منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 الباب الثالث: خصائص الإسلام

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الباب الثالث: خصائص الإسلام Empty
مُساهمةموضوع: الباب الثالث: خصائص الإسلام   الباب الثالث: خصائص الإسلام Emptyالأربعاء 20 مايو 2015, 2:32 pm

الباب الثالث: خصائص الإسلام

--------------------------------------

الباب الثالث: خصائص الإسلام Images92

الفهرس

الربانية

الإنسانية

الشمول

الوسطية

الجمع بين الثبات والمرونة

---------------------------------

الربانيـــــــــــــــة:

من ثمرات هذه الربانية في النفس والحياة

عقيدة ربانية:

موضع الرسول في هذا المنهج الإلهي

عبادات ربانية:

ميزة الإسلام بين المناهج القائمة في العالم

أخلاق ربانية:

الإسلام منهج رباني خالص

تشريعات ربانية:

إن الخصيصة الأولى من الخصائص العامة للإسلام هي: الربانية.

والربانية -كما يقول علماء العربية- مصدر صناعي منسوب إلى "الرب"، زيدت فيه الألف والنون، على غير قياس، ومعناه: الانتساب إلى الرب، أي: الله، سبحانه وتعالى، ويطلق على الإنسان أنه "رباني" إذا كان وثيق الصلة بالله، عالماً بدينه وكتابه، معلماً له.



وفي القرآن الكريم:

(ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون).


والمراد من الربانية هنا أمران:

1- ربانية الغاية والوجهة.

 2- ربانية المصدر والمنهج.


1- ربانية الغاية والوجهة:

فأما ربانية الغاية والوجهة، فنعني بها: أن الإسلام يجعل غايته الأخيرة وهدفه البعيد، هو حسن الصلة بالله تبارك وتعالى، والحصول على مرضاته، فهذه هي غاية الإسلام، وبالتالي هي غاية الإنسان، ووجهة الإنسان، ومنتهى أمله، وسعيه، وكدحه في الحياة: (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه)، (وأن إلى ربك المنتهى).

ولا جدال في أن للإسلام غايات وأهدافا أخرى إنسانية واجتماعية، ولكن عند التأمل، نجد هذه الأهداف في الحقيقة خادمة للهدف الأكبر، وهو مرضاة الله تعالى، وحسن مثوبته، فهذا هو هدف الأهداف، أو غاية الغايات.

في الإسلام تشريع ومعاملات، ولكن المقصود منها هو تنظيم حياة الناس حتى يستريحوا، ويبرأوا من الصراع على المتاع الأدنى، ويفرغوا لمعرفة الله تعالى، وعبادته، والسعي في مراضيه.


وفي الإسلام جهاد وقتال للأعداء، ولكن الغاية هي:

(حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله)

وفي الإسلام حث على المشي في مناكب الأرض، والأكل من طيباتها، ولكن الغاية هي القيام بشكر نعمة الله وأداء حقه: (كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور) وكل ما في الإسلام من تشريع وتوجيه وإرشاد، إنما يقصد إلى إعداد الإنسان ليكون عبدا خالصا لله، لا لأحد سواه. ولهذا كان روح الإسلام وجوهره هو التوحيد.


من ثمرات هذه الربانية في النفس والحياة:

ومما لا ريب فيه أن لهذه الربانية ـ ربانية الغاية والوجه ـ فوائد وأثارا جمة في النفس والحياة، يجني الإنسان ثمارها في هذه الدنيا، فضلا عن ثمراتها في الآخرة. وهي ثمار في غاية الأهمية.


أولا- معرفة غاية الوجود الإنساني:

أن يعرف الإنسان لوجوده غاية، ويعرف لمسيرته وجهة. ويعرف لحياته رسالة، وبهذا يحس أن لحياته قيمة ومعنى، ولعيشه طعما ومذاقا، وأنه ليس ذرة تافهة تائهة في الفضاء، ولا مخلوقا سائبا يخبط خبط عشواء في ليلة ظلماء، كالذين جحدوا الله أو شكوا فيه، فلم يعرفوا: لماذا وجدوا؟ ولماذا يعيشون؟ ولماذا يموتون؟كلا، إنه لا يعيش في عماية، ولا يمشي إلى غير غاية، بل يسير على هدى من ربه، وبينة من أمره، واستبانة لمصيره، بعد أن عرف الله وأقر له بالوحدانية.


ثانيا- الاهتداء إلى الفطرة:

ومن ثمرات هذه الربانية وفوائدها، أن يهتدي الإنسان إلى فطرته التي فطره الله عليها، والتي تطلب الإيمان بالله تعالى، ولا يعوضها شيء غيره، يقول تعالى: (فأقم وجهك للدين حنيفا، فطرت الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله).

واهتداء الإنسان إلى فطرته ليس كسبا رخيصا، بل هو كسب كبير، وغنى عظيم، فيه يعيش المرء في سلام ووئام مع نفسه، ومع فطرة الوجود الكبير من حوله، فالكون كله رباني الوجهة، يسبح بحمد الله: (وإن من شيء إلا يسبح بحمده).

والحقيقة أن في فطرة الإنسان فراغا لا يملؤه علم، ولا ثقافة ولا فلسفة، إنما يملؤه الإيمان بالله جل وعلا، وستظل الفطرة الإنسانية تحس بالتوتر، والجوع والظمأ، حتى تجد الله، وتؤمن به، وتتوجه إليه.


ثالثا- سلامة النفس من التمزق والصراع:

ومن ثمرات هذه الربانية ـ ربانية الغاية والوجهة ـ سلامة النفس البشرية من التمزق والصراع الداخلي، والتوزع والانقسام بين مختلف الغايات، وشتى الاتجاهات.

لقد اختصر الإسلام غايات الإنسان في غاية واحدة هي إرضاء الله تعالى، وركز همومه في هم واحد هو العمل على ما يرضيه سبحانه، ولا يريح النفس الإنسانية شيء كما يريحها وحدة غايتها، ووجهتها في الحياة، فتعرف من أين تبدأ، وإلى أين تسير، ومع من تسير.

ولا يشقي الإنسان شيء مثل تناقض غاياته، وتباين اتجاهاته، وتضارب نزعاته، فهو حيناً يُشَرق، وحيناً يُغَرب، وتارة يتجه إلى اليمين، وطوراً يتجه إلى اليسار، ومرة يرضى زيداً فيغضب عمرو، وأخرى يرضي عمراً فيغضب زيدٌ، وهو في كلا الحالين حائر بين رضى هذا وغضب ذاك.


ومَن في الناس يُرضى كل نفس وبين هوى النُّفوس مدى بعيد؟!

إن عقيدة التوحيد قد منحت المسلم يقينا بأن لا رب إلا الله يخاف ويرجى، ولا إله إلا الله، يجتنب سخطه، ويلتمس رضاه. وبهذا أخرج المسلم كل الأرباب الزائفة من حياته، وحطم كل الأصنام المادية والمعنوية من قلبه، ورضي بالله وحده ربا، عليه يتوكل، وإليه ينيب، وفي فضله يطمع، ومن قوته يستمد، وله يتودد، وإليه يحتكم، وبه يعتصم: (ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم).


رابعا- التحرر من العبودية للأنانية والشهوات:

ومن ثمرات هذه الربانية: أنها ـ حين تستقر في أعماق النفس ـ تحرر الإنسان من العبودية لأنانيته، وشهوات نفسه، ولذات حسه، ومن الخضوع والاستسلام لمطالبه المادية، ورغباته الشخصية.

وذلك أن الإنسان "الرباني" يقفه إيمانه بالله وباليوم الآخر موقف الموازنة بين رغبات نفسه، ومتطلبات دينه، بين ما تدفعه إليه شهواته، وما يأمره به ربه، بين ما يمليه عليه الواجب، بين متعة اليوم، وحساب الغد، أو بين لذة عاجلة في دنياه، وحساب عسير ينتظره في أخراه.

وهذه الموازنة والمساءلة جديرة أن تخلع عنه نير العبودية للهوى والشهوات، وأن ترتفع به إلى أفق أعلى من الأنانية والبهيمية، أفق الإنسانية المتحررة التي تتصرف بوعيها وإرادتها، لا بوحي بطنها وفرجها وغريزتها الحيوانية.


2- ربانية المصدر والمنهج:

ذكرنا ما يتعلق بالمعنى الأول للربانية، وهو ربانية الغاية والوجهة، وبقي المعنى الآخر، وهو ربانية المصدر والمنهج. ونعني به أن المنهج الذي رسمه الإسلام للوصول إلى غاياته وأهدافه، منهج رباني خالص، لأن مصدره وحي الله تعالى إلى خاتم رسله محمد صلى الله عليه وسلم.

لم يأت هذا المنهج نتيجة لإرادة فرد، أو إرادة أسرة، أو إرادة طبقة، أو إرادة حزب، أو إرادة شعب، وإنما جاء نتيجة لإرادة الله، الذي أراد به الهدى والنور، والبيان والبشرى، والشفاء والرحمة لعباده. كما قال تعالى يخاطبهم: (يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا)، (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين).


موضع الرسول في هذا المنهج الإلهي:

الله تعالى هو صاحب هذا المنهج، ولهذا يضاف إليه فيقال: منهج الله، أو "صراط الله" على حد تعبير القرآن العزيز، وإضافته إلى الله تعني أن الله ـ جل شأنه ـ هو واضعه ومحدده، كما أنه غايته ومنتهاه.

أما الرسول صلى الله عليه وسلم فهو الداعي إلى هذا المنهج أو هذا الصراط، المبين للناس ما اشتبه عليهم من أمره. يقول تعالى مخاطبا رسوله: (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا، وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم، صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض، ألا إلى الله تصير الأمور).


ميزة الإسلام بين المناهج القائمة في العالم:

إن الإسلام هو المنهج أو المذهب أو النظام الوحيد في العالم، الذي مصدره كلمات الله وحدها، غير محرفة ولا مبدلة و لامخلوطة بأوهام البشر، وأغلاط البشر، وانحرافات البشر.


والمناهج أو الأنظمة التي نراها في العالم إلى اليوم ثلاثة، فيما عدا الإسلام طبعاً:

1.منهج، أو مذهب، أو نظام مدني بشري محض، مصدره التفكير العقلي، أو الفلسفي لبشر فرد، أو مجموعة من الأفراد، كالشيوعية، والرأسمالية والوجودية، وغيرها.

2. منهج أو نظام ديني بشري كذلك، مثل الديانة البوذية القائمة في الصين، واليابان، والهند، والتي لا يُعرف لها أصل إلهي، أو كتاب سماوي، فمصدرها إذن فكر بشري.

3. منهج أو مذهب ديني مُحرَّف، فهو -وإن كان إلهياً في أصله- عملت فيه يد التحريف والتبديل فأدخلت فيه ما ليس منه، وحذفت منه ما هو فيه، واختلط فيه كلام الله بكلام البشر، فلم يبق ثمت ثقة بربانية مصدره، وذلك كاليهودية والنصرانية، بعد ثبوت التحريف في التوراة والإنجيل نفسيهما، فضلا عما أضيف إليهما من شروح وتأويلات ومعلومات بشرية، بدلت المراد من كلام الله.

أما الإسلام فهو المنهج الفذ الذي سلم مصدره من تدخل البشر، وتحريف البشر، ذلك أن الله تعالى تولى حفظ كتابه، ودستوره الأساسي بنفسه، وهو القرآن المجيد، وأعلن ذلك لنبيه ولأمته فقال: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).


الإسلام منهج رباني خالص:

إن الإسلام منهج رباني، مئة في المائة (100%).

عقائده وعباداته، وآدابه وأخلاقه، وشرائعه ونظمه، كلها ربانية إلهية، أعني في أسسها الكلية، ومبادئها العامة، لا في التفريعات والتفصيلات والكيفيات.


عقيدة ربانية:

عقائد الإسلام عقائد ربانية، مستفادة من كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، من القرآن الكريم الذي أرسى دعائمها، ووضح معالمها، ومن صحيح السنة المبينة للقرآن.

ليست هذه العقائد من وضع مجمع من المجامع، ولا من إضافة هيئة من الهيئات، ولا من إملاء "بابا" من البابوات.

ليس لأحد من تلاميذ -محمد صلى الله عليه وسلم-، ولا من أئمة الإسلام وفقهائه الكبار، أن يُغير ويُبدل في عقيدة الإسلام بالزيادة أو النقص أو التحوير، كما فعل "سانت بولس" في العقيدة النصرانية، حتى إن بعض الكتاب الغربيين المحدثين ليُسَمُون المسيحية الحاضرة "مسيحية بولس"، وليست مسيحية عيسى بن مريم.


عبادات ربانية:

والعبادات الإسلامية -أعني الشعائر التي يتعبد بها الله تعالى- عبادات ربانية.

فالوحي الإلهي هو الذي رسم صورها، وحدد أشكالها، وأركانها وشروطها، وعين زمانها فيما يشترط فيه الزمان، ومكانها فيما يشترط فيه المكان.

ولم يقبل من أحد من الناس -مهما كان مجتهدا في الدين، ومهما علا كعبه في العلم والتقوى- أن يبتكر صوراً، وهيئات من عنده للتقرب إلى الله تعالى، فإن هذا افتئات على صاحب الحق الأوحد في ذلك، وهو الله تعالى صاحب الخلق والأمر.

ومن فعل شيئا من ذلك فقد شرع في الدين ما لم يأذن به الله، وعد عمله بدعة وضلالة، ورد عليه عمله، كما يرد الصيرفي النقاد العملة الزائفة.


فقد جاء الإسلام في مجال العبادة بأصلين كبيرين، لا يتساهل في واحد منها قيد شعيرة:

الأول: ألا يعبد إلا الله

فلا عبادة لأحدٍ سواه، ولا لشيء سواه، كائناً ما كان، في الأرض أو في السماء، عاقلاً أو غير عاقلٍ، وهذا ما تقتضيه ربانية الغاية والوجهة.


والثاني: ألا يُعبد اللهُ إلا بما شرعه

وما شرعه إنما يعرف بواسطة رسله المبلغين عنه، وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم، الذي نسخ شرعه كل شرع قبله، والذي كتب الله له الخلود، وتكفل بحفظه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

وما عدا ذلك فهو أهواء وبدع مرفوضة، وإن دفع إليها حسن النية، وشدة الرغبة في زيادة التقرب إلى الله جل شأنه، ولكن النية الصالحة وحدها لا تعطي العمل صفة القبول ما لم تكن صورته مشروعة بالنص الثابت.


فالعمل المقبول له ركنان:

1- أن يكون خالصاً لله. 

2- أن يكون على سُنة رسول الله.


أخلاق ربانية:

والأخلاق الإسلامية أخلاق ربانية: 

بمعنى أن الوحي الإلهي هو الذي وضع أصولها، وحدد أساسياتها، التي لا بد منها لبيان معالم الشخصية الإسلامية، حتى تبدو متكاملة متماسكة متميزة في مخبرها ومظهرها، عالمة بوجهتها وطريقتها، إذا التبست على غيرها المسالك، واختلطت الدروب.

ولا غرو أن وجدنا القرآن الكريم ذاته يعني برسم المعالم الرئيسة لأدب المسلم، وخلق المسلم، من الإحسان بالوالدين، وخاصة إذا بلغا الكبر أو أحدهما، والإحسان بذوي القربى، ورعاية اليتيم، وإكرام الجار ذي القربى، والجار الجنب، والصاحب الجنب، وابن السبيل، والخدم، والعناية بالفقراء والمساكين، وتحرير الرقاب، والصدق في القول، والإخلاص في العمل، وغض الأبصار وحفظ الفروج، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر، والتواصي بالمرحمة، والدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وأداء الأمانات إلى أهلها، والحكم بين الناس بالعدل، والوفاء بالعهد وترك المنكرات، واجتناب الموبقات من الشرك، والسحر، والقتل، والزنى، والسكر، والربا، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات المؤمنات، والتولي يوم الزحف، وغيرها من كبائر الإثم وفواحشه، إلى غير ذلك من الأخلاق الإيجابية والسلبية، الفردية والاجتماعية.


تشريعات ربانية:

والتشريعات الإسلامية لضبط الحياة الفردية والأسرية، والاجتماعية والدولية، تشريعات ربانية: 

أعني في أسسها، ومبادئها، وأحكامها الأساسية، التي أراد الله أن ينظم بها سير القافلة البشرية، ويقيم العلاقات بين أفرادها وجماعاتها على أمتن القواعد، وأعدل المبادئ، بعيدا عن قصور البشر، وتطرفات البشر، وأهواء البشر، وتناقضات البشر.

وكانت هذه هي المزية الأولى للتشريع الإسلامي على ما سواه من التشريعات قديمها وحديثها، شرقيها وغربيها، ليبرالها، واشتراكيها. فهو التشريع الفذ في العالم الذي أساسه وحي الله وكلماته المعصومة من الخطأ، المنزهة عن الظلم: (وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا، لا مبدل لكلماته، وهو السميع العليم)، وبهذا تقرر في الأصول الإسلامية أن المشرع الوحيد هو الله.

فهو الذي يأمر وينهى، ويحلل ويحرم، ويكلف ويلزم، بمقتضى ربوبيته وألوهيته وملكه لخلقه جميعا، فهو رب الناس، ملك الناس، إله الناس. له الخلق والأمر، وله الملك والملك، وله الحمد في الأولى والآخرة، وله الحكم، وإليه يرجعون.

وليس لأحد غيره حق التشريع المطلق، إلا ما أذن الله فيه مما ليس فيه نص ملزم، فهو في الحقيقة مجتهد أو مستنبط أو مقنن، وليس مشرعا أو حاكما.

حتى الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه ليس مشرعاً، وإنما وجبت طاعته، لأنه مبلغ عن الله، فأمره من أمر الله: (مَن يُطع الرسولَ فقد أطاع الله).

وقد دمغ القرآن بالشرك الذين أعطوا سلطة التشريع المطلق لبعض البشر من رجال الأديان الذين بدَّلوا كلمات الله، وغيَّروا شرع الله، فأحلّوا ما حرَّم الله، وحرَّموا ما أحلَّ الله، افتراءً على الله.

يتبع إن شاء الله...



الباب الثالث: خصائص الإسلام 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 21 سبتمبر 2020, 4:33 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الباب الثالث: خصائص الإسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الثالث: خصائص الإسلام   الباب الثالث: خصائص الإسلام Emptyالأربعاء 20 مايو 2015, 2:45 pm

الإنســـــــــــانية

ومن خصائص الإسلام العامة بعد الربانية: الإنسانية.

فالإسلام يمتاز بنزعته الإنسانية الواضحة الثابتة الأصيلة في معتقداته وعباداته، وتشريعاته وتوجيهاته، إنه دين الإنسان.

الباب الثالث: خصائص الإسلام Images93

بين الربانية والإنسانية:

وربما خيل لكثير من الناس ـ لأول وهلة ـ أن هناك تناقضا بين إثبات خصيصة "الربانية" وخصيصة "الإنسانية" في وقت واحد.

فالظاهر والمفهوم والمفترض في أذهانهم أن ثبوت إحدى الخصيصتين ينفي الأخرى، ويطردها، شأن كل متضادين لا يجتمعان، فإذا وجد الله لم يبق مكان للإنسان!

وإذا كنا قد قلنا في خصيصة "الربانية": إنها تعني ـ من ناحية ـ ربانية الغاية والوجهة، على معنى أن حسن الصلة بالله تعالى وابتغاء مرضاته هو غاية الإنسان وهدف الإسلام.

كما تعني ـ من ناحية أخرى ـ ربانية المصدر والمنهج، على معنى أن الإسلام منهج إلهي، صاحبه وشارعه هو الله وحده، وإنما الرسول مبلغ عنه فمعنى هذا أن لا موضع للإنسان.

وأين يكون مكان الإنسان ما دام الله هو الغاية، ومرضاته هي الهدف والوجهة، ومادام الله أيضا هو واضع المنهج إلى تلك الغاية؟


ليس الإنسان ندا لله:

على أن الخطأ الأول والأساسي في موقف هؤلاء النظر إلى الله والإنسان كأنهما ندان متقابلان، وهؤلاء ينسون ما هو الله؟ وما هو الإنسان؟

والحقيقة التي لا ريب فيها أن الله هو صاحب هذا الكون، وربه، ومدبره: (قل أغير الله أبغي رباً وهو ربُ كل شيء).

والإنسان هو مخلوق حادث من مخلوقات الله جل شأنه، ولا يتصور أن يكون المخلوق نداً للخالق، ولا الحادث مضاهياً للأزلي، ولا الفاني كفواً للأبدي الباقي: (قُل هو اللهُ أحدٌ، اللهُ الصَّمَد، لمْ يَلِدْ ولمْ يولد، ولمْ يكن له كُفُواً أحد).

إن الإنسان مخلوق لله، ولكنه مخلوق ذو مكانة خاصة، وله شأن ودور في هذا الوجود، والذي منحه هذه المكانة، وجعل له هذا الشأن والدور هو خالقه ذاته، هو الله تبارك وتعالى.

لننظر للإنسان إذن على هذا الأساس، وبهذا المنظار، إنه مخلوق، ولكنه أكرم المخلوقات على الله تعالى، وهو الوحيد من بينها.


لا تنافي بين الربانية والإنسانية:

إذا عرفنا ما ذكرناه من حقائق اتضح لنا:

أن الإسلام مع ربانيته في غايته ووجهته هو إنساني أيضا في الغاية والوجهة، ومن هنا نقول: إن للإنسان مكانا، أي مكان في غايات الإسلام العليا، وأهداف الكبرى، مع تقرير غايته الربانية، وإبرازها وتثبيتها، إذ لا تنافي بين الغاية الربانية، والغاية الإنسانية، بل هما متكاملتان.

أجل، لا تنافي ـ في نظر الإسلام ـ بين الربانية والإنسانية، فتقدير إنسانية الإنسان هو من الربانية التي قام عليها الإسلام.

فالله هو الذي كرم هذا الإنسان، ونفخ فيه من روحه، وجعله في الأرض خليفة، وسخر له ما في الموات، وما في الأرض جميعا منه، وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة.

وإذا كان مصدر الإسلام "ربانياً"، فإن "الإنسان" هو الذي يفهم هذا المصدر، ويستنبط منه، ويجتهد على ضوئه، ويحوله إلى واقع تطبيقي ملموس.

وإذا كانت الربانية هي غاية المجتمع المسلم كما هي غاية الفرد المسلم، فإن مضمون هذه الغاية هو سعادة الإنسان، وفوزه بالنعيم المقيم في جوار رب العالمين.

وإذا كانت الربانية هي رسالة المسلم، فإن أهداف هذه الرسالة هي تحقيق الخير للإنسان والسمو به، والحيلولة بينه وبين الانحراف والسقوط.

والمعاني الربانية التي توجه المسلم، من الإيمان والتوحيد والإنابة والرجاء والخوف.. الخ، هي في حقيقتها معان إنسانية، لأنها جزء من كيان الإنسان كما فطره الله، وهي سر من أسرار قوله تعالى: (ونفخت فيه من روحي).

وفكرة الإسلام: أن الإنسان لا يستطيع أن يكون ربانيا حقا، دون أن يكون إنسانيا، كما لا يستطيع أن يكون إنسانيا حقا، دون أن يكون ربانياً.

إن الربانية ـ باعتبارها غاية ووجهة ـ تقتضي إخلاص النية والعمل والوجهة لله وحده، وجعل رضوانه ومثوبته نهاية المقصد، وغاية السعي وراء كل حركة، وكل قول أو عمل.

ولكن المقصود بهذا كله هو تحرير الإنسان، وإسعاد الإنسان، وتكريم الإنسان، وحماية الإنسان، والسمو بالإنسان.

فهذه كلها أهداف وغايات يحرص الإسلام عليها، ويسعى إليها، ويعمل بكل وسيلة على بلوغها والاجتهاد في تحقيقها.


القرآن… كتاب الإنسان:

وإذا نظرنا إلى المصدر الأول للإسلام وهو القرآن كتاب الله، وتدبرنا آياته، وتأملنا موضوعاته واهتماماته، نستطيع أن نصفه بأنه، كتاب الإنسان. فالقرآن كله إما حديث إلى الإنسان، أو حديث عن الإنسان.

إن كلمة "الإنسان" تكررت في القرآن (63) ثلاثا وستين مرة، فضلا عن ذكره بألفاظ أخرى مثل "بني آدم" التي ذكرت ست مرات، وكلمة "الناس" التي تكررت(240) مئتين وأربعين مرة في مكي القرآن ومدنية.

ولعل من أبرز الدلائل على ذلك أن أول ما نزل من آيات القرآن على رسول الإسلام ـ محمد صلى الله عليه وسلم ـ خمس آيات من سورة العلق ذكرت كلمة "الإنسان" في اثنتين منها، ومضمونها كلها العناية بأمر الإنسان.

هذه الآيات هي: (اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم).


محمد… الرسول الإنسان:

وإذا نظرنا إلى الشخص الذي جسد الله فيه الإسلام، وجعله مثالا حيا لتعاليمه، وكان خلقه القرآن، نستطيع أن نصفه بأنه " الرسول الإنسان"، وسيرته ليست سيرة إله، ولا بعض إله، ولا ملاك متجرد من اللحم والدم، بل هي سيرة النبي الإنسان، والقرآن الكريم حريص كل الحرص في شتى المناسبات على تأكيد إنسانية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، بمثل قوله تعالى: (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحي إلي إنما إلهكم إله واحد).


الجانب الإنساني في رسالة الإسلام:

إن كل دارس للإسلام في كتابه وسنة رسوله، يتبين له بجلاء: أنه وجه عناية بالغة إلى "الجانب الإنساني" وأعطاه مساحة رحبة من رقعة تعاليمه، وتوجيهاته، وتشريعاته.

وإذا نظرت في الفقه الإسلامي وجدت "العبادات"، لا تأخذ إلا نحو الربع أو الثلث من مجموعه، والباقي يتعلق بأحوال الإنسان من أحوال شخصية، ومعاملات، وجنايات، وعقوبات، وغيرها.

على أنك إذا تأملت العبادات الكبرى نفسها، وجدت إحداها "إنسانية" في جوهرها، وهي عبادة "الزكاة" فهي تؤخذ من الإنسان الغني، لترد على الإنسان الفقير، هي للأول تزكية وتطهير، وللثاني إغناء وتحرير.

والعبادات الأخرى لا تخلو من جانب إنساني تلمحه في ثناياها.

فالصلاة عون للإنسان في معركة الحياة: (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة).

والصوم تربية لإرادة الإنسان على الصبر في مواجهة المصاعب، وتربية لمشاعره على الإحساس بآلام غيره، فيسعى إلى مواساته، ولهذا سمى النبي صلى الله عليه وسلم شهر رمضان "شهر الصبر" و "شهر المواساة".

والحج مؤتمر رباني إنساني، دعا الله فيه عباده المؤمنين: (ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات)، فشهود المنافع هنا يمثل الجانب الإنساني في أهداف الحج.

وفوق ذلك نجد النبي صلى الله عليه وسلم يرفع إلى درجة العبادة كل عمل يؤديه المسلم، يترتب عليه نفع مادي لإنسان، أو سرور نفسي لإنسان.


من ثمرات الإنسانية في الإسلام:

الإخاء والمساواة والحرية.

هذه النزعة الإنسانية الأصيلة في الإسلام هي أساس هام لمبدأ الإخاء البشري الذي نادى به الإسلام، وهي أساس هام كذلك لمبدأ المساواة الإنسانية العام الذي دعا إليه الإسلام.

وهي أساس هام كذلك لمبدأ الحرية الذي قرره الإسلام، أكد الإسلام الدعوة إلى هذه المبادئ الإنسانية الثلاثة، ووضع الصور العملية لتطبيقها، وربطها بعقائده وشعائره وآدابه ربطا محكما، بحيث لا تظل مجرد أمنية شاعرية تهفو إليها بعض النفوس، أو فكرة مثالية تتخيلها بعض الرؤوس، أو حبر على ورق سطرته بعض الأقلام.

وأكتفي هنا بالحديث عن مبدأ المساواة باعتباره ملازما للإخاء، وثمرة له.


مبدأ المساواة الإنسانية:

أما مبدأ المساواة الإنسانية الذي قرره الإسلام ونادى به، فأساسه: أن الإسلام يحترم الإنسان ويكرمه من حيث هو إنسان؛ لا من أي حيثية أخرى، الإنسان من أي سلالة كان، ومن أي لون كان، من غير تفرقة بين عنصر وعنصر، وبين قوم وقوم، وبين لون ولون، مسقطا كل أنواع التفرقة القبلية والعنصرية والقومية واللونية. يقول القرآن: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير).

قد يختلف الناس في أجناسهم وعناصرهم فيكون منهم الآري، والسامي، والحامي، والعربي، والعجمي.

وقد يختلفون في أنسابهم وأحسابهم فيكون منهم من ينتهي إلى أسرة عريقة في المجد، ومن ينتهي إلى أسرة صغيرة مغمورة في الناس.

وقد يتفاوت الناس في ثرواتهم فيكون منهم الغني، ومنهم الفقير، ومنهم المتوسط الحال.

وقد يتفاوتون في أعمالهم ومناصبهم، فيكون منهم الحاكم والمحكوم، ويكون منهم المهندس الكبير، والعامل الصغير، ويكون منهم أستاذ الجامعة والحارس ببابها.

ولكن هذا الاختلاف أو التفاوت لا يجعل لواحد منهم قيمة إنسانية أكبر من قيمة الآخر، بسبب جنسه، أو لونه، أو حسبه، أو ثروته، أو عمله، أو طبقته، أو أي اعتبار آخر.

إن القيمة الإنسانية واحدة للجميع. فالعربي إنسان، والعجمي إنسان، والأبيض إنسان، والأسود إنسان، والحاكم إنسان، والمحكوم إنسان، والغني إنسان، والفقير إنسان، ورب العمل إنسان، والعامل إنسان، والرجل إنسان، والمرأة إنسان، والحر إنسان، والعبد إنسان، ومادام لكل إنسانا فهم إذن سواسية كأسنان المشط الواحد.

ومن هنا اعتبر الإسلام الاعتداء على نفس أي إنسان اعتداء على الإنسانية كلها، كما جعل إنقاذ أي نفس إنقاذا للجميع، هذا ما قرره القرآن بوضوح: (أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا).


شعائر الإسلام تثبت معنى المواساة:

ولم يكتف الإسلام بتقرير مبدأ المساواة نظريا، وتثبيته فكريا، بل أكده عمليا بجملة أحكام وتعاليم نقلته من فكرة مجردة إلى واقع ملموس. من ذلك العبادات الشعائرية التي فرضها الإسلام، وجعلها الأركان العملية التي يقوم عليها بناؤه العظيم من الصلاة والزكاة والصيام والحج.


المساواة أمام قانون الإسلام:

ومن المساواة العملية التي قررها الإسلام قولا، وطبقها فعلا: المساواة أمام قانون الشرع وأحكام الإسلام.

فالحلال حلال للجميع، والحرام حرام على الجميع، والفرائض ملزمة للجميع، والعقوبات مفروضة على الجميع.

حاولت إحدى القبائل عند الدخول في الإسلام أن تعفى من الصلاة حينا من الزمن، فأبى عليها ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: "لا خير في دين لا صلاة فيه".

وحاول الصحابة أن يشفعوا أسامة بن زيد ـ حب رسول الله وابن حبه ـ في امرأة من قريش، ومن بني مخزوم، سرقت فاستحقت أن يقام عليها حد السرقة: قطع اليد، فكلمه فيها أسامة، فغضب صلى الله عليه وسلم غضبته التاريخية المعروفة، وقال كلمته التي خلدها التاريخ: "إنما هلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله، لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطع محمد يدها".

وفي عهود الخلفاء الراشدين رأينا كثيرا من الصور والأمثلة لتطبيق مبدأ المساواة بين جميع الناس، دون تفريق أو تمييز. وحسبنا أن نشير هنا إلى قصة جبلة بن الأيهم ـ الأمير الغساني ـ مع الأعرابي الذي شكا إلى عمر أمير المؤمنين كيف لطمه جبلة بغير حق، فلم يسع عمر إلا أن يحضر جبلة، ويطلب إليه أن يمكن الأعرابي ليقتص منه، لطمة بلطمة، إلا أن يعفو عنه ويصفح، وعز على الأمير الغساني أن يفعل ذلك، وقال لعمر بصراحة: كيف يقتص مني وأنا ملك وهو سرقة؟

فقال عمر: إن الإسلام قد سوى بينكما.

ولم يع الأمير المسكين هذا المعنى الكبير، وخرج من المدينة هاربا مرتدا عن الإسلام الذي يفرض المساواة بين الملك والسوقة أمام شرع الله، وغلبت عليه شقوته فكان من الخاسرين.

ولم يبال عمر ولا الصحابة معه بهذه النتيجة، لأن ارتداد رجل عن الإسلام أهون بكثير من التهاون في تطبيق مبدأ عظيم من مبادئ الإسلام، كالمساواة. وخسارة فرد لا تقاس بخسارة مبدأ.


الشمول

"الشمول" من الخصائص التي تميز بها الإسلام عن كل ما عرفه الناس من الأديان والفلسفات والمذاهب، بكل ما تتضمنه كلمة "الشمول" من معان وأبعاد.

إنه شمول يستوعب الزمن كله، ويستوعب الحياة كلها، ويستوعب كيان الإنسان كله.

لقد عبر الشهيد حسن البنا عن أبعاد هذا الشمول في رسالة الإسلام فقال وأجاد:

"إنها الرسالة التي امتدت طولا حتى شملت آباد الزمن".

"وامتدت عرضا حتى انتظمت آفاق الأمم".

"وامتدت عمقا حتى استوعبت شؤون الدنيا والآخرة".


رسالة الزمن كله:

إنها رسالة لكل الأزمنة والأجيال، ليست رسالة موقوتة بعصر معين أو زمن مخصوص، ينتهي أثرها بانتهائه، كما كان الشأن في رسالات الأنبياء السابقين على محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقد كان كل نبي يبعث لمرحلة زمنية محدودة، حتى إذا ما انقضت بعث الله نبيا آخر.

أما محمد صلى الله عليه وسلم فهو خاتم النبيين، ورسالته هي رسالة الخلود التي قدر الله بقاءها إلى أن تقوم الساعة، ويطوى بساط هذا العالم فهي تتضمن هداية الله الأخيرة للبشرية، فليس بعد الإسلام شريعة، ولا بعد القرآن كتاب، ولا بعد محمد نبي، ولم يسبق لنبي قبل محمد صلى الله عليه وسلم أن أعلن أن رسالته هي الخاتمة وأن لا نبي بعده، بل بشرت التوراة بمن يأتي بعد موسى، وبشر الإنجيل بمن يأتي بعد المسيح عيسى وهو "الفارقليط" الذي سيبين كل الحق، ولا يتكلم من عند نفسه.

إنها رسالة المستقبل المديد ولا شك، وهي أيضا رسالة الماضي البعيد.

إنها ـ في جوهرها، وأصولها الاعتقادية والأخلاقية ـ رسالة كل نبي أرسل، وكل كتاب أنزل. فالأنبياء جميعا جاءوا بالإسلام، ونادوا بالتوحيد، واجتناب الطاغوت. وهذا ما يقرره القرآن في وضوح وتأكيد.

(وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون).

(ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت).


رسالة العالم كله:

وإذ كانت هذه الرسالة غير محدودة بعصر ولا جيل، فهي كذلك غير محدودة بمكان ولا بأمة، ولا بشعب ولا بطبقة.

إنها الرسالة الشاملة، التي تخاطب كل الأمم، وكل الأجناس، وكل الشعوب، وكل الطبقات.

إنها ليست رسالة لشعب خاص، يزعم أنه وحده شعب الله المختار! وأن الناس جميعا يجب أن يخضعوا له.

وليست رسالة لإقليم معين، يجب أن يدين له كل أقاليم الأرض، وتجبى إليه ثمراتها وأرزاقها.

وليست رسالة لطبقة معينة، مهمتها أن تسخر الطبقات الأخرى لخدمة مصالحها أو اتباع أهوائها، أو السير في ركابها، سواء أكانت هذه الطبقة المسيطرة من الأقوياء أم الضعفاء، من السادة أم من العبيد، من الأغنياء أم من الفقراء والصعاليك. إنها رسالتهم جميعا، وليست لمصلحة طائفة منهم دون سواها، وليس فهمها، ولا تفسيرها، ولا الدعوة إليها حكرا على طبقة خاصة، كما قد يتوهم كثير من الناس، إنها هداية رب الناس لكل الناس، ورحمة الله لكل عباد الله، وهذا ما وضحه القرآن منذ العهد المكي. تقرأ في ذلك: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا).


رسالة الإنسان كله:

وهي كذلك رسالة الإنسان من حيث هو إنسان متكامل.

أنها ليست رسالة لعقل الإنسان دون روحه، ولا لروحه دون جسمه ولا لأفكاره دون عواطفه، ولا عكس ذلك.

إنها رسالة الإنسان كله: روحه وعقله، وجسمه، وضميره، وإرادته ووجدانه، كما نبهنا على ذلك في "خصيصة الإنسانية".


رسالة الإنسان في أطوار حياته كلها:

إن الإسلام هو رسالة الإنسان كله، وهو رسالته كذلك في كل مراحل حياته ووجوده، فهذا مظهر آخر من مظاهر الشمول الإسلامي.

إنها هداية الله، تصحب الإنسان أنى اتجه وأنى سار في أطور حياته، إنها تصحبه طفلا، ويافعا وشابا وكهلا وشيخا. وترسم له في كل هذه المراحل المتعاقبة المنهج الأمثل الذي يحبه الله ويرضاه.

فلا عجب أن تجد في الإسلام أحكاما وتعاليم تتعلق بالمولود منذ ساعة ميلاده مثل إماطة الأذى عنه، والتأذين في أذنه، واختيار اسم حسن له، وذبح عقيقة عنه شكرا لله، وغير ذلك مما ضمنه إمام كابن القيم كتابا مستقلا له سماه "تحفة المودود في أحكام المولود".

وبعد ذلك نجد أحكاما تتعلق بالإنسان صبيا وشابا وكهلا وشيخا، فلا توجد مرحلة من حياته إلا وللإسلام فيها توجيه وتشريع.

وأكثر من ذلك أنها تعنى بالإنسان قبل أن يولد، وبالإنسان بعد أن يموت.

يتبع إن شاء الله...



الباب الثالث: خصائص الإسلام 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 21 سبتمبر 2020, 4:35 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الباب الثالث: خصائص الإسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الثالث: خصائص الإسلام   الباب الثالث: خصائص الإسلام Emptyالجمعة 22 مايو 2015, 10:03 pm

رسالة الإنسان في كل مجالات حياته:

الباب الثالث: خصائص الإسلام G9mulw85qTVKgAAAABJRU5ErkJggg==

رسالة الإنسان في كل مجالات حياته:

الباب الثالث: خصائص الإسلام


ومن معاني الشمول في الإسلام أيضاً:

أنه رسالة للإنسان في كل مجالات الحياة، وفي كل ميادين النشاط البشري، فلا يدع جانبا من جوانب الحياة الإنسانية إلا كان له فيه موقف: وقد يتمثل في الإقرار والتأييد، أو في التصحيح والتعديل، أو في الإتمام والتكميل، أو في التعبير والتبديل، وقد يتدخل بالإرشاد والتوجيه، أو بالتشريع والتقنين، وقد يسلك سبيل الموعظة الحسنة، وقد يتخذ أسلوب العقوبة الرادعة، كل في موضعه. المهم هنا أنه لا يدع الإنسان وحده -بدون هداية الله-، في أي طريق يسلكه، وفي أي نشاط يقوم به: ماديا كان أو روحيا، فرديا أو اجتماعيا، فكريا أو عمليا، دينيا أو سياسيا، اقتصاديا أو أخلاقيا. إن الإسلام كما قال المرحوم العقاد ـ هو العقيدة المثلى للإنسان منفردا أو مجتمعا، وعاملا لروحه أو عاملا لجسده، وناظرا إلى دنياه، أو ناظرا إلى آخرته ومسالما أو محاربا، ومعطيا حق نفسه، أو معطيا حق حاكمه وحكومته فلا يكون مسلما، وهو يطلب الآخرة دون الدنيا، ولا يكون مسلما لأنه روح تنكر الجسد، أو لأنه جسد ينكر الروح، أو لأنه يصحب إسلامه في حالة، ويدعه في حالة أخرى ولكنما هو المسلم بعقيدته كلها مجتمعة لديه، في جميع حالاته، سواء تفرد وحده أو جمعته بالناس أواصر الاجتماع


شمول التعاليم الإسلامية:

وإذا كان الإسلام هو رسالة الإنسان كله في كل أطواره، ورسالة الحياة كلها، بكل جوانبها ومجالاتها، فلا عجب أن نجد التعاليم الإسلامية كلها تتميز بهذا الشمول والاستيعاب لكل شؤون الحياة والإنسان، نجد هذا الشمول يتجلى في العقيدة والتصور، ويتجلى في العبادة والتقرب، ويتجلى في الأخلاق والفضائل، ويتجلى في التشريع والتنظيم.


شمول العقيدة الإسلامية:

الباب الثالث: خصائص الإسلام

فالعقيدة الإسلامية عقيدة شاملة من أي جانب نظرت إليها.

(أ) فهي توصف بالشمول، باعتبار أنها تفسر كل القضايا الكبرى في هذا الوجود. القضايا التي شغلت الفكر الإنساني، ولا تزال تشغله، وتلح عليه بالسؤال، وتتطلب الجواب الحاسم الذي يخرج الإنسان من الضياع والشك والحيرة، وينتشله من متاهات الفلسفات والنحل المتضاربة قديما وحديثا: قضية الألوهية، قضية الكون، قضية الإنسان، قضية النبوة، قضية المصير، فإذا كانت بعض العقائد تعنى بقضية الإنسان دون قضية الألوهية والتوحيد، أو بقضية الألوهية دون قضية النبوة والرسالة، أو بقضية النبوة دون قضية الجزاء الأخروي، فإن عقيدة الإسلام قد عنيت بهذه القضايا كلها، وقالت كلمتها فيها، بشمول واضح، ووضوح شامل.

(ب) وتوصف العقيدة الإسلامية بالشمول كذلك، لأنها لا تجزئ الإنسان بين إلهين اثنين: إله الخير والنور، وإله الشر والظلمة، كما كان في المجوسية، أو بين الله والشيطان الذي سمي في الأناجيل باسم "رئيس هذا العالم"، واسم "إله هذا الدهر"، وانقسم العالم بينه وبين الله، فله مملكة الدنيا، ولله ملكوت السماوات، فيوشك أن يكون عمله في نظر المسيحية مضارعا لعمل "أهريمان" إله الظلام في المجوسية"‍!

(ج) توصف العقيدة الإسلامية بالشمول من ناحية أخرى، وهي: أنها لا تعتمد في ثبوتها على الوجدان، أو الشعور وحده، كما هو شأن الفلسفات الإشراقية والمذاهب الصوفية، وكما هو شأن المسيحية التي ترفض تدخل العقل في العقيدة رفضا باتا، بحيث لا تؤخذ إلا بالتسليم المطلق، على حد قولهم: اعتقد وأنت أعمى. وهي كذلك لا تعتمد على العقل وحده، كما هو الشأن جل الفلسفات البشرية التي تتخذ العقل وسيلتها الفذة في معرفة الله وحل ألغاز الوجود. وإنما تعتمد على الفكر والشعور معا، أو العقل والقلب جميعا، باعتبارهما أداتين متكاملتين من أدوات المعرفة الإنسانية، والوعي الإنساني. إن الإيمان الإسلامي الصحيح هو الذي ينبعث من ضياء العقل وحرارة القلب، وبذلك يؤدي دوره ويؤتي أكله في الحياة.

(د) وتوصف العقيدة الإسلامية بالشمول أيضا، لأنها عقيدة لا تقبل التجزئة، لا بد أن تؤخذ كلها بكل محتوياتها دون إنكار، أو حتى شك في أي جزء منها، فمن آمن بـ 99% من مضمون هذه العقيدة، وكفر بـ 1% لم يعد بذلك مسلما. فالإسلام يقتضي أن يسلم الإنسان قيادة كله لله، ويؤمن بكل ما جاء من عنده.


شمول العبادة في الإسلام:

وتتمثل ظاهرة الشمول الإسلامي في عبادته كما تمثلت في عقيدته، فالعبادة في الإسلام -كما بينا في مقومات الإسلام- تستوعب الكيان البشري كله، فالمسلم لا يعبد الله بلسانه فحسب، أو ببدنه فقط، أو بقلبه لا غير، أو بعقله مجردا، أو بحواسه وحدها. بل يعبد الله بهذه كلها: بلسانه ذاكرا داعيا تاليا، وببدنه مصليا صائما مجاهدا، وبقلبه خائفا راجيا محبا متوكلا، وبعقله متفكرا متأملا، وبحواسه كلها مستعملا لها في طاعته سبحانه، ومعنى آخر للشمول في العبادة، وهي أنها تتسع للحياة كلها، فلا تقتصر على الشعائر التعبدية المعروفة من صلاة وزكاة و، صيام وحج، بل تشمل كل حركة وكل عمل ترتقي به الحياة ويسعد به الناسفالجهاد في سبيل الله، دفاعا عن الحق، وذودا عن الحرمات، ومنعا للفتنة، وإعلاء لكلمة الله… عبادة لا تعدلها عبادة، وكل عمل نافع يقوم به المسلم، لخدمة المجتمع، أو مساعدة أفراده.


شمول الأخلاق في الإسلام:

ويبرز الشمول كذلك في ميدان الأخلاق والفضائل. فالأخلاق الإسلامية ليست هي التي تعرف عند بعض الناس بـ "الأخلاق الدينية" التي تتمثل في أداء الشعائر التعبدية، واجتناب أكل لحم الخنزير وشرب الخمر، ونحو ذلك لا غير، إنها أخلاق تسع الحياة بكل جوانبها، وكافة مجالاتها، إن الأخلاق في الإسلام لم تدع جانبا من جوانب الحياة الإنسانية: روحية أو جسمية، دينية أو دنيوية، عقلية أو عاطفية، فردية أو اجتماعية، إلا رسمت له المنهج الأمثل للسلوك الرفيع، فما فرقه الناس في مجال الأخلاق باسم الدين وباسم الفلسفة، وباسم العرف أو المجتمع، قد ضمه القانون الأخلاقي في الإسلام في تناسق وتكامل وزاد عليه.


شمول الالتزام بالإسلام كله:

هذا الشمول الذي تميز به الإسلام ـ بحيث استوعب الحياة كلها، والإنسان كله، في كل أطوار حياته، وفي كل مجالات حياته ـ يجب أن يقابله شمول مماثل من جانب التزام المسلمين: أعني الالتزام بهذا الإسلام كله في شموله وعمومه وسعته. فلا يجوز الأخذ بجانب من تعاليمه وأحكامه، وطرح جانب آخر، أو جوانب أخرى منها، قصدا أو إهمالا، لأنها "كل" لا يتجزأ. وقد عاب القرآن الكريم على بني إسرائيل تجزئتهم أحكام دينهم تبعا لأهوائهم، يأخذون منها ما راق لهم، ويدعون ما لم يرق لهم. فقرعهم الله أشد التقريع على ذلك فقال: (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض، فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا، ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب، وما الله بغافل عما تعملون، أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة، فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون). فلا يجوز في نظر الإسلام أخذ جانب العقيدة والإيمان من تعاليمه، وإغفال جانب العبادة أو الأخلاق، كالذين قالوا: لا تضر مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة. فإن عمل الصالحات مكمل للإيمان، وسياج له، وثمرة لازمة للإيمان الصادق، كما بين ذلك القرآن والسنة: (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليه آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون، الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون، أولئك المؤمنون حقا). ولا يجوز في نظر الإسلام العناية بالعبادات والشعائر، وإهمال جانب الأخلاق والفضائل، لأن الفضائل الأخلاقية، من شعب الإيمان الحق، وثمرة للعبادة الصحيحة: "الإيمان بضع وسبعون شعبة، والحياة شعبة من الإيمان"، (وأقم الصلاة، إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)، وفي الصحيح: "آية المنافق ثلاث، وإن صلى وصام زعم أنه مسلم: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان".

ولا يجوز في نظر الإسلام كذلك الاهتمام بالجانب الأخلاقي، وإغفال الجانب التعبدي، فإن الناس إنما خلقوا ليعرفوا الله ويعبدوه: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، وإنما يعبد الله تعالى بما شرع وفرض من شعائر وفرائض اعتبرها رسوله الأركان التي بني عليها الإسلام، وأول خلق يجب أن يتحلى به المسلم هو الوفاء لله بعهده، وشكر نعمته، وأداء أمانته، وذلك بأداء حقه الذي افترضه على عباده من صلاة وزكاة وصيام وحج: (ومن كفر فإن الله غني عن العالمين).

ولا يجوز في نظر الإسلام الأخذ بكل ما ذكر من عقيدة وعبادة وأخلاق، مع إغفال جانب الشريعة التي نظم الله بها حياة الخلق، وأنزل بها الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط، فلا يحل لمن يؤمن بعدل الله تعالى، وكمال علمه وحكمته وبره بخلقه، أن يدع شرع الله عمدا، ليحكم بشرائع البشر الممثلة لقصورهم وأهوائهم. ولهذا حذر الله رسوله ـوبالتالي كل حاكم من بعدهـ أن يدع: "بعض ما أنزل الله" تأثرا بأهواء الآخرين وفتنتهم، فإن من ترك حكم الله سقط لا محالة في حكم الجاهلية ولا ثالث لهما. قال تعالى: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك، فإن تولوا فاعلم إنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم، وإن كثيرا من الناس لفاسقون، أفحكم الجاهلية يبغون، ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون).


الوسطية

وهذه خصيصة أخرى من أبرز خصائص الإسلام، وهي "الوسطية"، ويعبر عنها أيضا بـ "التوازن"، ونعني بها التوسط أو التعادل بين طرفين متقابلين أو متضادين، بحيث لا ينفرد أحدهما بالتأثير، ويطرد الطرف المقابل، وبحيث لا يأخذ أحد الطرفين أكثر من حقه، ويطغى على مقابله ويحيف عليه. مثال الأطراف المتقابلة أو المتضادة: الربانية والإنسانية، الروحية والمادية، الأخروية والدنيوية، الوحي والعقل، الماضوية والمستقبلية، الفردية والجماعية، الواقعية والمثالية، الثبات والتغير، وما شابهها. ومعنى التوازن بينها: أن يفسح لكل طرف منها مجاله، ويعطي حقه "بالقسط" أو "بالقسطاس المستقيم"، بلا وكس ولا شطط، ولا غلو ولا تقصير، ولا طغيان ولا إخسار. كما أشار إلى ذلك كتاب الله بقوله: (والسماء رفعها ووضع الميزان، ألا تطغوا في الميزان، وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان).


عجز الإنسان عن إنشاء نظام متوازن:

وهذا في الحقيقة أكبر من أن يقدر عليه الإنسان، بعقله المحدود، وعلمه القاصر، فضلا عن تأثير ميوله، ونزعاته الشخصية، والأسرية والحزبية، والإقليمية والعنصرية وغلبتها عليه من حيث يشعر أو لا يشعر. ولهذا لا يخلو منهج أو نظام يصنعه بشر ـ فرد أو جماعة ـ من الإفراط أو التفريط، كما يدل على ذلك استقراء الواقع وقراءة التاريخ. إن القادر على إعطاء كل شيء في الوجود ـماديا كان أو معنوياـ حقه بحساب وميزان، هو الله الذي خلق كل شيء فقدره تقديرا، وأحاط بكل شيء خيرا، وأحصى كل شيء عددا، ووسع كل شيء رحمة وعلما. ولا عجب أن نرى هذا التوازن الدقيق في خلق الله، وفي أمر الله جميعا، فهو صاحب الخلق والأمر، فظاهرة التوازن، تبدو فيما أمر الله به، وشرعه من الهدى ودين الحق، أي: في نظام الإسلام ومنهجه للحياة، كما تبدو في هذا الكون الذي أبدعته يد الله فأتقنت فيه كل شيء.


من مظاهر الوسطية في الإسلام:

وإذا كان للوسطية كل هذه المزايا، فلا عجب أن تتجلى واضحة في كل جوانب الإسلام، نظرية وعملية، تربوية وتشريعية.


وسطية الإسلام في العبادات والشعائر:

والإسلام وسط في عباداته، وشعائره بين الأديان، والنحل التي ألغت الجانب "الرباني" -جانب العبادة والتنسك والتأله- من فلسفتها وواجباتها، كالبوذية التي اقتصرت فروضها على الجانب الأخلاقي الإنساني وحده… وبين الأديان والنحل التي طلبت من أتباعها التفرغ للعبادة والانقطاع عن الحياة والإنتاج، كالرهبانية المسيحية.


ولعل أوضح دليل نذكره هنا: الآيات الآمرة بصلاة الجمعة:

(يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون، فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله، واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون). فهذا هو شأن المسلم مع الدين والحياة حتى في يوم الجمعة: بيع وعمل للدنيا قبل الصلاة، ثم سعي إلى ذكر الله وإلى الصلاة، وترك للبيع والشراء وما أشبهه من مشاغل الحياة، ثم انتشار في الأرض وابتغاء الرزق من جديد بعد انقضاء الصلاة، مع عدم الغفلة عن ذكر الله كثيرا في كل حال، فهو أساس الفلاح والنجاح.


وسطية الإسلام في الأخلاق:

والإسلام وسط في الأخلاق بين غلاة المثاليين الذين تخيلوا الإنسان ملاكا أو شبه ملاك، فوضعوا له من القيم والآداب ما لا يمكن له، وبين غلاة الواقعيين الذين حسبوه حيوانا أو كالحيوان، فأرادوا له من السلوك ما لا يليق به فأولئك أحسنوا الظن بالفطرة الإنسانية فاعتبروها خيرا محضا، وهؤلاء أساءوا بها الظن، فعدوها شرا خالصا، وكانت نظرة الإسلام وسطا بين أولئك وهؤلاء. فالإنسان في نظر الإسلام مخلوق مركب فيه العقل، وفيه الشهوة، فيه غريزة الحيوان، وروحانية الملاك، قد هدى للنجدين، وتهيأ بفطرته لسلوك السبيلين، إما شاكرا وإما كفورا. فيه استعداد للفجور استعداده للتقوى. ومهمته جهاد نفسه ورياضتها حتى تتزكى: (ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها).


وسطية الإسلام في التشريع:

والإسلام وسط كذلك في تشريعه ونظامه القانوني والاجتماعي، وأبرز ما تتجلى فيه الوسطية هنا: مجال الفردية والجماعية.


التوازن بين الفردية والجماعية:

وفي النظام الإسلامي تلتقي الفردية والجماعية في صورة متزنة رائعة، تتوازن فيها حرية الفرد ومصلحة الجماعة، وتتكافأ فيها الحقوق والواجبات، وتتوزع فيها المغانم والتبعات بالقسطاس المستقيم. لقد تخبطت الفلسفات والمذاهب من قديم، في قضية الفرد والمجتمع والعلاقة بينهما: هل الفرد هو الأصل والمجتمع طارئ مفروض عليه، لأن المجتمع إنما يتكون من الأفراد؟ أم المجتمع هو الأساس والفرد نافلة، لأن الفرد بدون المجتمع مادة غفل (خام)، والمجتمع هو الذي يشكلها ويعطيها صورتها، فالمجتمع هو الذي يورث الفرد ثقافته وآدابه وعاداته وغير ذلك؟ من الناس من جنح إلى هذا، ومنهم من مال إلى ذلك، واحتد الخلاف بين الفلاسفة والمشرعين والاجتماعيين والاقتصاديين والسياسيين في هذه القضية، فلم يصلوا إلى نتيجة. كان (أرسطو) يؤمن بفردية الإنسان، ويحبذ النظام الذي يقوم على الفردية، وكان أستاذه (أفلاطون) يؤمن بالجماعية -الاشتراكية- كما يتضح ذلك في كتابه (الجمهورية). وبهذا لم تستطع الفلسفة الإغريقية -أشهر الفلسفات البشرية القديمة- أن تحل هذه العقدة، وأن تخرج الناس من هذه الحيرة، كشأن الفلسفة دائما في كل القضايا الكبيرة، تعطي الرأي وضده، ولا يكاد أقطابها يتفقون على حقيقة، حتى قال أحد أساتذتها: الفلسفة لا رأي لها!! وفي فارس ظهر مذهبان متناقضان: أحدهما فردي ويدعو إلى التقشف والزهد، والامتناع عن الزواج، ليعجل الإنسان بفناء العالم، الذي يعج بالشرور والآلام، وهذا هو مذهب "ماني" ويمثل أقصى الفردية. وقام في مقابله مذهب آخر يمثل أقصى (الجماعية) هو مذهب "مزدك" الذي دعا إلى شيوعية الأموال والنساء، وتبعه كثير من الغوغاء، الذين عاثوا في الأرض فسادا، وضجت منهم البلاد والعباد. وقد جاءت الأديان السماوية لتقيم التوازن في الحياة، والقسط بين الناس، كما قرر ذلك القرآن الكريم، ولكن أتباعها سرعان ما حرفوها وبدلوا كلمات الله، ففقدت بذلك وظيفتها في الحياة، حين فقدت ميزتها الأولى وهي: ربانية المصدر. لهذا، لم تقدم الأديان السابقة قبل الإسلام حلا لهذه المشكلة، فقد كان اليهود الذين تفرقوا في الأرض يؤيدون الفردية، بتفكيرهم وسلوكهم القائم على الأنانية: (وأخذهم الربا وقد نهوا عنه، وأكلهم أموال الناس بالباطل) كما سجل عليهم القرآن العزيز، وجاءت المسيحية أيضا تهتم بنجاة الفرد قبل كل شيء، تاركة شأن المجتمع لقيصر، أو على الأقل، هذا ما يفهم من ظاهر ما يحكيه الإنجيل عن المسيح، حين قال: أعط ما لقيصر لقيصر، وما لله لله!!


وإذا طوينا كتاب التاريخ وتأملنا صفحات الواقع، فماذا نرى؟

إن عالمنا اليوم يقوم فيه صراع ضخم بين المذهب الفردي، والمذهب الجماعي. فالرأسمالية تقوم على تقديس الفردية، واعتبار الفرد هو المحور الأساسي، فهي تدلله بإعطاء الحقوق الكثيرة، التي تكاد تكون مطلقة، فله حرية التملك، حرية القول، وحرية التصرف، وحرية التمتع، ولو أدت هذه الحريات إلى إضرار نفسه، وإضرار غيره، مادام يستعمل حقه في "الحرية الشخصية"، فهو يتملك المال بالاحتكار والحيل والربا، وينفقه في اللهو والخمر والفجور، ويمسكه عن الفقراء والمساكين والمعوزين، ولا سلطان لأحد عليه، لأنه "هو حر". والمذاهب الاشتراكية -وبخاصة المتطرفة منها كالماركسية- تقوم على الحط من قيمة الفرد والتقليل من حقوقه، والإكثار من واجباته، واعتبار المجتمع هو الغاية، وهو الأصل. وما الأفراد إلا أجزاء أو تروس صغيرة في تلك "الآلة" الجبارة، التي هي المجتمع، والمجتمع في الحقيقة هو الدولة، والدولة في الحقيقة هي الحزب الحاكم، وإن شئت قلت: هي اللجنة العليا للحزب، وربما كانت هي زعيم الحزب فحسب، هي الدكتاتور!! إن الفرد ليس له حق التملك إلا في بعض الأمتعة، والمنقولات، وليس له حق المعارضة، ولا حق التوجيه لسياسة بلده وأمته، وإذا حدثته نفسه بالنقد العلني أو الخفي، فإن السجون والمنافي وحبال المشانق له بالمرصاد! ذلك هو شأن فلسفات البشر ومذاهب البشر، والديانات التي حرفها البشر، وموقفها من الفردية والجماعية.


فماذا كان موقف الإسلام؟

لقد كان موقفه فريداً حقاً، لم يمل مع هؤلاء ولا هؤلاء، ولم يتطرف إلى اليمين ولا إلى اليسار. إن شارع هذا الإسلام هو خالق هذا الإنسان، فمن المُحال أن يشرع هذا الخالق من الأحكام والنظم ما يعطل فطرة الإنسان أو يصادمها. وقد خلقه سبحانه على طبيعة مزدوجة: فردية واجتماعية في آن واحد. فالفردية جزء أصيل في كيانه، ولهذا يحب ذاته، ويميل إلى إثباتها وإبرازها ويرغب في الاستقلال بشؤونه الخاصة. ومع هذا نرى فيه نزعة فطرية إلى الاجتماع بغيره، ولهذا عد السجن الانفرادي عقوبة قاسية للإنسان، ولو كان يتمتع داخله بما لذ وطاب من الطعام والشراب.


والنظام الصالح هو الذي يراعى هذين الجانبين:

الفردية والجماعية، ولا يطغى أحدهما على الآخر، فلا عجب أن جاء الإسلام -وهو دين الفطرة- نظاماً وسطاً عدلاً، لا يجور على الفرد لحساب المجتمع، ولا يحيف على المجتمع من أجل الفرد، لا يدلل الفرد بكثرة الحقوق التي تمنح له، ولا يرهقه بكثرة الواجبات التي تلقى عليه، وإنما يكلفه من الواجبات في حدود وسعه، دون حرج ولا إعنات، ويقرر له من الحقوق ما يكافئ واجباته، ويلبي حاجته، ويحفظ كرامته، ويصون إنسانيته.


ما قرره الإسلام لرعاية حقوق الفرد؟

من هنا قرر الإسلام حرمة الدم، فحفظ للفرد "حق الحياة"، وأعلن القرآن أن: (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض، فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا). وأوجبت الشريعة في قتل العمد القصاص، إلا أن يعفو أولياء المقتول، أو يقبلوا بدلاً، وأوجبت في قتل الخطأ الدية والكفارة. وقرر حرمة العرض، فصان للفرد "حق الكرامة" فلا يجوز أن يهان في حضرته، أو يؤذي في غيبته، بأي كلمة أو إشارة تسوؤه: (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم، ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن، ولا تلمزوا أنفسكم، ولا تنابزوا بالألقاب)، (ولا يغتب بعضكم بعضا، أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا).

3. وقرر حرمة المال، فصان للفرد "حق التملك" فلا يحل أخذ ماله إلا بطيب نفس منه، ولا يجوز للدولة، ولا لفرد آخر نهب ماله وأخذه بغير حق. قال النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا".

4. وقرر حرمة البيت، فصان بذلك الفرد "حق الاستقلال الشخصي" فلا يجوز لأحد أن يتجسس عليه، أو يقتحم عليه بيته بغير إذنه، قال تعالى: (ولا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها)، وقال: (ولا تجسسوا).

5. وقرر للفرد "حرية الاعتقاد" فلا يجوز أن يكره على ترك دينه، واعتناق دين آخر: (لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي)، (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين).

6. وقرر للفرد "حرية النقد" فمن حق كل فرد أن يعارض ما يراه من عوج، وما يلاحظه من تقصير، بل من واجبه ذلك إذا لم يقم غيره به، وهو ما سماه الإسلام "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".

7. وقرر "حرية الرأي والفكر" فمن حق كل إنسان، بل من واجبه أن يفكر وينظر. فقد أمر الإسلام الناس أن يتفكروا، ومادام التفكير حقا -أو واجبا- لكل بشر، فمن حق كل مفكر أن يخطئ، ولا لوم عليه في ذلك. إن الإسلام لا يحرم المجتهد من المثوبة والأجر، وإن أخطأ إصابة الحقيقة. ففي الحديث: "المجتهد إذا أخطأ فله أجر، وإن أصاب فله أجران". وليس في الدنيا دين ولا نظام يشجع على استعمال الفكر، ويرحب بنتائجه -أياً كانت- مثل هذا الإسلام، الذي يثيب على الاجتهاد الخطأ. ثم تتعايش هذه الأفكار والاجتهادات المختلفة جنبا إلى جنب، دون ضيق ولا تبرم، كما رأينا ذلك في عهد الصحابة ومن تبعهم بإحسان.


ففي ظل هذه الحرية الفكرية ظهرت المدارس والمشارب المختلفة:

في الفقه، والتفسير، والكلام وغيرها، من غير نكير، إلا ما توجبه المناقشة العلمية.

8. وقرر الإسلام "المسئولية الفردية"، وأكدها تأكيدا بليغا في كتابه فقال تعالى: (كل نفس بما كسبت رهينة)، (لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت)، (ولا تزر وازرة وزر أخرى). وهذه الآيات تطبق على الإنسان في الدنيا وفي الآخرة، فهو في الحياتين لا يحمل وزر غيره.

يتبع إن شاء الله...



عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 21 سبتمبر 2020, 4:52 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الباب الثالث: خصائص الإسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الثالث: خصائص الإسلام   الباب الثالث: خصائص الإسلام Emptyالجمعة 22 مايو 2015, 10:10 pm

الباب الثالث: خصائص الإسلام Hqdefault

ما قرره الإسلام لحماية حقوق المجتمع؟

ومع هذه الحقوق والحريات التي منحها الإسلام للفرد، فقد فرض عليه للمجتمع واجبات تكافئها، وقيد هذه الحقوق والحريات الفردية، بأن تكون في حدود مصلحة الجماعة، وألا يكون فيها مضرة للغير، وليس للفرد أن يستخدم حقه فيما يؤذي الجماعة ويضرها، إذ لا ضرر ولا ضرار في الإسلام، أي: لا يضر الإنسان نفسه ولا يضار غيره، كما أن حق الفرد إذا تعارض مع حقوق الجماعة، فإن حق الجماعة أولى بالتقديم.

أ. فالحياة التي صانها الإسلام للفرد، إذا اقتضى المجتمع المسلم بذلها لحمايته وجب عليه أن يقدمها راضي النفس، قرير العين، معتقدا أن الموت هنا هو عين الحياة، وكذلك إذا اعتدى على حق نفس أخرى كقاتل العمد، أو على حق المجتمع في الأمن والاستقرار، كقاطع الطريق، أو خرج على دينه وفارق الجماعة كالمرتد ـ فقدت حياته مالها من عصمة.

ب. حق التملك مقيد بأن يأخذ المال من حله، وينفقه في محله، ولا يبخل به إذا طلبته الجماعة، فملكية الفرد للمال ليست مطلقة كما ينادي أنصار "المذهب الحر"، بل هي مقيدة بحدود الله وحقوق المجتمع، حتى إن انتزع هذا الملك من صاحبه يجوز للمصلحة العامة، على أن يعوض عنه ثمن المثل، ذلك أن المال مال الله، وهو مستخلف فيه، وبعبارة أخرى: هو وكيل الجماعة في رعايته وتثميره وإنفاقه، فإذا أساء التصرف في المال، كان من حق الجماعة أن تغل يده، وتحجر عليه، كما أن للجماعة عليه حقوقا في هذا المال، بعضها دوري ثابت كالزكاة بأنواعها، وبعضها غير دوري، كما في الحديث: "إن في المال حقا سوى الزكاة"، بعضها يفرضه ولي الأمر عند الحاجة.

ج. والحريات والحقوق كلها مقيدة برعاية أخلاق المجتمع وعقائده ومثله العليا، فليس معنى حرية الاعتقاد أو الرأي، إباحة الطعن على الإسلام وأهله، وإذاعة الكفر بالله ورسوله وكتابه، والتشكيك في القيم العليا، ونشر الخلاعة والفجور، فإن حرية الإفساد لا يقرها عقل ولا شرع.

د. المسئولية الفردية التي أكدها الإسلام، نراه قد أكد كذلك مسئولية الفرد عن الجماعة، فكل فرد في المجتمع المسلم راع في مجال من المجالات، كما في الحديث الصحيح: " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته"، فكما أن الإمام راع مسئول عن الأمة، فإن الرجل في بيته راع مسئول عن الأسرة، والمرأة راعية في بيت زوجها، والخادم راع في مال مخدومه، وكل على ثغر الإسلام، فلا يجوز له إهمالها… وفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تقتضي مسئولية المسلم عن المجتمع، وتوجب عليه مراقبة أحواله، وتقويم عوجه إن اعوج بكل ما استطاع، بيده أولا، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه: وذلك أضعف الإيمان.

إن النصيحة لكافة المسلمين خاصتهم وعامتهم، ركن ركين من الإسلام، ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم.



وليس لمسلم أن يعتزل الحياة والناس ويقول: 

نفسي نفسي! ويدع نار الفساد تلتهم الأخضر واليابس من حوله، فإن هذه النار إذا تركت وشأنها، لم تلبث أن تحرقه هو، وتحرق كل ما يحرص عليه. 



ولهذا يقول القرآن: 

(واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة، واعلموا أن الله شديد العقاب)، وفي الحديث: "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده".

هـ. ومن معاني الجماعة في الإسلام ما عرف في الشريعة باسم "فروض الكفاية" فكل علم أو صناعة أو حرفة أو نظام أو مؤسسة، تحتاج إليها الجماعة المسلمة في دينها أو دنياها، فتحقيقها فرض كفاية على المسلمين، على معنى أنه إذا قام بها عدد كاف فقد ارتفع الحرج، وسقط الإثم عن باقي الجماعة، وإلا أثمت الجماعة كلها، واستحقت عقوبة الله.

و. المسلمون مسئولون مسئولية تضامنية عن تنفيذ شريعة الإسلام، وإقامة حدوده، ومن هنا كان خطاب التكليف في القرآن إلى الجماعة. 

وتكرر قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا)، بهذه الصيغة الجماعية ليؤكد وجوب التكافل بين الجماعة كلها بمثل قوله تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما)، (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة)، وإن كان الذي يقوم على هذه الحدود هو الدولة والحكام، لأن الجماعة كلها مسئولة عن إقامتها، مؤاخذة بعقاب الله إذا عطلتها.

ز. حتى العبادة التي هي صلة بين العبد وربه، أبى الإسلام، إلا أن يضفي عليها روحاً جماعية، وصبغة جماعية، فدعا إلى صلاة الجماعة، ورغب فيها، حتى جعلها أفضل من صلاة المسلم وحده، بسبع وعشرين درجة، وكلما كان عدد الجماعة أكبر، كان ثواب الله عليها أعظم، بل همَّ الرسول أن يحرق على قوم بيوتهم، لتخلفهم عن الجماعة في المسجد، ولم يرخص لأعمى، يسمع الأذن، أن يصلي في بيته ويترك صلاة الجماعة، وقال: "لا صلاة لمنفرد خلف الصف" كراهية منه للشذوذ والانفراد، ولو في المظهر، وإذا صلى المسلم منفردا في خلوة لم تزل الجماعة في وجدانه وضميره، فهو إذا ناجى الله ناجاه بصيغة الجمع، وإذا دعاه دعاه باسم الجميع: (إياك نعبد وإياك نستعين، اهدنا الصراط المستقيم).

كما شرع صلاة الجمعة في كل أسبوع مرة، وصلاة العيد في كل عام مرتين، وفرض الحج في العمر مرة على كل مسلم، وكلها شعائر لا بد أن تؤدى في صورة جماعية.

ح. في مجال الآداب والتقاليد، حث الإسلام على جملة من الآداب الاجتماعية، أراد بها أن يخرج المسلم من الفردية والانعزالية، التي قد تروق للانطوائيين من الناس، فتحية الإسلام، والمصافحة عند اللقاء، وتشميت العاطس، والتزاور والتهادي، وعيادة المريض، وتعزية المصاب، وصلة الأرحام، وإحسان الجوار، وإكرام الضيف، وحسن الصحبة في السفر والحضر، والبر باليتامى والمساكين وابن السبيل، وغير ذلك من الآداب والواجبات، هي التي جعلت الشعور الجماعي، والتفكير الجماعي، والسلوك الجماعي، جزءا لا يتجزأ من حياة المسلم.

ط. وفي مجال الأخلاق، حث الإسلام على المحبة والإخاء والإيثار، وأمر بالتعاون على البر والتقوى، ودعا إلى توحيد الكلمة وجمع الصف، كما دعا إلى التراحم والتسامح، وإلى البذل والتضحية، واحترام النظام، والطاعة لأولي الأمر في المعروف.

وبجوار ذلك حذر من الحسد والبغضاء والحقد، والفرقة والتنازع. وسائر الرذائل التي تنشأ من الأنانية والغلو في حب الذات، وحب الشهوات.

وبهذا كله، نعلم كيف أقام الإسلام -بالتشريع والتربية- الموازين القسط بين الفرد والمجتمع، أو بين الفردية والجماعية في حياة الإنسان، كما نتبين أن نظام الإسلام لا يعد في المذاهب الفردية، كما لا يحسب في المذاهب الجماعية، ذلك لأنه أخذ من كل منهما خير ما فيه، كما تنزه عن شر ما فيه، فقد اعترف بالفرد وبالمجتمع، وقرر لكل منهما حقوقه بالعدل، وألزمه واجبات تقابلها بالمعروف، وهذه هي الوسطية، وإن شئت قلت: هو التوازن الذي اختص به هذا الإسلام.



الجمع بين الثبات والمرونة

من أجلى مظاهر "الوسطية"، التي تميزت بها رسالة الإسلام، وبالتالي يتميز بها مجتمعه عن غيره: التوازن بين الثبات والتطور، أو الثبات والمرونة.

فهو يجمع بينهما في تناسق مبدع، واضعا كلا منهما في موضعه الصحيح.. الثبات فيما يجب أن يخلد ويبقى، والمرونة فيما ينبغي أن يتغير ويتطور.

وهذه الخصيصة البارزة لرسالة الإسلام، لا توجد في شريعة سماوية ولا وضعية.

فالسماوية -عادة- تمثل الثبات، بل الجمود أحيانا، حتى سجل التاريخ على كثير من رجالاتها وقوفهم في وجه الحركات العلمية، والتحريرية الكبرى، ورفضهم لكل جديد في ميدان الفكر أو التشريع أو التنظيم.

وأما الشرائع الوضعية، فهي تمثل ـ عادة ـ المرونة المطلقة، ولهذا نراها في تغير دائم، ولا تكاد تستقر على حال، حتى الدساتير التي هي أم القوانين، كثيرا ما تلغى بجرة قلم، من حاكم متغلب، أو مجلس للثورة، أو برلمان منتخب، انتخاباً صحيحاً أو زائفاً، حتى يصبح الناس ويمسوا وهم غير مطمئنين إلى ثبات أي مادة، أو قاعدة قانونية، كانت بالأمس موضع التجلة والاحترام.

ولكن الإسلام، الذي ختم الله به الشرائع والرسالات السماوية، أودع الله فيه عنصر الثبات والخلود، وعنصر المرونة والتطور معا، وهذا من روائع الإعجاز في هذا الدين، وآية من آياته عمومه وخلوده، وصلاحيته لكل زمان وكل مكان.

ونستطيع أن نحدد مجال الثبات، ومجال المرونة، في شريعة الإسلام ورسالته الشاملة الخالدة، فنقول: إنه الثبات على الأهداف والغايات، والمرونة في الوسائل والأساليب.

الثبات على الأصول والكليات، والمرونة في الفروع والجزئيات.

الثبات على القيم الدينية والأخلاقية، والمرونة في الشؤون الدنيوية والعلمية.



دلائل الثبات والمرونة في مصادر الإسلام وأحكامه:

إن للثبات والمرونة مظاهر ودلائل شتى، نجدها في مصادر الإسلام، وشريعته وتاريخه.

يتجلى هذا الثبات في "المصادر الأصلية النصية القطعية للتشريع" من كتاب الله، وسنة رسوله، فالقرآن هو الأصل والدستور، والسنة هي الشرح النظري، والبيان العملي للقرآن وكلاهما مصدر إلهي معصوم، لا يسع مسلما أن يعرض عنه: (قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول)، (إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا).

وتتجلى المرونة في "المصادر الاجتهادية" التي اختلف فقهاء الأمة في مدى الاحتجاج بها ما بين موسع ومضيق ومقال ومكثر، مثل: الإجماع، والقياس، والاستحسان، والمصالح المرسلة، وأقوال الصحابة، وشرع من قبلنا، وغير ذلك من مآخذ الاجتهاد، وطرائق الاستنباط.



وفي أحكام الشريعة نجدها تنقسم إلى قسمين بارزين:

 -قسم يمثل الثبات والخلود.

- وقسم يمثل المرونة والتطور.

نجد الثبات يتمثل في العقائد الأساسية الخمس، من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وهي التي ذكرها القرآن في غير موضع كقوله: (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين)، (ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا).

وفي الأركان العملية الخمسة من الشهادتين وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت الحرام، وهي التي صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن الإسلام بني عليها.

وفي المحرمات اليقينية من السحر، وقتل النفس، والزنى، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات، والتولي يوم الزحف والغصب والسرقة والغيبة والنميمة وغيرها مما يثبت بقطعي القرآن والسنة.

وفي أمهات الفضائل من الصدق، والأمانة، والعفة، والصبر، والوفاء بالعهد، والحياء وغيرها من مكارم الأخلاق التي اعتبرها القرآن والسنة من شعب الإيمان.

وفي شرائع الإسلام القطعية في شؤون الزواج، والطلاق، والميراث والحدود، والقصاص، ونحوها من نظم الإسلام التي ثبتت بنصوص قطعية الثبوت قطعية الدلالة فهذه الأمور ثابتة، تزول الجبال ولا تزول.

يقول الإمام ابن القيم في كتابه "إغاثة اللهفان":



"الأحكام نوعان:

نوع: لا يتغير عن حالة واحدة هو عليها، لا بحسب الأزمنة ولا الأمكنة، ولا اجتهاد الأئمة، كوجوب الواجبات، وتحريم المحرمات، والحدود المقدرة بالشرع على الجرائم، ونحو ذلك، فهو لا يتطرق إليه تغيير ولا اجتهاد يخالف ما وضع عليه.

والنوع الثاني: ما يتغير بحسب اقتضاء المصلحة له زمانا ومكانا وحالا، كمقادير التعزيزات وأجناسها وصفاتها، فإن الشارع ينوع فيها حسب المصلحة، وقد ضرب ابن القيم لذلك عدة أمثلة من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وسنة خلفائه الراشدين المهديين من بعده ـ ثم قال: "وهذا باب واسع، اشتبه فيه على كثير من الناس الأحكام الثابتة اللازمة التي لا تتغير، بالتعزيزات التابعة للمصالح وجودا وعدما".



الثبات والمرونة في هدي القرآن:

والذي يتدبر القرآن الكريم، يجد في نصوصه المقدسة دلائل جمة، على هذه الخصيصة البارزة، من خصائص الأمة المسلمة، وهي: الجمع بين الثبات والمرونة جمعا متوازنا عادلا.



وإذا كان بالمثال يتضح المقال، فلا بأس أن نذكر هنا بعض الأمثلة التي توضح ما قلناه:

أ. يتمثل الثبات في مثل قوله تعالى في وصف مجتمع المؤمنين: (وأمرهم شورى بينهم)، وفي قوله لرسوله: (وشاورهم في الأمر)، فلا يجوز لحاكم، ولا لمجتمع، أن يلغي الشورى من حياته السياسية والاجتماعية، ولا يحل لسلطان أن يقود الناس رغم أنوفهم إلى ما يكرهون، بالتسلط والجبروت.

وتتمثل المرونة، في عدم تحديد شكل معين للشورى، يلتزم به الناس في كل زمان وفي كل مكان فيتضرر المجتمع بهذا التقييد الأبدي، إذا تغيرت الظروف بتغير البيئات أو الأعصار أو الأحوال، فيستطيع المؤمنون في كل عصر أن ينفذوا ما أمر الله به من الشورى بالصورة التي تناسب حالهم وأوضاعهم، وتلائم موقعهم من التطور، دون أي قيد يلزمهم بشكل جامد.

ب. يتمثل الثبات في قوله تعالى: (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)، (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك)، فأوجب التقيد بالعدل والالتزام بكل ما أنزل الله، والحذر من اتباع الأهواء، وكل هذا مما لا مجال للتساهل فيه، هو يمثل جانب الثبات قطعا في مجال الحكم والقضاء.

وتتمثل المرونة في عدم الالتزام بشكل معين للقضاء والتقاضي، وهل يكون من درجة أو أكثر؟ وهل يسير على أسلوب القاضي المفرد أم على أسلوب المحكمة الجماعية؟ وهل يكون هناك محكمة جنايات وأخرى للمدنيات.. الخ، كل هذا متروك لاجتهاد أولي الأمر، وأهل الحل والعقد في مثل هذه الأمور، وليس للشارع قصد فيه إلا إقامة العدل، ورفع الظلم، وتحقيق المصلحة، ودرء المفسدة.

لقد اهتم الشارع بالنص على المبدأ والهدف، ولكنه لم يعتن بالنص على الوسيلة والأسلوب، وذلك ليدع الفرصة، ويفسح الطريق للإنسان كي يختار لنفسه الأسلوب المناسب، والصورة الملائمة لزمنه وبيئته، ووضعه وحالته.

يتبع إن شاء الله...



الباب الثالث: خصائص الإسلام 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 21 سبتمبر 2020, 4:53 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الباب الثالث: خصائص الإسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الثالث: خصائص الإسلام   الباب الثالث: خصائص الإسلام Emptyالجمعة 22 مايو 2015, 10:16 pm

الثبات والمرونة في الهدي النبوي

الباب الثالث: خصائص الإسلام 285405_469171266447076_998960030_n

وإذا تأملنا في السنة المطهرة ـ قولاً وفعلاً وتقريراً ـ وجدناها حافلة بشتى الأمثلة والدلائل التي يتمثل فيها الثبات والمرونة جنبا إلى جنب:

(أ) يتمثل الثبات في رفضه ـ صلى الله عليه وسلم ـ التهاون أو التنازل في كل ما يتصل بتبليغ الوحي أو يتعلق بكليات الدين، وقيمه، وأسسه العقائدية والأخلاقية.

ومهما حاول المحاولون أن يثنوا عنانه عن شيء من ذلك بالمساومات، أو التهديدات، أو غير ذلك من أنواع التأثير على النفس البشرية، فموقفه هو الرفض الحاسم، الذي علمه إياه القرآن في مواقف شتى. فحين عرض عليه المشركون، أن يلتقوا في منتصف الطريق، فيقبل شيئا من عبادتهم ويقبلوا شيئا من عبادته، لو يعبد آلهتهم مدة، ويعبدوا إلهه مدة كان الجواب الحاسم يحمله الوحي الصادق في سورة قطعت كل المساومات وحسمت كل المفاوضات، وهي قوله تعالى: (قل يا أيها الكافرون، لا أعبد ما تعبدون، ولا أنتم عابدون ما أعبد، ولا أنا عابد ما عبدتم، ولا أنتم عابدون ما أعبد، لكم دينكم ولي دين).

ولما تلا عليهم آيات الله بينات، منكرة عليهم شركهم وعنادهم، ناعية ضلالهم وجحودهم، قالوا له صلى الله عليه وسلم: (ائت بقرآن غير هذا أو بدله)، فكان الرد القاطع، تلقينا من الله تعالى لرسوله: (قل: ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي، إن اتبع إلا ما يوحى إلي، إني أخاف إن عصيت ربي عذاب روم عظيم، قل: لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به، فقد لبثت فيكم عمرا من قبله، أفلا تعقلون)؟

وهكذا تعلم ـ صلى الله عليه وسلم ـ من وحي الله: أن لا تنازل ولا تساهل في أمور العقيدة وما يتصل بها.

وفي مقابل ذلك، نجد مرونة واسعة في مواقف السياسة و "التكتيك" ومواجهة الأعداء، بما يتطلبه الموقف المعين، من حركة ووعي وتقدير لكل الجوانب والملابسات، دون تزمت أو تشنج أو جمود.

نجده في يوم الأحزاب مثلا يأخذ برأي (سلمان) في حفر الخندق حول المدينة، ويشاور بعض رؤساء الأنصار في إمكان إعطاء بعض المهاجمين مع قريش جزءا من ثمار المدينة، ليردهم ويفرقهم عن حلفائهم، كسبا للوقت إلى أن يتغير الموقف.

ويقول لنعيم بن مسعود الأشجعي ـ وقد أسلم، وأراد الانضمام إلى صفوف المسلمين ـ "إنما أنت رجل واحد، فخذل عنا ما استطعت" فيقوم الرجل بدور له شأنه في التفريق بين قريش وغطفان ويهود بني قريظة.

وفي يوم الحديبية تتجلى المرونة النبوية بأروع صورها.

تتجلى في قوله ذلك اليوم: "والله لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألونني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها".

وفي قبوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يكتب في عقد الصلح: "باسمك اللهم" بدل (بسم الله الرحمن الرحيم) وهي تسمية فضها قريش.

وفي قبوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يمحو كلمة "رسول الله" بعد اسمه الكريم، على حين رفض (علي) رضي الله عنه أن يمحوها بعد كتابتها.

وفي قبوله من الشروط ما في ظاهره إجحاف بالمسلمين، وإن كان في عاقبته الخير كل الخير.

والسر في هذه المرونة هنا، والتشدد في المواقف السابقة: أن المواقف الأولى تتعلق بالتنازل عن العقيدة والمبدأ، فلم يقبل فيها أي مساومة أو تساهل، ولم يتنازل قيد أنملة عن دعوته. أما المواقف الأخيرة فتتعلق بأمور جزئية، وبسياسات وقتية، أو بمظاهر شكلية، فوقف فيها موقف المتساهل.

(ب) يتمثل الثبات والمرونة معا في موقفه ـ صلى الله عليه وسلم ـ من وفد ثقيف وقد عرضوا عليه أن يدخلوا الإسلام ـ ولكنهم سألوه أن يدع لهم (الطاغية) ـ وهي (اللات) التي كانوا يعبدونها في الجاهلية ـ ثلاث سنين فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك عليهم، فما برحوا يسألونه سنة سنة، ويأبى عليهم حتى سألوه شهرا واحدا بعد مقدمهم فأبى عليهم إلا أن يبعث أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة فيهدماها.

وقد كانوا سألوه مع ترك (الطاغية)، أن يعفيهم من الصلاة، وألا يكسروا أوثانهم بأيديهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما كسر أوثانكم بأيديكم فسنعفيكم منه، وأما الصلاة فإنه لا خير في دين لا صلاة فيه".

فهو صلى الله عليه وسلم أمام العقائد والمبادئ لا يتنازل ولا يترخص ولا يتسامح، كما في أمر (الطاغية) وأمر الصلاة. وأما في الكيفيات والجزئيات ففيها متسع للترخص والمسامحة كما في كسر الأوثان بأيديهم فهو أمر لا يتعلق بالمبدأ، بل بطريقة التنفيذ.



الفقه الإسلامي بين الثبات والتطور:

ولا عجب بعد ما ذكرنا من هدى القرآن، وسنة الرسول، ومواقف الصحابة، من الثبات والمرونة ـ أن نجد الفقه الإسلامي، بمختلف مدارسه ومذاهبه، يسير في نفس هذا الاتجاه ثابتا على الأصول والكليات، مرنا متطورا في الفروع والجزئيات.

إنه لا يعطي المسلم حرية مطلقة في تنظيم حياته ولو على حساب عقائده وقيمه ومفاهيمه، كما أنه لا يقيده في كل شئونه بتشريعات مفصلة دائمة، لا يستطيع الفكاك منها.

فالفقيه المسلم، مقيد حقا بالنصوص المحكمة الثابتة من القرآن والسنة، وهي المجزوم بثبوتها، القواطع في دلالتها، التي أراد الشارع الحكيم أن تلتقي عندها الأفهام، ويرتفع عندها الخلاف، وينعقد عليها الإجماع، فهي أساس الوحدة الفكرية والسلوكية، للمجتمع المسلم، وهي للأمة كالجبال للأرض تمسكها أن تميد، وتحميها أن تضطرب وتتزلزل، وهذا النوع من النصوص قليل جدا بالنسبة إلى سائر النصوص.

ومع هذا التقيد الملزم، يجد الفقيه المسلم نفسه في حرية واسعة أمام منطقتين فسيحتين، من مناطق الاجتهاد وإعمال الرأي والنظر.



منطقة الفراغ التشريعي:

أما المنطقة الأولى، فهي ما يمكن تسميته: "منطقة الفراغ التشريعي" تلك المنطقة التي تركتها النصوص ـ قصدا ـ لاجتهاد أولي الأمر والرأي، وأهل الحل والعقد في الأمة، بما يحقق المصلحة العامة، ويرعى المقاصد الشرعية، من غير أن يقيدنا الشارع فيها بأمر أو نهي. وهي المنطقة التي يسميها بعض الفقهاء "العفو" تبعا لما جاء في بعض الأحاديث: "ما أحل الله في كتابه فهو حلال، ما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسى شيئا، وتلا: (وما كان ربك نسيا)".

وفي حديث آخر: "إن الله حد حدودا فلا تعتدوها، وفرض فرائض فلا تضيعوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم من غير نسيان فلا تبحثوا عنها".

فالحدود التي قدرها الشرع، لا يجوز اعتداؤها، مثل تحديد الطلاق الذي تجوز بعده الرجعة بمرتين، وتحديد عدة المطلقة بثلاثة قروء أو بضع الحمل، وتحديد أنصبة الورثة في تركة الميت، وتحديد نصاب الزكاة ومقدار الواجب فيها، وكذلك العقوبات المقدرة بمئة جلدة، أو بثمانين، أو بقطع اليد ونحوها.

ومثل ذلك الفرائض التي أوجبها الله كالعبادات الأربع التي هي أركان الإسلام، ومبانيه العظام، ومثل ذلك الجهاد، والأمر المعروف والنهي عن المنكر، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والإحسان إلى الجار، وأداء الأمانات، والحكم بالعدل وغيرها.

وكذلك المحرمات اليقينية، التي أشرنا إليها من قبل، مثل: الشرك والسحر، والقتل، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات، والزنى وشرب الخمر، والسرقة وشهادة الزور، ونحو

وما عدا هذه الحدود والفرائض والمحرمات، فهي أمور مسكوت عنها، متروكة للاجتهاد، رحمة بالأمة، وتيسيرا وتوسعة عليها، وبهذا تجد أمامها مجالا رحبا مرنا، تتحرك فيه بيسر وسهولة دون أن تشعر بالإثم في دينها، أو الحرج في دنياها.

أما كيف تملأ الأمة هذا "الفراغ التشريعي" أو "منطقة العفو" التي تركتها النصوص قصدا، كما قلنا، فهناك طرائق ومسالك عديدة يختلف في تقديرها وفي الأخذ بها فقهاء الشريعة ما بين قابل ورافض، ومطلق ومقيد، ومقل ومكثر.

هناك القياس بقيوده وشروطه وإن خالف فيه بعض المعتزلة والظاهرية والأمامية.

هناك الاستصلاح أو اعتبار المصلحة المرسلة، وهي التي لم يجئ نص خاص من الشارع باعتبارها ولا بإلغائها، واشتهر الأخذ بها عند المالكية، وإن كانت المذاهب الأربعة كلها قد أخذت بها عند التحقيق والتطبيق، كما يتضح ذلك بالقراءة والاستقراء لكتب كل مذهب.

هناك اعتبار العرف بقيوده وشروطه، ولهذا كان من القواعد الكلية الشرعية: أن العادة محكمة، وأن المعروف عرفا كالمشروط نصا.



منطقة النصوص المحتملة:

والثانية: منطقة النصوص المتشابهات، التي اقتضت حكمة الشارع أن تجعلها هكذا محتملات، تتسع لأكثر من فهم، وأكثر من رأي، ما بين موسع ومضيق، وما بين قياسي وظاهري، وما بين متشدد ومترخص، وما بين واقعي ومفترض.

وفي كل هذا فسحة وسعة لمن أراد الموازنة والترجيح وأخذ أقرب الآراء إلى الصواب، وأولاها بتحقيق مقاصد الشرع، فقد يصلح رأي لزمن ولا يصلح لآخر، أو يصلح لبيئة ولا يصلح لأخرى، أو يصلح لحال ولا يصلح لغيره.

وهكذا نجد في النظام الإسلامي مواضع اجتماعية لم يختلف فيها اثنان من علماء الأمة وهي الأسس الثابتة، التي يرتكز عليها بناء النظام الإسلامي، مثل ملكية الأرض للأفراد، وجواز استغلالها وشرعية توارثها، فهذا مما لم يخالف في ثبوته ومشروعيته أحد من فقهاء المسلمين.

ولكن إذا جئنا إلى طريقة استغلال الأرض، وجدنا مذاهب وأقوالا شتى، يستند كل منها إلى أدلة شرعية محتملة للتضعيف والترجيح.

فهناك من يقول بمنع المزارعة، وبإباحة المؤاجرة استنادا إلى ما ورد في ذلك من آثار، وإلى المشروعية العامة للإيجار والاستئجار في سائر الأشياء، ومنهم من عكس فأباح المزارعة لما صح من معاملة النبي لأهل خيبر على أساسه ولما فيها من المشاركة في المغنم والمغرم، ولكنه منع المؤاجرة لما فيها من مخاطرة بالبذور والنفقة والجهد دون فائدة محققة للمستأجر مع الربح المحقق للمالك، أما المزارعة ففيها اشتراك في الغنم والغرم قل أو كثر.

وهناك من يجيز المزارعة والمؤاجرة جميعا، بشرط ألا تشتمل المزارعة على شرط فاسد، لأنه لم يصح عنده نهى مطلق عن هذه أو تلك.

وبعضهم يوجب في المؤاجرة أن يضع المالك من الأجرة في حالة الجوائح والآفات تصيب الزرع وفقا لقدر الخسارة، لما جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح.



وهناك من لا يجيز المزارعة ولا المؤاجرة جميعا، ويوجب على المالك أحد أمرين:

إما أن يزرع أرضه بنفسه وأدواته.

وإما أن يعيرها لغيره ليزرعها بدون مقابل، أخذا بحديث: "من كانت له أرض فليزرعها أو يمنحها أخاه" متفق عليه.

أية مرونة، وأية سعة، يجدها الفقيه المسلم، وبالتالي المجتمع المسلم إزاء هذه الآراء المتنوعة، وهذه الخصوبة الفقهية المثرية؟

إن لكل رأي من هذه الآراء مستندة الفقهي، ودليله الشرعي، ولكل منها وجهة معتبرة.

ويمكننا أن نأخذ بما نراه أرجح وأقوى وأدنى إلى تحقيق المصلحة بالنظر إلى ظروف مجتمعنا وعصرنا، دون أن ينكر علينا فقيه واحد، لأن من المتفق عليه: أنه لا إنكار على مجتهد في المسائل الاجتهادية.

فهذه هي شريعة الإسلام: لو شاء الله لجعل أحكامها كلها منصوصا عليها نصا قطعي الثبوت قطعي للدلالة، وبذلك لا يكون هناك مجال لاجتهاد أو استنباط، ولاختلاف المشارب وتعدد المدارس، وتطور الآراء، وتغير الفتوى بتغيير الزمان والمكان والحال، وإنما هو حكم واحد ثابت مؤيد.



تغير الفتوى بتغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والعوائد:

ومن هنا لم يجد المحققون من فقهاء المسلمين، في مختلف العصور أي غضاضة أو حرج في إعلان وجوب تغير الفتوى، بتغير الأزمنة والأمكنة والأعراف والأحوال.



يقول الإمام ابن القيم في فصل تغير والفتوى واختلافها بحسب ما ذكرناه:

"هذا فصل عظيم النفع جدا، وقد وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة، أوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا سبيل إليه ـ ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به، فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، فكل مسألة خرجت من العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها التأويل"K وكذلك كتب الإمام القرافي المالكي في كتابه "الأحكام" مبينا أن استمرار الأحكام، التي مدركها العرف والعادة ـ مع تغير تلك العوائد ـ خلاف الإجماع وجهالة في الدين.



كما عالج ذلك في كتابه "الفروق" بهذه الروح نفسها.

وفي القرن الثالث عشر الهجري، كتب علامة متأخري الحنفية "ابن عابدين" رسالته المشهورة (نشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف) مستخلصا أحكامها مما قرره علماء المذهب أنفسهم وأفتوا به في مختلف الأعصار.

وقد ذكر في هذه الرسالة النافعة: أن كثيرا من الأحكام تختلف باختلاف الزمان لتغير عرف أهله، أو لحدوث ضرورة، أو لفساد أهل الزمان، بحيث لو بقي الحكم على ما كان عليه أولا، للزم منه المشقة والضرر بالناس، ولخالف قواعد الشريعة المبنية على التخفيف والتيسير ودفع الضرر والفساد.

ولهذا نرى مشايخ المذهب خالفوا ما نص عليه المجتهد، (إمام المذهب) في مواضع كثيرة بناها على ما كان في زمنه، لعلمهم بأنه لو كان في زمنهم لقال بما قالوا به، أخذا من قواعد مذهبه.



ومن أمثلة ما تغيرت فيه الفتوى والحكم بتغير البيئات، والأزمان، والأحوال:

ما وقع من عمر بن عبد العزيز ـ رضي الله عنه ـ إذ كان واليا على المدينة، فكان يحكم للمدعى بدعواه، إذا جاء بشاهد واحد، وحلف اليمين، فيعد يمين المدعي قائمة مقام الشاهد الثاني فلما ولى الخلافة، وأقام في عاصمة الدولة بالشام لم يحكم إلا بشهادة رجلين، أو رجل وامرأتين فسئل في ذلك فقال: لقد وجدنا أهل الشام على غير ما عليه أهل المدينة.

وما فعله عمر في الشام لا ينافي ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى بشاهد ويمين، فإن قضاء النبي صلى الله عليه وسلم بذلك يدل على جوازه ومشروعيته، ولا يدل على الوجوب والإلزام، فيجوز القضاء بالشاهد الواحد مع اليمين في بعض الحالات، وتركه في حالات أخرى بناء على اعتبارات صحيحة، كما فعل عمر بن عبد العزيز.

كما أنه من المجازفة ـ وقد صح حديث الشاهد مع اليمين ـ أن يرد الحديث ردا مطلقا، ويمنع العمل به في أي حال من الأحوال.



الباب الثالث: خصائص الإسلام 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الباب الثالث: خصائص الإسلام
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الباب الثالث: الدولة العثـمانية وفارس بعد انتشار الإسلام
» الفصل الثالث: بعض أحكام الصلاة للداخل في الإسلام
» الباب الخامس: مصادر الإسلام
» الباب الثاني: من الجاهلية إلى الإسلام
» الباب الأول في مباني الإسلام

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـعــقـيــــــــدة الإســــلامـيــــــــــة :: مـدخـــــل لـمعــرفة :: الباب الثالث-
انتقل الى: