منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 الباب الثانى عشر: الصهـيونية الإثنية الدينيـة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الباب الثانى عشر: الصهـيونية الإثنية الدينيـة  Empty
مُساهمةموضوع: الباب الثانى عشر: الصهـيونية الإثنية الدينيـة    الباب الثانى عشر: الصهـيونية الإثنية الدينيـة  Emptyالإثنين 03 مارس 2014, 1:10 am

الباب الثانى عشر: الصهـيونية الإثنية الدينيـة 
الصهيونية الثقافية Cultural Zionism 
«الصهيونية الثقافية» مصطلح شـائع في الأدبيات الصهيونية. وهـو، مثل كثير من المصطلحات الصهيونية، غير دقيق ويرادف مصطلح «الصهيونية الروحية». وتذهب الصهيونية الثقافية إلى أن المشروع الصهيوني لابد أن يكون ذا بُعْد ثقافي إثني وروحي (بالمعنى العلماني للكلمة). ونقترح اصطلاح «صهيونية إثنية علمانية» بديلاً لهذا المصطلح، لأن الصهيونية الإثنية تجعل الإثنوس اليهودي (أي الشعب اليهودي أو روحه) بمنزلة اللوجوس أو المطلق الكامن في النسق. 
الصهيونية الروحيـة Sprititual Zionism 
«الصهيونية الروحية» مصطلح شائع في الأدبيات الصهيونية، وهو مرادف لمصطلح «الصهيونية الثقافية». وهو أيضاً، مثله مثل معظم المصطلحات الصهيونية، غير دقيق. وتذهب الصهيونية الروحية إلى أن المشروع الصهيوني لابد أن يعبِّر عن روح الأمة اليهودية (أي إثنيتها). ولذا، فنحن نشير إليها بمصطلح «الصهيونية الإثنية العلمانية». 
الصهيونية العلمانية Secular Zionism 
نستخدم أحياناً مصطلح «الصهيونية العلمانية» بدلاً من «الصهيونية الإثنية العلمانية» من قبيل الاختصار. وما نعنيه بطبيعة الحال هو المصطلح الثاني. 
الصهـيونية الدينية Religious Zionism 
«الصهيونية الدينية» مصطلح يشير إلى التيار الصهيوني الذي يرى ضرورة أن يكون المشروع الصهيوني مشروع إحياء ديني، وأن رسالة الصهيونية هي إحياء اليهودية (لا اليهود)، ونحن نفضل مصطلح «الصهيونية الإثنية الدينية» لأن هذه الصهيونية تنظر إلى الدين من منظور حلولي عضوي يساوي بين الشعب والإله، ويجعل الشعب (والإثنية اليهودية) في منزلة الإله. وعلاوة على ذلك، فإن مصطلح «الصهيونية الإثنية الدينية» يؤكد العلاقة بين هذا التيار الصهيوني وتيارالصهيونية الإثنية العلمانية، فهما تياران متشابهان في كثير من الأطروحات الجوهرية، وينحصر الاختلاف في مصدر القداسة التي يتمتع بها الإثنوس أو الشعب اليهودي. ومع هذا نستخدم مصطلح «الصهيونية الدينية» أحياناً من قبيل الاختصار. وما نعنيه بطبيعة الحال هو «الصهيونية الإثنية الدينية». 
الصهـيونيـة الإثنيـة (الدينيـة والعلمانية)
Ethnic Zionism (Religious and Secular)
»الصهيونية الإثنية» تيار صهيوني يتعامل مع المادة البشرية اليهودية من منظور الهوية والوعي ومعنى الوجود. وقد ساهم هذا التيار في تهويد الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة عن طريق إسقاط المصطلحات الحلولية العضوية عليها وهي تتفرع إلى اتجاهين أو تيارين: صهيونية إثنية دينية وصهيونية إثنية علمانية. والصهيونية الإثنية الدينية تدور في إطار الحلولية في مرحلة وحدة الوجود الروحية، أما الصهيونية الإثنية العلمانية فتدور في إطار الحلولية في مرحلة وحدة الوجود المادية (فهي حلولية بدون إله).
ويرى أصحاب التيار الأول أن الدين اليهودي هو أساس القومية اليهودية ولا يمكن أن تقوم لها قائمة بدونه، أما أصحاب التيار الثاني فيذهبون إلى أن الدين اليهودي إن هو إلا أحد أبعاد القومية اليهودية. وكلا الفريقين يدعو إلى الإثنية اليهودية ولا يختلفان إلا في مصدر هذه الإثنية: أهو العقيدة اليهودية أم ما يسمونه «التاريخ اليهودي» و«الثقافة اليهودية». 
ويجدر التنبيه إلى أن هناك وحدة بين تياري الصهيونية الإثنية وتماثلاً في الاتجاه، فكلاهما يجعل الشعب اليهودي شيئاً مطلقاً مقدَّساً يتسم بالوحدة العضوية. ولكن، بينما يُفسِّر التيار الإثني الديني هذا التماسك العضوي على أساس ميتافيزيقي (حلول الإله في الشعب)، يفسر الفريق العلماني التماسك على أساس مادي (العملية التاريخية) أو روح الشعب (أو ما نسميه حلولية بدون إله). وقد وصل بن جوريون فيما بعد إلى صيغة توفيقية حين صرح بأنه إذا كان الإله قد اختار الشعب فإن الشعب قد اختار الإله. وعلى كل حال، فإن الحاخام إسحق كوك كان كثيراً ما ينسى صيغته الحلولية ويستخدم الصيغة العضوية دون حياء أو ديباجات. وقد اختتم إحدى مقالاته قائلاً: "ستتحقق عودتنا فقط إذا ما رافقت عظمتنا الروحية العودة إلى الجسد من أجل خلق جسم صحيح قوي وعضلات قوية تغلف روحاً ملتهبة"، وهذه العبارات تليق بنيتشه وآحاد هعام. 
ويمكن القول بأن ثمة تقسيماً واضحاً بين تيارات الصهيونية الثلاثة الأساسية. فتتركز مهمة الصهيونية الدبلوماسية ثم العامة (التوطينية) في ضمان الدعم الإمبريالي وتجنيد أعضاء الجماعات اليهودية وراء المُستوطَن الصهيوني وترحيل الفائض منهم. وكانت مهمة الصهيونية العمالية (الاستيطانية) هي توطين هذا الفائض في فلسطين من خلال مؤسسات استيطانية مختلفة ذات طابع زراعي عسكري. وعلى هذا، فإن لكل صهيونية منها برنامجاً سياسياً واقتصادياً يغطي مجالها ونشاطاتها. أما الصهيونية الإثنية، بشقيها الديني والعلماني، فلم يكن يعنيها كثيراً التوجه الاقتصادي أو السياسي، ذلك أنها كانت تتعامل مع مستوى التعبير والوعي ومعنى الوجود. 
وقد حدَّدت مجالها بأنه "اليهود" أينما كانوا في الداخل والخارج، فهم شعب متميِّز ذو تاريخ متميِّز، وحددت وظيفتها بأنها الإتيان بالعلاج الناجع لمشاكل اليهود الروحية (مشكلة المعنى)، وخلق الوعي اليهودي، وتطهير الفكر الصهيوني من المفاهيم الاندماجية كافة، وتعميق مفهوم الشعب اليهودي بالإصرار على هوية يهودية محددة للمشروع الصهيوني بحيث لا يكون هدفه أن يصبح اليهود شعباً مثل كل الشعوب، له دولة مثل كل الدول، وإنما يهدف إلى تعميق الهوية والوعي اليهوديين وإلى إضفاء معنى يهودي على الوجود اليهودي سواء في فلسطين أو خارجها. 
والدولة التي ستُؤسَّس ـ من منظور الصهيونية الإثنية ـ يجب ألا تكون دولة يهود وحسب وإنما يجب أن تكون دولة يهودية شكلاً ومضموناً. ويهدف هذا التيار إلى فرض العزلة الإثنية على اليهود في الخارج حتى يمكن تجنيد أعضاء الجماعات اليهودية وراء المُستوطَن وإعطاء المستوطنين في الداخل إطاراً عقائدياً ذا بعد زمني بحيث يمكن إضفاء القداسة على الرموز القومية فتتحول فلسطين إلى مركز روحي (بالمعنى الإثني الديني أو بالمعنى الإثني العلماني).
كما تَجدُر ملاحظة أن دعاة الخطاب الإثني باتجاهيه الإثني الديني والإثني العلماني، نظراً لتركيزهم على مشاكل الهوية، لم يكن لهم فكر سياسي أو اقتصادي مستقل. فقد تركوا هذه الصياغات لبنسكر وهرتزل وبوروخوف وجابوتنسكي وغيرهم من الصهاينة، وركزوا هم على الديباجـات الإثنية أكثر من تركـيزهم على الأمور السياسـية أو الاقتصادية، فهم يتحدثون عن لغة الدولة القومية ونوعية القوانين التي ستسود فيها (من منظور إثني) وعلاقتها بالتراث اليهودي ومدى توافق سلوك مستوطنيها مع القيم الإثنية (الدينية أو العلمانية) اليهودية. وقد اهتموا كذلك بالمشاريع الثقافية التي تُوحِّد وعي يهود العالم، وبعلاقة يهود العالم بالدولة المزمع تشييدها.
ولا يعني هذا أنهم لم يكونوا ملتزمين بالصيغة الأساسية الشاملة (ولا بالإيمان بأزلية معاداة اليهود أو بفكرة الشعب أو الاعتماد على الدول العظمى). فكل فكرهم ينطلق منه ويفترضه ويستند إليه. وإذا كان آحاد هعام قد تَذبذَب لفترة قصيرة بشأن ضرورة إنشاء الدولة الصهيونية، إلا أن هذا التذبذب لم يَدُم طويلاً، كما أنه لم يعارض قط فكرة نَقْل الفائض اليهودي من شرق أوربا إلى فلسطين. وإذا كان ذبح العرب قد سبَّب له بعض القلق لبعض الوقت، فإنه استمر في دعم المشروع الصهيوني وإسداء النصح لوايزمان في الفترة التي سبقت وعد بلفور. وقد استوطن هو نفسه فلسطين في نهاية الأمر دون أن يبين كيف يمكن تنفيذ المشروع الصهيوني دون التخلص من العرب. أما بالنسبة إلى المتدينين، فإن الأمر لا يختلف كثيراً. وأثناء ثورة 1929 في فلسطين، اتهم كوك البريطانيين بالتقاعس عن حماية اليهود، كما اتخذ موقفاً متشدداً أثناء الانتفاضة التي قامت دفاعاً عن البراق (حائط المبكى).
وبالنظر إلى عدم تَعارُض مجال الصهيونية الإثنية مع مجالات الصياغات الصهيونية الأخرى، فإننا نجد أن معارك دعاة هذا التيار كانت تدور إما فيما بينهم، أو بينهم وبين قيادة أحباء صهيون ودعاة الصهيونية الدبلوماسية فيما يختص بالقضايا الدينية والثقافية وحدها. وقد وقع أحد التصادمات بين الإثنيين الدينيين وقيادة جماعة أحباء صهيون عام 1888 ـ 1889، وهي سنة سبتية يُحرَّم فيها على اليهود زراعة الأرض حسب التعاليم الدينية اليهودية. ولا يسري هذا التحريم إلا بعد عودة اليهود إلى أرض الميعاد واستعادتهم إياها، كما أنه لا يسري إن كانت الأرض ملكاً للأغيار. ولكن المستوطنين اليهود استمروا مع هذا في زراعتها رغم ملكيتهم لها. وقد تَطوَّع الحاخام موهيليفر وأفتى بإمكانية بيع الأرض إلى أحد الأغيار، فتعود إلى غير اليهود، ويحل لليهود بالتالي زراعتها (وهو أمر استمر حتى الوقت الحاضر إذ تقوم الدولة الصهيونية ببيع أرض إسرائيل كل ست سنوات إلى أحد المواطنين غير اليهود ثم تشتريها منه مرة أخرى بعد انتهاء السنة السبتية!). وقد حاول المتدينون عزل بنسكر في مؤتمر جماعة أحباء صهيون الذي عُقد في دروسكينكي (1887)، ففشلوا في ذلك ولكنهم نجحوا في تعيين ثلاثة حاخامات في اللجنة التنفيذية. 
وقد حدث أيضاً حوار ساخن بين الإثنيين العلمانيين وصهاينة أحباء صهيون التسلليين عندما كتب آحاد هعام إحدى مقالاته "ليس هذا هو الطريق" ليبين أن المتسللين إلى فلسطين فقدوا هويتهم اليهودية واستوعبتهم عملية البقاء المادي وأهملوا عالم الروح والهوية. ثم تَحوَّل هذا الحوار الساخن إلى نقد صريح لمشروع هرتزل وفكره فيما بعد. وقد بلغ رفض آحاد هعام الصيغة الهرتزلية مداه حينما اقترح في مؤتمر منسك (الذي عقده الصهاينة الروس عام 1902) الانشقاق عن المنظمة الصهيونية لتأسيس منظمة صهيونية ثقافية مستقلة تدافع عن الخطاب الإثني بين اليهود أينما كانوا. 
وقد احتدم النزاع كذلك بين دعاة اتجاهي الخطاب الإثني. ولذا، فقد اضطر العلمانيون حينما ازداد نفوذ الدينيين في مؤتمر فلنا (1889) إلى تأسيس جماعة بني موسى (على غرار المحافل الماسونية) ولكنها حُلَّت عام 1897. 
وقد حُسم الصراع بين الصهاينة الإثنيين والصهاينة الذين لا يهتمون كثيراً بالإثنية مع صدور وعد بلفور. ومع استيلاء العناصر اليهودية من شرق أوربا على المنظمة، وتقسيم العمل بين التوطينيين والاستيطانيين، وقد أصبحت الهوية اليهودية الرقعة المشتركة بين الجميع، وتَقبَّل الصهاينة التوطينيون فكرة الهوية اليهودية ما دامت لا تتعارض مع ولائهم لأوطانهم. ولكن الصراع داخل التيار الإثني استمر بين الدينيين والعلمانيين (إذ أن الصراعات الأخرى بين التيارات الصهيونية الأخرى تتم على المستوىين السياسي والاقتصادي). ومن أهم الصراعات التي تدور بين الاتجاهين، الصراع بشأن الهوية اليهودية (من هو اليهودي؟). 
وكما أسلفنا، فقد نشبت الخلافات عدة مرات بين الفريقين الإثني الديني والإثني العلماني، وتم تعليق الخلاف في برنامج بازل. وأثناء إعداد وثيقـة إعـلان الدولة (التي يُقال لها وثيقة «إعلان استقلال إسرائيل»)، نشب خلاف بين الصهاينة الدينيين والصهاينة العلمانيين حول عبارة "واضعين ثقتنا في الإله" التي أصر المتدينيون على ذكرها في الديباجة. وقد حُلَّ الخلاف عن طريق صياغة صهيونية مراوغة، ألا وهي عبارة «تسور يسرائيل» التي تعني حرفياً «صخرة إسرائيل»، وهي عبارة غامضة تؤدي معنى لا دينياً لللادينيين ومعنى دينياً لدعاة الصهيونية الدينية. ويبدو أن الدينيين حاولوا كذلك أن تشير الديباجة إلى الوعد الإلهي لجماعة يسرائيل ولكنهم أخفقوا. ولكي يتم إرضاؤهم، جاءت الديباجة مبهمة تحمل كل المعاني الممكنة: "إرتس يسرائيل هي المكان الذي وُلد فيه الشعب اليهودي، وهنا اكتسبت هويتهم الروحية والدينية والسياسية شكلها، وهنا شيَّدوا أول دولة لهم وخلقوا قيماً حضارية ذات مغزى قومي عالمي، وأعطوا العالم كتاب الكتب الأزلي". 
والإشارة هنا إلى ميلاد الشعب اليهودي الذي يمكن تعريفه دينياً أو علمانياً، وإلى هويته التي يمكن تعريفها على أسس روحية (والكلمة تعني في الأدبيات الصهيونية «إثنية لادينية» إذ تجري الإشارة إلى صهيونية آحاد هعام على أنها «صهيونية روحية») أو على أسس دينية أو سياسية عامة. و«كتاب الكتب الأزلي» أي «الكتاب المقدَّس» يُشار إليه باعتباره الكتاب الذي أعطاه الشعب اليهودي للعالم (دون تحديد ما إذا كان جزءاً من فلكلور هذا الشعب أو مُرسَل من الإله). ونجد في برنامج القدس (1968) استمراراً للصيغ المبهمة نفسها، فإسرائيل قامت على أساس رؤية الأنبياء للعدل والسـلام التي يمـكن أن تكــون مُرسَلة من الإله أو تكون من صنع البشر. كما يشير البرنامج إلى ضرورة الحفاظ على هوية الشعب اليهودي من خلال تشجيع التربية اليهودية والعبرية والقيم الروحية والثقافية اليهودية. ولعل الإشارة إلى التربية اليهودية والعبرية هي في واقع الأمر إشارة إلى التربية الإثنية الدينية والعلمانية.
الصهيونية الإثنيـة الدينية Religious Ethnic Zionism 
»الصهيونية الإثنية الدينية» تيار صهيوني يتقبل معظم مقولات الصهيونية الأساسية الشاملة بعد إدخال ديباجة إثنية دينية عليها. وحينما ظهرت الصهيونية برفضها العميق لليهود واليهودية تَصدَّى لها كثير من المتدينين (الأرثوذكس والإصلاحيين)، باعتبارها هرطقة وكُفراً وإلحاداً ونكوصاً. وإذا كان الصهاينة قد أعلنوا عزمهم غزو الجماعات اليهودية، فإنهم قد قرروا أن يُغيِّروا اليهودية نفسها ويعلمنوها من الداخل حتى ولو لم يعلنوا عن ذلك. ولعل مما يسَّر هذه العملية عدة عوامل من أهمها أن اليهودية نفسها في أواخر القرن التاسع عشر كانت تمر بأزمة حادة بعد خروجها من الجيتو. فعالم الأغيار في الغرب قد أثبت جاذبيته الشديدة، كما أن اليهودية كانت قد أجادت التعامل مع العالم من داخل أسوار الجيتو والعزلة، ولكنها لم تكن بعد قد أجادت التعامل معه في إطار الإعتاق والاستنارة والمساواة. 
ولعل زيادة علمنة المجتمع الغربي وانتشار العلم والتكنولوجيا قد جعلا استمرار اليهودية صعباً، وخصوصاً أن اليهودية الحاخامية كانت قد تجمدت وأصبحت مثل القشرة اليابسة. وقد تهاوت مع اليهودية المؤسسات التقليدية التي ساعدت الحاخامات وأثرياء اليهود على إحكام قبضتهم على جماهير اليهود، مثل القهال. وقد ساهمت حركة التنوير في خلق جيل جديد من شباب اليهود الذي كان يتحـرك بيُسر بين عالـم اليهـود وعـالم الأغيار ويجيد علوم الغـرب، وأصبحت القــيادة الحاخامية معزولة عن هذا الوضع الجديد. ومما زاد الأمور سوءاً أن اليهودية نفسها كانت منقسمة بحدة إلى المؤسسة الحاخامية التقليدية والحركة الحسيدية التي اكتسحت شرق أوربا، وهي حركة حلولية متصوفة تمثل احتجاجاً على وضع اليهود، وعلى جفاف العقيدة التلمودية. وقد أحست المؤسسة الدينية بأن الوضع آخذ في الانهيار. وربما كان أكبر دليل على ذلك انتشار اليهودية الإصلاحية وما تبع ذلك من زيجات مُختلَطة، حتى أن الحديث عن اختفاء اليهود كان مطروحاً بين علماء الاجتماع في الغرب. 
في هذا السياق، كان للعقيدة الصهيونية في صياغتها المراوغة (المتمثلة في برنامج بازل) بريقها. فهي، رغم هجومها على اليهود واليهودية، قد استخدمت كل الرموز التقليدية من عودة إلى صهيون والأرض المقدَّسة والشعب المقدَّس. ودولة اليهود التي تحدَّث عنها هرتزل تُشبه في نهاية الأمر الجيتو والقهال من بعض الوجوه، فهي دولة بدون أغيار. وكان أعضاء المؤسسة الدينية يدركون مدى حدة معاداة اليهود في أوربا عامة، وأكثر من هذا مدى خطورة الاندماج والعلمانية. ولذا، فلم يكن من العسير عليهم أن يأخذوا بالصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة المُهوَّدة (بعد صهينة اليهودية).
وعلى كلٍّ، فإن هرتزل نفسه لم يمانع في إنشاء حزب ديني بل رحب به قبل فاته، وقام بتمويل حزب مزراحي، حيث أدرك أنه لا تعارض حقيقياً بين صهيونيته الدبلوماسية التي تهدف إلى إخلاء أوربا من يهودها وبين الخطاب الإثني الديني. كما أن دعاة الصهيونية الدبلوماسـية وجـدوا أنه قد يكون من المفيد اسـتخدام الدين لتجنـيد اليهود، بل إزالة الفوارق بين الصهيونية واليهودية في نهاية الأمر بحيث يتم تهويد الصهيونية وصهينة اليهودية. وقد اتخذ المؤتمر الصهيوني الخامس (1901) قراراً بتأسيس حركة دينية تُسهم في تثقيف اليهود بروح القومية اليهودية، أي تُظهر التلاحم الكامل بين القومية والدين. 
وقد طوَّر الصهاينة الدينيون هذا البرنامج، فطرحوا الأفكار الدينية التقليدية كافة بعد تفريغها من بُعدها الأخلاقي وتأكيد بُعدها الإثني، فأعادوا صياغة فكرة العودة بطريقة تتفق مع متطلبات الاستيطان الصهيوني، فتم تفسير الاستيطان (أو العودة الجسدية الفعلية إلى فلسطين) الذي كان يُعَدُّ هرطقة من المنظور الديني التقليدي باعتباره مجرد إعداد لعودة الماشيَّح. بل إن فكرة القومية العضوية نفسها تم التعبير عنها من خلال الصيغة الحلولية، فالصهاينة الدينيون يرون أن اليهود أمة ولكنهم أمة تختلف عن بقية الأمم لأن الإله هو الذي أسسها بنفسه، فهم يدورون في إطار المفهوم الحلولي الخاص بوحدة التوراة والأمة وأن اليهود كشعب لا يمكنه الاستمرار بدون التوراة. وأن هذه الوحدة، مع هذا، لا يمكن أن تأخذ شكلها الكامل خارج فلسطين، أي أن عناصر الثالوث الحلولي: الأمة والكتاب والأرض لابد أن تلتحم، وبالتحامها تنبجس عبقرية الأمة كالينبوع الذي تعود له الحياة فجأة، والذي لا تملك البشرية الخلاص دون فيضه السخي. وهذه الفكرة هي فكرة القومية العضوية نفسها بعد أن اكتسبت ديباجة دينية حلولية. 
بل إن مفكري الصهيونية الدينية كانوا من المؤمنين بأن علمانية الصهيونية الظاهرة هي مجرد وهم، وأنها مجرد إطار ساهم هو نفسه في إحكام قبضة القيم الإثنية الدينية على الوجدان اليهودي، وأن المشروع الصهيوني سَيسقُط في يد الصهاينة الدينيين. وبهذا، تكون الصهيونية الدينية قد سوَّغت الصهيونية للمتدينين ولكنها تكون في الوقت نفسه قد قامت بصهينة الدين اليهودي حتى أصبح لا يختلف كثيراً عن الصياغة الإثنية التي طرحها آحاد هعام والتي لا تتعارض بأي شكل مع الصياغة الدبلوماسية التي طرحها هرتزل. 
وكما هو مُتوقَّع، نشب صراع حاد بين الصهاينة الإثنيين الدينيين والصهاينة الإثنيين العلمانيين، فهم يتحركون في المجال نفسه، منطقة الوعي وإدراك الهـوية ومعنى الوجود. وقـد كان الصراع حـاداً منذ البداية، منذ أحباء صهيون، واستقرت حدته بعد ظهور هرتزل داخل المؤتمرات الصهيونية المختلفة، وقد هدأت الأمور قليلاً بعد وعد بلفور وتقسيم مناطق النفوذ بين الصهيونية العمالية التي تبنت الصيغة الإثنية العلمانية والصهيونية الدينية التي مُنحت الإشراف على المدارس الدينية وعلى المحاكم وبعض المؤسسات الأخرى. ومع ظهور أزمة الصهيونية وظهور مشكلة الشرعية داخل المُستوطَن الصهيوني بعد عام 1967، بدأ الاتجاه الإثني الديني يتغلب على الاتجاه الإثني العلماني حتى بدأ كثير من أعضاء النخبة الحاكمة في إسرائيل يدَّعي التدين ويستخدم مصطلحاً إثنياً دينياً، وأخيراً ظهر مائير كهانا وهو من أكبر دعاة الصهيونية الإثنية الدينية وهي صهيونية مُفرَّغة تماماً من أي مضمون خلقي أو ديني. 
والصهيونية الدينة في الوقت الحاضر هي العمود الفقري لليمين الصهيوني، والأرثوذكس هم طليعة الاستيطان في الضفة الغربية ودعاة صهيونية الأراضي بعد أن أصبحت الأرض هي مركز القداسة ، وأصبح التنازل عن أي شبر منها كفر وهرطقة (على عكس الأرثوذكس في الماضي الذين كانوا يرون العودة للأرض باعتبارها كفراً وهرطقة).
وأهم مفكري الصهيونية الإثنية الدينية هما موهيليفر وكوك. وتسيطر المؤسسة الصهيونية الدينية الآن على جمهور ثابت في الشارع الإسرائيلي عن طريق توليها شئون الدين والزواج والطلاق وشبكة واسعة من المدارس والمعاهد الدينية والمؤسسات المالية وحركات الاستيطان التابعة لها. 
والمشكلة الكبرى التي تواجهها الصهيونية الإثنية الدينية الآن أن أغلبية يهود العالم الساحقة ليست أرثوذكسية، كما أنها تعيش في مجتمعات علمانية تحقق لها قسطاً كبيراً من الحرية، ولذلك يصدمهم سلوك هذه المؤسسة التي تصر على الخطاب الإثني الديني وعلى تطبيق مقولاته، وتظهر المشكلة دائماً في شكل سؤال: من هو اليهودي؟ 
مزراحي (حركة) Mizrahi 
»مزراحي» هو مزج لكلمتي «مركز» و«روحاني»، وهما كلمتان عبريتان تطابقان في النطق والمعنى مثيلتيهما العربيتين. وقد طرحت الحركة شعار "أرض يسرائيل لشعب يسرائيل حسب شريعة وتوراة يسرائيل"، كما لُخِّص الشعار في عبارة «توراه وعفوداه»، أي «التوراة والعمل»، ومعناها أن على الصهيوني الحق المتدين أن يتعلم الشـريعة اليهـودية وأن يعمل بنشـاط من أجــل إعادة بناء إسرائيل. 
وقد أُثيرت قضية الدين في المؤتمر الصهيوني الثاني (1898). وكان رد القيادة السياسية (العلمانية) هو أن الدين مسألة شخصية وأن المنظمة الصهيونية العالمية ليس لديها موقف رسمي منه. وقد كان هذا الموقف مقبولاً من المتدينين طالما لم يتوجه المشروع الصهيوني إلا للقضايا السياسية والاقتصادية، وهي قضايا تقع خارج نطاق الإثنية والعقيدة. ولكن حينما تَقرَّر (بناءً على طلب العصبة الديموقراطية) في المؤتمر الخامس (1901) أن تُشرف المنظمة على برنامج تربوي يقوم بعملية تعليم اليهود روح القومية (الإثنية) اليهودية بالمعنى العلماني الذي حدده آحاد هعام ودعاة الصهيونية الإثنية العلمانية، شعر المتدينون بأن هذا قد يؤدي إلى القضاء على اليهودية. وهنا قرر الحاخام يعقوب راينس عام 1902 تأسيس حزب ديني قوي داخل المنظمة الصهيونية. 
وفي العام نفسه، عُقد مؤتمر منسك الذي نظمه اليهود الروس وقد تم فيه الاعتراف بالاتجاهين الإثنيين: الديني والعلماني. وحينما اندلع الخلاف بينهما، تم حسمه عن طريق إقامة لجنتين متوازيتين إحداهما إثنية دينية والأخرى إثنية علمانية. وعندئذ قرَّر الصهاينة المتدينون إنشاء منظمة تُدعَى مزراحي. وقد قرَّرت مزراحي القيام بنشاط ديني داخل المنظمة وفي إطار الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة المتهودة (برنامج بازل)، وهذا بمقتضى القرار الذي صدر في المؤتمر الخامس الذي سمح بتكوين اتحادات مستقلة داخل المنظمة. وعقدت منظمة مزراحي أول مؤتمر لها عام 1903، وعبَّر فيه بعض المتدينين عن اعتراضهم على قرارات منسك التي تضمنت الاعتراف بالصهيونية الإثنية العلمانية. 
وفي عام 1904، عُقد أول مؤتمر عالمي لحركة مزراحي ضم 100 مندوب، وهناك تمت صياغة برنامج الحركة الذي نص على الالتزام ببرنامج بازل وبالتوراة وبتنفيذ الأوامر والنواهي والعودة إلى أرض الآباء والبقاء داخل المنظمة الصهيونية ونشر الوعي الديني الإثني. ثم تم نقل مقر الرئاسة إلى فرانكفورت عام 1905، وهو العام الذي تم فيه الاعتراف بالمزراحي كتنظيم مستقل داخل المنظمة الصهيونية. 
وقد بدأت مزراحي نشاطها التثقيفي الواسع فنقلت نشاطها إلى فلسطين، وأنشأت أول مدرسة دينية عام 1908. وحينما أُثيرت قضية النشاط الصهيوني الثقافي في المؤتمر العاشر (1911)، انسحب وفد مزراحي منه، ولكن تقرَّر بعد ذلك معارضة النشاط الثقافي دون الانسحاب من المنظمة. 
وانتقل مركز مزراحي إلى الولايات المتحدة عام 1913 ـ 1914، فتَوقَّف نشاطها لبعض الوقت في أوربا ولكنها عاودت النشاط مرة أخرى بعد وعد بلفور وأصبح لها فرع استيطاني. وقد تم تنظيم دار الحاخامية الأساسية والمحاكم الدينية اليهودية التي تسيطر عليها مزراحي، ثم تم تأسيس عمال مزراحي (هابوعيل هامزراحي) في القدس عام 1921، وأصبح للحركة بالتالي منظمتها الاستيطانية فأقامت أول مستوطنة تعاونية (موشاف) تابعة للحركة عام 1925 وأول مستوطنة جماعية (كيبوتس) عام 1930. وتمكنت الحركة من مد نفوذها عن طريق استيعاب أولاد المهاجرين وإيوائهم في المدارس الفنية والزراعية التابعة للحركة. وتتميَّز حركة مزراحي بالمقدرة على التنازل في الأمور الدينية، وهو ما أتاح التعاون بسهولة بينها وبين الصهيونية العمالية. 
ولحركة مزراحي فروع في كل العالم، ولها تنظيم نسائي وآخر شبابي. وترجمت الحركة نفسها في الداخل إلى أحزاب دينية تتبعها منظمات شبابية ونسائية. والمؤتمر العام للحركة يتكون من مجلس مزراحي العالمي (الذي يمثل يهود الخارج) واللجنة التنفيذية المشتركة لمزراحي وهابوعيل هامزراحي (الذي يمثل يهود الداخل). ويتبع الحركة في الداخل عدة مدارس ومعاهد تعليمية وجامعة بار إيلان وعدد من المزارع الجماعية ومذابح شرعية ومؤسسات مالية مثل بنك هامزراحي وبنك هابوعيل هامزراحي وشركات بناء مساكن. 
وقد اندمج حزبا مزراحي وهابوعيل هامزراحي وكونا حزب المفدال (الحزب الديني القومي) الذي اشترك في كل الحكومات الائتلافية في إسرائيل. وكان الحزب،حتى عام 1967، قد حصر اهتمامه في استصدار التشريعات التي تمس الجوانب الدينية وحسب. ولكن بعد ذلك التاريخ سيطرت عليه تلك العناصر التي تدافع عن الاحتفاظ بأرض إسرائيل الكاملة، وهو الأمر الذي أدى إلى توسيع نطاق اهتمام الحزب بحيث أصبح يشمل كل السياسات الداخلية والخارجية.وقد انضم الحزب إلى وزارة الليكود عام 1977 و1981 وأيَّد سياسات مناحم بيجين،أي أن الحزب القومي الديني أصبح عنصراً أساسياً في اليمين الديني. 
أجودات إسرائيل Agudat Israel 
تأسَّست حركة أجودات إسرائيل عام 1912 كتنظيم ديني يضم جميع الجماعات الدينية الأرثوذكسية في ألمانيا وبولندا وليتوانيا (كمجموعة متحدة) ضد الحركة الصهيونية لمحاولة تغيير بنية ومضمون الحياة اليهودية. كما تصدَّت الحركة للحركات العلمانية الأخرى كافة، مثل البوند واليهودية الإصلاحية. وبعد بداية متعثرة اتخذ المؤتمر الصهيوني العاشر (1911) قراراً بضم مشاريع ثقافية (علمانية) ضمن برامجها، مما أدى إلى انسحاب بعض المندوبين الألمان وانضموا لجماعـة أجودات إسـرائيل، الأمر الذي أعطاها قوة دفع شديدة. 
وقد تكونت الحركة من خلال ثلاثة عناصر أساسية: 
1 ـ الأرثوذكسية الجديدة الألمانيةمن أتباع سمسون هيرش،وهؤلاء كانوا يحاولون تنفيذ كل التعاليم الدينية وإقامة كل الشعائر مع شيء من التكيف مع البيئة غير اليهودية التي يعيش فيهااليهود. 
2 ـ الأرثوذكسية المجرية. 
3 ـ الأرثوذكسية البولندية. 
وهذان الفريقان الأخيران كانا يضمان العناصر الحسيدية وحاخامات الأكاديميات الليتوانية،وكانا يعارضان تبني المعارف الغربية . وكان أتباع الأرثوذكسية الألمانية والمجرية يرون أن الجماعات الأرثوذكسية يجب أن تفصل نفسها تماماً عن الجماعات اليهودية غير الأرثوذكسية، على عكس أتباع الأرثوذكسية البولندية وبعض قيادات الأرثوذكسية الألمانية فكانوا يرفضون هذا الموقف. 
وقد أعلنت الحركة أن برنامجها هو توحيد شعب إسرائيل حسب تعاليم التوراة بجميع مظاهر الحياة الاقتصادية والسياسية والروحية. وقد أسس المؤتمر التأسيسي ما يُسمَّى مجلس القيادات التوراتية، مهمته التأكد من عدم جنوح تنظيم أجودات إسرائيل عن تعاليم التوراة. وأقامت الجمعية فرعاً لها في فلسطين عام 1919، كما أقامت عام 1922 حركة عمالية في بولندا لمنع العمال من الانضمام للأحزاب الصهيونية. وقد أخذت الحركة شكلاً عالمياً عام 1927 حين افتتحت فروعاً في نيويورك ولندن والقدس. كما عارضت الحركة الاستيطان في فلسطين باعتباره تحدياً للأوامر الإلهية، ذلك أن تجميع المنفيين لا يمكن أن يتم إلا بمشيئة الإله وفي الوقت الذي يحدده. 
وقد قامت الجمعية بنشاط ضد الاستعمار الصهيوني والإنجليزي بالاشتراك مع العرب والمستوطنين اليهود المتدينين، وقامت بحملة إعلامية ضد الاستعمار الصهيوني إلى أن سقط أحد قوادها (جيكوب دي هان) صريعاً برصاص الصهاينة. 
ولم تـعترف المنظمة بالمُسـتوطَن الصهيوني ولا بالحاخاميـة الأساسية، وكان لها محاكمها الحاخامية الخاصة، وطالبت السلطات البريطانية بالاعتراف بها كجماعة دينية يهودية مستقلة ولكن رُفض هذا الطلب. 
ومع الثلاثينيات، شهدت فلسطين وصول أعداد كبيرة من أعضاء الجمعية من بولندا. وقد وجد هؤلاء أن من الصعب عدم الاشتراك في النشاطات الصهيونية السياسية والاقتصادية، كما وصل يهود من الأرثوذكس الجدد ومن العناصر العلمانية من ألمانيا. 
وقد تم التحول عام 1937 في مؤتمر الجمعية إذ تَغلَّب التيار الصهيوني الذي يعارض عودة اليهود إسماً ولكنه يرى مع هذا ضرورة العودة لفلسطين للإعداد لمقدم الماشيَّح. وتعاونت حركة أجودات مع المنظمة الصهيونية، فظهر مندوبوها أمام اللجنة الملكية (لجنة بيل وشو) وصرحوا بأن وعد بلفور والانتداب يتفقان مع روح الوعد الإلهي بالخلاص، أي أنها تبنت الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة بعد إلباسها الديباجة الأرثوذكسية. 
وفي عام 1944، أقام حزب أجودات إسرائيل مزرعة جماعية (كيبوتس) بأموال الصندوق القومي اليهودي، وانضم أعضاء الحزب إلى منظمة الهاجاناه. ثم تعمَّقت العلاقة بهذا الاتفاق الذي صاغه بن جوريون وهو الاتفاق المعروف باسم «اتفاق الوضع الراهن» الذي بموجبه حصلت الحركة الصهيونية على تأييد الصهاينة المتدينين شريطة أن تحافظ الدولة الصهيونية الجديدة على "الوضع الراهن" كما هو في الأمور الدينية. وعشية قرار التقسيم بدأت أصوات مؤيدة لقيام إسرائيل ترتفع أكثر وأكثر داخل معسكر الأجوداه. وقد فسرت قرارات الأمم المتحدة وتعاطف المجتمع الدولي مع اليهود بأنها من مظاهر العناية الإلهية. وبدأ التوجه العام في أوساط اليهودية الأرثوذكسية ينتقل بالتدريج إلى موقف متوازن: الاعتراف الواقعي «دي فاكتو de facto» بالدولة بدون منحها اعترافاً قانونياً «دي جوري de jure»، أي الرفض الأيديولوجي للدولة والتعامل مع مؤسساتها في آن واحد، أي أن الدولة الصهيونية لم تعد لها أية دلالة دينية خاصة، فهي مجرد مؤسسة يحكم عليها بمقدار ما تقرب الشعب إلى الإله والتوراة. واشترك حزب أجودات في المجلس المؤقت وفي العملية السياسية. ومع هذا، استمرت أجودات إسرائيل في التمحك بالمصطلح الديني الرافض للصهيونية، ورفضت التحدث عن الدولة فكانت تشير لها بأنها «السلطات اليهودية في فلسطين». 
ويشير عزمي بشارة إلى أنه عندما ثار نقاش بين قيادة أجودات إسرائيل في فلسطين وقيادتها في الولايات المتحدة، التي عارضت الانضمام إلى الحكومة المؤقتة، كان تبرير القيادة المحلية لمشاركتها منطلقاً من موقف الضعف، موقف الأقلية المضطرة إلى الانضمام إلى الحكومة لتأمين مصالحها ـ لكن التطور استبدل منطق الضعف بمنطق القوة،منطق السلطة والتأثير فيها فيما بعد، لا لتأمين الحريات الدينية وإنما من أجل فرض الشرائع الدينية على الحياة اليومية للأكثرية العلمانية، ومن أجل تأمين المصادر المالية لمؤسسات الحركات الدينية من مدارس دينية وجمعيات خيرية ومراكز صحية وغير ذلك. 
ثم تزايدت معدلات الصهينة بعد عام 1967 حينما أصبح اليهود الأرثوذكس من غلاة المدافعين عن الاحتفاظ بأرض إسرائيل الكاملة ومن دعاة صهيونية الأراضي (انظر: «صهينة العناصر الدينية الأرثوذكسية بعد عام 1967»).
وقد ترجمت الحركة نفسها إلى حزب أجودات إسرائيل وعمال أجودات إسرائيل في الداخل، وينصب اهتمامها على الشئون الثقافية والتربوية. وقد شهد التيار الديني الصهيوني بعض الانقسامات داخل الدولة الصهيونية فتم تأسيس حزب ديغل هتوراه (لواء التوراة) الذي يمثل الطوائف اللتوانية (المتنجديم)، ويوجد كذلك حزب شاس الذي يمثل السفارد. وقد تحوَّلت حركة أجودات إسرائيل المناوئة للصهيونية إلى حركة عنصرية ذات ديباجة دينية تلعب دوراً خطيراً في تنشئة الأجيال الجديدة في إسرائيل على كره العرب وتفرض عليها الخطاب الإثني الديني. ولا يزال هناك جناح صغير من أجودات إسرائيل يتمسك بموقفه الديني القديم ويناوئ الصهيونية ألا وهو جماعة الناطوري كارتا. 
يتبع إن شاء الله...


الباب الثانى عشر: الصهـيونية الإثنية الدينيـة  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الباب الثانى عشر: الصهـيونية الإثنية الدينيـة  Empty
مُساهمةموضوع: إلياهــو جوتماخــر (1795-1874) Elijah Guttmacher    الباب الثانى عشر: الصهـيونية الإثنية الدينيـة  Emptyالإثنين 03 مارس 2014, 1:20 am

إلياهــو جوتماخــر (1795-1874) Elijah Guttmacher 
حاخام صهيوني وُلد في بوزن. درس القبَّالاه وعمل كحاخام في عـدة أماكـن من بينها جراتز في النمسـا (منذ عام 1840 إلى تاريخ وفاته)، حتى أن العديد من اليهود كانوا يحجون إليه. وقد كان جوتماخر من الحاخامات القلائل الذين قاموا بصهينة الفكرة المشيحانية. 
رفض جوتماخر فكرة انتظار الماشيَّح، ودعا إلى توجيه كل الجهود من أجل الإسراع بالخلاص وذلك عن طريق العمل البناء في أرض إسرائيل تمهيداً لمجئ الماشيَّح. وقد أعلن أنه "يجب على الأغنياء من شعبنا أن يشتروا الأرض في فلسطين لتوطين فقراء اليهود هناك، فتلك المسألة هي حجر الأساس للخلاص الكامل". وقد كانت فكرة استخدام أموال الأغنياء اليهود لتوطين فقراء اليهود في فلسطين هي الفكرة التي بُنيت عليها جمعية أحباء صهيون التي عارضت الحاخامات الأرثوذكسيين الاندماجيين. 
تسـفي كاليشـر (1795-1874) Tzvi Kalischer 
حاخام بولندي روسي، ومن أوائل دعاة الصهيونية. وُلد في مدينة ليسا، وهي مدينة بولندية ضمتها بروسيا. ومع أن غالبية السكان كانت تتحدث البولندية، فإن الأقلية الألمانية كانت مهيمنة. وكانت السلطات البروسية تصنف اليهود الذين يتحدثون اليديشية على أنهم ألمان لزيادة عدد الأقلية الألمانية. وكان هذا مصدر غبطة لليهود الذين كانوا ينظرون إلى ألمانيا باعتبارها وطنهم الروحي، وقد أدَّى ذلك إلى التوتر بين اليهود والبولنديين، ولذا فقد كانت حركات التحرير البولندية القومية تنظر إلى اليهود باعتبارهم أقلية عميلة. وكانت المقاطعة أيضاً في منطقة حدودية بين يهود ألمانيا المندمجين ويهود اليديشية، ولذا فقد كانت حياة أعضاء الجماعة اليهودية فيها خليطاً من الحياة التقليدية السائدة في شرق أوربا والحياة اليهودية العصرية السائدة في غرب أوربا. وقد بدأت الحياة الفكرية عند كاليشر مع بدايات اليهودية الإصلاحية، فهاجمها مدافعاً عن القيم التقليدية، وخصوصاً فكرة الماشيَّح وأرض الميعاد. 
وكتاب كاليشر السعي لصهيون (1862) هو أول كتاب ظهر في شرق أوربا عن موضوع الاستيطان الزراعي وفلسطين، وهو مكتوب بالعبرية التقليدية الجامدة. ينطلق كاليشر من الرؤية الحلولية العضوية، فيقترح على اليهـود أن يطـرحوا الفكرة الدينية التقليدية جانباً ويأخذوا بزمام الأمور. وبدلاً من الانتظار السلبي للماشيَّح عليهم أن يعودوا بأنفسهم، فالعودة لن تتم بهجرة فجائية وخلاص إسرائيل سيأتي بأناة. والخلاص على الطريقة الحديثة سيبدأ بعودة بعض اليهود واستيطانهم الأرض المقدَّسة، على أن يتم ذلك بدعم الأمم وبموافقتها وبدعم المحسنين من أثرياء الغرب الذي سيحاولون الحصول على براءة من السلطان العثماني. ويمكن أن تُرسَل الصدقات (حالوقاه) لليشوف (المُستوطَن الديني التقليدي في فلسطين)، ولكن يجب أن تتكون مؤسسة هدفها تشجيع الاستيطان في الأرض المقدَّسة يمولها أثرياء اليهود وتقوم بشراء المزارع والكروم وجني ثمارها. 
ويثير كاليشر قضية تطبيع الشخصية اليهودية ودمج اليهود في مجتمع الأمم. فبعد الاستيطان سيتحمس المستوطنون للعمل في الأرض بأيديهم، كما ستعمل سياسة الاستيطان على كسب احترام الأمم الأخرى لليهود، فهم سيقولون إن أعضاء جماعة يسرائيل لديهم الإرادة أن ينقذوا أرض أجدادهم التي أصبحت قاحلة ومهجورة. ثم يطلب كاليشر في نهاية المقال من اليهود أن يقتدوا بالأغيار "لماذا يضحي شعب إيطاليا وشعوب العالم من أجل أرض آبائهم ونحن لا نعمل شيئاً؟ لنقتد بالإيطاليين والبولونيين والمجريين [أصحاب القوميات العضوية] الذين ضحوا بكل شيء من أجل الاستقلال". 
إن الإطار هنا زماني دنيوي، فالعودة ستتم في الزمان وستستخدم آليات زمانية لتحقيق أهداف زمانية كتطبيع اليهود، وتحسين صورتهم، والحصول على أرض الأجداد. ولكن كاليشر، على طريقة الصهاينة الدينيين، يتدارك ويضيف ديباجة إثنية دينية، فاليهود يجب أن يكافحوا من أجل أرضهم لأن هدفهم ليس إحياء مجد الأسلاف وحسب وإنما العمل على إحياء مجد الإله الذي اختار صهيون. 
ويقول كاليشر أيضاً: "إذا قدَّمنا الخلاص للأرض بهذه الطريقة الدنيوية، فسوف تظهر لنا علامات الخلاص تدريجياً وسيسمع الإله للمستوطنين وسيسرع بيوم خلاصهم". وقد تَوصَّل كاليشر إلى صيغة الصهيونيتين، فقد أدرك من البداية أنه لن يهاجر سوى بعض اليهود وسيبقى الكثيرون في الخارج، وسيقوم المحسنون الأثرياء منهم بدعم المستوطنين. بل يبدو أن كاليشر اكتشف أيضاً الديباجات العمالية إذ يقول: "وشكل الاستيطان سيكون تعاونياً إذ سيتجمع يهود من روسيا وبولندا وألمانيا [وليس من الغرب المندمج] ويتلقون أجورهم من الشركة اليهودية ويتعلمون الزراعة تحت إشراف معلمين تعينهم الشركة. وبعد أن يتعلم الفرد منهم الزراعة سيُعطَى قطعة من الأرض يزرعـها وسـتموله الشــركة وستمول العملية كلها". 
وكتاب كاليشر من الوثائق الصهيونية الأولى التي حاولت تغييب العرب. فبعد أن استوطن فلسطين، اقترح أن يقوم المستوطنون بتنظيم جماعات حراسة تجمع بين العمل الزراعي والعسكري للدفاع عن النفس. ونجد في كتابات كاليشر الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة ونجد الملامح الأساسية للديباجة الإثنية الدينية والعلمانية بل العمالية، ولكن المشكلة الأساسية بالنسبة له (وبالنسبة لكل الرواد الصهاينة) أنهم كانوا يخلطون بين المشروع الذي يقترحونه، وهو مشروع استعماري، وبين مشاريع يهود الغرب لتوطين اليهود. فيهود الغرب لم يكونوا مهتمين بالمشروع الصهيوني إلا كمشروع لإنقاذ شرق أوربا والتخلص منهم. أما المضمون السياسي لهذا المشروع، فقد كانوا يرفضونه تماماً. كما أن كاليشر لم يدرك حدود الحركة، فأثرياء الغرب يمكنهم التوسط لدى حكوماتهم أو لدى الدولة العثمانية للإفراج عن اليهود أو رعاية أحوالهم، ولكنهم لم يكن في مقدورهم أن يطلبوا من حكوماتهم أن تتوسط لدى الباب العالي ليأذن لليهود باستيطان فلسطين. 
وقد وقع هرتزل في هذا الخطأ في البداية، ولكنه تدارك الأمر وطرح مشروعه على الدول الاستعمارية مباشرةً. وقد ساعدته الظروف التاريخية إذ أن الدولة العثمانية كان قد تقرَّر تقسيمها. وقد قرأ هس عن كتاب كاليـشر، بعد أن كان قد فــرغ من مؤلفـه، فنوَّه بــه. 
بدأ النشاط العملي عند كاليشر عام 1836 بالكتابة إلى عميد الأثرياء اليهود في العالم (روتشيلد) في برلين ليشرح له نظريته الجديدة عن الخلاص دون انتظار الماشيَّح. وحين تأسست جمعية رعاية الاستيطان اليهودي في فلسطين في ألمانيا، انضم إليها. وفي عام 1864، كان كاليشر المسئول عن تأسيس اللجنة المركزية لاستعمار فلسطين في برلين. ثم ساهم في إقامة بعض الجمعيات الزراعية الاستيطانية، كما ساهم في توجيه نشاط الأليانس نحو إنشاء مدرسة زراعية (مكفاه إسرائيل) في فلسطين عام 1870. 
يهــودا القلعـــي (1798-1878) Yehudah Alkalai 
حاخام ورائد من رواد الفكر الصهيوني. وُلد في سيراييفو (في البوسـنة والهرسـك) والتي كانت جــزءاً من الدولة العثمانية آنذاك، وفي وقت كانت فيه شبه جزيرة البلقان تمور بالصراعات القومية الحادة بين الصرب والبلغار والرومانيين. وكانت يوغسلافيا تُعَدُّ النقطة التي يلتقي فيها السفارد بالإشكناز، وتقع داخل الدولة العثمانية على مقربة من الإمبراطورية النمساوية وكلتاهما كانت إمبراطوريات تتعدد فيها الجماعات الإثنية والدينية. 
عمل حاخاماً للسفارد في ريمون، وكان متأثراً منذ صباه بالنزعات الصوفية القبَّالية، فكان من المؤمنين بأن عام 1840، وهو عام مؤتمر لندن الذي وضع حداً لآمال محمد علي في الاستقلال، سيكون بداية الخلاص المشيحاني. ولكن النبوءة لم تتحقق، فاضطر إلى أن يُعدِّل من موقفه من فكرة الماشيَّح. ولا تتسم كتابات القلعي بالتماسك أو التحدد أو التبلور، فقد كان يكتب بالعبرية التقليدية، وهي لغة شديدة الجمود، كما أن إطاره الفكري كان تقليدياً إلى أقصى حد. ومع هذا، فإن كتاباته هذه تشكل جزءاً من التراث الفكري الصهيوني في مرحلته الجنينية. 
إن نقطة انطلاقه، شأنه شأن كل الصهاينة الإثنيين الدينيين، هي رؤية حلولية عضوية تجعل الإله يحل في الشعب والأرض ومؤسساته القومية بحيث يصبح هو مصدر التماسك العضوي بينهما. فاليهود لا يليق بهم أن يُلقَّبوا «يسرائيل» إلا إذا كانوا في أرض يسرائيل، وبذلك تكون الرؤية الحلولية قد اقترنت بفكرة القومية العضوية السائدة في أوربا خارج إنجلترا وفرنسا. 
لهذا، لم يجد القلعي صعوبة كبيرة في المزاوجة بين الرؤية العضوية العلمانية والرؤية الحلولية الدينية. يذهب القلعي إلى أن اليهود يجب أن يتدخلوا بأنفسهم في مسار الأحداث بدلاً من انتظار عودة الماشيَّح، ويقوموا بتحديد الطريقة المناسبة للعودة وزمانها. واستناداً إلى بعض النصوص الحلولية وطرق التأويل المختلفة مثل الجماتريا، يقول القلعي إنه كخطوة أولى "يجب أن نعمل على إعادة اثنين وعشرين ألفاً إلى الأرض المقدَّسة. فهذه تهيئة ضرورية لحلول دلالات أخرى". فالخلاص لا يمكن أن يتم فجأة، والأرض يجب أن تُبنَى وتُعَدُّ وتُجَهَّز بالتدريج. وحتى يضفي شرعية على رؤيته الجديدة، فإنه يشير إلى عقيدة الماشيَّح الأول (المسيح بن يوسف) الذي سيشترك في حرب يأجوج ومأجوج وسيحاول تحرير أرض يسرائيل من الكفرة ولكنه سيَسقُط في المعركة، وبعد هذا سيأتي الماشيَّح الثاني والنهائي (المسيح بن داود). وهو يفسر وجود الماشيَّح الأول بأنه يعني ضرورة أن يسبق العصر المشيحاني النهائي إعداد دنيوي إنساني. ثم يضيف أنه يجب النظر لرؤية الماشيَّح بن داود على أنها مجــاز، فهي عملية ستأخذ في الأزمنة الحديثة شكل قيادة سياسية، ولذا سيبدأ الخلاص باليهود أنفسهم، هؤلاء الذين يجب أن يملكوا زمام أمورهم بأنفسهم ويُعجِّلوا بالنهاية (وهذا الموقف يُعَدُّ من المنظـور الحاخــامي التقليدي شكلاً من أشكال الهرطقة والتجديف).
وعملية تغيير متتالية الخلاص التقليدية (الماشيَّح ـ العودة ـ الخلاص) إلى متتالية جديدة (العودة للإعداد لوصول الماشيَّح ـ الماشيًَّح ـ الخلاص) هي الطريقة التي لجأت إليها الصهيونية الإثنية الدينية لصهينة أو تحديث اليهودية، ومن ثم أصبح بإمكان الصهاينة الملحدين أن يُسمُّوا أنفسهم يهوداً إذ أنهم يشاركون في عملية الاستيطان الصهيوني التي أصبحت عملية دينية هدفها الإعداد لمقدم الماشيَّح. 
وقد تَوصَّل القلعي لفكرة الصهيونيتين، فبيَّن أن بعض اليهود الفقراء سيهاجرون إلى فلسطين (صهيونية استيطانية) وسيبقى يهود عديدون في الخارج في أرض الشتات بعض الوقت "لمساعدة المستوطنين الأوائل في فلسطين"، أي أنه قام بتقسيم يهود العالم حسب الدور الذي سيلعبونه في الحركة الصهيونية. كما أنه تَوصَّل إلى أهمية إدخال الصيغة الإثنية على الصيغة الصهيونية. ويواكب ذلك بعث اللغة العبرية، فكـل جاليـة يهودية تتكلم لغة تختـلف عن الأخرى ولكل منها عادات مختلفة. وهو يرى أن العبرية يجب أن تكون أساس عملنا التعليمي بمعنى أنها ستكون لغة الدنيا لا لغة الدين كما كان يصر المتدينون. 
ثم يقترح القلعي تعيين مجلس من الوجهاء أو الحكماء يأخذ شكل مجلس يهودي عالمي أو منظمة يهودية عالمية للإشراف على عملية الهجرة وللحصول على تصريح من السلطان. ويقترح أيضاً تنظيم شركة على غرار شركات التأمين وشركات السكك الحديدية لاستئجار فلسطين من السلطان. ولا شك في أن هذه الشركة، بعد أن يعاد تسمية فلسطين باسم «إسرائيل»، ستثير حماس يهود العالم فيساعدون هذه الشركة بكل وسيلة. 
وبعد إدراك ضرورة الحصول على التأييد المالي والسياسي لمشروعه، سافر القلعي إلى العواصم الأوربية (1851 ـ 1852) ووجَّه النداءات إلى كبار المموِّلين اليهود أمثال مونتفيوري وأدولف كريمييه، ونشر في لندن كتيباً يحمل أفكاره وأسس فيها أيضاً جمعية استيطانية لم تُعمَّر طويلاً. 
والتحق القلعي بجمعية استيطان فلسطين التي أسَّسها لورج في ألمانيا وقام بنشاط بارز في صفوفها. وفي عام 1871، زار فلسطين وأسَّس هناك جمعية استيطانية ما لبثت أن توقفت. ثم استقر نهائياً في فلسطين عام 1874. وقد قام بعض أتباعه بعد وفاته مباشرة بشراء أرض بتاح تكفا حيث أُقيمت أول مستعمرة يهودية زراعية في فلسطين. ويُلاحَظ أن القلعي تَوصَّل إلى الصيغة الصهيونية الأساسية، وإلى معظم الديباجـات الإثنية الدينية والعلمـانية، ولكن فكره لم يكـن حديثاً بقدر كاف، فلم يكتشف حتمية الاستعانة بالإمبريالية الغربية لوضع الفكرة الصهيونية موضع التنفيذ، ولذا، فقد تَحرَّك داخل نطاق الجماعات اليهودية وحسب، كما توجَّه إلى أثرياء اليهود وبعض الساسة اليهود في الغرب. 
صمــويل موهيليفـر (1824-1898) Samuel Mohilever 
حاخام روسي، وأحد مؤسسي حركة أحباء صهيون. تلقَّى ثقافة دينية. وتعمَّق في دراسـة القبَّالاه والحسـيدية وتـواريخ الجماعات اليهودية، كما كانت له معرفة أيضاً بالرياضيات واللغات الروسية والألمانية والبولندية. وقد اشتغل بالتجارة بعض الوقت قبل قيامه بأعماله ومهامه الدينية التي قَبلْها كارهاً، ثم ذاع صيته كعالم تلمودي. وهو من أهم المدافعين عن التعليم اليهودي وممارسة الأعمال اليدوية والزراعة. وقد ساهم موهيليفر في تنظيم الهجرة إلى فلسطين، وأقنع كلاًّ من هيرش وروتشيلد بأن يساهما في تمويل ومساعدة الاستيطان اليهودي لفلسطين (التوجُّه إلى أغنياء اليهود هو دائماً الخطوة الأولى في أي عمل صهيوني).
وقد استمر موهيليفر نشيطاً في حركة أحباء صهيون رغم علمانيتها الواضحة، وحينما نشب الخلاف بين العلمانيين من أحباء صهيون ومناوئيهم، عُهد إليه بأن يعمل في أوساط المتدينين، وسمَّى مكتبه آنذاك «المركز الروحاني» ومنه جاءت كلمة «مزراحي». وقد كان من الداعين لمؤتمر كاتوفيتش، وحاول أكثر من مرة الاستيلاء على قيادة أحباء صهيون دون جدوى. 
لم يتمكن موهيليفر من حضور المؤتمر الصهيوني الأول (1897) ولكنه بعث رسالة تؤيد برنامج المؤتمر وتَوجُّهه الدبلوماسي. ويبدو أنه لم يكن يدرك أن الصهيونية قد تَحوَّلت من مجرد حركة استيطانية لإنقاذ بعض اليهود إلى حركة استعمارية استيطانية، أي جزء من المشروع الاستعماري الغربي. ولذلك، فإن خطابه يتحدث عن ضرورة التدخل لدى الحكومة التركية " لكي تسمح لشعبنا بأن يشتري الأرض ويبني البيوت". وهو يرى ضرورة التعاون مع العلمانيين لأن وضع اليهود يشبه حال من تلتهم النيران بيته. ولذا، فهو يَقْبل مساعدة كل من يمد له يد العون. وقد طلب من المؤتمر تقديم الشكر "للمحسن الكبير البارون إدموند دي روتشيلد" الذي أنفق عشرة ملايين فرنك على الاستيطان. وطالب المؤتمر بألا يمس أموال الصدقة التي تُعطَى لفقراء اليهود والقدس بدافع التقوى الدينية. وهو، بموقفه هذا، كان يعبِّر تعبيراً دقيقاً عن مشاكل حركة أحباء صهيون التي لم تدرك قط حتمية الاعتماد على الإمبريالية الغربية لوضع المشروع الصهيوني موضع التنفيذ. 
ولكنه، مع هذا، بدأ يساهم في عملية التحديث بترويض اليهودية، فطالب بالتعاون مع اللادينيين ودعا إلى العودة للإقامة في فلسطين وشراء الأراضي وتعمير البيوت وزَرْع البساتين وفلاحة الأرض، بل يشير إلى أن العودة إحدى الوصايا الأساسية في التوراة وأن الحكماء اعتبروا هذه العودة بمنزلة الناموس الإلهي. وقد وجد موهيليفر سنداً لرؤيته التوفيقية هذه في التلمود الذي جاء فيه أن الإله يفضل أن يعيش أبناؤه في أرضهم، حتى ولو لم يُنفِّذوا تعاليم التوراة، على أن يعيشوا في المنفى ويُنفِّذوا تعاليمها (ولم يذكر الحاخام الصهيوني أن عكس هذا القول أيضاً ورد في التلمود).
ويذكر في خطابه كذلك أن القومية لا تتناقض مع عقيدة الماشيَّح، فالماشيَّح سيأتي ويجمع إسرائيل المشتتة ليسكن أبناؤها في بلدهم بدلاً من أن يظلوا هائمين على وجه الأرض يتنقلون من مكان إلى آخر. وقد بدأ موهيليفر تلك السلسلة الطويلة من الحاخامات الصهاينة الذين أصدروا الفتاوى لتذليل الصعاب أمام عملية الاستيطان. وحينما واجه المستوطنون اليهود مشكلة حلول السنة السبتية، كان موهيليفر ضمن الحاخامات "التقدميين" الذين أفتوا بإباحة بيع الأرض للأغيار بيعاً صورياً حتى يتمكن اليهود من زراعتها. 
موسى جلازنــر (1856-1924) Moses Glazner 
حاخام صهيوني أرثوذكسي وأحد القادة المؤسسين لحركة مزراحي في المجر ورومانيا. هاجم الأرثوذكس بشدة في المؤتمر التأسيسي لحركة مزراحي، كما نشر الأفكار الصهيونية بين الدوائر الأرثوذكسية، وألَّف عدة كتب في الشريعة اليهودية. هاجر إلى القدس عام 1923 ليشارك في النشاطات التعاونية والتربوية لحركة مزراحي، وتُوفي هناك عام 1924. 
أبراهــام كــوك (1865-1924) Abraham Kook 
أهم مفكري الصهيونية الإثنية الدينية وأول حاخام أكبر لليهود الإشكناز في فلسطين. وُلد في شمال روسيا، وتلقى تعليمه الديني في إحدى المدارس التلمودية العليا، ثم هاجر إلى فلسطين عام 1904 واستقر فيها. وقد تَعرَّف كوك إلى تقاليد القبَّالاه وسعى وراء تجارب الإشراق الداخلية، والواقع أن كتاباته كلها مفعمة بروح قبَّالية وإيمان بالحلول الرباني في الشعب اليهودي. وتتلخص سيرة حياته ونشاطاته القومية الدينية في محاولة تقريب الصهيونية إلى المتدينين وتقريب المتدينين من الصهيونية. 
ويأخذ كوك بالصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة ويقوم بتهويدها تماماً من خلال ديباجته الدينية الصوفية الحلولية. فهو أولاً يرى أن المنفى حالة غير طبيعية، على عكس الرؤية التقليدية التي ترى المنفى جزءاً لا يتجزأ من التجربة الدينية عند اليهود فهي أمر الإله والعقاب الذي حاق باليهود نتيجة الذنوب التي اقترفوها. وحسب تصوُّره، لا يستطيع اليهودي أن يكون مخلصاً وصادقاً في أفكاره وعواطفه وخيالاته في أرض الشتات. فاليهودية في أرض الشتات ليس لها وجود حقيقي. 
وكما هو متوقَّع، لا يرفض كوك اليهودية التقليدية بشكل صريح، فهو يقوم بترويضها وتحديثها وعلمنتها من الداخل من خلال الديباجات الدينية وذلك عن طريق تغليب الطبقة الحلولية داخل تركيب اليهودية الجيولوجي التراكمي وتجَاهُل الطبقة التوحيدية تماماً حتى تتفق اليهودية قلباً وربما قالباً مع الصهيونية. ويطرح كوك رؤية حلولية للأمة اليهودية (حلولية بدون إله تقترب إلى حدٍّ كبير من فكرة القومية العضوية بل تترادف معها)، فالإله يحل في الإنسان والمادة (الشعب اليهودي والأرض اليهودية) فيوحدهما في وحدة حلولية عضوية، والقومية الدينــية والدين القومي هما في واقع الأمر القومية العضوية بعد أن يحل الإله في المادة ويصبح كامناً فيها تماماً. 
يؤكد كوك أن اليهود شعب، شعب واحد، واحد كوحدانية الكون (واحدية كونية). ولكنه شعب من نوع خاص، فاليهودية دين قومي وقومية دينية. ولذا، فهو يهاجم دعاة العضوية الذين يتحدثون عن "روح الأمة" أو "روح الشعب العضوي" (بالألمانية: فولكس جايست Volksgeist ، وبالعبرية: رواح ها أما) ويقول إنهم يخدعون أنفسهم، فما يـسري في الأمة ليـس قوة طبيعيـة عضوية وحسـب، وإنما روح الإله نفسه. ولكن كوك يهاجم أيضاً المتدينين التقليديين الذين ينادون بأن مفهوم الأمة حسب العقيدة اليهودية لا علاقة له بالتعريفات القومية العلمانية الغربية الجديدة. 
يُسمِّي كوك هؤلاء «الانشطاريين»، فريق منهم يحاول إسقاط العنصر الديني تماماً، والثاني يحاول إسقاط العنصر القومي تماماً أيضاً، أما كوك نفسه فيزيل كل الثنائيات ويرى أن ثمة تمازجاً كاملاً بين المطلق والنسبي وبين الخالق والمخلوق وبين القومية والدين، فكل عامل من عوامل الروح اليهودية يضم بشكل حتمي جميع جوانب نفسية الشعب اليهودي. ومن ثم، فإن فصل القومية عن الدين تزييف لكليهما، فثمة مادة إلهية تسري في جماعة يسرائيل تجعل روحها ملتصقة بروح الإله، بل إن روح يسرائيل وروح الإله شيء واحد (فهما من مادة واحدة). 
هذا الإله الذي يكمن داخل الشعب هو مصدر روحهم القومية. ولذا، يجب على أعضاء هذا الشعب أن يدركوا حقيقة الإله الموجود داخلهم، ويدركوا من ثم حقيقة قوميتهم، فروح الإله تسري في الأرض سريانها في الشعب (وهنا يكتمل الثالوث الحلولي وهو نفسه الثالوث العضوي: الأرض والشعب والرابطة العضوية بينهما). وكل ممتلكات اليهود القومية من أرض ولغة وتقاليد وتاريخ هي عروق تجري فيها روح الإله. ولذا، فإن أرض إسرائيل ليست شيئاً منفصلاً عن روح الشعب اليهودي، إنها جزء من جوهر الوجود اليهودي القومي ومرتبطة بحياة الوجود وبكيانه الداخلي ارتباطاً حلولياً عضوياً. 
والوحي المقدَّس لا يمكن أن يكون نقياً إلا في أرض إسرائيل (أما خارجها، في المنفى، فهو مُشوَّش ومُلوَّث وغير نقي). فالتجسد الإلهي من خلال الشعب لا يمكن أن يتم إلا على الأرض المقدَّسة (وفي هذا عودة للوثنية القديمة وللعبادة القربانية المركزية)، وكلما ازداد تعلُّق الشخص بأرض إسرائيل، زادت أفكاره طهارة، والطهارة هنا هي نتيجة التعلق بشيء مادي وهو الأرض وليس نتيجة فعل الخير. 
لكل هذا، تصبح العودة إلى الأرض المقدَّسة هي حل المسألة اليهودية، فهذا هو مصدر تميُّز اليهودية ولا أمل ليهود المنفى إلا بإعادة زَرْع أنفسهم في فلسطين والاعتماد على ينبوع الحياة الحقيقي المقدَّس الموجود في أرض إسرائيل وحدها. وإن عاد هذا الشعب ظهرت قدسيته الحقيقية، فهذا هو الطريق الوحيد لإعادة ولادة هذا الشعب (وهكذا يتحول الخطاب الاسترجاعي البروتستانتي والخطاب الاستيطاني الإمبريالي إلى خطاب صهيوني حلولي تجسدي).
وكما هو الحال مع المنظومات الحلولية، فبعد أن يتعادل المطلق والنسبي، والكل والجزء، والخالق والمخلوقات، تَرجَح كفة المخلوقات المادية على الخالق، فينسى كوك الروح الإلهية ويتحدث بدلاً من ذلك عن القومية العضوية دون أية إشارة إلى إله أو دين. ولذلك فهو يشير إلى اليهود في أرض الشتات باعتبارهم جماعة أدارت ظهورها للحياة الطبيعية ولتطوير الأحاسيس، وأهملت كل ما له علاقة حسية بحقيقة الجسد، ينقصها الإيمان بقدسية الأرض التي لا تختلف عن قدسية الجسد، فأخذوا يتحللون بشكل مخيف (وليُلاحَظ أن المرجعية النهائية هنا هي الطبيعة والجسد). والبعث القومي (الصهيوني) هو الحل، وبعدها ستقوم الحياة الحسية (الطبيعية) مرة أخرى، وسينشط الحلم الذي بدأ ينال منه التعب.
ولكن القداسة هنا قداسة كامنة في المادة لا تتجاوزها، ومن ثم فهي لا تختلف عن القداسة التي يبحث عنها أهارون جوردون وغيره من الصهاينة العمـاليين الملحدين. ويقتبـس كوك من المشـناه العبارة التالية: "إن الإيمان يمكن التعبير عنه بقوة الحياة في الزرع، فالإنسان يمكن أن يبرهن على إيمانه بالحياة الأزلية عن طريق الزراعة". ثم ينهي كوك مقاله بعبارة دالة: "ستتحقق عودتنا فقط إذا ما رافقت عظمتنا الروحية عودة إلى الجسد من أجل جسم صحيح قوي وعضلات قوية تُغلِّف روحاً ملتهبة". وهذا الحديث لا يختلف البتة عن حديث داروين أو نيتشه، كما أنه لا يختلف عن الرؤية المعرفية العلمانية الإمبريالية. وفي مثل هذه الأنساق، تتحول وحدة الوجود إلى علمانية إلحادية صريحة. 
في هذا الإطار الحلولي المادي التجسيدي، يصبح البعث السياسي وإنشاء الدولة اليهودية هو نفسه العصر المشيحاني. ويقدم كوك تاريخاً للدولة اليهودية ولاشتراك اليهود في معترك السياسة الدولية (وهي إشكالية العجز وانعدام السيادة)، فيلاحظ أن قوى خارجية (وليس الإله) جعلت اليهود يضطرون إلى ترك هذه الحلبة، ولكن يبدو أن الانسحاب تم أيضاً برضاً تلقائي فقد كان العالم آثماً وقذراً ويتخلل الحياة السياسية فيه الكثير من الآثام. ولكن اليوم الذي سيصبح فيه العالم أكثر لطفاً قد دنا، ولذا يجب على اليهود أن يهيئوا أنفسهم ليحكموا دولة خاصة بهم. ثم يعطي كوك هذه الدولة طابعاً مشيحانياً حين يقـول: "إن تأمين نـظام العـالم الذي تمزقـه الحروب اليهـودية يتطلب بناء الدولة اليهودية. وجميع الحضارات ستتجدد بولادة شعبنا من جديد". ومن الواضح أن هذه الأفكار إعادة إنتاج لفكرة مشاركة الشعب اليهودي للخالق في إصلاح الكون (تيقون) وفي استعادة الخالق لوجوده وكليته الروحية. 
وبعد ترويض اليهودية على هذا النحو، وبعد توليد الإلحاد من وحدة الوجود، لم يَعُد من الصعب تَبنِّي الصهيونية كعقيدة، وعقد الزواج بينها وبين اليهودية، مع افتراض أن اليهودية الحلولية هي التي ستحقق الانتصار النهائي. وقد كان كوك على يقين من أن جيل المستوطنين الصهاينة في فلسطين هو الجيل الذي تتحدث النبوءة عنه وعن أنه ينتمي إلى عصر الماشيَّح، وأن الرواد (بغض النظر عن علمانيتهم) كانوا ينفذون تعاليم الدين باستيطانهم الأرض في فلسطين. ولتسهيل مهمة الرواد، حاول كوك أن يصل إلى صيغ دينية يمكن أن تتسع للمتدينين والعلمانيين، وحاول أن يصبغ الصهيونية بالشرعية الدينية التي كانت تفتـقر إليهـا في نظر الأرثوذكـس على الأقـل. وقـد نادى بالتحـالف مع "اللادينيين" لأنه كان على ثقة من أن جميع المستوطنين، الديني منهم والعلماني، سيرضخون في نهاية الأمر للصيغة الحلولية، لأن القومية اليهودية (على حد قوله) قومية مقدَّسة لا يستطيع العلمانيون مقاومة تيارها الأساسي. كما أنه كان يرى أن كل اليهود، ومنهم العلمانيون، تسري فيهم روح القداسة رغماً عنهم. 
وقد شرح كوك موقفه وتصوُّره في صورة مجازية تفسيرية شهيرة قال فيها: 
حينما كان الهيكل المقدَّس قائماً، كان محظوراً على الأجانب أو حتى على أي يهودي عادي أن يدخل قدس الأقداس، وكان الكاهن الأكبر وحده هو المُصرَّح له بالدخول مرة واحدة في يوم الغفران. ومع هذا، فحينما كان الهيكل في دور التشييد، كان بإمكان أي عامل مشترك في البناء أن يدخل الحجرة الداخلية مرتدياً الملابس العادية.
ومن الواضح أن الهيكل في هذا التشبيه هو الدولة الصهيونية، والرواد هم العمال (أو لعلهم الصهاينة العماليون)، أما الكهنة الحقيقيون فهم ولا شك اليهود الأرثوذكس الذين سيسيطرون على الهيكل بعد بنائه.
ولتسهيل مهمة البناء، حاول كوك أن يزيل المصاعب التي تقف في طريق النشاط الاستيطاني ويذللها للمستوطنين اليهود، فأصدر فتاوى متسامحة تُسهِّل لهم الحياة في فلسطين. وعلى سبيل المثال أصدر فتوى تبيح زراعة الأرض في سنة شميطاه أو السنة السبتية على أن تباع أرض الميعاد بشكل صوري للأغيار، كما صرَّح بلعب كرة القدم يوم السبت على أن تُباع التذاكر يوم الجمعة. 
ويبدو أن كوك، انطلاقاً من رؤيته العضوية الحلولية، كان لا يرى مكاناً للعرب، فهـم يقفـون خارج دائرة القداسـة. فأثناء ثورة عام 1929، اتهم كوك البريطانيين بالتقاعس عن حماية اليهود، واتخذ موقفاً متشدِّداً أثناء المعركة التي دارت حول حائط المبكى. وكان كوك قريباً من حركة مزراحي، ومع هذا فقد حضر مؤتمراً من مؤتمرات أجودات إسرائيل ليعرض وجهة النظر الصهيونية الدينية. 
وسافر كوك إلى أوربا عام 1914، لكن الحرب حالت دون رجوعه فعمل حاخاماً في سويسرا ثم في لندن، وعاد إلى فلسطين عام 1917 حيث أسَّس مدرسة تلمودية لغة الدراسة فيها هي العبرية وكان يُدرِّس فيها ما يُسمَّى «الفلسفة اليهودية» إلى جانب الشريعة اليهودية. وقد نشر كوك بحوثاً في كل جوانب المعرفة الحاخامية والتصوف اليهودي والفلسفة والشعر، ونُشرت رسائله في عدة مجلدات، كما أن له العديد من الفتاوى. 
ويمكننا أن نقول إن اليهودية الحاخامية الأرثوذكسية تختفي تقريباً في أعمال كوك وتصبح صهيونية حلولية عضوية تطالب بضم كل أرض إسرائيل وبطرد العرب وبالحد الأقصى الصهيوني. وقد نجحت صيغته في الهيمنة على اليهودية الأرثوذكسية بحيث لم يبق سـوى أقلية أرثوذكسـية (الناطـوري كارتا) هي التي تعارض الصهيونية.
مـائير بـار إيـلان (برلين (1880-1949) (Meir Bar Ilan (Berlin)
زعيم صهيوني ديني، من عائلة برلين، غيَّر اسمه بعد قيام إسرائيل فصار يُعرَف باسم «بار إيلان». وُلد في فولوجن (روسيا) وتلقَّى تعليمه الديني هناك، وساهم في إنشاء حركة مزراحي. وفي عام 1905، شارك للمرة الأولى كمندوب في المؤتمر الصهيوني السابع. ومنذ 1910، استقر في برلين وأسس مجلة أسبوعية بالعبرية. وفي عام 1911، اختير عضواً باللجنة التنفيذية لحركة مزراحي العالمية ثم سكرتيراً عاماً لها عام 1912 بعد أن افتتحت مكتبها المركزي بالعاصمة الألمانية.
وأثناء الحرب العالمية الأولى، سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهناك قام بدور بارز في النشاط الصهيوني وفي الأوساط اليهودية، فساهم في تطوير المجموعات المحلية لمزراحي وتولى رئاسة منظمة مزراحي من عام 1916 إلى عام 1926 حيث أصبح رئيساً شرفياً لها. وعمل بار إيلان بنشاط من خلال اللجنة اليهودية الأمريكية المشتركة للتوزيع وغيرها من المنظمات التي عملت على مساعدة اليهود من لاجئي الحرب في شرق أوربا. ثم استقر في فلسطين عام 1926، وتزعَّم حركة مزراحي العالمية منذ ذلك الحين وحتى وفاته، فيما عدا بعض الانقطاعات القصيرة. كما شغل عدة مناصب قيادية في المنظمة الصهيونية العالمية، وكان من دعاة التشدد مع العرب والبريطانيين، فعارض عام 1937 المشروع البريطاني لتقسيم فلسطين، وانسحب من مؤتمر سان جيمس بلندن عام 1939 عندما ظهرت بوادر خطط بريطانية معارضة للصـهيونية في نظـره. وبعد نشـر الكتاب الأبيض عـام 1939، نادى بسياسة المواجهة مع السلطات البريطانية في فلسطين ورفض أي تعاون معها. كما كان بار إيلان من أنصار الحرب على مظاهر عدم التدين بين المستوطنين الصهاينة. 
وبوصفه خطيباً مُفوَّهاً، قام بار إيلان بعدة جولات وزيارات للمراكز اليهودية في أنحاء العالم من أجل إلقاء الخطب وعقد الندوات التي تدور حول الدعوة للأفكار الصهيونية. وقد نشر عدة مقالات صحفية، وألف عدة كتب من بينها: من فولوجن إلى القدس، وهو سيرة ذاتية في جزءين، و معلم في إسرائيل. وقد أسَّس بار إيلان صحيفة هاتسوفيه وكان أول رئيس لتحريرها. وقد أُطلق اسمه على إحدى الجامعات في إسرائيل. 
صمويل لانــداو (1892-1928) Samuel Landau 
حاخام بولندي الأصل، وزعيم صهيوني ديني، ومؤسِّس جماعة عمال مزراحي. نشأ في بيئة حسيدية في بولندا حيث تلقَّى تعليماً دينياً تقليدياً في المدرسة التلمودية وأصبح حاخاماً في سن الثامنة عشرة، ثم قرأ بنفسه الكتب غير الدينية وانخرط في سلك حركة مزراحي في بولندا بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى. وكتب لانداو عدة مقالات هاجم فيها موقف اليهود الأرثوذكس السلبي من الصهيونية. وفي عام 1926، هاجر إلى فلسطين حيث تابع نشاطه الصهيوني. 
وينطلق لانداو من رؤية حلولية عضوية، ولذا فإنه يشدِّد في كتاباته على أهمية الاستيطان في الأرض، فالإقامة في الأرض المقدَّسة هي أحد الأوامر والنواهي (متسفوت) لأن القبس الإلهي لا يؤثر في الشعب اليهودي إلا وهو في أرضه، أي أنه يدور في إطار الثالوث الحلولي العضوي (الإله ـ الأرض ـ الشعب). وهو يُطعِّم هذه الفكرة الحلولية العضوية بفكرة العمل وزراعة الأرض وبالديباجات الصهيونية العمالية الأخرى، ولكنه يبيِّن أنها قيَم مرتبطة في نهاية الأمر بالتوراة والوجود اليهودي المنفصل.كما أنه يشير إلى أن هذه القيم العمالية اليهودية لا علاقة لها بمسألة النظام الاقتصادي أو بالعدالة الاجتماعية وإنما ترمي إلى خلق البدايات الأولى للحياة القومية، فالبعث القومي هو القيمة المطلقة الحاكمة وما عدا ذلك مجرد تجليات لها.


الباب الثانى عشر: الصهـيونية الإثنية الدينيـة  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الباب الثانى عشر: الصهـيونية الإثنية الدينيـة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الباب الثالث عشر: الصهيونية الإثنية العلمانية
» الباب الثانى: الجـيتو
»  الباب الثانى عشر: الهيكل
» الباب الثانى: مفـردات
» الباب الثانى: الشعب المختار

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـثـقــافـــــــــة والإعـــــــــلام :: مـوسـوعة الـيـهـــود-
انتقل الى: