توبة فتاة صوفية
الصوفية المعاصرة ليست هي الصوفية القديمة الأولى التي هي بمعنى الزهد في الدنيا والإعراض عنها وعن ملذّاتها، فالتصوف في هذا العصر أصبح قريناً للشرك بالله عز وجل، والتعلق بالقبور والأموات، وتقديس الأشخاص، على حساب حرية العقل والفكر، ومخالفة الكتاب والسنة، وفي هذه القصة أنموذج لجيل الآباء وما يحمله من موروثات خاطئة، وجيل الأبناء وما يحمله من وعي كبير، وفكر مستنير، وإن كان العكس أحياناً قد يحصل، لكن هذا هو الغالب في زمن التخلف.. تقول هذه الفتاة..
هذه فرصة أنتهزها للكتابة إليك.. نعم، هي فرصة عجلى، والقلب ممتلئ بالآهات.. وألفاظ اللسان قصيرة الباع، فما على المريض من حرج.
لكنّي -والحق لا يعرف المداراة– صابرة على بلائي، على الرغم من طول علّتي، وقد دفعني شغفي إلى الإطلاع، وحبّي لمتابعة ما يجوب الأسواق من المؤلفات السلفيّة القيّمة، التي تذبّ عن مذهب أهل الحديث، مع ضعف الحالة الماديّة – كل ذلك دفعني إلى مراسلتكم لاقتناء مجموعة من الكتب العلميّة التراثية التي أنا في أمسّ الحاجة إليها، لا سيّما وأنّ أبى –هداه الله– مرجع من مراجع الصوفية، وله في ميدان التصوّف صولات وجولات، ولديه مكتبة بها كتب كثيرة للشعراني وابن الفارض، وابن عربّي، فضلاً عن كتب أبي حامد الغزالي والقشيريّ والمحاسبيّ وغيرهم من أئمة الصوفية، وكتب أخرى تُرسل إليه بصفة مستمر من بعض المؤسسات الصوفيّة في العالم الإسلامي، منها على سبيل المثال كتاب ((تطهير الفؤاد من دنس الاعتقاد)) للمطيعيّ، و (التوسل بالنبيّ وجهلة الوهابيين) لأبي حامد مرزوق، وغيرها، وكلها كتب، تنضح بالشرك والضلال، ومحاربة العقيدة السلفية النقيّة، والتلبيس على الناس..
وكان أبي يحرص على تعليمنا -أنا وإخوتي وأمي- مبادئ التصوّف، وكنت إلى زمن قريب ممن يحافظون على أوراد الطريقة وأذكارها، وقراءة تلك الكتب الصوفية، وبخاصّة في الإجازة الصيفية، حتى إني كنت مولعة بقراءة كتب الطبقات والمقامات الخاصة بمن يسمونهم الأولياء، وخاصّة الشعراني: الطبقات الكبرى والصغرى!..
وبينما أنا ذات يوم أصلّي بمسجد الكليّة الظهر إذ رأيت مع إحدى زميلاتي كتاباً بعنوان: (هذه الصوفيّة) لفضيلة الشيخ عبد الرحمن الوكيل رحمه الله، فاستعرت منها الكتاب وقرأته وأنا متخفيّة مخافة أن يراني أبي، ثم عرفت من هذه الزميلة أن الدكتور الفلاني هو صاحب هذه النسخة، فذهبت إليه وناقشته بخصوص موضوع التصوّف والكرامات والكشف والإلهام.. وعن الخضر عليه السلام ومواقفه التي كان يحدثنا عنها أبي..
فحرص الدكتور على إعطائي نسخة من كتاب للدكتور جميل غازي رحمه الله، بعنوان: (الصوفيّة، الوجه الآخر)، ثم أعطاني كتاباً آخر للداعية السلفي كما حدثني عنه الدكتور: الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق حفظه الله، فعلمت بعدها بأن الطريق الذي عليه أبي ليس هو طريق أهل السنّة والجماعة، وعزمت على التزوّد بسلاح العلم والمعرفة، والاطلاع حول هذه القضية المهمّة، المتعلّقة بالاعتقاد حتى هداني الله عز وجل إلى الاعتقاد الصحيح، اعتقاد أهل السنة والجماعة وسلف الأمة.
وإني أنصح شباب الأمة بأن يعيدوا النظر فيما ورثوه عن الآباء والأجداد من اعتقادات وتصوّرات، فإن كان موافقاً للكتاب والسنة فالحمد لله، وإلا فليضربوا به عرض الحائط، وليستعينوا في ذلك بالعلماء الربّانيين الصادقين، الذين تحرّروا من ربقة التقليد والتعصب الأعمى، سواء كانوا من الأحياء أو الأموات، والحمد لله أولاً وآخراً..