الباب الرابع عشر: المملكة الجنوبية والمملكة الشمالية
المملكـة الجنوبيـــة (يهـودا)
(Southern Kingdom (Judah
بعد موت سليمان عام 928 ق.م وانقسام اتحاد القبائل العبرانية (المملكة العبرانية المتحدة) إلى مملكتين، سُمِّيت المملكة الجنوبية «يهودا» لأنها ضمت قبيلتي يهودا (التي كانت دائماً في علاقة واهية مع بقية العبرانيين) وبنيامين، وهما القبيلتان اللتان بايعتا رُحبعام بن سليمان ملكاً، في حين بايعت القبائل العشر الباقية يُربْعام ملكاً على الجزء الشمالي الذي سُمِّي باسم «مملكة يسرائيل» أو «المملكة الشمالية». كانت القدس عاصمة مملكة يهودا التي تقع على البحر الميت. ولم يكن لهذه المملكة ساحل على البحر الأبيض، إذ كان الفلستيون يشغلون الجزء الجنوبي من الشريط الساحلي (غزة وأشدود والمجدل ويافا والمنطقة التي تقع فيها الآن مدينة تل أبيب). وقد كانت المملكة الجنوبية أكثر استقراراً من الشمالية، وذلك نظراً لصغر حجمها إذ بلغ ثُلث المملكة الشمالية، ولقلة أهميتها وبعدها عن طرق الجيوش الغازية، وفقرها وبدائية اقتصادها، وهذا ما جعلها بمنأى عن الاضطرابات الداخلية والغزوات الخارجية التي قضت على المملكة الشمالية. ولكل هذا أيضاً، قُدِّر لها البقاء مدة أطول.
ومع هذا، فقد ظهر في المملكة الجنوبية مُعظم الأنبياء ودُوِّن فيها معظم العهد القديم، كما احتفظت فيها ديانة يهوه بدرجة أكبر من النقاء، وإن كانت قد دخلت عليها عناصر وثنية بدأت منذ عهد سليمان حين تزوج وثنيات (حسب الرواية التوراتية). وكانت المملكة الجنوبية، مثل الشمالية، خاضعة إما للنفوذ المصري أو للنفوذ الآشوري، كما أنها لم تكن قط مملكة قوية بل قضت معظم تاريخها في الدفاع عن نفسها أو في التحالف مع إحدى القوى العظمى أو في الاستفادة من الصراعات الناشئة بين القوى العظمى في المنطقة أو من الضعف المؤقت الذي كان يصيب بعضها أحياناً.
وقد شغل عرش يهودا تسعة عشر ملكاً (راجع الجداول التاريخية في المجلد الأول). غير أن هذه المملكة الجنوبية دامت نحو قرن وثُلث بعد زوال المملكة الشمالية. وأول ملوكها رُحْبعام بن سليمان من زوجته العمونية الذي حكم من 928 إلى 911 ق.م. وقد غزا شيشنق فرعون مصر الليبي مملكته عام 918 ق.م (مثلما غزا مملكة الفلستيين وأدوم) وحمـل معـه كنوز الهيكل والقصر غنائم. ويذكر شيشنق في قائمة الكرنك مائة وخمسين مكاناً استولى عليها. ويبدو أن شيشنق قام أثناء حملة تأديب يهودا بغزو المملكة الشمالية كذلك. واعتلى الملك إبيام (911 ـ 908 ق.م) العرش ودخل في حرب طويلة مع يُربعام ملك المملكة الشمالية وهزمه. وهناك من الدلائل ما يشير إلى أنه انتصر، فقد كان على اتصال بآرام دمشق التي زادت قوتها بعد أن استقلت عن سليمان وأبرمت معه معاهدة ضد يُربْعام.
ومنذ هذه اللحظة، أصبحت آرام دمشق عنصراً أساسياً في العلاقة بين المملكتين والمستفيد الأكبر من الصراع بينهما. واستمر آسا (908 ـ 867 ق.م) في هذه الحرب من بعده، ولكنه اضطر هو أيضاً إلى طلب العون من آرام دمشق لكي يوقف الغزو الشمالي لمملكته، وقام بتحصين المدن على الحدود بين المملكتين، وهذا ينهض دليلاً على أن الأمل الذي راود حكام المملكة الجنوبية باستعادة المملكة الشمالية وإعادة المملكة المتحدة كان قد انتهى. وقد جدد آسا العلاقات التجارية مع صور والمدن الفلستية الأمر الذي أدَّى إلى دخول العبادات الوثنية، ولكن يبدو مع هذا أن آسا قد بذل قصـارى جهـده للحفــاظ على استقلاله السياسي وعلى نقاء عبادة يهوه.
ثم اعتلى يهوشافاط العرش عام 867 ق.م، واستمر حكمه حتى عام 846 ق.م. ووُقعت أول معاهدة سلام بين ملوك المملكة الجنوبية والمملكة الشمالية في عهد أخاب. وعلى عادة الملوك في العصور القديمة، زوّج يهوشافاط ابنه يورام من عثـليا ابنة أخاب ملك المملكة الشمالية، وكأنهما ملكان لأمتين مختلفتين تمام الاختلاف. وقد عقد يهوشافاط تحالفاً عسكرياً مع أخاب ضد مملكة آرام دمشق ولكنهما أخفقا في تحقيق الهدف من التحالف. وكان الإخفاق من نصيبه مرة أخرى حين عقد تحالفاً مع ابن أخاب ضد ميشع ملك مؤاب. ويُقال إن المملكة الجنوبية انضمت إلى جانب المملكة الشمالية في معركة قرقار. وقد حاول يهوشافاط أن يعيد تجارة يهودا البحرية فسانده الفينيقيون في بناء أسطول بحري غرق في عصيون جابر (إيلات) قبل أن يبحر.
وحينما اعتلى يورام عرش المملكة الجنوبية من بعده (846 ـ 843 ق.م)، بدأ حكمه بقتل جميع إخوته وعدد كبير من الأعيان حتى يأمن التآمر على عرشه. وقد أدخل عبادة بعل تحت تأثير زوجته عثـليا ابنة أخاب التي حاولت أيضاً أن تُغيِّر أسلوب الحياة في البلاط. ويبدو أنها حاولت أن تزيد اعتماد المملكة الجنوبية على الشمالية، وفي عهده ثار الأدوميون واستقلوا، كما غزا الفلستيون والكوشيون مملكته وحملوا الكثير من الغنائم من القدس وأسروا أعضاء الأسرة المالكة ما عدا أحزيا (843 - 842 ق.م) حفيد أخاب الذي كان من عبدة بعل مثل أمه وانضم إلى عمه يورام، ملك المملكة الشمالية (851 ـ 842 ق.م)، حيث خاضا معركة ضد ملك سوريا الآرامي. وعندما جرح يورام، قام أحازيا بزيارته فلقي كلاهما مصرعه على يد ياهو.
وقد حكمت الملكة عثليا المملكة بعد مقتل ابنها (842 ـ 836 ق.م)، فأبادت أعضاء الأسرة المالكة كلهم إلا حفيدها يوآش الذي أنقذته عمته زوجة الكاهن الأعظم وخبأته في المعبد. وحينما لقيت هي مصرعها في النهاية، بأمر من الكاهن الأعظم، اعتلى يوآش العرش (836 ـ 798 ق.م) وأعاد عبادة الهيكل لبعض الوقت، ولكن يبدو أنه لم يستمر في ذلك طويلاً. وقد غزا ملك آرام دمشق المملكة الجنوبية في عصره، فاضطر يوآش إلى دفع جزية كبيرة أُخذت من أموال الهيكل، وهو ما ولَّد توتراً بينه وبين الكهنة. وبعد اغتياله، اعتلى ابنه إمصيا (798 - 769 ق.م) العرش. وحاول إمصيا أن يُخضع أدوم عن طريق جيش من الجنود المرتزقة الذين أحضرهم من المملكة الشمالية، ولكنه اضطر إلى تسريحه، ثم حاول تجنيد جيش من مملكته ولكنه فشل في مسعاه. ثم نشبت الخلافات بينه وبين المملكة الشمالية، فهزمه يوآش ملكها ودخل القدس ونهب الهيكل وكنوز القصر ووقَّع عقوبات اقتصادية على أهلها وأخذ معه رهائن، وأصبح إمصيا تابعاً للمملكة الشمالية، وانتهى حكمه بثورة عليه انتهت بقتله.
ومن أهم ملوك المملكة الجنوبية عُزّيا (769ـ 733 ق.م) الذي دام حكمه فترة طويلة إذ توقفت القوة الآشورية عن التدخل في المنطقة بعد أن ألحقت الهزيمة بآرام دمشق، وهو ما أفسح له المجال للحركة، وخصوصاً في غياب قوى عظمى أخرى. فأعاد تنظيم الجيش وزوَّده بأسلحة جديدة، وبنى الحصون لعمليات الاتصال والدفاع، وحصَّن القدس على وجه الخصوص تحسُّباً للهجوم الآشوري المتوقع، وشجع الزراعة وأعاد بناء ميناء إيلات على البحر الأحمر. وقد غزا عُزِّيا المدن الفلستية وترأَّس حلفاً من ملوك الدويلات التي كانت تعارض تيجلات بلاسر الآشوري، وهو ما يعني أن المملكة الجنوبية كانت قد أصبحت في ذلك الوقت أكثر أهمية من الشمالية، وذلك من ناحية سياستها الدولية في المنطقة. ووصلت المملكة الجنوبية إلى قمة ازدهارها في عهد عُزِّيا الذي ظهر فيه النبي أشعياء. وثمة إشارات إلى وجود توتر بين الملك والكهنة، ولعله استمرار للتوتر الذي بدأ في عهد أبيه.
وقد أصبحت القوة الآشورية عنصراً أساسياً في السياسة الداخلية للمملكة الجنوبية. فبعد أن اعتلى يوثام العرش (758 ـ 743 ق.م) (ويبدو أنه اعتلى العرش وحكم بعض الوقت تحت رعاية أبيه) بدأت الضغوط على المملكة الجنوبية للانضمام إلى الحلف المعادي للآشوريين، ولكنه قاومها. وقد ظهر النبي ميخا في عهده. وقامت كلٌّ من المملكة الشمالية وآرام بمهاجمة المملكة الجنوبية في عهد الملك آحاز (733 ـ 727 ق.م) حينما رفض الأخير الانضمام إلى الحلف المعادي لآشور، فطلب الملك العون من تيجلات بلاسر الذي قام بغزو سوريا والمملكة الشمالية عام 733 ق.م فأخضعهما وقضى على حكم المملكة الشمالية. أما المملكة الجنوبية، فقد دفعت الجزية له، وهو ما ضمن لها الاستمرار. وقد نتج عن ذلك أيضاً تبعية دينية لآشور إذ شيد آحاز مراكز للعبادة الآشورية. وقد اقتحم الفلستيون مدن السواحل وجنوبي مملكته، كما هاجمه الأدوميون. واستمرت نبوة أشعيا وميخا في عصر آحاز، وكان أشعياء ضد التحالف مع آشور.
ومع زوال المملكة الشمالية، أصبحت المملكة الجنوبية معرضة بشكل مباشر للنفوذ الآشوري، وتَنازَع سياستها الداخلية حزبان: أحدهما آشوري والآخر مصري. وقد بدأ حزقيا (727 ـ 698 ق.م) عهده بممالأة آشور والخضوع لها، الأمر الذي ضمن له فترة من الهدوء النسبي، ولكنه نحا بعد ذلك منحىً استقلالياً أو معادياً لآشور بتشجيع من مصر. وقد أخذ هذا الاتجاه شكل تطهير الدين من النفوذ الآشوري، ومن المعابد والمذابح والوثنيين. وقد أيَّد النبي أشعياء الذي كان له نفوذ كبير في المملكة هذه الإصلاحات. ثم تحالف حزقيا مع المدن الفلستية المجاورة وغير ذلك من الدويلات المدن وقام بتمرد ضد آشور عام 722 ق.م.
ولذلك، قام سرجون الثاني بإرسال حملة تأديبية استولت على المدن الفلستية، ولكنها لم تدخل أدوم أو يهودا أو مؤاب. وبعد موته عام 705 ق.م، قاد حزقيا، بتشجيع من مصر وبابل، حلفاً يضم أدوم ومؤاب وصيدا والمدن الفلستية. فقام سناخريب (خلف سرجون) بغزو المملكة الجنوبية في عام 701 ق.م، واستولى على كثير من المدن، وهزم القوة المصرية التي أُرسلت لمساعدة المملكة الجنوبية، ولكن جيشه رفع الحصار (ربما بسبب حدوث خلافات داخلية في آشور) دون أن تسقط القدس. وقد سُمح لحزقيا بالاحتفاظ بعرشه على أن يدفع الجزية ويتنازل عن ثلاث وأربعين مدينة.
وقد دفع ابنه منَسَّى (698 ـ 642 ق.م) الجزية أيضاً، فعاشت مملكته في سلام مدة نصف قرن تحت نفوذ آشور التي كانت تشهد آنذاك آخر أعوام حكامها العظام. ونجم عن ذلك أن جميع الآلهة الأجنبية (مثل بعل) كانت تُعبَد في الهيكل. ولذا، يُعَدُّ عهد منَسَّى من أسوأ العهود من وجهة النظر الدينية. وبعد أن قُتل ابنه آمون (641 ـ 640 ق.م)، بسبب خضوعه الكامل للقوة وللعبادة الآشورية، اعتلى يوشيا العرش (639 ـ 609 ق.م) وهو بعد في الثامنة.
وأخذت الدولة الآشورية في الضعف، الأمر الذي ساعد على ظهور حركة استقلالية جديدة أخذت شكل إصلاح ديني أيَّده الأنبياء المعاصرون مثل إرميا. وأثناء إصلاح الهيكل، عثر الكاهن الأعظم على كتاب الشريعة الذي يُقال إنه جزء من سفر التثنية، فدعا الملك الشعب إلى اجتماع وعقد ميثاقاً مع الرب. وأزال الملك الأماكن المرتفعة التي تُعبَد فيها الآلهة الأخرى (الإصلاح التثنوي)، وركز العبادة في القدس. وقد حاول يوشيا، عام 608 ق.م، أن يُوقف مرور الجيش المصري بقيادة الفرعرن نخاو الذي كان يتحرك لمساعدة آشور ضد بابل ولكنه هُزم وقُتل في معركة مجدو. واعتلى يوآحاز العرش، ولكن نخاو خلعه بعد ثلاثة أشهر من الحكم وقبض عليه.
أما خلفه يهوياقيم (609 ـ 598 ق.م) الذي عيَّنه المصريون على عرشه، فقد ظل تابعاً لهم مدة ثلاثة أعوام. ولكن، مع هزيمة المصريين على يد البابليين في معركة قرقميش (عام 605 ق.م)، أصبح يهوياقيم تابعاً لبابل. ولكنه انضم عام 601 ق.م إلى الحزب الممالئ لمصر في المملكة الجنوبية ضد نصيحة إرميا، وتحدَّى نبوختنصر ملك الدولة البابلية الذي كانت جيوشه قد ألحقت الهزيمة بنخاو عام 605 ق.م ووصلت إلى فلستيا، وتم تهجير بعض سكان يهودا إلى بابل.
بل يبدو أن الجيوش البابلية وصلت إلى القدس عام 603 ق.م. وكان يهوياقيم خاضعاً لبابل مع احتفاظه بالعلاقات مع مصر التي شجعته ووعدته بتقديم المساعدة. وحينما تمتعت مصر بازدهار مؤقت وهزمت نبوختنصر، تمرَّد يهوياقيم على بابل. وكان النبي إرميا ضد الحلف الجديد مع مصر، وبيَّن أن الخلاص الوحيد يكمن في الخضوع لبابل. وحينما قام نبوختنصر بفرض الحصار على القدس، لم تصل الإمدادات الموعودة من مصر، ومات يهوياقيم أثناء الحصار عام 598 ق.م، فاعتلى ابنه يهوياكين العرش مدة ثلاثة أشهر وعشرة أيام قبل أن يستسلم لنبوختنصر، وسقطت القدس ونُفيَ الملك إلى بابل.
ولكن نبوختنصر عيَّن أحد أبناء يوشيا (صدقياهو) ملكاً على يهودا من عام 597 إلى عام 587 ق.م، فتظاهر بالولاء للقوة الجديدة. ولكنه في العام التاسع من حكمه، تحالف مع المصريين وحاول الاستقلال عن بابل وانضم إلى التمرد الذي ضم فينيقيا وشرق الأردن وكل فلسطين، وذلك بتشجيع من مصر التي أرسلت قوة لمساعدة يهودا. ولكن القوة المصرية هُزمت، وباءت محاولة الاستقلال بالفشل ودُمِّرت القدس ومدن المملكة الجنوبية كلها وهُجِّرت النخبة إلى بابل. ثم أصبحت سوريا كلها مستقرَّة في قبضة الإمبراطورية البابلية الجديدة (تحالف الكلدانيين والحوريين). وقد عُيِّن جدَاليا حاكماً على ما تبقى من فقراء العبرانيين في الغرب، ولكنه اغتيل بعد عدة شهور. وقُتل بعض الجنود البابليين فخاف العبرانيون من انتقام البابليين، وهاجرت جماعات كبيرة منهم إلى مصر واستوطنتها. وتحوَّلت المملكة الجنوبية إلى وحدة إدارية تابعة لبابل.
المملكة الشــمالية (يسـرائيل - إفــرايم)
(Northern Kingdom (Ysrael; Ephraim
بعد موت سليمان عام 928 ق.م وانقسام اتحاد القبائل العبرانية (المملكة العبرانية المتحدة)، أُطلق اسم «يسرائيل» أو «إفرايم» على المملكة الشمالية، كما كانت تُسمَّى أحياناً «السامرة» نسبة إلى عاصمتها. وكانت تقع حسب الرواية التوراتية والمدونات التاريخية على بحيرة طبرية، وتضم نهر الأردن والضفة الغربية ومنها نابلس وأجزاء من الضفة الشرقية والجليل. وكان لهذه الدولة على خلاف المملكة الجنوبية، شريط ساحلي. كما أن مساحتها كانت تبلغ ثلاثة أضعاف مساحة المملكة الجنوبية. وكانت قبيلة إفرايم من أهم قبائل هذه المملكة وجاء منها معظم ملوك المملكة، ولهذا سُمِّي اتحاد هذه القبائل باسمها. وبدأ تاريخ المملكة الشمالية حينما بايعت القبائل العبرانية العشر يُربعام ملكاً، رافضةً إعطاء البيعة لرُحبعام بن سليمان الذي نُصِّب ملكاً على قبيلتي الجنوب في اتحادهما المسمَّى «المملكة الجنوبية».
كانت المملكة الشمالية أكثر أهمية من الناحية السياسية والاقتصادية. ومع هذا، كانت تتنازعها الخصومات إذ لم يكن لها مركز ديني قوي مثل القدس، ولم تكن عبادة يهوه القومية راسخة فيها. وقد كانت الأسرة الحاكمة فيها لا تتمتع بشرعية قومية دينية مثل أسرة داود. كما كانت أكثر تعرضاً للغزو الخارجي من المملكة الجنوبية، ولم يكن لملوكها سياسة خارجية واضحة. وكانت مكوَّنةً من عناصر قَبَلية كثيرة غير متجانسة إذ كانت تضم عشر قبائل في مقابل قبيلتين في المملكة الجنوبية. ولكل هذا، نجد أنها في فترة لا تزيد على ثلاثة قرون وعشر سنوات، حكمها تسعة عشر ملكاً ينتمون إلى تسع أسر، مات منهم عشرة عن طريق العنف وحكم سبعة فترة أقل من سنتين. ولم تتمتع المملكة بأي استقرار إلا لفترة وجيزة (887 ـ 743 ق.م).
وسعى رؤساء القبائل الشمالية إلى التهوين من شأن القدس وهيكلها حتى من الناحية الدينية، واستعاضوا عن ذلك بتأسيس معابد محلية لممارسة شعائر الدين متأثرين في ذلك بنظام العبادات الكنعانية الذي يتَّسم بعدم مركزية مقرّ الإله. كما أقيم في السامرة معبد لينافس الهيكل فيحج إليه الشماليون، وخصوصاً بعد أن منعهم الجنوبيون أنفسهم من الحج إلى القدس، كما أسسوا أماكن مقدَّسة محلية في دان وبيت إيل. وأول ملوك المملكة الشمالية يُربْعام الأول (928 - 907 ق.م) من قبيلة إفرايم القوية. وكان من المشرفين على أعمال السخرة في عهد سليمان، لكنه قاد الثورة ضده بسبب ضرائبه ومطالبه التي أثقلت كاهل الناس. وحينما فشل التمرد، فرَّ إلى مصر حيث لجأ إلى شيشنق فرعون مصر الليبي (الأسرة 22). وبعد موت سليمان، ترأس الوفد الذي أرسلته قبائل الشمال ليقابل رُحبعام مطالباً بتعديل نظام الضرائب والسخرة. وعندما رُفض الطلب، أعلنت قبائل الشمال استقلالها وتوَّجت يُربْعام ملكاً. ويبدو أن رُحبعام لم يتمكن من ضرب المملكة الجديدة خوفاً من تهديد شيشنق الذي كان يهمه القضاء على مملكة سليمان.
واتخذت المملكة من شـكيم عاصـمة لها، لكنهـا نقلت بعد ذلك إلى بنوئيل عبر الأردن، وأخيراً إلى ترصه. وقد أسـس يُربعام معـبداً في بيـت إيـل ودان، وجعل رمز الديانة العجول الذهبية. كما غيَّر يُربْعام موعد الأعياد حتى يحوِّل حجاج مملكته عن الذهاب إلى القدس، وطرد اللاويين الذين كانوا يشكلون جزءاً من المملكة العبرانية المتحدة ومن إدارتها. وخاض يُربعام حرباً دائمة مع المملكة الجنوبية التي رفضت الاعتراف بالتقسيم. ويبدو أن شيشنق قام بغزو المملكة الشمالية (ربما بعد موت يُربْعام) رغم أن عداءه كان موجهاً أساساً ضد المملكة الجنوبية.
وتاريخ المملكة الشمالية بعد ذلك تاريخ اضطرابات وعنف وتحالفات مؤقتة. فبعد موت يُربْعام الأول الذي تميَّز حكمه بالاستقرار، اعتلى ابنه ناداب العرش (907 ـ 906 ق.م)، ولكنه اغتيل هو وبقية أعضاء أسرته أثناء حربه ضد الفلستيين على يد منافسه بعشا (906 - 883 ق.م) من قبيلة يَسَّاكر الذي أنهى حكم قبيلة إفرايم وأبَّرم تحالفاً مع بن هدد الأول ملك آرام فحاربا معاً ضد المملكة الجنوبية. وحينما غيَّر بن هدد موقفه وتخلى عن تحالفه، هُزم بعشا وتنازل عن جزء من أراضيه. واعتلى ابنه إيلا العرش (883 ـ 882 ق.م)، لكن زمري، قائد عرباته العسكرية، قتله وهو يحاصر إحدى المدن الفلستية وحلّ محله (882 ق.م).
ولم يدم حكم زمري طويلاً لأن الجيش انتخب عمري (882 ـ 871 ق.م) ملكاً وحاصر العاصمة،وهذا ما اضطر زمري إلى أن يضرم النار في نفسه وفي قصره بعد أن حكم لمدة عام واحد.ولكن عمري لم يُحكم قبضته على المملكة إلا بعد ست سنوات من الحرب الأهلية ضد تبني بن جينـه الذي أعلن نفسـه ملـكاً.وقد جعل عمري من السامرة عاصمة لمملكته، وابتنى فيها لنفسه قصراً.وقد كان الخوف من القوة الآرامية وسطوتها العنصر الأساسي في السياسة الخارجية عند عمري في تلك الفترة.ويبدو أن الضغوط الآرامية كانت قوية إلى درجة أن المملكة اضطرت إلى منح الدول/المدن الآرامية الحق في فتح وكالات تجارية في السامرة وكذلك إعطائها امتيازات خاصة.
ولمعادلة هذا الموقف، قام عمري بتقوية علاقاته مع الفينيقيين (صور وصيدا)، فزوَّج ابنه من إيزابيل ابنة ملك صيدا، لتدعيم التحالف على عادة الملوك القدماء. وقد أتاح هذا التحالف الفرص التجارية أمام المملكة الشمالية حتى إنها نجحت في إقامة علاقات تجارية مع قبرص. وقد كان لهذا التحالف أعمق الأثر في الحياة الدينية في المملكة إذ أن العبادات الوثنية في صيدا كانت قد انتشرت بين الطبقات الثرية. وقد حاول عمري إقناع المملكة الجنوبية بالانضمام إلى محور صيدا ـ السامرة. ونظراً للسلام المؤقت الذي تمتعت به المملكة الشمالية، نجح عمري في استعادة الهيمنة على المؤابيين، وقام بحركة عمرانية قوية، وأحاط العاصمة بعدد كبير من التحصينات، وقد تمتعت المملكة بدرجة لا بأس بها من الازدهار حتى أن الآشوريين كانو يُعرِّفون المملكة الشمالية باسم «مملكة عمري».
واعتلى أخاب بن عمري العرش (871 - 852 ق.م)، فأدخلت زوجته إيزابيل عبادة بعل في المملكة الشمالية، وهو ما أدَّى إلى قيام صراع شديد بين البيت الملكي والأنبياء بقيادة النبي إلياهو. وبعد أن قام أخاب بعدة معارك ضد آرام دمشق، تحالف مع ملكها بن هدد ضد الآشوريين الذين كانوا قد أصبحوا خطراً حقيقياً يتهدد الجميع بعد حملة آشور ناصر بال في عام 870 ق.م، ونجحوا في صدهم مؤقتاً في معركة قرقار، وإن كان يُقال إن نتيجة المعركة لم تكن حاسمة لأي من الطرفين. ثم تحالف أخاب، بعد ذلك، مع يهوشافاط ملك المملكة الجنوبية وحاربا ضد مملكة آرام دمشق، ولكنهما هُزما وقُتل أخاب في المعركة. وأخاب أول ملك عبراني يُذكَر اسمه في أحد الأنصاب الآشورية باعتباره أحد الملوك الذين هزمتهم آشور.
وخلف أخاب ابنه آحازيا (852 ـ 851 ق.م) الذي هاجمه إلياهو باعتباره مشركاً وثنياً، وقد حاول آحازيا أن يكون جزءاً من المشاريع البحرية للمملكة الجنوبية ولكن طلبه رُفض، وهو ما أدَّى إلى توتر العلاقة بين المملكتين. ثم اعتلى يورام (851 ـ 842 ق.م) العرش من بعده، وألحق المؤابيون به الهزيمة وحصلوا على استقلالهم، كما هاجم الآراميون مملكته، وجُرح وهو أثناء معركة خاضها ضدهم لاسترداد إحدى المدن. وأدَّت هزائمه العسكرية المتكررة إلى ضعضعة سلطته، ثم اغتيل آحازيا على يد ياهو (842 ـ 814 ق.م) زعيم الانقلاب العسكري الذي أطاح بأسرة أخاب وقتل أعضاءها كما قتل كهنة بعل.
وقد قطع ياهو علاقات مملكته مع حلفائها السابقين (الدول/المدن الفينيقية والمملكة الجنوبية) وهو ما جعلها عرضة للغزو الأجنبي، فقامت قوات الآراميين بغزوها وألحقت الهزيمة به، فاضطر إلى دفع الجزية لشلمانصر الثالث لكي يحميه من الآراميين، وهذا ما خفف من الضغط الآرامي بعض الوقت. ويظهر هذا الملك على المسلة السوداء التي أقامها الملك الآشوري وهو يُقبِّل الأرض عند قدمي هذا الأخير ويُقدِّم الجزية. ولكن، بعد أن مني شلمانصر بالفشل في إخضاع عاصمة آرام، هاجمت الجيوش الآرامية المملكة الشمالية مرة أخرى وضمت الأراضي التابعة لها شرقي الأردن. وفي أواخر حكمه، اخترقت الجيوش الآرامية مملكته ووصلت إلى حدودها مع المملكة الجنوبية، ثم دخلت مملكته مرحلة التدهور.
وخلال حكم يوآحاز (814 ـ 800 ق.م)، كانت المملكة الشمالية مجرد مملكة تابعة لآرام التي تحكمت في أجزاء كبيرة من أراضيها وحدَّت من قوتها العسكرية، فانكمشت المملكة لتصبح دويلة. وقد انحسر المد الآرامي بعض الشيء بوصول حملة تأديبية آشورية بقيادة أدادنيراري الثالث الذي تشير إليه المصادر التوراتية باعتباره المخلِّص (ملوك ثاني13/5). ويبدو أن يوآحاز دفع الجزية، مثل يهو، للملك الآشوري. وانتهز يوآش (800 ـ 784 ق.م) فرصة ضعف آرام بعد هزيمتها على يد الآشوريين، واستعاد بعض المدن التي كان قد فقدها. وحينما حاول ملك المملكة الجنوبية أن يتخلص من الهيمنة الشمالية، استولى يوآش على القدس، ونهب الهيكل والكنوز الملكية، وحوَّل المملكة الجنوبية مرة أخرى إلى مملكة تابعة. وقد أتى ذكر يوآش، في أحد النقوش الآشورية، باعتبار أنه كان يدفع الجزية لملك آشور. ووصلت المملكة إلى قمة ازدهارها الاقتصادي والعسكري والسياسي أثناء حكم يُربْعام الثاني (784 - 748 ق.م) إذ تمتعت بشيء من الاستقلال نظراً لضعف الآشوريين النسبي.
وانتهز يُربْعام الثاني فرصة هزيمة آرام على يد الآشوريين، فاستعاد كل الأراضي التي استولت عليها آرام من قبل بل ضم بعض المدن الآرامية، فاتسعت رقعة مملكته. كما أقام يُربْعام الثاني مستعمرات في شرق الأردن، وأقطع ضباطه وأتباعه رقعاً كبيرة من الأرض، وقام بحركة بناء واسعة النطـاق. وقد أدَّى كل ذلك إلى نشـوء طبقـة ذات نفـوذ كبير من الملاك الأثرياء. وتميَّز حكمه بالفساد الداخلي والانحلال الخلقي، وهو ما دفع النبيين عاموس وهوشع إلى الهجوم عليه واستنكار أفعاله. وسادت فترة من الاضطرابات اتَّسمت بالصراع الطبقي ولعب فيها ملاك الأراضي في شرق الأردن دوراً كبيراً. وقد اُغتيل ابنه زكريا عام 748 ق.م بعد ستة أشهر من اعتلائه العرش، وانتهى بذلك حكم أسرة ياهو.
وفي عام 748 ق.م، حكم شلوم رئيس الانقلاب (وكان من شرق الأردن) شهراً واحداً دون أن يعتلي العرش إذ قتله مناحم (747 - 737 ق.م) الذي كان هو الآخر من شرق الأردن. وقد حاول مناحم أن يوسِّع حدود مملكته ويؤسِّس حكماً ثابت الدعائم، ولكن يد آشور الحديدية منعته. وحينما هاجم تيجلات بلاسر سوريا ثم المملكة الشمالية، دفع له مناحم جزية كبيرة. وحكم فقحيا بن مناحم (737 ـ 735 ق.م) عاماً واحداً، ولكن قائد جيشه فاقح (أحد نبلاء جلعاد) قام بانقلاب ضده وقتله واستولى على العرش (735 ـ 733 ق.م). ويبدو أن سبب المؤامرة هو عدم رضا أثرياء شرق الأردن عن الهيمنة الآشورية، إذ كانت لهم علاقات قوية بآرام. وكان فاقح زعيم الحزب المعادي للآشوريين، فتحالف مع رزين ملك آرام دمشق، حيث هاجما معاً المملكة الجنوبية ليرغما يوثام ثم ابنه آحاز على دخول الحلف.
وقد لجآ إلى تشجيع الاضطرابات في أدوم وفلستيا وجردا حملة على القدس لإرغام المملكة الجنوبية على الانضمام إليهما. ولكن آحاز استغاث بالآشوريين، فقامت القوات الآشورية بالهجوم على أعضاء التحالف وقضت على آرام دمشق كدولة. واستولت القوات الآشورية كذلك على أراضي الجليل وجلعاد، وأخذت منها أسرى إلى آشور. وقد قُتل فاقح على يد هوشع (730 ـ 724 ق.م) آخر ملوك المملكة الشمالية. وتقول المصادر الآشورية إن هوشع اعتلى العرش بمساعدة آشور، وأن مملكته قامت حول جبل إفرايم. وبعد موت تيجلات بلاسر الثالث، نشبت الثورات في سوريا وانضمت المملكة الشمالية بتشجيع من مصر للثورة، فجرَّد شلمانصر الخامس حملة وحاصر السامرة ثلاث سنوات إلى أن سقطت في يد خلفه سرجون الثاني (721 ق.م)، فهجَّر عدداً كبيراً من رجالها وأصبحت المملكة الشمالية مقاطعة آشورية.
يُربْعام الأول (928-907 ق.م)
Jeroboam I
«يُربعام» اسم عبري معناه «يكثر أو يربو الشعب». ويُربعام الأول أول ملوك المملكة الشمالية بعد انقسام المملكة المتحدة. كان يُربْعام يعمل عند سليمان ناظراً للعمال من قبيلة إفرايم المسخَّرين للعمل. وبدأت العناصر الساخطة تتجه إليه ليكون زعيماً للتمرد على هيمنة سليمان والجنوب. ولما عرف سليمان بالمؤامرة طلب قتله، فهرب إلى مصر عند الفرعون شيشنق، وبقي هناك إلى ما بعد موت سليمان. وقاد يُربعام الوفد الذي طلب من رُحبعام الإصلاح. وحينما رفض الأخير، ثار الشماليون وأسسوا مملكتهم وخاضوا حرباً مع المملكة الجنوبية اسـتمرت اثنين وعشـرين عـاماً. وقد اتخذ يُربعام من شكيم عاصمة لدولته.
وخشية أن يذهب العبرانيون إلى القدس للأعياد ويجددوا ولاءهم القديم لبيت داود، نصب يُربْعام عجلين من ذهب ربما بتأثير العبادة المصرية التي عرفها أثناء فترة نفيه؛ أحدهما في بيت إيل والآخر في دان ـ أي في طرفي مملكـته ـ ونادى بوجـوب عبادتهما. وإلى جانب العجل، مجَّد يُربْعام آلهة أخرى منها عشتاروت الإلهة الفينيقية وكموش إله المؤابيين. وقد أيَّد جميع الملوك الذين تعاقبوا على المملكة الشمالية هذه العبادة (ما عدا يوشيا). وغيَّر يُربعام تاريخ عيد الحصاد بحيث أصبح في الخامس عشر من الشهر الثامن في المملكة الشمالية، وقد كان يقع في اليوم الخامس عشر من الشهر السابع. وقد طرد يُربعام اللاويين الذين كانوا يشكلون الجهاز الإداري للملكة العبرانية المتحدة، ونقل عاصمته من شكيم إلى بنوئيل لتَعذُّر تحصين الأولى. ثم انتقلت العاصمة إلى ترصـه إلى أن اسـتقرت في نهاية الأمر في السـامرة.
رُحْبعـــام ( 928-911 ق.م)
Rehoboam
«رُحبعام» اسم عبري معناه «اتسع الشعب». ورُحبعام هو ابن سليمان من نعمة العمونية. طلب منه ممثلو القبائل العبرانية الشمالية، تحت قيادة يُربْعام، أن يخفِّف من النير الذي حمَّلهم إياه أبوه، فرفض طلبهم وهدَّدهم بمزيد من الضرائب، فانشقت القبائل الشمالية عن المملكة العبرانية المتحدة وأسست مملكة مستقلة هي المملكة الشمالية. وقامت الحرب بين رُحْبعام ويُربْعام واستمرت طيلة حكمه، كما انتشرت العبادة الوثنية في مملكته. وأثناء حكمه أيضاً، غزا شيشنق مملكته واستولى على بعض المدن لبعض الوقت، ومنها القدس نفسها، ونهب الهيكل والقصر الملكي.
آسا (908-767ق.م)
Asa
«آسا» اسم عبري معناه «الآسي» أي «الطبيب». ولعل الاسم اختصار لعبارة «يهوه آسا» أي «الرب داوى وشفى». وقد تحالف آسا، وهو أحد ملوك المملكة الجنوبية، مع بن هدد ملك آرام دمشق، لكي يوقف الغزو الذي قامت به المملكة الشمالية، وقام بتحصين الحدود بين المملكتين، وهو ما يعني أن الأمل الذي كان يراود حكام المملكة الجنوبية باستعادة المملكة الشمالية قد انتهى.
وقد عُرفت العبادات الوثنية في عهده. ولكنه، مع هذا، قام بإصلاح ديني يهدف إلى تحطيم التماثيل وهدم المذابح والمرتفعات، وهي أماكن مقدَّسة مرتبطة بالعبادة الوثنية. ومع هذا، لم يسايره الشعب في جميع إصلاحاته، فبقيت المرتفعات على حالها.
عمري (882-871 ق.م)
Omri
«عمري» اسم عبري ربما كان معناه «مفلح». وهو اسم أحد ملوك المملكة الشمالية. كان عمري قائداً للجيش. وأثناء محاصرته لإحدى المدن الفلستية وصله نبأ استيلاء زمري على العرش وأن الجيش بايعه ملكاً، فقاد عمري قواته إلى مدينة ترصه وفتحها فانتحر زمري. ثم قامت بينه وبين تبني بن جينه حرب أهلية استمرت خمسة أعوام انتصر في نهايتها عمري وأسس أسرة ملكية حاكمة تُعرَف باسمه، وجعل السامرة عاصمة مملكته. وقد سمَّى الآشوريون المملكة الشمالية «بيت خمري» أي «بيت عمري». وقد ازدهرت التجارة في عصره نظراً لأنه خضع للضغوط الآرامية وسمح للمدن/الدول الآرامية بأن تفتح وكالات تجارية تابعة تتمتع بامتيازات خاصة.ولمعادلة هذا الموقف،قوى عمري علاقاته مع الفينيقيين،فزوَّج ابنه أخاب من إيزابيل ابنة ملك صيدا.وقد انعكست علاقاته السياسية والتجارية المتشابكة على الاتجاهات الدينية في عصره إذ دخلت عناصر من عبادات صيدا الوثنية على العبادات اليهودية في المملكة الشمالية. ولقد نجح عمري في فرض هيمنته على المؤابيين.
أخـاب (871-852 ق.م)
Ahab
«أخاب» اسم عبري معناه «أخو الأب»، وهو ابن عمري أحد ملوك المملكة الشمالية. وقد بدأ حكمه نحو عام 871 ق.م. أثرت فيه زوجته إيزابيل ابنة ملك صيدا (وكانت امرأة وثنية) فانقاد لها وأدخل عبادة بعل، وهو ما أدَّى إلى احتدام الصراع بينه وبين الأنبياء. وتحالف أخاب مع الفينيقيين والمملكة الجنوبية ليقف ضد آشور، ونجح هذا التحالف في صد الآشوريين بشكل مؤقت (في معركة قرقار) وإن لم تكن نتيجة المعركة حاسمة. ثم تحالف مع يهوشافاط ملك المملكة الجنوبية، فحاربا معاً ضد آرام دمشق ولكنهما هُزما. وخر أخاب صريعاً في المعركة وسال دمه من مركبته فلحسته الكلاب، كما تنبأ النبي إلياهو.
إيـزابيـل (؟ -843 ق.م)
Jezebel
«إيزابيل» اسم عبري يعني «غير مرتفع». وإيزابيل زوجة أخاب أحد ملوك المملكة الشمالية (871 ـ 852 ق.م)، وابنة إثبعل ملك صور وصيدا وكاهن عشتروت، وقد عقد عمري الزواج بين أخاب وإيزابيل لتقوية العلاقة بين المملكة الشمالية والمدن/الدول الفينيقية. ومن هنا قويت عبادة بعل، وقد تنبأ لها إلياهو بأن الكلاب ستأكلها. وقد قُتلت إيزابيل أثناء انقلاب ياهو (843 ق.م) والذي تم بتشجيع من إلياشع صديق إلياهو.
يهـوشــافـاط (867-846 ق.م)
Jehoshaphat
«يهوشافاط» اسم عبري معناه «يهوه قضى». ويهوشافاط اسم رابع ملوك المملكة الجنوبية وابن الملك آسا. عقد تحالفاً مع أخاب ملك المملكة الشمالية وحارب معه ضد الآراميين، ولكنه هُزم في الحرب (كما قُتل حليفه أخاب). وفيما بعد، تحالف مع يورام وقام بحملة ضد مؤاب وأحكم سيطرته على أدوم. وأسس يهوشافاط أسطولاً بحرياً تجارياً في البحر الأحمر في عصيون جابر (إيلات)، ولكن عاصفة هبَّت عليه أغرقته قبل أن يبحر.
أحـزيــا (852-851 ق.م)
Ahaziah
«أحزيا» اسم عبري معناه «الرب أمسك». وقد سُمِّي بهذا الاسم كل من:
1 ـ ثامن ملوك المملكة الشمالية وهو ابن أخاب وإيزابيل. وقد تخلَّى هذا الملك عن عبادة يهوه واتبع العبادة الوثنية.
2 ـ سادس ملوك المملكة الجنوبية (843 - 842 ق.م) وأمه عثـليا ابنة أخاب. خاض معركة ضد ملك سوريا الآرامي، وقتله ياهو أثناء زيارته ليورام ملك المملكة الشمالية.
ياهو (842-814 ق.م)
Jehu
«ياهو» اسم عبري معناه «هو يهوه». وقد كان ياهو زعيم الانقلاب العسكري في المملكة الشمالية الذي أطاح بأسرة أخاب وقتل أعضاءها، كما قتل أحزيا ملك المملكة الجنوبية الذي كان في زيارة يورام وإيزابيل. حاول القضاء على عبادة بعل عن طريق اغتيال كهنتها ولكنه لم يُوفَّق. قام هو نفسه بعبادة العجول الذهبية فيما بعد، ودفع الجزية لشلمانصر الثالث. ويظهر هذا الملك على المسلة السوداء التي أقامها الملك الآشوري وهو يُقبِّل الأرض ويُقدِّم الجزية.
يــوآش (836-798 ق.م)
Joash
«يوآش» اسم عبري معناه «يهوه قوَّاه» أي منحه القوة، وهو اختصار للاسم «يهوآش». وقد سُمِّي بهذا الاسم ثامن ملوك المملكة الجنوبية (836 ـ 798 ق.م) الذي أعاد عبادة الهيكل لبعض الوقت ولكنه عاد وارتد إلى العبادة الوثنية ودفع الجزية لـملك آرام ثم اغتيل بعد حكم دام نحو أربعين عاماً.
يـوآش (800-784 ق.م)
Joash
«يوآش» اسم عبري معناه «يهوه منحه القوة»، وهو اختصار للاسم «يهوآش». وقد سُمِّي بهذا الاسم الملك الثاني عشر من ملوك المملكة الشمالية (800 ـ 784 ق.م) وهو الثالث في سلالة ياهو. عبد العجل الذهبي واسترجع المدن التي كان الآراميون قد أخذوها بعد هزيمتهم على يد الآشوريين، وهزم أيضاً ملك المملكة الجنوبية ونهب الهيكل والكنوز الملكية.
يُربْعام الثاني (784-748 ق.م)
Jeroboam II
«يُربْعام» اسم عبري معناه «يكثر أو يربو الشعب». ويُربْعام الثاني هو الملك الثالث عشر بين ملوك المملكة الشمالية. اتَّسم حكمه بالازدهار واستتباب الأمن. وفي عهده، وصلت المملكة إلى قمة ازدهارها الاقتصـادي والعسكري والسياسي بسبب ضعف الآشوريين النسـبي وانهـزامهم. وأقام يُربْعــام الثاني مســتعمرات في شرق الأردن، ومنح ضباطه وأتباعه رقعاً كبيرة من الأراضي، فنشأت طبقة من كبار الملاك الأثرياء. وقد انتشرت في عهده عبادة الأوثان، وفي عصره، حذَّر النبيان عاموس وهوشع من مغبَّة الانحلال.
عُزيَّــا (769-733 ق.م)
Uzziah
«عُزِّيا» اسم عبري معناه «مجد الرب». وعُزِّيا أحد ملوك المملكة الجنوبية الذي يُسمَّى أيضاً «عزريا»، وهو ابن إمصيا. وفي عهده تحرَّرت مملكته من هيمنة المملكة الشمالية، فنظَّم الجيش وحصَّن القدس وغزا المدن الفلستية. ترأس حلفاً من ملوك الدويلات التي كانت تعارض آشور حتى أصبحت مملكته الجنوبية أكثر أهمية من المملكة الشمالية.
هوشــع (750-722 ق.م)
Hoshea
«هوشع» اسم عبري معناه «الخلاص». وهوشع آخر ملوك المملكة الشمالية. كان صنيع الآشوريين. ولكنه عاد وتحالف مع المصريين، فهاجمه الآشوريون وفرضوا عليه دفع الجزية، ولكنه امتنع عن دفعها بتشجيع من المصريين. وحين أتى شلمانصر واحتل السامرة، أخذ هوشع أسيراً، وأتم سرجون الفتح وأكمل تهجير (سبي) القبائل الشمالية.
آحــاز (743-727 ق.م)
Ahaz
«آحاز» اسم عبري معناه «هو أمسك»، أي «الرب أمسك». وآحاز هو الملك الحادي عشر من ملوك المملكة الجنوبية. وقد ورد اسمه بصيغة «أحاز». هاجمت كلٌّ من آرام دمشق والمملكة الشمالية مملكته لترغماه على الانضمام للحلف المعادي لآشور، فطلب آحاز العون من آشور، فهبَّ تيجلات بلاسر الآشوري لنجدته وقضى على المملكة الشمالية. وقد نتج عن ذلك تبعية دينية للآشوريين إذ شيَّد آحاز مذبحاً في القدس لآلهة آشور كما أدخل كثيراً من العبادات الوثنية الأخرى. وقد اقتحم الفلستيون مدن السواحل وجنوبي مملكته، كما هاجمه الأدوميون.
حزقيــــا (727-698 ق.م)
Hezekiah
«حزقيا» اسم عبري معناه «الرب قد قوى» أو «الرب قوة». وحزقيا هو ابن آحاز ملك المملكة الجنوبية. كان تابعاً لآشور ولكنه حاول أن يستقل عنها، فقام بإصلاح ديني وتحالف مع مصر، ولكن إرميا حذره من مغبَّة ذلك. وقد حاصر سناخريب القدس في عهده وأخضعه واضطره إلى دفع الجزية.
منَسَّــــى (698-642 ق.م)
Manasseh
«منَسَّى» اسم عبري معناه «من ينسى» ويُنطَق أيضاً «منشَّى». ومنَسَّى أحد ملوك المملكة الجنوبية. تبوَّأ العرش بعد حزقيا وحكم يهودا مدة أطول من أي ملك آخر (698 ـ 642 ق.م). ويعتبره كاتب سفر الملوك أسوأ الملوك طراً (ملوك ثاني 21/1 ـ 18). ولكن سفر الأخبار الثاني يقدم صورة أكثر تعاطفاً معه (أخبار ثاني 33/1ـ 20). وقد عاشت المملكة الجنوبية في عصره في سلام إذ أنه دفع الجزية لآشور، وهو ما كان يعني أن الآلهة الأجنبية مثل بعل وآشور كانت تُعبَد في الهيكل.
يوشــيا (639-609 ق.م)
Josiah
«يوشيا» اسم عبري معناه «يهوه يواسي». وقد اعتلى يوشيا عرش المملكة الجنوبية وهو بعد في الثامنة. وكان يرشده في حداثته حلقيا (الكاهن الأعظم) الذي أدار شئون المملكة باسمه. وحين أخذت الدولة الآشورية في الضعف، وتحركت مصر لمساعدة آشور ضد بابل، ساعد هذا على توسيع رقعة استقلال المملكة الجنوبية، الأمر الذي انعكس على الدين والمؤسسة الدينية. وعندما بلغ يوشيا الثامنة عشرة من عمره، عثر شافان (الكاتب) على كتاب سفر الشريعة (نواة السفر المعروف بسفر التثنية) وعلى مجموعة من المواد التشريعية أثناء دفعه أجور العمال الذين كانوا يقومون بأعمال الترميم في الهيكل. وأَخبَر شافان بذلك الكاهن الأعظم حلقيا الذي قرأ السفر على يوشيا. ومن هنا بدأت الحركة الإصلاحية الدينية الجذرية الاستقلالية المعروفة باسم «الإصلاح التثنوي». وقُرئ السفر على أفراد الشعب، فعاهدوا أنفسهم على عبادة يهـوه دون سـواه، وهـدموا مذابح البعل وأزالوا المرتفعات وحطموا التماثيل. وقـد قُتل يوشيا أثناء محاولته وقف الفرعون نخاو في مجـدو عــام 609 ق.م.
يهــوياقـيم (608-598 ق.م)
Jehoiakim
«يهوياقيم» اسم عبري معناه «يهوه يقيم». ويهوياقيم هو الثامن عشر بين ملوك المملكة الجنوبية. وضعه المصريون على العرش بعد أن هزموا أباه يوشيا وقتلوه عام 608 ق.م. وبعد أن هزم البابليون المصريين عام 605 ق.م، في معركة قرقميـش، نقل يهـوياقيم ولاءه إليهم، ولكنه عاد وانضم إلى الحزب الممالئ لمصر ضد نصيحة إرميا وتحدى نبوختنصر، فعـادت الجـيوش البابلية وحـاصرت القدس. ومات يهوياقيم أثناء الحصار.
يهــوياكــين (598-598 ق.م)
Jehoiachin
«يهوياكين» اسم عبري معناه «يهوه يُثبِّت». ويهوياكين الملك التاسع عشر بين ملوك المملكة الجنوبية وابن يهوياقيم، حكم ثلاثة أشهر بعد موت أبيه. وقد سقطت القدس في عهده في يد البابليين، فنُفي هو وأسرته إلى بابل، وخلفه عمه صدقياهو.
صــدقيـاه (597-586 ق.م)
Zedekiah
«صدقياه» اسم عبري معناه «يهوه عدل» أو «عدل يهوه». و«صدقياه» هو آخر ملوك المملكة الجنوبية، واسمه الأصلي متنيا بن يوشيا. أجلسه البابليون على العرش بدلاً من يهوياقيم، ولكن صدقياه تمرَّد بتشجيع من مصر على الرغم من نصيحة إرميا. فهاجم نبوختنصر القدس، ووقع صدقياه في الأسر وقُتل أولاده أمامه، وسُملت عيناه وسيق إلى بابل وسُجن حتى وافته المنية.