منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر Empty
مُساهمةموضوع: سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر   سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر Emptyالأربعاء 18 ديسمبر 2013, 7:09 am

سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر
اكرم غانم اسماعيل تكاي
الاصدار الاول: رمضان / 1434ھ.. الموصل / العراق.
(يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ ۞ مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ۞) سورة غافر 39 - 40.
لا شك أن الإنحراف الخطير الذي يعيشه العالم الإسلامي اليوم - في العقيدة وغيرها - ناشئ من التخبط في دراسة العقيدة الإسلامية والعدول عن مصادرها الأصلية ومن التخبط في المنهج الذي تدرس به هذه العقيدة. (الدكتور عبد الرحمن المحمود) من كتاب: (القضاء والقدر).
اللهم رَبِّ يَسِّرْ وأَعِنْ يا كَريم
اللهم رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * ويَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي.
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة:
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)(آل عمران/102)
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (النساء/1)
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ۞ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) (الأحزاب /70و71) . 
أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أما بعد :
فإن توحيد الله تعالى أشرف ما اكتسبته القلوب ، وأزكى ما أدركته العقول ؛ فهو زبدة الرسالة الإلهية ، وهو الطريق إلى معرفة الله وعبادته وحده لا شريك له .
وأعلم – وفقني الله تعالى وإياك – أن التوحيد ثلاثة أقسام :
1- توحيد الربوبية .
2- توحيد الألوهية .
3- توحيد الأسماء والصفات .
وسأتناول -بمشيئة الله تعالى - في هذا البحث ، توحيد الربوبية ومسألة الايمان بالقضاء والقدر ، على منهج أهل السنة والجماعة، وذلك لارتباط توحيد الربوبية بالإيمان بالقضاء والقدر.
وقد جمعت فيه أهم المسائل في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر مع مراعاة الايجاز قدر المستطاع ، وتجنبت عرض أقوال الفرق الاسلامية في المسألة، واكتفيت بتعريفها ، تحقيقاً للإيجاز.
ولم اذكر الخلاف في تعريف القضاء والقدر ، واكتفيت بذكر أحد أقوال أهل العلم ، ثم اوضحت الفرق بينهما على اساس التعريف المختار.
خطة البحث
أما خطة البحث فقد إشتملت على بابين وخاتمة وكما يلي :
الباب الاول وموضوعه التوحيد ، وجعلته في فصلين
الفصل الاول : التوحيد وفيه تمهيد وتسع مباحث وهي :
تمهيد : علم التوحيد
المبحث الاول : التوحيد
- التوحيد في اللغة
- التوحيد في الاصطلاح
المبحث الثاني : الدليل على التوحيد من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين
المبحث الثالث : أقسام التوحيد
- تعريف الاقسام الثلاثة
المبحث الرابع : العلاقة بين أقسام التوحيد
المبحث الخامس : التوحيد أول الدين وآخره
المبحث السادس : التوحيد والايمان
- اختلاف مدلولات الإيمان والتوحيد والعقيدة
- تفاضل الناس في التوحيد والإيمان
المبحث السابع : التوحيد والتحميد
المبحث الثامن : القرآن والتوحيد
المبحث التاسع : نواقض التوحيد ومنقصاته
أما الفصل الثاني وموضوعه توحيد الربوبية وفيه ثمان مباحث وهي :
المبحث الأول : توحيد الربوبية
- توحيد الربوبية لغة
- توحيد الربوبية إصطلاحا
- الصفات الاختيارية
- أنواع ربوبية الله على خلقه
المبحث الثاني : خصائص توحيد الربوبية
المبحث الثالث: مظاهر الانحراف في توحيد الربوبية ( الشرك في الربوبية )
- أولا: تعريفه
- ثانيا: نوعاه
المبحث الرابع : القدرية والشرك الخفي
المبحث الخامس : توحيد الربوبية لا يتم إلاَّ بإثبات القدر
المبحث السادس : ارتباط العلم الإلهي في القرآن إما بالخلق والقدرة والتقدير وإما بالحكمة والتدبير
المبحث السابع : حقيقة الفوقية المطلقة للرب جل وعلا والتي هي من خصائص الربوبية وهي المستلزمة لعظمة الرب جل جلاله.
- إثبات صفة العلو
- توحيد الربوبية وعلاقته بإثبات الاستواء على عرشه
- قول الناس : الآدمي جبار ضعيف
المبحث الثامن : آثار توحيد الربوبية وثمراته
الباب الثاني وموضوعه الايمان بالقضاء والقدر وجعلته في ثلاث فصول وهي :
الفصل الأول وموضوعه الايمان بالقضاء والقدر وفيه تمهيد وثلاثة عشر مبحثا وهي :
تمهيد
- أهمية عقيدة القضاء والقدر
- منزلة القضاء والقدر في عقيدة المؤمن
المبحث الأول : تعريف القضاء والقدر، والعلاقة بينهما
- القضاء
- تعريف القضاء لغة
- إطلاقات القضاء في القرآن الكريم
- القدر
- القدر في اللغة
- إطلاقات القدر في القرآن الكريم
- العلاقة بين القضاء والقدر، وتعريفهما في الاصطلاح
- العلاقة بين القضاء والقدر
- القضاء والقدر في الاصطلاح الشرعي
- الفرق بين القضاء والقدر
- نصوص الكتاب والسنة في القضاء والقدر
1 – من القرآن الكريم
2 – من السنة النبوية
- أقوال السلف الصالح في القضاء والقدر
- القدر نظام التوحيد
المبحث الثاني الطوائف المنحرفة في القضاء والقدر
المبحث الثالث مراتب القضاء والقدر التي من لم يؤمن بها لم يؤمن بالقضاء والقدر
- ارتباط مراتب القضاء والقدر بتوحيد الربوبية
المبحث الرابع مراتب العلم الإلهي والأدلة عليه
- بيان مراتب العلم
المبحث الخامس الإيمان بكتابة المقادير ( التقديرات الالهية )
- كتابة الاعمال
- الكتابة الكونية والكتابة الشرعية
المبحث السادس الارادة الربانية :
- أقسامالارادةالربانية
- الفرق بين الارادة الكونية والارادة الشرعية
- نماذج لأمور شرعية وكونية
- قوله سبحانه وتعالى: { ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ ۞ فَعَّال لِّمَا يُرِيدُ }
المبحث السابع مسألة خلق أفعال العباد
المبحث الثامن الإيمان بالقدر ومشيئة العبد واختياره
المبحث التاسع الكسب والاستطاعة
- الكسب
- الوسائل المشروعة للكسب
- الاستطاعة
المبحث العاشر الهداية
- مراتب الهدى في القرآن الكريم
- انواع الهداية
- الهداية الشرعية والهداية الكونية
المبحث الحادي عشر الواجب على العبد في باب القدر
المبحث الثاني عشر مجمل اعتقاد أهل السنة والجماعة في باب القدر
المبحث الثالث عشر الخوض في القضاء والقدر
الفصل الثاني وموضوعه مسائل في القضاء والقدر وفيه عشرون مسألة وهي :
1/ انواع القدر
- القدر المُثبت والمعلق
2/ تأويل قوله تعالى : {يمحو الله ما يشاء ويثبت} وبيان علاقة ذلك بالقضاء والقدر
3/ صلة الرحم سبب في زيادة الرزق والعمر، وبيان أن ذلك لا ينافي قضاء الله وقدره
4/ تأثير الدعاء في تغيير ما كتب للإنسان قبل خلقه
5/ الرزق والزواج مكتوب في اللوح المحفوظ
- إذا كان الله قد كتب الرزق لكل إنسان فلماذا يموت الناس من الجوع ؟
- علاقة القدربالأسباب في قضية الرزق
- علاقة القدر بالأسباب في قضية الزواج
6/ التوكل والاخذ بالأسباب
- الاخذ بالأسباب
- التعلق بالأسباب من دون الله تبارك وتعالى
- الوسائل الكونية والشرعية
7/ القدر والشرع ( ألا له الخلق والأمر )
8/ قول ( إن شاء الله ) و ( ما شاء الله ) و ( قدر الله وما شاء فعل )
9/ كلمات الله التامة
10/ الاحتجاج على الله سبحانه وتعالى بالقدر
- أربع حالات للاحتجاج بالقدر ولكل منها جواب وحكم شرعي
10/ العلاقة بين فعل العبد وفعل الرب
12/ الشر ليس اليك
13/ الرضا بالقضاء والقدر
14/ الانسان مخير أم مسير
15/ قول العاصي : إن الله لم يكتب لي الهداية
16/ الحكمة من وجود المعاصي والكفر
17/ حكم استعمال ( لو )
18/ ما جاء في التطير والعدوى والهامة والفأل الصالح
19/ في افتقار الإنسان إلى اختيار الله وتقديره
20/ البرمجة العصبية تتعارض مع الإيمان بالقضاء والقدر
- هل ( الجسم الأثيري ) له أصل في الشرع ، أم أنه مجرد توقعات ، أو سحر وخزعبلات ؟
- اهمال البرمجة اللغوية العصبية جانب اتصال العبد بربه عز وجل
21/ اقوال لا تصح
الفصل الثالث وموضوعه ثمرات الايمان بالقضاء والقدر
- ثمرات الايمان بالقضاء والقدر
الخاتمة وجعلتها على قسمين عرضت فيهما اهم نتائج هذا البحث
أولا : توحيد الربوبية
ثانيا : الايمان بالقضاء والقدر
ثم أعقبت ذلك بالفهرس ، أما مصادر البحث فقد إكتفيت بالاحالة اليها في هوامش البحث.
وقبل الختام
أرجو ممن يقرأ البحث أن يذكرني بخير وأن يصحح ما وقعت فيه من خطأ ، فالدين النصيحة.
وليعلم القارئ الكريم أنه ما كان من صواب فبفضل الله تعالى وكرمه ، والحمد لله على ذلك ، وما كان من خطأ فمن نفسي ، وأستغفر الله الغفور الرحيم على ذلك.
وأخيراً أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يلهمني رشدي ، ويعلمني ما ينفعني ، وأن ينفعني بما علمني ؛ إنه على كل شيء قدير، لا اله الا هو.
اللهم اني أعوذ بك ان اشرك بك وانا اعلم واستغفرك لما لا اعلم .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه  أجمعين.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
وكتب ذلكم
المهندس
أبو عبد الرحمن
أكرم بن غانم بن اسماعيل تكاي
الموصل - العراق
1 رمضان1434 ﻫ
agtd61@yahoo.com
agtd1961@gmail.com
الباب الاول: الفصل الاول
التوحيد
تمهيد: 
علم التوحيد
( علم التوحيد يبحث عما يجب لله من صفات الجلال والكمال، وما يستحيل عليه من كل ما لا يليق به، وما يجوز من الأفعال، وعما يجب للرسل والأنبياء، وما يستحيل عليهم، وما يجوز في حقهم، وما يتصل بذلك من الإيمان بالكتب المنزلة، والملائكة الأطهار، ويوم البعث والجزاء، والقدر والقضاء، وفائدته تصحيح العقيدة، والسلامة في العواقب، ونيل السعادة في الدارين. )  
( إنَّ علم التوحيد أشرفُ العلوم، وأجلُّها قدرًا، وأوجبُها مطلبًا؛ لأنه العلم بالله تعالى، وأسمائه، وصفاته، وحقوقه على عباده، ولأنه مفتاح الطريق إلى الله تعالى، وأساس شرائعه.
ولذا؛ أجمعت الرسل على الدعوة إليه، قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ)(سورة الأنبياء /25). وشهد لنفسه تعالى بالوحدانية، وشهد بها له ملائكته، وأهل العلم، قال الله تعالى: (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(سورة آل عمران/18).
ولما كان هذا شأن التوحيد؛ كان لزامًا على كل مسلم أن يعتني به تعلُّمًا، وتعليمًا، وتدبُّرًا، واعتقادًا؛ ليبني دينه على أساس سليم، واطمئنان، وتسليم، يسعدُ بثمراته، ونتائجه.).  
و(( من الأسماء المعتبرة لعلم التوحيد عند أهل السنة والجماعة: العقيدة، والإيمان، والسنة، وأصول الدين، والشريعة، والفقه الأكبر.)
و(من خصائص العقيدة عند أهل السنة والجماعة: التوقيفية؛ وتعني الاعتماد على الكتاب والسنة في تلقي العقيدة بفهم الصحابة، والتسليم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم من غير تعرض لنصوص الوحيين بتحريف، أو تأويل، أو تعطيل، أو تكييف، أو تمثيل، واعتماد ألفاظ ومصطلحات الكتاب والسنة عند تقرير مسائل الاعتقاد، وسد باب الابتداع والإحداث في الدين.) و(أما أنواع أدلته المرضية فهي: صحائح المنقول، والاجماع المتلقى بالقبول، والعقل السليم، والفطرة السوية.)).  
المبحث الاول: التوحيد
التوحيد في اللغة
التوحيد لغة مصدر وحد يوحد، أي جعل الشيء واحداً.
(ووَحَّدَه تَوْحِيداً: جعَلَه وَاحِداً) 
(والتَّوْحِيدُ: الإِيمانُ بِاللَّه وَحْدَه لَا شَرِيكَ لَهُ. (وَالله) الوَاحِدُ الأَوْحَدُ الأَحَدُ والمُتَوَحِّدُ ذُو الوَحْدَانِيَّةِ) .
(وَفِي التَّهْذِيب: وأَما قولُ الناسِ  تَوَحَّدَ الله بالأَمْرِ وتَفَرَّدَ، فإِنه وإِن كَانَ صَحِيحا فإِني لَا أُحِبّ أَن أَلْفِظَ بِهِ فِي صِفَةِ الله تَعَالَى فِي المَعْنَى إِلاَّ بِمَا وَصَفَ بِه نَفْسَه فِي التَّنْزِيلِ أَو فِي السُّنَّةِ، وَلم أَجِد  المُتَوَحِّدَ فِي صِفَاتِه وَلَا المُتَفَرِّدَ، وإِنّمَا نَنْتَهِي فِي صِفَاته إِلى مَا وَصَفَ بِهِ نَفَسَه وَلَا نُجَاوِزُهُ إِلى غيرِه لمَجَازِه فِي العَرَبِيَّةِ.) 
(التَّوْحِيدُ تَوْحِيدَانِ: تَوْحِيد الرُّبُوبِيَّة، وتَوْحِيدُ الإِلاهيَّة.
فصاحِبُ تَوْحِيد الرَّبَّانِيَّةِ يَشْهَد قَيُّومِيَّةَ الرَّبِ فَوْقَ عَرْشِه يُدَبِّرُ أَمْرَ عِبَادِه وَحْدَه، فَلَا خالِقَ وَلَا رَازِقَ وَلَا مُعْطِيَ وَلَا مَانِعَ وَلَا مُحْيِيَ وَلَا مُمِيتَ وَلَا مُدَبِّرَ لأَمْرِ المَمْلَكَةِ ظَاهِراً وباطِناً غيرُه، فَمَا شاءَ كانَ، وَمَا لم يَشَأْ لم يَكُنْ، وَلَا تَتَحَرَّكُ ذَرَّةٌ إِلاَّ بإِذْنِه، وَلَا يَجُوز حادِثٌ إِلا بِمَشِيئَتِه، وَلَا تَسْقُط وَرَقَةٌ إِلاَّ بِعِلْمِه، وَلَا يَعْزُب عَنهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلَا فِي الأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذلك وَلَا أَكْبَرُ إِلاَّ وَقد أَحْصَاهَا عِلْمُه، وأَحاطتْ بهَا قُدْرَتُه، ونَفَذَتْ فِيهَا مَشِيئَتُه، واقْتَضَتْهَا حِكْمَتُه.
وأَمّا تَوْحِيدُ الإِلاهِيَّة، فَهُوَ أَن يُجْمِعَ هِمَّتَه وقَلْبَه وعَزْمَه وإِرادَتَه وحَرَكاتِه على أَداءِ حَقِّه، والقيامِ بِعُبُودِيَّتِه.) 
التوحيد في الاصطلاح:
التوحيد هو: (إفراد الله سبحانه وتعالى بما يختص به). 
أو (إفراد الله بما تفرد به، وبما أمر أن يفرد به ؛ فنفرده في ملكه وأفعاله فلا رب سواه ولا شريك له، ونفرده في ألوهيته فلا يستحق العبادة إلا هو، ونفرده في أسمائه وصفاته فلا مثيل له في كماله ولا نظير له. )  
أو (الاعتقاد والشهادة بأن الله سبحانه وتعالى منفرد بذاته وصفاته وربوبيته وإلهيته وعبادته لا شريك له في ذلك كله) . 
وعليه فيمكن تعريف التوحيد بأنه : إفراد الله بالربوبية ، وماله من الأسماء والصفات، والإخلاص له في الألوهية والعبادة.
المبحث الثاني: الدليل على التوحيد من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين
دلَّت نصوص الكتاب والسنة على التوحيد، وأنَّ الله واحدٌ في ربوبيته، واحدٌ في إلهيته، واحدٌ في أسمائه وصفاته.
وقد اجتمعت في قوله تعالى: (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً) (مريم/ 65).
وفي السنة النبوية الشريفة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في حديث معاذ : (لَمَّا بَعَثَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم مُعَاذًا نَحْوَ الْيَمَنِ قَالَ لَهُ « إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ تَعَالَى فَإِذَا عَرَفُوا ذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِى يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ ، فَإِذَا صَلُّوا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً فِى أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ غَنِيِّهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فَقِيرِهِمْ ، فَإِذَا أَقَرُّوا بِذَلِكَ فَخُذْ مِنْهُمْ وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ)   ، فقد أمره  صلى الله عليه وآله وسلم  أن يبلغهم قبل كل شيء عقيدة التوحيد، وأن يعرفهم بالله عز وجل، وما يجب له وما ينزه عنه ، فإذا عرفوه تعالى بلغهم ما فرض الله عليهم.
وعن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يعذب ناس من أهل التوحيد في النار ، حتى يكونوا فيها حمما ، ثم تدركهم الرحمة ، فيخرجون و يطرحون على أبواب الجنة ، قال : فيرش عليهم أهل الجنة الماء ، فينبتون كما ينبت الغثاء في حمالة السيل ، ثم يدخلون الجنة )  
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (كانَ رجلٌ ممَّن كان قبلكم لم يعمل خيراً قطُّ؛ إلا التوحيد، فلما احتُضر قال لأهله: انظروا: إذا أنا متُّ أن يحرِّقوه حتى يدعوه حمماً، ثم اطحنوه، ثم اذروه في يوم ريح، [ثم اذروا نصفه في البر، ونصفه في البحر، فوالله؛ لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين] ، فلما مات فعلوا ذلك به، [فأمر الله البر فجمع ما فيه، وأمر البحر فجمع ما فيه] ، فإذا هو [قائم] في قبضة الله، فقال الله عز وجل: يا ابن آدم! ما حملك على ما فعلت؟ قال: أي ربِّ! من مخافتك (وفي طريق آخر: من خشيتك وأنت أعلم) ، قال: فغفر له بها، ولم يعمل خيراً قطُّ إلا التوحيد) . 
وجاء في قول الصحابي جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه : (فَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم بِالتَّوْحِيدِ ( لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ ).
(وعن الحارث بن الحارث الغامدي قال: قلت لأبي ونحن بمنى: ما هذه الجماعة؟ قال: هؤلاء القوم قد اجتمعوا على صابئ لهم قال: فنزلنا ( وفي رواية: فتشرفنا ) فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى توحيد الله والإيمان به وهم يردون عليه قوله ويؤذونه حتى انتصف النهار وتصدع عنه الناس وأقبلت امرأة قد بدا نحرها تبكي تحمل قدحًا فيه ماء ومنديلًا فتناوله منها وشرب وتوضأ ثم رفع رأسه إليها فقال: (يا بنية خمري عليك نحرك ولا تخافي على أبيك غلبة ولا ذلا )، قلت: من هذه؟ قالوا: هذه زينب بنته)). 
وقال الامام أبي حنيفة النعمان رحمه الله تعالى: (والله تعالى يدعى من أعلى لا من أسفل لأن الأسفل ليس من وصف الربوبية والألوهية في شيء). 
المبحث الثالث : أقسام التوحيد
قسم أهل العلم من أهل السنة والجماعة التوحيد إلى أقسام:
فمن العلماء من قسمه إلى قسمين (إجمالا) وهما:
1- التوحيد في المعرفة والإثبات.
2- التوحيد في المطلب والقصد.
( فالأول : هو حقيقة ذات الرب تعالى، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، وعلوه فوق سماواته على عرشه، وتكلمه بكتبه، وتكليمه لمن شاء من عباده، وإثبات عموم قضائه، وقدره، وحكمه، وقد أفصح القرآن عن هذا النوع جد الإفصاح. كما في أول سورة الحديد، وسورة طه، وآخر سورة الحشر، وأول سورة ( تنزيل ) السجدة، وأول سورة آل عمران، وسورة الإخلاص بكمالها، وغير ذلك.
النوع الثاني: مثل ما تضمنته سورة ( قل ياأيها الكافرون )(الكافرون/1) وقوله : ( قل ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم )(آل عمران/64) ، وأول سورة ( تنزيل الكتاب ) وآخرها، وأول سورة يونس ووسطها وآخرها، وأول سورة الأعراف وآخرها، وجملة سورة الأنعام وغالب سور القرآن، بل كل سورة في القرآن فهي متضمنة لنوعي التوحيد.) 
ومنهم من قسمه إلى ثلاثة أقسام (تفصيلا) هي:
1- توحيد الربوبية.
2- توحيد الألوهية.
3- توحيد الأسماء والصفات.
وعلموا ذلك بالتتبع والاستقراء والنظر في آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة ، فوجدوا أن التوحيد لا يخرج عن هذه الأقسام الثلاثة.
وقد جاء هذا التقسيم ( في عبارات المتقدمين من أئمة الحديث والأثر، فجاء عند أبي جعفر الطبري في تفسيره وفي غيره من كتبه، وفي كلام ابن بطة، وفي كلام ابن منده، وفي كلام ابن عبد البر، وغيرهم من أهل العلم من أهل الحديث والأثر، خلافاً لمن زعم من المبتدعة أنَّ هذا التقسيم أحدثه ابن تيمية، فهذا التقسيم قديم يعرفه من طالع كتب أهل العلم التي ذكرنا). 
تعريف الاقسام الثلاثة
1/ توحيد الربوبية: 
وهو توحيد الله بأفعاله سبحانه ، أو (إفراد الله سبحانه وتعالى بالخلق، والملك، والتدبير)، فلا خالق إلا الله ، كما قال تعالى : (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) (الزمر/62) ، ولا مالك الا الله ، كما قال الله تعالى : (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الملك/1) ولا مدبر إلا الله ، كما قال تعالى : (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ) (السجدة /5)، ولا رازق إلا الله ، كما قال تعالى : (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) (هود/6) ، ولا محيي ولا مميت إلا الله ، كما قال تعالى : (هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (يونس/56) .
وهذا النوع قد أقر به الكفار على زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يدخلهم في الإسلام ، وقال الله تعالى فيهم: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) (لقمان /25) .
وقال تعالى: (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ۞ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) (المؤمنون/ 86 و87) .
وإقرار المشرك بأن الله رب كل شيء ومليكه وخالقه لا ينجيه من عذاب الله، ولا يصير الرجل بمجرده مسلمًا فضلاً عن أن يكون وليًا لله أو من سادات الأولياء إن لم يقترن به إقراره بأن لا إله إلا الله فلا يستحق العبادة إلا هو وأن محمدًا رسول الله.
2 - توحيد الألوهية : 
وهو توحيد الله بأفعال العباد التي أمرهم بها ، فتصرف جميع أنواع العبادة لله وحده لا شريك له ، مثلالدعاء والخوف والتوكل والاستعانة والاستعاذة وغير ذلك ، فلا ندعو إلا الله ، كما قال تعالى:(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ )(غافر/60) ، ولا نخاف إلا الله ، كما قال تعالى : (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)(آل عمران/175) ، ولا نتوكل إلا على الله ، كما قال تعالى : (قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) (المائدة/23) ، ولا نستعين إلا بالله ، كما قال تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ )(الفاتحة/5) ، ولا نستعيذ إلا بالله ، كما قال تعالى : ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) (الناس/1) .
وهذا النوع من التوحيد هو الذي جاءت به الرسل عليهم السلام ، حيث قال تعالى : (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ) (النحل/36) . وهذا النوع هو الذي أنكره الكفار قديماً وحديثاً ، قال تعالى : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ) (ص/5) .
وفيما يلي الفروق بين الربوبية والالوهية :
الفرق من حيث الربوبية الالوهية
من حيث الاشتقاق مشتقة من أسماء الله الرب مشتقة من لفظ الإله
من حيث التعلق متعلق الربوبية بالأمور الكونية القدرية كالخلق والرزق إلخ متعلق الألوهية بالأمور الشرعية من الأوامر والنواهي
من حيث الإقرار أقر به المشركون جحدوه ورفضوا الإقرار به
من حيث المدلول مدلوله علمي خبري فمدلوله عملي
من حيث الاستلزام والتَضَمُّن يستلزم توحيد الألوهية يتضمن توحيد الربوبية
من حيث الحكم من أقر بتوحيد الربوبية فقط فإن هذا الإقرار لا يُدخل صاحبة إلى الإسلام من أقر بتوحيد الألوهية فإن الإيمان به يدخل صاحبه في الإسلام
من حيث المعنى توحيد الربوبية يعني توحيد الله تعالى بأفعاله توحيد الألوهية فيعني توحيد الله بأفعال عباده
3 - توحيد الأسماء والصفات :
وهو الإيمان بكل ما ورد في الكتاب والسنة الثابتة من اسماء الله وصفاته التي وصف الله بها نفسه أو وَصَفَه بها رسوله صلى الله عليه واله وسلم على الحقيقة .ويتضمن إثبات نعوت الكمال لله بإثبات أسمائه الحسنى وما تتضمنه من صفاته.
فمن أسماء الله تعالى الثابتة في الكتاب والسنة: الرحمن ويتضمن صفة الرحمة، والسميع ويتضمن صفة السمع، والعزيز ويتضمن صفة العزة، والحكيم ويتضمن صفة الحكمة ، والقدير يتضمن صفة القدرة ، سبحانه وتعالى.
قال تعالى : (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى )(طه/8) ، وقال عز وجل : (فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ )(الشورى/11) ، وقال سبحانه : (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24) (الحشر).
(فأقسام التوحيد هي هذه الثلاثة ، وليس هناك قسم رابع ، كما يقول بعض الناس: توحيد الحاكمية ، وبعضهم يأتي بقسم خامس ويقول : توحيد المتابعة ، فتكون أقسام التوحيد خمسة : توحيد الأسماء والصفات ، وتوحيد الربوبية ، وتوحيد العبادة ، وتوحيد الحاكمية ، وتوحيد المتابعة ، فهذا لا معنى له ؛ لأن توحيد المتابعة داخل في توحيد الإلهية ، وتوحيد الحاكمية داخل في توحيد الربوبية ، لأن الرب جل وعلا هو الذي يحكم بين خلقه ، وهو الذي يشرع ويأمر وينهى عباده ، فإذا انصرف الإنسان إلى شارع آخر ومحكم آخر فإنه أشرك في توحيد الربوبية ، والشرك في توحيد الربوبية يستلزم الشرك في توحيد الإلهية.) إهـ  
المبحث الرابع : العلاقة بين أقسام التوحيد
(هذه الأقسام تشكل بمجموعها جانب الإيمان بالله الذي نسميه التوحيد فلا يكمل لأحد توحيده إلا باجتماع أنواع التوحيد الثلاثة ، فهي متكافلة متلازمة يكمل بعضها بعضًا، ولا يمكن الاستغناء ببعضها عن الآخر، فلا ينفع توحيد الربوبية بدون توحيد الألوهية، وكذلك لا يصح ولا يقوم توحيد الألوهية بدون توحيد الربوبية، وكذلك توحيد الله في ربوبيته وألوهيته لا يستقيم بدون توحيد الله في أسمائه وصفاته، فالخلل والانحراف في أي نوع منها هو خلل في التوحيد كله.
(فمعرفة الله لا تكون بدون عبادته، والعبادة لا تكون بدون معرفة الله، فهما متلازمان)  .
وقد أوضح بعض أهل العلم هذه العلاقة بقوله: (هي علاقة تلازم وتضمن وشمول) .
فتوحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية.
وتوحيد الألوهية متضمن لتوحيد الربوبية.
وتوحيد الأسماء والصفات شامل للنوعين معًا.
بيان ذلك: أن من أقر بتوحيد الربوبية وعلم أن الله سبحانه هو الرب وحده لا شريك له في ربوبيته لزمه من ذلك الإقرار أن يفرد الله بالعبادة وحده سبحانه وتعالى، لأنه لا يصلح أن يعبد إلا من كان ربا خالقًا مالكًا مدبرًا، وما دام كله لله وحده وجب أن يكون هو المعبود وحده.
ولهذا جرت سنة القرآن الكريم على سوق آيات الربوبية مقرونة بآيات الدعوة إلى توحيد الألوهية، ومن أمثلة ذلكقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (سورة البقرة/21و22 ).
وأما توحيد الألوهية فهو متضمن لتوحيد الربوبية، لأن من عبد الله ولم يشرك به شيئًا فهذا يدل ضمنًا على أنه قد اعتقد بأن الله هو ربه ومالكه الذي لا رب غيره.
وهذا أمر يشاهده الموحد من نفسه، فكونه قد أفرد الله بالعبادة ولم يصرف شيئًا منها لغير الله، ما هو إلا لإقراره بتوحيد الربوبية وأنه لا رب ولا مالك ولا متصرف إلا الله وحده.
وأما توحيد الأسماء والصفات فهو شامل للنوعين معًا، وذلك لأنه يقوم على إفراد الله تعالى بكل ما له من الأسماء الحسنى والصفات العلى التي لا تنبغي إلا له سبحانه وتعالى.
والتي من جملتها :
الرب – الخالق – الرازق - الملك، وهذا هو توحيد الربوبية.
ومن جملتها :
الله - الغفور- الرحيم - التواب، وهذا هو توحيد الألوهية  .). 
يتبع إن شاء الله...


سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر Empty
مُساهمةموضوع: رد: سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر   سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر Emptyالأربعاء 18 ديسمبر 2013, 7:23 am

وقد سئل فضيلة الشيخ أبو عبد المعزِّ محمَّد علي بن بوزيد بن علي فركوسالقُبِّي ، عن العلاقة التلازمية بين أنواع التوحيد:
فأجاب: الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فاعلم أنَّه لا يكمل لأحد توحيدُه إلاَّ باجتماعِ أنواعِ التوحيدِ الثلاثةِ وهي: توحيدُ الربوبيةِ، والأسماءِ والصفاتِ، والألوهيةِ، فلا ينفعُ توحيدُ الربوبيةِ بدونِ توحيدِ الألوهيةِ، ولا يقومُ توحيدُ الألوهيةِ بدونِ توحيدِ الربوبيةِ، ولاَ يَسْتَقيمُ تَوحيدُ الله في رُبُوبيتِهِ وأُلُوهِيَتِهِ بِدُونِ توحيدِه في أسمائِه وصفاتِه ، فهذِه الثلاثةُ متلازِمَةٌ يُكَمِّلُ بعضُهَا بعضًا، ولا يَسَعُ الاستِغْناءُ بِبعضِها عن البعْضِ الآخرِ، فالعلاقَةُ الرابطةُ بينَ هذِه الأقسامِ هي علاقةُ تلازُمٍ وتضمُّنٍ وشُمُولٍ.
وتوحيدُ الربوبيةِ يستلْزِمُ توحيدَ الألوهيةِ، ومَعْنى ذلكَ أنَّ تَوحيدَ الألوهيةِ خَارجٌ عَن مَدلُولِ توحيدِ الربوبيةِ، فلا يتحَقَّقُ توحيدُ الربوبيةِ إلاَّ بتوحيدِ الألوهيةِ، أي: أنَّ تَوحيدَ الربُوبيةِ لا يُدْخِل مَنْ آمن بِه في الإسْلاَمِ، بِخلافِ تَوْحِيدِ الألُوهِيةِ فَإنَّه يَتَضمَّنُ تَوْحيدَ الربوبيةِ ، أي: أنَّ توحيدَ الربوبيةِ جزْءٌ مِن معنى توحيدِ الألُوهيةِ فالإيمانُ بتوحيدِ الألُوهيةِ يُدْخِلُ في الإسلامِ.
فيتقَرَّرُ عِنْدئذٍ أنَّ توْحيدَ الربُوبيةِ عِلْمِيٌّ اعْتِقَادِيٌّ، وتَوحِيدُ الألُوهيةِ عَمَلِيٌّ طَلَبِيٌّ، والعمليُّ متضَمِّنٌ للعِلْمِيِّ؛ ذلك لأنَّ متعلّقاتِ الربوبيةِ الأمورُ الكونيةُ، كالخلقِ والرِّزقِ، والتدبيرِ والإحياءِ، والإمَاتَةِ وغيرِ ذلكِ، بينَمَا مُتعلّقَاتُ تَوحِيدِ الألُوهِيةِ الأوامِرُ والنواهِي، فإذَا عَلِم العَبْدُ أنَّ الله ربُّهُ لا شَرِيكَ لَه في خَلْقِه وأسمائِه وصفاتِه ترتَّبَ عنه أن يعمَلَ عَلى طاعتِه وامتثالِ أوامرِه واجتنابِ نواهِيهِ، أي: يعْمَلُ عَلَى عبادتِه ، ومنهُ يُفْهَم أنَّ عبادَةَ اللهِ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ هِي نتيجةٌ لاعترافٍ أَوَّليٍّ بأنَّه لا ربَّ غيرُ الله يُشْرِكهُ في خلْقِهِ وأَمْرِه، أي: تَعلّقُ القَلْبِ ابتداءً بتوحيدِ الربوبيةِ ثمَّ يَرتَقِي بعدهَا إلى توحيدِ الألوهيةِ، ولهذا قال ابنُ القيِّم: ( والإلهية التي دعت الرسل أُممَهم إلى توحيد الربِّ بها هي العبادة والتأليه، ومن لوازمها توحيد الربوبية الذي أقرّ به المشركون فاحتجَّ الله عليهم به، فإنَّه يلزم من الإقرار به الإقرار بتوحيد الإلهية ) ، ومعنى كلامِ ابن القيِّمِ أنَّ الله تعالى احتَجَّ على المشْرِكينَ بتوحِيدِ الربوبيةِ عَلى توحيدِ الألوهيةِ والعبادةِ ولا العكسُ، ومنْهُ يُفْهمُ –أيضًا- أنَّ توحيدَ الربوبيةِ والأسماءِ والصفاتِ وحدهُ لا يكفِي لإدْخَالِ صاحبِه في الإسلامِ ولا يُنْقِذُه من النَّارِ، ولا يَعْصِمُ مالَه ودَمَهُ إلاَّ بتوحِيدِ الألوهيةِ والعبادةِ.
أمَّا توحيدُ الأسماءِ والصفاتِ فهو شَاملٌ للنوعينِ معًا (توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية)؛ وذلك لأنَّه يقومُ على إفرادِ الله تعالى بكلِّ مَا لَهُ منَ الأسماءِ الحسْنَى والصِّفاتِ العُلَى التي لاتُبْتَغَى إلاَّ لهُ سبحانَه، والتي من جُمْلتِها: الربُّ، الخالقُ، الرَّازِقُ، الملِكُ وهذا هو توحيدُ الربوبيةِ، وكذلِك من جُمْلتِها: الله، الغفُورُ، الرَّحيمُ، التوَّابُ، وهذا توحيد الألوهيةِ .
والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا. )ٳھ 
المبحث الخامس : التوحيد أول الدين وآخره
(التوحيد أول الدين وآخره فأول ما دعا إليه الرسول صلى الله عليه وسلم شهادة أن لا إله إلا الله وقال: {أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله}  ، {وقال لمعاذ: إنك تأتي قوما أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله}  وختم الأمر بالتوحيد فقال في الصحيح من رواية مسلم عن عثمان: {من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة} ، وفي الحديث الصحيح من رواية مسلم عن أبي هريرة {لقنوا موتاكم لا إله إلا الله}   ، وفي السنن من حديث معاذ {من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة}  . وفي المسند {إني لأعلم كلمة لا يقولها عبدحين الموت إلا وجد روحه لها روحا}  وهي الكلمة التي عرضها على عمه عند الموت). 
فإن عقيدة التّوحيد هي أساس الدين، وكل الأوامر والنواهي والعبادات والطاعات كلها مؤسسة على عقيدة التّوحيد، التي هي معنى شهادة أن لا إله إلاَّ الله، وأن محمداً رسول الله، الشهادتان اللتان هما الركن الأول من أركان الإسلام؛ فلا يصح عملٌ، ولا تقبل عبادةٌ ولا ينجو أحد من النار ويدخل الجنة؛ إلاَّ إذا أتى بهذا التّوحيدوصحّح العقيدة. ولهذا كان اهتمام العلماء رحمهم الله في هذا الجانب اهتماماً عظيماً؛ لأنه هو الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه ، ثم بعد ما تصح العقيدة فإنه حينئذٍ يُطلب من الإنسان أن يأتي ببقية الأعمال.
المبحث السادس : التوحيد والايمان
(الإيمان والتوحيد شيئان متغايران وشيئان متفقان ، فالتوحيد هو إفراد الله عز وجل بما يستحقه ويختص به من الربوبية والألوهية والأسماء والصفات ولهذا قال العلماء رحمهم الله إن التوحيد ينقسم إلى ثلاثة أقسام توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات وأن هذه الأقسام جاءت في قول تعالى (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً) (مريم/ 65) ، فقوله (رب السماوات والأرض وما بينهما) يعني توحيد الربوبية ، وقوله (فاعبده واصطبر لعبادته) يعني توحيد الألوهية ، وقوله ( هل تعلم له سميا ) يعني توحيد الأسماء والصفات ).
و(الإيمان بالله عز وجل يتضمن الإيمان بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته وعلى هذا فالموحد لله مؤمن به والمؤمن بالله موحد له لكن قد يحصل خلل في التوحيد أو في الإيمان فينقصان ولهذا كان القول الراجح أن الإيمان يزيد وينقص ، يزيد وينقص في حقيقته وفي آثاره ومقتضياته فالإنسان يجد من قلبه أحياناً طمأنينة بالغة كأنما يشاهد الغائب الذي كان يؤمن به وأحياناً يحصل له شيء من قلة هذا اليقين الكامل وإذّا شئت أن تعرف أن اليقين يتفاوت فاقرأ قول الله تعالى عن إبراهيم خليله عليه الصلاة والسلام (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)(البقرة /260) كما أنه أيضا يزيد بآثاره ومقتضياته فإن الإنسان كلما ازداد عملا صالحا ازداد إيمانه حتى يكون من المؤمنين الخلص). 
اختلاف مدلولات الإيمان والتوحيد والعقيدة
الإيمان والتوحيد والعقيدة أسماء لمسميات تختلف في مدلولاتها بعض الاختلاف، ولكنها ترجع إلى شيء واحد. التوحيد هو إفراد الله بالعبادة، والإيمان هو الإيمان بأنه مستحق للعبادة، والإيمان بكل ما أخبر به سبحانه، فهو أشمل من كلمة التوحيد، التي هي مصدر وحد يوحد، يعني أفرد الله بالعبادة وخصه بها؛ لإيمانه بأنه سبحانه هو المستحق لها؛ لأنه الخلاق؛ لأنه الرزاق؛ ولأنه الكامل في أسمائه وصفاته وأفعاله؛ ولأنه مدبر الأمور والمتصرف فيها، فهو المستحق للعبادة، فالتوحيد هو إفراده بالعبادة ونفيها عما سواه، والإيمان أوسع من ذلك يدخل فيه توحيده والإخلاص له، ويدخل فيه تصديقه في كل ما أخبر به رسوله عليه الصلاة والسلام، والعقيدة تشمل الأمرين، فالعقيدة تشمل التوحيد، وتشمل الإيمان بالله وبما أخبر به سبحانه أو أخبر به رسوله، والإيمان بأسمائه وصفاته.
والعقيدة: هي ما يعتقده الإنسان بقلبه ويراه عقيدة يدين الله بها ويتعبده بها، فيدخل فيها كل ما يعتقده من توحيد الله والإيمان بأنه الخلاق الرزاق وبأنه له الأسماء الحسنى والصفات العلى، والإيمان بأنه لا يصلح للعبادة سواه، والإيمان بأنه حرم كذا وأوجب كذا وشرع كذا ونهى عن كذا، فهي أشمل. 
تفاضل الناس في التوحيد والإيمان
( الناس يتفاضلون في التوحيد، تفاضلا عظيما، ويكونون فيه على درجات بعضها أعلى من بعض. فمنهم من يدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب، كما دلت عليه النصوص الصريحة الصحيحة، ومنهم من يدخل النار، وهم العصاة، ويمكثون فيها على قدر ذنوبهم، ثم يخرجون منها لأجل ما في قلوبهم من التوحيد والإيمان؛ وهم في ذلك متفاوتون، كما في الحديث الصحيح، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:( أخرجوا من النار من قال لا إله إلا الله، وفي قلبه من الخير ما يزن برة )   وفي لفظ: ( شعيرة)، وفي لفظ: ( ذرة ) ، وفي لفظ: ( حبة خردل من إيمان )  . ومن تأمل النصوص، تبين له أن الناس يتفاضلون في التوحيد والإيمان، تفاضلا عظيما، وذلك بحسب ما في قلوبهم من الإيمان بالله، والمعرفة الصادقة، والإخلاص، واليقين، والله أعلم). 
عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال: (عرضت علي الأمم بالموسم فرأيت أمتي فأعجبتني كثرتهم وهيئتهم قد ملأوا السهل والجبل فقال: يا محمد أرضيت؟ قلت: نعم أي رب قال: ومع هؤلاء سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون) فقال عكاشة: ادع الله أن يجعلني منهم قال: (اللهم اجعله منهم) ثم قال رجل آخر: ادع الله أن يجعلني منهم قال: (سبقك بها عكاشة).  
وقال صلى الله عليه واله وسلم: (عرضت علي الأمم فرأيت النبي ومعه رهط والنبي ومعه رجل والنبي وليس معه أحد إذ رفع لي سواد عظيم فقلت: هذه أمتي فقيل: هذا موسى وقومه ولكن انظر إلى الأفق فنظرت فإذا سواد عظيم ثم قيل لي: انظر إلى هذا الجانب الآخر فإذا سواد عظيم فقيل لي: أمتك ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب) ثم نهض النبي صلى الله عليه وسلم فدخل فخاض القوم في ذلك وقالوا: من هؤلاء الذين يدخلون الجنة بغير حساب؟ فقال بعضهم: لعلهم الذين صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم: لعلهم الذين ولدوا في الإسلام ولم يشركوا بالله ـ قط ـ وذكروا أشياء فخرج إليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ما هذا الذي كنتم تخوضون فيه)؟ فأخبروه بمقالتهم فقال: (هم الذي لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون) فقام عكاشة بن محصن الأسدي فقال: أنا منهم يا رسول الله؟ قال: (أنت منهم) ثم قام رجل آخر فقال: أنا منهم يا رسول الله؟ قال: (سبقك بها عكاشة).  
وقال صلى الله عليه واله وسلم : (عرضت علي الأنبياء ـ الليلة ـ بأتباعها من أمتها فجعل النبي يجيء ومعه الثلاثة من قومه والنبي يجيء ومعه العصابة من قومه والنبي ومعه النفر من قومه والنبي ليس معه من قومه أحد حتى أتى علي موسى بن عمران في كبكبة من بني إسرائيل فلما رأيتهم أعجبوني فقلت: يا رب من هؤلاء؟ قال: هذا أخوك موسى بن عمران قال: وإذا ظراب من ظراب مكة قد سد وجوه الرجال قلت: رب! من هؤلاء؟ قال: أمتك قال: فقيل لي: رضيت؟ قال: قلت: رب! رضيت , رب! رضيت , قال: ثم قيل لي: (إن مع هؤلاء سبعين ألفا يدخلون الجنة لا حساب عليهم) قال: فأنشأ عكاشة بن محصن ـ أخو بني أسد بن خزيمة ـ فقال: يا نبي الله ادع ربك أن يجعلني منهم قال: اللهم اجعله منهم) قال: ثم أنشأ رجل آخر فقال: يا نبي الله ادع ربك أن يجعلني منهم فقال: (سبقك بها عكاشة) قال: ثم قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: (فداكم أبي وأمي إن استطعتم أن تكونوا من السبعين فكونوا فإن عجزتم وقصرتم فكونوا من أهل الظراب فإن عجزتم وقصرتم فكونوا من أهل الأفق فإني رأيت ثم أناسا يتهرشون كثيرا) قال: فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: (إني لأرجو أن يكون من تبعني من أمتي ربع أهل الجنة) قال: فكبرنا ثم قال: (إني لأرجو أن يكونوا الثلث) قال: فكبرنا ثم قال: (إني لأرجو أن يكونوا الشطر) قال: فكبرنا فتلا نبي الله صلى الله عليه وسلم: (ثلة من الأولين ۞ وثلة من الآخرين) (الواقعة /39 ـ 40) قال: فتراجع المسلمون على هؤلاء السبعين فقالوا: نراهم أناسا ولدوا في الإسلام ثم لم يزالوا يعملون به حتى ماتوا عليه قال: فنمي حديثهم إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم: (ليس كذلك ولكنهم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون).  
وقال صلى الله عليه واله وسلم: (أعطيت سبعين ألفا من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب وجوههم كالقمر ليلة البدر قلوبهم على قلب رجل واحد فاستزدت ربي عز و جل فزادني مع كل واحد سبعين ألفا). 
وقال صلى الله عليه واله وسلم : (صفوة الله من أرضه الشام وفيها صفوته من خلقه وعباده وليدخلن الجنةمن أمتي ثلة لا حساب عليهم ولا عذاب). 
وقال صلى الله عليه واله وسلم : (إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا بقنطرة بين الجنة والنار فيقاصون مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا نقوا وهذبوا أذن لهم بدخول الجنة فوالذي نفس محمد بيده لأحدهم بمسكنه في الجنة أدل بمنزله كان في الدنيا).  
وقال صلى الله عليه واله وسلم : (لأعلم آخر أهل الجنة خروجا من النار وآخر أهل الجنة دخولا الجنة: رجل يخرج من النار حبوا فيقول الله له: اذهب فادخل الجنة فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى فيقول: يا رب قد وجدتها ملأى فيقول له: اذهب فارجع فادخل الجنة فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى فيرجع إليه فيقول: يا رب قد وجدتها ملأى فيقول الله له: اذهب فادخل الجنة فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثال الدنيا فيقول: أتسخر بي ـ أو تضحك بي ـ وأنت الملك) قال: فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه.
قال إبراهيم: وكان يقال: إن ذلك الرجل أدنى أهل الجنة منزلة.  
وقال صلى الله عليه واله وسلم : (يخرج من النار أربعة فيعرضون على الله فيلتفت إليه أحدهم فيقول : أي رب! إذا أخرجتني منها لا تعدني فيها فينجيه الله منها).  
وقال صلى الله عليه واله وسلم : (يخرج من النار قوم بعد ما احترقوا فيدخلون الجنة فيسميهم أهل الجنة الجهنميين).  
المبحث السابع : التوحيد والتحميد
( قوله صلى الله عليه واله وسلم : {لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد}  يتضمن التوحيد والتحميد ، وكذلك كان يقول عقب الصلاة: { لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون}  وهو سبحانه يفتتح خطابه بالحمد ويختم الأمور بالحمد وأول ما خلق آدم كان أول شيء أنطقه به الحمد ، فإنه عطس فأنطقه بقوله : الحمد لله ، فقال له: يرحمك ربك يا آدم ، وكان أول ما تكلم به الحمد ، وأول ما سمعه الرحمة .
وهو يختم الأمور بالحمد كقوله تعالى : (وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الزمر/75)، (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام/45)، (وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (يونس/10)، وهو سبحانه (لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (القصص/70).) 
قوله تعالى: (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (التغابن/1)
(قال ابن جرير: يقول تعالى ذكره: يسجد له ما في السماوات السبع، وما في الأرض من خلقه ويعظمه.
وقوله {لَهُ الْمُلْكُ} : يقول تعالى ذكره: له ملك السماوات والأرض، وسلطانه ماضٍ قضاؤه في ذلك كله، نافذ فيه أمره.
وقوله: {وَلَهُ الْحَمْدُ} يقول: وله حَمْدُ كل ما فيها من خلقٍ؛ لأن جميع مَنْ في ذلك من الخلق لا يعرفون الخيرَ إلا منه وليس لهم رازقٌ سواه، فله حمدُ جميعهم.
{وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} يقول: وهو على كل شيء ذو قدرة، يقول: يخلق ما يشاء، ويميت من يشاء، ويغني من أراد، ويفقر من يشاء ، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، ولا يتعذر عليه شيءٌ أراده؛ لأنه ذو القدرة التامة التي لا يُعجزُه معها شيء). 
وقال الشيخ السعدي :(هذه الآيات الكريمات ، مشتملات على جملة كثيرة واسعة ، من أوصاف الباري العظيمة ، فذكر كمال ألوهيته تعالى ، وسعة غناه ، وافتقار جميع الخلائق إليه ، وتسبيح من في السماوات والأرض بحمد ربها ، وأن الملك كله لله ، فلا يخرج مخلوق عن ملكه ، والحمد كله له ، حمد على ما له من صفات الكمال ، وحمد على ما أوجده من الأشياء ، وحمد على ما شرعه من الأحكام ، وأسداه من النعم ، وقدرته شاملة ، لا يخرج عنها موجود ، فلا يعجزه شيء يريده). 
وقال ابن كثير : (هذه السورة هي آخر المسبحات ، وقد تقدم الكلام على تسبيح المخلوقات لبارئها ومالكها ؛ ولهذا قال : (له الملك وله الحمد) أي : هو المتصرف في جميع الكائنات ، المحمود على جميع ما يخلقه ويقدره.
وقوله : (وهو على كل شيء قدير) أي : مهما أراد كان بلا ممانع ولا مدافع ، وما لم يشأ لم يكن). 
قال ابن القيم رحمه الله تعالى :
(والملك والحمد في حقه متلازمان فكل ما شمله ملكه وقدرته شمل حمده ، فهو محمود في ملكه ، وله الملك والقدرة مع حمده ، فكما يستحيل خروجُ شيء من الموجودات عن ملكه وقدرته ، يستحيل خروجها عن حمده وحكمته ، ولهذا يحمد سبحانه نفسه عند خلقه وأمره ، لينبّه عباده على أن مصدر خلقه وأمره عن حمده ، فهو محمودٌ على كلّ ما خلقه وأمر به حمد شكر وعبودية ، وحمد ثناءٍ ومدح ، ويجمعهما التبارك ، فتبارك الله يشمل ذلك كله ، ولهذا ذكر هذه الكلمة عقيب قوله : ( أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) (الاعراف /54).
فالحمد أَوسع الصفات وأَعم المدائح والطرق إِلى العلم به في غاية الكثرة، والسبيل إِلى اعتباره في ذرّات العالم وجزئياته وتفاصيل الأَمر والنهى واسعة جداً، لأَن جميع أَسمائه تبارك وتعالى حمد، وصفاته حمد ، وأَفعاله حمد، وأَحكامه حمد، وعدله حمد، وانتقامه من أَعدائه حمد، وفضله في إحسانه إلى أَوليائه حمد ، والخلق والأَمر إِنما قام بحمده ووجد بحمده وظهر بحمده وكان الغاية هي حمده فحمده سبب ذلك وغايته ومظهره وحامله فحمده روح كل شيء، وقيام كل شيء بحمده، وسريان حمده في الموجودات وظهور آثاره فيه أَمر مشهود بالأَبصار والبصائر: فمن الطرق الدالة على شمول معنى الحمد وانبساطه على جميع المعلومات معرفة أَسمائه وصفاته، وإقرار العبد بأَن للعالم إِلهاً حياً جامعاً لكل صفة كمال واسم حسن وثناءٍ جميل وفعل كريم وأَنه سبحانه له القدرة التامة والمشيئة النافذة والعلم المحيط والسمع الذى وسع الأَصوات والبصر الذى أَحاط بجميع المبصرات والرحمة التي وسعت جميع المخلوقات والملك الأَعلى الذى لا يخرج عنه ذرة من الذرات والغنى التام المطلق من جميع الجهات والحكمة البالغة المشهود آثارها في الكائنات والعزة الغالبة بجميع الوجوه والاعتبارات والكلمات التامات النافذات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من جميع البريات، واحد لا شريك له في ربوبيته ولا في إلهيته، ولا شبيه له في ذاته ولا في صفاته ولا في أَفعاله، وليس له من يشركه في ذرة من ذرات ملكه، أَو يخلفه في تدبير خلقه، أَو يحجبه عن داعيه أَو مؤمليه أو سائليه، أَو يتوسط بينهم وبينه بتلبيس أَو فرية أَو كذب كما يكون بين الرعايا وبين الملوك، ولو كان كذلك لفسد نظام الوجود وفسد العالم بأَسره: ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللهُ لَفَسَدَتَا) (الأنبياء/22).  
المبحث الثامن : القرآن والتوحيد
( إن كل آية في القرآن فهي متضمنة للتوحيد، شاهدة به، داعية إليه، فإن القرآن: إما خبر عن الله، وأسمائه وصفاته وأفعاله، فهو التوحيد العلمي الخبري، وإما دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له، وخلع كل ما يعبد من دونه، فهو التوحيد الإرادي الطلبي، وإما أمر ونهي، وإلزام بطاعته في نهيه وأمره، فهي حقوق التوحيد ومكملاته، وإما خبر عن كرامة الله لأهل توحيده وطاعته، وما فعل بهم في الدنيا، وما يكرمهم به في الآخرة، فهو جزاء توحيده وإما خبر عن أهل الشرك، وما فعل بهم في الدنيا من النكال، وما يحل بهم في العقبى من العذاب، فهو خبر عمن خرج عن حكم التوحيد.).ٳھ 
(اقرأ كتاب الله من أوله إلى آخره تجد بيان التوحيد والأمر به، وبيان الشرك والنهي عنه، مقررا في كل سورة، وفي كثير من سور القرآن يقرره في مواضع منها، يعلم ذلك من له بصيرة وتدبر. ففي فاتحة الكتاب: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الفاتحة/2) نوعا التوحيد: توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية، وفي: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (الفاتحة / 5) النوعان، وقصر العبادة، والاستعانة على الله عز وجل أي: لا نعبد غيرك، ولا نستعين إلا بك.
وأول أمر في القرآن يقرع سمع السامع والمستمع، قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة /21) إلى قوله: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ( البقرة/21) : فأمرهم بتوحيد الإلهية، واستدل عليه بالربوبية، ونهاهم عن الشرك به، وأمرهم بخلع الأنداد، التي يعبدها المشركون من دون الله.
وافتتح سبحانه كثيرا من سور القرآن بهذا التوحيد: {الم اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (آل عمران /1-2) : {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} (الأنعام /1) إلى قوله: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ} (الأنعام /3] أي: المألوه،المعبود في السماوات، والمألوه المعبود في الأرض ; وفي هذه السورة، من أدلة التوحيد، ما لا يحصر، وفيها من بيان الشرك والنهي عنه، كذلك.
وافتتح سورة هود بهذا التوحيد، فقال تعالى: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ اللهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ} فأحكم تعالى آيات القرآن، ثم فصلها، ببيان توحيده، والنهي عن الإشراك به، وفي أول: سورة طه، قال تعالى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} (طه/ وافتتح، سورة الصافات بهذا التوحيد، وأقسم عليه، فقال: {وَالصَّافَّاتِ صَفّاً فَالزَّاجِرَاتِ زَجْراً فَالتَّالِيَاتِ ذِكْراً إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ} (الصافات /1-2-3) وافتتح، سورة: الزمر، بقوله: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} ( الزمر/1-2-3) وفي هذه السورة من بيان التوحيد والأمر به، وبيان الشرك والنهي عنه، ما يستضيء به قلب المؤمن. وفي السورة بعدها كذلك، وفي سورة {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} (الكافرون/1) نفي الشرك في العبادة، في قوله تعالى: {لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} (الكافرون /2) إلى آخرها، وفي سورة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (الإخلاص /1) توحيد الإلهية، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات؛ وهذا ظاهر لمن نور الله قلبه.
وفي خاتمة المصحف {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ} (الناس /1-2-3) بين أن ربهم وخالقهم ورازقهم، هو المتصرف فيهم بمشيئته، وإرادته، وهو ملكهم الذي نواصي الملوك، وجميع الخلق في قبضته: يعز هذا ويذل هذا، ويهدي من يشاء ويضل من يشاء، {لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} (الرعد /41)وهو: معبودهم، الذي لا يستحق أن يعبد سواه. )  
المبحث التاسع : نواقض التوحيد ومنقصاته
نواقض التوحيد: هي الأمور التي إذا وجدت عند العبد خرج من دين الله بالكلية، وأصبح بسببها كافراً أو مرتداً عن دين الإسلام، وهي كثيرة، تجتمع في الشرك الأكبر، والكفر الأكبر، والنفاق الأكبر (الاعتقادي).
أما منقصات التوحيد: فهي الأمور التي تنافي كمال التوحيد ولا تنقضه بالكلية، فإذا وجدت عند المسلم قدحت في توحيده ونقص إيمانه، ولم يخرج من دين الإسلام، وهي المعاصي التي لا تصل إلى درجة الشرك الأكبر أو الكفر الأكبر أو النفاق الأكبر، وعلى رأسها: وسائل الشرك الأكبر، والشرك الأصغر، والكفر الأصغر، والنفاق الأصغر، والبدعة..   
ومن نواقض التوحيد  :
1. الشرك في عبادة الله تعالى.
2. اتخاذ الوسائط بين العبد وربه، يدعوهم ويسألهم الشفاعة، ويتوكل عليهم.
3. من لم يكفِّر المشركين، أو شكَّ في كفرهم، أو صحَّح مذهبهم.
4. الاعتقاد بأن غير هدي النبي صلّى الله عليه وسلّم أكمل من هديه، أو أنّ حكم غيره أحسن من حكمه.
5. بغض شيء مما جاء به النبي صلّى الله عليه وسلّم.
6. الاستهزاء بشيء من دين الرسول صلّى الله عليه وسلّم.
7. السحر.
8. مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين.
9. الاعتقاد بأن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد صلّى الله عليه وسلّم.
10. الإعراض عن دين الله تعالى.
الفصل الثاني
المبحث الأول : توحيد الربوبية
توحيد الربوبية لغة :
توحيد الربوبية مركب من كلمتين : التوحيد وقد تقدم تعريفه في الفصل الاول/ المبحث الاول ، أما الربوبية فهي صفة لله تعالى، وهي مصدر من الفعل ( ربب ) ، واسم الله تعالى ( الرب ) متضمن لصفة الله تعالى (الربوبية).
وكلمة (الرب) في اللغة تطلق على المعاني التالية:
1/  المَالِك.
2/  المَلِك.
3/  السَّيِّد المُطَاع.
4/  المُرَبِّي.
5/  المُدَبِّر.
6/  المُصْلِح.
7/  المُتَمِّمِ.
وفي معاجم اللغة : (رب كل شئ: مالكه).
والربُّ: اسم من أسماء الله عَزَّ وجَلَّ، ولا يقال في غيره إلا بالإضافة، وقد قالوه في الجاهلية للملِك.) 
(ورَبُّ كُلِّ شَيْءٍ: مالِكُهُ ومُسْتَحِقُّه، أو صاحِبُهُ) 
(الرَّبُّ: هُوَ اللَّهُ عَزَّ وجلَّ، وَهُوَرَبُّ كلِّ شيءٍ، أَي مالِكُه، لَهُ الرُّبُوبِيَّةُ على جَمِيعِ الخَلْقِ، لَا شَرِيكَ لَهُ، وَهُوَ رَبُّ الأَرْبَابِ، ومَالِك المُلوكِ والأَمْلاَكِ، قَالَ أَبو مَنْصُور: والرَّبُّ يُطْلَقُ فِي اللُّغَة على المَالِكِ، والسَّيِّدِ، والمُدَبِّرِ، والمُرَبِّي، والمُتَمِّمِ). 
(والرُّبُوبِيَّةُ، بالضَّمِّ كالرِّبَابَةِ: وعِلْمٌ رَبُوبِيٌّ بالفَتْحِ نِسْبَةٌ إِلى الرَّبِّ علَى غَيْرِ قِيَاسِ وحكى أَحمد بن يحيى لاَ وَرَبْيِكَ مُخَفَّفَةً، لَا أَفْعَلُ، أَي لاَ وَرَبِّكَ، أَبْدَلَ البَاءَ بَاءً للتَّضْعِيفِ ورَبُّ كُلِّ شيْءٍ: مَالِكُهُ ومُسْتَحِقُّهُ، أَو صَاحِبُهُ يُقَال فلانٌ رَبُّ هَذَا الشيءِ، أَي مِلْكُه لَهُ، وكُلُّ مَنْ مَلَكَ شَيْئاً فَهُوَ رَبُّهُ، يُقَال: هُوَ رَبُّ الدَّابَّةِ، ورَبُّ الدَّارِ، وفُلاَنَةُ رَبَّةُ البَيْتِ، وهُنَّ رَبَّاتُ الحِجَالِ، وَفِي حَدِيث أَشْرَاطِ السَّاعَةِ (أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا، ورَبَّهَا أَرادَ بِهِ المَوْلَى والسَّيِّدَ يَعْنِي أَنَّ الأَمَةَ تلِدُ لِسَيِّدِهَا وَلَداً فَيَكُونُ كالمَوْلَى لَهَا لأَنَّه فِي الحَسَبِ كَأَبِيهِ، أَرَادَ أَنَّ السَّبْيَ يَكْثُرُ والنِّعْمَةَ تَظْهَرُ فِي النَّاسِ فَتَكْثُرُ السَّرارِي، وَفِي حَدِيث إِجَابة الدَّعْوَةِ (اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ) أَي صَاحِبَهَا، وقيلَ المُتَمِّمَ لَهَا والزَّائِدَ فِي أَهْلِهَا والعَمَلِ بهَا والإِجَابَةِ لَهَا، وَفِي حَدِيث أَبي هريرةَ: (لاَ يَقُلِ المَمْلُوكُ لِسَيِّدِهِ رَبِّي) كَرِهَ أَنْ يَجْعَلَ مَالِكَهُ رَبًّا لِمُشَارَكَةِ اللَّهِ فِي الرُّبُوبيَّة فَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: (اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ) (يُوسُف/42) فَإِنَّهُ خَاطَبَهُمْ عَلَى المُتَعَارَفِ عِنْدَهُمْ، وعَلى مَا كانُوا يُسَمُّونَهُمْ بِهِ، وَفِي ضَالَّةِ الإِبِلِ (حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا) فإِن البَهَائِمَ غَيْرُ مُتَعَبّدَةٍ وَلاَ مُخَاطَبَةٍ، فَهِيَ بمَنْزِلَةِ الأَمْوَالِ الَّتِي تَجُوزُ إِضَافَةُ مالِكِها إِليها، وقولُه تَعَالَى: (ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً ۞ فَادْخُلِي فِي عِبَادِي) (الْفجْر / 28، 29) فِيمَنْ قَرَأَ بِهِ، مَعْنَاهُ واللَّهُ أَعْلَمْ ارْجِعي إِلى صَاحِبِكِ الَّذِي خَرَجْتِ مِنْهُ، فادخُلِي فيهِ، وَقَالَ عزّ وجلّ: (إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ) (يُوسُف /23) قَالَ الزّجاج: إِنَّ العَزِيزَ صَاحِبِي أَحْسَنَ مَثْوَاي، قَالَ: ويَجُوزُ أَنْ يكونَ: اللَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ) 
(وَرَبَّ الشَّيْءَ: مَلَكَهُ ، قَالَ ابْن الأَنْبَارِيّ : الرَّبُّ يَنْقَسِمُ على ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ، يَكُونُ الرَّبُّ: المَالِكَ، ويكونُ الرَّبُّ: السَّيِّدَ المُطَاعَ، ويَكُونُ الرَّبُّ: المُصْلِحَ ) 
إن اسم الله تعالى – الرب – (يدل على ذات الله وصفة الربوبية بالمطابقة ، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن ، وعلى الربوبية وحدها بالتضمن، ويدل باللزوم على الصفات اللازمة لقيام الربوبية كالحياة والقيومية والعلم والمشيئة والقدرة، والملك والغنى والقوة، والإحياء والإبقاء والهداية، والرزق والإمداد والرعاية، والإفناء والإماتة والإعادة، والهيمنة والعزة والإحاطة، وكل ما يلزم من صفات الذات وصفات الأفعال لتخليق الشيء وتصنيعه، وكمال إيجاده واختراعه، فصفة الخالق أن يستغنى بنفسه فلا يحتاج إلى غيره، وأن يفتقر إليه كل من سواه، كما أن اسم الرب يدل أيضا بدلالة اللزوم على تدبير أمر المخلوقات وتقدير أحوالهم، والقيام على شؤونهم، والعناية واللطف بهم، والهداية إلى ما يصلحهم، والفصل والقضاء والحكم بينهم، وتهيئة الكون لتحقيق الغاية من خلقهم.) 
توحيد الربوبية إصطلاحا :
توحيد الربوبية فهو إفراد الله تبارك وتعالى بالربوبية وهي الخلق والتدبير الكوني والشرعي كما قال الله عز وجل (إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) (الأعراف/54).
فالرب عز وجل فوق عرشه ، يدبر أمر عباده وحده، فلا خالق، ولا رازق، ولا معطي ولا مانع، ولا محييولا مميت ، ولا باسط ولا قابض ، ولا مدبر لأمر المملكة ظاهرا وباطنا غيره سبحانه وتعالى ، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، لا تتحرك ذرة إلا بإذنه، ولا يجري حادث إلا بمشيئته ولا تسقط ورقة إلا بعلمه، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا أحصاها ، وأحاطت بها قدرته، ونفذت بها مشيئته، واقتضتها حكمته، فهو سبحانه وتعالى المتفرد بربوبية خلقه إيجاداً وإمداداً، وخلقاً، وتدبيراً.
قال تعالى: (فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ) (البروج/16) .
وقال تعالى: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ) (يونس/31) .
وقال: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (الروم/40).
وقال: (إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (يوسف/100) .
يتبع إن شاء الله...


سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر Empty
مُساهمةموضوع: رد: سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر   سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر Emptyالأربعاء 18 ديسمبر 2013, 7:43 am

ولتوحيد الربوبية أسماء أخرى منها:
1- التوحيد العلمي.
2- التوحيد الخبري.
3- توحيد المعرفة والإثبات.
4- التوحيد الاعتقادي.
الصفات الاختيارية
إن توحيد الربوبية: هو توحيد الله بأفعاله سبحانه ، والإيمان بالقضاء والقدر يدخل في توحيد الربوبية ؛ لأن القدر من أفعال الله جل وعلا ( القدر قدرة الله ) ،فتدبير الخلق والتقدير عليهم من مقتضيات ربوبية الله تعالى، ولا يقع شيء في ملكه إلا وقد قدره وشاءه سبحانه.
والصفات الاختيارية هي أفعال الله تعالى التي تتعلق بمشيئته واختياره ؛ أو بمعنى آخر هي أفعال الله تعالى التي تقع باختياره وإرادته ومشيئته وتسمى الصفات الفعلية، وربما تسمى الأفعال الاختيارية ، وكل صفة تعلقت بالمشيئة فإنها صفة فعلية، وكل ما تعلق بالمشيئة ؛ إن شاء الله تعالى فعله، وإن شاء لم يفعله فإنها من الصفات الفعلية، هذا هو الحد المميز أو الفاصل بين الصفات الذاتية والصفات الفعلية. 
قال الله سبحانه وتعالى : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (القصص/68)، وقال تعالى: ( لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (المائدة /17)، وقال تعالى: ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ) (الروم /54).
والصفات الاختيارية أعم من الصفات الفعلية لأنها :
1/ تشمل بعض الصفات الذاتية التي لها تعلق بالمشيئة مثل: 
الكلام، السمع، البصر، الإرادة، المحبة، الرضا، الرحمة، الغضب، السخط.
2/ تشمل الصفات الفعلية غير الذاتية :
أ / مثل : الخلق، الإحسان، العدل.
ب / مثل: الاستواء، المجيء، الإتيان، النزول.
وأفعاله سبحانه وتعالى نوعان  :
1. أفعال لازمة :
ما كان منها متعلقاً بالذات الإلهية ،وليس لها تأثير على المخلوقات ، كالتكلم والنزول والاستواء إلى السماء والاستواء على العرش ومجيء الله تعالى يوم القيامةونحو ذلك. وتسمى هذه الأفعال أفعال الصفات.
2. أفعال متعدية : 
ما كان منها متعدياً إلى غيره ، و لها تأثير على المخلوقات ، كالخلق والرزق والإحياء والإماتة وأنواع التدبير الأخرى.
فهي أفعال لله عز وجل ، لكنها متعدية إلى الخلق ، وتسمى هذه الأفعال أفعال الربوبية.
فعندما نعرف توحيد الربوبية بأنه توحيد الله بأفعاله فإنه يشمل هذه الأنواع جميعاً فلا يكون دقيقاً، وعندما نعرف توحيد الربوبية بأنه إفراد الله بالخلق والرزق والملك والتدبير، فإن هذا يكون أدق؛ لأنه يتعلق بأفعاله المتعدية التي يسميها أهل العلم بأفعال الربوبية.
قال سبحانه وتعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)(الحديد/4) ، فذكر فعلين متعدٍ ولازم ، فالخلق متعد وهو من أفعال الربوبية ، والاستواء لازم وهو من أفعال الصفات ، وكلاهما حاصل بقدرته ومشيئته وهو متصف به سبحانه وتعالى. 
أنواع ربوبية الله على خلقه
ربوبية الله على خلقه على نوعين :
1- الربوبية العامة: 
وهي لجميع الناس؛ بَرِّهم وفاجرِهم مؤمنِهم وكافرِهم؛ وهي خلقه للمخلوقين، ورزقُهم، وهدايتهم، لما فيه مصالحهم التي فيها بقاؤهم في الدنيا.
2- الربوبية الخاصة: 
وهي تربيته لأوليائه المؤمنين، فيربيهم بالإيمان، ويوفقهم له، ويكملهم، ويدفع عنهم الصوارف والعوائق الحائلة بينهم وبينه.
ولعل هذا المعنى هو السر في كون أكثر أدعية الأنبياء بلفظ الرب؛ فإن مطالبهم كلَّها داخلةٌ تحت ربوبيته الخاصة.
- (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ۞رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ۞ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (البقرة/127- 129)
- (قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (المائدة/114)
- (وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ) (يونس/88).
المبحث الثاني :خصائص توحيد الربوبية  
1- أن توحيد الربوبية دليل على توحيد العبادة فإن الله سبحانه وتعالى احتج على المشركين الذي أخلوا بتوحيد الألوهية بإقرارهم بالربوبية كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ۞ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) (سورة البقرة/21و22).
فأمر سبحانه وتعالى بعبادته وذكر البرهان على أنه مستحق للعبادة وهو قوله: (الَّذِي خَلَقَكُمْ) إلى قوله: (رِزْقاً لَكُمْ) وهو برهان على بطلان إلهية ما سواه ولهذا قال: (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً) وقوله تعالى: (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) إلزاما لهم بما يقرون به.
2- أن إقرار الناس بالربوبية أسبق من إقرارهم بتوحيد الألوهية، وفي ذلك يقول ابن تيمية: (ولما كان علم النفوس بحاجتهم وفقرهم إلى الرب قبل علمهم بحاجتهم وفقرهم إلى الإله المعبود وقصدهم لدفع حاجتهم العاجلة قبل الآجلة كان إقرارهم بالله من جهة ربوبيته أسبق من إقرارهم به من جهة ألوهيته ...) إلى أن قال: (ولهذا إنما بعث الرسل يدعونهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له الذي هو المقصود المستلزم الإقرار بالربوبية وقد أخبر عنهم أنهم: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) (سورة الزخرف/87).
(وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ) (سورة الإسراء/ 67).
وقال: (وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (سورة لقمان/32).
فأخبرهم أنهم مقرون بتوحيد الربوبية وأنهم مخلصون له الدين إذا مسهم الضر في دعائهم واستعانتهم، ثم يعرضون عن عبادته في حال حصول أغراضهم وكثير من المتكلمين إنما يقررون الوحدانية من جهة الربوبية، أما الرسل فهم دعوا إليها من جهة الألوهية). 
3- أن توحيد الربوبية قد أقر به المشركون كما قال تعالى: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ) (سورة يونس /31).
وقال تعالى: (قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلايُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ) (سورة المؤمنون /84-89).
وقال تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) (سورة لقمان /25).
وقال تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ ) (سورة الزخرف/87).
وقال المقريزي : (ولا ريب أن توحيد الربوبية لم ينكره المشركون، بل أقروا بأنه سبحانه وحده خالقهم، وخالق السموات والأرض، والقائم بمصالح العالم كله، وإنما أنكروا توحيد الألوهية) إلى أن قال : (من عدل به غيره فقد أشرك في ألوهيته ولو وحد في ربوبيته، فتوحيد الربوبية هو الذي اجتمعت فيه الخلائق مؤمنها وكافرها، وتوحيد الألوهية مفترق الطرق بين المؤمنين والمشركين ).  
فلأن الإقرار بالربوبية كان مسلما به عند المشركين لم يرسل الله رسولا لتحقيق هذا التوحيد، ولم تعرض له الكتب السماوية كما عرضت لتوحيد العبادة لأنه تحصيل حاصل.
والمصيبة أن أهل الكلام أفنوا أعمارهم لتحقيق هذه القضية المسلَّم بها حتى عند المشركين. وليتهم وقفوا عند هذا الباب بل زعموا أن توحيد الربوبيةهو الغاية العظمى من بعثة الرسل، وأنهم إذا أثبتوه بالدليل فقد أثبتوا غاية التوحيد. وفي ذلك يقول الشيخ محمد عبده: (أصل معنى التوحيد اعتقاد أن الله واحد لا شريك له ... وهو إثبات الوحدة لله في الذات والفعل في خلق الأكوان، وأنه وحده مرجع كل كون ومنتهى كل قصد. وهذا المطلب كان الغاية العظمى من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم كما تشهد به آيات الكتاب العزيز). 
والرد على هذا ما يلي:
أ/ أن توحيد الربوبية نوع من التوحيد فهو بعضه لا جميعه، وقد أقر به المشركون، فكيف مع ذلك يكون هو الغاية العظمى من بعثة الرسل؟.
ب/ أن مجرد الإقرار بهذا التوحيد فقط لا يوجب الدخول في الإسلام ولا يصير به الرجل مسلما.
فمشركو العرب كانوا مقرين بأن الله تعالى وحده خالق كل شيء، ومع هذا سماهم مشركين، حيث قال عنهم: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) (سورة يوسف/106).
فالمراد بقوله تعالى: (وَمَا يُؤْمِنُ) هو تصديقهم واعترافهم بأن الله تعالى هو الخالق الرازق المحيي المميت، والمراد من قوله تعالى: (إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) أي أنهم أشركوا مع الله في عبادته وهذا ما فسر به السلف هذه الآية .
قال محمود الألوسي الحنفي في تفسير هذه الآية: (يندرج فيهم كل من أقر بالله تعالى وخالقيته مثلا وكان مرتكبا شركا كيفما كان، ومن أولئك عبدة القبور الناذرون لها المعتقدون للنفع والضر ، ممن الله تعالى أعلم بحاله فيه وهم اليوم أكثر من الدود) .
ج/ أن توحيد الألوهية هو الغاية العظمى والمقصد الأعلى وهو أول دعوة الرسل والغاية من خلق الجن والإنس كما يشهد بذلك الأدلة من الكتاب والسنة الصحيحة.
قال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ) (سورة النحل/36).
ومن السنة حديث ابن عباس وفيه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال: ( إنك تقدم على قوم أهل كتاب. فليكن أول ماتدعوهم إليه عبادة الله عزَّ وجلَّ ... ) .
فهذان النصان الشرعيان دالان على أن أول دعوة الرسل والغاية من بعثتهم هي الدعوة إلى توحيد الله في العبادة والنصوص الشرعية في ذلك كثيرة.ٳھ 
المبحث الثالث: مظاهر الانحراف في توحيد الربوبية ( الشرك في الربوبية )
بالرغم من أن توحيد الربوبية أمر مركوز في الفطر، مجبولة عليه النفوس، متكاثرة على تقريره الأدلة، إلا أنه وجد في الناس من حصل عنده انحراف فيه.  
( إن الشرك في الربوبية أحد أقسام الشرك الأكبر، وهو شرك يتعلق بذات الله عز وجل.
أولا: تعريفه
هو صرف خصائص الربوبية كلها، أو بعضها لغير الله عز وجل، أو تعطيله عز وجل عنها بالكلية.
وخصائص الربوبية هي: التفرد بالخلق، والرزق، والإحياء، والإماتة، والإعطاء والمنع، والضر، والنفع، وغير ذلك.
ثانيا: نوعاه
الشرك في الربوبية نوعان؛ شرك تعطيل، وشرك تمثيل.
1- شرك التعطيل:
تعريفه: هو تعطيل المصنوع عن صانع، وتعطيل الصانع عن أفعاله ويكون ذلك بتعطيل خصائص الربوبية، وإنكار أن يكون الله رب العالمين .
ومن الأمثلة عليه: شرك فرعون الذي عطل الربوبية ظاهرا؛ (قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ لْعَالَمِين) (الشعراء /23)، وقال لهامان: (يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ، أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا) (غافر /36-37). ومن هذا الشرك  : شرك أهل وحدة الوجود؛ كابن عربي، وابن سبعين، وغيرهم الذين يقولون: إن الخالق عين المخلوق؛ فعطلوا لله عز وجل عن أن يكون رب العالمين، ولم يفرقوا بين رب، وعبد.
2- شرك التمثيل:
تعريفه: هو التسوية بين الله وخلقه في شيء من خصائص الربوبية، أو نسبتها إلى غيره عز وجل  .
ومن الأمثلة عليه: شرك النصارى الذين اتخذوا معه أربابا، فجعلوه ثالث ثلاثة؛ وشرك المجوس القائلين بأن للعالم ربين أحدهما خالق للخير، والآخر خالق للشر؛ وشرك الصابئة الذين زعموا أن الكواكب هي المدبرة لأمر العالم؛ وشرك القدرية (مجوس هذه الأمة) القائلين بأن كل إنسان يخلق فعل نفسه؛ وشرك عباد القبور الذين يزعم أن أرواح الأولياء تتصرف بعد الموت، فتقضى الحاجات، وتفرج الكربات، وتنصر من دعاها، وتحفظ من لاذ بحماها. ومثلهم مزاعم غلاة الصوفية في الأولياء: أنهم ينفعون، ويضرون، ويتصرفون في الأكوان إلخ.).ٳھ 
المبحث الرابع : القدرية والشرك الخفي
( القدرية شركهم في الربوبية شرك خفي، وليس شركاً عاماً، فهو شرك فيه تأويل، حيث حصلت لهم الشبهة، وهو زعمهم أن المعاصي إذا خلقها الله لا يستقيم أن يعذب عليها، والمعروف عند العلماء أن القدرية مبتدعة.
والقدرية طائفتان:
الطائفة الأولى: القدرية الأولى، وهم الغلاة الذين أنكروا علم الله وكتابته، فهؤلاء كفار؛ لأن مراتب القدر أربع: علم الله بالأشياء قبل كونها، وكتابته لها في اللوح المحفوظ، والإرادة والمشيئة، والخلق.
فالقدرية الأولى الذين أنكروا المرتبتين الأوليين - العلم والكتابة - كفار؛ لأن من أنكر العلم فقد نسب الله إلى الجهل، وهذا كافر بالإجماع، وهم الذين قال فيهم الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: ناظروا القدرية بالعلم، فإن أقروا به خصموا، وإن أنكروه كفروا.
أما القدرية المتأخرون فيقرون بعلم الله، وأن الله كتب الأشياء، وأن الله أراد الأشياء، وأن الله خلق الأشياء كلها، لكن بالنسبة لأفعال العباد خاصة حصلت لهم الشبهة بتأويل، ولو كان معتقدهم إنكاراً من دون تأويل لكان كفراً، لكنه عن تأويل بسبب الشبهة التي عرضت لهم، بخلاف الأمور الواضحة، مثل شرك العبادة، كعبادة القبور، والنذر لغير الله، والذبح لغير الله، ودعاء غير الله، فهذه أمور واضحة لا لبس فيها ولا إشكال.
ومما يبين أن الشيء إذا كان خفياً قد يعذر صاحبه ما ثبت في الصحيحين في مواضع متعددة من قصة الرجل الذي كان من بني إسرائيل ، فقال لبنيه: (إني أسرفت على نفسي، وإني أخاف أن يعذبني الله عذاباً شديداً، فإذا مت فأحرقوني ثم اسحقوني ثم اذروني في الهواء، فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً شديداً، ففعل به بنوه لما مات ذلك، فأمر الله البحر فجمع ما فيه، وأمر الله البر فجمع ما فيه فإذا هو قائم، فسأله الله عن ذلك، فقال: ما الذي حملك على ذلك؟ قال: يا رب! مخافتك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فغفر الله له).
فهذا الرجل ما أنكر قدرة الله، وما أنكر البعث، وإنما أنكر كمال تفاصيل القدرة، وظن أنه إذا أحرق وذري لا يقدر الله عليه، وهو يعلم أنه لو لم يفعل به ذلك فإنه سيبعث، يقول: إذا ما أحرقتموني بعثني الله، لكن أحرقوني وذروني فلا يقدر الله على بعثي، والذي حمله على ذلك أمران: الجهل وخوف العذاب؛ لأن هذا الأمر خفي بالنسبة إليه، فلما كان الذي حمله عليه الجهل والخوف العظيم من الله غفر الله له.
فالشيء الخفي قد يعذر صاحبه، بخلاف الشيء الواضح، فلو أنكر أحد البعث كفر، أو أنكر قدرة الله كفر، وهذا مؤمن بالله ومؤمن بقدرة الله، وظن أنه إذا أحرق وذري في البر والبحر لا يقدر الله عليه، فكذلك القدرية حصلت لهم هذه الشبهة.) ٳھ 
وقسم شيخ الإسلام ابن تيمية القدرية إلى ثلاثة أقسام فقال : ( وأهل الضلال الخائضون في القدر انقسموا إلى ثلاث فرق: مجوسية ، ومشركية ، وإبليسية.
فالمجوسية، الذين كذّبوا بقدر الله، وإن آمنوا بأمره ونهيه، فغلاتهم أنكروا العلم والكتاب، ومقتصدتهم أنكروا عموم مشيئة الله وخلقه وقدرته، وهؤلاء هم المعتزلة ومن وافقهم.
والفرقة الثانية: المشركية، الذين أقروا بالقضاء والقدر، وأنكروا الأمر والنهي، قال الله تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ) (الانعام /148) ،  فمن احتج على تعطيل الأمر والنهي بالقدر فهو من هؤلاء، وهذا قد كثر فيمن يدّعي الحقيقة من المتصوفة.
والفرقة الثالثة: الإبليسية، وهم الذين أقروا بالأمرين  ، لكن جعلوا هذا تناقضًا من الرب سبحانه وتعالى، وطعنوا في حكمته وعدله، كما يُذكر مثل ذلك عن إبليس مقدمهم، كما نقله أهل المقالات، ونقل عن أهل الكتاب). 
( فالقدرية المجوسية : هم المعتزلة، شابهوا المجوس في نسبة الخلق لغير الله سبحانه وتعالى، كما أن المجوس نسبوا للظلمة مخلوقات.
والقدرية المشركية : هم الجبرية؛ لأن المشركين احتجوا بالقدر على الشرك وقالوا: (وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (النحل/35).
والقدرية الإبليسية : هم الذين يعترضون بالقدر على دين الله عز وجل وشرعه، وهم الزنادقة في الحقيقة، وسماهم ابن تيمية رحمه الله بذلك؛ لأن إبليس اعترض على الله عز وجل بالقدر أيضاً ).  
المبحث الخامس : توحيد الربوبية لا يتم إلاَّ بإثبات القدر
الإيمان بالقدر هو من ربوبية الله عز وجل، ولهذا قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: ( القدر قدرة الله ). 
لأنه من قدرته ومن عمومها بلا شك، وهو أيضا سر الله تعالى المكتوم الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، مكتوب في اللوح المحفوظ، في الكتاب المكنون الذي لا يطلع عليه أحد، ونحن لا نعلم بما قدره الله لنا أو علينا، أو بما قدره الله تعالى في مخلوقاته إلا بعد وقوعه أو الخبر الصادق عنه.
والإيمان بالقضاء والقدر يدخل في توحيد الربوبية؛ لأنه من أفعال الله جل وعلا، فمن جحد القضاء والقدر لم يكن مؤمناً بتوحيد الربوبية. 
ومن تأمل توحيد الربوبية وآمَنَ حَقَّاً بربوبية الله تعالى فإنه يؤمن بالقَدَرْ؛ لأنَّ الإيمان بالقدر من ثمرات الإيمان التام بربوبية الله تعالى، فإنَّ المؤمن بالربوبية، مؤمن بأنَّ الله  تعالى هو الرب المتصرف في ملكه، وهو السيد المطاع، وهو الذي لا معقب لحكمه ولا راد لأمره، وهو الذي ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، فلا يكون في الوجود شيء إلا بمشيئته وقدرته، ولا يمتنع عليه شيء شاءه، بل هو قادر على كل شيء ، وهو الذي لا يُغالَب في ملكه، وهو الذي يعطي ويمنع ويخلق ويرزق ويميت ويحيي، ومن آمن بالربوبية على تفاصيلها فإنه لن يجادل في القدر؛ لأنه يعلم أنه مربوب مستسلم لله  تعالى.قَالَ الله عز وجل فِي كِتَابِهِ الكريم (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا)(الفرقان/2)، وَقَالَ تَعَالَى (وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا) (الأحزاب /38)، (إنا كل شيء خلقناه بقدر) (القمر /49).
وأنّ مَن أنكر القدر فقد أشرك في توحيد الربوبيّة، لأنّه جَحد قدره وعلمَه وأنكر أن يكون ما يجري في هذا الكون بتقدير الله ومشيئَتِه، ووصف الله تعالى بالجهل وبالعجز، إلى غير ذلك.
ومن هذا نعلم أن من تمام توحيد الربوبية أن يؤمن الإنسان بالقدر، فمن ضل في مسألة القدر فإنه لم يحقق الإيمان بتوحيد الربوبية؛ لأن من توحيد الربوبية الإيمان بأن الله خالق، وأنه مالك، ولابد للخلق والملك من قدرة ومشيئة وعلم.
ويرى الشيخ محمد صالح العثيمن رحمه الله تعالى بأن القدر له مساس بأقسام التوحيد الثلاثة :
(مسألة: الإيمان بالقدر هل هو متعلق بتوحيد الربوبية، أو بالألوهية، أو بالأسماء والصفات؟
الجواب: تعلقه بالربوبية أكثر من تعلقه بالألوهية والأسماء والصفات، ثم تعلقه بالأسماء والصفات أكثر من تعلقه بالألوهية، وتعلقه بالألوهية أيضا ظاهر; لأن الألوهية بالنسبة لله يسمى توحيد الألوهية، وبالنسبة للعبد يسمى توحيد العبادة، والعبادة فعل العبد; فلها تعلق بالقدر، فالإيمان بالقدر له مساس بأقسام التوحيد الثلاثة.). 
وقال الشيخ محمد أمان بن علي جامي علي : (هكذا يتضح أن مدار القضاء والقدر وما يترتب عليهما إنما هو على أسماء الله وصفاته بصرف النظر عن نوع المقضي والمُقدّر.
فكل ذلك من الله ومن آثار أسمائه وصفاته. ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، والشأن كل الشأن في فقه ذلك:(من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) .)  
(فلو قيل إن معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ( إن لله تسعة وتسعين اسماً من حفظها دخل الجنة )   هو إدراك آثار الأسماء الحسنى والصفات العلى إدراك آثارها في الكون بما يقضيه الله ويقدره وفي النفس البشرية والتصرفات الإنسانية اليومية وغيرها ثم التزام التعبد بآثار كل اسم دون أن يحجبه التعبد بآثار اسم معين عن التعبد بآثار أسمائه الأخرى، لو قيل: إن هذا من معاني الحديث لما كان هذا القول بعيداً فيما يبدو لي.  
ولو كنت أعلم أن لي سلفاً في هذا المعنى لاخترته وأيدته. وإن كان تحقيقه صعباً، ولكنه يسير على من يسره الله عليه.فالجنة سلعة غالية ، فثمنها ليس في متناول كل أحد ، (حفت الجنة بالمكاره والنار بالشهوات) ) .
قال الشيخ السعدي : (وقوله تعالى: ( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ) (الأعراف /180) ، يشتمل دعاء المسألة ودعاء العبادة.
أما دعاء المسألة: فإنه يسأل الله تعالى في كل مطلوب باسم يناسب ذلك المطلوب ويقتضيه، فمن سأل رحمة الله ومغفرته دعاه باسم الغفور الرحيم. ومن سأل الرزق سأله باسم الرزاق، وهكذا.
وأما دعاء العبادة: فهو التعبد لله تعالى بأسمائه الحسنى، فيفهم أولاً معنى ذلك الاسم الكريم، ثم يديم استحضاره بقلبه، حتى يمتلئ قلبه منه.
فالأسماء الدالة على العظمة والجلال والكبرياء تملأ القلب تعظيماً وإجلالاً لله تعالى.
والأسماء الدالة على الرحمة والفضل والإحسان تملأ القلب طمعاً في فضل الله ورجاءً لرَوْحِه ورحمته.
والأسماء الدالة على الود والحب والكمال تملأ القلب محبة ووداً وتألهاً وإنابة لله تعالى.
والأسماء الدالة على سعة علمه ولطيف خبره توجب للعبد مراقبة الله تعالى والحياء منه.
وهذه الأحوال التي تتصف بها القلوب هي أكمل الأحوال، وأجل وصف يتصف به القلب وينصبغ به، ولا يزال العبد يمرن نفسه عليها حتى تنجذب نفسه وروحه بدواعيه منقادة راغبة، وبهذه الأعمال القلبية تكمل الأعمال البدنية.
فنسأل الله تعالى أن يملأ قلوبنا من معرفته ومحبته والإنابة إليه، فإنه أكرم الأكرمين وأجود الجوادين. ) 
المبحث السادس: ارتباط العلم الإلهي في القرآن إما بالخلق والقدرة والتقدير وإما بالحكمة والتدبير 
لما كان توحيد الربوبية في القرآن الكريم والسنة النبوية يقوم على ركنين أساسيين أو معنيين جامعين, عليهما يدور محور الدليل النقلي وهما :
الأول : إفراد الله بالخلق والقدرة التقدير, وكل ما يلزم من صفات الذات وصفات الأفعال, لتخليق الشيء وتصنيعه, وكمال إيجاده واختراعه.
الثاني : إفراد الله بالحكمة والتدبير، من تدبير أمر المخلوقات وتقدير أحوالهم, والقيام على شئونهم، والهداية إلي ما يصلحهم, والحكم بينهم في الدنيا والآخرة .
لما كان توحيد الربوبية يقوم على هذين الركنين كان العلم الإلهي مرتبطا أيضا بهذين الركنين، فإما يرتبط بالخلق والقدرة والتقدير وهو العلم السابق المسمى بعلم التقدير، أو يرتبط بالحكمة والتدبير، وهو علم الإحاطة ، ولذلك إذا ذكرت معاني القدرة والخلق وباقي معاني الربوبية اقترن اسمه العليم باسمه القدير، وإذا ذكرت معاني الحكمة والأمر وأمور الشرائع والتدبير اقترن اسمه العليم باسمه الحكيم .
مثال للمواضع التي اقترن فيها اسمه العليم باسمه القدير:
1. قوله تعالى: (هُوَ الذِي خَلقَ لكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (البقرة/29) .
2. قوله تعالى: (قُل إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلمْهُ اللهُ وَيَعْلمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (آل عمران/29) .
3. قوله تعالى: (وَاللهُ خَلقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ العُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلمَ بَعْدَ عِلمٍ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) (النحل/70) .
ومثال للمواضع التي اقترن فيها اسمه العليم باسمه الحكيم:
1. قول الله تعالى: (وعَلمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلى الْمَلاَئِكَةِ فَقَال أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلمَ لنَا إِلا مَا عَلمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ) (البقرة/32) .
2. قوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لهُ وَلدٌ فَإِنْ لمْ يَكُنْ لهُ وَلدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً) (النساء/11) .
3. قوله تعالى: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلى اللهِ لِلذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَليْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) (النساء/17) .ٳھ
المبحث السابع : حقيقة الفوقية المطلقة للرب جل وعلا والتي هي من خصائص الربوبية وهي المستلزمة لعظمة الرب جل جلاله.
إثبات صفة العلو
الاستواء يتعلق بالعلو؛ لأن العلو علوان : علو مطلق ، وعلو مقيد.
1/ العلو المقيد : هو الاستواء على العرش ؛ لأنه مقيد بالعرش.
2/ العلو المطلق : فهو علو الذات ، وعلو الشأن ، وعلو القهر ، فإن الله جل وعلا له صفة ذات وهي العلو ، فالله جل وعلا علوه علو شأن أي : علو عظمة وبهاء وكمال وقوة وقدرة وعزة ، وعلو قهر أي : هو القاهر فوق عباده ، كل الخلق مقهورون ومربوبون لله جل في علاه ، كما قال الله تعالى : (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ۞ لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا) (مريم/93 – 94) ، فهذا خضوع في النهاية ، وأيضاً خضوع الربوبية في كل العباد ، وكذلك كل العباد لا يستطيعون رد قضاء الله وقدره جل في علاه ، فإنه لو أمرض الكافر ، أو أراد موت الكافر ، نفذ أمره جل في علاه ، وهذا من باب علو القهر على عباده جل في علاه.
إذاً: الله جل في علاه له علو الذات، وعلو الشأن، وعلو القهر. 
توحيد الربوبية وعلاقته بإثبات الاستواء على عرشه
من اللوازم الضرورية للإيمان بتوحيد الربوبية إفراد الله بالملك وإثبات الاستواء والفوقية , لأن إفراد الله بالخلق وتدبير الأمر , وتقديره للرزق يرتبط ارتباطا قويا بصفة الاستواء على العرش.
فإن توحيد الربوبية قائم على ركنيين اثنين:
أحدهما إفراد الله بالخلق والقدرة والتقدير , والثاني إفراده بالحكمة والتدبير كما قال : (أَلا لهُ الخَلقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالمِين)(الأعراف/24) , (اللهُ خَالقُ كُل شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُل شَيْءٍ وَكِيل ٌ) (الزمر/62) (سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلى الذِي خَلقَ فَسَوَّى وَالذِي قَدَّرَ فَهَدَى) (الأعلى/1-3).
فإذا كان توحيد الربوبية يقوم على إفراد الله بالخلق والتدبير , فإن كثيرا من معاني الربوبية ترتبط بهذين الركنين وتترتب عليهما , ومن أبرز هذه اللوازم المرتبطة بتوحيد الربوبية إفراد الله بالملك والاستواء والفوقية.
ولا يبلغ العبد درجة التوحيد إلا إذا خلع عن نفسه رداء الربوبية واكتسى بثوب العبودية , فعلم واعتقد أنه عبد في ملك سيده مستخلف في أرضه أمين على ملكه , قد ابتلاه فيما أعطاه , وامتحنه فيما خوله واسترعاه . 
ومن هنا تعرف أهمية اعتقاد أن الله عز وجل منفرد في ملكه ، مستو على عرشه ، بائنٌ من خلقه عالم بأحوالهم ومتصرف فيهم من فوق عرشه ، وبه يعرف عظم الربوبية وفضلها.
قول الناس: الآدمي جبار ضعيف
قول الناس : الآدمي جبار ضعيف أو فلان جبار ضعيف ؛ فإن ضعفه يعود إلى ضعف قواه من قوة العلم والقدرة ، وأما تجبره فإنه يعود إلى اعتقاداته وإراداته ، أما اعتقاده فأن يتوهم في نفسه أنه أمر عظيم فوق ما هو ولا يكون ذلك ، وهذا هو الاختيال والخيلاء والمخيلة وهو أن يتخيل عن نفسه ما لا حقيقة له. ومما يوجب ذلك مدحه بالباطل نظما ونثرا وطلبه للمدح الباطل فإنه يورث هذا الاختيال. وأما الإرادة فإرادة أن يتعظم ويعظم وهو إرادة العلو في الأرض والفخر على الناس وهو أن يريد من العلو ما لا يصلح له أن يريده وهو الرئاسة والسلطان حتى يبلغ به الأمر إلى مزاحمة الربوبية كفرعون ومزاحمة النبوة وهذا موجود في جنس العلماء والعباد والأمراء وغيرهم. 
قال صلى الله عليه واله وسلم : (إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجيء أحدهم فيقول : فعلت كذا و كذا فيقول : ما صنعت شيئا و يجيء أحدهم فيقول : ما تركته حتى فرقت بينه و بين أهله فيدنيه منه و يقول : نعم أنت ! ). 
وقال : (إنّ إبليس! يضعُ عرشهُ على الماءِ (وفي طريق: البحر) ، ثم يبعثُ سراياهُ؛ فأدناهُم منه منزلةُ أعظمُهم فتنةً، يجيءُ أحدُهم فيقولُ: فعلتُ كذا وكذا، فيقولُ: ما صنعتَ شيئاً، ثمَّ يجيءُ أحدُهم فيقولُ:ما تركتُه حتى فرّقتُ بينهُ وبين امرأتهِ، فيُدنِيه منه ويقولُ: نِعم أنت!قال الأعمش: أراه قال: فيلتزِمُه). 
وعن أبي سعيد ، قال : لقيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر في بعض طرق المدينة ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أتشهد أني رسول الله ؟ ) ، فقال هو : أتشهد أني رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (آمنت بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ما ترى ؟) ، قال : أرى عرشا على الماء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ترى عرش إبليس على البحر ، وما ترى ؟ ) ، قال : أرى صادقين وكاذبا ، أو كاذبين وصادقا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لبس عليه ، دعوه).  وفي رواية : عن جابر بن عبد الله ، قال : لقي نبي الله صلى الله عليه وسلم ابن صائد ، ومعه أبو بكر ، وعمر ، وابن صائد مع الغلمان ، فذكر نحوه. 
يتبع إن شاء الله...


سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر Empty
مُساهمةموضوع: رد: سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر   سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر Emptyالأربعاء 18 ديسمبر 2013, 8:34 am

المبحث الثامن آثار توحيد الربوبية وثمراته
للإيمان بالربوبية آثار عظيمة، وثمرات كثيرة، فإذا أيقن المؤمن أن له ربّاً خالقاً هو الله تبارك وتعالى وأن هذا الرب هو رب كلِّ شيءٍ ومليكُه وهو مصرف الأمور، وأنه هو القاهر فوق عباده، وأنه لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات والأرض ، أَنِسَت رُوحُه بالله، واطمأنت نفسه بذكره، ولم تزلزله الأعاصير والفتن، وتوجه إلى ربه بالدعاء، والالتجاء، والاستعاذة، وكان دائماً خائفاً من تقصيره، وذنبه؛ لأنه يعلم قدرة ربه عليه، ووقوعه تحت قهره وسلطانه، فتحصل له بذلك التقوى، والتقوى رأس الأمر، بل هي غاية الوجود الإنساني.
ولهذا قال  صلى الله عليه وسلم : ( ذاق طعم الإيمان من رضي الله ربَّاً وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ رسولاً ).
ومن ثمراته أن الإنسان إذا علم أن الله هو الرزاق، وآمن بذلك، وأيقن أن الله بيده خزائن السموات والأرض، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع  قطع الطمع من المخلوقين، واستغنى عما بأيديهم، وانبعث إلى إفراد الله بالدعاء والإرادة والقصد.
ثم إذا علم أن الله هو المحيي المميت، النافع الضار، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن أمره كلَّه بيد الله انبعث إلى الإقدام والشجاعة غير هياب، وتحرر من رق المخلوقين، ولم يعد في قلبه خوف من سوى الله عز وجل . وهكذا نجد أن توحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية. والكلام في مقتضيات الربوبية وما تثمره من ثمرات يفوق الحصر والعد، وما مضى إنما هو إشارات عابرة يقاس عليها غيرُها. 
الباب الثاني
الفصل الأول: الايمان بالقضاء والقدر
تمهيد
الإيمان بالقضاء والقدر هو السعادة، وهو ركن الإفادة من هذه الدنيا والاستفادة، منه تنشرح الصدور، ويعلوها الفرح والحبور، وتنزاح عنها الأحزان والكدور، فما أحلاها من حياة عندما يسلِّم العبد زمام أموره لخالقه سبحانه وتعالى ، فيرضى بما قسم له، ويسلِّم لما قدّر عليه، فتراه يحكي عبداً مستسلماً لمولاه، الذي خلقه وأنشأه وسواه، وبنعمه وفضله رباه وغذاه ، فيسعد في الدنيا ويؤجر في الأخرى.
ولا يتم ذلك إلا لمن فهم القضاء والقدر، وعرف أسراره، وعلم حكمه على فهم سلف الأمة، فهم على علم أقدموا، وعن فهم كفوا وأحجموا، فلابد من الوقوف حيث وقفوا، وقصر الأفهام على ما فهموا. 
و (أهم ما يجب معرفته على المكلف النبيل فضلا عن الفاضل الجليل، ما ورد في القضاء والقدر والحكمة والتعليل، فهو من أسنى المقاصد والإيمان به قطب رحى التوحيد ونظامه، ومبدأ الدين المبين وختامه، فهو أحد أركان الإيمان، وقاعدة أساس الإحسان، التي يرجع إليها، ويدور في جميع تصاريفه عليها، فالعدل قوام الملك، والحكمة مظهر الحمد، والتوحيد متضمن لنهاية الحكمة، وكمال النعمة، ولا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، فبالقدر والحكمة ظهر خلقه وشرعه المبين، ( أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) (الاعراف /52) .) 
أهمية عقيدة القضاء والقدر
يعتبر موضوع القضاء والقدر من المواضيع المهمة لتعلقه بحياة الإنسان ، فما من إنسان يعيش في هذه الحياة، ويسير في مناكبها على أي ديانة كان، وفي أي اتجاه اتجه في حياته العملية أو العقدية أو غيرها؛ إلا وقضية القضاء والقدر عنده من القضايا التي تشغل باله في كل وقت.
وقد دل الكتاب العزيز والسنة الصحيحة وإجماع سلف الأمة على وجوب الإيمان بالقدر خيره وشره، وأنه من أصول الإيمان الستة، التي لا يتم إسلام العبد ولا إيمانه إلا بها، كما دلت على ذلك آيات من القرآن الكريم وأحاديث صحيحة مستفيضة بل متواترة عن الرسول الأمين عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم.
ومن ذلك قوله عز وجل: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَن اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) (الحج/70)، وقوله تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) (الحديد/22) ، وقال تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) (القمر/49).
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله جبرائيل عليه السلام عن الإيمان ، قال عليه الصلاة والسلام: (أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتابه، ولقائه، ورسله، وتؤمن بالبعث، وتؤمن بالقدر كله ) . قال: صدقت ، الحديث. وهذا لفظ مسلم  . 
وخرج مسلم في صحيحه من حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن جبرائيل عليه السلام سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فأجابه بقوله: (أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره)، فقال له جبرائيل: صدقت  . والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. )  
منزلة القضاء والقدر في عقيدة المؤمن
لا شك أن القضاء والقدر أحد أركان الإيمان الستة ، التي بينها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجبريل حين سأله عن الإيمان ؛(أن تؤمن بالله وملائكته وكتابه ورسله وتؤمن بالبعث الآخر وتؤمن بالقدر كله). 
ولذلك يعتبر الإيمان به جزء من عقيدة المؤمن، ولا يصح إيمانه إلا بالإيمان بالقضاء والقدر.
وقال العلماء الافاضل : إن مبحث القضاء والقدر داخل في باب توحيد الربوبية؛ لأن القضاء والقدر فعل الله تعالى، وإذا كان فعلاً لله فهو صفة من صفاته ، ولذلك هو متعلق بتوحيد الربوبية ، فالعلم والكتابة والإرادة والمشيئة والخلق من فعل الرب سبحانه وتعالى ، وما كان فعلاً لله فهو صفة من صفاته ، وباب الأسماء والصفات يدخل في باب توحيد الربوبية ، لذا من لم يأت بالإيمان بالقضاء والقدر فإنه لا يصح توحيده أبداً، ولا يعتبر موحداً؛ لأنه أخل بجزء من أجزاء التوحيد، وهو الإيمان بربوبية الله تعالى المتضمن الأيمان بأسماء الله تعالى وصفاته وافعاله.
(وقد تنازع الناس في القدر من زمن بعيد حتى في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كان الناس يتنازعون فيه ويتمارون فيه، وإلى يومنا هذا والناس يتنازعون فيه، ولكن الحق فيه ولله الحمد واضح بين، لا يحتاج إلى نزاع ومراء، فالإيمان بالقدر أن تؤمن بأن الله سبحانه وتعالى قد قدر كل شيء كما قال تعالى : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا)(الفرقان/2) ، وهذا التقدير الذي قدره الله عز وجل تابع لحكمته، وما تقتضيه تلك الحكمة من غايات حميدة، وعواقب نافعة للعباد في معاشهم ومعادهم.)ٳھ 
(ومن هنا كان اعتصام المؤمن بعقيدة الإيمان بالقضاء والقدر يعصمه من أمور كثيرة , على رأسها أمران :
أحدهما : عصمته في باب توحيد الربوبية الذي هو أساس وعمدة توحيد الألوهية.
والثاني : عصمته في مسيرته في الحياة , بألا يقع عنده تعارض بين القضاء والقدر والأمر والشرع .)  
قال ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: (والذى يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر).  
وكذلك أيضاً قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه في مرض موته وهو يوصي ولده يابني : إنك لن تجد طعم الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك, وأن ما أخطاك لم يكن ليصيبك ) . فالإيمان لايتحقق إلا بالإيمان بالقضاء والقدر والتصديق به وان الله سبحانه وتعالى لـه الربوبية التامة , وأن ربوبيته مقتضية لأن يكون هو المدبر , الخالق , الرازق , ماشاء كان وما لم يشأ لم يكن . 
قال ابن عباس رضي الله عنهما : ( كل شيء بقدر حتى وضعك يدك على خدك ). 
وقال الحسن البصري لتلاميذه: ( والله لَوَضْعُ يدي هذه اليمنى في اليسرى بقضاء وقدر من الله، ومن لم يؤمن بالقضاء والقدر فقد كفر ).
وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى : ( القدر قدرة الله ).
فالواجب على الإنسان في هذا الباب أن يؤمن بقضاء الله وقدره، وأن يؤمن بشرع الله وأمره ونهيه، وعليه تصديق الخبر، وتنفيذ الأمر.
ولايلزمه أن يعلم تفاصيل الحديث عن الإيمان بالقضاء والقدر، بل يكفي الإيمان المجمل.
المبحث الأول :تعريف القضاء والقدر، والعلاقة بينهما  
القضاء:
تعريف القضاء لغة:
القضاء في اللغة مصدر الفعل قضى يقضي قضاءاً.
قال ابن فارس في مادة (قضى): القاف، والضاد، والحرف المعتل - أصل صحيح يدل على إحكام أمر، وإتقانه، وإنفاذه لجهته.
قال الله تعالى فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ)( فصلت/12).
أي أحكم خلقهن، ثم قال أبو ذؤيب الهذلي:
وعليهما مسرودتان قضاهما         داود أو نَسَجُ السوابغ تُبَّعُ  
والقضاء: هو الحكم، والصنع، والحتم، والبيان.
وأصله القطع، والفصل، وقضاء الشيء، وإحكامه، وإمضاؤه، والفراغ منه؛ فيكون بمعنى الخلق .
إطلاقات القضاء في القرآن الكريم:
يطلق لفظ القضاء في القرآن إطلاقات عديدة منها :  
أ - الوصية والأمر: قال الله تعالى : (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ) (الإسراء/23)، أي أمر وأوصى.
ب - الإخبار: قال تعالى : (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ) (الإسراء/4).
ج - الفراغ: قال تعالى : (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ)(البقرة/200).   
وقال سبحانه: (فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلاةَ) (النساء/103).
د - الفعل: قال تعالى : (فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ) ( طه/72).
هـ - الوجوب والحتم: قال تعالى : (وَقُضِيَ الأَمْرُ) (هود/44). 
وقال تعالى : (قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ) (يوسف/41).
و - الكتابة: قال تعالى : (وَكَانَ أَمْراً مَقْضِيّاً) (مريم/21).
ز - الإتمام: قال تعالى : ( فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ) (القصص/29). 
وقال تعالى : (أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ) (القصص/28).
ح - الفصل: قال تعالى : (وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ ) (الزمر/69).
ط - الخلق: قال تعالى : (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ) (فصلت/12).
ي - القتل: قال تعالى : (فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ) (القصص/15).
القدر:
تعريف القدر لغة :
مصدر الفعل قَدِرَ يقْدَرُ قدَرَاً، وقد تسكن دالُه .
قال ابن فارس في مادة (قدر): قدر: القاف، والدال، والراء، أصل صحيح يدل على مبلغ الشيء وكنه، ونهايته؛ فالقدْر مبلغ كل شيء، يقال: قَدْرُه كذا أي مبلغه، وكذلك القدَرُ، وقدَرْت الشيء أقدِره وأقدُره من التقدير .
والقدَر محركة: القضاء، والحكم، وهو ما يقدِّره الله عز وجل من القضاء، ويحكم به من الأمور.
والتقدير: التروية، والتفكير في التسوية أمر، والقَدَرُ كالقَدْر وجميعها جمعها: أقدار .
إطلاقات القدر في القرآن الكريم:
يطلق القدر في القرآن عدة إطلاقات منها:
أ - التضييق: قال تعالى : (وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ) ( الفجر/16).
ب - التعظيم: قال تعالى : (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) ( الأنعام/91).
ج - الاستطاعة، والتغلب، والتمكن: قال تعالى : (إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ) (المائدة/34).
د - التدبير: قال  تعالى : (فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ)( المرسلات/23)، أي دبَّرنا الأمور، أو أردنا وقوعها بحسب تدبيرنا.
هـ - تحديد المقدار، أو الزمان، أو المكان: قال تعالى : (وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ) ( سبأ/18)، وقال: (وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) (فصلت/10).
و - الإرادة: قال تعالى : (فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) (القمر/12)، أي دبِّر، وأريد وقوعه.
ز - القضاء والإحكام: قال تعالى: (نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمْ الْمَوْتَ) (الواقعة/60). أي قضينا، وحكمنا.
ح - التمهل والتَّروي في الإنجاز: قال تعالى : (إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ) (المدثر/18)، أي تمهَّل، وتروَّى؛ ليتبين ما يقوله في القرآن.
وقال تعالى: (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) (سبأ/11). أي تمهلْ، وتروَّ في السرد؛ كي تحكمه.
ط - الصنع بمقادير معينة: قال تعالى: (قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً) (الإنسان/16) .
العلاقة بين القضاء والقدر، وتعريفهما في الاصطلاح:
العلاقة بين القضاء والقدر:
من خلال ما سبق من تعريف القضاء والقدر في اللغة وبيان إطلاقاتهما في القرآن يتبين مدى العلاقةِ بينهما.
فمعاني القضاء تؤول إلى إحكام الشيء، وإتقانه، ونحو ذلك من معاني القضاء.
ومعاني القدر تدور حول ذلك، وتعود إلى التقدير ، والحكم، والخلق، والحتم، ونحو ذلك.
القضاء والقدر في الاصطلاح الشرعي:
قال علي بن محمد بن علي الجرجاني المعروف بالشريف (740هـ - 816هـ)، القدر: خروج الممكنات من العدم إلى الوجود واحداً بعد واحد مطابقاً للقضاء.والقضاء في الأزل، والقدر فيما لا يزال  .
وقال  في تعريف القضاء: القضاء لغة: الحكم.
وفي الاصطلاح: عبارة عن الحكم الكلي الإلهي في أعيان الموجودات على ما هي عليه من الأحوال الجارية في الأزل إلى الأبد  . 
وقال الدكتور عبدالرحمن المحمود ، القضاء والقدر : هو تقدير الله تعالى للأشياء في القِدَم، وعلمه سبحانه أنها ستقع في أوقات معلومة وعلى صفات مخصوصة، وكتابته لذلك، ومشيئته له، ووقوعها على حسب ما قدرها وخلقه لها. ﺇﻫ 
وخلاصة القول : أن التعريف يجب أن يشملمراتب القضاء والقدر ( وهي المراحل التي يمر بها المخلوق من كونه معلومة في علم التقدير الى أن يكون مخلوقا واقعا بقدرة القدير ومشيئته )  التي من لم يؤمن بها لم يؤمن بالقضاء والقدر.
وهي أربع مراتب :
المرتبة الأولى علم الرب سبحانه بالأشياء قبل كونها.
المرتبة الثانية كتابته لها قبل كونها.
المرتبة الثالثة مشيئته لها.
الرابعة خلقه لها.  
الفرق بين القضاء والقدر :
قال الجرجاني : والفرق بين القدر والقضاء هو أن القضاء وجود جميع الموجودات في اللوح المحفوظ مجتمعة، والقدر وجودها متفرقة في الأعيان بعد حصول شرائطها .
وقال الحافظ العسقلاني في الفتح / كتاب الدعوات : (القضاء الحكم بالكليات على سبيل الإجمال في الأزل والقدر الحكم بوقوع الجزئيات التي لتلك الكليات على سبيل التفصيل ). 
وقال ايضاً في الفتح / كتاب القدر : (وقالوا أي العلماء القضاء هو الحكم الكلي الإجمالي في الأزل ، والقدر جزئيات ذلك الحكم وتفاصيله ، وقال أبو المظفر بن السمعاني : سبيل معرفة هذا الباب التوقيف من الكتاب والسنة دون محض القياس والعقل فمن عدل عن التوقيف فيه ضل وتاه في بحار الحيرة ولم يبلغ شفاء العي ولا ما يطمئن به القلب لأن القدر سر من أسرار الله تعالى اختص العليم الخبير به وضرب دونه الأستار وحجبه عن عقول الخلق ومعارفهم لما علمه من الحكمة فلم يعلمه نبي مرسل ولا ملك مقرب وقيل إن سر القدر ينكشف لهم إذا دخلوا الجنة ولا ينكشف لهم قبل دخولها انتهى ).  
وقال العيني في العمدة : (فَإِن قلت: مَا الْفرق بَين الْقَضَاء وَالْقدر؟ قلت: الْقَضَاء عبارَة عَن الْأَمر الْكُلِّي الإجمالي الَّذِي حكم الله بِهِ فِي الْأَزَل، وَالْقدر عبارَة عَن جزئيات ذَلِك الْكُلِّي ومفصلات ذَلِك الْمُجْمل الَّتِي حكم الله بوقوعها وَاحِدًا بعد وَاحِد فِي الْإِنْزَال، قَالُوا: وَهُوَ المُرَاد بقوله تَعَالَى: ( وَإِن من شَيْء إلاَّ عندنَا خزائنه وَمَا ننزله إلاَّ بِقدر مَعْلُوم ) (الْحجر/21) .).  
وخلاصة القول فالفروقات بين القضاء والقدر هي :
1- القضاء ثلاث مراتب والقدر أربع ، فالقضاء علم وكتابة ومشيئة ، أما القدر فعلم وكتابة ومشيئة وخلق.
2- القضاء غيب ويكون مشهودا بالقدرة عند وقوع القدر.
3- القضاء يسبق القدر ، ويشترك معه في علم التقدير ، فكلاهما يتفقان في العلم والكتابة والمشيئة ، ويزيد القدر مرتبة الخلق والتنفيذ ، ولذلك نقول قضاء وقدر ، ولا نقول قدر وقضاء ، فالقضاء سابق والقدر لاحق.
4- القضاء أعم من حيث التعلق والقدر أخص ، فالقضاء يتعلق بما كان ، وما هو كائن ، وما سيكون ، أما القدر من جانب القدرة والخلق والتكوين فيتعلق بما كان ، وما هو كائن ، أو بم تم ويتم خلقه وتنفيذه ، أما من جهة المراتب فالقدر أعم لأنه أربع مراتب ، والقضاء أخص لأنه ثلاث مراتب.
والله أعلم . 
نصوص الكتاب والسنة في مسألة القضاء والقدر
1- من القرآن الكريم :
قوله عز وجل : (فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) (الأنعام /96).
(لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً) (الأنفال /42).
(وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) (الحجر /21).
(إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ) (الحجر /60).
(وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ) (الإسراء /4).
(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا) (الاسراء /99).
(ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى) (طه /40).
(وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ) (المؤمنون /18).
(وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) (الفرقان /2).
(وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) (الشورى /27).
(وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ) (الزخرف /11).
(وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً) (الأحزاب /38).
(وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) (القمر /12).
(إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) (القمر /49).
(نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) (الواقعة /60).
(إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ، فقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ) (المرسلات /22- 23).
(مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ) (عبس /19).
(وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى) (الأعلى /3).
2- من السنة النبوية :
قوله صلى الله عليه واله وسلم : (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت والقدر خيره وشره حلوه ومره).  
(أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وتؤمن بالجنة والنار والميزان وتؤمن بالبعث بعد الموت وتؤمن بالقدر خيره وشره).  
(لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره، حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه).  
(لا يؤمن العبد حتى يؤمن بأربع: يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ويؤمن بالبعث بعد الموت ويؤمن بالقدر).  
(المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف , وكل على خير , احرص على ما ينفعك , ولا تعجز , فإن غلبك شيء ؛ فقل : قدر الله وما شاء , وإياك واللو ؛ فإن اللو تفتح عمل الشيطان).  
(المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف , وفي كل الخير , فاحرص على ما تنتفع به , واستعن بالله , ولا تعجز , فإن أصابك شيء ؛ فلا تقل : لو أني فعلت كذا وكذا , ولكن قل : قدر الله , وما شاء فعل ؛ فإن اللو تفتح عمل الشيطان).  
(خلق الله آدم ثم أخذ الخلق من ظهره فقال: هؤلاء في الجنة ولا أبالي وهؤلاء في النار ولا أبالي) قال قائل: يا رسول الله فعلى ماذا نعمل؟ قال:
(على مواقع القدر).  
(لا عليكم أن لا تفعلوا فإن الله قدر ما هو خالق إلى يوم القيامة).  
(ما قدر الله نسمة تخرج إلا هي كائنة).  
(يا كعب بل هي من قدر الله).  
(قدر الله المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة).  
احتج آدم وموسى فقال موسى: يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة فقال له آدم: يا موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك بيده تلومني على أمر قد قدر علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟ قال: فحج آدم موسى فحج آدم موسى فحج آدم موسى).  
(إن ما قد قدر في الرحم سيكون).  
(أخاف على أمتي من بعدي ثلاثا : حيف الأئمة و إيمانا بالنجوم و تكذيبا بالقدر).  
(ثلاثة لا يقبل الله منهم يوم القيامة صرفا و لا عدلا : عاق و منان و مكذب بالقدر).  
(سيكون في أمتي أقوام يكذبون بالقدر).  
عن طاوس اليماني قال: أدركت ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون: ( كل شيء بقدر) قال: وسمعت عبد الله بن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل شيء بقدر حتى العجز والكيس).  
أقوال السلف الصالح في القضاء والقدر
عن وهب بن خالد عن ابن الديلمي قال:أتيت أبي بن كعب فقلت له: وقع في نفسي شيء من القدر فحدثني بشيء لعله أن يذهب من قلبي فقال: إن الله لو عذب أهل سماواته وأهل أرضه عذبهم غير ظالم لهم ولو رحمهم كانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم ولو أنفقت مثل أحد في سبيل الله ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك ولو مت على غير هذا لدخلت النار
قال: ثم أتيت عبد الله بن مسعود فقال مثل قوله ثم أتيت حذيفة بن اليمان فقال مثل قوله ثم أتيت زيد بن ثابت فحدثني عن النبي صلى الله عليه وسلم .... مثل ذلك. 
عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قِيلَ لابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ فِي القدر. قال: يكذبون بالكتاب، لئن أَخَذْتُ بِشَعْرِ أَحَدِهِمْ لأَنْصُوَنَّهُ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى عَرْشِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ شَيْئًا، فَخَلَقَ الْخَلْقَ فَكَتَبَ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يوم القيامة. فإنما يُجْرِي النَّاسَ عَلَى أَمْرٍ قَدْ فرغ منه. 
عن أبي الأسود الديلي، قال: قال لي عمران بن الحصين، أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه، أشيء قضي عليهم ومضى عليهم من قدر ما سبق؟ أو فيما يستقبلون به مما أتاهم به نبيهم، وثبتت الحجة عليهم؟ فقلت: بل شيء قضي عليهم، ومضى عليهم، قال فقال: أفلا يكون ظلما؟ قال: ففزعت من ذلك فزعا شديدا، وقلت: كل شيء خلق الله وملك يده، فلا يسأل عما يفعل وهم يسألون، فقال لي: يرحمك الله إني لم أرد بما سألتك إلا لأحزر عقلك، إن رجلين من مزينة أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله أرأيت ما يعمل الناس اليوم، ويكدحون فيه، أشيء قضي عليهم ومضى فيهم من قدر قد سبق، أو فيما يستقبلون به مما أتاهم به نبيهم، وثبتت الحجة عليهم؟ فقال: ( لا، بل شيء قضي عليهم ومضى فيهم، وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ۞ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (الشمس /7و8)). 
القدر نظام التوحيد
كثيرا ما يرد هذا الاثر في كتب العقيدة – باب القضاء والقدر ، وتحقيقا للفائدة اليك تخريجه وأقوال أهل العلم فيه :
جاء في سلسلة الاحاديث الضعيفة للشيخ الالباني :
2244 –( الإيمان [بالقدر] نظام التوحيد ). ضعيف
رواه الديلمي (1/2/359) عن مزاحم بن العوام عن الأوزاعي عن الزهري عن سعيد بنالمسيب عن أبي هريرة مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، مزاحم بن العوام؛ لم أجد من ترجمه، وقد مضى لهحديث آخر في الإيمان بالقدر (806) .
4072 - (القدر نظام التوحيد، فمن وحد الله وآمن بالقدر؛ فقد استمسك بالعروة الوثقى، لا انفصام لها) . ضعيف
رواه الطبراني في "الأوسط" من حديث ابن عباس مرفوعاً، وفيه هانئ بن المتوكل، وهو ضعيف. كذا في "المجمع" (7/ 197) ، وسيأتي إسناده برقم (7150) .
قلت: وقد رواه هبة اللهاللالكائي في اعتقاد أهل السنة(6/ 262/ 2) عن الأوزاعي: قال لنا بعض أصحابنا: عن الزهري، عن ابن عباس قال: فذكره موقوفاً عليه. وهو الأشبه بالصواب، والله أعلم. ورواه (1/ 142/ 1) عن سفيان الثوري، عن عمر بن محمد - رجل من ولد عمر بن الخطاب -، عن رجل، عن ابن عباس موقوفاً. 7150 - (الأمور كلها - خيرها وشرها - من الله) . منكر.
أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (4/45/ 3573) من طريق هانئ بن المتوكل الإسكندراني قال: نا أبو ربيعة سليمان بن ربيعة عن أبي حازم عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ... فذكره. وزاد؛ وقال: " إن القدر نظام التوحيد، فمن وحد الله، وآمن بالقدر؛ فقد استمسك بالعروةالوثقى، ومن لم يؤمن بالقدر؛ كان ناقضاً للتوحيد ". وقال: " لا يدخل الجنة مكذب بقدر ".
قلت: وهذا إسناد منكر؛ هانئ بن المتوكل: ضعيف أو أشد؛ قال ابن حبان: " كان تدخل عليه المناكير وكثرت؛ فلا يجوز الاحتجاج به في حال ".
ثم ساق له بعض مناكيره، وسبق تخريج اثنتين منها؛ فانظر الرقم (1077) و (1522) .
وأبو ربيعة سليمان بن ربيعة: لم أجد له ترجمة. وجملة: " نظام التوحيد" رويت من طريق أخرى عن ابن عباس موقوفاً، وقد تقدم برقم (2244) و(4072).ٳﻫ.
وقال الشيخ الالباني في تخريج الطحاوية : 
ضعيف موقوفا ومرفوعا، أما الموقوف فرواه اللالكائي في شرح السنة (1/ 142/ 1، 6/ 262/ 2) وفيه من لم يسم، وأما المرفوع، فرواه بنحوه الطبراني في الأوسط وفيه هانئ بن المتوكل وهو ضعيف، وهو مخرج في الضعيفة (4072).ٳﻫ
وقال الشيخ سليمان العلوان : قول ابن عباس رضي الله عنهما: ( الإيمان بالقدر نظام التوحيد فمن آمن بالله وكذَّب بقدره نقض تكذيبه توحيد ) . رواه عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب السنة ، والآجريواللالكائي وابن بطه في الإبانة ، وغيرهم من طريق سفيان الثوري عن عمر بن محمد رجل من ولد عمر بن الخطاب عن رجل عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وهذا إسناد فيه إبهام ولا يصح . 
وفي مجمع الزوائد / 11835 - وعن ابن عباس قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم: (الأمور كلها خيرها وشرها من الله ) ، وقال: ( القدر نظام التوحيد، فمن وحد الله وآمن بالقدر فقد استمسك بالعروة الوثقى) رواه الطبراني في الأوسط، وفيه هانئ بن المتوكل وهو ضعيف.ٳھ 
المبحث الثاني: الطوائف المنحرفة في القضاء والقدر
أنّ الناس في القَدَرْ لهم فِرَقْ كثيرة وهذه الفرق ترجع إلى فرقتين:
الأولى القدرية : 
الذين أنكروا القدر، إما أنكروا كل المراتب، أو أنكروا بعض مراتب القَدَرْ .
الثانية الجبرية: 
الذين يزعمون أنَّ الإنسان لا اختيار له وأنه مجبور.
أولاً / القدرية: وهم فِرَقْ :
1- الفرقة الأولى: 
هم الغلاة الذين كانوا يُنكرون عِلْمَ الله عز وجل السابق فيقولون: إنَّ الله عز وجل لا يعلم الشيء إلا بعد وقوعه والأمر أُنُفْ ؛ يعني مستأنف جديد غير معلوم وغير مُقَدَّر له قبل ذلك.
وهؤلاء هم الذين كفَّرَهُم السلف وكفَّرَهُم الصحابة كابن عمر وابن عباس وغير أولئك، وذلك لأنهم أنكروا مرتبة العلم، والله عز وجل ذكر عِلْمَهْ، فمعنى ذلك أنهم ردُّوا حكم الكتاب ومن رد حكم الكتاب فهو من الكافرين.
وهؤلاء هم الذين قال فيهم السلف (ناظروا القدرية بالعلم فإن أقروا به خُصِمُوا وإن جحدوه كفروا) . وهذه الفرقة ذهبت ولا يُعْرَفْ أنها عقَّبَتْ وارثاً في الأعْصُرْ المتأخرة.
2 - الفرقة الثانية : 
وهم القدرية المتوسطة: المعتزلة والشيعة الرافضة والزيدية ومن نحا نحو أولئك.
وهؤلاء لا يُنْكِرُونَ جميع المراتب؛ ولكن يُنْكِرُونَ بعض الأشياء في بعض المراتب.
فيقولون: إنَّ المشيئة ثابتة لكن ليست عامة.
ويقولون: إنَّ الخلق ثابت ولكن ليس عامَّاً.
وسُمُّوا بالقدرية لأنهم ينفون بعض مراتب القدر.
وهذه الفرقة باقية إلىالآن في أمصار كثيرة من بلاد المسلمين .
ثانياً / الجبرية: وهم أيضا فِرَقْ :
1- الفرقة الأولى: 
هم الغلاة، وهم الذين يقولون إنَّ الإنسان مجبور على كل شيء، وحركاته كحركة الريشة في مهب الهواء، وكحركة الخشبة في البحر ، فإنَّ الأمواج تتقاذفها وليس لها اختيار، وكذلك الريشة يُقَلِّبُهَا الهواء وليس لها اختيار.
ويقولون : إن العبد ليس له اختيار وإنما هو مفعول به في كل أحواله، سواء من ذلك الطاعات والمعاصي، فَصَلَّى مجبوراً، وصام مجبوراً، وسرق مجبوراً، وغشّ مجبوراً. ويقولون: إنَّ أفعال الله عز وجل غير مُعَلَّلَة، فقد يُعَذّب المطيع الصالح، وقد يُعْطِي ويُنَعِّم الكافر الطاغوت.
2- الفرقة الثانية: 
وهم الأشاعرة والماتريدية ومن نحا نحوهم ممن غَلَوا في إثبات مشيئة الله عز وجل وخلقه، وقالوا إنَّ الإنسان ليس مجبوراً على كل حال؛ ولكن هو مجبور باطناً لا ظاهراً؛ يعني في الباطن مجبور ما يتحرك بإرادته ولكن في الظاهر تصرفاته بإرادته، فَيُحَاسَبُ على تصرفاته الظاهرة، وأما الذي دَفَعَهُ في الحقيقة فهو أمر باطن مُجْبَر عليه من الله عز وجل . 
وقال الشيخ عبد الرحيم السلمي : ( يدخل في منكر القدر : القدرية الذين أنكروا القدر بالجملة، والذين أنكروا القدر وقالوا: إن الله يعلم ما يفعل العبد، ولكنه لم يكتب شيئاً ولم يشأ من العباد شيئاً، ولم يخلق أفعالهم، بل العباد يخلقون أفعال أنفسهم، وهؤلاء يسمون القدرية، وهم المعتزلة.
والنوع الثاني: الجبرية، وهم الذين أثبتوا القدر، ولكن أنكروا معناه الحقيقي الشرعي.
فالقدرية والجبرية مع أن كل واحد منهما على النقيض من الآخر إلا أن كلاً منهما يعتبر منكراً للقدر؛ لأن معنى إنكار القدر هنا هو إنكار القدر المشروع الذي بيّنه الله عز وجل وبينه الرسول صلى الله عليه وسلم، فالقدرية أنكروا، والجبرية أثبتوا، إلا أن الإثبات ليس إثباتاً شرعياً، فهو يتضمن إنكار القدر بالمعنى الشرعي.
والجبرية قالوا: إن الله عز وجل جبر العباد على المعاصي والذنوب، وإنهم معذورون لذلك.
وأما القدرية فقالوا: إن الله عز وجل لم يكتب مقادير العباد، ولم يخلق أفعالهم، بل العبد يخلق فعل نفسه، فنسبوا الخلق إلى العبد، ولهذا سماهم السلف مشبهة الأفعال مأوِّلة الصفات، فهم معطِّلة ومشبِّهة في ذات الوقت، معطِّلة بالنسبة لبقية الصفات، ومشبِّهة بالنسبة لأفعال الله سبحانه وتعالى، حيث شبّهوا العباد بالله في كونهم يخلقون ويقومون بهذه الأعمال بدون أن تكون هناك قدرة وإرادة من الله عز وجل عليهم ).
يتبع إن شاء الله...


سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر Empty
مُساهمةموضوع: رد: سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر   سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر Emptyالأربعاء 18 ديسمبر 2013, 10:11 pm

المبحث الثالث: مراتب القضاء والقدر التي من لم يؤمن بها لم يؤمن بالقضاء والقدر
مراتب القضاء والقدر : هي المراحل التي يمر بها المخلوق من كونه معلومة في علم التقدير إلى أن يكون مخلوقا واقعا بقدرة القدير ومشيئته.  
( وهي أربع مراتب :
المرتبة الأولى علم الرب سبحانه بالأشياء قبل كونها.
المرتبة الثانية كتابته لها قبل كونها.
المرتبة الثالثة مشيئته لها.
الرابعة خلقه لها.
فأما المرتبة الأولى : وهي العلم السابق فقد اتفق عليه الرسل من أولهم إلى خاتمهم واتفق عليه جميع الصحابة ومن تبعهم من الأمة.
المرتبة الثانية : وهي مرتبة الكتابة ، قال تعالى: ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عَابِدِينَ ) (الانبياء / 105و106) ، فربنا تبارك وتعالى أخبر أن هذا مكتوب مسطور في كتبه، والزبور هنا جميع الكتب المنزلة من السماء لا تختص بزبور داود ، والذكر أم الكتاب الذي عند الله والأرض الدنيا وعباده الصالحون أمة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم هذا أصح الأقوال في هذه الآية وهي علم من أعلام نبوة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم. 
المرتبة الثالثة من مراتب القضاء والقدر : وهي مرتبة المشيئة ، وهذه المرتبة قد دل عليها اجماع الرسل من أولهم إلى آخرهم وجميع الكتب المنزلة من عند الله والفطرة التي فطر الله عليها خلقه وأدلة العقول والعيان وليس في الوجود موجب ومقتض إلا مشيئة الله وحده فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن هذا عموم التوحيد الذي لا يقوم إلا به والمسلمون من أولهم إلى آخرهم مجمعون على أنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
المرتبة الرابعة من مراتب القضاء والقدر : وهي خلق الله تعالى لأفعال المكلفين ودخولها تحت قدرته ومشيئته كما دخلت تحت علمه وكتابه ، قال تعالى : (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) (الزمر/62) ، وهذا عام محفوظ لا يخرج عنه شيء من العالم أعيانه وأفعاله وحركاته وسكناته وليس مخصوصا بذاته وصفاته فإنه الخالق بذاته وصفاته وما سواه مخلوق له.)  
ارتباط مراتب القضاء والقدر بتوحيد الربوبية
فالمرتبة الأولى : مرتبة العلم الأزلي المحيط بكل شيء .وأنَّ الله تعالى علم أحوالَ عباده، وأرزاقَهم، وآجالهم، وأعمالهم، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَعْلَمُ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ، وَمَا لَمْ يَكُنْ لَوْ كَانَ كَيْفَ يَكُونُ ، لا يخفى عليه شيء: (إِنَّ الله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (العنكبوت /62)، (لِتَعْلَمُوا أَنَّ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ الله قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) (الطلاق /12)
والمرتبة الثانية: مرتبة الكتابة لكل شيء في اللوح المحفوظ ،قال تعالى : (وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ) (يس /12)، وقال سبحانه: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهيَسِيرٌ) (الحج /70)، وقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ). 
والمرتبة الثالثة :مرتبة الارادة والمشيئة النافذة التي لا يخرج عنها أحد ، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، قال تعالى: (وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاّ أَن يَشَاءَ الله رَبُّ الْعَالَمِينَ) (التكوير /29)، وقال سبحانه : (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (يس /82).
أي: أن كل ما يجري في هذا الكون فهو بإرادة الله ومشيئته الدائرة بين الرحمة والحكمة، يهدي من يشاء برحمته، ويضل من يشاء بحكمته، لا يسأل عما يفعل لكمال حكمته وسلطانه، وهم يسألون، وما وقع من ذلك؛ فإنه مطابق لعلمه السابق المكتوب في اللوح المحفوظ، فمشيئة الله نافذة، وقدرته شاملة، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن؛ فلا يخرج عن إرادته شيء.
والمرتبة الرابعة : مرتبة الخلق وأنه تعالى خالق كل شيء , وما سواه كله مخلوق ، ويدخل في ذلك العباد وأفعالهم . قال تعالى : (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ)(الأنعام/102) ، وقال سبحانه : (الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) (الزمر/62) ، وقال سبحانه : (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) (غافر/62) ، وقال سبحانه : (قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ ۞ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) (الصافات/95و96).
المبحث الرابع: مراتب العلم الإلهي والأدلة عليه:
قال تعالى : ( وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ) (لأنفال/23) ، وقال سبحانه : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ۞ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ ) (سبأ/1و2) ، وقال سبحانه وتعالى : ( يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ) (لقمان/16).
قال ابن كثير في التفسير :
 ( وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَعْلَمُ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ، وَمَا لَمْ يَكُنْ لَوْ كَانَ كَيْفَ يَكُونُ ، وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ عِنْدَ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ).  
وقال : (وَقَوْلُهُ: (إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) أَيْ: أَنَّ عِلْمَهُ تَعَالَى الْأَشْيَاءَ قَبْلَ كَوْنِهَا وَكِتَابَتَهُ لَهَا طِبْقَ مَا يُوجَدُ فِي حِينِهَا سَهْلٌ عَلَى اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ ؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ وَمَا لَمْ يَكُنْ لَوْ كَانَ كيف كان يكون. )  
وقال ابن القيم الجوزية في نونيته :
وهو العليم أحاط علما بالذي  في الكون من سر ومن إعلان
وبكل شيء علمه سبحانه  فهو المحيط وليس ذا نسيان
وكذاك يعلم ما يكون غدا وما              قد كان والموجود في ذا الآن
وكذاك أمر لم يكن لو كان                           كيف يكون ذا إمكان
أي: أنه سبحانه وتعالى يعلم الأمور الماضية التي وقعت ، والأمور المستقبلية التي لم تقع بعد ، ويعلم الأمور التي لن تقع لو فرض أنها تقع كيف تقع ، وهذا من كمال علمه بالغيب وعواقب الأمور ، فالله عز وجل يعلم ما كان - كآدم والأنبياء - ، ويعلم ما يكون - كالقيامة والحساب - ، ويعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون - كما يعلم لو أن فرعون آمن ؛ كيف كان حال إيمانه ، وماذا سيكون مآله - ، وهذه الجزئية يدخل فيها ملايين التفاصيل ، وكل ما جاء في القرءان بلفظ  لو أو لولا فهو من هذا الباب قال تعالى : (بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) (الانعام/28) ، وقال سبحانه : (وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ) (الزخرف/33)، وقال سبحانه :(وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا) (الاسراء/74) ، وقال سبحانه : (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) (الانبياء22) ، وقال سبحانه : (وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) (الانفال/23). 
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : سُئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أولاد المشركين ، فقال : (الله أعلم بما كانوا عاملين)  ، وقال صلى الله عليه وآله وسلم : (ما منكم من نفس إلا وقد عُلم منزلها من الجنة والنار).وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله قال صلى الله عليه وآله وسلم: (ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه، كما تنتجون البهيمة هل تجدون فيها من جدعاء حتى تكونوا أنتم تجدعونها)  قال: يا رسول الله أفرأيت من يموت وهو صغير؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم:(الله أعلم بما كانوا عاملين) . 
فإحاطة علمه سبحانه وتعالى بكل شيء ، شامل للغيوب كلها، قال تعالى : {إِنَّ الله لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ} (آل عمران /5) ،فقد أحاط علمه سبحانه ، بجميع الأزمان الحاضرة ، والماضية ، والمستقبلة ، وأنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد كتب ذلك كله وقدره ، وهو عليم به سبحانه ، وأن وقوع الشيء وفق ما قضاه وقدره لا يزيد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى علماً بالشيء، فإنه يعلمه عَلَى صفته التي سيكون عليها قبل أن يكون.ولذلك قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى وهو يوصي من يخاصم القدرية بقوله: حجوهم بالعلم؛ أي: اسألوهم : هل الله عز وجل علم بالأشياء قبل وقوعها؟ فإن أقروا خصموا، وإن نفوا العلم كفروا.
بيان مراتب العلم
(1 - علمه بالشيء قبل كونه ؛ وهو علم التقدير ، وما سيقع بقدرة القدير، وهو سر الله في خلقة، فلا يعلمه ملك مقرب ولا نبي مرسل، وهوالمراد بقولهم: (عالم بما سيكون) وهو المقصود بالمرتبة الأولى من مراتب القدر، وهو علم مفاتح الغيب وتقدير الأمور. كما قال تعالى : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيْثَ وَيَعْلمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَليمٌ خَبِيرٌ) (لقمان/34).
2 - علمه بالشيء وهو في اللوح بعد كتابته وقبل إنفاذ مشيئته، وهو قولهم (عالم بما لم يكن لو كان كيف يكون). فالله عز وجل كتب مقادير الخلائق في اللوح المحفوظ قبل أن يخلقهم . 
قال تعالى : (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْل أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلكَ عَلى اللهِ يَسِيرٌ، لكَيْلا تَأْسَوْا عَلى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُل مُخْتَالٍ فَخُورٍ) (الحديد/2).
3 - علمه بالشيء حال كونه وتنفيذه، وخلقه وتصنيعه، وهو قولهم : (عالم بما هو كائن) كما قال تعالى : (اللهُ يَعْلمُ مَا تَحْمِلُ كُل أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُل شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ عَالمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الكَبِيرُ المُتَعَال) (الرعد/8).
4 - علمه بالشيء بعد كونه وتخليقه وإحاطته الشاملة والكاملة بعد تمامه وفنائه، وهو قولهم : (عالم بما كان) فالله عز وجل لما قال : (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لا يَعْلمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلمُ مَا فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ ) للدلالة على الإحاطة بكل شيء من بدايته إلى نهايته (إِلا يَعْلمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ، وَهُوَ الذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِالليْل وَيَعْلمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ ليُقْضَى أَجَلٌ مُسَمّىً ثُمَّ إِليْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (الأنعام/60).
فالله عز وجل علم ما كان وما هو كائن وما سيكون، وما لا يكون لو كان كيف كان يكون، فهذه مراتب علم الله، والمرتبة الأولى من مراتب القدر هي العلم المرتبط بالتقدير والقدرة والخلق والصنعة، فعلى العبد أن يعلم أن الله قد سبق علمه في كل كائن من خلقه فقدر ذلك تقديرا محكما مبرما ليس فيه ناقض ولا معقب ولا مزيل ولا مغير). 
المبحث الخامس الإيمان بكتابة المقادير ( التقديرات الالهية ) :
مراتب التقدير ( مراتب الكتابة ) خمسة وهي  :
1 - التقدير الشامل لجميع المخلوقات ( أو التقدير الازلي أو التقدير العام أو الكتابة الاولى ):
وهو تقدير الرب لجميع الكائنات ؛ أو هي الكتابة الأولى : وهي أوَّلُهَا وأقدمها وأعظمها كِتَابَةُ الله عز وجل مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة في اللوح المحفوظ ، وهذه هي الكتابة التي كانت قبل الخلق ، وهذه الكتابة لا تتبدل ولا تتغير، رُفعت الأقلام وجفَّتْ الصحف. فيجد العبد ما هو مكتوب في اللوح المحفوظ من خير أو شر. قال تعالى : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) (الحج/70). وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال: (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء)  .
وقال صلى الله عليه واله وسلم : ( يا غلام! إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنتفاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك بشيء إلا قد كتبه الله عليك جفت الأقلام ورفعت الصحف ).  
وعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي جِنَازَةٍ فَأَخَذَ عُودًا فَجَعَلَ ينكتُ بِهِ فِي الْأَرْضِ فقَالَ:(مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ) فقَال رَجُلٌ: أَلَا نَتَّكِلُ؟ فقَالَ:(اعْمَلُوا فكلٌّ مُيَسَّرٌ) ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ۞ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ۞ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ۞ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى ۞ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ۞ فَسَنُيَسِّرُهُ للعسرى}(الليل/5 ـ 10). 
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَجُلٌ شَابٌّ وَأَنَا أَخَافُ عَلَى نَفْسِي الْعَنَتَ وَلَا أَجِدُ مَا أَتَزَوَّجُ بِهِ النِّسَاءَ كأَنَّهُ يَسْتَأْذِنُهُ فِي الِاخْتِصَاءِ قَالَ: فَسَكَتَ عَنِّي ثُمَّ قُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ فَسَكَتَ عَنِّي ثُمَّ قُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ فَسَكَتَ عَنِّي ثُمَّ قُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا أَنْتَ لَاقٍ فَاخْتَصِعلى ذَلِك أَو ذَر» .  
وقَالَ سُرَاقَةَ بْنَ جُعْشُمٍ:يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنَا عَنْ أَمْرِنَا كَأَنَّا نَنْظُرُ إِلَيْهِ أَبِمَا جَرَتْ بِهِ الْأَقْلَامُ وَثَبَتَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ أَوْ بِمَا يُسْتَأْنَفُ؟ قَالَ:(لَا بَلْ بِمَا جَرَتْ بِهِ الْأَقْلَامُ وَثَبَتَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ) قَالَ: فَفِيمَ الْعَمَلُ إِذًا؟ قَالَ:(اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ)، قَالَ سُرَاقَةُ: فَلَا أَكُونُ أَبَدًا أَشَدَّ اجْتِهَادًا فِي الْعَمَلِ مِنِّي الآن.)  
2 - التقدير يوم أخذ الميثاق ( أو التقدير العمري يوم الميثاق ، أو التقدير الميثاقي ، أو التقدير البشري ، أو كتابة الميثاق ):
وهو التقدير الذي أخذ الله فيه الميثاق على جميع البشر بأنه ربهم، وأشهدهم على أنفسهم بذلك، والذي قدر الله فيه أهل السعادة وأهل الشقاوة، قال تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ )(الأعراف/172).
وهذه الكتابة الثانية لكِتَابَة مقادير الخلق من حيث الشّقاوة والسعادة، والخلق هم خاصةَ المكلفين.
وهذه التي تأتي فيها أحاديث الميثاق وأنَّ الله عز وجل استخرج ذرية آدم من صلبه فنثرهم أمامه كهيئة الذَّر وأخذ عليه أن لا يشركوا به شيئاً ، وقَبَضَ قبضة إلى الجنة وقبضة إلى النار وكتب أهل الجنة وكتب أهل النار، ونحو ذلك مما جاء في السّنة من بيان ذلك. وهذا تقديرٌ بَعْدَ الأول، وهو قبل أن يُخْلَقَ جِنْسُ المكلفين أي من الإنسان ، لمَّا خلق الله عز وجل آدم عليه السلام.
فعن هشام بن حكيم أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه واله وسلم فقال: أَتُبْدَأُ الأعمال أم قد قُضِيَ القضاء؟ فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : (إن الله أخذ ذرية آدم من ظهورهم، ثم أشهدهم على أنفسهم، ثم أفاض بهم في كفيه فقال: هؤلاء في الجنة، وهؤلاء في النار؛ فأهل الجنة ميسرون لعمل أهل الجنة، وأهل النار ميسرون لعمل أهل النار ).  
قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : ( إن الله عز وجل خلق آدم، ثم أخذ الخلق من ظهره وقال: هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي وهؤلاء إلى النار ولا أبالي، فقال قائل: يا رسول الله فعلى ماذا نعمل؟ قال:على مواقع القدر). 
3 - التقدير العُمُري ( التقدير العمري الذي عند أول تخليق النطفة أو الكتابة العمرية ):
وهو تقدير كل ما يجري على العبد في حياته إلى نهاية أجله، وكتابةُ شقاوته، أو سعادته ، في بطن أمه في أطوار الحمل الاولى ، وقد دل على ذلك حديث الصادق المصدوق في الصحيحين عن ابن مسعود مرفوعاً: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل المَلَك، فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات، بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقيٌّ أو سعيدٌ ). 
وهذه الكتابة العُمرية هي تفصيلٌ لما في اللوح المحفوظ ، لأنَّ الذي في اللوح المحفوظ شامل لكل المخلوقات، وهذا مُتعلِقٌ بهذا المخلوق المعين وحده.
4 - التقدير السنوي (التقدير الحولي أو الكتابة السنوية أو الحولية):
قال تعالى : (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ )(الدخان/4) ، فإنه يكتب في ليلة القدر ما هو كائن في السنة من الخير، والشر، والأرزاق.  وقوله تعالى : (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ، سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) (القدر/4-6).
قيل: يكتب فيها (أي هذه الليلة) ما يحدث في السنة من موت وحياة، وعز وذل، ورزق ومطر، حتى الحجاج يُقال: يحج فلان، ويحج فلان. رُوي هذا عن ابن عمر، وابن عباس، وكذا الحسنالبصري، وسعيد ابن جبير .  
وهذه تُكْتَبْ فيها المقادير في تلك السَّنَةْ ، من السَّنَةْ إلى السَّنَةْ ، أي أنَّ الله تعالى يوحي إلى ملائكته بأن يكتبوا أشياء مما في اللوح المحفوظ فتكون بأيديهم مما سيحصل للناس.
5 - التقدير اليومي ( الكتابة اليومية ):
وهو سوق المقادير إلى المواقيت التي قدرت لها، وهو التطبيق العملي والواقعي للكتابة السنوية. لقوله تعالى : (يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)(الرحمن/29).
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} (الرحمن/29) قَالَ:
(مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَغْفِرَ ذَنْبًا وَيُفَرِّجَ كَرْبًا ويرفع قوماً ويضع آخرين). وقيل في تفسيرها : شأنه أن يُعِزَّ ويُذِل، ويرفع ويخفض، ويُعطي ويمنع، ويُغني ويُفقر، ويُضحِكَ ويُبكي، ويُميت ويُحيي، إلى غير ذلك . 
قال الشيخ السعدي : ({كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} يغني فقيرا، ويجبر كسيرا، ويعطي قوما، ويمنع آخرين، ويميت ويحيي، ويرفع ويخفض، لا يشغله شأن عن شأن، ولا تغلطه المسائل، ولا يبرمه إلحاح الملحين، ولا طول مسألة السائلين، فسبحان الكريم الوهاب، الذي عمت مواهبه أهل الأرض والسماوات، وعم لطفه جميع الخلق في كل الآنات واللحظات، وتعالى الذي لا يمنعه من الإعطاء معصية العاصين، ولا استغناء الفقراء الجاهلين به وبكرمه، وهذه الشؤون التي أخبر أنه تعالى كل يوم هو في شأن، هي تقاديره وتدابيره التي قدرها في الأزل وقضاها، لا يزال تعالى يمضيها وينفذها في أوقاتها التي اقتضته حكمته، وهي أحكامه الدينية التي هي الأمر والنهي، والقدرية التي يجريها على عباده مدة مقامهم في هذه الدار، حتى إذا تمت هذه الخليقة وأفناهم الله تعالى وأراد تعالى أن ينفذ فيهم أحكام الجزاء، ويريهم من عدله وفضله وكثرة إحسانه، ما به يعرفونه ويوحدونه، نقل المكلفين من دار الابتلاء والامتحان إلى دار الحيوان.وفرغ حينئذ لتنفيذ هذه الأحكام، التي جاء وقتها، وهو المراد بقوله: (سَنَفْرُغُ لكم أيها الثقلان ۞ فبأي آلاء ربكما تكذبان)(الرحمن /31و32) أي: سنفرغ لحسابكم ومجازاتكم بأعمالكم التي عملتموها في دار الدنيا ). ٳھ 
ثم هذا التقدير اليومي تفصيل من التقدير الحولي والحولي تفصيل من التقدير العمري عند تخليق النطفة , والعمري تفصيل من التقدير العمري الأول يوم الميثاق , وهو تفصيل من التقدير الأزلي الذي خطه القلم في الإمام المبين ؛ والإمام المبين هو من علم الله عز وجل , وكذلك منتهى المقادير في آخريتها إلى علم الله عز وجل , فانتهت الأوائل إلى أوليته ، وانتهت الأواخر إلى آخريته ، قال تعالى : ( وأن إلى ربك المنتهى ) (النجم/42) . 
وهذه الكتابات الخمسة كلها قبل وقوع العمل من الانسان ، أماالكتابة بعد العمل فهي التي تكتبها الملائكة بعد وقوع العمل من الانسان ، قال الله عزّ وجل: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ۞ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ۞مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)(ق/16-18) ،وقال تعالى(وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ ۞ كِرَامًا كَاتِبِينَ ۞ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ )(الانفطار/10-12).
فالملائكة الحفظة يكتبون ما يقوم به الإنسان من قول، وما يقوم به من فعل؛ سواء كان ظاهراً؛ كأقوال اللسان وأعمال الجوارح، أو باطناً حتى ما في القلب مما يعتقده الإنسان، فإنه يكتب عليه. 
وفيما يلي خلاصة مراتب التقدير:
التقدير الشامل التقدير الميثاقي التقدير العمري التقدير الحولي التقدير اليومي
الكتابة الاولى كتابة الميثاق الكتابة العمرية الكتابة الحولية الكتابة اليومية
عام وشامل لكل المخلوقات خاص بالمكلفين من البشر خاص بكل انسان
( معين ) يكتب ما سيحصل للناس في تلك السنة يكتب ما يحصل للناس في ذلك اليوم
قبل الخلق بخمسين الف سنة قبل خلق جنس المكلفين من الانس لما خُلق آدم في بطن امه في اطوار الحمل الاولى في ليلة القدر من كل سنة في كل يوم
لا يعلم به ملك مقرب أو نبي مرسل يعلم به الملائكة
عام شامل تفصيل من التقدير الازلي تفصيل للتقدير الميثاقي تفصيل للتقدير العمري تفصيل للتقدير الحولي
من القدر المثبت الذي لا محو فيه البته من القدر المقيد الذي فيه المحو الاثبات والتغيير
والأسباب مؤثرة فيه
مظهر لقدرة الله تعالى وحكمته من التقدير الابتلائي المظهر لحكمة الله تعالى
هو ما في ام الكتاب
( اللوح المحفوظ ) هو ما في كتب الملائكة
( تتولاها الملائكة المكرمون )
كتابة الاعمال :
مما تقدم فإن كتابة الأعمال ( وهي المرتبة الثانية من مراتب القدر) ؛ وهذه الكتابة تسمى الكتابة السابقة ، أما الكتابة اللاحقة فهي الكتابة التي تكتبها الملائكة الكرام ، والفرق بينهما هو :
الكتابة السابقة الكتابة اللاحقة
قال تعالى : (وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ)  (يس/12) قال تعالى : (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ ۞ كِرَامًا كَاتِبِينَ ۞ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) (الانفطار/10-12)
مكتوبة في اللوح المحفوظ تكتبها الملائكة الكرام بعد عمل الانسان
تكون قبل العمل تكون بعد العمل
لا يترتب عليها ثواب ولا عقاب يترتب عليها ثواب وعقاب
الكتابة الكونية والكتابة الشرعية :
الكتابة من أنواع تدبير الله تعالى في خلقه ، فقد تكون كونية مظهرة لمعاني القدرة وتوحيد الربوبية ، وقد تكون شرعية مظهرة لمعاني الحكمة وتوحيد العبودية.
فالكتابة نوعان : كتابه كونية ، وكتابه شرعية .
1- كتابة شرعية ، وهذا لا يلزم منها وقوع المكتوب ، مثل قوله تعالى : {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} (النساء/103). وقوله : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} (البقرة/183). والكتابة الشرعية فللعبد فيها مشيئة وإرادة . لأنها من قبيل الشرع والتكليف والابتلاء ،وهي الشريعة التي امتحن الله بها العباد ليتميز المؤمن من المنافق ، والمسلم من الكافر ، والخبيث من الطيب . قال تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصيام كَمَا كُتِبَ عَلَى الذين مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا معدودات) (البقرة/183) ، وقال تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ القتال وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ) (البقرة/216) ، وقال تعالى : (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النفس بالنفس) (المائدة/45).
2- كتابة كونية، وهذه يلزم منها وقوع المكتوب كما في قوله تعالى : {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ}(آل عمران/154)، ومثل قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} (الأنبياء/105). وقوله: {كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} (المجادلة /21). وهي من القَدر الكوني ، إذ أن ما كُتب في اللوح المحفوظ يدخل تحت الكتابة الكونية التي لا تتغير ولا تبدل ، قال تعالى : (إِنَّمَا أَمْرُه إذا أراد شيئاً أن يقول لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ( يس/82) فلا مشيئة للعبد في تغير هذه الكتابة ، فهي واقعة لا محاله . وقال تعالى : (كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِي) (المجادلة/21)، وقال سبحانه : (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ الله لَنَا) (التوبة/51) ، وقال سبحانه : (وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ) ، وقال في بني إسرائيل : (فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأرض فَلاَ تَأْسَ عَلَى القوم الفاسقين ) (المائدة/26).  
المبحث السادس الارادة الربانية :
أقسام الارادة الربانية
الله عز وجل له إرادتان:
1/ إرادة كونية قدرية
2/ إرادة شرعية طلبية
( فالإرادة الكونية القدرية هي التي تتعلق بكن فيكون، فالله عز وجل خلق الخلق منهم كافر ومنهم مؤمن، وهذه إرادة لله عز وجل الكونية القدرية، وهذه الإرادة يستحيل أن يخالف فيها أحد من خلق الله عز وجل.
النوع الثاني من الإرادات التي هي الطلب، أي: أن الله عز وجل يطلب من عباده فيريد الله عز وجل من عباده أن يعبدوه، ومع ذلك جعل لهم إرادة وجعل لهم اختياراً وكسباً.
إذاً: هنا الإرادة الكونية القدرية ليس للعبد اختيار فيها، لكن الإرادة الشرعية يجعل للعبد اختياراً فيها يفعل أو لا يفعل فيستشعر العبد أنه مريد وأنه مختار، وأنه قادر على الفعل وعلى الترك، وهنا محل التكليف، ويوم القيامة حين يسأله: لم فعلت كذا؟ لن يقول: يا رب أنت كتبت علي هذا، ولكن العبد يوم القيامة يسأل عن فعله، فيقول: (غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ) (المؤمنون/106) ، يقول العلماء: الإرادة الكونية القدرية تجتمع في المؤمنين والكافرين، من إرادة خلق، وإرادة رزق، وإرادة نفع، وإرادة ضر، وإرادة أن يكون هذا في كذا وهذا في كذا، أما الإرادة الشرعية هي التي تنبني على ما يحبه الله سبحانه وتعالى ويكون في أوامره الشرعية التكليفية، افعل أو لا تفعل وفي الإرادة الكونية القدرية فإن العبد لا يقدر أن يهرب منها أبداً، ولا يعجز الله عز وجل، والإرادة الشرعية جعل الله للعبد الاختيار فيها ويحاسبه على مقتضى اختياره يوم القيامة، إذاً العبد مكلف وإن كان (وما تشاءون إلا أن يشاء الله) (الانسان/30) ، والعبد حين يفعل الفعل يستشعر في نفسه أنه مريد، وأنه مكتسب لهذا الشيء، ويستشعر أنه ليس هناك أحد يجبره، صحيح أننا لن نخرج عن مشيئة الله وقضائه وقدره، لكن هذا مع ذلك نستشعر في أنفسنا كمال الإرادة، أنا أريد أن أفعل أن أتصدق، والإنسان النائم يسمع الأذان ويقول: أصلي أو لا أصلي؟ اختياره فهو مريد لذلك ولم يخرج عن علم الله سبحانه وعن قضائه وقدره، ولكن الله عز وجل يعطيه في نفسه ما يشعره بالاختيار، وفي ذلك يحاسبه الله سبحانه وتعالى ). و( الإرادة الكونية تتفق مع المشيئة، والمشيئة لا تنقسم، بل هي واحدة، وهي مشيئة عامة لا يخرج عنها شيء، والإرادة الكونية تتفق معها وهي مرادفة لها، فمشيئته جل وعلا عامة كقدرته، فلا يمكن أن يوجد شيء لا يشاؤه الله، ولا يعدم شيء يشاؤه الله. فمشيئته جل وعلا تتعلق بالموجودات وبالمعدومات يعني: بالشيء الموجود والشيء الذي لا يوجد ، إذ لو أراد وجود المعدوم لوجد، ولكنه لم يرد ذلك فصار معدوماً.) ٳھ 
الفرق بين الارادة الكونية والارادة الشرعية :
ويمكن حصر الفروق بين الإرادة الكونية وما يتعلق بها من الأمر والحكمة، وبين الإرادة الشرعية وما يتعلق بها من الأمر والحكمة فيما يلي:
1/ الإرادة الكونية قد يحبها الله ويرضاها، وقد لا يحبها ولا يرضاها.
أما الشرعية فيحبها الله ويرضاها؛ فالكونية مرادفة للمشيئة، والشرعية مرادفة للمحبة.
2/ الإرادة الكونية قد تكون مقصودة لغيرها كخلق إبليس مثلاً، وسائر الشرور؛ لتحصل بسببها محابّ كثيرة، كالتوبة، والمجاهدة، والاستغفار.
أما الشرعية فمقصودة لذاتها؛ فالله أراد الطاعة وأحبها، وشرعها، ورضيها لذاتها.
3/ الإرادة الكونية لابد من وقوعها؛ فالله إذا شاء شيئاً وقع ولابد، كإحياء أحد أو إماتته، أو غير ذلك.
أما الشرعية كالإسلام - مثلاً - فلا يلزم وقوعها، فقد تقع وقد لا تقع، ولو كان لابد من وقوعها لأصبح الناس كلهم مسلمين.
4/  الإرادة الكونية متعلقة بربوبية الله وخلقه، أما الشرعية فمتعلقة بألوهيته وشرعه.  
5/  الإرادتان تجتمعان في حق المطيع، فالذي أدى الصلاة - مثلاً - جمع بينهما؛ وذلك لأن الصلاة محبوبة لله، وقد أمر بها، ورضيها، وأحبها، فهي شرعية من هذا الوجه، وكونها وقعت دلَّ على أنَّ الله أرادها كوناً؛ فهي كونية من هذا الوجه؛ فمن هنا اجتمعت الإرادتان في حق المطيع.
وتنفرد الكونية في مثل كفر الكافر، ومعصية العاصي، فكونها وقعت فهذا يدلُّ على أن الله شاءها؛ لأنه لا يقع شيء إلا بمشيئته، وكونها غير محبوبة ولا مرضية لله دليل على أنها كونية لا شرعية.
وتنفرد الشرعية في مثل إيمان الكافر، وطاعة العاصي، فكونها محبوبة لله فهي شرعية، وكونها لم تقع - مع أمر الله بها ومحبته لها - هذا دليل على أنها شرعية فحسب؛ إذ هي مرادة محبوبة لم تقع.
6/  الإرادة الكونية أعمّ من جهة تعلّقها بما لا يحبه الله ولا يرضاه، من الكفر والمعاصي، وأخص من جهة أنها لا تتعلق بمثل إيمان الكافر، وطاعة الفاسق.
والإرادة الشرعية أعم من جهة تعلقها بكل مأمور به، واقعاً كان أو غير واقع، وأخص من جهة أن الواقع بالإرادة الكونية قد يكون غير مأمور به.
هذه فوارق بين الإرادتين ، فمن عرف الفرق بينهما سلم من شُبهات كثيرة، زلَّت بها أقدام، وضلَّت بها أفهام، فمن نظر إلى الأعمال الصادرة عن العباد بهاتين العينين كان بصيراً، ومن نظر إلى الشرع دون القدر أو العكس كان أعور. ٳھ 
نماذج لأمور شرعية وكونية:
 ( كما أن الإرادة منها ما هو كوني قدري، ومنها ما هو شرعي ديني، فكذلك الكتابة، والأمر، والإذن، والجعل، والكلمات، والبعث، والإرسال، والتحريم، والإيتاء، والكره، ونحوها، كل هذه الأمور منها ما هو شرعي ومنه ما هو كوني.
فمن أمثلة الكتابة الكونية قوله تعالى : ( كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) (المجادلة/21) ، ومن أمثلة الكتابة الشرعية قوله: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ) (البقرة/183) .
والأمر الكوني قوله: (وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) (القمر/50)، والشرعي قوله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ) (النحل/90).
والإذن الكوني قوله: (وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ)(البقرة/102)، والشرعي قوله: (آاللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ) ( يونس/59) وقوله: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) (الشورى /21).
والجعل الكوني قوله: (كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) ( الأنعام/125)، والشرعي: (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ) (المائدة/103)، أما قوله: (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ) (المائدة/97) ، فهذا يتناول الأمرين، فإن الله جعلها كذلك بقدره وبشرعه. وكذلك الكلمات منها ما هو كوني كقوله: (كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (يونس /33)، ومنها الشرعي كقوله: (حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ) (التوبة/6)، واجتمع النوعان في قوله تعالى: (وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا) ( التحريم/12).
وكذلك البعث منه الكوني كقوله: (بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا)(الإسراء/5)، والشرعي كقوله: (فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ) (البقرة /213)، وقوله: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ) (الجمعة/2).
وكذلك الإرسال منه الكوني كقوله: (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ) (الأعراف/57)، ومنه الديني كقوله: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى) (الصف/9).
والتحريم الكوني كقوله: (وحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ) (القصص/12)، والشرعي: (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً) ( المائدة/96).
والإيتاء الكوني كقوله: (وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ) (البقرة/)247، والديني كقوله: (خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ) (البقرة:/93)، وقوله: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ) (البقرة/269)، يشمل النوعين؛ فإنه يؤتيهما أمراً وديناً وتوفيقاً وإلهاماً.
والكره كذلك منه ما هو كوني كما في قوله تعالى : (وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ) (التوبة/46)، ومنه ما هو شرعي كما في قوله تعالى : (كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً) ( الإسراء/38).
والفروق بين هذه الأمور من جهة أن منها ما هو شرعي ديني، ومنها ما هو كوني قدري ، كالفروق بين الإرادتين الكونية القدرية، والشرعية الدينية . )  
وسئل شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله :
(عن تفصيل الإرادة والإذن والكتاب والحكم والقضاء والتحريم وغير ذلك ؛ مما هو ديني موافق لمحبة الله ورضاه وأمره الشرعي ؛ وما هو كوني موافق لمشيئته الكونية
فأجاب:الحمد لله، هذه الأمور المذكورة وهي الإرادة والإذن والكتاب والحكم والقضاء والتحريم وغيرها كالأمر والبعث والإرسال ينقسم في كتاب الله إلى نوعين:
أحدهما : ما يتعلق بالأمور الدينية التي يحبها الله تعالى ويرضاها ويثيب أصحابها ويدخلهم الجنة وينصرهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، وينصر بها العباد من أوليائه المتقين وحزبه المفلحين وعباده الصالحين.
والثاني : ما يتعلق بالحوادث الكونية التي قدرها الله وقضاها مما يشترك فيها المؤمن والكافر ، والبر والفاجر ، وأهل الجنة وأهل النار ، وأولياء الله وأعداؤه ، وأهل طاعته الذين يحبهم ويحبونه ويصلي عليهم هو وملائكته ، وأهل معصيته الذين يبغضهم ويمقتهم ويلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون.
فمن نظر إليها من هذا الوجه شهد الحقيقة الكونية الوجودية فرأى الأشياء كلها مخلوقة لله مدبرة بمشيئته مقهورة بحكمته فما شاء الله كان وإن لم يشأ الناس ، وما لم يشأ لم يكن وإن شاء الناس ، لا معقب لحكمه ولا راد لأمره ورأى أنه سبحانه رب كل شيء ومليكه له الخلق والأمر : وكل ما سواه مربوب له مدبر مقهور لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا ، بل هو عبد فقير إلى الله تعالى من جميع الجهات ، والله غني عنه كما أنه الغني عن جميع المخلوقات). 
يتبع إن شاء الله...


سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر Empty
مُساهمةموضوع: رد: سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر   سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر Emptyالأربعاء 18 ديسمبر 2013, 10:39 pm

قوله سبحانه وتعالى: {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ ۞ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ}
الإرادة الكونية ( المشيئة ) متعلقة بربوبية الله تعالى وخلقه، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وما شاءهُ سبحانه فهو قادر عليه، فإذا شاء شيئاً حصل مراداً له - وهو مقدور عليه - فيلزم وجوده.
وما لم يشأ لم يكن، فإنه لم يرده - وإن كان قادراً عليه - لم يحصل المقتضى التام لوجوده فلا يجوز وجوده.
ويستدل أهل السنة على هذا بقوله سبحانه وتعالى: ( ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ ۞ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ ) (البروج /15و16)، وأن هذه الآية تدل على أمور:
1 - أنه تعالى يفعل بإرادته ومشيئته.
2 - أنه لم يزل كذلك، فقد ساق الله ذلك في معرض الثناء، وعدم فعله لما يريد في وقت من الأوقات نقص من ذلك الكمال وقد قال عزّ وجل : ( أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ) (النحل/17).
3 - أنه إذا أراد أي شيء فإنه يفعله؛ لأن (ما) موصولة عامة أي: يفعل كل ما يريد أن يفعله.
4 - أن فعله وإرادته متلازمان، فما أراد أن يفعله فعله، وما فعله فقد أراده، بخلاف المخلوق فإنه يريد ما لا يفعل، وقد يفعل ما لا يريد، فما ثم فعال لما يريد إلا الله وحده.
5 - إثبات إرادات متعددة بحسب الأفعال، وأن كل فعل له إرادة تخصه، فشأنه سبحانه أنه يريد على الدوام، ويفعل ما يريد.
6 - أن كل ما صح أن تتعلق به إرادته، جاز أن يفعله، فإذا أراد أن ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا، وأن يجيء يوم القيامة لفصل القضاء، وأن يري عباده المؤمنين نفسه لم يمتنع عليه فعله فهو الفعال لما يريد، وإنما تتوقف صحة ذلك على إخبار الصادق به. 
المبحث السابع: مسألة خلق أفعال العباد
قال شيخ الاسلام ابن تيمية في الواسطية : (والعباد فاعلون حقيقة ، والله خالق أفعالهم ، والعبد هو : المؤمن والكافر ، والبر والفاجر ، والمصلي والصائم. وللعباد قدرة على أعمالهم ، وإرادة ، والله خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم.كَمَا قَالَ تَعَالَى: (لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ ۞ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (التكوير/ 28 – 29).  
(بيان هذا أن جمهور أهل السنة والجماعة علىأن أفعال الإنسان الاختيارية مستندة إليه، وأنه فاعل لها، ومحدث لها، والعبد فاعل لفعله حقيقة لا مجازاً، هذا قول السلف والأئمة. وهو الحق الذي دل عليه المنقول والمعقول، فإن الله، ورسوله وصف العبد بأنه يعمل، ويفعل، وقد جاءت النصوص بإثبات فعله في عامة آيات القرآن: (يعملون)، (يفعلون)، (يؤمنون)، (يكفرون)، (يتفكرون)، (يحافظون)، (يتقون) , ولم يكن من السلف والأئمة من يقول: إن العبد ليس بفاعل، ولا مختار، ولا مريد، ولا قادر، ولا قال أحد منهم: إنه فاعل مجازاً، بل من تكلم منهم بلفظ الحقيقة، والمجاز متفقون على أن العبد فاعل حقيقة.
ومما اتفق عليه سلف الأمة، وأئمتها أن العباد لهم مشيئة، وقدرة يفعلون بمشيئتهم، وقدرتهم ما أقدرهم الله عليه ، كما قال الله تعالى: (كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ ۞ فَمَن شَاء ذَكَرَهُ ۞ وَمَا يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ) (المدثر/54 – 56) ، وقال تعالى: (إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً) (المزمل/19) ، (وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيماً) (الإنسان/30).
ومما اتفق عليه سلف الأمة، وأئمتها أن الله خالق كل شيء من أفعال العباد، فالعبد مخلوق لله تعالى، والله تعالى خالق ذاته، وصفاته، وأفعاله. والقرآن مملوء بما يدل على أن أفعال العباد حادثة بمشيئته وقدرته، وخلقه، فإن في القرآن من ذكر تفصيل أفعال العباد التي بقلوبهم، وجوارحهم، وأنه هو تبارك وتعالى يحدث من ذلك ما يطول وصفه كقوله تعالى: (فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ) (الأعراف/30).
كما قال  تعالى: (لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ ۞ وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (التكوير/28-29].
وبيان ذلك أن الله تعالى قال: (لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ) (التكوير/28] فأثبت للعبد مشيئة وفعلاً، ثم قال: (وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (التكوير/29) فبين أن مشيئة العبد متعلقة بمشيئة الله.
وهذا صريح قول أهل السنة في إثبات مشيئة العبد، وأنها لا تكون إلا بمشيئة الرب، وأن العبد له قدرة، وإرادة، وفعل، وهو فاعل حقيقة، والله خالق ذلك كله كما هو خالق كل شيء). 
وخلاصة القول أن :
- أفعال العباد مخلوقة لله عز وجل على الحقيقة.
- وهي فعل للعباد على الحقيقة.
- ( أن العبد له اختيار ومشيئة، يفعل باختياره، ولكنه لا يخرج عن قضاء الله وقدره، فأفعاله خلق الله، وهي فعله وكسبه، فهو الذي يفعل المعاصي ويفعل الطاعات، ولكن الله هو المقدر، فلذلك يعاقب على جرائمه، ويثاب على طاعته، ولو كان يفعل هذا بغير اختياره ما حصل على الثواب ولا العقاب، فالمجنون والصغير لا يؤاخذان، وكذلك المكره الذي ليس له اختيار لا يؤاخذ.)   
- وأن العباد قادرون على أفعالهم بقدرة حقيقة مؤثرة في وقع الفعل منهم ، والله هو الذي أقدرهم على ذلك.
المبحث الثامن الإيمان بالقدر ومشيئة العبد واختياره
الإيمان بالقدر لا ينافي أن يكون للعبد مشيئة في أفعاله الاختيارية، وأن يكون له قدرة عليها، فقد دل على ذلك الشرع والواقع.
أما الشرع: فالأدلة على ذلك كثيرة جداً ومنها قولهتعالى : ( فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا ) (النبأ/39) ،
وقوله: ( فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) (البقرة/223)، وقوله: ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ) (البقرة/286) ،
وقوله: ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ) (آل عمران/133) ، وقوله: ( فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ) (الكهف /29).
أما الواقع: فكل إنسان يعلم أن له مشيئةً، وقدرةً يفعل بهما ويترك، ويفرق بين ما يقع بإرادته، كالمشي، وما يقع بغير إرادته كالارتعاش.
لكنَّ مشيئته، وقدرته واقعتان بمشيئة الله وقدرته، لقولهتعالى : ( لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ، وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (التكوير/28و29).
وتوضيح ذلك كما قال العلامة ابن سعدي رحمه الله تعالى : ( أن العبد إذا صلى، وصام، وعمل الخير، أو عمل شيئاً من المعاصيكان هو الفاعل لذلك العمل الصالح، والعمل السيِّئ ، وفعله المذكور - بلا ريب -واقع باختياره، وهو يحس - ضرورة -أنه غير مجبور على الفعل أو الترك، وأنه لو شاء لم يفعل ، وكما أن هذا هو الواقع، فهو الذي نص الله عليه في كتابه، ونص عليه رسوله صلى الله عليه وسلم حيث أضاف الأعمال صالحها، وسيَّئها إلى العباد، وأخبر أنهم هم الفاعلون لها، وأنهم محمودون عليها إذا كانت صالحة، ومثابون عليها، ومذمومون إذا كانت سيئة، ومعاقبون عليها.
فقد تبين بهذا واتضح أنها واقعة منهم وباختيارهم، وأنهم إن شاءوا فعلوا، وإن شاءوا تركوا، وأن هذا الأمر ثابت عقلاً وحساً، وشرعاً، ومشاهدة.
ومع ذلك إذا أردت أن تعرف أنها- وإن كانت كذلك- واقعة منهم، كيف تكون داخلة في القدر؟ وكيف تشملها المشيئة؟ فيقال:بأي شيء وقعت هذه الأعمال الصادرة من العباد خيرهاُ وشرُها؟ فيقال: بقدرتهم، وإرادتهم.
والذي خلق ما تقوم به الأفعال هو الذي خلق الأفعال؛ فهذا الذي يحل الإشكال، ويتمكن العبد أن يعقل بقلبه اجتماع القدر، والقضاء، والاختيار.
ومع ذلك فهوتعالى أمد المؤمنين بأسباب، وألطاف، وإعانات متنوعة، وصرف عنهم الموانع، كما قال صلى الله عليه وسلم : ( وأما من كان من أهل السعادة فسييسر لعمل أهل السعادة ). 
وكذلك خذل الفاسقين، ووكلهم إلى أنفسهم؛ لأنهم لم يؤمنوا به، ولم يتوكلوا عليه، فولاَّهم ما تولوه لأنفسهم ). 
وقال الشيخ الفوزان : ( أفعال العباد هي فعلهم بإرادتهم ومشيئتهم، وهي خلق الله عز وجل (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)(الصافات/96) ، (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ)(الزمر/62) ، (هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) (فاطر/3) فالله منفرد بالخلق والتقدير، والعبد له مشيئته وإرادته، وله فعل، فهو باختياره يذهب إلى المسجد، وباختياره يذهب إلى المسارح؛ لأن عنده قدرة، والإنسان الذي لم يعطه الله قدرة ولا استطاعة فهذا قد عذره الله، مثل المجنون والمكره، فليس عنده إرادة، وليس عنده قصد، أما من عنده إرادة وقصد، فهذا الذي يختار الفعل لنفسه، والعقاب والثواب يقع على فعله، وليس على فعل الله عز وجل.
قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا)(البقرة/62)(النساء/59) ، (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) (آل عمران/116) أسند الإيمان إليهم، وكذلك أسند الكفر (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)(النساء/59) (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)(النور/52) أسند الأفعال إلى العباد. والدليل على أن العبد له إرادة وقصد قوله تعالى: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) (الإنسان/30)، فأثبت الله سبحانه له مشيئة وللعبد مشيئة، وجعل مشيئة العبد تحت مشيئته سبحانه). 
المبحث التاسع الكسب والاستطاعة
الكسب
لفظ الكَسْبْ جاء في القرآن في ذِكْرِ ما للمكلف وما عليه، فقال سبحانه وتعالى : (ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) (البقرة/281) ، (آل عمران/161). وقال عز وجل : (وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) (البقرة /225) ونحو ذلك من الآيات.
وفي السنة النبوية ، قوله صلى الله عليه وآله وسلم :
( أطيب الكسب عمل الرجل بيده و كل بيع مبرور ). 
( خير الكسب كسب يد العامل إذا نصح ).  
( شر الكسب مهر البغي و ثمن الكلب و كسب الحجام ).  
(الْيَمِينُ الكاذبة مَنْفَقَةٌ لِلسِّلْعَةِ مَمْحَقَةٌ لِلْكَسْبِ).  
ومذهب أهل السنة والجماعة في الكسب : (إنَّ الكَسْبَ هو العمل وهو الفعل ، والله سبحانه وتعالى قال : ( لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ) (البقرة/286) ، وفَرَّقَ ما بين الكَسْبْ والاكتساب مع أنَّ كثيراً من أهل العلم يجعلون الكَسْبَ والاكتساب بمعنى واحد؛ لكن في الآية قال : (لَهَا مَا كَسَبَتْ ) يعني في الخير، ( وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ) فجعل الاكتساب فيه زيادة في المَبْنَى؛ لأنّ فيه نوع كُلْفَة، فالخير موافق للفطرة فَيَكْسَبُهُ الإنسان لموافقته لفطرته مع أنَّه تكليف، وأمّا الشر والرَّدَى والضلال فإنه مخالف لفطرته.
لذلك إتيان المحرمات وإتيان الموبقات ونحو ذلك على ما في الإنسان ربما من الشهوة لبعض ذلك لكن يحتاج معه إلى أن يُعْمِلَ نفسه، يعني أن يُتْعِبَ نفسه ويخالف فطرته في أن يأتي تلك الموبقات.
لذلك زاد المبنى ليدل على أنها فيها نوع كَلَفَة ومشقّة في ما يعمله المرء من الشر، قال ( لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ) (البقرة/286) ، يعني من الشر.
فجعل أهل السنة الكسب بمعنى العمل.)  
الوسائل المشروعة للكسب
(والطريق الصحيح لمعرفة مشروعية الوسائل الكونية والشرعية هو الرجوع إلى الكتاب والسنة، والتثبت مما ورد فيهما عنها، والنظر في دلالات نصوصهما، وليس هناك طريق آخر لذلك البتة.
فهناك شرطان لجواز استعمال سبب كوني ما، الأول أن يكون مباحاً في الشرع، والثاني أن يكون قد ثبت تحقيقه للمطلوب، أو غلب ذلك على الظن.
وأما الوسيلة الشرعية فلا يشترط فيها إلا ثبوتها في الشرع ليس غير. )
(وكثيراً ما يخلط الناس في هذه الأمور، فيظنون أنه بمجرد ثبوت النفع بوسيلة ما تكون هذه الوسيلة جائزة ومشروعة )
(فمن الوسائل الكونية المشروعة للكسب والحصول على الرزق اتخاذ البيع والشراء والتجارة والزراعة والإجارة، ومن الوسائل الكونية المحرمة الإقراض بالربا وبيع العينة والاحتكار والغش والسرقة، والميسر وبيع الخمور والتماثيل، ومن أدلة ذلك قوله تعالى: ( وأحل الله البيع وحرم الربا ) (البقرة/275).
فكل من البيع والربا سبب كوني لكسب الرزق، ولكن الله تعالى أحل الأول، وحرم الثاني. ) 
الاستطاعة
( الاستطاعة هي القدرة من الإنسان، وهي على قسمين:
الأول: استطاعة يتعلق بها التكليف والأمر والنهي.
الثاني: استطاعة يستطيع بها الإنسان الفعل والتنفيذ.
القسم الأول: الاستطاعة التي يتعلق بها التكليف، معناها: الوسع، أن يكون عند الإنسان وسع، أن يفعل أو لا يفعل، عنده إمكانية وتمكن، فالتكليف يتعلق بهذه الاستطاعة، فالإنسان الذي ليس عنده تمكن واستطاعة لا يكلف، كالمجنون والصغير، فلا يكلف فلا يُؤمر ولا يُنهى، ولكن الصغير إن بلغ سبع سنوات فإن عنده استطاعة فيُؤمر بالصلاة من باب الاستحباب والتربية، والتدريب على فعل العبادة، فلا تجب عليه إلا إذا بلغ فيكلف، وهذا النوع يكون قبل الفعل.
القسم الثاني: الاستطاعة التي يكون فيها التنفيذ، وإيجاد الشيء، فهذه تكون مع الفعل فالحج مثلاً فيه الاستطاعتان، قال تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا....)(آل عمران/97) فهذه استطاعة تمكن، فيجب الحج على من يستطيع، والسبيل هو الزاد والراحلة، فيجب عليه الحج إذا وجدهما؛ لأن عنده تمكناً، هذه استطاعة قبل الفعل، أما الاستطاعة مع الفعل - وهو مباشرة الحج -  فقد لا يكون عنده قدرة مثل المريض المزمن أو الكبير الهرم، فهذا لا يستطيع استطاعة تنفيذ وفعل، ويستطيع استطاعة تكليف، فهذا يجب عليه الحج في ذمته.)ٳھ 
المبحث العاشر الهداية
( اتفقت رسل الله من أولهم إلى آخرهم ، وكتبه المنزلة عليهم على أنه سبحانه يضل من يشاء ويهدي من يشاء وأنه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأن الهدى والإضلال بيده لا بيد العبد ، وأن العبد هو الضال أو المهتدي ، فالهداية والإضلال فعله سبحانه وقدره ، والاهتداء والضلال فعل العبد وكسبه ). 
الهدى في القرآن الكريم 
(الله سبحانه وتعالى يهدي من يشاء ، ويضل من يشاء ، فيهدي من يشاء هداية شرعية دينية ، ويضل من يشاء ضلالاً قدرياً كونيناً ، كما جاء في القرآن الكريم : (يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)(النحل/93) ، أي: أراد الهداية والضلال إرادة عامة كونية قدرية ، وهو لا يريد الضلال ديناً وشرعاً ، وإنما يريد الهداية ديناً وشرعاً ؛ لأن الهدى متعلق بالإرادة الشرعية ، والضلال متعلق بالإرادة الكونية القدرية). 
أنواع الهداية
الهداية أربع أنواع (أربع مراتب):
1/ هداية عامة.
2/ هداية البيان والارشاد والدلالة.
3/ هداية التوفيق والالهام.
4/ هداية يوم المعاد الى طريق الجنة والنار
(الهداية لها أنواع كثيرة، منها هداية عامة للكون جميعاً،
وهي الهداية العامة، فقد خلق الله الكون وهداه إلى ما ينظم به حياته، قال الله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى ۞ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ۞ وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} (الأعلى/1– 3) ، وقال تعالى: (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) (طه/50).
والنوع الثاني من أنواع الهداية:
هداية البيان والإرشاد والدلالة، فقد أنزل الله عز وجل الكتب وأرسل الرسل لتبين للناس وترشدهم، قال تعالى: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى) (فصلت/17) ، أي: أما ثمود فبينا لهم وأرشدناهم ونصحناهم إلى طريق الهداية، وميزنا لهم بين الضلال والحق، ولكنهم تركوا الحق واختاروا الضلال.وهداية البيان والإرشاد ثابتة للرسول صلى الله عليه وسلم كما أنها ثابتة لله عز وجل، كما قال تعالى: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الشورى/52) ، أي: إنك لتبين وترشد إلى الصراط المستقيم وإلى طريق الصالحين.
النوع الثالث من أنواع الهداية:
هداية التوفيق، أي: توفيق العبد إلى طريق الهدى، فهذه الهداية متعلقة بإرادة الله عز وجل وحده، وليس لأحد فيها نصيب ولا حتى الأنبياء، فقال الله عز وجل: (يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) (النحل/93).
ومن هذه الهداية: تحبيب الإيمان وتزيينه في قلوب المؤمنين، وهذه الهداية منفية عن جميع الخلق حتى عن الرسول صلى الله عليه وسلم كما قلت، قال الله تعالى: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) (القصص/56).
وهداية التوفيق متعلقة بالله عز وجل دون أحد من خلقه، لا نبي مرسل ولا ملك مقرب.وقال الله تعالى: (إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ) (النحل/37) ، وهذا الكلام موجه إلى النبي عليه الصلاة والسلام، (إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ) (النحل/37) ، يعني: رغم حرصك يا محمد! صلى الله عليه وسلم على هداية هؤلاء فإن الله تعالى لا يهدي من كتب عليه الضلال، وعلم أنه سيختار الضلال في الأزل.
النوع الرابع من أنواع الهداية:
هداية المؤمنين إلى الجنة ، والكافرين إلى النار، قال الله تعالى عن المؤمنين بعد دخولهم الجنة: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا) (الأعراف/43).
فهذا إقرار واعتراف بأن الهادي إلى الجنة هو الله عز وجل، قال : (وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ) (الأعراف /43). 
(إذاً تَبَيَّنَ من هذا أنَّ التوفيق مرتبة من مراتب الهداية ، والذّي يتصل بالإيمان بالقضاء والقدر وفعل العبد من هذه المراتب المرتبتان الثانية والثالثة هداية الدلالة والإرشاد وهداية التوفيق والإلهام.
ولذلك شاع عند العلماء أن الهداية قسمان :
- هداية دلالة وإرشاد.
- وهداية توفيق وإلهام.
لأنَّ هذين النوعين هما اللذان نحتاج إليها في أعظم المسائل المتعلقة بالهداية وهي مسألة القضاء والقدر والهداية والضلال ، أما الهداية العامة ، وهداية أهل الجنة للجنة وهداية أهل النار للنار هذه مُتَفَقْ عليها معلومة عند الجميع. ).  
الهداية الشرعية والهداية الكونية
الهداية الشرعية :
هي هداية البيان والارشاد والدلالة ، وهي الأكثر في القرآن الكريم ، والله سبحانه وتعالى هدى كل النّاس المسلم والكافر الهداية الشرعية ، قال تعالى : (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) (البلد/10) ،وهذه الهداية تكون كذلك للأنبياء والصالحين والعلماء ، ومن ذلك قوله تعالى في حق رسوله صلى الله عليه وسلم : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الشورى/52) ، وقوله تعالى : (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ) (السجدة:24) ، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم بين الصراط المستقيم، ورغب فيه ، وبذل جهده في سلوك الخلق له ، وهو لا يقدر على هداية أحد ، ولو كان من أحب الناس إليه ، فإن هذا أمر غير مقدور للخلق.
أما الهداية الكونية :
فهي هداية التوفيق والالهام ، وهي خاصة بالله جل جلاله ، قال تعالى : (وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ) (هود/88). وليست لأحد غير الله تعالى ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستهدي ربه فيقول في دعائه: (اللهم إني أسألك الهدى والسداد)، فالذي يشرح الصدر ويوفق ويهدي هو الله سبحانه وتعالى ، ولذلك قال سبحانه مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (القصص/56) ، فالهداية الكونيةخاصة بالمؤمنين ، الذين صدَّقوا بالله تعالى اعتقادًا وقولا وعملا واستمسكوا بالنور الذي أُنزل إليهم ، فسيدخلهم الجنة رحمة منه وفضلا ويوفقهم إلى سلوك الطريق المستقيم المفضي إلى روضات الجنات ، قال تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا) (النساء /175) ، وقال تعالى : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ) (الفرقان /31) ، وقوله تعالى : (مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ) (الكهف/17) ، وقوله تعالى : (قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى) (البقرة/120) .
أما الكافرون إذا أصرُّوا على كفرهم وأصروا على طغيانهم بعد البيان وبعد الإرشاد ، فإن الله يحرمهم هداية القلوب ، عقوبة من الله سبحانه وتعالى ، فقد قال الله تعالى فيهم : ( كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) (آل عمران /86) ، وقال سبحانه : (مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) ( الأعراف /186) ، وقال تعالى : (والله لا يهدي القوم الظالمين) (البقرة/258) ؛ فلظلمهم لم يهدهم الله ، وقال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) (المائدة /67) ، (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (القصص/50) ، (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) (المنافقون/6) ، (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ) (الزمر/3) ، (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) (غافر/28) ، فالهداية المنفية هنا هي هداية التوفيق ، والإلهام الخاص ، والإعانة الخاصة ، وهي التي يسميها العلماء : هداية التوفيق.
أما قوله تعالى : (والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) : فالهداية هنا بمعنى الدلالة والتوفيق ؛ فهي شاملة للنوعين ؛ وقوله: ( يهدي من يشاء ) ، أي يهدي هداية التوفيق من يشاء ، واعلم أن كل فعل يضاف إلى مشيئة الله تعالى ؛ فهو مقرون بالحكمة ؛ أي : من اقتضت حكمته أن يهديه فإنه يهتدي ، ومن اقتضت حكمته أن يضله أضله ، وقوله : ( من يشاء ) يعني ممن يستحق الهداية ؛ لأن كل شيء علق بمشيئة الله فإنه تابع لحكمته ؛ فهو سبحانه وتعالى يهدي من يشاء إذا كان أهلاً للهداية ؛ وهو أعلم حيث يجعل هدايته. والله لا يمنع فضله عن أحد إلا إذا كان هذا الممنوع هو السبب. 
المبحث الحادي عشر الواجب على العبد في باب القدر
( الواجب على العبد في هذا الباب أن يُؤمن بقضاء الله، وقدره، وأن يُؤمن بشرع الله، وأمره، ونهيه، فعليه تصديق الخبر، وطاعة الأمر.
فإذا أحسن حَمِدَ الله، وإذا أساء استغفر الله، وعلم أن ذلك كله بقضاء الله وقدره؛ فإن آدمعليه السلام لما أذنب تاب، فاجتباه ربه وهداه، وإبليس أصرَّ واحتج فلعنه الله وأقصاه، فمن تاب كان آدمياً، ومن أصرَّ واحتج بالقدر صار إبليسياً، فالسعداء يتبعون أباهم، والأشقياء يتبعون عدوهم إبليس.
وبالمراعاة الصحيحة لقدر الله، وشرعه، يصير الإنسان عابداًحقيقةفيكون مع الذين أنعم الله عليهم من أنبياء، وصديقين، وشهداء، وصالحين، وكفى بهذه الصحبة غبطة وسعادة.
وبالجملة فعليه أن يؤمن بمراتب القدر الأربع السابقة، وأنه لا يقع شيء إلا وقد علمه الله، وكتبه، وشاءه، وخلقه، ويؤمنأيضاً بأن الله أمر بطاعته، ونهى عن معصيته، فيفعل الطاعة، ويترك المعصية، فإذا وفقه الله لفعل الطاعة وترك المعصية فليحمد الله، وليستمر على ذلك، وإن خُذِل ووُكل إلى نفسه فَفَعَل المعصية، وترك الطاعة فعليه أن يستغفر ويتوب.
ثم إن على العبد أيضاً أن يسعى في مصالحه الدنيوية، ويسلك الطرق الصحيحة الموصلة إليها، فيضرب في الأرض، ويمشي في مناكبها، فإن أتت الأمور على ما يريد حمد الله، وإن أتت على خلاف ما يريد تعزى بقدر الله، وعلم أن ذلك كله واقع بقدر اللهعز وجلوأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
وإذا علم العبد من حيث الجملة أن لله فيما خلق وما أمر به حكمة عظيمة كفاه هذا، ثم كلما ازداد علماً وإيماناً ظهر له من حكمة الله ورحمته ما يبهر عقله، ويبين له تصديق ما أخبر الله به في كتابه.
ولا يلزم كل أحد أن يعلم تفاصيل الحديث عن الإيمان بالقدر، بل يكفي هذا الإيمان المجمل، فأهل السنة والجماعة كما هو مقرر عندهم لا يوجبون على العاجز ما يجب على القادر.)  
المبحث الثاني عشر مجمل اعتقاد أهل السنة والجماعة في باب القدر
قال شيخ الاسلام ابن تيمية :
( مذهب أهل السنة والجماعة في هذا الباب وغيره ما دل عليه الكتاب والسنة، وكان عليه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، وهو أن الله خالق كل شيء، وربه، ومليكه، وقد دخل في ذلك جميع الأعيان القائمة بأنفسها، وصفاتها القائمة بها، من أفعال العباد،وغير أفعال العباد.
وأنه سبحانه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، فلا يكون في الوجود شيء إلا بمشيئته، وقدرته، لا يمتنع عليه شيء شاءه، بل هو قادر على كل شيء، ولا يشاء شيئاً إلا وهو قادر عليه، وأنه سبحانه يعلم ما كان، وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون.
وقد دخل في ذلك أفعال العباد، وغيرها، وقد قدر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلقهم؛ قدر آجالهم، وأرزاقهم، وأعمالهم، وكتب ذلك، وكتب ما يصيرون إليه من سعادة، وشقاوة، فهم يؤمنون بخلقه لكل شيء، وقدرته على كل شيء، ومشيئته لكل ما كان، وعلمه بالأشياء قبل أن تكون، وتقديره لها، وكتابته إياها قبل أن تكون ). 
( وسلف الأمة وأئمتها متفقون أيضاً على أن العباد مأمورون بما أمرهم الله به، منهيون عما نهاهم عنه، ومتفقون على الإيمان بوعده، ووعيده الذي نطق به الكتاب والسنة، ومتفقون على أنه لا حجة لأحد على الله في واجب تركه، ولا محرم فعله، بل لله الحجة البالغة على عباده ). 
( ومما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها مع إيمانهم بالقضاء والقدر، وأن الله خالق كل شيء، وأنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه يضل من يشاء، ويهدي من يشاء أن العباد لهم مشيئة وقدرة، يفعلون بمشيئتهم، وقدرتهم ما أقدرهم الله عليه، مع قولهم: إن العباد لا يشاؤون إلا أن يشاء الله، كما قال الله تعالى : ( كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ، فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ، وَمَا يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) (المدثر/54و56.). 
يتبع إن شاء الله...


سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر Empty
مُساهمةموضوع: رد: سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر   سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر Emptyالأربعاء 18 ديسمبر 2013, 10:56 pm

المبحث الثالث عشر الخوض في القضاء والقدر
إن البحث في مسائل القضاء والقدر من أجلِ تعلم ما يجب على المسلم اعتقاده ويصحح به إيمانه واجب ، قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم :
(أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت والقدر خيره وشره حلوه ومره).  
(أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وتؤمن بالجنة والنار والميزان وتؤمن بالبعث بعد الموت وتؤمن بالقدر خيره وشره). 
(لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره ، حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه). 
(لا يؤمن العبد حتى يؤمن بأربع: يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ويؤمن بالبعث بعد الموت ويؤمن بالقدر). 
ولا يتحقق هذا الإيمان الواجب إلا بعد العلم به ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .
وقال صلى الله عليه واله وسلم : (لا يزال أمر هذه الأمة موائما - أو مقاربا - ما لم يتكلموا في الولدان والقدر).  
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم والناس يتكلمون في القدر، قال : وكأنما تفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب ، قال : فقال لهم : (ما لكم تضربون كتاب الله بعضه ببعض ؟ بهذا هلك من كان قبلكم). 
(ونهيه صلى الله عليه وسلم ليس عن الكلام في القدر كعلم ، وكباب من أبواب الدين لا ينبغي الحديث عنه ، وإنما نهاهم عن الطريقة التي اتبعوها في ذلك ، وهي أن يضربوا كلام الله عز وجل بعضه ببعض ، ويتصوروا أن بعضه مخالف لبعض ، وهو ليس كذلك.)  
ويدخل في النهي الامور التالية :
(1 - الخوض بالقدر بالباطل وبلا علم وبلا دليل .
2 - الاعتماد في معرفة القدر على العقل البشري القاصر بعيداً عن هدي الكتاب والسنة ، وذلك أن العقل البشري لا يستقل بمعرفة ذلك على وجه التفصيل .
3 - عدم التسليم والإذعان لله تعالى في قدره ، وذلك لأن القدر غيب ، والغيب مبناه التسليم .
4 - البحث عن الجانب الخفي في القدر ، الذي هو سر الله في خلقه والذي لم يطَّلع عليه ملك مقرب ، ولا نبي مرسل ، وذلك مما تتقاصر العقول عن فهمه ومعرفته .
5 - الأسئلة الإعتراضية التي لا ينبغي أن يُسأل عنها ، كمن يقول متعنتاً : لماذا هدى الله فلاناً وأضل فلاناً ؟ ولماذا كلَّف الله الإنسان من بين المخلوقات ؟ ولماذا أغنى الله فلاناً ؟ وأفقر فلاناً ؟ وهكذا .....
أما من يسأل مستفهماً فلا بأس به ، فشفاء العي السؤال ، أما من سأل متعنتاً غير متفقه ولا متعلم فهو الذي لا يحل قليل سؤاله ولا كثيره....
6 - التنازع في القدر الذي يؤدي إلى اختلاف الناس فيه وافتراقهم في شأنه فهذا مما نهينا عنه.)  
الفصل الثاني
مسائل في القضاء والقدر
1/ انواع القدر :
القدر المُثبت والمعلق :
القدر قدران :
الاول : المُثبت أوالمطلق أو المُبرم أو القدر الازلي :
أي القدر المطابق للعلم الالهي ، وهو ما في أم الكتاب فهذا لا يتغير ولا يتبدَل ( لا محو فيه البته ), والتقدير الازلي والميثاقي منه ، فكلاهما لا يقبلان تغييرا ولا تبديلا. 
والثاني : القدر الْمُعَلَّقُ أو المقيَد :
وهو ما في كتب الملائكة فهذا الذي يقع فيه المحو والإثبات، والتقديرات العمرية والسنوية واليومية منه، وهي تقبل المحو والإثبات والتغيير. 
وهو معنى الحديث: ( لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر ). 
والحديث: ( الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل ).  
(والأظهر أن جميع أنواع القدر كلها موجودة في أم الكتاب، فما كان منها معلقاً على أسبابه وجد عند وجود السبب، وما كان غير معلق وقع في وقته لا يتقدم ولا يتأخر، والعبد مأمور بفعل الأسباب، وأداء الأوامر، وترك النواهي، وكل ميسر لما خلق له كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر القدر وسأله الصحابة رضي الله عنهم بقولهم: ففيم العمل؟ قال صلى الله عليه وسلم : (اعملوا فكلٌّ ميسر لما خُلق له) الحديث ، والله ولي التوفيق ) 
2/ تأويل قوله تعالى: ( يمحو الله ما يشاء ويثبت ) 
وبيان علاقة ذلك بالقضاء والقدر :
قال الشيخ الالباني :(اعلم أن المفسرين اختلفوا اختلافاً كثيراً في تفسير آيتي (الرعد): ( لكل أجل كتاب۞ يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) على أقوال كثيرة، استوعبها الشوكاني في الفتح، وذكر بعضها ابن جرير، ثم ابن كثير، واختار هذا ما هو أقرب للسياق؛ فقال: ( أي: لكل كتاب أجل، يعني: لكل كتاب أنزله الله من السماء مدة مضروبة عند الله، ومقدار معين، فلهذا: (يمحو الله ما يشاء): منها: (ويثبت)؛ يعني: حتى نسخت كلها بالقرآن الذي أنزله الله على رسوله صلوات الله وسلامه عليه ).
فالمحو والإثبات فيهما خاص بالأحكام في الكتب المتقدمة أو في الشريعة المحمدية، ينسخ منها ما يشاء، ويثبت ما يشاء.
وهو يلتقي مع ما رواه ابن جرير (16/ 485) وغيره بسند فيه ضعف عن ابن عباس: ( يمحو الله ما يشاء )، قال: من القرآن؛ يقول: يبدل الله ما يشاء فينسخه، ويثبت ما يشاء فلا يبدله. ( وعنده أم الكتاب ) ، يقول: وجملة ذلك عنده في أم الكتاب، الناسخ والمنسوخ،وما يبدل، كل ذلك في كتاب.
وقد وجدت ما يقويه من رواية عكرمة عن ابن عباس، من وجهين عن عكرمة:
الأول: رواه يزيد النحوي عنه ابن عباس؛ في قوله: ( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها )، وقال: ( وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل ... ) الآية، وقال: ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) ؛ فأول ما نسخ من القرآن القِبلة ... الحديث.
رواه النسائي أواخر الطلاق، وأبو داود مختصراً.
وإسناده حسن؛ كما هو مبين في الإرواء (7/ 161/ 2080). والآخر: رواه سليمان التيمي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ في قول الله عز وجل: ( يمحو الله ما يشاء )، قال: من أحد الكتابين؛ هما كتابان يمحو الله ما يشاء من أحدهما ويثبت ،( وعنده أم الكتاب ) ؛ أي: جملة الكتاب.
رواه ابن جرير (16/ 480،481)، والحاكم (2/ 349). وقال: صحيح غريب. ووافقه الذهبي.
قلت: وفي رواية لابن جرير (16/ 491) من طريق علي عن ابن عباس: ( وعنده أم الكتاب ) ، يقول: وجملة ذلك عنده في أم الكتاب؛ الناسخ والمنسوخ، وما يبدل وما يثبت، كل ذلك في كتاب.
وفي سنده انقطاع وضعف.
ثم اعلم أنه - وإن كان المحو والإثبات في الآية خاصاً بالأحكام الشرعية؛ كما تقدم -؛ فليس في الشرع ما ينفيهما في غيرها، بل إن ظواهر بعض النصوص تدل على خلاف ذلك؛ كمثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ( لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر ) ؛ وهو حديث حسن مخرج في الصحيحة(154). 
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( من أحب أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره (وفي بعض الطرق: في آجله)؛ فليصل رحمه ) متفق عليه، وهو مخرج في المصدر السابق برقم (276).
وقد صح عن ابن عباس أنه قال: لا ينفع الحذر من القدر، ولكن الله يمحو بالدعاء ما يشاء من القدر.
أخرجه الحاكم (2/ 350). 
وقال: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.
إذا عرفت ما تقدم؛ فاعلم أن المحو المذكور والزيادة في الرزق والعمر؛ إنما هو بالنسبة للقضاء أو القدر المعلق، وأما القضاء المبرم المطابق للعلم الإلهي؛ فلا محو ولا تغيير، كما كنت شرحت ذلك في تعليقي على مختصر مسلم للمنذري (ص 470)؛ فراجعه فإنه هام!.
ثم رأيت القرطبي قد أشار إلى ذلك في تفسيره الجامع، فقال (5/ 332): والعقيدة أنه لا تبديل لقضاء الله، وهذا المحو والإثبات مما سبق به القضاء، وقد تقدم أن من القضاء ما يكون واقعاً محتوماً - وهو الثابت -، ومنه ما يكون مصروفاً بأسباب - وهو الممحو - والله أعلم.
قال الغزنوي: وعندي أن ما في اللوح خرج عن الغيب؛ لإحاطة بعض الملائكة، فيحتمل التبديل؛ لأن إحاطة الخلق بجميع علم الله محال، وما في علمه من تقدير الأشياء لا يبدل.
وإذا عرفت هذا؛ سهل عليك فهم كثير من النصوص المرفوعة والآثار الموقوفة، وقد تقدم بعضها، وتخلصت من الوقوع في تأويلها. والله الهادي.
ثم وقفت على كلام جيد لشيخ الإسلام ابن تيمية، يؤيد ما ذهبت إليه في مجموع الفتاوى(8/516 - 518،540 ،541) و (14/ 488 - 492)، فراجعه؛ فإنه مهم.) ٳھ 
قلت : قال ابن كثير في تفسيره بعد أن ذكر اختلاف المفسرين في تفسير قوله تعالى : (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب)(الرعد/39) : (ومعنى هذه الأقوال: أن الأقدار ينسخ الله ما يشاء منها، ويثبت منها ما يشاء) ....... (وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : (يمحوا الله ما يشاء ويثبت) يقول : يبدل ما يشاء فينسخه ، ويثبت ما يشاء فلا يبدله ، (وعنده أم الكتاب) يقول : وجملة ذلك عنده في أم الكتاب ، الناسخ والمنسوخ ، وما يبدل وما يثبت ، كل ذلك في كتاب.وقال قتادة في قوله: (يمحوا الله ما يشاء ويثبت) كقوله : (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) (البقرة /106).). 
3/ صلة الرحم سبب في زيادة الرزق والعمر، وبيان أن ذلك لا ينافي قضاء الله وقدره :
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَقُولُ: ( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ أَوْ يُنْسَأَ في أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ). رواه الامام مسلم في صحيحه.
قال الشيخ الالباني : ( هذا الحديث نص في أن صلة الرحم سبب للزيادة في الرزق وطول العمر, ولا ينافيه أن الرزق والعمر مقدران, فإنهما مقدران بأسبابهما. 
ألا ترى أن دخول الجنة أو النار مقدر أيضاً, ومع ذلك فدخولهما مربوط بالسبب من الإيمان أو الكفر.
فكما أن قوله تعالى ( فريق في الجنة وفريق في السعير ) وقوله تعالى في الحديث القدسي (هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي, وهؤلاء إلى النار ولا أبالي) لا ينافي الأخذ بأسباب النجاة ودخول الجنة, بل ذلك أمر لا بد منه كما قال تعالى: ( ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون ) ، وقال صلى الله عليه وآله وسلم  في الحديث المعروف: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له, فمن كان من أهل السعادة فييسر لعمل أهل السعادة) الحديث. 
فكذلك أقول: من كان طويل العمر عند الله, فسييسر للأخذ بأسباب طول العمر, والعكس بالعكس, فإذاً ليس معنى كون صلة الرحم سبباً لطول العمر أن ذلك يغير ما سبق في علم الله من العمر المحدود, كما أن كون الإيمان سبباً لدخول الجنة ليس معناه أنه يغير مما سبق في علم الله من السعادة أو الشقاوة, بل الحقيقة أن الكل سبق في علم الله, من السبب والمسبب, فمن سبق في علمه تعالى أنه من أهل الجنة فقد سبق في علمه أنه يأخذ بسببه وهو الإيمان, ومن سبق في علمه تعالى أنه من أهل النار فقد سبق في علمه أيضاً أنه يأخذ بسببه وهو الكفر.
فكذلك نقول: من سبق في علمه تعالى أنه طويل العمر فقد سبق في علمه أنه يأخذ بالسبب وهو هنا صلة الرحم والعكس بالعكس. فإذا قلنا طال عمره حقيقة بصلته للرحم كما لو قلنا: دخل الجنة بإيمانه ولا فرق.
فتأمل هذا فإنه يريحك عن تكلف تأويل الحديث بما لا طائل تحته ولا مبرر له سوى البعد عن الفهم السليم لبحث القضاء والقدر, والتوفيق من الله عز وجل.) ٳھ 
وقال : ( هناك أسباباً شرعية لإطالة العمر؛ كقوله  صلى الله عليه وآله وسلم : (من أحب أن يبسط له في رزقهوأن ينسأ له في أثره (وفي رواية: أجله)؛ فليصل رحمه)؛ أخرجه الشيخان من حديث أنس، وله شواهد خرجت بعضها في صحيح أبي داود (1486). 
وكقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( حسن الخلق وحسن الجوار؛ يعمران الديار، ويزيدان في الأعمار ). أخرجه أحمد بسند صحيح ؛ كما تراه مبيناً في (الصحيحة/519). 
وقد يظن بعض الناس أن هذه الأحاديث تخالف الآية السابقة: ( ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها ... )، وغيرها من الآيات والأحاديث التي في معناها! والحقيقة؛ أنه لا مخالفة؛ لأن الأحاديث المذكورة آنفاً إنما تتحدث عن مبدأ الأخذ بالأسباب، ولا تتحدث عما سبق في علم الله الأزلي من الآجال المحددة؛ فإن علم الله تعالى لا يتغير ولا يتبدل؛ تماماً كما هو الشأن في الأعمال الصالحة والطالحة، والسعادة والشقاوة، فالآيات والأحاديث التي تأمر بالإيمان والعمل الصالح، وتنهى عن نقيضهما لا تكاد تحصى، وفي بعضها يقول الله تعالى: ( ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون ) ، وقد ذكر العلماء المحققون أن الباء في هذه الآية؛ إنما هي باء السببية، فذلك كله لا ينافي ما سبق في علم الله تعالى من السعادة والشقاوة، بل إنما هما أمران متلازمان: السعادة مع العمل الصالح، والشقاوة مع العمل الطالح. وهذا صريح في قوله صلى الله عليه وآله وسلم : (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة، فيدخلها). أخرجه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في (تخريج السنة) (175 - 176).
فانظر كيف أن نهاية الأمر كان مقروناً بالعمل دخول الجنة والنار. فكما أنه لا يقال: إن العمل ليس سبباً للدخول؛ فكذلك لا يقال: إن صلة الرحم وغيرها ليست سبباً لطول العمر بحجة أن العمر محدود؛ فإن الدخول أيضاً محدود: ( فريق في الجنة وفريق في السعير ).
وما أحسن وأجمل جواب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما حدث أصحابه بقوله: (ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة). فقالوا: أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟! فقال صلى الله عليه وآله وسلم : (اعملوا؛ فكل ميسر لما خلق له: أما من كان من أهل السعادة؛ فييسر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاوة؛ فييسر لعمل أهل الشقاوة). ثم قرأ: ( فأما من أعطى واتقى، وصدق بالحسنى، فسنيسره لليسرى ... ) إلى قوله: ( فسنيسره للعسرى ) ، أخرجه الشيخان.
وجملة القول:
أن الله تبارك وتعالى جعل لكل شيء سبباً، فالعمل الصالح سبب لدخول الجنة، والعمل السيئ لدخول النار، فكذلك جعل بعض الأخلاق الصالحة سبباً لطول العمر. فكما أنه لا منافاة بين العمل وما كتب لصاحبه عند ربه؛ فكذلك لا منافاة بين الأخلاق الصالحة وما كتب لصاحبها عند ربه، بل كل ميسر لما خلق له.
وأنت إذا تأملت هذا؛ نجوت من الاضطراب الذي خاض فيه كثير من العلماء؛ مما لا يكاد الباحث يخلص منه بنتيجة ظاهرة سوى قيل وقال، والأمر واضح على ما شرحنا والحمد لله، وإن شئت أن تقف على كلماتهم في ذلك؛ فراجع (روح المعاني) للعلامة الآلوسي (7/ 169 - 170). ) ٳھ 
4/ تأثير الدعاء في تغيير ما كتب للإنسان قبل خلقه :
( لا شك أن للدعاء تأثيرا في تغيير ما كتب، لكن هذا التغيير قد كتب أيضا بسبب الدعاء، فلا تظن أنك إذا دعوت الله فإنك تدعو بشيء غير مكتوب، بل الدعاء مكتوب، وما يحصل به مكتوب، ولهذا نجد القارئ يقرأ على المريض فيشفى، وقصة السرية  التي بعثها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنزلوا ضيوفا على قوم، ولكنهم لم يضيفوهم، وقدر أن لدغت حية سيدهم، فطلبوا من يقرأ عليه، فاشترط الصحابة أجرة على ذلك، فأعطوهم قطيعا من الغنم، فذهب أحدهم فقرأ عليه الفاتحة، فقام اللديغ، كأنما نشط من عقال، أي كأنه بعير فك عقاله، فقد أثرت القراءة في شفاء المريض.
فللدعاء تأثير، لكنه ليس تغييرا للقدر، بل هو مكتوب بسببه المكتوب، وكل شيء عند الله بقدر، وكذلك جميع الأسباب لها تأثير في مسبباتها بإذن الله، فالأسباب مكتوبة، والمسببات مكتوبة.) ٳھ 
وقد صح عن ابن عباس أنه قال: (لا ينفع الحذر من القدر، ولكن الله يمحو بالدعاء ما يشاء من القدر). 
5/ الرزق والزواج مكتوب في اللوح المحفوظ :
( أن الأرزاق والأعمال نوعان:-
1- نوع جرى به القلم وكتب في أم الكتاب فهذا لا يتغير ولا يتبدل .
2- نوع يزيد وينقص وهو ما في كتب الملائكة.
والآجل أجلان أجل مطلق يعلمه الله ، وأجل مقيد فإن الله يأمر الملك أن يكتب لعبده أجلا ، فإن وصل رحمه فيأمره بأن يزيد في أجله ورزقه ، والملك لا يعلم أيزاد في ذلك أم ينقص ، لكن الله يعلم ما يستقر عليه الأمر، فإذا جاء الأجل لم يتقدم ولم يتأخر ) و (على سبيل المثال : أن عمر فلان مائة عام والكتاب الذي بيد الملك مكتوب فيه أن عمره ستين سنه ، فإن وصل رحمه فهي مائة وإلا فلا فالنتيجة النهائية مسطورة في اللوح المحفوظ ، والزيادة والنقصان أمر يحدث في الكتاب الذي بيد الملك، كذلك الأمر في مسألة القدر والدعاء عندما يعتلجان  فيرد الدعاء القدر في هذه الحالة يكون مكتوبا في اللوح المحفوظ أن القدر سينزل ويرفعه الدعاء وكان ذلك في الكتاب مسطورا.) ٳھ و ( كل شيء منذ خلق الله القلم إلى يوم القيامة فإنه مكتوب في اللوح المحفوظ لأن اللهسبحانه وتعالى أول ما خلق القلم قال له: ( اكتب قال: ربي وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة  ) . 
وثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الجنين في بطن أمه إذا مضى عليه أربعة أشهر، بعث الله إليه ملكًا ينفخ فيه الروح ويكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد. 
والرزق أيضًا مكتوب مقدر بأسبابه لا يزيد ولا ينقص، فمن الأسباب أن يعمل الإنسان لطلب الرزق كما قال الله تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ )(الملك/15) ومن الأسباب أيضًا صلة الرحم من بر الوالدين،وصلة القرابات، فإن النبيصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ( من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه )   ومن الأسباب تقوى الله عز وجل كما قال تعالى : (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا۞ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)(الطلاق/2-3)، ولا تقل: إن الرزق مكتوب ومحدد ولن أفعل الأسباب التي توصل إليه فإن هذا من العجز: والكياسة والحزم أن تسعى لرزقك، ولما ينفعك في دينك ودنياك قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ) . وكما أن الرزق مكتوب مقدر بأسبابه فكذلك الزواج مكتوب مقدر، وقد كتب لكل من الزوجين أن يكون زوج الآخر بعينه، والله تعالى لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.) ٳھ 
و ( سئل شيخ الإسلام عن الرزق: هل يزيد أو ينقص ؟ وهل هو ما أكل أو ما ملكه العبد؟
فأجاب: الرزق نوعان:
أحدهما: ما علمه الله أنه يرزقه فهذا لا يتغير.
والثاني : ما كتبه وأعلم به الملائكة فهذا يزيد وينقص بحسب الأسباب فإن العبد يأمر الله الملائكة أن تكتب له رزقا وإن وصل رحمه زاده الله على ذلك كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من سره أن يبسط له في رزقه. وينسأ له في أثره فليصل رحمه ) . وكذلك عمر داود زاد ستين سنة فجعله الله مائة بعد أن كان أربعين . ومن هذا الباب قول عمر: اللهم إن كنت كتبتني شقيا فامحني واكتبني سعيدا فإنك تمحو ما تشاء وتثبت . ومن هذا الباب قوله تعالى عن نوح: ( أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ )( يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ) وشواهده كثيرة. والأسباب التي يحصل بها الرزق هي من جملة ما قدره الله وكتبه فإن كان قد تقدم بأنه يرزق العبد بسعيه واكتسابه ألهمه السعي والاكتساب وذلك الذي قدره له بالاكتساب لا يحصل بدون الاكتساب ، وما قدره له بغير اكتساب كموت موروثه يأتيه به بغير اكتساب ، والسعي سعيان: سعي فيما نصب للرزق؛ كالصناعة والزراعة والتجارة ، وسعي بالدعاء والتوكل والإحسان إلى الخلق ونحو ذلك؛ فإن الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه .
والرزق يراد به شيئان:
أحدهما ما ينتفع به العبد.
والثاني: ما يملكه العبد فهذا الثاني هو المذكور في قوله: ( وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ) (البقرة/3) وقوله: ( وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ ) (المنافقون/10) وهذا هو الحلال الذي ملكه الله إياه.
وأما الأول: فهو المذكور في قوله: ( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ) (هود/6) وقوله صلى الله عليه وسلم: ( إن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها ) ونحو ذلك. والعبد قد يأكل الحلال والحرام فهو رزق بهذا الاعتبار؛ لا بالاعتبار الثاني وما اكتسبه ولم ينتفع به هو رزق بالاعتبار الثاني دون الأول. فإن هذا في الحقيقة مال وارثه لا ماله والله أعلم ). 
إذا كان الله قد كتب الرزق لكل إنسان فلماذا يموت الناس من الجوع ؟
(إن الله هو الرزاق وهو خير الرازقين وما من دابة إلا على الله رزقها ، وإنّ رزق الله لا يجره حرص حريص ولا يرده كراهية كاره ، ومن حكمة الله تعالى أن فارق بين العباد في أرزاقهم كما فارق بينهم في خلقهم وأخلاقهم فهو تعالى يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر أن يوسع الرزق على قوم ويضيقه على آخرين فهو تعالى متكفل بأرزاق العباد على ما سبق به علم الله وكتابه وقد علم سبحانه وتعالى وكتب أن من العباد من يبسط له في رزقه ومنهم من يضيق عليه ولله في ذلك حكم بالغة لا تحيط به العقول ، ومن حكمته تعالى في البسط والتضييق ابتلاء العباد بالنعم والمصائب كما قال تعالى : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) (الانبياء/35)، وقال تعالى : (فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ۞ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ) (الانفطار/15و16)) ،ثم قال تعالى : ( كلا .....) (الانفطار/17) أي ليس الأمر كما يظن هذا الإنسان بل تنعيمه تعالى وتضييقه على من شاء ليس إلاّ ابتلاء لا إكراماً ولا إهانة ،وبهذا الابتلاء يتبين الشاكر والصابر من ضدهما والله بكل شيء عليم). 
علاقة القدر بالأسباب في قضية الرزق
وكقضية تطبيقية على علاقة القدر بالأسباب إليك تطبيقاً عقدياً على قضية الرزق، وذلك لأهمية هذه القضية، وحاجة المسلمين إلى تجليتها.
وبيان ذلك من خلال الحقائق الأربع التالية وهي:
الحقيقة الأولى: الرزق قدر من أقدار الله تعالى:
ضمنه لمخلوقاته، فلا بد أن يتحقق كما ضمنه الله تعالى وعلمه في الأزل، وكتبه في اللوح المحفوظ، وهو وعد محقق، ولا يجوز للمؤمن أن يشك فيه أو يقلق عليه ، قال تعالى: ( وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ)(هود/6) ، وثبت عنه عليه الصلاة والسلام قوله: ( إن أحدكم يجمع خَلْقُه في بطن أمه أربعين يوماً نُطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون نُطفة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح، ويَؤمر بأربع كلمات، بِكَتْب رزقه وأجله وعمله، وشقي أم سعيد ).  
وحقيقة الأمر أن النصوص الشرعية في بيان الرزق من حيث كونه قدراً من أقدار الله، وأن له موانع وأسباباً، وأنه مضمون ومحدود، وأنه يزيد وينقص، ما جاءت لتكون متعارضة، وإنما لتفهم المسلم أنه لا بد أن يفهم كل نص في السياق الذي جاء فيه، كي تصنع هذه النصوص نظاماً لإيمان العبد بالقدر فيوقن أن الرزق من الله فلا يردّه إلى غيره، ولا يطلبه ممن سواه، وليوقن أن هذا الرزق الذي قدر من هذه الأقدار محدود فلا يخاف عليه، ولا يقلق على تأخره فيطلبه بمعصية الله، وليعرف أن لهذا الرزق أسباباً مشروعة وموصِّلة إليه فيجدّ ويجتهد، ولا يتواكل ولا يتكاسل. فالأسباب قدرٌ مخلوق لله، كما نتائجها مقدورة لله سبحانه، إذ أن خالق الأسباب والمسببات واحد سبحانه، فلا بدّ للعبد من الإيمان به، وعبادته، والتوكل عليه.
الحقيقة الثانية: الأسباب الجالبة للرزق (أسباب الرزق)
ويمكن تصنيفها باختصار على النحو التالي :
 أولاً: الأسباب الشرعية وهي الأعمال التي كلف الله بها الإنسان على وجه الإيمان والطاعة:
1- الإيمان بالله تعالى سبب من أسباب الرزق لقوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) (الأعراف/96).
2و3- تقوى الله تعالى والتوكل عليه سبحانه سبب من أسباب الرزق لقوله تعالى: (...وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ۞ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) (الطلاق/2-3).
4- والعبادة من أسباب الرزق التي جاء ذكرها في القرآن والسنة النبوية. والعبادة هي فعل ما يحبه الله تعالى ويرضاه من الأقوال، والأعمال الظاهرة والباطنة، وقد أشار الله تعالى إلى ذلك بقوله: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ ۞ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ) (قريش/3).
وقال صلى الله عليه واله وسلم : (إن الله تعالى يقول: يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك وإن لا تفعل ملأت يديك شغلا ولم أسد فقرك). 
5- الطاعة عموماً سبب في الرزق ، ومن وجوه الطاعة المحددة في الرزق وزيادته إقامة شرع الله، والحكم بما أنزل، وتطبيق الحدود في الأرض قال تعالى:(وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (المائدة/66) ، ( في هذا السياق فهي تتضمن وعداً إلهياً آخر وهو أن اليهود والنصارى لو أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم ومن ذلك القرآن الكريم، ومعنى أقاموا ذلك آمنوا بالعقائد الصحيحة الواردة في تلك الكتب وعملوا بالشرائع السليمة والآداب الرفيعة والأخلاق الفاضلة التي تضمنتها تلك الكتب لو فعلوا ذلك لبسط الله تعالى عليهم الرزق وأسبغ عليهم النعم ولأصبحوا في خيرات وبركات تحوطهم من كل جانب هذا ما وعدهم الله به). 
ومن وجوه الطاعة التي تجلب الرزق وتزيده الإنفاق في سبيل الله في وجوه الخير الكثيرة المختلفة، وما أكثرها. فقد ورد في الصحيح من حديث رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أنه قال: ( ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلَفاً). 
6-وقد جعل الله التوبة والاستغفار من أسباب زيادة الرزق. يقول الله تعالى: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ) (هود/52) ، ويقول سبحانه : (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا۞يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا ۞ وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا) (نوح/10-12).
7-ومن أسباب زيادة الرزق صلة الرحم: ، فإن النبيصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ( من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه )  
8- ومن أسباب الرزق الهجرة في سبيل الله ، قال تعالى: (وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) (النساء/100).
9-كما جعل الله تعالى الدعاء سبباً للرزق ، فكما يؤمنالعباد أن الله تعالى هو خالقهم فهو رازقهم؛ ويلزم من هذا الاعتقاد أنهم إذا أرادوا الرزق ألاّ يطلبوه إلا منه وحده سبحانه، وهذا من مقتضيات عبوديتهم له سبحانه ، فقد كان من دعائه عليه الصلاة والسلام: ( لا يقولن أحدكم : اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت اللهم ارزقني إن شئت و ليعزم المسألة فإنه يفعل ما يشاء لا مكره له ).  
ثانياً: الأسباب الدنيوية في جلب الرزق:
وهي تلك الأمور والأعمال التي يقوم بها الناس بصفة عامة، كأمور الكسب والمعاش مما فيها تسيير أمور حياتهم وتسهيلها، بِغَض النظر عن كونهم مؤمنين أو غير مؤمنين، إذ يشترك فيها المؤمن والكافر، بينما الأسباب الشرعية لا تكون إلا من المؤمن، وهي ليست مصنفة من أمور الإيمانيات، أو العبادات بالمفهوم الاصطلاحي للشعائر. وليس المقصود بها أنها لا علاقة لها بالشرع وبإرادة الله؛ لأن مفهوم العبادة العام يشمل كل أفعال المؤمن شرعية ودنيوية، فالحكم الشرعي يتناول كل أفعال العباد ذلك أن الحكم الشرعي عند الأصوليين هو خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين اقتضاءً أو تخييراً أو وضعاً، ولذا فإن حكم كل فعل من هذه التي سميناها أسباباً دنيوية إما فرض أو مندوب أو حرام أو مكروه أو مباح.
وقد أشارت الآيات والأحاديث النبوية إلى الأخذ بالأسباب المادية في الأمور كلها، ومن ذلك قضية الرزق؛ فإنها تنال بالأخذ بالأسباب، من ذلك: قوله تعالى:(هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) (الملك/15)، و قوله تعالى: (أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ۞ أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) (الواقعة /63-64)، وقوله تعالى: (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ) (المزمل /20).
ومن السعي في الرزق إنشاء الاسواق التجارية وفتح الطرق وإستصلاح الاراضي للزراعة وغير ذلك من اعمال التجارة والصناعة والزراعة .
يتبع إن شاء الله...


سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر Empty
مُساهمةموضوع: رد: سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر   سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر Emptyالأربعاء 18 ديسمبر 2013, 11:23 pm

الحقيقة الثالثة: الأسباب المانعة للرزق
إذا كان للرزق أسباب جالبة فإن له أسباباً مانعة كذلك، وكل ذلك بقدر الله عز وجل. وهناك أسباب جعلها الله هي بذاتها مانعة من الرزق أو منقصة له.
ويمكن تصنيفها على النحو التالي:
أولا: الموانع الشرعية (الكفر والمعاصي)
1- الكفر وجحد النعمة:
وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في قوله تعالى: (لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) (إبراهيم/7)، وقوله تعالى: (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ) (النحل: 112).
2- الذنوب والمعاصي أسباب في منع الرزق:
قال تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْل ُالرِّبَا وَأَحَلّ َاللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ۞ يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَيُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍأَثِيمٍ) (البقرة /275 و276)، فمن عاد إلى الربا ففعله بعد بلوغه نهي الله عنه, فقد استوجب العقوبة, وقامت عليه الحجة , ولهذا قال سبحانه: (فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).
ثانيا: الموانع الدنيوية
إن كل تعطيل للأسباب المادية الدنيوية التي ذكرناها في الأسباب الجالبة للرزق يعدّ موانع دنيوية للرزق. 
وقد أشار الشرع إلى موانع دنيوية أخرى للرزق منها:
1 - الصَّبحة تمنع الرزق وهي نوم أول النهار أي ما بين الفجر وشروق الشمس، وذلك لأنها تعوّد الشخص على الكسل عن العمل بعدم السعي لكسب الرزق، فعن صخر بن وداعة الغامدي الصحابي رضي الله عنه أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم بارك لأمتي في بكورها) وكان إذا بعث سرية أو جيشا بعثهم من أول النهار وكان صخر تاجرًا فكان يبعث تجارته من أول النهار فأثرى وكثر ماله.  
2 -  العجز والكسل وهو من موانع الرزق فقد استعاذ النبي صلى الله عليه واله وسلم من العجز والكسل إشارة واضحة إلى الموانع التي تمنع من الوصول إلى ما يريده الإنسان من الخير ومنه الرزق، قال صلى الله عليه واله وسلم : (اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم والقسوة والغفلة والعيلة والذلة والمسكنة وأعوذ بك من الفقر والكفر والفسوق والشقاق والنفاق والسمعة والرياء وأعوذ بك من الصمم والبكم والجنون والجذام والبرص وسيء الأسقام). 
3 - التبطُّل والقعود عن العمل مانع من موانع الرزق.
4 - مخالفة السنن المادية للأشياء من موانع الرزق: ومما يدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه واله وسلم عندما استشاره الصحابة بتأبير النخل وأشار عليهم بعدم التأبير ، خلافاً لما يجب من الناحية المادية الزراعية كان ذلك سبباً لعدم حصول الثمر وامتناع الرزق في تلك السنة. فلما قدم نبي الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يؤبرون النخل - يقول يلقحون - قال: ( ما تصنعون؟) فقالوا: شيئا كانوا يصنعونه فقال : (لو لم تفعلوا كان خيرا) فتركوها فنفضت أو نقصت فذكروا ذلك له فقال صلى الله عليه وسلم: (إنما أنا بشر إذا حدثتكم بشيء من أمر دينكم فخذوا به وإذا حدثتكم بشيء من دنياكم فإنما أنا بشر).  
الحقيقة الرابعة: حقيقة رزق الكفار وأهل المعاصي
لا بد أن نعتقد أن الله سبحانه قد ضمن الرزق لكل مخلوقاته مؤمنهم وكافرهم؛ فعموم الأدلة الشرعية تدل على شمول رزق الله لكل مخلوقاته، من ذلك قوله تعالى: (وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) (الذاريات/22)، وقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) (الذاريات/58)، وقوله تعالى: (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا) (هود/6).  
علاقة القدر بالأسباب في قضية الزواج
علمت مما تقدم إن الواجب على العبد الإيمان بقضاء الله وقدره ، وأنه لا يقع في ملك الله تعالى إلا ما أراد الله سبحانه وتعالى ، وهذا ركنٌ من أركان الإيمان لا يتم إيمان المسلم إلا به ، حيث إن الله تعالى علم كل شيء قبل خلق السماوات والأرض ، وكتب ذلك في اللوح المحفوظ ، وهو قادرٌ على تنفيذ ذلك بإرادته ومشيئته سبحانه ، وهو خالق كل شيء.
فلا يمكن أن يحدث أي أمر حتى هبوب الريح وتساقط أوراق الشجر ، والصحة والمرض ، والغنى والفقر ، والحر والبرد ، كل ذلك لا يحدث إلا بعلم الله تعالى وإرادته ، قال الله تعالى : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) (القمر/49) ، فلا يخرج شيء عن قدر الله تعالى، ومن جملة ذلك ، أمر الزواج والإنجاب والسعادة والشقاء والسعي في تحصيل الزوج الصالح، وتوضيح ذلك، أن الله تعالى يقدر الأشياء على أسباب يقدرها أيضا، فقَدَّر الحصول على الزوج، وقَدَّر سببه وهو السعي في الطلب ، فالحصول على الزوج ، والسعي له من قَدَر الله تعالى.
فالزواج رزقٌ من الأرزاق التي قدَّرها الله سبحانه لا يتغير ولا يتبدل ، وأن الله كتب على كل امرأة حظها من الرجال ، وكذلك الرجال ، قبل أن يخلقهم ، ولكن هذا لا يتنافى مع الأخذ بالأسباب المباحة ، فإن الأخذ بالأسباب مأمور به شرعا ، فما علينا إلا أن نأخذ بالأسباب الظاهرة ، وندع النتائج بعد ذلك إلى الله جل جلاله. 
وعليه ، فالزواج إما قدراً مبرماً أوقدراً معلقاً ، فإذا كان في الصحف التي في أيدي الملائكة أن فلانا سيتزوج من فلانة فإن ذلك قد يكون :
- موافقا لما قدره الله في أزله ، وبالتالي فلن يتغير أبدا ، وسيتم الزواج.
- وقد لا يكون موافقا لما قدره الله في أزله ، وفي تلك الحالة فإنه سيتغير لا محالة حتى يوافق ما هو مقدر في الأزل ، فلا يتم الزواج.
وقد تقدم أن القدر المعلق يكون مقيدا بسبب (أي : مكتوب مقدر بأسبابه) ، والاخذ بالأسباب المشروعة - كما تقدم - مأمور به شرعا ، فالأسباب قدر مخلوق لله تعالى ، كذلك نتائجها مقدورة لله سبحانه وتعالى ، إذ أن خالق الأسباب والمسببات واحد سبحانه وتعالى .
ومن الأسباب المشروعة:
1/ الإيمان بالله تعالى:
 لقوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) (الأعراف/96).
2/ حسن الظن بالله جل جلاله:
 أن يحسن العبد الظن بالله جل جلاله ويتفاءل ؛ لأن الله يحب الفأل ، وأن يعلم العبد أن الله هو الرازق وحده سبحانه.. فلا ييأس من رحمة الله ، فالله تعالى يقول : ( إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِن رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف/87).
3/ التقوى :
قال تعالى : ( ... وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ۞ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ) (الطلاق /2و3) ، وعن مجاهد قال : كنت عند ابن عباس ، فجاء رجل فقال : إنه طلَّق امرأته ثلاثاً؟ قال : فسكت حتى ظننت أنه رادُّها إليه ، ثم قال : ينطلق أحدكم فيركب الأُحْمُوقَةَ ، ثم يقول : يا ابن عباس! يا ابن عباس! وإن الله قال : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ له مَخْرَجاً)، وإنَّك لم تَتقِ اللهَ ، فلم أجِدْ لك مخرجاً ، عصيت ربك ، وبانت منك امرأتك ، وإن الله قال : (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن) في قُبُلِ عِدَّتهن. 
4/ الدعاء :
التوجه الى الله تعالىبدعائه واللجوء إليه بأن ييسر هذا الأمر وأن يرزقهزوجاًصالحاً ليكون عوناً له على أمر دينه ودنياه. قال الله سبحانه وتعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (غافر /60).
وقال سبحانه: ( وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) (البقرة /201) ، وعن ثابت أنهم قالوا لأنس بن مالك : ادع الله لنا فقال : اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار قالوا : زدنا فأعادها قالوا : زدنا فأعادها فقالوا : زدنا فقال : ما تريدون؟ سألت لكم خير الدنيا والآخرة.
قال أنس : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يدعو بها : (اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)  .
قال ابن كثير : فَجَمَعَتْ هَذِهِ الدعوةُ كلَّ خَيْرٍ فِي الدُّنْيَا، وصرَفت كُلَّ شَرٍّ فَإِنَّ الْحَسَنَةَ فِي الدُّنْيَا تشملُ كُلَّ مَطْلُوبٍ دُنْيَوِيٍّ، مِنْ عَافِيَةٍ، وَدَارٍ رَحْبَةٍ، وَزَوْجَةٍ حَسَنَةٍ، وَرِزْقٍ وَاسِعٍ، وَعِلْمٍ نَافِعٍ، وَعَمَلٍ صَالِحٍ، وَمَرْكَبٍ هَنِيءٍ، وَثَنَاءٍ جَمِيلٍ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ عباراتُ الْمُفَسِّرِينَ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهَا، فَإِنَّهَا كُلَّهَا مُنْدَرِجَةٌ فِي الْحَسَنَةِ فِي الدُّنْيَا. 
وقد امتدح الله عباد الرحمن بقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً) (الفرقان /74).
5/ التوبة والاستغفار:
 فالاستغفار يكون سببا في إنعام الله عزّ وجلّ على المستغفرين بالرّزق من الأموال والبنين. يقول الله تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ۞ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا ۞ وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا) (نوح /10-12).
6/ صلاة الاستخارة : 
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه الاستخارة في الأمور كلها ، ولذلك كانوا أعظم الناس توفيقاً وسعادة في حياتهم.
عن جابر بن عبد الله قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة كما يعلمنا السورة من القرآن يقول : (إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل : اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم فإن كنت تعلم هذا الأمر - يسميه بعينه - خيرا لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فقدره لي ويسره لي وبارك فيه وإن كان شرا لي في ديني ومعادي ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفه عني واصرفني عنه وقدر لي الخير حيث كان ورضني به). 
قال تعالى : (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (البقرة/216).
قال الشيخ السعدي : (وهذه الآيات عامة مطردة، في أن أفعال الخير التي تكرهها النفوس لما فيها من المشقة أنها خير بلا شك، وأن أفعال الشر التي تحب النفوس لما تتوهمه فيها من الراحة واللذة فهي شر بلا شك.
وأما أحوال الدنيا، فليس الأمر مطردا، ولكن الغالب على العبد المؤمن، أنه إذا أحب أمرا من الأمور، فقيض الله له من الأسباب ما يصرفه عنه أنه خير له، فالأوفق له في ذلك، أن يشكر الله، ويجعل الخير في الواقع، لأنه يعلم أن الله تعالى أرحم بالعبد من نفسه، وأقدر على مصلحة عبده منه، وأعلم بمصلحته منه كما قال تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} فاللائق بكم أن تتمشوا مع أقداره، سواء سرتكم أو ساءتكم). 
قال ابن القيم: (والعبد لجهله بمصالح نفسه وجهله بكرم ربه وحكمته ولطفه لا يعرف التفاوت بين ما منع منه وبين ما ذخر له، بل هو مولع بحب العاجل وإن كان دنيئا، وبقلة الرغبة في الآجل وإن كان عليّا). 
7/ الاستشارة :
 قال ابن عمر رضي الله عنهما : (واستشر في أمرك الذين يخشون الله عز وجل) ، وقال الحسن : ( والله ، ما استشار قوم قطّ إلّا هدوا لأفضل ما بحضرتهم ، ثمّ تلا : ( وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ ) (الشورى/ 38) ) ، فالاستشارة مهمة جداً لأن رأي أهل العقول أقوى من رأي الشخص نفسه الذي قد يميل إلى كفّةٍ دون أُخرى استجابة لحظوظ هواه.. ، ويُستحَبّ أن يستشير مَن يعلم مِن حاله النصيحة والشفقة والخبرة ويثق بدينه ومعرفته.. وتُبَاحُ الغيبة فِي جَوَابالِاسْتِشَارَةِ فِي نِكَاحٍ أَوْ عَقْدٍ مِنَ الْعُقُودِ.
8/ الابتعاد عن المحرمات والمعاصي :  
أن يبتعد العبد عن الأمور المحرمة أو المشتبهة. فلا يلجأ إلى وسيلة قد تجر عليه شرًّا من حيث لا يحتسب ؛ بسبب قلة صبره وطول انتظاره ، فيكون كالمستجير من الرمضاء بالنار.
والإنسان إذا أخذ بالأسباب المشروعة التي في وسعه، فعليه أن يتوكل على الله ويحسن الظن به، ولا يلتفت لوساوس الشيطان، قال تعالى:  (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ((الطلاق/3).
9/ الاقتداء بسنة الرسول صلى الله عليه واله وسلم
- عن ابن عباس قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن عندنا يتيمة وقد خطبها رجل معدم ورجل موسر وهي تهوى المعدم ونحن نهوى الموسر ، فقال صلى الله عليه وسلم : (لم ير للمتحابين مثل النكاح). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (تنكح المرأة على مالها وتنكح المرأة على جمالها وتنكح المرأة على دينها خذ ذات الدين والخلق تربت يمينك). 
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ألا أخبركم برجالكم من أهل الجنة ؟ النبي في الجنة ، والصديق في الجنة ، والشهيد في الجنة ، والمولود في الجنة ، والرجل يزور أخاه في ناحية المصر لا يزوره إلا لله عز وجل ، ونساؤكم من أهل الجنة الودود الولود العؤود على زوجها التي إذا غضب جاءت حتى تضع يدها في يد زوجها ، وتقول : لا أذوق غمضا حتى ترضى). 
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( خير نسائكم الودود الولود المواتية  المواسية ، إذا اتقين الله، وشر نسائكم المتبرجات المتخيلات وهن المنافقات لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم . 
- وعن معقل بن يسار رضي الله عنهـ قال : جاء رجل إلى رسول الله  صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله إني أصبت امرأة ذات حسب ومنصب ومال إلا أنها لا تلد أفأتزوجها ؟ فنهاه ثم أتاه الثانية فقال له مثل ذلك ثم أتاه الثالثة فقال له : (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم). 
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض). 
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (تخيروا لنطفكم فانكحوا الأكفاء وانكحوا إليهم).  ، تخيروا لنطفكم : أي من النساء ذوات الدين والصلاح وذوات النسب الشريف.
- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالباءة وينهى عن التبتل نهيا شديدا ويقول: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر الأنبياء يوم القيامة). 
- قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : (إن أعظم الذنوب عند الله رجل تزوج امرأة فلما قضى حاجته منها طلقها وذهب بمهرها ، ورجل استعمل رجلا فذهب بأجرته  ، وآخر يقتل دابة عبثا). 
- قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : (لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها). 
- قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : ( يا معشر الشباب ! من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر و أحصن للفرج و من لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ). 
-عن جابر بن عبد الله قال : ( هلك أبى , وترك سبع بنات , أو تسع بنات , فتزوجت امرأة ثيبًا , فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : تزوجت يا جابر؟ فقلت : نعم , فقال : بكرًا أم ثيبًا , قلت : بل ثيبًا, قال : فهلا جارية (وفى لفظ : بكرًا) تلاعبها وتلاعبك , وتضاحكها وتضاحكك , قال : فقلت له : إن عبد الله هلك وترك بنات , وإني كرهت أن أجيئهن بمثلهن , فتزوجت امرأة تقوم عليهن وتصلحهن , فقال : بارك الله لك , أو قال : خيرًا ). قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : (إن الدنيا كلها متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة). 
6/ التوكل والاخذ بالأسباب
(التوكل يجمع شيئين:
أحدهما: الاعتماد على الله والإيمان بأنه مسبب الأسباب، وأن قدره نافذ وأنه قدر الأمور وأحصاها وكتبها سبحانه وتعالى.
الشيء الثاني: تعاطي الأسباب فليس من التوكل تعطيل الأسباب بل من التوكل الأخذ بالأسباب والعمل بالأسباب، ومن عطلها فقد خالف شرع الله وقدره، فالله أمر بالأسباب وحث عليها سبحانه وتعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بذلك.
فلا يجوز للمؤمن أن يعطل الأسباب، بل لا يكون متوكلاً على الحقيقة إلا بتعاطي الأسباب، ولهذا شرع النكاح لحصول الولد، وأمر بالجماع، فلو قال أحد من الناس: أنا لا أتزوج وأنتظر ولداً من دون زواج، لعُدَّ من المجانين، فليس هذا من أمر العقلاء، وكذلك لا يجلس في البيت أو في المسجد يتحرى الصدقات ويتحرَّى الأرزاق تأتيه، بل يجب عليه أن يسعى ويعمل ويجتهد في طلب الرزق الحلال.
ومريم رحمة الله عليها لم تدع الأسباب؛ فقد قال الله لها: (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا) (مريم/25) ، هزت النخلة وتعاطت الأسباب حتى وقع الرطب، فليس من عملها ترك الأسباب، ووجود الرزق عندها وكون الله أكرمها وأتاح لها بعض الأرزاق وأكرمها ببعض الأرزاق لا يدل على أنها معطلة الأسباب، بل هي تتعبد وتأخذ بالأسباب وتعمل بالأسباب.
وإذا ساق الله لبعض أوليائه من أهل الإيمان شيئاً من الكرامات فهذا من فضله سبحانه وتعالى، لكن لا يدل على تعطيل الأسباب، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:(احرص على ما ينفعك واستعن ولا تعجز)  ، وقال الله سبحانه وتعالى: ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (الفاتحة/5)). 
الاخذ بالأسباب
(اعلم رحمك الله تعالى أن الناس في الأسباب انقسموا إلى فرق ، ففرقة قالت : ليس لها تأثير البتة ، وهذا القول فيه مكابرة للمعقولات ، وفرقة قالت : أنها هي الفاعلة بذاتها ، وهؤلاء هم المشركون ، فهذا القول كفر وشرك – والعياذ بالله تعالى - ، وفرقة قالت : إنها مؤثرة لكن لا بذاتها وإنما يجعل الله لها مؤثرة ، وهذا هو الصواب وهو قول أهل السنة والجماعة ، فإنكار الأسباب بالكلية قدح في الشرع والاعتماد عليها بالكلية شرك أكبر والأخذ بها مع التوكل على الله هو دين الإسلام ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم  : ( اعقلها وتوكل ) . فقوله : ( اعقلها ) أخذ بأسباب حفظ الدابة ، وقوله : ( وتوكل ) اعتراف بأن السبب وحده ليس هو الكفيل بالحفظ إلا إذا شاء الله تعالى .
واعلم أن الأخذ بالأسباب بمسبباتها ، فربط المطر بوجود السحاب ، وربط إنجاب الولد بالزواج ، وربط دخول الجنة بالعمل الصالح ، فالمسبب في شريعتنا لا يقع إلا إذا وقع سببه لكن قد يقع السبب ويختلف عنه سببه لحكمة يعلمها الله تعالى فقد يوجد السحاب ولا يوجد المطر لكن لا يوجد مطر إلا بسحاب ، وقد يوجد الزواج ولا يوجد الولد لكن لا يوجد ولد إلا بجماع ، وقد يتحقق العمل الصالح لكن يتخلف عنه دخول الجنة لكن لا يدخل الجنة إلا مـن عمل صالحًا . ولذلك قال الله تعالى بعد ما ذكر ما في الجنة وأنه أعدها لعباده المؤمنين قال: ( جزاءً بما كانوا يعملون ) والباء هنا باء السبب أي بسبب أعمالهم ، لكن ليست باء العوض ، أي لأنهم عملوا صالحًا دخلوا الجنة ، كقولك : اشتريت كذا بكذا ، فإن أحدًا لن يدخل الجنة بعمله حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك قال عليه الصلاة والسلام : ( لن يدخل  أحدٌ منكم الجنة بعمله ) . قالوا : ولا أنت يا رسول الله . قال : ( ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته ) . فالبـاء في قولـه : ( بعملـه ) هي باء العوض والمقابلة . والباء في قوله تعالى : ( بما كانوا يعملون ) هي باء السبب ، فالأعمال سبب من أسباب دخول الجنة ، لكن ليست الجنة عوضًا لازمًا للأعمال ، قال ذلك أبو العباس بن تيميه .
إذا علمت هذا فاعلم أن الأسباب نوعان باعتبار معرفتنا بمسبباته ، أي عرفنا أن هذا سبب لهذا عن طريقين عن طريق الشرع وعن طريق القدر ، فالشرع يخبرنا أن هذا الشيء سبب لهذا الشيء ، ومترتب عليه ، كقوله تعالى: } جزاءً بما كانوا يعملون { فأخبرنا أن الأعمال الصالحة سبب من أسباب دخول الجنة والآيات كثيرة ، وكذلك القدر أي عرفنا قدرًا أن هذا الشيء سبب لهذا الشيء ، كعلاج الحرارة دلت التجربة على أنه سبب لانخفاضها ، وعلاج الإسهال دل على أنه سبب لإمساك البطن والبروز للحرارة دل على أنه سبب للإصابة بالحمى وهكذا ، فمن ادعى أن هذا الشيء سبب لهذا الشيء فنحن نطالبه بالدليل الذي دله على هذه السببية ، إذا علم هذا فليعلم أن كل من تعلق سببًا لم يدل عليه دليل شرعي أي لم يدل على سببيته شرع من كتاب وسنة ، ولم يدل عليه قدر كالتجربة مثلاً فلا يخلو من حالتين : إما أن يعتقد أن هذا السبب هو الفاعل للمسبب بذاته ، فإذا اعتقد ذلك فهذا هو الشرك الأكبر ، إما أن يعتقد أن الفاعل هو الله تعالى لا السبب وهذا سبب فقط فهذا شرك أصغر لأن الأصل أن الله هو الذي يربط الأسباب بالمسببات ، فالأسباب الشرعية خاصة توقيفية على الدليل فإذا اعتقد الإنسان أن هذا الشيء سبب ولا دليل عليه فيكون قد نصب نفسه مشرعًا وتكلم فيما لا يعنيه وهو حرام لا يجوز ، ولأن الأسباب قد يكون ارتباطها بمسبباتها ارتباطًا غيبيًا لا يدرك فكيف يقال إن هذا الشيء سبب لهذا الشيء وهو غير محسوس ففيه نوع من ادعاء علم الغيب ولأن هذا أي اتخاذ الأسباب بلا دليل وسيلة للشرك الأكبر والقاعدة تقول : أن كل ما كان وسيلة للشرك الأكبر فهو شرك أصغر والوسائل لها أحكام المقاصد).  
التعلق بالأسباب من دون الله تبارك وتعالى :
(كثير من الناس تعلق بالأسباب في حمايته أو في رزقه ونحو ذلك وغفل عن ربه تعالى وهذا له أمثلة :
1- التعلق بالأسباب في وقت الخوف الشديد ، والظن بأن هذه الأسباب تحميه ، ومعلوم أن الأخذ بالأسباب أمر جائز ، ولكن التعلق بها من دون الله تبارك وتعالى هو المنهي عنه .
2- تعلق الموظف بالوظيفة وظنه أنها هي وسيلة الرزق الوحيدة ، وهذا أيضاً تعلق غير صحيح ، بل الوظيفة ما هي إلا وسيلة من الوسائل فقط ، أما طرائق الرزق فكثيرة ومتنوعة .
3- ظنّ بعض الناس أن تحصينه لبيته أو نحو ذلك يحميه من العدو ، ونقول : إن هذا أيضاً من الأسباب فقط ، فينبغي تعلق القلب - مع فعلها - بالله تعالى مسبب الأسباب الذي بيده ملكوت كل شيء .
أما التعلق بالأسباب وحدها دون الله فهذا من الأمور التي لا تجوز ، وعلى هذا فالتعلق بالأسباب له حالات :
الحالة الأولى : أن ينظر إلى الأسباب الصحيحة التي أوجدها الله تبارك وتعالى في هذه الحياة ، فإذا نظر إليها مع اعتماده في الأصل على الله تبارك وتعالى واعتقاده أن فاعل الأسباب والمسببات هو الله ، وأن مشيئة الله تبارك وتعالى نافذة ، فهذا لا شيء فيه ، فإن الإنسان يفعل ما في وسعه من الأسباب ، فيغلق الباب ، ويحصن البيت ، لكن مع اعتماده وتوكله على الله تبارك وتعالى .
الحالة الثانية : أن يتعلق قلبه بغير الله في أمر لا يقدر عليه إلا الله تعالى ، مثل ظن البعض أن أصحاب القبور قد يشفون المريض أو يقضون الحاجات أو نحو ذلك ، فهذا شرك أكبر مخرج من الملة .
الحالة الثالثة : أن يعتمد على سبب شرعي صحيح ، لكنه يغفل عن مسبب ذلك ، وهو الله سبحانه وتعالى ، فهذا فيه نوع شرك لكنه لا يخرج من الملة . والواجب الحذر منه.)  
الوسائل الكونية والشرعية
(إذا عرفنا أن الوسيلة هي السبب الموصل إلى المطلوب برغبة فاعلم أنها تنقسم إلى قسمين: وسيلة كونية، ووسيلة شرعية.
فأما الوسيلة الكونية: فهي كل سبب طبيعي يوصل إلى المقصود بخلقته التي خلقها الله بها، ويؤدي إلى المطلوب بفطرته التي فطره الله عليها، وهي مشتركة بين المؤمن والكافر من غير تفريق، ومن أمثلتها الماء فهو وسيلة إلى ريّ الإنسان، والطعام وسيلة إلى شبعه، واللباس وسيلة إلى حمايته من الحر والقر، والسيارة وسيلة إلى انتقاله من مكان إلى مكان، وهكذا.
وأما الوسيلة الشرعية: فهي كل سبب يوصل إلى المقصود عن طريق ما شرعه الله تعالى، وبينه في كتابه وسنة نبيه، وهي خاصة بالمؤمن المتبع أمر الله ورسوله.
ومن أمثلتها: النطق بالشهادتين - بإخلاص وفهم - وسيلة إلى دخول الجنة والنجاة من الخلود في النار، وإتباع السيئة الحسنة وسيلة إلى محو السيئة، وقول الدعاء المأثور بعد الأذان وسيلة إلى نيل شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وصلة الأرحام وسيلة لطول العمر وسعة الرزق، وهكذا.
فهذه الأمور وأمثالها إنما عرفنا أنها وسائل تحقق تلك الغايات والمقاصد عن طريق الشرع وحده، لا عن طريق العلم أو التجربة أو الحواس، فنحن لم نعلم أن صلة الرحم تطيل العمر وتوسع الرزق إلا من قوله صلوات الله وسلامه عليه : (من أحب أن يُبْسَط له في رزقه، وأن يُنْسَأ له في أثره فَلْيَصِلْ رحمه) –(رواه الشيخان وغيرهما , وهو مخرج في كتاب صحيح أبي داود/1486)-  وهكذا الأمثلة الأخرى.
ويخطئ الكثيرون في فهم هذه الوسائل بنوعيها خطأ كبيراً، ويهمون وهماً شنيعاً، فقد يظنون سبباً كونياً ما يوصل إلى غاية معينة، ويكون الأمر بخلاف ما يظنون، وقد يعتقدون سبباً شرعياً ما يؤدي إلى مقصد شرعي معين، ويكون الحق بخلاف ما يعتقدون).  
7/ القدر والشرع ( ألا له الخلق والأمر ) :
أن الشرع مرتبط بالقدر، وكل من اختل فهمه في عقيدة القضاء والقدر سيختل توازنه في تطبيقه لقضية الأمر والنهي والشرع الذي شرعه الله تبارك وتعالى، وهذا نحسه ونلمسه دائماً من أولئك الذين يحتجون بالقدر أحياناً.
فقضية القضاء والقدر من القضايا المرتبطة ارتباطاً متيناً بقضية ما سيفعله الإنسان، أو ما أمر به وما نهي عنه على مقتضى الشريعة الإسلامية.
ومن هنا كان أولئك الذين يحتجون بالقضاء والقدر أول ما يحتجون به على انحرافهم في اتباع الأمر والنهي، فلما كانت قضية القضاء والقدر قضية عقدية مرتبطة بقضية الشرع وحياة الإنسان العملية، بل واستقراره النفسي في سيره إلى ربه تبارك وتعالى.  
فالخير والشر من تقدير الله. وقدر الله سبحانه وتعالى متعلق بكل شيء من الأحوال الكونية والأوامر الشرعية، فإن الأمر كله لله، والخلق كله لله، كما في قوله تعالى:أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ (الأعراف/54) ، وقدره سبحانه متعلق بسائر أمره وخلقه.
( وينبغي أن يعلم أن اكبر مشكلة في قضية القضاء والقدر هي الزعم بان هناك تناقضاً بين القدر والشرع , فالمؤمن الحق هو الذي يؤمن بقضاء الله وقدره , ويؤمن بأمره وشرعه ولا يجعل بينهما تعارضاً , كما دل على ذلك قوله تعالى :أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ (الأعراف/54) فالخلق : هو القضاء والقدر , والأمر :هو الشرع,  فمن جعل بينهما تعارضاً وتناقضاً وتصادماً فهو الذي وقع في شبهة القضاء والقدر ومن آمن وصدق بهما من المؤمنين فلا يقع في شيء من ذلك.)  
روى الامام البخاري في خلق أفعال العباد :
- قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ : قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ الْخَلْقَ مِنَ الأَمْرِ بِقَوْلِهِ : {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} ، فَالْخَلْقُ بِأَمْرِهِ كَقَوْلِهِ : {لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} ، وَكَقَوْلِهِ : {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}، وَكَقَوْلِهِ : {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ} ، وَلَمْ يَقُلْ بِخَلْقِهِ.
- عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ : قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : مَا الْقَدَرُ . . . ؟ قَالَ ، قَالَ : يَا مُجَاهِدُ أَيْنَ قَوْلُهُ : {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ}. 
و (الحق أننا نجمع بين القدر والشرع؛ لأنه تعالى هو الحَكَم وحده : أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ (الأعراف /54).
أي له وصفاً وفعلاً الخلق الشامل لكل مخلوق، والأمر الشامل لجميع الأحكام الشرعية؛ فكما أنه لا خالق سواه فكذلك لا حاكم سواه.
وكما أن مخلوقاته مشتملة على الحكمة والرحمة فشرعه العظيم كذلك بل أعظم وأجل؛ إذ إنه كلَّه حكمةٌ ورحمةٌ (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (المائدة/50).
وبالمراعاة الصحيحة لقدر الله وشرعه تتحقق العبودية الحقة لله، ويكون القائم بذلك من الذين أنعم الله عليهم، وكفى بذلك غبطة وسعادة )  
قال الشيخ العثيمين : (والجامع لهذا: أنه لا بد في الأمر من أصلين، ولا بد في القدر من أصلين أيضا.
أما الأصلان في الأمر فهما:
أصل قبل العمل أو مقارن له وهو: الاجتهاد في الامتثال علما، وعملا فيجتهد في العلم بالله تعالى، وأسمائه وصفاته، وأحكامه، ثم يعمل بما يقتضيه ذلك العلم من تصديق الأخبار، والعمل بالأحكام، فعلا للمأمور، وتركا للمحظور.
والثاني: أصل بعد العمل وهو الاستغفار والتوبة من التفريط في المأمور، أو التعدي في المحظور ولهذا كان من المشروع ختم الأعمال بالاستغفار كما قال الله تعالى: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} . فقاموا الليل وختموه بالاستغفار).
(وأما الأصلان في القدر فهما:
أصل قبل المقدور وهو: الاستعانة بالله عز وجل، والإستعاذة به، ودعاؤه رغبة ورهبة فيكون معتمدا على ربه، ملتجئا إليه في حصول المطلوب ودفع المكروه.
والثاني بعد المقدور وهو: الصبر على المقدور حيث يفوت مطلوبه، أو يقع مكروهه فيوطن نفسه عليه بحيث يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن الحال لا يمكن أن تتغير عما قدره الله تعالى فيرضى بذلك ويسلم وينشرح صدره ويذهب عنه الندم والحزن كما قال الله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (التغابن/11) . قال ابن عباس رضي الله عنهما: يهد قلبه لليقين فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه. وقال علقمة في الآية: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم).
(فإذا راعى الأمر والقدر على الوجه الذي ذكرنا كان عابدا لله تعالى مستعينا به متوكلا عليه من الذين أنعم الله عليهم. وقد جمع الله بين هذين الأصلين في أكثر من موضع كقوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (الفاتحة/4)، وقوله: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} (هود/123)، وقوله: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (هود/88) ).
( والناس في هذا المقام -مقام الشرع والقدر- أربعة أقسام:
الأول: من حققوا هذه الأصول الأربعة ، أصلي الشرع، وأصلي القدر ، وهم المؤمنون المتقون الذين كان عندهم من عبادة الله تعالى والاستعانة به ما تصلح به أحوالهم، فكانوا لله، وبالله، وفي الله، وهؤلاء أهل القسط والعدل الذين شهدوا مقام الربوبية والألوهية، وهم أعلى الأقسام فإن هذا مقام الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين، والشهداء، والصالحين.
الثاني: من فاتهم التحقيق في أصلي القدر ، فكان عندهم من عبادة الله تعالى والاستقامة في شرعه ما عندهم، لكن ليس عندهم قوة في الاستعانة بالله والصبر على أحكامه الكونية والشرعية، فيصيبهم عند العمل من العجز والكسل ما يمنعهم من العمل أو إكماله، ويلحقهم بعد العمل من العجب والفخر ما قد يكون سببا لحبوط عملهم وخذلانهم، وهؤلاء أضعف ممن سبقهم وأدنى مقاما وأقل عدلا، لأن شهودهم مقام الإلهية غالب على شهود مقام الربوبية.
الثالث: من فاتهم التحقيق في أصلي الشرع ، فكانوا ضعفاء في الاستقامة على أمر الله ومتابعة شرعه، لكن عندهم قوة في الاستعانة بالله والتوكل عليه، ولكن قد يكون ذلك في أمور لا يحبها الله تعالى ولا يرضاها فيعان ويمكن له بقدر حاله، ويحصل له من المكاشفات والتأثيرات ما لا يحصل للقسم الذي قبله، لكن ما يحصل له من هذه الأمور يكون من نصيب العاجلة الدنيا أما عاقبته فعاقبة سيئة، لأنه ليس من المتقين وإنما العاقبة للمتقين قال الله تعالى: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ۞ لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (العنكبوت /65و66) ، فالله تعالى يعلم أن هؤلاء سيشركون بعد أن ينجيهم لكن لما كانوا في البحر كانوا مخلصين في دعائهم الله تعالى أن ينجيهم صادقين في تفويض الأمر إليه حصل مرادهم، ولما لم يكن لهم عبادة لم يستقم أمرهم وكان عاقبة أمرهم خسرا.
فالفرق بين هؤلاء وبين القسم الذين قبلهم أن الذين قبلهم كان لهم دين ضعيف لضعف استعانتهم بالله وتوكلهم عليه، لكنه مستمر باق إن لم يفسده صاحبه بالعجز والجزع. وهؤلاء لهم حال وقوة لكن لا يبقى لهم إلا ما وافقوا فيه الأمر واتبعوا فيه السنة.
القسم الرابع: من فاتهم تحقيق أصلي الشرع، وأصلي القدر فليس عندهم عبادة لله تعالى، ولا استعانة به، ولا لجوء إليه عند الشدة فهم مستكبرون عن عبادة الله مستغنون بأنفسهم عن خالقهم، وربما لجئوا في الشدائد وإدراك مطالبهم إلى الشياطين فأطاعوها فيما تريد وأعانتهم فيما يريدون فيظن الظان أن هذا من باب الكرامات، وهو من باب الإهانات لأن عاقبتهم الذل والهوان وهذا القسم شر الأقسام).
يتبع إن شاء الله...


سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر Empty
مُساهمةموضوع: رد: سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر   سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر Emptyالأربعاء 18 ديسمبر 2013, 11:52 pm

8/ قول ( إن شاء الله ) و ( ما شاء الله ) و ( قدر الله وما شاء فعل ): 
ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وهذا ما يعقد عليه المسلمون قلوبهم، مؤمنين بقضاء الله وقدره، وأنه لا يخرج في هذه الأكوان شيء البتة عن قدرته ومشيئته، وأن للعبد قدرة ومشيئة وهي تابعة لقدرة الله ومشيئته.
وينتهج المسلم في التعليق على المشيئة أُموراً:
1. إذا تحدث عما مضى فيقول: مضى بمشيئة الله، كقوله: خلق الله السموات بمشيئته، وأرسل محمداً صلى الله عليه وسلم بمشيئته. ولا يقول: إن الله خلق السموات إن شاء الله... ومن قال ذلك فقد أخطأ، بل قوله بدعة مخالفة للعقل والدين. قَالَ رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ, وكُلٌّ عَلَى خَيْرٍ, احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ, وَلَا تَعْجِزْ, فَإِنْ غَلَبَكَ شَيْءٌ؛ فَقُلْ: قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ, وَإِيَّاكَ واللَّوَّ؛ فَإِنَّ اللَّوَّ تَفْتَحُ عَمَلَ الشيطان).
قال الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ معلقا على الحديث برواية الامام مسلم في صحيحه: (قَدَّرَ اللَّهُ: بِتَشْدِيدِ الدَّالِ أَيْ: قُلْ قَدَّرَ اللَّهُ، وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهَا)، (فإن الوجهين صحيحان ومعناهما واحد، فإن القدر اسم مصدر من قدر الشيء، والمصدر التقدير، ومثله في الوزن سلم سلما وتسليما، فإذا قرأت قدر الله بالرفع على أنها اسم كانت خبرا لمبتدأ محذوف تقديره هذا قدر الله، وإذا قرأت بتشديد الدال وفتح الراء كانت فعلا ماضيا). 
2. إذا تحدث عن حال أو مستقبل فيقول: سأفعل كذا إن شاء الله، سوف أُتم العمل الحاضر إن شاء الله، وهكذا يعلقه على المشيئة ، قال تعالى : ( وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً ۞ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً ) (الكهف /23و24) ، فإذا كان الأمر يُعَلَقُ على المستقبل فإنه يتأكد استعمال المشيئة، يعني أن يُعَلَّق الأمر على مشيئة الله؛ لأنَّ ما شاء الله تعالى كان ، وما لم يشأ لم يكن ، ولهذا اتفق العلماء على أنّ منْ حلفَ باللهِ لَيُصَلِّيَنَّ كذا إن شاء الله فإنه إن لم يفعل المحلوف عليه، لا يحنث مع أنّ الله أمره به؛ لقوله: (إن شاء الله) ، فعُلِمَ أن الله لم يشأهُ مَعَ أمْرِهِ به.
ويصح قول (إن شاء الله) لتأكيد تحقق الأمر بمشيئة الله ، فلا بأس أن يُؤَكَدَ أي أمر وقع بكلمة (إن شاء الله) ويقصد بها أنه تحقق ووقع بمشيئة الله عز وجل ، وعلى هذا جاء في القرآن قول الله عز وجل (وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ) (يوسف /99)، بعد أن دخلوا، وكقوله عز وجل (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ) (الفتح/27).
3. قال تعالى : ( وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِن تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً) (الكهف /39).
قال ابن كثير : (أَيْ: هَلَّا إِذَا أَعْجَبَتْكَ حِينَ دَخَلْتَهَا وَنَظَرْتَ إِلَيْهَا حَمِدْتَ اللَّهَ عَلَى مَا أَنْعَمَ به عليك، وأعطاك من المال والولد مَا لَمْ يُعْطَهُ غَيْرُكَ، وَقُلْتَ: {مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ} ؛ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضَ السَّلَفِ: مَنْ أَعْجَبَهُ شَيْءٌ مِنْ حَالِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ وَلَدِهِ ، فَلْيَقُلْ: {مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ} وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ.)  
و سئل شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
(عن أقوام يقولون : المشيئة مشيئة الله في الماضي والمستقبل ، وأقوام يقولون : المشيئة في المستقبل لا في الماضي . ما الصواب؟
فأجاب : الماضي مضى بمشيئة الله ، والمستقبل لا يكون إلا أن يشاء الله.
فمَنْ قال في الماضي: إن الله خلق السموات إن شاء الله وأرسل محمدًا صلى الله عليه وسلم إن شاء الله فقد أخطأ. ومَنْ قال: خلق الله السموات بمشيئة الله وأرسل محمدًا صلى الله عليه وسلم بمشيئته ونحو ذلك فقد أصاب.
ومَنْ قال: إنه يكون في الوجود شيء بدون مشيئة الله فقد أخطأ. ومَنْ قال: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن فقد أصاب، وكلما تقدم فقد كان بمشيئة الله قطعًا؛ فالله خلق السموات بمشيئته قطعًا، وأرسل محمدًا صلى الله عليه وسلم بمشيئته قطعًا، والإنسان الموجود خلقه الله بمشيئته قطعًا، وإن شاء الله أن يغير المخلوق من حال إلى حال فهو قادر على ذلك، فما خلقه فقد كان بمشيئته قطعًا، وإن شاء الله أن يغيره غيره بمشيئته قطعًا. والله أعلم).
9/ كلمات الله التامة
قال تعالى: ( وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ) (الكهف/27).
قوله تعالى: ( لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ )؛ يشمل الكلمات الكونية والشرعية :
- أما الكونية، فلا يستثنى منها شيء، لا يمكن لأحد أن يبدل كلمات الله الكونية ،
إذا قضى الله على شخص بالموت؛ ما استطاع أحد أن يبدل ذلك.
إذا قضى الله تعالى بالفقر؛ ما استطاع أحد أن يبدل ذلك.
إذا قضى الله تعالى بالجدب؛ ما استطاع أحد أن يبدل ذلك.
وكل هذه الأمور التي تحدث في الكون؛ فإنها بقوله ؛ لقوله تعالى: ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (يس/82) .
- أما الكلمات الشرعية ؛ فإنها قد تبدل من قبل أهل الكفر والنفاق، فيبدلون الكلمات ، إما بالمعنى، وإما باللفظ إن استطاعوا، أو بهما). 
وكلمات الله تعالى الكونية(القدرية) هي التي ذكرها الله في قوله : (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (يس/82)، وهي ما قدَّره الله تعالى وقضاهوهي تامة لا يتخلف شيء منها، قال تعالى: (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ) (هود /119)؛ كلمة ربك: أي القضاء والقدر.وقال تعالى: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ) (لقمان /27)، ونحو ذلك من الآيات.
وهي التي جاءت في الاستعاذة ، قال صلى الله عليه واله وسلم: (مَنْ نزل منزلاً فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله).
أما كلماته الشرعية (الأمرية أو الدينية): وهي القرآن المجيد وشرع الله تعالى الذي بعث به رسوله صلى الله عليه واله وسلم ، وهي أمره ونهيه وخبره، وحظ العبد منها العلم بها والعمل، كما قال الله عز وجل: (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا) (الأنعام /115) أي: صدقاً في الأخبار، وعدلاً في الأحكام ( الأوامر والنواهي )، فأخبارها صادقة وأحكامها عادلة. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (تَكَفَّلَ اللهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ وَتَصْدِيقُ كَلِمَاتِهِ بِأَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ يَرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ). 
10/ الاحتجاج على الله سبحانه وتعالى بالقدر:
الاحتجاج على الله سبحانه وتعالى بالقدر، وأنهم معذورون في كفرهم ومعاصيهم؛ لأن الله قدر ذلك عليهم. والله جل وعلا ما ترك لهم حجة، بل إنه أعطاهم الاختيار، وأعطاهم القدرة، وأعطاهم المشيئة، وبيّن لهم طريق الخير، وبين لهم طريق الشر، وأعطاهم إمكانيات يستطيعون بها أن يفعلوا أو يتركوا، وليسوا مجبرين على ما يقولون، وأيضاً الله بيّن أنه لا يرضى لعباده الكفر، قال تعالى: (وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ) (الزمر/7) وإن كان قدّره وشاءه فليس من لازم القدر الرضا، فالله يقدر الكفر وهو يبغضه؛ من أجل أن يتميز الناس بعضهم من بعض، ويتميز الصادق من الكاذب، ويتبين المؤمن من الكافر، ويتبين المنافق من المؤمن الصحيح، فالله قدّر هذه الأمور المكروهة لحكمة منه سبحانه، ما قدرها عبثاً، ورتب الجزاء على أفعالهم التي يفعلونها باختيارهم.
ولذلك المجنون والمعتوه والمكره والنائم، لا يؤاخذون؛ لأنهم ليس عندهم اختيار، وليس عندهم عقل، مهما فعل لا يؤاخذ.
فمن أعطاه الله العقل والتفكير، ولم يكن مكرهاً على فعله، فإنه يؤاخذ؛ لأنه أقدم على الشر باختياره، فالزاني يزني باختياره، وتارك الصلاة يتركها باختياره، وعنده القدرة أنه يقوم يصلي، والزاني أيضاً بُيِّن له أن الزنا حرام، وعواقبه وخيمة، ورتب الله على الزنا حداً رادعاً، وأرسل الرسل تنهى عن الشرك والكفر، فكيف يحتجون على الله جل وعلا على معاصيهم وكفرهم وشركهم وضلالهم؟ وهم ليس لهم حجة على الله، وإنما الحجة لله عليهم (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ) (الأنعام /149) . فلا يجوز الاحتجاج بالقدر إلا على المصائب، إذا أصابك مصيبة فلا تجزع، وقل: هذا قَدَرُ الله، وما شاء فعل، وتصبر وتحتسب. أما المعصية فلا يحتج عليها بالقدر، بل على العاصي أن يتوب إلى الله، وتجنب المعاصي والشرور، فالاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي هو فعل الجاهلية. ٳھ.
أربع حالات للاحتجاج بالقدر ولكل منها جواب وحكم شرعي
• الحـالة الأولى :
الاحتجاج بالقدر على المصيبـة قبل وقوعها، وهو احتجاج مرفوض إذ من أعلم العبد الذي يحتج بالقدر هنا أن المصيبة ستقع في المستقبل وأنه لابد أن يستسلم لها سلفاً إيماناً بأنها مقدرة حتى يدفعه ذلك الاحتجاج إلى التوقف عن العمل وعدم الأخذ بالأسباب لتفادي الوقوع في المصيبة؟ فمثل هذا السلوك بزعم الإيمان بالقدر والاحتجاج به على المصيبة قبل وقوعها مرفوض عقلاً وغير جائز شرعاً.
• الحالة الثانية:
الاحتجاج بالقدر على المصيبة بعد وقوعها. والمرفوض في هذه الحالة عقلاً وشرعاً هو زعم الإيمان بالقدر مما يمنع النظر في الأسباب الموصلة إلى المصيبة ويمنع أخذ العبرة والعظة، ويمنع البحث عن الأسباب الموصلة إلى الخير مما يجعل العبد متخلياً عن المسؤولية بعدم تحميل النفس أنها السبب قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) (الشورى/30) أما الوجه المقبول عقلاً وجائز شرعاً في هذه الحالة فهو الإيمان بأن ما وقع من مصيبة إنما هو قدر من أقدار الله عز وجل، والعبد يرضى بقدر الله تعالى؛ فإن كان خيراً شكر الله عليه، وإن كان شرّاً صبر عليه. فالسلوك الإيجابي للإيمان بالقدر هنا هو في البحث عن الأسباب الموصلة للمصيبة لأخذ العبرة والعمل بالأسباب الموصلة للخير لتفادي الوقوع في الأسباب الموصلة للمصيبة في المستقبل.
• الحالة الثالثة:
الاحتجاج بالقدر على الذنب والمعصية قبل وقوعهما. وهو غير جائز شرعاً وعقلاً لأن الإنسان لا يعلم القدر قبل وقوعه، فكيف يحتج بالقدر على ذنب لم يحصل ومعصية لم تقترف بعد من أجل أن يعمل الذنب والمعصية، ويقول أعصي ربي وأعمل الذنب لأنهما مقدران عليّ ولا بد أن يتحققا. فمِن أين له العلم بقدر الله السابق عليه في الأزل، وأنه قدر عليه الذنب والمعصية فلا بد أن يعملهما؟ فهذا فهمٌ سقيم للقدر، وسلوك عابث لا يدل على مؤمن بالله وبقدره.
• الحالة الرابعة:
الاحتجاج بالقدر على الذنب والمعصية بعد وقوعهما للتخلص من المسؤولية، ولعدم الإحساس باللوم على التقصير. وهذا باطل أيضاً شرعاً وعقلاً؛ فإن وقوع العبد بالذنب واقترافه للمعصية كانا بإرادة مختارة منه، وأسباب كسبها بنفسه مخالفاً بها شرع ربه، فهو مُلامٌ على ذلك ولا ينفعه الاحتجاج بالقدر. والسلوك الايجابي في هذه الحالة مع المعصية والذنب بعد وقوعهما هو التوبة والاستغفار، والبعد عن الأسباب الموصلة إليهما، وعدم الاحتجاج بالقدر على ذلك للتخلي عن المسؤولية، لكن ما وقع قدراً وقع قدراً بأسبابه التي للعبد كسب فيها واختيار. وبعد هذا لماذا يحتج المتعذر بالقدر على المصيبة والذنب ولا يحتج بالقدر على الخير والنعمة التي تحل به وعلى العمل بالطاعة؟! فالمفروض أن ينسب الخير إلى قدر الله مع إيمانه بالعمل والأسباب الموصلة إليه كما يتحمل المسؤولية عن الأسباب والأعمال الموصلة إلى الشر ، وإن كانت لا تقع إلا بقدر الله، فالتوحيد يقتضي الإيمان بالقدر كله؛ خيره وشره، حلوه ومرّه. 
11/ العلاقة بين فعل العبد وفعل الرب : 
إن العلاقة بين فعل العبد وفعل الرب أربعة أنواع وهي :
1 – حال الطاعة ، فطاعة العبد لربه تتم بإرادة الله تعالى الكونية ، وموافقة العبد بإرادته لإرادة الله تعالى الشرعية.
فتتوافق الارادات ، ويظهر توفيق الرب للعبد ، وفعل العبد هنا يُنسب الفضل فيه الى الله تعالى.
قال تعالى : ( مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ ) (النساء/79) سواء كان حسنة بالإرادة الكونية أو الإرادة الشرعية، فالفضل لله في طاعة عبده، لذا يجب على العبد أن ينسب الفضل إلى ربه، فهو الذي حبب إليه الإيمان وزينه في قلبه ، قال تعالى: (وَاعْلمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُول اللهِ لوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَمْرِ لعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِليْكُمُ الإيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِليْكُمُ الكُفْرَ وَالفُسُوقَ وَالعِصْيَانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) (الحجرات /7).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قاربوا وسددوا فإنه ليس أحد منكم بمنجيه عمله ) ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله ، قال : ( ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل ). 
قال الشيخ الالباني: ( واعلمأن هذا الحديث قد يشكل على بعض الناس، ويتوهم أنه مخالف لقوله تعالى:
(وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون )، ونحوها من الآيات والأحاديثالدالة على أن دخول الجنة بالعمل، وقد أجيب بأجوبة أقربها إلى الصواب: أنالباء في قوله في الحديث: ( بعمله ) هي باء الثمنية، والباء في الآية باء السببية ، أي أن العمل الصالح سبب لابد منه لدخول الجنة ، ولكنه ليس ثمنا لدخول الجنة، وما فيها من النعيم المقيم والدرجات ). ٳھ.
وقال شيخ الاسلام ابن تيمية : ( وقوله صلى الله عليه وسلم : (لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله) لا يناقض قوله تعالى : (جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الواقعة /24). 
فإن المنفي نفي بباء المقابلة والمعاوضة كما يقال بعت هذا بهذا ، وما أثبت أثبت بباء السبب ، فالعمل لا يقابل الجزاء وإن كان سببا للجزاء ، ولهذا من ظن أنه قام بما يجب عليه وأنه لا يحتاج إلى مغفرة الرب تعالى وعفوه فهو ضال ، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لن يدخل أحد الجنة بعمله قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل ). وروي (بمغفرته)). 
2 - حال المعصية ، فمعصية الرب ينسب فيها الفعل إلى كسب العبد وإن تم الفعل بقدر الله تعالى.
والمعصية ينسب فيها الفعل إلى كسب العبد، وإن تم الفعل بقدرة الرب ومشيئته، قال تعالى عن الطاعة: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ) (النساء/79) ، وقال في المقابل عن المعصية: (وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) (النساء:79) فالمعصية لا يصح أن ينسبها العبد إلى الرب تعالى ، فهذا فعل المشركين الذين قال الله فيهم: (سَيَقُولُ الذِينَ أَشْرَكُوا لوْ شَاءَ اللهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلكَ كَذَّبَ الذِينَ مِنْ قَبْلهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُل هَل عِنْدَكُمْ مِنْ عِلمٍ فَتُخْرِجُوهُ لنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلا تَخْرُصُونَ) (الأنعام /148) (وَقَال الذِينَ أَشْرَكُوا لوْ شَاءَ اللهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلكَ فَعَل الذِينَ مِنْ قَبْلهِمْ فَهَل عَلى الرُّسُل إِلا البَلاغُ المُبِينُ) (النحل:35).
وقال تعالى: (وَإِذَا قِيل لهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قَال الذِينَ كَفَرُوا للذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لوْ يَشَاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (يّس/47) ، وقال تعالى : (وَقَالُوا لوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لهُمْ بِذَلكَ مِنْ عِلمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ) (الزخرف/20).
والمعصية وإن كانت بقدر الله إلا أنه لا يجوز للعاصي أن يحتج فيها بالقدر، وأنه مسير في ذلك مجبور على العصيان ، فإن من فعل ذلك كان من أهل الزندقة، كالذي رأى لصا مر عليه وهو مقطوع اليد مقام عليه الحد، فقال: مسكين مظلوم أجبره الله على السرقة ثم قطع يده عليها، فصاحب هذا الاعتقاد الفاسد لا يكون إلا ظالما متناقضا، إذا آذاه غيره أو ظلمه طلب معاقبته والمبالغة في جزائه والانتقام منه، ولم يعذره بالقدر وبحجة أنه مسير مجبور، وإذا كان هو الظالم لغيره احتج هو لنفسه بالقدر، وادعى أنه مسير مجبور.
فلا يحتج أحد بالقدر على معصيته إلا لإتباع الهوى، وحجته باطلة داحضة فاسدة، لا حق معه ولا دليل، ولذلك لما احتج المشركون بالقدر على شركهم، بين الله كذبهم وقال لهم: ( سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ ) (الأنعام /148).
3 - المصيبة التي وقعت بقدر الله كعلة لابتلاء العبد في موافقته للإرادة الشرعية.
المصيبة التي وقعت بقدر الله كعلة لابتلاء العبد في موافقته للإرادة الشرعية أو عدمها ، كما قال الله تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلبَهُ وَاللهُ بِكُل شَيْءٍ عَليمٌ) (التغابن/11).
قال ابن مسعود رضي الله عنه : ( هو الرجل تصيبه المصيبة ، فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم )، فالسعيد يستغفر من المعائب ، ويصبر على المصائب ، والشقي يجزع عند المصائب ، ويحتج بالقدر على المعائب. كما قال تعالى: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الذِينَ لا يُوقِنُونَ) (الروم/60) ، وقال تعالى : (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالعَشِيِّ وَالأِبْكَارِ) (غافر/55).
وقال الشيخ صالح الفوزان: ( المصائب التي تصيب الإنسان من موت قريب، أو ضياع مال، أو مرض يصيب الإنسان، لا بد أن يصبر على قضاء الله وقدره لا يجزع ولا يتسخط بل يحبس اللسان عن النياحة والتسخط ويحبس النفس عن الجزع، ويحبس الجوارح عن لطم الخدود وشق الجيوب. هذا هو الصبر على المصائب.
أما المعائب فلا يصبر عليها بل يتوب إلى الله وينفر منها؛ ولكن عند المصائب التي لا دخل لك فيها، بل هي من الله عز وجل قدرها عليك ابتلاء وامتحانًا أو عقوبة لك على ذنوب فعلتها، كما في قوله تعالى: ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) (الشورى/3) .
فإذا حصلت للمسلم مصيبة في نفسه أو ماله أو ولده أو قريبه أو أحد إخوانه من المسلمين فعليه بالصبر والاحتساب ، قال تعالى: ( الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) (البقرة/ 156و157) هذا هو الصبر، ومن ذلك الصبر على الأذى في الدعوة إلى الله عز وجل فإن هذا من المصائب فعليك أن تصبر على ما تلقى من الأذى في سبيل الخير، ولا تنثني عن فعل الخير؛ لأن بعض الناس يريد فعل الخير لكن إذا واجهه شيء يكرهه قال : ليس من الواجب علي أن أدخل نفسي في هذه الأمور، ثم يترك التعليم إن كان معلمًا، يترك الدعوة إلى الله، يترك الخطابة إن كان خطيب مسجد، يترك إمامة المسجد، يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذا لم يصبر على ما ناله من الأذى.وإذا كنت مخطئًا عليك بالرجوع إلى الحق والصواب، أما إن كنت على حق ولم تخطئ فعليك بالصبر والاحتساب واستشعر أن هذا في سبيل الله عز وجل وأنك مأجور عليه، وتذكر ما حصل للأنبياء عليهم الصلاة والسلام من الأذى وكيف صبروا وجاهدوا في سبيل الله حتى نصرهم الله عز وجل ).  
4 - المعصية التي تاب العبد منها كما حدث في احتجاج آدم وموسى
المعصية التي تاب العبد منها فيجوز الاحتجاج بالقدر عليها كما حدث في احتجاج آدم وموسى عليهما السلام. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (احتجَّ آدَمُ وَمُوسَى فَقَالَ مُوسَى: أَنْتَ آدَمُ الَّذِي خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ ونَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وأَغْوَيْتَ النَّاسَ وأخْرَجْتَهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ فَقَالَ آدَمُ: أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِكَلَامِهِ تلومُني عَلَى عَمَلٍ عَمِلْتُهُ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السماوات والأرض؟ قال: فحجَّ آدمَ موسى)  
وربما يقول قائل آدم احتج بالقدر على معصيته، وموسى لامه بعد توبته، وجواب ذلك أن موسى أعرف بالله وأسمائه وصفاته من أن يلوم آدم على ذنب قد تاب منه، كما أن الله بعد توبته اجتباه وهداه واصطفاه، كما أن آدم عليه السلام أعرف بربه من أن يحتج بقضائه وقدره على معصيته، بل إنما لام موسى آدم على المعصية التي نالت الذرية بخروجهم من الجنة ونزولهم إلى دار الابتلاء، والمحنة بسبب خطيئة أبيهم، فذكر الخطيئة تنبيها على سبب المصيبة، المحنة التي نالت الذرية، ولهذا قال له أخرجتنا ونفسك من الجنة، وفي لفظ خيبتنا، فاحتج آدم بالقدر على المصيبة، وقال إن هذه المصيبة التي نالت الذرية بسبب خطيئتي كانت مكتوبة بقدره قبل خلقي والقدر يحتج به في المصائب دون المعائب أي أتلومني على مصيبة قدرت علي وعليكم قبل خلقي بكذا وكذا سنة.
ومثال ذلك من عصى ربه وتاب ثم يتذكر معصيته مع بعض أصحابه فيقول قدر الله وما شاء فعل، (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ المَوْتُ وَلوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُل كُل مِنْ عِنْدِ اللهِ فَمَال هَؤُلاءِ القَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً، مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلنَاكَ للنَّاسِ رَسُولاً وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) (النساء:79). 
قال الشيخ الالباني في السلسلة الصحيحة الحديث/ 1702:
(قوله : (فحج آدم موسى) أي غلبه بالحجة. واعلم أن العلماء قد اختلفوا في توجيه ذلك، وأحسن ما وقفت عليه ما أفاده شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، إنما هو أن موسى لامه على ما فعل لأجل ما حصل لذريته من المصيبة بسبب أكله من الشجرة، لا لأجل حق الله في الذنب، فإن آدم كان قد تاب من الذنب، وموسى عليه السلام يعلم أن بعد التوبة والمغفرة لا يبقى ملام على الذنب، ولهذا قال: ( فما حملك على أن أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ ) ، لم يقل: لماذا خالفت الأمر؟ والناس مأمورون عند المصائب التي تصيبهم بأفعال الناس أو بغير أفعالهم بالتسليم للقدر وشهودالربوبية.) ٳھ 
وقال فضيلة الشيخ العثيمين:
 (هذا ليس احتجاجًا بالقضاء والقدر على فعل العبد ومعصية العبد، لكنه احتجاج بالقدر على المصيبة الناتجة من فعله، فهو من باب الاحتجاج بالقدر على المصائب لا على المعائب، ولهذا قال: ( خيبتنا وأخرجتنا، ونفسك من الجنة ) ولم يقل: عصيت ربك فأخرجت من الجنة.
فاحتج آدم بالقدر على الخروج من الجنة الذي يعتبره مصيبة، والاحتجاج بالقدر على المصائب لا بأس به، أرأيت لو أنك سافرت سفرًا وحصل لك حادث، وقال لك إنسان: لماذا تسافر لو أنك بقيت في بيتك ما حصل لك شيء.
فستجيبه: بأن هذا قضاء الله وقدره، أنا ما خرجت لأجل أن أصاب بالحادث، وإنما خرجت لمصلحة، فأصبت بالحادث، كذلك آدم عليه الصلاة والسلام، هل عصى الله لأجل أن يخرجه من الجنة؟لا ، فالمصيبة إذًا التي حصلت له مجرد قضاء وقدر، وحينئذ يكون احتجاجه بالقدر على المصيبة الحاصلة احتجاجًا صحيحًا، ولهذا قال النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (حج آدم موسى، حج آدم موسى). وفي رواية للإمام أحمد: ( فحجه آدم ) يعني غلبه في الحجة.
مثال آخر: رجل أصاب ذنبًا وندم على هذا الذنب وتاب منه، وجاء رجل من إخوانه يقول : له يا فلان كيف يقع منك هذا الشيء فقال : هذا قضاء الله وقدره. فهل يصح احتجاجه هذا أو لا؟
نعم يصح لأنه تاب، فهو لم يحتج بالقدر ليمضي في معصيته، لكنه نادم ومتأسف، ونظير ذلك (أن النبيصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل ليلة على علي بن أبي طالب وفاطمة رضي الله عنهما فقال: (ألا تصليان؟) فقال علي رضي الله عنه: يا رسول الله إن أنفسنا بيد الله، فإن شاء الله أن يبعثنا بعثنا فانصرف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يضرب على فخذه وهو يقول: (وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا) (الكهف /54)، فالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يقبل حجته، وبيَّن أن هذا من الجدل؛ لأن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلم أن الأنفس بيد الله لكن يريد أن يكون الإنسان حازمًا فيحرص على أن يقوم ويصلي.
على كل حال تبين لنا أن الاحتجاج بالقدرعلى المعصية بعد التوبة منها جائز، وأما الاحتجاج بالقدر على المعصية تبريرًا لموقف الإنسان واستمرارًا فيها فغير جائز) ٳھ.
12/ الشر ليس اليك : 
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين : (أما وصف القدر بالخير؛ فالأمر فيه ظاهر. وأما وصف القدر بالشر، فالمراد به شر المقدور لا شر القدر الذي هو فعل الله، فإن فعل الله عز وجل ليس فيه شر، كل أفعاله خير وحكمة، ولكن الشر في مفعولاتهومقدوراته؛ فالشر هنا باعتبار المقدور والمفعول، أما باعتبار الفعل؛ فلا، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (والشر ليس إليك) .
فمثلًا، نحن نجد في المخلوقات المقدورات شرًّا، ففيها الحيات والعقارب والسباع والأمراض والفقر والجدب وما أشبه ذلك، وكل هذه بالنسبة للإنسان شر؛ لأنها لا تلائمه، وفيها أيضًا المعاصي والفجور والكفر والفسوق والقتل وغير ذلك، وكل هذه شر، لكن باعتبار نسبتها إلى الله هي خير؛ لأن الله عز وجل لم يقدرها إلا لحكمة بالغة عظيمة، عرفها من عرفها وجهلها من جهلها.
وعلى هذا يجب أن تعرف أن الشر الذي وصف به القدر إنما هو باعتبار المقدورات والمفعولات، لا باعتبار التقدير الذي هو تقدير الله وفعله.
ثم اعلم أيضًا أن هذا المفعول الذي هو شر قد يكون شرًّا في نفسه، لكنه خير من جهة أخرى، قال الله تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم/41)، النتيجة طيبة، وعلى هذا، فيكون الشر في هذا المقدور شرًّا إضافيًّا يعنى: لا شرًّا حقيقيًّا؛ لأن هذا ستكون نتيجته خيرًا.
ولنفرض حد الزاني مثلًا : إذا كان غير محصن أن يجلد مئة جلدة ويسفر عن البلد لمدة عام، هذا لا شك أنه شر بالنسبة إليه؛ لأنه لا يلائمه، لكنه خير من وجه آخر لأنه يكون كفارة له، فهذا خير؛ لأن عقوبة الدنيا أهون من عقوبة الآخرة، فهو خير له، ومن خيره أنه ردع لغيره ونكال لغيره، فإن غيره لو هم أن يزني وهو يعلم أنه سيفعل به مثل ما فعل بهذا؛ ارتدع، بل قد يكون خيرًا له هو أيضًا، باعتبار أنه لن يعود إلى مثل هذا العمل الذي سبب له هذا الشيء.
أما بالنسبة للأمور الكونية القدرية، فهناك شيء يكون شرًّا باعتباره مقدورًا، كالمرض مثلًا، فالإنسان إذا مرض، فلا شك أن المرض شر بالنسبة له، لكن فيه خير له في الواقع، وخيره تكفير الذنوب، قد يكون الإنسان عليه ذنوب ما كفرها الاستغفار والتوبة، لوجود مانع؛ مثلًا لعدم صدق نيته مع الله عز وجل فتأتي هذه الأمراض والعقوبات، فتكفر هذه الذنوب.
ومن خيره أن الإنسان لا يعرف قدر نعمة الله عليه بالصحة، إلا إذا مرض، نحن الآن أصحاء ولا ندري ما قدر الصحة لكن إذا حصل المرض، عرفنا قدر الصحة فالصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يعرفها إلا المرضى هذا أيضًا خير، وهو أنك تعرف قدر النعمة. 
ومن خيره أنه قد يكون في هذا المرض أشياء تقتل جراثيم في البدن لا يقتلها إلا المرض؛ يقول الأطباء: بعض الأمراض المعينة تقتل هذه الجراثيم التي في الجسد وأنك لا تدري.
فالحاصل أننا نقول:
أولًا: الشر الذي وصف به القدر هو شر بالنسبة لمقدور الله، أما تقدير الله، فكله خير والدليل قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( والشر ليس إليك ).
ثانيًا: أن الشر الذي في المقدور ليس شرًّا محضًا بل هذا الشر قد ينتج عنه أمور هي خير، فتكون الشَّرِّيَّة بالنسبة إليه أمرًا إضافيًّا).
13/ الرضا بالقضاء والقدر :
(الرضا بالقدر فهو واجب؛ لأنه من تمام الرضا بربوبية الله، فيجب على كل مؤمن أن يرضى بقضاء الله، ولكن المقضي هو الذي فيه التفصيل فالمقضي غير القضاء؛ لأن القضاء فعل الله، والمقضي مفعول الله، فالقضاء الذي هو فعل الله يجب أن نرضى به، ولا يجوز أبدا أن نسخطه بأي حال من الأحوال.
وأما المقضي فعلى أقسام:
القسم الأول: ما يجب الرضا به.
قسم من المقضي يجب الرضا به مثل الواجب شرعا؛ لأن الله حكم به كونا، وحكم به شرعا، فيجب الرضا به من حيث القضاء ومن حيث المقضي.
القسم الثاني: ما يحرم الرضا به.
فمثلا المعاصي من مقضيات الله، ويحرم الرضا بالمعاصي، وإن كانت واقعة بقضاء الله، فمن نظر إلى المعاصي من حيث القضاء الذي هو فعل الله يجب أن يرضى، وأن يقول: إن الله تعالى حكيم، ولولا أن حكمته اقتضت هذا ما وقع، وأما من حيث المقضي وهو معصية الله فيجب ألا ترضى به، والواجب أن تسعى لإزالة هذه المعصية منك أو من غيرك.
القسم الثالث: ما يستحب الرضا به.
يستحب الرضا به، ويجب الصبر عليه، وهو ما يقع من المصائب، فما يقع من المصائب يستحب الرضا به عند أكثر أهل العلم ولا يجب، لكن يجب الصبر عليه، والفرق بين الصبر والرضا: أن الصبر يكون الإنسان فيه كارها للواقع، لكنه لا يأتي بما يخالف الشرع وينافي الصبر. والرضا: لا يكون كارها للواقع فيكون ما وقع، وما لم يقع عنده سواء، فهذا هو الفرق بين الرضا والصبر؛ ولهذا قال الجمهور: إن الصبر واجب، والرضا مستحب) ٳھ.
14/ الانسان مخير أم مسير :
(أن الأمور التي يفعلها الإنسان العاقل يفعلها باختياره بلا ريب، واسمع إلى قول الله تعالى: (فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا) (النبأ/39) ، وإلى قوله: (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) (ال عمران/ 152) ، وإلى قوله: (وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا) (الاسراء/19)، إلى قوله: (فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) (البقرة/196)، حيث خير الفادي فيما يفدي به.
ولكن العبد إذا أراد شيئا وفعله علمنا أن الله تعالى قد أراده لقوله تعالى : (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ۞ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (التكوير28و29) فلكمال ربوبيته لا يقع شيء في السماوات والأرض إلا بمشيئته تعالى .
وأما الأمور التي تقع على العبد، أو منه بغير اختياره، كالمرض، والموت، والحوادث فهي بمحض القدر، وليس للعبد اختيار فيها ولا إرادة. والله الموفق.) ٳھ 
واعلم (إن الإنسان مخير باعتبار، ومسير باعتبار؛ فهو مخير باعتبار أن له مشيئةً يختار بها، وقدرةً يفعل بها؛ لقوله تعالى : ( فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) (الكهف/29)، وقوله: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) (البلد/10)، وقوله: (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) (البقرة/223)، وقوله: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) (آل عمران/ 133).
ولقوله عليه الصلاة والسلام: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز...) الحديث، وقوله: (صلوا قبل صلاة المغرب) قال في الثالثة: (لمن شاء)، إلى غير ذلك من الأدلة في هذا المعنى.
وهو مسير باعتبار أنه في جميع أفعاله داخل في القدر، راجع إليه؛ لكونه لا يخرج عما قدَّره الله له؛ فلا يخرج في تخييره عن قدرة الله عز وجل؛ لقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) (يونس/22)، وقوله: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (القصص/68).
ولقوله صلى الله عليه وسلم:(كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة) .
إلى غير ذلك من الأدلة في هذا المعنى.
ولهذا جمع الله بين هذين الأمرين - كون الإنسان مخيراً باعتبار ومسيراً باعتبار -  كما في قوله تعالى :
( لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ، وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (التكوير/28- 29).
فأثبت عز وجل أن للعبد مشيئة، وبَيَّنَ أن مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله، واقعة بها.
وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم كما في قوله: (ما منكم من نفس إلا وقد علم منزلها من الجنة والنار). قالوا: يا رسول الله: فَلِمَ نعمل؟ أفلا نتكل؟ قال: (لا، اعملوا فكلٌّ ميسر لما خلق له).
فهذا الحديث دليل لما سبق؛ فهو يدل على أن الإنسان مخير؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (اعملوا) وعلى أنه لا يخرج في تخييره عن قدر الله؛ لقوله: (فكل ميسر لما خلق له).
هذا مقتضى أدلة الشرع والواقع في هذه المسألة .
فلعل في هذا التقرير إجابة شافية، وجمعاً بين النصوص في هذه المسألة. ومما يستحسن في هذا الأمر أن يصحح السؤال؛ فبدلاً من أن يقال: هل الإنسان مسير أو مخير؟ كان الأولى أن يقال: هل للإنسان مشيئة وقدرة أوْ لا؟ ، والجواب - كما تقدم - وتلخيصه أن يقال: إن للإنسان مشيئةً يختار بها، وقدرةً يفعل بها، وقدرته ومشيئته تابعتان لمشيئة الله، واقعتان بها. وبهذا يزول الإشكال، ويجاب عن هذا السؤال.
ومن هنا يتبين خطأ بعض من يكتبون عن القدر، وذلك حينما يصدِّرون كتاباتهم عن القدر بذلك السؤال: هل الإنسان مسير أو مخير؟ ويطنبون في الخوض فيه، والحديث عنه، دون خروج بنتيجة صحيحة في الغالب  وكأن باب القدر لا يفهم إلا بالإجابة عن هذا السؤال . وكان الأولى بهؤلاء إذا أرادوا أن يكتبوا عن القدر أن يصدِّروها بتوضيح القدر من أصله من خلال نصوص الكتاب والسنة، لا من خلال العقول القاصرة، فيوضحوا القدر بمراتبه الأربع، ويبينوا أنَّ الله أمر ونهى، وأنَّ على العبد أن يؤمن بالقدر ويؤمن بالشرع، فعليه تصديق الخبر، وطاعة الأمر، فإن أحسن فليحمد الله، وإن أساء فليستغفر الله.
وكذلك يبينون أن على العبد أن يسعى في مصالحه الدنيوية، ويأخذ بالأسباب المشروعة والمباحة، فإذا حصل على مراده حمد الله، وإن أتت الأمور على خلافه تعزى بقدره، وهكذا. . .
ففي ذلك الغنيةُ عن كثرة الخوض في مثل هذا السؤال؛ فالإنسان إذا فهم باب القدر على هذا النحو سلم من تلك الإيرادات والشبهات).
يتبع إن شاء الله...


سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر Empty
مُساهمةموضوع: رد: سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر   سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر Emptyالخميس 19 ديسمبر 2013, 12:48 am

15/ قول العاصي : إن الله لم يكتب لي الهداية :
يقال له: (أطَّلعت الغيب أم اتخذت عند الله عهدًا؟ إن قال: نعم، كفر لأنه ادعى علم الغيب. وإن قال: لا، خُصم وغلب، إذا كنت لم تطلع أن الله لم يكتب لك الهداية فاهتد، فالله ما منعك الهداية بل دعاك إلى الهداية، ورغبك فيها، وحذرك من الضلالة، ونهاك عنها ولم يشأ الله عز وجل أن يدع عباده على ضلالة أبدًا قال تعالى: ( يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا ) (النساء /176)، ( يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ) (النساء /26)، فتب إلى الله، والله عز وجل أشد فرحًا بتوبتك من رجل أضل راحلته وعليها طعامه وشرابه، وأيس منها، ونام تحت شجرة ينتظر الموت، فاستيقظ فإذا بخطام ناقته متعلق بالشجرة فأخذ بخطام الناقة فرحًا وقال: (اللهم أنت عبدي وأنا ربك)، أخطأ من شدة الفرح، فنقول: تب إلى الله، والله أمرك بالاهتداء وبين لك طريق الحق. والله ولي التوفيق.) ٳھ 
16/ الحكمة من وجود المعاصي والكفر:
( لوقوع المعاصي والكفر حكم كثيرة منها:
1 - إتمام كلمة الله تعالى حيث وعد النار أن يملأها قال الله تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ۞ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (هود/119).
2 - ومنها ظهور حكمة الله تعالى وقدرته حيث قسم العباد إلى قسمين: طائع، وعاصٍ، فإن هذا التقسيم يتبين به حكمة الله عز وجل فإن الطاعة لها أهل هم أهلها، والمعصية لها أهل هم أهلها، قال الله تعالى: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) (الانعام /24)، وقال: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) (محمد/17)، فهؤلاء أهل الطاعة، وقال تعالى: (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ) (التوبة/125)، وقال: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ)(الصف/5) . وهؤلاء أهل المعصية.
ويتبين بذلك قدرته بهذا التقسيم الذي لا يقدر عليه إلا الله كما قال تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) (البقرة/272)، وقال: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (القصص /56) .
3 - ومنها أن يتبين للمطيع قدر نعمة الله عليه بالطاعة إذا رأى حال أهل المعصية قال الله تعالى: ( لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (آل عمران /164) .
4 - ومنها لجوء العبد إلى ربه بالدعاء أن يباعد بينه وبين المعصية والدعاء عبادة لله تعالى .
5 - ومنها أن العبد إذا وقع في المعصية ومَنَّ الله عليه بالتوبة ازداد إنابة إلى الله وانكسر قلبه، وربما يكون بعد التوبة أكمل حالًا منه قبل المعصية حيث يزول عنه الغرور والعجب، ويعرف شدة افتقاره إلى ربه.
6 - ومنها إقامة الجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فإنه لولا المعاصي والكفر لم يكن جهاد، ولا أمر بمعروف، ولا نهي عن منكر. إلى غير ذلك من الحكم والمصالح الكثيرة ولله في خلقه شؤون. ) ٳھ 
17/ حكم استعمال ( لو ) :
( استعمال ( لو ) فيه تفصيل على الوجوه التالية:
الوجه الأول:
 أن يكون المراد بها مجرد الخبر فهذه لا بأس بها مثل أن يقول الإنسان لشخص: لو زرتني لأكرمتك، أو لو علمت بك لجئت إليك.
الوجه الثاني:
أن يقصد بها التمني فهذه على حسب ما تمناه إن تمنى بها خيرًا فهو مأجور بنيته، وإن تمنى بها سوى ذلك فهو بحسبه، ولهذا ( قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : في الرجل الذي له مال ينفقه في سبيل الله وفي وجوه الخير ورجل آخر ليس عنده مال، قال: لو أن لي مثل مال فلان لعملت فيه مثل عمل فلان ، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( في الأجر سواء ) والثاني رجل ذو مال لكنه ينفقه في غير وجوه الخير فقال رجل آخر: لو أن لي مثل مال فلان لعملت فيه مثل عمل فلان فقال رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( هما في الوزر سواء)  ، فهي إذا جاءت للتمني تكون بحسب ما تمناه العبد إن تمنى خيرًا فهي خير، وإن تمنى سوى ذلك فله ما تمنى.
الوجه الثالث:
 أن يراد بها التحسر على ما مضى فهذه منهي عنها، لأنها لا تفيد شيئًا وإنما تفتح الأحزان والندم وفي هذه يقول الرسولصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا، فإن لو تفتح عمل الشيطان) . 
وحقيقة أنه لا فائدة منها في هذا المقام لأن الإنسان عمل ما هو مأمور به من السعي لما ينفعه ولكن القضاء والقدر كان بخلاف ما يريد فكلمة ( لو ) في هذا المقام إنما تفتح باب الندم والحزن، ولهذا نهى عنها رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأن الإسلام لا يريد من الإنسان أن يكون محزونًا ومهمومًا بل يريد منه أن يكون منشرح الصدر وأن يكون مسرورًا طليق الوجه، ونبه الله المؤمنين لهذه النقطة بقوله: (إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) (المجادلة /10) . 
وكذلك في الأحلام المكروهة التي يراها النائم في منامه فإن الرسول عليه الصلاة والسلام أرشد المرء إلى أن يتفل عن يساره ثلاث مرات، وأن يستعيذ بالله من شرها ومن شر الشيطان، وأن ينقلب إلى الجنب الآخر،وألا يحدث بها أحدًا لأجل أن ينساها ولا تطرأ على باله قال: (فإن ذلك لا يضره) .
والمهم أن الشرع يحب من المرء أن يكون دائمًا في سرور، ودائمًا في فرح ليكون متقبلًا لما يأتيه من أوامر الشرع؛ لأن الرجل إذا كان في ندم وهم وفي غم وحزن لا شك أنه يضيق ذرعًا بما يلقى عليه من أمور الشرع وغيرها، ولهذا يقول الله تعالى لرسوله دائمًا: (وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) (النحل/127) (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (الشعراء/3) وهذه النقطة بالذات تجد بعض الغيورين على دينهم إذا رأوا من الناس ما يكرهون تجدهم يؤثر ذلك عليهم، حتى على عبادتهم الخاصة ولكن الذي ينبغي أن يتلقوا ذلك بحزم وقوة ونشاط فيقوموا بما أوجب الله عليهم من الدعوة إلى الله على بصيرة، ثم إنه لا يضرهم من خالفهم.)ٳھ.
18/ ما جاء في التطير والعدوى والهامة والفأل الصالح : 
قال الله تعالى: (فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) (الاعراف /131). وقال تعالى: (قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ) (يس/18).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قَالَ: (لَا عَدْوَى, وَلَا طِيَرَةَ, وَأُحِبُّ الفألَ الصالح). وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا عَدْوَى وَلَا صَفَر وَلَا هَامَةَ) فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا بَالُ الْإِبِلِ تَكُونُ فِي الرَّمْلِ كَأَنَّهَا الظِّبَاء فَيَجِيءُ الْبَعِيرُ الْأَجْرَبُ فَيَدْخُلُ فِيهَا فيُجْرِبُها؟ قَالَ: (فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ)؟. وعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يَقُولُ: (لَا طِيَرَةَ وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ) قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْفَأْلُ؟ قَالَ: (الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يسمعها أحدكم). وعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَا عَدْوَى وَلَا صَفَرَ ولا غُولَ). وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا عَدْوَى وَلَا هَامَةَ وَلَا صَفَرَ وَلَا نَوْءَ).  
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا عَدْوَى وَلَا هَامَةَ وَلَا صَفَرَ وفر من المجذوم كما تفر من الأسد). وعن أنس قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا عَدْوَى ولا طيرة ويعجبني الفأل الصالح والفأل الصالح: الكلمة الحسنة). وعن ابن مسعود قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا يعدي شيء شيئا فمن أجرب الأول ؟ لا عدوى ولا صفر خلق الله كل نفس فكتب حياتها ورزقها ومصائبها ).  
وعن عمرو بن الشريد، عن أبيه، قال: كان في وفد ثقيف رجل مجذوم، فأرسل إليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إنا قد بايعناك فارجع ).  
التطير من أعمال الجاهلية حيث كانوا يعتمدون علي الطير في إمضاء الشيء أو الحجب عنه، فإذا رأي أحدهم طائراً طار يمنة استبشر وأستمر وإن طار يسرة تشاءم ورجع عما عزم. بل كان بعضهم إذا أراد شيء تعمد علي تهيج الطير ليري هل تطير يسرة أو يمنة وكانوا يسمون ما طار يمنة بالسانح وما طار يسرة بالبارح ، وجاء الإسلام وأبطل كل هذه الخرافات فنهانا عن التشاؤم لأن المسلم الصادق يعلم أن الأمور كلها بيد الله فإذا عزم علي أمر فليستعن به وليمضي فيه ولا يصده التشاؤم عن فعله.
أما حديث ( الشؤم في ثلاث ) فقد سئل الشيخ الالباني السؤال التالي:
بارك الله فيك يا شيخ حديث أبي هريرة الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إنما الشؤم في ثلاث: المرأة والدار والفرس)، يعني قال بعض العلماء فيما استدركته عائشة على الصحابة أنها قالت: رحم الله أبا هريرة إنما دخل على الشطر الأخير من هذا الحديث، فقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأول الحديث إنما يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (قاتل الله اليهود، تقول إنما الشؤم في ثلاث..) ثم ذكرت تكملة الحديث، فما أدري ما صحة هذه الزيادة ياشيخ، وهل هذه هي مناسبة الحديث أم لا؟
الشيخ: تعني بالزيادة ما يتعلق بحديث عائشة؟
مداخلة: بحديث عائشة لما استدركته على أبي هريرة.
الشيخ: استدراك السيدة عائشة رضي الله عنها صحيح، لكن هذه الصحة لا تنفي أن يكون لحديث أبي هريرة أصل صحيح، ولكن بغير هذا اللفظ، وأنا عالجت هذه المشكلة لأن الحديث في الواقع روي في الصحاح، فضلاً عما دونها، بألفاظ ثلاثة، أحدها ما ذكرت عن أبي هريرة: «إنما الشؤم»، الثاني: «الشؤم». الثالث: وهو الصحيح: «لو كان الشؤم في شيء لكان في هذا، هذا اللفظ الأخير هو الصحيح من حيث اعتماد صاحبي الصحيحين عليه، ومجيء أيضاً هذا اللفظ من طرق كثيرة وعديدة ترجحه على اللفظين الأولين من حيث أولاً الرواية ثم من حيث الدراية؛ لأن الأحاديث متتابعة إن لم نقل متواترة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في إنكار التطير، فأن يقال الشؤم في ثلاثة، أو إنما الشؤم في ثلاثة، فهذا يتنافى مع نفي الشارع الحكيم في تلك الأحاديث الكثيرة المشار إليها: «لاطيرة» وفي لفظ: «لاطيرة في الإسلام». 
هذا يجعلنا نُقوِّي موقفنا من حيث الرواية أن اللفظ الثالث والأخير لو كان الشؤم في شيء لكان في ثلاثة، وبذلك نخلص من المشكلة التي تتبادر إلى الذهن من اللفظ الأول أو الثاني، ونقول هذا جاء من اختصار بعض الرواة وليس من الضروري أن يكون هذا الاختصارمن بعض الرواة حادثاً فيما بعد، وإنما يمكن أن يكون وقع فيه بعض الرواة أيضاً الذي أوصلوا الحديث إلى السيدة عائشة، فهي روت ما سمعت، والرسول عليه السلام رد عليهم بلا شك، إنما الشؤم، هذه ليست عقيدة إسلامية.
إذاً: نحن نثبت الروايتين، رواية ودراية، نثبت رواية عائشة لأنه سند صحيح، ونثبت رواية عائشة على الترجيح وهي باللفظ الأخير الثالث..؟
وهذا أنا ذكرته في السلسلة الصحيحة، في أكثر من موضع. ٳھ
وقال رحمه الله تعالى، في السلسلة الصحيحة / 1/ 2/804 : والحديث يعطي بمفهومه أن لا شؤم في شيء، لأن معناه: لو كان الشؤم ثابتاً في شيء ما، لكان في هذه الثلاثة، لكنه ليس ثابتًا في شيء أصلاً.
وعليه فما في بعض الروايات بلفظ (الشؤم في ثلاثة). أو (إنما الشؤم في ثلاثة) فهو اختصار، وتصرف من بعض الرواة. والله أعلم.
العدوى: قال أبو السعادات: العدوى اسم من الأعداء كالدعوى والبقوى من الادعاء والإبقاء. يقال: أعداه الداء يعديه إعداء، وهو أن يصيبه مثل ما بصاحب الداء. وذلك أن يكون ببعير جرب مثلاً يتقي مخالطته بإبل أخرى حَذَار أن يتعدى ما به من الجرب إليها، فيصيبها ما أصابه.
قال البيهقي، وتبعه ابن الصلاح وابن القيم وابن رجب وابن مفلح وغيرهم أن قوله : (لا عدوى) على الوجه الذي كانوا يعتقدونه في الجاهلية من إضافة الفعل إلى غير الله تعالى، وأن هذه الأمراض تعدي بطبعها، وإلا فقد يجعل الله بمشيئته مخالطة الصحيح مَنْ به شيء من هذه العيوب سببًا لحدوث ذلك.
وأما أمره بالفرار من المجذوم، ونهيه عن إيراد الممرض على المصح، وعن الدخول إلى موضع الطاعون، فإنه من باب اجتناب الأسباب التي خلقها الله تعالى، وجعلها أسبابًا للهلاك والأذى، والعبد مأمور باتقاء أسباب الشر إذا كان في عافية، فكما أنه يؤمر أن لا يلقي نفسه في الماء أو في النار أو تحت الهدم أو نحو ذلك مما جرت العادة بأنه يهلك ويؤذي، فكذلك اجتناب مقاربة المريض كالمجذوم، وقدوم بلد الطاعون، فإن هذه كلها أسباب للمرض والتلف، والله تعالى هو خالق الأسباب ومسبباتها لا خالق غيره ولا مقدر غيره. 
و(عَنْ الشريد قَالَ : كَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم  : ( إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِعْ ). قال الشيخ الالباني : هذا دليل واضح على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يرى أن الجذام مرض معد, ولذلك اتخذ السبب في عدم انتقال المرض إليه من المجذوم, وليس ينافي هذا التوكل على الله تعالى كما أشار عمر رضي الله عنه، وقد عزم على أن لا يدخل الأرض الموبوءة: ( نفر من قدر الله, إلى قدر الله ) , وقد تأول بعضهم هذا الحديث تأويلاً بعيداً فلا يلتفت إليه فإنما حملهم عليه حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أكل مع مجذوم وقال : ( كل بسم الله ثقةً بالله وتوكلاً عليه ) ، وهو حديث ضعيف كما قد بينته في السلسلة/1144).  
الهامة: قوله: (ولا هامة) بتخفيف الميم على الصحيح. قال الفراء: الهامة طائر من طير الليل كأنه يعني: البومة قال ابن الأعرابي: كانوا يتشاءمون بها إذا وقعت على بيت أحدهم يقول: نعت إلي نفسي أو أحدًا من أهل داري. وقال أبو عبيد: كانوا يزعمون أن عظام الميت تصير هامة فتطير، ويسمون ذلك الطائر الصدى، وبه جزم ابن رجب قال: وهذا شبيه باعتقاد أهل التناسخ أن أرواح الموتى تنتقل إلى أجساد حيوانات من غير بعث ولا نشور، وكل هذه اعتقادات باطلة جاء الإسلام بإبطالها وتكذيبها.
صفر: قوله: (ولا صفر)، بفتح الفاء. روى أبو عبيد القاسم بن سلام في (غريب الحديث) له عن رؤبة أنه قال: هي حية تكون في البطن تصيب الماشية والناس وهي أعدى من الجرب عند العرب. فعلى هذا فالمراد بنفيه ما كانوا يعتقدونه من العدوى، ويكون عطفه على العدوى من عطف الخاص على العام. وممن قال بهذا: سفيان بن عيينة وأحمد والبخاري وابن جرير، وقال آخرون: المراد به شهر صفر، والنفي لما كان أهل الجاهلية يفعلونه في النسيء، وكانوا يحلون المحرم، ويحرمون صفر مكانه. وهذا قول مالك وفيه نظر. 
وروى أبو داود عن محمد بن راشد عمن سمعه يقول: إن أهل الجاهلية كانوا يستشئمون بصفر ويقولون: إنه شهر مشؤوم فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، قال ابن رجب: ولعل هذا القول أشبه الأقوال، وكثير من الجهال يتشاءم بصفر، وربما ينتهي عن السفر فيه. والتشاؤم بصفر هو من جنس الطيرة المنهي عنها، وكذلك التشاؤم بيوم من الأيام، كيوم الأربعاء وتشاؤم أهل الجاهلية بشوال في النكاح فيه خاصة.
النوء: قوله: (ولا نوء)، النوء واحد الأنواء ، قال أبو السعادات: وهي ثمانية وعشرون منْزلة ينزل القمر كل ليلة منْزلة منها ومنه قوله تعالى: (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ) (يس /39)، يسقط في الغرب كل ثلاث عشرة ليلة منزلة مع طلوع الفجر، وتطلع أخرى مقابلتها ذلك الوقت في الشرق فتنقضي جميعها مع انقضاء السنة. وكانت العرب تزعم أن مع سقوط المنْزلة وطلوع رقيبها يكون مطر، وينسبونه إليها فيقولون: مطرنا بنوء كذا، وإنما سمي نوءًا لأنه إذا سقط الساقط منها بالمغرب ناء الطالع بالمشرق ينوءنوءًا، أي: نهض وطلع.
(وإنما غلظ النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الأنواء لأن العرب كانت تنسب المطر إليها. فأما من جعل المطر من فعل الله تعالى، وأراد بقوله: «مطرنا بنوء كذا» أي في وقت كذا، وهو هذا النوء الفلاني، فإن ذلك جائز: أي إن الله قد أجرى العادة أن يأتي المطر في هذه الأوقات). 
الغول: قوله: (ولا غول). هو بالفتح مصدر معناه: البعد والهلاك وبالضم الاسم، وجمعه أغوال وغيلان وهو المراد هنا. قال أبو السعادات: الغول واحد الغيلان، وهو جنس من الجن والشياطين كانت العرب تزعم أن الغول في الفلاة تتراءى للناس فتتغول تغولاً، أي: تتلون تلونًا في صور شتى وتُغْوِلُهم، أي: تضلهم عن الطريق وتهلكهم، فنفاه النبي صلى الله عليه وسلم وأبطله.
وقيل: قوله: لا غول ليس نفيًا لعين الغول ووجوده، وإنما فيه إبطال زعم العرب في تلونه بالصور المختلفة واغتياله.
الفأل: قوله: ( ويعجبني الفأل ). قال أبو السعادات : الفأل مهموز فيما يسر ويسوء، والطيرة لا تكون إلا فيما يسوء، وربما استعملت فيما يسر، يقال: تفاءلت بكذا، وتفألت على التخفيف والقلب. وقد أولع الناس بترك الهمزة تخفيفًا، وإنما أحب الفأل، لأن الناس إذا أملوا فائدة الله، ورجوا عائدته عند كل سبب ضعيف أو قوي، فهم على خير، ولو غلطوا في جهة الرجاء، فإن الرجاء لهم خير، وإذا قطعوا أملهم ورجاءهم من الله كان ذلك من الشر.
وأما الطيرة، فإن فيها سوء الظن بالله، وتوقع البلاء. ومعنى التفاؤل مثل أن يكون رجل مريض، فيتفاءل بما يسمع من كلام فيسمع آخر يقول: يا سالم، أو يكون طالب ضالة، فيسمع آخر يقول: يا واجد، فيقع في ظنه أنه برئ من مرضه ويجد ضالته ومنه الحديث قيل: يا رسول الله ما الفأل؟ فقال: (الكلمة الصالحة).
قوله: (قالوا وما الفأل؟ قال الكلمة الطيبة). بين لهم صلى الله عليه وسلم أن الفأل يعجبه فدل أنه ليس من الطيرة المنهي عنها.
قال ابن القيم: (أما مَا ذكرْتُمْ من أَن النَّبِي كَانَ يُعجبهُ الفأل الْحسن فَلَا ريب فِي ثُبُوت ذَلِك عَنهُ وَقد قرن ذَلِك بِإِبْطَال الطَّيرَة كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن عبيد بن عبد الله عَن أَبى هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ قَالَ : قَالَ رَسُول الله صلى عَلَيْهِ وَسلم : لاطيرة وَخَيرهَا الفأل قَالُوا وَمَا الفأل يَا رَسُول الله قَالَ الْكَلِمَة الصَّالِحَة يسْمعهَا أحدكُم فابتدأهم النَّبِي بِإِزَالَة الشُّبْهَة وأبطال الطَّيرَة لِئَلَّا يتوهموها عَلَيْهِ فِي إعجابه بالفأل الصَّالح وَلَيْسَ فِي الْإِعْجَاب بالفأل ومحبته شيء من الشّرك بل ذَلِك إبانة عَن مُقْتَضى الطبيعة وَمُوجب الْفطْرَة الإنسانية الَّتِي تميل إِلَى مايلائمهاويوافقها مِمَّا ينفعها كَمَا أخْبرهُم أَنه حبب إِلَيْهِ من الدُّنْيَا النِّسَاء وَالطّيب.
وَفِي بعض الْآثَار أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُعجبهُ الفاغية وهى نور الْحِنَّاء وَكَانَ يحب الْحَلْوَاء وَالْعَسَل وَكَانَ يحب الشَّرَاب الْبَارِد الحلو وَيُحب حسن الصَّوْت بِالْقُرْآنِ وَالْأَذَان ويستمع إِلَيْهِ وَيُحب معالي الْأَخْلَاق وَمَكَارِم الشيم وَبِالْجُمْلَةِ يحب كل كَمَال وَخير وَمَا يُفْضِي إِلَيْهِمَا وَالله سُبْحَانَهُ قد جعل فِي غرائز النَّاس الْإِعْجَاب بِسَمَاع الإسم الْحسن ومحبته وميل نُفُوسهم إِلَيْهِ وَكَذَلِكَ جعل فِيهَا الإرتياح والاستبشار وَالسُّرُور باسم السَّلَام والفلاح والنجاح والتهنئة والبشرى والفوز وَالظفر وَالْغنم وَالرِّبْح وَالطّيب ونيل الأمنية والفرح والغوث والعز والغنى وأمثالها فَإِذا قرعت هَذِه الْأَسْمَاء الأسماع استبشرت بهَا النَّفس وانشرح لَهَا الصَّدْر وقوى بهَا الْقلب وَإِذا سَمِعت أضدادها أوجب لَهَا ضد هَذِه الْحَال فأحزنها ذَلِك وأثار لَهَا خوفًا وطيرة وأنكماشا وانقباضا عَمَّا قصدت لَهُ وعزمت عَلَيْهِ فأورث لَهَا ذَلِك ضَرَرا فِي الدُّنْيَا ونقصا فِي الْإِيمَان ومقارفة للشرك). 
وقال الحليمي : ( إنما كان صلى الله عليه وسلم يعجبه الفأل، لأن التشاؤم سوء ظن بالله تعالى بغير سبب محقق، والتفاؤل حسن ظن به، والمؤمن مأمور بحسن الظن بالله تعالى على كل حال ).ٳھ.
العيافة: وهي زجر الطير، أي تهييجه والتفاؤل بأسمائها وأصواتها وممرها، وقد كانت العرب تفعل ذلك من باب التشاؤم والتفاؤل.فإذا أرادوا فعل أمر كسفر أو تجارة أتوا إلى الغربان أو الحمام أو غيرهما فينفرونهما أو يزجرونهما فإذا طارت باتجاه اليمين تفاءلوا وأقدموا على هذا الأمر، وإذا اتجهت نحو الشمال تشاءموا وأحجموا عن هذا الأمر.
الطرق: وهو ما يخطه الرمالون الكذابون ويدعون به علم الغيب، ويدخل في ذلك قراءة الكف والفنجان، وتحديد المستقبل من الأبراج ونحوها، وإن كان ذلك من باب التسلية، وعلى المسلم ألا يصدق هؤلاء الكذابين، فعلم الغيب مما اختص الله سبحانه بعلمه، قال تعالى: ( قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ) (النمل/65).
وكراهة التزويج بين العيدين: عيد الفطر وعيد الأضحى، هو من التشاؤم بالأيام المنهي عنه، وهو نوع من الطيرة. 
• وقد شرع الله التزويج في جميع الأوقات، ما عدا حالة الإحرام بحج أو عمرة، ولا يدخل للأيام في نجاح التزويج أو فشله، وإنما هذا بيد الله سبحانه وتعالى.
قال الامام النووي في المنهاج - باب استحباب التزوج والتزويج في شوال ، واستحباب الدخول فيه – الحديث / 1423: قَوْلُهُ (عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَوَّالٍ وَبَنَى بِي فِي شَوَّالٍ فَأَيُّ نِسَاءِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَحْظَى عِنْدَهُ مِنِّي قَالَ وَكَانَتْ عَائِشَةُ تستحب أن تدخل نسائها فِي شَوَّالٍ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّزْوِيجِ وَالتَّزَوُّجِ وَالدُّخُولِ فِي شَوَّالٍ وَقَدْ نَصَّ أَصْحَابُنَا عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَاسْتَدَلُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَصَدَتْ عَائِشَةُ بِهَذَا الْكَلَامِ رَدَّ مَا كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ عَلَيْهِ وَمَا يَتَخَيَّلُهُ بَعْضُ الْعَوَامِّ الْيَوْمَ مِنْ كَرَاهَةِ التَّزَوُّجِ وَالتَّزْوِيجِ وَالدُّخُولِ فِي شَوَّالٍ وَهَذَا بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَهُوَ مِنْ آثَارِ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَتَطَيَّرُونَ بِذَلِكَ لِمَا فِي اسْمِ شَوَّالٍ مِنَ الْإِشَالَةِ والرفع. ٳﻫ.
فالتشاؤم من الزواج في شهر شوال أمر باطل؛ لأن التشاؤم عموماً من الطيرة التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها. وفي دخوله صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها في شوال ردّ لما يتوهمه بعض الناس من كراهية الدخول بين العيدين خشية المفارقة بين الزوجين، وهذا ليس بشيء.
التفاؤل من المصحف أو التشاؤم فيه: وذلك بأن يفتح المصحف فيقرأ أو لآية من الصفحة ، فإذا قرأ آية فيها خير تفاؤل ، وإذا قرأ آية فيها عذاب أو نحو ذلك تشاءم ، وهذا لا ينبغي ، وقد نهى عنه كثيرمن العلماء .
19/ في افتقار الإنسان إلى اختيار الله وتقديره:
روى الامام البخاري في صحيحه - بَابُ الدُّعَاءِ عِنْدَ الِاسْتِخَارَةِ / 6382 - عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا، كَالسُّورَةِ مِنَ القُرْآنِ : ( إِذَا هَمَّ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي - أَوْ قَالَ: فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ - فَاقْدُرْهُ لِي، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي - أَوْ قَالَ : فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ - فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ، وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ ).
أمرنا الله جل وعلا بالتوكل عليه وحده، والمُضِيِّ فيما فيه مصلحة للإنسان، وإذا أشكل عليه شيء من أموره، أو تردد في شيء، فإنه يصلي صلاة الاستخارة، ويدعو بعدها أن يهديه الله للصواب.
ففي الحديث : بيان لحاجة العبد إلى فعل ما ينفعه في معاشه ، ومعاده ، وعلم ما فيه مصلحته ، وتيسير الله له ما قدره له من الخير ، فهو القادر سبحانه وتعالى على كل شيء ، والعبد عاجز إن لم ييسر الله له ما فيه مصلحته ، ولذلك أرشده النبي صلى الله عليه واله وسلم إلى طلب فضله سبحانه وتعالى وتيسيره، ثُمَّ إذا اختاره له بعلمه ، وأعانه عليه بقدرته ، ويسره له من فضله ، فهو يحتاج إلى البقاء عليه ، وثبوت هذا الفضل ، ونموه، ثُمَّ إذا فعل ذلك كله فهو محتاج إلى أن يرضيه ، فإنه قد يهيئ له ما يكرهه فيظل ساخطاً والخيرة فيه .
قال شيخ الاسلام ابن تيمية : ( جماع هذا أنك إذا كنت غير عالم بمصلحتك، ولا قادر عليها، ولا مريد لها كما ينبغي، فغيرك من الناس أولى ألا يكون عالما بمصلحتك، ولا قادرًا عليها، ولا مريدا لها، والله سبحانه هو الذى يعلم ولا تعلم، ويقدر ولا تقدر، ويعطيك من فضله العظيم، كما في حديث الاستخارة ). وقال : (الاستخارة لله العليم القدير خالق الأسباب والمسببات خير من أن يأخذ الطالع فيما يريد فعله. فإن الاختيار غايته تحصيل سبب واحد من أسباب النّجح  إن صح. والاستخارة أخذ للنجح من جميع طرقه فإن الله يعلم الخيرة فإما أن يشرح صدر الإنسان وييسر الأسباب أو يعسرها ويصرفه عن ذلك. )  
قال ابن القيم الجوزية : ( فالمقدور يكتنفه أمران ، الاستخارة قبله والرضا بعده ، فمن توفيق الله لعبده وإسعاده إياه أن يختار قبل وقوعه ويرضى بعد وقوعه ، ومن خذلانه له أن لا يستخيره قبل وقوعه ولا يرضى به بعد وقوعه ، وقال عمر بن الخطاب : ( لا أبالي أصبحت على ما أحب أو على ما أكره لأني لا أدري الخير فيما أحب أو فيما أكره ) ، وقال الحسن : ( لا تكرهوا النقمات الواقعة والبلايا الحادثة ، فلرب أمر تكرهه فيه نجاتك ولرب أمر تؤثره فيه عطبك ).  
قال تعالى : ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (البقرة/216).
وقال سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) (النساء/19).
20/ البرمجة العصبية  تتعارض مع الإيمان بالقضاء والقدر :
( البرمجة العصبية - كما عرفها القائلون بها – هي : مجموعة طرق وأساليب تعتمد على مبادئ نفسية لحل بعض الأزمات النفسية ومساعدة الأشخاص على تحقيق نجاحات أفضل في حياتهم.
والبرمجة العصبية (أو قانون الجذب) على اختلاف أنواعها هي مما يمتزج فيه الشرك بالوثنية من الفلسفات القديمة في الصين والهند ؛ فهي بذلك ذات جذورٍ فلسفيةٍ شرقيةٍ قديمة تعتمد على فكرٍ فلسفيٍ ماديٍ يقوم على كثيرٍ من المغالطات التي تُعظم شأن الإنسان ، وتعمل على تضخيم قدراته العقلية بصورةٍ مُبالغٍ فيها. وقد تصل إلى إعطاء الإنسان قدرات حتمية يمكنه من خلالها تحقيق النجاح في كل شأنه متى ما عرف ما يُسمى بوصفة النجاح التي يُمكنه من خلالها تحقيق كل ما يريد من أهداف ومقاصد ، مهما كانت عظيمة أو مستحيلة ، اعتماداً على تلك القُدرات المزعومة التي يأتي من أبرزها عندهم ما يُسمى بالقوة المعجزة والفاعلة للعقل الباطن الذي يجعل منه أصحاب هذه البرامج ركيزة أساسية تصنع المعجزات ، وتُحقق المستحيل في حياة الإنسان.
وإذا تقرر هذا علمنا أن قانون الجذب لا يتعارض مع التوكل على الله ، وإنما يتعارض مع الإيمان بالقضاء والقدر الذي هو أصل من أصول الإيمان ، وركن من أركانه لا يتم إيمان المرء إلا به ، والله أعلم.)  
وقال الشيخ محمد النجدي : (وقد حذر العلماء من هذا ومن أمثاله من العلوم الغريبة والضارة ، ونبهوا على وجوب مخالفة أصحاب الجحيم ، بل ومن قبلهم رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أخبر بقوله : ( إياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ) رواه أهل السنن .
وقوله : ( لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع ، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ) قالوا : اليهود والنصارى؟ قال: ( فمن؟ ). رواه البخاري  وغيره .
فمصدر معارف المسلم والمسلمة : كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وما لا يخالفهما من المعارف والعلوم .
وقبله قد قال المولى الكريم : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً) (المائدة /3).
وقال: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران /85).
فأكمل الله تعالى الدين ، وتم بلاغ خاتم النبيين ، فما ترك خيرا إلا ودلنا عليه ، ولا شرا إلا وحذرنا منه ، كما قال صلى الله عليه وسلم .والله سبحانه أعلم. ). 
هل ( الجسم الأثيري ) له أصل في الشرع ، أم أنه مجرد توقعات ، أو سحر وخزعبلات ؟
( بالنسبة للجسم الأثيري فهو:
أولاً : قول مبني على نظرية قديمة ، تفترض وجود مادة ( الأثير ) ، وهي مادة مطلقة قوية غير مرئية ! تملأ الفراغ في الكون ، سمَّاها أرسطو (العنصر الخامس) وعدّها عنصراً ساميًا شريفًا ثابتًا غير قابل للتغيير والفساد ، وقد أثبت العلم الحديث عدم وجود الأثير ، ولكن الفلسفات القديمة المتعلقة بالأثير بقيت كما في الفلسفات المتعلقة بالعناصر الخمسة أو الأربعة.
ثانياً : قول تروج له حديثاً التطبيقات الاستشفائية والتدريبية المستمدة من الفلسفة الشرقية ، ومع أن التراث المعرفي المستمد من الوحي المعصوم بيّنٌ أوضح البيان ، وغنيٌّ كل الغنى بأصول ما يعرّف الإنسان بنفسه وقواه الظاهرة والخفيَّة إلا أن عقدة المفتونين بالعقل ، والمهووسين بالغرب والشرق من المسلمين جعلتهم يلتمسون ذلك فيما شاع هناك باسم ( الأبحاث الروحية ) ، فنظروا إليها على أنها حقائق علمية ، أو خلاصة حضارة شرقية عريقة ، وأعطوا لأباطيلها وتخرصات أهلها ما لم يعطوا لمحكمات الكتاب وقواطع السنَّة ، ومن ذلك القول بتعدُّد أجساد الإنسان، وقد يسمونها (الأبعاد) أو (الطاقات)؛ للقطع بأنها اكتشافات علميّة، وهذا القول حقيقته بعث لفلسفة الأجساد السبعة المعروفة في الأديان الشرقيَّة، ومفادها أنّ النفس الإنسانيّة تتكوَّن من عدَّة أجساد -اختلفوا في عدِّها ما بين الخمسة إلى التسعة بحسب وجهات نظر فلسفيّة تتعلّق بمعتقدهم في ألوهية الكواكب أو المؤثرات الخارجية- والمتَّفق عليه من هذه الأجساد الجسم البدنيّ أو الأرضيّ، والجسم العاطفيّ، والجسم العقليّ، والجسم الحيويّ، والجسم الأثيريّ، فالجسم البدنيّ هو الظاهر الذي نتعامل معه ، وتنعكس عليه حالات الأجساد الأخرى، والجسم الأثيري هو أهم هذه الأجساد، وأساس حياتها ، وهو منبع صحة الإنسان ، وروحانيته ، وسعادته!.
وقد سرى هذا المعتقد في أوساط المسلمين بعد أن عُرض على أنه كشف علمي عبر التطبيقات الشرقية المروجة على شكل دورات تدريبية ، أو تمارين استشفائية مفتوحة لعامة الناس ، بعد أن كان هذا المعتقد غامضًا محصورًا في حُجَر تحضير الأرواح ! عند خبراء حركة الروحية الحديثة.
فالاعتقاد بالجسم الأثيريّ كالاعتقاد بالعقل الباطن وقوى النفس ، إنما شاع ذكره عند من غفل عن حقائق الغيب، ورام الوصول إليها من غير طريق الرُّسُل، فأصل هذه المعتقدات مأخوذ من التراث المنقول في الديانات الوثنيّة الشرقيّة، والمعتقدات السرِّية الباطنيّة، وكلّ تطبيقاتها الرياضيّة والعلاجيّة الحديثة تدعو إلى تطوير قوى هذا الجسد لتنمية الجنس البشريّ حيث يصبح بإمكان الإنسان في المستقبل فعل ما كان يُعدّ خارقة في العصور الماضية، كأن يصبح صاحب لمسة علاجيّة، أو قدرة على التنبُّؤ، أو التأثير عن بُعد، وغير ذلك، دون أن يكون متنبِّئًا أو كاهنًا ومن ثم لا يحتاج لأيِّ مصدر خارج عن نفسه! ويستغني عن فكرة الدين، أو معتقد الألوهية -عياذاً بالله-).
اهمال البرمجة اللغوية العصبية جانب اتصال العبد بربه عز وجل
قلت : أن واضعي هذا العلم قد أهملوا جانب اتصال العبد بربه عز وجل ، والإيمان بالله تعالى وبقدرته وبقضائه وقدره، لذا فإنهم ينظرون إلى الأحداث نظرة مادية مجردة ، أو بمعنى آخر النظر إلى الأسباب دون النظر إلى المسبِّب. وإن كان في هذا العلم من الحق ففي القرآن والسنة وأخبار الصحابة ما يغني عنه بمراحل كبيرة، وأما ما زاد على ذلك فهو من ميراث الفلاسفة وعلومهم (مما لا يحتاجه العاقل ولا ينتفع به الجاهل) ومن آثار عقائد القدرية.
(قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( احْرِصْ على ما يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ ولا تَعْجز، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فلا تَقُلْ لو أَنِّي فَعَلْتُ كان كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وما شَاءَ فَعَلَ فإن لو تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ ) رواه مسلم.
قال ابن القيم رحمه الله : ( فهذا إرشاد له قبل وقوع المقدور إلى ما هو من أعظم أسباب حصوله ، وهو الحرص عليه مع الاستعانة بمن أزمة الأمور بيده ومصدرها منه ومردها إليه. فإن فاته ما لم يقدر له فله حالتان : حالة عجز وهي مفتاح عمل الشيطان فيلقيه العجز إلى (لو) ولا فائدة في (لو) ههنا ، بل هي مفتاح اللوم والجزع والسخط والأسف والحزن ، وذلك كله من عمل الشيطان ، فنهاه صلى الله عليه وسلم عن افتتاح عمله بهذا المفتاح ، وأمره بالحالة الثانية ، وهي النظر إلى القدر وملاحظته ، وأنه لو قدر له لم يفته ، ولم يغلبه عليه أحد فلم يبق له ههنا أنفع من شهود القدر ومشيئة الرب النافذة التي توجب وجود المقدور ، وإذا انتفت امتنع وجوده ).  
وهذا كله يبين خطأ ماهو مقرر فيما يسمى بالبرمجة اللغوية العصبية في إحدى قواعده الرئيسة وهي : ( إذا كان أي إنسان قادرا على فعل شيء فمن الممكن لأي إنسان آخر أن يتعلمه ويفعله باتباع نفس الطريقة والخطوات حتى تحصل على نفس النتائج التي حصل عليها ). وهذا الكلام بهذا الإطلاق باطل يرده الواقع ، فكم من ناس فعلوا مثلما فعل غيرهم من الناجحين فلم ينجحوا مثلهم ، ولم يحصلوا على مرادهم ، وشواهد هذا لاحصر لها في كافة الميادين.وهذه القاعدة من قواعد البرمجة العصبية موافقة لكلام أهل الضلال من المبتدعة الذين يغالون في إثبات الأسباب ، ويعتقدون استقلالها في التأثير. قال الإمام ابن تيمية رحمه الله : ( اعتقاد تأثير الأسباب على الاستقلال دخول في الضلال ). 
وقال ابن القيم في بيان قول بعض العلماء بأن الالتفات إلى الأسباب شرك قال: (فالشرك أن يعتمد عليها ويطمئن إليها، ويعتقد أنها بذاتها محصلة للمقصود، فهو معرض عن المسبب لها، ويجعل نظره والتفاته مقصورا عليها). وقال الإمام ابن تيمية: ( فالأسباب التي من العباد بل ومن غيرهم ليست موجِبات لا لأمر الدنيا ولا لأمر الآخرة بل قد يكون لا بد منها ومن أمور أخرى من فضل الله ورحمته خارجة عن قدرة العبد ، وما ثَمَّ موجِبٌ إلا مشيئة الله ، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، وكل ذلك قد بينه النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو معروف عند مَنْ نَوَّرَ الله بصيرته ). وقال أيضا : ( ومجرد الأسباب لا يوجب حصول المسبَّب فإن المطر إذا نزل وبذر الحب لم يكن ذلك كافيا في حصول النبات بل لابد من ريح مربية بإذن الله، ولابد من صرف الانتفاء عنه فلابد من تمام الشروط وزوال الموانع، وكل ذلك بقضاء الله وقدره، وكذلك الولد لا يولد بمجرد إنزال الماء في الفرج، بل كم من أنزل ولم يولد له بل لا بد من أن الله شاء خلقه فتحبل المرأة وتربيه في الرحم وسائر مايتم به خلقه من الشروط وزوال الموانع )).
يتبع إن شاء الله...


سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر Empty
مُساهمةموضوع: رد: سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر   سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر Emptyالخميس 19 ديسمبر 2013, 1:24 am

21/ اقوال لا تصح :
• قول الإنسان: من سخرية القدر أو من سذاجه القدر:
 منكر من القول، بل كفر وضلال واستهزاء بقدر الله سبحانه وتعالى، أما قول بعض الناس: شاءت الأقدار أو: شاء القدر أو: شاءت إرادة الله أو:عناية الله ، كلام لا يجوز، وفيه سوء تعبير، والصواب أن يقال: شاء الله سبحانه أو: شاء ربنا سبحانه، أو نحو ذلك من العبارات التي فيها إسناد المشيئة لله لا إلى صفاته.  
• قول شاء الحظ التعيس، لا يجوز أن يقول:
شاء الحظ، ولا شاءت قدرة الله، ولا شاءت إرادة الله، يقول: شاء الله سبحانه، شاء الله كذا، شاء ربي كذا، شاء الرحمن كذا، ولا يقول: شاء الحظ، أوشاءت إرادة الله، أو شاءت الظروف، كل هذا لا يجوز. 
• سب الإنسان الحظ والبخت:
 لا يجوز سب الحظ، وكذا البخت لا يجوز سبه، فهذا قدر الله وما شاء فعل، يسأل ربه التوفيق والإعانة، وأن يسهل أموره، ويقضي حاجاته، ولا يسب حظه ولا بخته.
السب ممنوع، لا يسب الإنسان زمانه، ولا حظه وبخته ولا مكانه، ولكن يستغفر الله، ويسأل ربه التوفيق، ويتوب إلى الله من معاصيه وما أصابه فقد يكون بذنب، يجب عليه التوبة إلى الله منه مثل ما قال الله جل وعلا: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} (الشورى /30) ، وقال سبحانه: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} (النساء /79) المقصود أن المؤمن والمؤمنة، عليهما أن يتوبا إلى الله دائما وأن يحاسبا أنفسهما، وأن يحذرا المعصية من سب أو غيره. 
• الدعاء بـ: اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكني أسألك اللطف فيه:
فهذا الدعاء يجري كثيراً على الألسنة، وهو دعاء لا ينبغي؛ لأنه شرع لنا أن نسأل الله ردَّ القضاء إذا كان فيه سوءٌ.
ولهذا بوَّب الإمام البخاري رحمه الله باباً في صحيحه قال فيه: باب مَنْ تعوذ بالله من درك الشقاء، وسوء القضاء، وقوله تعالى: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ۞ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ) (الفلق /1و2). 
ثم ساق قول النبي صلى الله عليه وسلم: تعوذوا بالله من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء). 
• قول القائل: ما شاء الله وشئت:
عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فراجعه في بعض الكلام، فقال: ما شاء الله وشئت! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (أجعلتني مع الله عدلاً (وفي لفظ: ندا؟!)، لا، بل ما شاء الله وحده). 
قال الشيخ الالباني في الصحيحة 1/266- الحديث 139: 
(وهو من شرك الألفاظ، لأنه يوهم أن مشيئة العبد في درجة مشيئة الرب سبحانه وتعالى، وسببه القرن بين المشيئتين، ومثل ذلك قول بعض العامة وأشباههم ممن يدعى العلم: ما لي غير الله وأنت، وتوكلنا على الله وعليك، ومثله قول بعض المحاضرين: (باسم الله والوطن)، أو (باسم الله والشعب) ونحو ذلك من الألفاظ الشركية، التي يجب الانتهاء عنها والتوبة منها، أدباً مع الله تبارك وتعالى.
• الاعتراض على الأقدار: 
فما أكثر الاعتراض على الأقدار، وما أقل المسلِّمين لله فيها. ومن صور الاعتراض على الأقدار قول بعضهم إذا أصيب بمصيبة: ماذا فعلتُ يا ربي؟ أو أنا لا أستحق ذلك! وكذلك ما يقال إذا أصيب شخص بمصيبة: فلان مسكين لا يستحق ما جرى له، لقد ظلمته الأقدار، وجارت في حقه، وقست عليه!
فمثل تلك الأقوال مما يكثر على الألسنة، وذلك من الاعتراض على قدر الله، ومن الجهل بحكمته عز وجل فلا يجوز إطلاقها؛ لأن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وله الحكمة البالغة في شرعه، وخلقه، وفعله (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) (الأنبياء /23).  
• قول الشاعر:
اذا الشعب يومًا أراد الحياة
فلابد أن يستـــــــجيب القدر
جعل الشاعر إرادة الله سبحانه تبعاً لإرادة الشعب التي لا يمكن أن تتخلف، ولا يمكن للخالق أن يردها.
إن الله تعالى فعال لما يريد ويحكم بما يريد، ولا مُكره له على شيء لا يريده، وإرادته تعالى غير مقرونة بأي إرادة أو قدرة ، سبحانه وتعالى عما يصفون.
• قول البعض في الحوادث: 
بسبب ام قضاء وقدر
وهذا خطأ لان جميع الحوادث تقع بقضاء الله تعالى وقدره، سواء بسبب او بغير سبب.
• قول بعضهم عند التعزية:
البقية في حياتك: فمن الناس من إذا أراد التعزية في الميت قال: البقية في حياتك، أو ما شابه ذلك. وهذا خطأ؛ فأي بقية بقيت، والله عز وجل يقول: ( فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) (الأعراف /34). 
فالميت يموت وقد استوفى أجله تماماً، ولم يتقدم ولم يتأخر فأين تلك البقية؟!. ثم إن في ذلك مخالفةً للسنَّة في التعزية، فالسنة أن يقال: لله ما أخذ ولله ما أعطى، أو أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك، وغفر لميتك، وهكذا. 
• قول: أطال الله تعالى بقاءك:
 كره أهل العلم أن تقول للشخص: أطال الله بقاءك; لأن طول البقاء لا يعلم; فقد يكون خيرًا، وقد يكون شرًا، ولكن يقال: أطال الله بقاءك على طاعته وما أشبه ذلك حتى يكون الدعاء خيرًا بكل حال.
الفصل الثالث
ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر   
ثمرات الايمان بالقضاء والقدر:
الإيمان بالقضاء والقدر على الوجه الصحيح يثمر ثمراتٍ جليلة، وأخلاقاً جميلة، وعبودياتٍ متنوعةٍ، يعود أثرها على الفرد والجماعة في الدنيا والآخرة.
منها ثمرات إيمانية عقدية تعود على إيمان العبد بالزيادة، وعلى عقيدته بالثبات، ومنها ثمرات أخلاقية تعود على المؤمن به بحسن الخلق، وطيب النفس، وحسن المعشر، ولين العريكة، وتكسبه عند الله شكوراً، وتزداد بها صحيفة أعماله نوراً، ومنها ثمرات نفسية جميلة تعود على صاحبها بالراحة، والطمأنينة والسكينة، وتُضفي عليه أمناً، وهدوءَ بال.
ومن هذه الثمرات:
1/ أنه من تمام الإيمان ولايتم الإيمان إلا بذلك.
2/ أنه من تمام الإيمان بالربوبية لأنه قدر الله من أفعاله.
3/ رد الإنسان أموره إلى ربه:
 لأنه إذا علم أن كل شيء بقضائه وقدره فإنه سيرجع إلى الله في دفع الضراء ورفعها ويضيف السراء إلى الله ويعرف أنها من فضل الله عليه.
4/إضافة النعم إلى مسديها ، لأنك إذا لم تؤمن بالقدر، أضفت النعم إلى من باشر الإنعام ، وهذا يوجد كثيراً في الذين يتزلقون إلى الملوك والأمراء والوزراء، فإذا أصابوا منهم ما يريدون ، جعلوا الفضل إليهم، ونسوا فضل الخالق سبحانه.
5/ أداء عبادة الله عزوجل.
فالقدر مما تعبدنا الله سبحانه وتعالى به.
6/ الإيمان بالقدر طريق الخلاص من الشرك:
فالمجوس زعموا :أن النور خالق الخير ،والظلمة خالقة الشر ، والقدرية قالوا: إن الله لم يخلق أفعال العباد ، فهم أثبتوا خالقين مع الله وهذا شرك، والإيمان بالقدر على الوجه الصحيح توحيد لله.
7/ الشجاعة والإقدام:.
فالذي يؤمن بالقدر يعلم أنه لن يموت إلا إذا جاء أجله، وأنه لن يناله إلا ماكتب له، فيقدم غير هياب ولامبال بما يناله من الأذى والمصائب في سبيل الله ، لأنه يستمد قوته من الله العلي القدير الذي يؤمن به ويتوكل عليه، ويعتقد أنه معه حيثما كان ، والتوكل على الله معنى حافز وشحنة نفسية موجهه تغمر المؤمن بقوة المقاومة وتملؤه بروح الإصرار والتحدي وتقوي من عزيمته .
8/ قوة الإيمان:
فالذي يؤمن بالقدر يقوى إيمانه، فلايتخلى عنه ولايتزعزع أو يتضعضع مهما ناله في ذلك السبيل.
9/ الصبر والاحتساب ومواجهة الأخطار والصعاب:
فالذي لايؤمنون بالقدر ربما يؤدي الجزع ببعضهم بالله وبعضهم يجن ، وبعضهم يصبح موسوساً.
10/ الهداية:
كما في قوله تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (سورة التغابن /11).
وقال علقمه: هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من قبل الله فيسلم ويرضى .
11/ الكرم:
الذي يؤمن بالقدر وأن الفقر والغنى بيد الله وأنه لايفتقر إلا إذا قدر الله له ذلك ، فإنه ينفق ولايبالي.
12/ التوكل واليقين والاستسلام لله ، والاعتماد عليه:
كما في قوله تعالى: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (التوبة /51).
13/ الإخلاص:
فالذي يؤمن بالقدر لايعمل لأجل الناس ، لعلمه أنهم لن ينفعوه إلا بما كتبه الله له.
14/ إحسان الظن بالله وقوة الرجاء:
فالمؤمن بالقدر حسنُ الظن بالله ، قوي الرجاء به في كل أحواله .
15/ الخوف من الله والحذر من سوء الخاتمة:
فالمؤمن بالقدر دائماً على خوف من الله، وحذر من سوء الخاتمة ، إذ لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ، فلا يغتر بعمله مهما كثر، فإن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها حيث يشاء ، والخواتيم علمها عند الله سبحانه وتعالى.
16/ الإيمان بالقدر يقضي على كثير من الأمراض التي تفتك بالمجتمعات، وتزرع الأحقاد بينها:
وذلك مثل رذيلة الحسد فالمؤمن لايحسد الناس على ما آتاهم الله من فضه ، لإيمانه بأن الله هو الذي رزقهم وقدر لهم ذلك، فأعطى من شاء ، ومنع من شاء ابتلاءً وامتحاناً منه ، وإنه حين يحسد غيره إنما يعترض على القدر.
17/ تحرير العقل من الخرافات والأباطيل:
فمن بديهيات الإيمان بالقدر ، الإيمان بأن ما جرى وما يجري وما سيجري في هذا الكون إنما هو بقدر الله، وأن قدر الله سر مكتوم، لا يعلمه إلا هو، ولا يطلع عليه أحد إلا من ارتضى من رسول.
ومن هذا المنطلق تجد أن المؤمن بالقدر حقيقة لا يعتمد على الدجالين والمشعوذين ، ولا يذهب إلى الكهان والمنجمين والعرافين، فلا يصدق أقوالهم ، ويعيش سالما من زيف هذه الأقاويل ، متحرراً من جميع تلك الخرافات والأباطيل.
18/ التواضع:
فالمؤمن بالقدر إذا رزقه الله مالاً، أو جاهاً أو علماً أو غير ذلك تواضع لله، علمه أن هذا من الله وبقدر الله ، ولو شاء لانتزعه منه، إنه على كل شيء قدير.
19/ السلامة من الاعتراض على أحكام الله الشرعية وأقداره الكونية ، والتسليم له في ذلك كله.
20/ الجد والحزم في الأمور والحرص على كل خير ديني أو دنيوي:
فإن الإيمان بالقضاء والقدر يوفر الإنتاج والثراء؛ لأن المؤمن إذا علم أن الناس لا يضرونه إلا بشيء قد كتبه الله عليه، ولا ينفعونه إلا بشيء قد كتبه الله له؛ فإنه لن يتواكل، ولا يهاب المخلوقين، ولا يعتمد عليهم، وإنما يتوكل على الله، ويمضي في طريق الكسب، وإذا أصيب بنكسة، ولم يتوفر له مطلوبه؛ فإن ذلك لا يثنيه عن مواصلة الجهود، ولا يقطع منه باب الأمل، ولا يقول: لو أنني فعلت كذا؛ كان كذا وكذا! ولكنه يقول: قدر الله وما شاء فعل، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان ) 
ويمضي في طريقه متوكلا على الله، مع تصحيح خطئه، ومحاسبته لنفسه، وبهذا يقوم كيان المجتمع، وتنتظم مصالحه، وصدق الله حيث يقول: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) (الطلاق /3).
21/ الشكر:
فالمؤمن بالقدر يعلم أن مابه من نعمة فمن الله وحده، وأن الله هو الدافع لكل مكروه ونقمه، فينبعث بسبب ذلك إلى الشكر لله ، إذ هو المنعم المتفضل الذي قدر له ذلك، وهو المستحق للشكر، وهذا لايعني ألا يشكر الناس.
قال عكرمة رحمه الله : (ليس أحد إلا وهو يفرح ويحزن ، ولكن اجعلوا الفرح شكراً ، والحزن صبراً).
22/ الرضا:
فيرضى بالله سبحانه ربا مدبرا مشرعا، فتمتلئ نفسه بالرضا عن ربه سبحانه ، فإذا رضي بالله عز وجل أرضاه الله سبحانه وتعالى .
23/ الفرح:
فيفرح المؤمن بالقدر بذلك الإيمان الذي حرم منه أمم كثيرة، كما في قوله تعالى: قُلْ بِفَضْل ِاللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) (يونس/58)، وكما أنه آمن بالقدر فلا سبيل لمشاعر القلق والتوتر لكي تتسرب إلى نفسه وتصبحه هاجسه الملازم، ذلك أنه على يقين بأن الله سوف يختار له ماهو في صالحه ، حتى وإن كان يبدو على النقيض تماما مما كان يأمله ويرجوه ، واضعا نصب عينيه قوله سبحانه وتعالى: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) (البقرة /216).
قال ابن القيم رحمه الله في تفسير هذه الآية : ( في هذه الآية عدة حكم وأسرار ومصالح للعبد ، فإن العبد إذا علم أن المكروه قد يأتي بالمحبوب والمحبوب قد يأتي بالمكروه ، لم يأمن أن توافيه المضرة من جانب المسرة ، ولم ييأس أن تأتيه المسرة من جانب المضرة ، لعدم علمه بالعواقب ، فإن الله يعلم منها مالا يعلمه العبد ، وأنفع للعبد من الامتثال لأوامر الله ، وإن شق عليه ذلك في الابتداء ، لأن عواقبه كلها خيرات ومسرات، وكذلك لا شيء أضر عليه من ارتكاب النهي وإن هوته نفسه ومالت إليه ، لأن عواقبه كلها آلام وأحزان وشرور ومصاب ). 
ومن أسرار هذه الآية أنها تقتضي من العبد التفويض إلى من يعلم عواقب الأمور ، والرضا بما يختاره له ويقضيه له لما يرجو فيه من حسن العاقبة ، إنه لايقترح على ربه ولايختار عليه ، ولايسأله ماليس له به علم ، فلعل مضرته وهلاكه فيه ، وهو لايعلم فلا يختار على ربه شيء بل و يسأله حسن الاختيار له وأن يرضيه بما يختاره فلا شيء أنفع له من ذلك .
24/ الاستقامة على منهج سواء في السراء والضراء:
فالعباد فيهم قصور وضعف ونقص لايستقيمون على منهج سواء إلا من آمن بالقدر ، فإن النعمة لاتبطره ، والمصيبة لاتقنطه .
25/عدم اليأس من انتصار الحق: 
فالمؤمن بالقدر يعلم علم اليقين أن العاقبة للمتقين ، وأن قدر الله في ذلك نافذ لامحالة، فلا يدب اليأس إلى روعه ، ولايعرف إليه طريقا مهما احلولكت ظلمة الباطل.
26/ علو الهمة وكبر النفس:
فالمؤمن بالقدر تجده عالي الهمة كبير النفس لايرضى بالدون، ولابالواقع المر الأليم، ولايستسلم له محتجاً بالقدر، إذ أن هذا ليس مجال الاحتجاج بالقدر ، لأنه من المعائب ، والاحتجاج بالقدر إنما يسوغ عند المصائب دون المعائب، بل إن إيمانه بالقدر يحتم عليه أن يسعى سعياً حثيثاً لتغير هذا الواقع حسب قدرته واستطاعته وذلك وفق الضوابط الشرعية.
27/ الإيمان بالقدر على وجه الحقيقة يكشف للإنسان حكمة الله فيما يقدره من خير أو شر:
فيعرف الإنسان بذلك أن وراء تفكيره ، وتخيلاته من هو أعظم وأعلم ، ولهذا كثيراً ما يقعالشيء فنكرهه وهو خير لنا ، فكم من الناس من يتبرم ويضيق صدره لفوات محبوب أو نزول مكروب ، وما أن ينكشف الأمر ويستبين سر القدر إلا وتجده جذلاً مسروراً ؛ لأن العاقبة كانت حميدة بالنسبة له ،وصدق تعالى إذ يقول: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (البقرة/216) .
28/ عزة النفس والقناعة والتحرر من رق المخلوقين:
فالمؤمن بالقدر يعلم أن رزقه مكتوب ، وأنه لن يموت حتى يستوفي رزقه، ويدرك كذلك ان الله حسبه وكافيه ورازقه ، وأن العباد مهما حاولوا إيصال الرزق له، أو منعه عنه فلن يستطيعوا إلا بشيء قد كتبه الله، فينبعث بذلك إلى القناعة وعزة النفس، والإجمال في اطلب، وترك التكالب على الدنيا، والتحرر من رق المخلوقين، وقطع الطمع مما في أيديهم، والتوجه بالقلب إلى رب العالمين ، وهذا أساس فلاحه ورأس نجاحه.
29/سكون القلب وطمأنينة النفس وراحة البال:
فلايدرك هذه الأمور ، ولايجد حلاوتها ولايعلم ثمراتها إلا من آمن بالله وقضائه وقدره، كما أنه وسيلة لمواجهة القلق النفسي فالمؤمن الحق إذا أصابته مصيبة مقدرة فعليه ألا يتحسر ، بل عليه أن يقول : قدر الله وماشاء فعل ، ولاعليه أن يتمنى حدوث عكس ماوقع ، لأن ذلك يورث حسرة وحزنا لايفيد، والتسليم للقدر هو الذي يشيع الأمن والاطمئنان ويقضي على مشاعر القلق والتوتر.
وكما قال بعضهم الأمر أمران :
- أمر فيه حيلة فلا تعجز عنه.
- أمر لاحيلة فيه فلا تجزع منه .
وأن كل مايعترض المؤمن من مشاق لايقابلها بغير الرضا والتسليم ، وذلك من منطلق قوله عليه الصلاة والسلام عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجَزْ ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ ، فَلاَ تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا ، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ.  
والمؤمن يعلم إن ابتلاء الله له إنما هو دليل على حبه له ، وامتحانه لإيمانه وصبره ، فمن رضي بهذا الامتحان وصبر فله الرضا من الله ، ومن سخط من هذا الابتلاء وجزع واستسلم للقلق واليأس فله السخط من الله ، ومصداق ذلك من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن عظم الجزاء من عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط). 
ولقد أدهش جانب الرضا بالقضاء والقدر من حيث أثره البالغ في نفس المسلم واستقباله لصعوبات الحياة بعزيمة قوية وإرادة لا تجزع، أدهش هذا الركن من أركان الإيمان الكثير من غير المسلمين، وقد كتبوا في هذا الشأن معبرين عن دهشتهم ومن هؤلاء ر. ن. س. بودلي الذي قال عن تجربته: " لقد تعلمت من عرب الصحراء التغلب على القلق فهم -بوصفهم- يؤمنون بالقضاء والقدر وقد ساعدهم هذا الإيمان على العيش في أمان وأخذ الحياة مأخذًا سهلاً هينًا، فهم لا يلقون أنفسهم بين براثن الهم والقلق على أمر، إنهم يؤمنون بأن ما قدر يكون، وأنه لا يصيب الفرد منهم إلا ما كتب الله له، وليس معنى ذلك أنهم يتواكلون أو يقفون في وجه الكارثة، مكتوفي الأيدي..." وبعد أن استعرض (بودلي ) تجربته مع عرب الصحراء علق بقوله: " وخلاصة القول إنني بعد انقضاء سبعة عشر عامًا على مغادرتي الصحراء، مازلت اتخذ موقف العرب حيال قضاء الله، فأقابل الحوادث التي لا حيلة لي فيها بالهدوء، والامتثال، والسكينة، ولقد أفلحت هذه الطباع التي اكتسبتها من العرب في تهدئة أعصابي أكثر مما تفلح آلاف المسكنات والعقاقير".
وما أحسن ما قاله الحربي رحمه الله: (مَنْ لم يؤمن بالقدر لم يتهنَّ بعيشه). وهذا صحيح فما تعاظمت المصائب في القلوب، وضاقت بها الأنفس وحرجت بها الصدور إلا من ضعف الإيمان.
يتبع إن شاء الله...


سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر Empty
مُساهمةموضوع: رد: سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر   سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر Emptyالخميس 19 ديسمبر 2013, 1:36 am

30/ القدر من أكبر الدواعي التي تدعو إلى العمل والنشاط والسعي بما يرضي الله في هذه الحياة:
والإيمان بالقدر من أقوى الحوافز للمؤمن لكي يعمل ويقدم على عظائم الأمور بثبات وعزم ويقين .
31/ ومن ثمراته أن الداعي إلى الله يصدع بدعوته:
ويجهر بها أمام الكافرين والظالمين، لايخاف في الله لومة لائم ، يبين للناس حقيقة الإيمان ويوضح لهم مقتضياته، وواجباتهم تجاه ربهم كما يبين لهم حقائق الكفر الشرك والنفاق ويحذرهم منها، ويكشف الباطل وزيفه، ودعاته وحماته، ويقول كلمة الحق أمام الظالمين ، ويفضح ماهم فيه من كفر وظلم، وما يقومن به من إفساد وتضليل، يفعل المؤمن كل ذلك وهو راسخ الإيمان واثق بالله، متوكل عليه، صابر على كل مايحصل له في سبيله.
32/ تحويل المحن إلى منح، والمصائب إلى أجر:
كما قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } (التغابن /11). ومعنى الآية الكريمة: من أصابته مصيبة، فعلم أنها من قدر الله، فصبر واحتسب واستسلم لقضاء الله؛ هدى الله قلبه، وعوضه عما فاته من الدنيا هدًى في قلبه ويقينا صادقا، وقد يخلف الله عليه ما كان أخذ منه أو خيرا منه، وهذا في نزول المصائب التي هي من قضاء الله وقدره، لا دخل للعبد في إيجادها إلا من ناحية أنه تسبب في نزولها به، حيث قصر في حق الله عليه بفعل أمره وترك نهيه؛ فعليه أن يؤمن بقضاء الله وقدره، ويصحح خطأه الذي أصيب بسببه.
وبعض الناس يخطئون خطأ فاحشا عندما يحتجون بالقضاء والقدر على فعلهم للمعاصي وتركهم للواجبات، ويقولون: هذا مقدر علينا! ولا يتوبون من ذنوبهم؛ كما قال المشركون: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} (الانعام /148). وهذا فهم سيئ للقضاء والقدر؛ لأنه لا يحتج بهما على فعل المعاصي والمصائب، وإنما يحتج بهما على نزول المصائب؛ فالاحتجاج بهما على فعل المعاصي قبيح؛ لأنه ترك للتوبة وترك للعمل الصالح المأمور بهما، والاحتجاج بهما على المصائب حسن؛ لأنه يحمل على الصبر والاحتساب.
الخاتمة
أحمد الله في الختام كما حمدته في البدء ، فهو أهل للحمد في كلّ موطن ، الحمد لله الذي بحمده تتم الصالحات وأحمده على توفيقه ، وأثني عليه الخير كله ، لا أحصي ثناء عليه ، هو كما أثنى على نفسه .
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه أجمعين .
وبعد :
فقد انتهيت من دراسة موضوع (توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر ) إلى النتائج التالية :
أولا : توحيد الربوبية
1/ علم التوحيد أشرفُ العلوم، وأجلُّها قدرًا، وأوجبُها مطلبًا؛ لأنه العلم بالله تعالى، وأسمائه، وصفاته، وحقوقه على عباده، ولأنه مفتاح الطريق إلى الله تعالى، وأساس شرائعه.
2/ من الأسماء المعتبرة لعلم التوحيد عند أهل السنة والجماعة: العقيدة، والإيمان، والسنة، وأصول الدين، والشريعة، والفقه الأكبر.
3/ من خصائص العقيدة عند أهل السنة والجماعة التوقيف.
4/ التوحيد بأنه إفراد الله بالربوبية وماله من الأسماء والصفات، والإخلاص له في الألوهية والعبادة.
5/ التوحيد ثلاثة اقسام :
1- توحيد الربوبية.
2- توحيد الألوهية.
3- توحيد الأسماء والصفات.
6/ الناس يتفاضلون في التوحيد، تفاضلا عظيما، ويكونون فيه على درجات بعضها أعلى من بعض.
7/ إن كل آية في القرآن متضمنة للتوحيد، شاهدة به، داعية إليه.
8/ نواقض التوحيدهي الأمور التي إذا وجدت عند العبد خرج من دين الله بالكلية،أما منقصات التوحيد فهي الأمور التي تنافي كمال التوحيد ولا تنقضه بالكلية.
9/ توحيد الربوبية هو إفراد الله تبارك وتعالى بالربوبية وهي الخلق والتدبير الكوني والشرعي.
10/ الإيمان بالقضاء والقدر يدخل في توحيد الربوبية؛ لأنه من أفعال الله جل وعلا، فمن جحد القضاء والقدر لم يكن مؤمناً بتوحيد الربوبية.
11/ ارتباط العلم الإلهي في القرآن إما بالخلق والقدرة والتقدير وإما بالحكمة والتدبير.
ثانيا : الايمان بالقضاء والقدر 
1/ الإيمان بالقدر من أهم مباحث العقيدة، فهو ركن من أركان الإيمان، والإيمان به تمام التوحيد.
2/ الإيمان بالقدر أمر فطري، والمرجع فيه الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح من أهل السنة والجماعة.
3/ إن المقصود بالقضاء والقدر: هو تقدير الله تعالى الأشياء في القدم، وعلمه سبحانه وتعالى بأنها ستقع في أوقات معلومة عنده، وعلى صفات مخصوصة، وكتابته سبحانه لذلك، ومشيئته له، ثم وقوع هذه الأشياء على مقتضى إرادته ومشيئته وخلقه لها سبحانه وتعالى، كما قال تبارك وتعالى في كتابه العزيز: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} (الرعد /16). والقضاء سابق، وهو علم وكتابة ومشيئة، والقدر لاحق ، وهو علم وكتابة ومشيئة وخلق.
4/ الايمان بالقضاء والقدر يشمل :
1 - الإيمان بعلم الله الأزلي التام بأن الله سبحانه وتعالى علم في الأزل ما الخلق فاعلون.
2 - الإيمان بأن الله تبارك وتعالى كتب في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة -وهو اللوح المحفوظ- ما هو كائن إلى يوم القيامة.
3 - الإيمان بأن الله تعالى له المشيئة النافذة، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.
4 - الإيمان أنه لابد أن تقع هذه الأشياء على وفق ما علمها وكتبها وأرادها، والإيمان بأن الله تعالى خالقها، أي: أن الله تبارك وتعالى خالق كل شيء.
5/  الله سبحانه وتعالى أحاط بكل شيء علماً سواء مما يتعلق بأفعاله عز وجل أو بأفعال عباده فهو مُحيط بها جملة وتفصيلاً بعلمه الذي هو موصوف به أزلاً وأبداً ،  ولا يلزم من علم الله الأزلي أن العبد مجبر.
6/ الإيمان بالقدر على الوجه الصحيح يثمر ثمرات جليلة على الأفراد والمجتمعات في الدنيا والآخرة.
7/ التقدير الالهية خمسة أقسام وهي :
1- التقدير العام لجميع الكائنات.
2 - التقدير البشري: وهو التقدير الذي أخذ الله فيه الميثاق على جميع البشر بأنه ربهم، وأنه أشهدهم على أنفسهم بذلك، والذي قدَّر الله فيه أهل السعادة وأهل الشقاوة.
3 - التقدير العمري: وهو تقدير كل ما يجري على العبد في حياته إلى نهاية أجله، وكتابةُ شقاوته، أو سعادته ، في بطن أمه في أطوار الحمل الاولى .
4 - التقدير السنوي: وهو تقدير ما يجري كل سنة، وذلك ليلة القدر من كل سنة ، كما قال تعالى : (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ )(الدخان/4)
5 - التقدير اليومي: وهو تقدير ما يجري كل يوم، كما قال تعالى : ( كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) (الرحمن/29).
8/ أفعال العباد داخلة في عموم خلقه عز وجل ولا يخرجها عن ذلك العموم شيء. فكل ما سوى الله فهو مخلوق له وكما أن ذوات المخلوقات مخلوقة ، فكذلك أن صفاتها من أقوالها وأعمالها مخلوقة.
9/ الواجب على العبد في باب القدر أن يؤمن بقضاء الله وقدره، ويؤمن بشرع الله وأمره ونهيه، فعليه تصديق الخبر وطاعة الأمر، فإذا أحسن حمد الله تعالى ، وإذا أساء استغفر الله تعالى ، وعلم أن ذلك بقدر الله، فهذا هو الواجب على العبد، ولا يلزم كل أحدٍ أن يعرف مباحث القدر على وجه التفصيل، كما هو مقرر عند أهل السنة والجماعة؛ فهم لا يوجبون على العاجز ما يوجبون على القادر.
10/ الإيمان بالقدر لا ينافي أن يكون للعبد مشيئة في أفعاله الاختيارية ، وأن يكون له قدرة عليها، بل له مشيئة وقدرة، وهما تابعتان لمشيئة الله وقدرته، واقعتان بها.
11/ فعل الأسباب لا ينافي الإيمان بالقضاء والقدر، بل إن ذلك من تمام الإيمان به.
12/ كل قضاء للمؤمن هو خيرٌ له وإن كان ظاهره الشر.
13/ الاحتجاج بالقدر إنما يسوغ عند المصائب لا المعائب.
14/  ليس كل ما يريد الله كوناً يرضاه ويحبه شرعاً وديانة ، فالإرادة الربانية تنقسم إلى قسمين:
أ - كونية قدرية: وهي مرادفة للمشيئة ولا يخرج عن مرادها شيءٌ أبداً ولابد أن تقع.
ب - شرعية دينية: وتتضمن محبة الرب ورضاه، ولا يلزم وقوعها، فقد تقع وقد لا تقع.
15 /  الشر لا ينسب إلى الله عز وجل  فهو منزه عن الشر، ولا يفعل إلا الخير، والقدر من حيث نسبتُه إلى الله لا شر فيه بوجه من الوجوه؛ فإنه علم الله، وكتابته، ومشيئته، وخلقه، وذلك خيرٌ محضٌ، فكل أفعاله خير وحكمة، ولكن الشر في مفعولاتهومقدوراته؛ فالشر هنا باعتبار المقدور والمفعول، أما باعتبار الفعل؛ فلا.
والحاصل أننا نقول:
أولًا: الشر الذي وصف به القدر هو شر بالنسبة لمقدور الله، أما تقدير الله، فكله خير والدليل قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( والشر ليس إليك ).
ثانيًا: أن الشر الذي في المقدور ليس شرًّا محضًا بل هذا الشر قد ينتج عنه أمور هي خير، فتكون الشَّرِّيَّة بالنسبة إليه أمرًا إضافيًّا.
ومخلوقات الله باعتبار الخير والشر تنقسم إلى ثلاثة أقسام هي:
1 - شر محض كالنار وإبليس باعتبار ذاتيهما، أما باعتبار الحكمة التي خلقهما الله من أجلها، فهي خير.
2 - خير محض، كالجنة والرسل والملائكة.
3- فيه شر وخير، كالإنس والجن والحيوان.
16/  قد يريد الله أمراً، ويشاءه، وفي الوقت نفسه لا يحبه؛ لأن المراد نوعان:
1- مراد لنفسه إرادة الغايات مثل خلق جبريل عليه السلام .
2- مراد لغيره: فهو وسيلة إلى غيره مثل خلق إبليس، فهو مكروه لله من حيث نفسه وذاته، مراد له عز وجل من حيث قضاؤه وإيصاله إلى مراده، فهو سبب لحصول محابَّ كثيرة، فيجتمع الأمران بُغْضُه له، وإرادتُه له، ولا يتنافيان.
17/  لله عز وجل الحكمة البالغة في كل فعل من أفعاله، وقد تظهر لنا الحكمةُ، وقد تخفى، ولا يلزم أن ندرك حكمته  عز وجل  في كل شيء، أو أن يدرك ذلك كل أحد.
18/ وجوب الرضا بقضاء الله عز وجل ، فقضاء الله تعالى كله خير وعدل وحكمة، يجب الرضا به كله، والرضا هو التسليم، وسكون القلب وطمأنينته، والمقضي لا يجب الرضا به كله، فالمقضيّ والمقدور أثر القضاء والقدر، فالواجب هو الرّضا بالقضاء فقط ، أما المقضيّ فقد يكون الرّضا به واجباً كالإيمان بالله تعالى والواجبات إذا قدرها الله تعالى للإنسان، وقد يكون مندوباً في المندوبات وحراماً في المحرمات، ومباحاً في المباحات، وأما الرّضا بالقضاء فواجب على الإطلاق.
19/ الانسان مفتقر الى اختيار الله تعالى وتقديره.
20/ البرمجة العصبية تتعارض مع القضاء والقدر.
21/ التعلق بالأسباب وحدها من دون التعلق بخالقها الله تبارك وتعالى من الامور التي لا تجوز شرعاً.والأسباب مهما بلغت في قوة التأثير فإنها تابعة للقضاء والقدر ليست مستقلة فيالتأثير.
22/ القدر قدران :
1 -  القدر المثبت أو المبرم؛ وهو ما في أم الكتاب، فهذا لا يتغير ولا يتبدل.
2 -  القدر المعلق أو المقيد بسبب وهو ما في كتب الملائكة فهذا هو الذي يقع فيه المحو والإثبات.
23/ الإنسان مخير باعتبار ومسير باعتبار؛ فهو مخيَّر باعتبار أن له قدرة ومشيئة واختياراً، ومسيَّر باعتبار أنه في جميع أفعاله داخل في القدر راجع إليه، ولكونه لا يخرج عما قدره الله له. وأفعال العبد قسمان أفعال هو مُجبر عليها مُسيَر عليها كحركة القلب والهرم ونحوها ، وأفعال هو مُخيَر فيها وهي مناط التكليف.وأن ما وقع باختيار العبد هو مناط التكليف ، وفعل العبد الاختياري وغير الاختياري هما من جُملة القضاء والقدر. 
وخلاصة المسألة: إن للإنسان مشيئةً يختار بها، وقدرةً يفعل بها، وقدرته ومشيئته تابعتان لمشيئة الله، واقعتان بها.
24/ للعبد قدرة واختيار ومشيئة لا يجبره على فعله الاختياري أحد حتى خالقه بل يفعل ما يفعله بمحض إرادته وحسب مشيئته, لكن فعله هذا وإرادته هذه داخله في خلق الله تعالى له كما أنها مسبوقة بعلم الله الأزلي فلا يعمل عملاً إلا وقد سبق تقديره وإرادته في علم الله الأزلي وكتبه عنده في كتابه الذي جرى بما كان ويكون إلى قيام الساعة وعلم الله كاشف لا مُكره ولا تأثير لما سبق في علم الله وكتابته وتقديره على محض اختيار العبد وإرادته فكتابة الله المقادير في اللوح المحفوظ هي كتابة علم وليست كتابة إجبار والله عز وجل يعلم ما كان , ويعلم ما يكون , ويعلم ما سيكون , ويعلم ما لم يكن لو كان كيف سيكون فعلمه مطلق وقد أحاط بكل شيءٍ علماً ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء , وكتابة أفعال العباد الاختيارية في اللوح المحفوظ فرع عن علمه عن الخلق وما سيعملون وعلى هذا فالمكتوب من أعمال العباد الاختيارية واقع لا محالة , لا, لأن المكتوب جبر للعبد بل لأن المكتوب فرع عن علم الله المُطلق المُحيط بخلقه.
25/ لا يُحتج بالقدر على الشرع.
26/  محل جواز الاحتجاج بالقدر:
الاحتجاج بالقدر على وجه الإيمان به والتوحيد والتوكل على الله والنظر إلى سبق قضائه وقدره فهو محمود مأمورٌ به وكذلك الاحتجاج به على نعم الله الدينية والدنيوية , وكذلك إذا فعل ما يقدر عليه من الأسباب النافعة في دينه ودنياه ثم لم يحصل له مُراده بعد اجتهاده فإنه إذا اطمأن في هذه الحال إلى قضاء الله وقدره كان محموداً وكذلك إذا احتج بعد التوبة من الذنب ومغفرة الله وأيضاً يجوز الاحتجاج بالقدر والعذر به في أخطاء الخلق في حق العبد الخاص.
27/ حكم الاحتجاج بالقدر على الذنوب وظلم العباد فيما بينهم :
إن اعتذار المذنبين والظالمين واحتجاجهم بالقدر يُنافي التوبة إلى الله من الذنوب والمعاصي ، ويعتبر خللاً في العقيدة ، وينقل العبد من دائرة الإسلام إلى دائرة الشرك والكفر.
28/  إنكار القدر لم يكن معروفاً عند العرب لا في جاهليتها ولا في إسلامها، وإنما أتاهم ذلك من الأمم الأخرى.
29/ أهل الضلال الخائضون في القدر انقسموا إلى ثلاث فرق : مجوسية ، ومشركية ، وإبليسية.
30/  حكم الخوض في القدر:إن البحث في القضاء القدر من أجلِ تعلم ما يجب على المسلم اعتقاده ويصحح به إيمانه واجب، ومعلوم أنه لا يتحقق هذا الإيمان الواجب إلا بعد العلم به.
وأما الخوض في القضاء والقدر بالظن وعدم العلم ومحاولة علم ما لا تهتدي العقول إلى معرفته فإنه لا يجوز.
هذه خلاصة ما ورد في هذا البحث
وفي الختام أحمد الله عز وجل على ما يسر وأعان، وأسأله أن ينفع به ، وأن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، إنه على ذلك قدير، وأن يغفر لي ما كان فيه من زلل انه هو الغفور الرحيم سبحانه وتعالى.
وبعد حمد الله تعالى أتوجه بالدعاء للسادة العلماء العاملين لجهودهم في نشر الاسلام على منهج سلفنا الصالح من أهل السنة والجماعة ، وأسأله تعالى أن يوفقهم لخير ما يحب ويرضى وأن يتقبل أعمالهم وأن يجزيهم جنة الفردوس مع الانبياء والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.
والشكر موصول لمن راجع هذه البحث المتواضع وأمدني بملحوظاته وتوجيهاته الطيبة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدوآله وسلم تسليماً كثيراً.
وكتب ذلكم
اكرم غانم اسماعيل تكاي
1 رمضان 1434 ھ
الموصل / العراق
Agtd61@yahoo.com
Agtd1961@gmail.com
الحمد لله تعالى
تم بتوفيق من الله تعالى في ‏يوم الاربعاء
1 رمضان 1434‏ ھ
10 تموز 2013 م
الموصل - العراق.


سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
اكرم غانم




عدد المساهمات : 1

سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر Empty
مُساهمةموضوع: رد: سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر   سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر Emptyالخميس 02 يناير 2014, 8:41 am

السلام عليكم 
جزاكم الله خيرا على جهودكم الطيبة بنشر الكتاب
وفقكم الله تعالى لخير مايحب ويرضى

تعقيب
لماذا حذفت حواشي الكتاب ففيها احالات مهمة؟

اكرم غانم اسماعيل تكاي
العراق / الموصل
صفر 1435
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر Empty
مُساهمةموضوع: الأخ الفاضل الأستاذ أكرم غانم إسماعيل تكاي.. حفظه الله بحفظه..   سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر Emptyالخميس 02 يناير 2014, 11:40 pm

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل الأستاذ أكرم غانم إسماعيل تكاي.. حفظه الله بحفظه..
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته..
لن أستطيع أخي الفاضل أن أصف شعوري بالسعادة والفخر أن أرى شخصكم الكريم وهو يعطر منتداي المتواضع.. كذلك أخي الفاضل أأسف كل الأسف لعدم الرد على رسالتكم الرقيقة في ساعة تشريفها وتنويرها لصفحات المنتدى وذلك لسبب بسيط وهو أنني لا أجد الوقت للعمل في المنتدى إلا في وقت متأخر من الليل فرجاءً المعذرة أخي الفاضل.
واحيطك أخي الكريم أنني قد حزت شرف نشر كتابكم الجميل: (سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والإيمان بالقضاء والقدر) وقمت بتنزيل نسختها من موقع صيد الفوائد نسخة (وورد) وموجودة في الحاسب الآلي خاصتي ولم يكن موجوداً بها أي حواشي بالمرة وأدرك شخصياً ما للحواشي من فوائد مهمة ومكملة للكتاب وتفيد القارئ والباحث أيما فائدة وإنني قمت بتنزيل نسخة أخرى من الكتاب الطيب بصيغة (بي دي إف) الآن فوجدت  حواشي الكتاب فعلاً فأرجو المعذرة أخي الفاضل من هذا الخطأ غير المقصود.. وبإذن الله تعالى سأقوم بتنزيل كتابكم الجميل الآخر عن: (أسماء الله الحسنى) وسأتحرى موضوع الحواشي جيداً في المرات القادمة وإنني أدعو لك الله أن يجعل ثواب هذه الكتب القيمة في ميزان حسناتك وأن يجزيك الله خير الجزاء وأحسنه إنه ولي ذلك والقادر عليه آمين.. آمين.. آمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.  


سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سبيل الرشاد في توحيد الربوبية والايمان بالقضاء والقدر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» منهج القرآن في القضاء والقدر
» الباب الثامن والسبعون في القضاء والقدر
» توحيد اليمن
» تفسير سور الضحى والشرح والتين والعلق والقدر (93-97)
» أجر المجاهد في سبيل الله

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـعــقـيــــــــدة الإســــلامـيــــــــــة :: كتابات في العقيدة-
انتقل الى: