أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: الباب الرابع والستون السبت 02 يوليو 2022, 5:13 am | |
| الباب الرابع والستون في خلق الجان وصفاتهم روي عن الشيخ عبد الله صاحب تحفة الألباب أنه قال قرأت في بعض الكتب المتقدمة المأثورة عن العلماء رحمهم الله تعالى أن الله تعالى لما أراد أن يخلق الجان خلق نار السموم وخلق من مارجها خلقا سماه جانا كما قال الله تعالى: ( والجان خلقناه من قبل من نار السموم ) وقال الله تعالى في موضع آخر: ( وخلق الجان من مارج من نار ) وقيل إن الله تعالى خلق الملائكة من نور النار والجان من لهبها والشياطين من دخانها وقد جاء في بعض الأخبار أن نوعا من الجن في قديم الزمان قبل خلق آدم عليه الصلاة والسلام كانوا سكانا في الأرض قد طبقوها برا وبحرا سهلا وجبلا وكان فيهم الملك والنبوة والدين والشريعة وكانوا يطيرون الى السماء ويسلمون على الملائكة ويستعلمون منهم خبر ما في السماء وكثرت نعم الله عليهم إلى أن بغوا وطغوا وتركوا وصايا أنبيائهم فأرسل الله تعالى عليهم جندا من الملائكة فحصل بينهم مقتلة عظيمة وغلبوا الجن وطردوهم إلى أطراف البحار وأسروا منهم أمما كثيرة.
وذكر المسعودي أن الفرس واليونان قالوا كان الجن بالأرض قبائل منهم من يسترق السمع ومنهم من ينط مع لهب النار ومنهم من يطير ولكل قبيلة ملك وكان من جملتهم إبليس لعنه الله ثم بعد خمسة آلاف سنة افترقوا وملكوا عليهم ملوكا وأقاموا على ذلك مدة طويلة ثم تحاسدوا على الملك وأغار بعضهم على بعض وجرت بينهم وقائع وحروب وكان إبليس لعنه الله يصعد إلى السماء ويختلط بالملائكة فبعثه الله تعالى بجيوش من الملائكة فهزم الجن وقتلهم وتملك الأرض مدة طويلة إلى أن خلق آدم عليه الصلاة والسلام واتفق له معه ما اتفق وأهبط آدم إلى الأرض وعظم شأنه فعند ذلك انتقل إبليس إلى البحر المحيط وسكن هناك ثم ألقى عليه قوة شهوة السفاد فهو لا يلد لكنه يلقح كالطير ويبيض ويفرخ قيل إنه يخرج من كل بيضة ستون ألف شيطان فيسلطهم على الخلق وأقربهم إليه وأدناهم منه ومن مجلسه أكثرهم إيذاء للخلق.
وفي الحديث أن إبليس لعنه الله قال يا رب أنزلتني إلي الأرض وطردتني وجعلتني رجيما فاجعل لي مسكنا قال مسكنك الأسواق قال فاجعل لي طعاما قال ما لم يذكر اسمي عليه قال فاجعل لي شرابا قال كل مسكر قال فاجعل لي مؤذنا قال المزامير قال فاجعل لي صيدا أو قال مصائد قال النساء.
فصل في مكايده لعنه الله منها أنه كان في بني إسرائيل عابد يدعى برصيصا وله جار له بنت فحصل لها مرض فقال له جيرانه لو حملتها إلى جارك برصيصا ليدعو لها قال فجاء إبليس إلى العابد وقال إن لجارك عليك حق الجوار وإن له بنتا مريضة فما ضرك لو جعلتها عندك في جانب البيت ودعوت الله لها عقب عبادتك فعسى أن تشفى من مرضها قال فلما أتاه جاره بالبنت قال له العابد دعها وانصرف قال فتركها عنده مدة حتى شفيت فجاء له إبليس ووسوس له حتى وطئها فحملت منه فلما حملت جاء له إبليس لعنه الله فقال له اقتلها لئلا تفتضح قال فقتلها ودفنها قال فعند ذلك ذهب الشيطان إلى أهلها وأعلمهم بذلك فجاؤا إلى العابد وكشفوا عن قضيته ثم أخذوه ومضوا ليقتلوه فعارضه إبليس اللعين في الطريق فقال له إن سجدت لي خلصتك منهم فسجد له فعند ذلك تبرأ منه ومات الرجل كافرا اللهم اعصمنا من مكائد الشيطان برحمتك يا أرحم الراحمين.
ومن ذلك ما اتفق أن بني إسرائيل اتخذوا شجرة وصاروا يعبدونها فجاء بعض عبادهم بفأس ليقطعها فعارضه إبليس لعنه الله وقال له تركت عبادتك وجئت لشيء لا يعود عليه نفعه ولم يزل به حتى تقاتل معه فصرعه العابد وجلس على صدره ثم رجع ولم يزل يعمل معه ذلك في كل يوم إلى ثلاثة أيام فلما رآه لا يرجع قال له اترك قطعها وأنا أجعل لك في كل يوم دينارين تستعين بهما على نفقتك وعبادتك وعاهده على ذلك فرجع قال فجعل له تحت وسادته دينارين ثم دينارين ثم دينارين ثم قطع ذلك عنه فأخذ العابد الفأس وذهب إلى قطع الشجرة فعارضه إبليس في الطريق وتحاور معه وتجاذبا فصرعه إبليس وجلس على صدره وقال له إن لم ترجع عن قطعها وإلا ذبحتك فقال له العابد خل عني واخبرني كيف غلبتني فقال له لما غضبت لله غلبتني ولما غضبت لنفسك غلبتك.
ومنها أشياء كثيرة ليس هذا محل استيفائها قال الله تعالى: ( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهو لكم عدو بئس للظالمين بدلًا ).
فصل في المتشيطنه وهم أنواع كثيرة منها الولهان يوجد في جزائر البحار على صورة الإنسان حكى بعض المسافرين أنه عرض لمركب وهو راكب على نعامة يريد أخذ المركب وصاح بهم صيحة عظيمة خروا منها على وجوههم بعض من في المركب ومنها السعلاة يحكى أن صنفا منها يتزيا بزي النساء ويتراءى للرجال وحكي أن بعضهم تزوج امرأة منهن وهو لا يعلم فأقامت معه مدة وولدت منه أولادا ذكورا وإناثا فلما كانت ذات ليلة صعدت معه السطح فنظرت فرأت نارا من بعد عند الجبانة فاضطربت وقالت ألم تنر نيران السعالى وتغير لونها وقالت بنوك وبناتك أوصيك بهم خيرا ثم طارت ولم تعد إليه ومنها نوع يقال له المذهب يخدم العباد ومقصوده بذلك أن يعجبوا بأنفسهم.
وحكي أن بعض العباد نزل صومعة يتعبد فيها فأتاه شخص بسراج وطعام فتعجب العابد من ذلك فقال له شخص بالصومعة إنه المذهب يريد أن يخيل لك أن ذلك من كرامتي والله إني لأعلم أنه شيطان وقال بعض الصوفية المذهب أصناف منهم من يحمل الفانوس بين يدي الشيخ ومنهم من يأتيه بالطعام والشراب وغير ذلك ومنهم من ينشد الشعر.
وقال بعض المسافرين أبق لي غلام فخرجت في أثره فإذا أنا بأربعة يتناشدون شعر الفرزدق وجرير قال فدنوت منهم وسلمت عليهم فقالوا ألك حاجة؟ فقلت لا فقال بعضهم تريد غلامك قلت وما أعلمك بغلامي؟ قال كعلمي بجهلك قلت أو جاهل أنا؟ قال نعم وأحمق قال ثم غاب وأتاني بالغلام مقيدا فلما رأيته غشي علي فلما أفقت قال أنفخ في يده ففعلت فانفرج العبد عنه وصرت لا أنفخ في شيء من ذلك ولا في وجع من الأوجاع إلا برئ وخلص صاحبه.
ومنها نوع يقال له العفريت يخطف النساء يقال إن رجلا اختطفت ابنته في زمن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه.
وقال بعض المسافرين بينما نحن سائرون ذات ليلة إذ عرض لي قضاء الحاجة فانفردت عن رفقتي وضللت عنهم فبينما أنا سائر في أثرهم إذ رأيت نارا عظيمة وخيمة فجئت إلى جانبها وإذا أنا بجارية جميلة جالسة فيها فسألتها عن حالها فقالت أنا من فزارة اختطفني عفريت يقال له ظليم وجعلني ههنا فهو يغيب عني بالليل ويأتيني بالنهار فقلت لها امضي معي فقالت أهلك أنا وأنت فإنه يتبعنا ويأتينا فيأخذني ويقتلك فقلت لا يستطيع أخذك ولا قتلي وما زلت أرددها الحديث حتى رضيت فأنخت لها ناقتي فركبتها وسرت بها حتى طلع الفجر فالتفت فإذا أنا بشخص عظيم مهول قد أقبل ورجلاه تخطان في الأرض فقالت ها هو قد أتانا فأنخت ناقتي وخططت حولها خطا وقرأت آيات من القرآن وتعوذت بالله العظيم فتقدم وأنشد يقول:
( يا ذا الذي للحين يدعوه القدر ... ) ( خل عن الحسناء ثم سر … ) ( وإن تكن ذا خبرة فينا اصطبر ...)
قال فأجبته: ( يا ذا الذي للحين يدعوه الحمق ...) ( خل عن الحسناء رسلا وانطلق ... ) ( ما أنت في الجن بأول من عشق ... )
قال فتبدى لي في صورة أسد وجاذبني وجاذبته ساعة فلم يظفر أحد منا بصاحبه فلما أيس مني قال هل لك في جز ناصيتي أو إحدى ثلاث خصال؟ قلت وما هن؟ قال مائتان من الإبل أو أخدمك أيام حياتي أو ألف دينار الساعة وخل بيني وبين الجارية فقلت لا أبيع ديني بدنياي ولا حاجة لي بخدمتك فاذهب من حيث أتيت فال فانطلق وهو يتكلم بكلام لا أفهمه وسرت بالجارية إلى أهلها وتزوجت بها وجاءني منها أولاد.
وقيل لمَّا سخَّر اللهُ تعالى الجن لسليمان عليه الصلاة والسلام نادى جبريل عليه السلام أيها الجن أجيبوا نبي الله سليمان بن داود بإذن الله تعالى قال فخرجت الجن والشياطين من الجبال والكهوف والغيران والأودية والفلوات والآجام وهم يقولون لبيك لبيك والملائكة تسوقهم سوق الراعي للغنم حتى حشرت بين يدي سليمان عليه الصلاة والسلام طائعة ذليلة وكانوا إذ ذاك أربعا وعشرين فرقة فنظر إلى ألوانها فإذا هي سود وشقر ورقط وبيض وصفر وخضر وعلى صور جميع الحيوانات ومنهم من رأسه رأس أسد وبدنه بدن الفيل ومنهم من له خرطوم وذنب ومنهم من له قرون وحوافر وغير ذلك من الأنواع قال فعند ذلك تعجب نبي الله سليمان عليه الصلاة والسلام من هذه الأشكال وسجد شكرا لله تعالى وقال إلهي ألبسني هيبة من عندك وجعل يسألهم عن طباعهم وعن طعامهم وشرابهم وهو يجيبونه ثم فرقهم في الصنائع من قطع الصخور والأحجار والأشجار والغوص في البحار وأبنية الحصون وفي استخراج المعادن والجواهر قال الله تعالى: ( هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب ) ونكتفي من ذلك بهذا القدر اليسير والله المسؤول في تيسير كل عسير وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. |
|