شرح كتاب كيفية صلاة النبي للألباني
للشيخ أبي إسحاق الحويني
الدرس السادس
نكمل صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- فمما يفعله المصلي أيضًا وهو راكع أن يجافي بين عضديه في الركوع ، أي لا يجمع ما بين ذراعيه ولا يلصقها ببطنه كما يفعل بعض المصلين ، إنما كان يجافي , بشدة .
المقصود بالمجافاة:
أنه ما يلصقها كما يفعل بعض المصلين ، كان يجافي حتى قال أنس كنا نأوي له -صلى الله عليه وسلم- أي نشفق عليه ولكن المقصود طبعًا أن يكون هكذا لأنه إذا ثنى ذراعه ما يستطيع أن يأتي باستقامة ظهره ، فهو لابد في هذه الحالة أن ينصب ذراعيه هكذا لكن يجافي ما بين بطنه وما بين ذراعيه ، ولكن لا يصلي هكذا كما يفعل بعض المصلين يعتمد على بطنه في هذا الأمر .
في الركوع أيضًا النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يجافي بين ذراعيه وبين بطنه ، بعد أن يرفع من الركوع ويطمئن حتى يعود كل عظم إلى مكانه ، وهنا موضع اختلف فيه العلماء وهو .
هل يقبض باليمنى على اليسرى بعد القيام من الركوع أم يرسل ؟
إذا قال سمع الله لمن حمده يرجع , فيقبض هكذا كما كان يقبض في القيام الأول أم يرسل ؟
الصواب: أن يرسل ولا يقبض فإن القبض لم يقم عليه دليل إلا بعموم حديث وائل بن حجر ومعلوم أن العموم يقبل في موضعه إذا لم يرد تخصيصًا ، لكن في موضعنا هذا لا يقبل العموم .
لماذا؟ ، لأننا في إثبات هيئة ، وإسناد الهيئة لابد لها من دليل صحيح نقلي خاص بمثل هذه المسألة ، ولا يحتج بمثل هذه العمومات في هيئات الصلاة ، هيئة الصلاة ما لنا إليها سبيل ولا يدخلها قياس ولا يدخلها اجتهاد ، إنما تتلقى عن صاحب الشرع -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: « صلوا كما رأيتموني أصلي » .
ومما يدل على أن هذا القبض لم يكن معروفًا:
أنه لم يرد به حديث قط يعينه مع أن المتأمل لأحاديث صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- يرى أن الصحابة ما تركوا دقيقًا ولا جليلًا إلا نقلوه ، حتى ينقل لك تفريج الأصابع وينقل لك في السجود ، ضم أصابع اليدين , مثل هذا الذي ينقل كل هذا يغفل أو يغفلوا جميعًا جملةً عن أنه إذا قال سمع الله لمن حمده أن يقبض ، وهل القبض أخفى أم ضم اليدين والتفريج بينهما ؟ .
كونه يلاحظ مثل هذا الشيء وفي حديث بعض الصحابة قال: قلت: « لأرمقن صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- » أي يجلس يلاحظها لا يترك منها شيئًا ، ومع ذلك ما نقل واحد أنه قال إذا رفع من الركوع قال سمع الله لمن حمده ثم وضع اليمنى على اليسرى ، إنما الذين قالوا بوضع اليمنى على اليسرى قالوا أن هذا يضع اليمنى على اليسرى كالقيام ، فهذا قيام وهذا قيام فهذا يشمل عموم القيامين .
متي يُعمل بالدليل العام؟
الدليل العام يُعمل به في موضعه ولا يُعطل بحثًا عن الخصوص إلا في هيئات الصلاة التي هي نحن كما قلنا أنها توقيفية لا مدخل فيها لا للاجتهاد ولا إلى القياس .
ما دليل الإرسال؟
الإرسال: هو الأصل لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « ثم يرفع من الركوع ويطمئن قائمًا حتى يعود كل عظمٍ إلى مكانه » ، ونحن نريد أن نعرف الهاء في مكانه تعود على ماذا ؟ تعود على العظم أم تعود على الوضع ، لا شك أنها تعود على العظم لأن هذا هو أقرب متعلق: « حتى يعود كل عظمٍ إلى مكانه » ، يفهم بداهةً من مكانه أي مكانه قبل الركوع أو مكانه الذي خلقه الله عليه ، يرجع إلى مكانه الطبيعي .
هو مثلًا قائم هكذا فلما ركع فهذا الفقار كله استدار مع دورة الجسم ، فلما يعود قائمًا واقفًا منتصبًا فيعود كل عظم إلى مكانه الذي خلقه الله -تبارك وتعالى- عليه ، فالمناسب حيث عاد الضمير إلى العظم أن يرجع كل عظم إلى مكانه الذي خلقه الله عليه ، فإنه لابد أن نعين الضمير ، أن نرجع الضمير إلى شيئين إما أن نقول إلى العظم وإما نقول إلى الوضع .
فلو قلت إلى مكانه قبل الركوع لأنك ممكن أن تعين هذه الزيادة ، تقول حتى يرجع كل عظم إلى مكانه قبل الركوع ، فنقول هذه الزيادة تحتاج إلى دليل إنما أنت أخذتها بدلالة المفهوم وكما يقول العلماء دلالة المفهوم ليست بحجة ، لماذا؟
دلالة المفهوم ليست بحجة ؟
لأن المفهوم لا ينحصر ، فقوله لا ينحصر لا يصير حجة إلا إذا أتيت بدليل مستقل ، فنحن عندنا الدليل العام ما هناك هيئة إلا بنص ، والعلة في ذلك ان هيئات الصلاة لا يدخلها الاجتهاد ولا يدخلها الاستنباط ولا القياس ولا شيء من هذا إنما تنقل عن صاحب الشرع قال -صلى الله عليه وسلم-: « صلوا كما رأيتموني أصلي » .
والناظر المنصف الذي يتابع جميع الأحاديث التي وردت في صفة الصلاة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- ويرى أنهم نقلوا أخفى من هذا الموضع بكثير وكان ينقلونه برتابة أي يكرر اللفظ كثيرًا كلما فعل يكرره ، يقول: ثم يعود إلى مكانه ثم يقول سمع الله لمن حمده ثم يسجد حتى يعود ، ثم يرفع حتى يعود كل عظم إلى مكانه ، أي ينقل بدقة متناهية ويكرر الألفاظ ومع ذلك ما ورد في حديث قط لا حسن ولا صحيح ولا ضعيف أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا رفع من الركوع قبض اليمنى على اليسرى , إذًا ما عندنا إلا هذا العموم.
متي يحتج بالعموم؟
ولا نستطيع أن نحتج بالعموم على هيئة ، إنما نحتج بالعموم في الأحكام الشرعية التي يدخلها الاجتهاد ويدخلها الاستنباط لكن الهيئات لا .
مما ذكره العلماء أيضًا أن القيام المذكور في حديث وائل وغيره إنما يعني به القيام الأول ، وهذا هو الذي قاله العلماء ولذلك لم نجد واحدًا من العلماء الذين تدور عليهم الفتوى قال بسنية هذا القبض ، وأنا لمَّا أتكلم ما يخفي عليَّ إن شاء الله هذا الذي ذكرته وهو من علمائنا الذين نجلهم ونحترمهم الشيخ عبدالعزيز بن باز ، لكن أنا عندما أقول العلماء الذي تدور عليهم الفتوى أنا مقصودي العلماء الأوائل وليس هذا تقليلًا من قدر الشيخ -حفظه الله تبارك وتعالى- ، فإنه أحد العلماء الربانيين في هذا الزمان ، ختم الله لنا وله ولكم جميعًا بخير .
المقصود العلماء المتقدمون ، ولما أقول العلماء الذين تدور عليهم الفتوى ما أقصد إلا العلماء المتقدمين ، حتى الرواية التي نقلت عن الإمام أحمد -رحمه الله- وأنا أحيل على الناقل والعهدة عليه وهو ثبت ثقة والحمد لله وهو الشيخ ناصر الدين الألباني قال: أن الشيخ بن باز -حفظه الله- يضعف الرواية عن الإمام أحمد في هذا ، فالشيخ بن باز نفسه ضعف الرواية عن الإمام أحمد .
ما هي الرواية عن الإمام أحمد ؟
لما سئل عن القبض في القيام الأول قال: سنة ، فلما سئل عن القبض بعد القيام من الركوع قال: لا بأس به ، ففرق ، ولو كان القبض بعد القيام من الركوع يساوي القبض قبل الركوع لما فرق ، قال: سنة في الأول وجزم بذلك لأن الأحاديث كثيرة فيه وقال في القبض بعد القيام من الركوع لا بأس به فدل ذلك على التفريق .
الشيخ ناصر الدين- حفظه الله تعالى- قال أن الشيخ بن باز يضعف هذه الرواية عن الإمام أحمد لم تثبت ، ولذلك هذه المسألة غير مشتهرة وعلماؤنا في الحجاز كان من جملة ما نعوه على بعض فتاوى الشيخ ناصر الدين الألباني أن فتاواه وإن كانت قيلت أو قال بها بعض العلماء لكنها لم تشتهر في الكتب ، فهذا الجواب هو عين الجواب عن هذه المسألة .
قال في مسألة عدم جواز الاعتكاف إلا في المساجد الثلاثة ، قال: هذا لم يشتهر عن السلف ولم يعرف وإن كان أفتى به بعض العلماء ، وفي النهي عن صيام يوم السبت إلا في الفرض قال لم يشتهر عن السلف وإن كان أفتى به بعض العلماء وهكذا ، فقالوا أن الأصل إتباع السواد الأعظم من العلماء في الفتوى ، ونحن في هذه المسألة أيضًا نتبع السواد الأعظم من العلماء ولم ينص واحد من العلماء المتقدمين الذين تدور عليهم الفتوى على سنية هذا القبض ، بل هذا قول فشى في المتأخرين بل فشى في أواخر المتأخرين ، أي ما فشى في المتأخرين من القرن السابع أو الثامن أو التاسع ، لا ، وإن كان بن القيم –رحمه الله- نبه عليه تنبيهًا ، لكن عدم وجوده في الكتب مع عناية المصنفين بصفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- تدل أننا نتوقف على الأقل .
إذًا بعد ما يرفع رأسه من الركوع فيكون الصواب في المسألة أنه يرسل يديه .
ثم يذكر الله -تبارك وتعالى- في هذا القيام ، «سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد» قال بعض الصحابة: بعد ما رفع من هذا الركوع قال: الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى ، فسمعه النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي فبعدما صلى قال : « مَن القائل كذا وكذا » فسكت القوم ، لماذا ؟ .
لأنهم كانوا يخشون الملام ، مَن القائل؟ يقول أنا ، يقول له كيف قلت؟ لماذا فعلت؟ فكانوا يخشون الملام ، لذلك ما كانوا ينطقون أول مرة فقال: « مَن الذي قال كذا وكذا » قال: أنا يا رسول الله ، قال: « قد رأيت بضعة وثلاثين ملكًا يبتدرونها أيهم يصعد بها أولًا » ، هذا الدعاء أو الذكر أنت تقوله إذا رفعت رأسك من الركوع .
وهناك أذكار أخرى ، « سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد ، الحمد لله حمدًا ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد » .
لا ينفع ذا الجد منك الجد: أي الجاه والغنى ، أي صاحب الغنى أو صاحب الجاه لا ينفع جاهه عندك ، لا ينفع ذا الجد منك الجد ، ثم يخر ساجدًا .
الخرور للسجود :
أغلب العلماء يقولون بتقديم المصلي ركبتيه قبل يديه ، أي أول ما يصل إلى الأرض ركبتاك ، لكن الدليل الصحيح وهو قول مالك والأوزاعي وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد ( كلام مقطوع ) والدليل الصحيح يؤيد ذلك والنظر يؤيد ذلك .
أما الدليل:
فحديث أبو هريرة -رضي الله عنه- الذي رواه أبو داود وغيره أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه » نص في المسألة « إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع » وليس ولا يضع : « وليضع يديه قبل ركبتيه » ، وهذا الحديث ما علل بعلة صحيحة بل هو حديث صحيح لا علة فيه .
قال بعض الذين عللوه:
ومنهم الإمام بن القيم وغيره وما من واحد تكلم في المسألة وقدم ركبتيه إلا وبن القيم سلفه في هذه المسألة ، أقصد سلفه في التفصيل ، ما يكاد واحد يأتي ويأتي بدليل واحدًا على ما ذكره بن القيم -رحمه الله- في زاد المعاد ، فكان من جملة ما قاله بن القيم –رحمه الله- إن قولهم: ركبة البعير في يده كلام لا يعقل ولا يعرفه أهل اللغة إنما الركبة تكون في الرجل وأطلقت على التي في اليد على سبيل التغليب فقط .
تعالوا نتصور كيف يبرك البعير لنعرف هل إذا نهيت عن بروك البعير كيف تسجد؟
كل ذي أربع كما اتفق جميع علماء اللغة ونقل بن القيم -رحمه الله- في ذهول وما من إنسان إلا يتعرض للنسيان لأنه قال: قولهم: ركبة البعير في يده كلام لا يعقل ولا يعرفه أهل اللغة ، وأهل اللغة لا يعرفون قول بن القيم إنما أهل اللغة نصوا على كل ذي أربع كل حيوان يمشي على أربع ركبتاه في يديه وعقباه في رجليه ، كل ذي أربع .
اليدان الذي فيهما ركبة ، والرجلين الذي فيهما هذا عرقوب ليس اسمه ركبة هو يقول البعير يقدم يديه في السجود ، في البروك أول ما يبرك يبرك على يديه فلذلك المصلي لا يبرك على يديه لأنه لو برك على يديه سيشبه بالبعير الذي برك على يديه .
نقول: يداه موضوعتان هو يمشي عليهم ، يضعهم بصفة دائمة ، يداه على الأرض بصفة دائمة ، إنما يسمى وضع يديه إذا كان يداه منصوبتان كالإنسان هكذا ثم وضعهم على الأرض فكيف وهما موضوعتان خلقةً .
حينئذٍ ما يصح أن يقال: أول ما يصل إلى الأرض من البعير يداه ، لماذا؟ لأنه يمشي عليهم ، هم وصلوا بأصل خلقته ، فننظر في هذه الحالة ما هو أول شيء وصل من بدنه إلى الأرض ؟ ركبتاه ، فأنت تنهى أن تضع ركبتيك على الأرض .
ومن الدليل على أن البروك ما يعرف إلا على الركبة :
أحاديث منها الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه لما نزل أواخر سورة البقرة ، جاء الصحابة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهذا نص رواية مسلم ، ما أذكره نص رواية مسلم قال: « فجاء الصحابة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فجثوا على الركب » وفي الرواية الأخرى: « فبركوا على الركب وقالوا نزلت قاصمة الظهر يا رسول الله هذا الذي لا نستطيع ، قال: أتريدون أن تقولوا كما قال بنوا إسرائيل سمعنا وعصينا ، قولوا سمعنا وأطعنا ... إلى آخر الحديث » .
فانظر جاءوا : « فجثوا على الركب » وفي الرواية الأخرى : « بركوا على الركب » مما يعرف بداهةً أن البروك لا يكون إلا على الركبة .
الحديث الآخر:
ما رواه الشيخان أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خطب في الناس فقال : « لا تسألوني في مقامي هذا إلا أجبتكم وقال ما رأيت كالجنة والنار لقد عرض لي في هذا الحائط فأكثر الناس من البكاء ، قال فجثا عمر على ركبتيه ، وفي الرواية الأخرى فبرك عمر على ركبتيه قال: يا رسول الله رضينا بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمدٍ -صلى الله عليه وسلم- نبيًا ورسولًا » .
بوب الإمام البخاري على هذا الحديث قال:
( باب البروك بين يدي الإمام ) أو قال: باب : (إذا برك على الركبة أو نحو ذلك ، فهذا يدل بجلاء على أن الإنسان إذا طلب منه أن يبرك فإنه يبرك على ركبتيه ، وإذا قلت لأي رجل مهتم بالرعي ، رعي الإبل إذا قلت له أبرك يبرك على ركبتيه ما ينزل على يديه أبدًا ، فلو قلتن لواحد أبرك ما ينزل على يديه أبدًا كما ينزل المصلي إلى السجود ، وهذا من جهة النظر الصحيح .
أما قول بعضهم أن نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تبرك كما يرك البعير ، كما: أي بروك البعير الكلي ، هيئة البعير في حال البروك وهو أنه يقدم صدره ، قال: فلا شك أن الذي ينزل بيديه يقدم صدره أولًا كما أن البعير إذا برك فإنه يقدم رقبته وصدره أولًا ، وهذا يشبه قول القائل الذي سمع حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: « إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم » فقال وهذا يشمل إذا وقع الكلب .
لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: « لا يبرك » ، فجعل المسألة خاصة بالبروك دون غيره ، جعل النهي عن التشبه بالبعير في البروك دون غيره ، فما معنى أنك تذكر الرقبة في الموضوع ؟ ما دخل الرقبة ؟ .
حديث وائل بن حجر قال: « رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- انحط من الركوع إلى السجود فبدأ بركبتيه قبل يديه »، وهذا حديث ضعيف وقد تفرد به راوي اسمه شريك بن عبدالله النخعي وقال الدارقطني -رحمه الله- أن شريك تفرد به وهو ليس بالقوي فيما تفرد به ، ولم يصح حديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن الصحابة إلا عن عمر وبن مسعود أنه كان يضع يديه قبل ركبتيه .
عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- روى نزوله بالركبتين الطحاوي في شرح معاني الآثار لكن المتن عجيب ، أنظر نص المتن ، نص الكلام الذي رواه الطحاوي قال: « كان عمر يبرك كما يبرك البعير يقدم ركبتيه قبل يديه » فعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قد لا يعلم بحديث النهي فلا يكون فعله حجه على الأحاديث المرفوعة ، لأن قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يجب أن يعطل لقول صحابي على خلاف ، أو لقول صحابي على خلافه لأن الحجة في قول النبي -صلى الله عليه وسلم- دون قول غيره ، بقي بن مسعود وأنه كان يبدأ بركبتيه قبل يديه ، نقول: عندنا بن عمر كان يبدأ بيديه قبل ركبتيه والعلماء يقولون: إذا اختلف الصحابة فليس قول بعضهم حجة على بعض بل نلتمس الدليل الصحيح للفصل بينهما .
وما اتباعك لابن مسعود أولى باتباعنا لابن عمر ، إذًا ما بقي إلا الحديث المرفوع وهو نص في المسألة وكما قلت لم يعلل بشيء ذا بال .
الصواب :
أن المصلي إذا أراد أن يخر من الركوع إلى السجود فإنه يبدأ بيديه قبل ركبتيه ، فإذا سجد فإنه يؤمر أن يسجد على سبعة آراب ، أي على سبعة أعضاء ، لابد أن يمكن هذه السبعة من الأرض .
السبعة الآراب :
الوجه أولًا ، وقد ورد في بعض الأحاديث قال: الجبهة والأنف ، واليدان والركبتان والقدمان ، فهؤلاء ثمانية ، وما ورد في هذا الحديث فصل في حديث آخر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يسجد على الوجه الجبهة والأنف ، فسر الوجه أنه الجبهة والأنف .
فيكون السبعة أراب الوجه بما فيه الجبهة والأنف تمكن من الأرض، الجبهة لابد أن تكون على الأرض ، والأنف لابد أن يكون على الأرض ، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « لا صلاة لمن لا يصيب أنفه الأرض » ، فيكون الذي يصلي ويرفع رأسه ولا يصيب أنفه الأرض فلابد أن يصيب أنفه الأرض ، والكفان اليدان والركبتان والقدمان ، بعض الناس وهو ساجد أحيانًا يرفع رجليه لفوق ، لا يرفع لابد أن يثبتها على الأرض ، وفي تثبيتها يجعل أطراف الأصابع إلى القبلة بعض الناس يجعل أصابع رجله إلى الوراء ، لا ، إنما يعتمد على أصابع رجليه ويوجههما إلى القبلة ، يوجه القدمين بالأصابع إلى القبلة .
ويضم أصابع يديه حال السجود , ويجافي ذراعيه عن الأرض لا يفترش افتراش الكلب ، بعض الناس عندما يسجد , يضع كل ذراعيه على الأرض وهذا هو افتراش الكلب الذي نهى عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- عنه تكريمًا للمسلم ، لا يأمره بأن يتشبه بأي حيوان لأنه مكرم فنهى عن احتفاز كاحتفاز الثعلب ونقر كنقر الديك وافتراشً كافتراش الكلب وبروك كبروك البعير ، يباينه عن كل الحيوانات ، حتى لا يتشبه ، ونهى عن إقعاء الكلب .
فهو يرفع ذراعيه عن الأرض ويجافيهما ، أي يحاول أن يفرج بين ذراعيه بقدر المستطاع حتى قال أنس -رضي الله عنه- : « كنا نأوي -أي نشفق- على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من شدة ما يجافي بين عضديه ، ولو أرادت بهمةٌ -وهي الماعز الصغيرة- أن تمر من تحت ذراعه لمرت » .
هذا إذا أتيحت لك الفرصة أن تفعل ، لأننا وجدنا بعض الناس في صلاة الجماعة حتى في الزحام الشديد يحاول أنه يفعل هذه السنة فيُضايق إخوانه المصلين ، اتقوا الله ما استطعتم ، أنت في حال السجود أنت منهي أنك تلصق هذا بعضديك أو بالأرض ، لكن من شدة الزحام قد لا تستطيع أن تفعل إلا ذلك ، فهذا لا بأس ، المسلم يفعل ذلك إذا أتيح له أن يفعل ذلك .
يطيل هذا الركن ، وهو السجود لقوله -صلى الله عليه وسلم- : « أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد » ، لماذا؟ لأن هذا هو موضع الذل بالنسبة للإنسان ، فكلما ذللت لله تبارك تعالي كلما اقتربت منه ، كلما اشتد ذلك كلما استزدت منه قربًا كما قال الله -تبارك وتعالى-: ? وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ? ( العلق: 19) ، دل على أن الساجد يقترب وكون أن يسجد أشرف موضع فيك مكان نعلك أو نعال الناس هذا من أعظم الذل ، بل هو أعظم الذل على الإطلاق .
يتبع إن شاء الله...