي في غرفتي أذاكر دروسي، أختي كانت نائمة، وأخي كان في مدينة أخرى، ووالدي غير موجود، أما والدتي فلم يكن همّها إلا حضور المناسبات والحفلات والتجمّعات النسائية، مما شغلها عن أمور بيتها، المهم أنني كنت وحدي أذاكر دروسي في جو من الهدوء والسكينة والطمأنينة، وكنت حقاً أذاكر رغبة في طلب العلم، والله يعلم ما في نفسي..
وفجأة... رنّ جرس الهاتف.. ولم يكن أمامي إلا أن أردّ عليه، فليس في البيت غيري وأختي النائمة، فإذا بصوت ذئب من ذئاب البشر ينبعث من سماعة الهاتف، يخاطبني بأرق عبارة، لم أعتد ذلك قط، لذا شعرت بشيء من الخوف والرهبة تسري في أوصالي، حتى لو كان غرض ذلك المتكلم شريفاً.
قال لي: أهذا بيت فلان؟ قلت: لا.. النمرة خطأ..
وهو يعلم أن النمرة خطأ، حتى صارحني بذلك، ثم طلب مني أن أكلمه..
فقلت له: وماذا تريد؟ قال أريد التعرف عليك!.
في البداية رفضت هذا الأمر بشدة، فأنا لم أعتد هذا النوع من المكالمات، ولم أجرّبها من قبل، مع أن بعض زميلاتي في المدرسة كن قد جرّبنها كثيراً!
حتى إنّي كنت أتحاشى الجلوس معهن، وما كنت أظن أنني في يوم من الأيام سأصبح واحدة منهن..
إحداهن كانت تدرس معي في نفس الفصل..
أخبرتها بالأمر طالبة المشورة –وبئس المستشار– فلم تتردد في تشجيعي في السير في ذلك الطريق بكل عزم وإصرار، لاسيّما وأن هذا الأمر بالنسبة لها شيء هيّن.
أما أنا فهو عندي شيء غريب لا أعرفه، ولم أجرّبه قط في حياتي..
الشيء الغريب الذي أستغربه من نفسي هو: كيف أنّني استمعت إلى نصائحها الشيطانية، مع أني أخاف هذا النوع من المكالمات الهاتفية خوفاً شديداً..
حقاً إنه شيء غريب.. لا أدري أين ذهب عقلي آنذاك..
لقد نسيت مراقبة الله لي، بل لقد نسيت نفسي، حتى غاب عني الشعور بالخوف من الله، وزالت عني الرهبة من تلك المكالمات فأصبحت وكأنها شيء لا حرج فيه، أو كما صورته لي صديقتي أنه مجرد لهو، وتسلية، وتنفيس عن النفس!!
ونسيت المصادر الأساسية الواجب تحكيمها، كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، كل ذلك غاب عني في تلك اللحظات، وبما أنني قد عرفت أن هذا الشيء منتشر بين الشباب والفتيات، قلت في نفسي: ولِمَ لا أجرّب ذلك، فربما أجد فيه السعادة التي أبحث عنها...
وبالفعل.. بدأت علاقتي الهاتفية مع ذلك الشابّ (الذئب)، فكنت في كل صباح أنقل لزميلتي في المدرسة كل ما يجري بيني وبينه من أحاديث وأحداث، فكانت تشجعني، وترشدني إلى بعض الأقوال والتصرفات، وأنا أنقل له على لساني ما كانت تقول لي، حتى إني بعد توبتي وتذكري لتلك الأيام شعرت وكأني كالبلهاء أسمع كلامها، أو كالخاتم في يدها تديره كيف شاءت..
وفي يوم من الأيام، وأثناء ما كنت أحكي لصديقتي ما دار بيني وبين ذلك الشاب من حوار ليلة أمس، سمعتني إحدى صديقاتي الصالحات، فامتعض وجهها، وحاولت نصحي، وإبعادي عن تلك الصديقة، كنت في بعض الأحيان أشعر بشيء يشدني ويدفعني إلى سماع نصائحها وتصديقها، لكن تأثير صديقة السوء كان أقوى، فما كان من تلك الأخت الفاضلة –بعد أن عجزت عن تقويمي– إلا أن أخبرت أختي التي تكبرني في السن، وتفوقني خبرة في الحياة، ومن رحمة الله بي أن أختي هذه كانت من النوع الذي يحافظ على الأسرار ويكتمها، فرأت أن تنصحني قبل أن تخبر أبي وأمي.
فكانت تقص عليّ بعض القصص التي تبين أضرار هذه المكالمات ومخاطرها، إلا أن لم أكن أصدق ذلك، فقد كانت تلك الصديقة (صديقة السوء)) تقف هي والشيطان حاجزاً منيعاً يحول دون وصول صوت أختي إلى أذني أو بالأصح إلى قلبي، إلا أن أختي لم تيأس من صلاحي، فكانت تبذل قصارى جهدها لإنقاذي من الحفرة التي وقعت فيها، والتي حفرها لي شياطين الإنس، والعناد إلى أن جاءت لحظة الهداية، كانت قاسية جداً، بل كانت فاضحة..
ففي يوم من الأيام..
وبينما كنت مشغولة بمكالمة ذلك الشيطان الإنسي إذ بأخي الأكبر الذي عاد من سفره يستمع إلى المكالمة بكل إنصات..
يا للفضيحة.. في تلك اللحظة شعرت بأنني قد انتهيت فعلاً.. ذبت خوفاً وخجلاً..
لا أكون كاذبة إذا قلت إن ذلك الشعور ليس خوفاً من أخي وردة فعله، أو إخباره لأهلي، إنما كان ذلك خوفاً من الله عز وجل وحياءً منه، وندماً على تلك الأيام التي ضيّعتها في غير طاعة الله عز وجل، وشغلتها بالمعاصي والذنوب..
المهمّ أنّني بعد تلك الحادثة عزمت على التوبة النصوح، وترك كل ما يخدش ويجرح إسلامي، وإيماني، والعمل على ما يرضى الله دائماً، والشعور بمراقبته في كل أمر وحين.
وإنّي أعتقد أن من أسباب ضلالي وانحرافي ما يلي:
أولاً: سنّ المراهقة، فلا شك أن هذا السن يساعد على الانحراف، لاسيما في غياب التوجيه السليم، والقدوة الحسنة..
ثانياً: رفقاء السوء، وكما في المثل (الصاحب ساحب)، يسحبك إلى ما هو عليه من خير أو شر، ويجعلك مثله.
ثالثاً: انشغال الأهل عن أولادهم، وإهمال مراقبتهم ومصاحبتهم، وهذا ما حدث لي تماماً، لولا ما حصل من أخي وأختي جزاهما الله خيراً..
وأخيراً فإني أحمد الله عز وجل على هدايته لي بعد الضلال الكبير الذي عشته، وانحرافي عن الصراط المستقيم، ولو أن النهاية كانت قاسية ومؤلمة كما يظهر لبعض الناس، لكنها أفضل من قسوة وعقوبة الآخرة..