الباب الثامن: الآداب المكتوبة بالعبرية
أدب عـبري وأدب مكتوب بالعبرية
Hebrew Literature and Literature Written in Hebrew
تُستخدَم أحياناً عبارة «الأدب العبري» للإشارة إلى الأعمال الأدبية المكتوبة بالعبرية. وهو اصطلاح عام مقدرته التفسيرية والتصنيفية ضعيفة للغاية، فهو يشير إلى الانتماء اللغوي للعمل الأدبي وحسب ولا يغطي الانتماء الحضاري أو القومي. فتشرنحوفسكي ويهودا اللاوي كلاهما كتب بالعبرية، غير أن الأول ينتمي إلى التقاليد الأدبية الروسية الرومانتيكية، بينما ينتـمي الثاني إلى التراث الأدبـي العـربي في الأندلس، أي أن القاسم المشترك بينهما ليس سوى اللغة وحسب. بل إن العبرية التي استخدمها كلٌّ منهما متأثرة بالمحيط الحضاري، ومن ثم فإن أياً منهما لم يكتب «أدباً عبرياً» وإنما عبَّر عن نفسه ورؤيته من خلال «أدب مكتوب بالعبرية». وحيث إن هذه الآداب تتنوع بتنوع التقاليد الحضارية والأدبية واللغوية فنحن نتحدث عن «الآداب المكتوبة بالعبرية». أما «الأدب الإسـرائيلي» فهو الأدب المكتـوب بالعـبرية في إسرائيل بعد عام 1960، ونشير له أحياناً بأنه «الأدب العبري الحديث».
وقد اعتبرنا أن عام 1960 نقطة فاصلة ظهر بعدها الأدب العبري في إسرائيل (فكل من مات بعد هذا التاريخ من أدباء العبرية صُنِّف على أنه «أديب إسرائيلي»)، وهو اختيار فيه شيء من التعسف كما هو الحال في مثل هذه الأحوال. ومع هذا، يمكننا القول بأن الآداب المكتوبة بالعبرية، والتي كُتبت قبل ذلك التاريخ لم تكن متأثرة بالتقاليد الأدبية المختلفة التي وجد فيها الأدباء وحسب، وإنما هي صادرة عنها. ولا يمكن إطلاق مصطلح «أدب إسرائيلي» على تشرنحوفسكي لمجرد أنه هاجر إلى فلسطين، فالإنسان لا يغيِّر وعيه أو وجدانه أو طريقة إبداعه بمجرد انتقاله من مكان إلى آخر، خصوصاً إذا كانت قد تقدمت به السن وتشكلت رؤيته وتحددت أدواته الأدبية. أما في الستينيات، فرغم أن الأدب العبري كان لا يزال متأثراً بالتقاليد الأدبية الغربية (الحداثة وما بعد الحداثة)، والتي يُقال لها «عالمية»)، فإنه كان لا يختلف في ذلك كثيراً عن كثير من الآداب القومية التي تحاول الوصول إلى ما يُسمَّى «العالمية»، كما أنه بدأت تظهر له شخصية مستقلة، وأصبح يعبِّر عن آمال وآلام جيل الصابرا وتجربتهم التاريخية مع الاستيطان. وهو كذلك يعالج مشاكل الاستيطان الإسرائيلي بواقعه ومكوناته التي تشتمل أيضاً على ما هو غير يهودي وغير صهيوني.
ومع هذا، يمكن القول بأن عبارة «الأدب المكتوب بالعبرية» غير مرادفة تماماً لعبارة «الأدب لإسرائيلي» إذ ليس كل الأدب الإسرائيلي مكتوباً بالعبرية، فلا نعدم أن نجد من يكتب بغير العبرية مثل الكاتبة يئيل ديان التي تكتب بالإنجليزية (ولكنها تمثل الاستثناء وليس القاعدة )، وهناك أدباء عرب يكتبون بالعبرية مثل أنطون شماس صاحب رواية أرابيسك (1986) التي كتبها بعبرية أدهشت النقاد الإسرائيليين. وكان شماس قد كتب ونشر قصائد بالعربية والعبرية في السبعينيات، وفي الفترة نفسها تقريباً بدأت سهام داود، وهي كاتبة وصحفية عربية من حيفا، تكتب الشعر بالعبرية أيضاً. وفي عام 1992 كتب الشاعر الفلسطيني توفيق زياد،عضو الكنيست الإسرائيلي، قصيدة هجا بها ليون زئيفي، أحد ممثلي أقصى اليمين الصهيوني في الحكومة الإسرائيلية. وكانت القصيدة على وزن المقامة، وهي لون شعري عبري كان يُقال على غرار المقامة العربية. ويعكف الشاعر الفلسطيني العربي نعيم عرايدي على كتابة رواية بالعبرية، وهو الذي عُرف بوصفه شاعراً وكاتباً عربياً في إسرائيل. وهناك محاولات ترمي إلى إدخال هذه الكتابات العربية التي كتبها فلسطينيون عرب من مواطني إسرائيل في تصنيف «الأدب الإسرائيلي»، وهو أمر يصعب قبوله. وربما قد يكون من الأفضل الإشارة لكتابة هؤلاء باعتبارها «أدب عربي مكتوب بالعبرية».
الأدب الإسـرائيلي
Isreali Literature
«الأدب الإسرائيلي» عبارة تُستخدَم للإشارة إلى «الأدب المكتوب بالعبرية في فلسطين المحتلة منذ عام 1960» وهي عبارة مرادفة تقريباً لعبارة «الأدب العبري الحديث».
الآداب المكتــوبة بالعــبرية حـتى العـصر الحـديث
Literature Written in Hebrew up to the Present
تُعتبَر أسفار موسى الخمسة أقدم النماذج الأدبية العبرية التي يدل أسلوبها وبناؤها على تأثرها بالتشكيلات الحضارية المجاورة: البابلية والكنعانية والمصرية... إلخ، وجاء بعدها من الناحية التاريخية كتب الحكمة مثل سفر الأمثال وأيوب وسفر الجامعة، والأشعار الدينية مثل المزامير والمراثي،وأشعار الحب والغزل مثل نشيد الأنشاد.ويرى بعض نقاد العهد القديم أن كتب الأنبياء ذاتها، رغم توجُّهها الديني والسياسي الواضح،أعمال أدبية يتسم أسلوبها بالجمال. أما الكتب الدينية التي ظهرت بعد ذلك فمعظمها مكتوب بالعبرية المشوبة بالآرامية، وما كُتب منها بالعبرية ليس ذا قيمة أدبية كبيرة. ويمكن الإشارة إلى بعض الكتب الخفية (أبوكريفا) والفتاوى الدينية وقصائد البيوط، وبعض الكتب الدينية مثل الشولحان عاروخ وكتب القبَّالاه، باعتبارها أعمالاً دينية لا تخلو من القيمة الأدبية، خصوصاً كتب القبَّالاه التي طوَّر كُتَّابها نسقاً رمزياً مركباً يدل على خيال خصب.
ولكن الكتابات السابقة تظل نصوصاً غير أدبية تُوظِّف القيم الجمالية والأدبية من أجل هدف غير أدبي: ديني أو فلسفي أو تأمُّلي. غير أنه ظهر أدب مكتوب بالعبرية بين يهود العالم العربي والعالم الإسلامي، وكانت أهم مراكزه في الأندلس. ولما كان الشعر الغنائي هو أهم الأغراض الأدبية عند العرب، فقد انعكس هذا على الجماعة اليهودية. فظهر شعر غنائي عبري متأثر في أخيلته وعروضه بالشعر العربي.ووصل هذا الشعر إلى ذروته في الفترة بين القرنين الحادي عشر والثاني عشر.ومن أهم شعراء العبرية في الحضارة الإسلامية،سليمان بن جبيرول ويهودا اللاوي (هاليفي) وموسى بن عزرا المعروف عند العرب باسم «أبو أيوب سليمان بن يحيى بن جبيرول».ومما يجدر ذكره أن أغراض الشعر المكتوب بالعبرية داخل الحضارة العربية لم تكن دينية وإنما كانت دينية ودنيوية، فكانت تضم غزليات وخمريات وفخراً ووصفاً للطبيعة. وقد ظهرت أنواع أدبية أخرى بين يهود الحضارة العربية الإسلامية مثل المقامات والمقالات، ولكن الشعر الغنائي يظل النوع الأدبي الأساسي. وقد ظهر في إيطاليا شعر غنائي مكتوب بالعبرية إبان عصر النهضة. وكان عمانوئيل بن سولومون (عمانوئيل الرومي) هو أهم شاعر غنائي، فكتب سوناتات وقصائد هجائية، كما أن قصيدته «جهنم والجنة» متأثرة بقصيدة دانتي الكوميديا الإلهية.
سـليمان بــن جــبيرول (1021-1056)
Solomon Ibn Gabirol
شاعر وفيلسوف عربي يهودي كتب بعض الأعمال بالعبرية. عاش في إسبانيا الإسلامية (الأندلس)، وعُرف عند العرب باسم أبي أيوب سليمان بن يحيي بن جبيرول. وُلد في ملقا، وكان قبيحاً معتل الجسم. نزح إلى سرقسطة حيث تعرَّف إلى رئيس الجماعة اليهودية في المدينة الذي قُتل عام 1039. ثم اتجه ابن جبيرول إلى غرناطة ملتجئاً إلى ابن نغريلة وانضم إلى حاشيته. ويُقال إنه مات في ظروف مشابهة لموت يهودا اللاوي. وربما يدل هذا على الجانب الأسطوري في القصة التي تذهب إلى أن عربياً قد قتله.
نَظَم عدة قصائد عبرية على نظام الموشحات، كما نظم قصيدة تتناول النحو العبري على غرار ألفية بن مالك، وكتب المدائح في أولياء نعمته. وتعالج قصائده الدنيوية موضوعات مثل الحب والخمريات ووصف الطبيعة والشكوى من الزمان والعالم. أما قصائده الدينية، فتعالج الموضوعات اليهودية التقليدية مثل البكاء من أجل صهيون. كتب ابن جبيرول بعض الأعمال الفلسفية بالعربية كعادة المفكرين العرب من اليهود، ثم تُرجمت هذه الأعمال إلى العبرية فيما بعد ومنها إلى اللاتينية حيث تركت أثراً في الفكر المسيحي. ومن أهم مؤلفاته كتاب ينبوع الحياة الذي يبيِّن أثر الأفلاطونية المحدثة عليه. وتتميَّز مؤلفاته بأنها خالية من الإشارة إلى اليهودية والعهد القديم، كما أنها تتناول موضوعات فلسفية ذات صبغة إنسانية في العادة. ولذا، كان البعض يتصور أن مؤلفاته من وضع كُتَّاب مسلمين. وقد اشترك بياليك في جمع أشعاره ونشرها عام 1924.
الآداب المكتوبة بالعبرية منذ بداية العصر الحديث حتى عام 1960
Literature Written in Hebrew from the Beginning of Modern Times to1960
يرى بعض مؤرخي الآداب المكتوبة بالعبرية أن نقطة بداية هذه الآداب في العصر الحديث هو عام 1743، باعتباره العام الذي نشر فيه لوتساتو قصيدة مدح المستقيمين. ولكن هناك من يذهب إلى أن البداية الحقيقية إنما كانت في ألمانيا على يد نفتالي هيرتس فيزلي. ومهما يكن الأمر، فإن ما أُنتج من أعمال أدبية مكتوبة بالعبرية منذ عصر النهضة حتى أواخر القرن الثامن عشر لم يكن من الأهمية بمكان، وهو ما يجعل الإشكالية غير ذات موضوع. وفي تصوُّرنا أن تاريخ هذا الأدب يمتد حتى عام 1960 وهو العام الذي تبلوَّر فيه الأدب العبري الحديث،أو الأدب الإسرائيلي، وهو الأدب المكتوب بالعبرية والذي يعبِّر عن تجربة المستوطنين الصهاينة في فلسـطين وبخاصـة أبناؤهـم ممن وُلدوا ونـشأوا في فلسـطين.
ومنذ عصر النهضة في الغرب كانت الأعمال الأدبية المكتوبة بالعبرية، في الأساس، تقليداً واضحاً وصريحاً للأعمال الأدبية الأوربية التي كان يتفاعل معها الأدباء الذين يكتبون بالعبرية في الغرب، وهو أمر مفهوم تماماً، فقد كانوا يعيشون في كنف الحضارة الغربية وكانت أول لغة يتعلمونها هي لغة البلد الذي يعيشون فيه. ومع غياب أية تقاليد أدبية راسخة، أو أعمال أدبية كبرى بالعبرية، كان لابد أن يتوجه هؤلاء الأدباء من أعضاء الجماعات اليهودية نحو الأعمال الأدبية المتاحة لهم باللغة التي يعرفونها. ولذا، جاءت أغلب الأعمال الأدبية المكتوبة بالعبرية إما مُترجَمة عن أصل أوربي أو مُقلِّدة له دون إبداع، متأثرةً في الشكل والمضمون بعمل أدبي غربي ما. وفي أغلب الأحيان، جاءت الترجمات أبعد ما تكون عن الأصل، هذا على عكس ما يحاول النقاد الصهاينة إثباته حيث يذكرون أن ما يسمونه «الأدب العبري» جاء نتيجة حركيات داخلية وتطوُّر طبيعي حدث بين أعضاء الجماعات اليهودية. ولكن التغيُّر في مجال الأدب لا يختلف عن التغيُّر في المجالات الأخرى، فالتحولات الضخمة التي طرأت على إيطاليا في عصر النهضة هي التي صاغت حياة كل أعضاء المجتمع بما في ذلك أعضاء الجماعات اليهودية باعتبارهم جزءاً منه. وقد تركت الثورة الفرنسية والثورة الصناعية أعمق الأثر في الجماعـات اليهودية داخل أوربا ثم خارجها.
نشأت الآداب المكتوبة بالعبرية في العصر الحديث من خلال تصاعد معدلات العلمنة في المجتمعات الغربية، إذ أدَّى هذا إلى أن الأدباء الذين يكتبون بالعبرية بدأوا يُسقطون الحديث عن القيم المطلقة في الفكر الديني اليهودي. بل إنهم تناولوا الموروث الديني من منظور لاديني، فمنهم من رفضه تماماً، ومنهم من حوَّله إلى مادة بحث وأعاد النظر فيه، ومنهم من اعتبره تراثاً شعبياً قومياً. ولذا نجد أن السمة الأساسية للآداب المكتوبة بالعبرية في العصر الحديث والتي تُميِّزها عما سبقها من آداب مكتوبة بالعبرية هي توجُّهها نحو الموضوعات الدنيوية وابتعادها عن الموضوعات الدينية (على الأقل داخل التشكيل الحضاري الغربي).
وظهرت في الآداب المكتوب بالعبرية الموضوعات الأساسية المتواترة في الآداب الغربية مثل العودة للطبيعة والبحث عن الذات والاغتراب عنها، وإن كانت هذه الموضوعات قد اكتسبت أحياناً بُعداً خاصاً في الآداب المكتوب بالعبرية، نظراً للتجربة الخاصة لأدباء العبرية باعتبارهم أعضاء في أقليات تواجه مشاكل خاصة لا يواجهها أديب من أعضاء الأغلبية. وعلى سبيل المثال، فإن الأديب الذي يكتب بالعبرية حين يحاول، بتوجُّهه العلماني، التمرد على التراث الديني اليهودي، شأنه في هذا شأن كثير من الأدباء الغـربيين، ويقرر العـودة إلى تراثه، فإنه يعود لهذا التراث الذي رفضه. ومن هنا ظهرت ازدواجية القبول والرفض.
وبإمكان الدارس أن يعثر لدى الأديب الواحد على أعمال ترفض التراث وتهاجمه بحدة وعلى أعمال أخرى تمجده، الأمر الذي يدفعنا إلى القول بأن الآداب الحديثة المكتوبة بالعبرية وُلدت فاقدة الاتجاه. ومن هذا المنظور، يمكن أن نفهم يهودا ليف جوردون في محاربته اليهودية الحاخامية في الوقت نفسه الذي تحدث فيه عن داود وبرزيلاي. وكذلك مابو الرومانسي الذي كتب رواية محبة صهيون في الوقت نفسه الذي كَتَب فيه المنافق . ومن الطبيعي أيضاً أن يتحوَّل موشيه ليلينبلوم داعية التنوير إلى صهيوني رومانسي في مرحلة تالية. وحينما ظهر الفكر الصهيوني، حاول آحاد هعام أن يعثُر على صيغة للتوفيق بين النزعتين الدينية والمعادية للدين، فقال: إن الأدب العبري في العصر الحديث هو صورة علمانية للتقاليد القديمة. وفي محاولة تبرير هذه الازدواجية الدينية/اللادينية، في الآداب المكتوبة بالعبرية، حاول النقاد تفسير استلهام التراث على أنه أساساً عملية أدبية حوَّلت التراث نفسه إلى مادة أدبية. فالأصل الإنساني لهذه المادة هو الذي أثار الاهتمام الأدبي لدى أدباء العبرية وليس القداسة الإلهية فيها.
ومما يؤكد أن ما نتحدث عنه هو «آداب مكتوبة بالعبرية» لا «أدب عبري واحد» أن المراكز التي ظهر فيها هذا الأدب متعددة (بل ونجده متعدد المراكز داخل الدولة الواحدة)، فلقد ظهر في وقت واحد في كلٍّ من إيطاليا حيث تأثر بالأدب الإيطالي، وألمانيا حيث تأثر بأدب التنوير وأعمال شيلر وجوته، وفي روسيا حيث تأثر بالأدب الفرنسي والأدب الألماني وبالأدب الروسي في مرحلة لاحقة. ولا يمكن فَهْم الآداب المكتوبة بالعبرية إلا بالعودة للتقاليد الحضارية والأدبية المختلفة التي وُلد من رحمها هذا الأدب والتي تفاعل معها الأدباء الذين يكتبون بالعبرية.
ويمكن أن نشير إلى ثلاثة مصادر رئيسية للتأثير في الآداب المكتوبة بالعبرية في العصر الحديث، وهي: الأدب الروسي في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وأدب غرب أوربا في بداية القرن العشرين، والأدب الأنجلو ساكسوني الذي أثر أساساً في أدباء العبرية الذين أقاموا في الولايات المتحدة وعلى الأدباء الشبان بعد ذلك في إسرائيل. ومما عمَّق أثر الآداب الأوربية على الآداب المكتوبة بالعبرية أنه، منذ ثمانينيات القرن الماضي، تُرجمت إلى العبرية العديد من أعمال الأدباء الأوربيين، وقام على هذه الترجمات عدد من كبار أدباء العبرية، مثل: فريشمان وبياليك وبرينر وعجنون وجنسين وبارون، وغيرهم. وفي جيل أبراهام شلونسكي وناثان ألترمان وليئة جولدبرج، تحوَّل أسـلوب الترجمة إلى مصـدر تأثير في الأسـلوب النثـري في العبرية.
ويمكن أن نقسم مراحل الآداب المكتوبة بالعبرية في العصر الحديث إلى فترات تاريخية على النحو التالي:
1 ـ الآداب المكتوبة بالعبرية في القرن التاسع عشر (التنوير وإرهاصات الفكر الصهيوني).
2 ـ الآداب المكتوبة بالعبرية في النصف الأول من القرن العشرين (تبنِّي المُثُل الصهيونية).
3 ـ المرحلة الفلسطينية.
وسنضيف إلى جانب التقسيم التاريخي تقسيماً جغرافياً. فالجماعات اليهودية عاشت خلال هذه الفترات في أماكن متعددة من أوربا، وخضعت هناك لمتغيرات بيئية جعلت التباين بينها واضحاً من حيث الأنماط السلوكية والحياة الفكرية التي تركت آثاراً واضحة في الإنتاج الأدبي المدوَّن في هذه الفترة.
1 ـ الآداب المكتوبة بالعبرية في القرن التاسع عشر:
لا يمكن أن نفهم بداية الآداب الحديثة المكتوبة بالعبرية بمعزل عن المتغيرات التي تعرضت لها أوربا في النصف الثاني من القرن الثامن عشر. فحينما انتشر فكر الاستنارة في أرجاء أوربا، انعكس ذلك في حركة تنوير بين أعضاء الجماعات اليهودية حيث انتشرت بينهم بسرعة في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، مُثُل حركة الاستنارة، وتبلورت بوضوح إبان القرن التاسع عشر.
أ) غرب أوربا:
ظهر في إيطاليا، معقل النهضة الأوربية، الأديب اليهودي موشيه حاييم لوتساتو الذي دفع الآداب المكتوب بالعبرية نحو الموضوعات العلمانية. ولم يكن لوتساتو الوحيد الذي بَرَز من الشعراء اليهود في ذلك الوقت. فقد برز معه أيضاً شعراء أمثال شبتاي حاييم ماريني الذي ترجم التناسخ عن أبوديوس، ويسرائيل بنيامين باسان الذي ترجم العديد من القصائد الإيطالية إلى العبرية، وغيرهما كثير. ولكن لوتساتو كان يتميَّز عنهم بجمال أسلوبه وبتملُّكه ناصية الشعر وبسعة الخيال، الأمر الذي مكَّنه من طَرْق موضوعات جمالية اعتُبرت في ذلك الوقت جديدة على الأدب وخرقاً للتقاليد الدينية اليهودية. وإذا كان موسى مندلسون هو الذي وضع الإطار الفكري لحركة الاستنارة، فإن نفتالي هيرتس فيزلي هو أديب التنوير في ألمانيا والذي وسَّع قاعدته بين أعضاء الجماعات اليهودية وأرسى أُسُس فن المقال في الآداب المكتوبة بالعبرية، كما كتب العديد من القصائد. وعموماً، فإننا نلاحظ أن كثيراً من أعمال أدب التنوير في ألمانيا قد تناولت القصة الدينية، كما يُلاحَظ تكرار استخدام شخصيات موسى وداود وشمشون وشاؤول. وكتب العديد من الأدباء مسرحيات ذات موضوعات توراتية أو مستوحاه من التراث الديني.
وتُعتبَر حركة التنوير في النمسا فرعاً من فروع حركة التنوير في ألمانيا. وقد سار أدباء النمسا على نفس النهج الذي سار عليه أدباء برلين من استخدام الصورة الشعرية الحديثة واستلهام التراث في أعمالهم. ومن أشهر أدباء التنوير في النمسا، نفتالي هيرتس هومبرج ومناحيم مندل ليفين وشلومو بابنهايم، حيث لعب كلٌّ منهم دوره في إشاعة الاتجاه نحو تجديد الصورة التي اختطها فيزلي. وأشهر أدباء العبرية في النمسا شالوم هاكوهين، وريث فيزلي، الذي يُعتبَر حلقة الوصل بين الأدب المكتوب بالعبرية في ألمانيا والأدب المكتوب بالعبرية في النمسا.
واستمر أدب التنوير في غرب أوربا حتى عام 1820 تقريباً. ورغم الأهمية التي يضفيها عليه مفكرو الصهيونية، فإنه كان فقيراً في قيمته الأدبية. فلا يوجد في هذه الفترة أديب يهودي واحد يمكن أن ترقى أعماله إلى مرتبة الأدب العظيم. وليس فيها عمل أدبي يرقى إلى مرتبة الإنتاج ذي القيمة الإنسانية التي تعيش معه عبر العصور متجاوزاً الأهمية التاريخية. وعموماً، فإن من سمات هذه الفترة أن الإنتاج الأدبي تنوَّع وطَرَق فروعاً ومجالات لم يعرفها من قبل. كما تم فيها تحديث اللغة العبرية إذ تحوَّلت من لغة تُتلى في المعابد وتُرتَّل بها الصلوات إلى لغة تُستخدَم استخداماً أدبياً. وكان هذا التحديث اللغوي بدوره نتاجاً مباشراً للحركة الرومانسية في أوربا الغربية.
ومن الأمور التي ينبغي تسجيلها عدم وجود قصة واحدة طويلة باللغة العبرية، بل لم يُترجَم إلى العبرية سوى بعض القصص القصيرة. أما الموضوعات النثرية ذات الطابع القصصي التي نُشرت في الدورية الأدبية العبرية هامآسيف (صدرت في ألمانيا عام 1784)، فلا ترقى بأية حال إلى مستوى الفن القصصي الرفيع. ومما يسترعي الانتباه أيضاً في هذه الفترة نوعية الأدباء أنفسهم، فكثير من الأثرياء من أعضاء الجماعات اليهودية اندمج تماماً في محيطه الثقافي ووصـل به الأمر إلى التحـول عن الدين اليهودي وتجنُّب الكتابة العـبرية. وكان هؤلاء المندمجــون، من أمثال هايني، من كبار الأدباء. ولم يكتب بالعبرية سوى الشخصيات متوسطة الخيال والذكاء. ووضع الآداب المكتوبة بالعبرية يشبه، في هذا، الحركة الصهيونية نفسها، حيث اندمج المثقف اليهودي في الوطن الذي يعيش في كنفه وانخرط في حركاته السياسية، أما أنصاف المثقفين فهم الذين قادوا الحركة الصهيونية.
ب) شرق أوربا:
حينما انتقل الأدب المكتوب بالعبرية من غرب أوربا إلى شرقها، كان اليهود هناك يعيشون في جو مشبَّع بالأفكار الدينية الصوفية القبَّالية المتمثلة في الحسيدية، وساعد هذا على أن يأخذ الأدب هناك طابعاً مختلفاً عما كان عليه في دول الغرب. كان دعاة التنوير في جاليشيا، من عائلات التجار والأثرياء، ملمين بثقافة بلدهم ولغاتها. وقد ترك هذا أثره في الأدب المكتوب بالعبرية في شرق أوربا. ويمكن اعتبار حاييم دوف جينسبرج أول أدباء التنوير في جاليشـيا. وقد قلَّد شـعراء العبرية في جاليشيا الشعر الأوربي، وبخاصة الشعر الألماني. ومن أبرز شعراء العبرية، في جاليشيا، ماير هاليفي ليتريس. وقد أرست الحركة الأدبية في جاليشيا أُسُس القصة المكتوبة بالعبرية. ومن روادها يوسف بيرل وإسحق آرثر. وشن كلاهما، في قصصهما الواقعية، الحرب على بعض جوانب حياة الجماعة اليهودية.
أما في روسيا، فلم يكن أديب العبرية في حاجة إلى أن يتحسَّس الطريق، إذ كانت أمامه إنجازات أدباء العبرية في ألمانيا والنمسا وجاليشيا. ومن أبرز شعراء هذه الفترة آدم هاكوهين ليبنسون، كما برز معه أيضاً ابنه ميخا يوسف ليبنسون الذي تأثر بالشعراء الرومانسيين الألمان، فقدَّم أعمالاً استوحى موضوعاتها من التاريخ العبراني القديم، وأسقط على أبطاله القدامى مفاهيمه الحديثة. ويُعَدُّ ليبنسون (الابن) أول شعراء العبرية الذين كتبوا شعراً عن الحب. وأشهر شعراء هذه الفترة هو يهودا ليف جوردون. أما في مجال الرواية، فتُعتبَر رواية أبراهام مابو محبة صهيون (1853) أول رواية مكتوبة بالعبرية. وصحيح أنه كانت هناك محاولات كثيرة سبقتها، لكنها جميعاً لم تكن موفقة في تقديم صورة كاملة للحدث الدرامي كما فعل مابو في هذه الرواية. ويُعتبَر إسحق ليبنسون أبا التنوير في روسيا، حيث ساعدت كتبه ومقالاته في نشر فكر التنوير بين اليهود. وفي ليتوانيا، ظهرت مجموعة من دعاة التنوير تأثروا بأفكاره وأسلوبه في الكتابة، ربما كان أشهرهم مردخاي أهارون جينسبرج.
2 ـ الآداب المكتـوبة بالعبـرية في النصـف الأول من القـرن العشـرين:
أ) في أوربا:
بعد عام 1881 وما صاحبه من أحداث في روسيا، صدرت قوانين مايو التي أدَّت إلى تعثُّر التحديث في روسيا، وبدأت تظهر بوادر ظاهرة جديدة حلت محل التنوير، وهي ظاهرة الصهيونية التي اتسم بها أدب النصف الأول من القرن العشرين. ففي ذلك الوقت، ظهر جيل من الشبان على دراية بالحضارة الأوربية، ورؤيتهم أوربية في جوهرها. وكانت النزعة الرومانسية قد بدأت تنحسر، لتحل محلها النزعة الطبيعية والفكر الدارويني والنيتشوي الذي يشكل تصاعداً في النزعة العلمانية، وسادت في الأدب الاتجاهات الواقعية والطبيعية. ودعم كل هذه الاتجاهات ظهور الحركات الثورية المختلفة والتحولات الاجتماعية العميقة في المجتمعات الأوربية وبخاصة في الشرق. وتُشكِّل الإمبريالية الخلفية العامة لكل هذه التحولات، فشهدت الساحة اليهودية تبعاً لذلك ازدياد النزعة الصهيونية بين كُتَّاب العبرية، وهو أمر مُتوقَّع باعتبار أن اختيارهم العبرية لغة كتابة كان يتضمن رفضاً لانتمائهم إلى الأوطان المختلفة.
ويُعَدُّ حاييم نحمان بياليك (قبل أن يهاجر إلى فلسطين) من أهم أدباء العبرية في أوربا. وقد كتب أغلب أعماله في الفترة من 1882 إلى 1917. ويتجلى إسهامه في الشكل الأدبي في تحريره الشعر العبري من قيود بلاغة فترة التنوير. كما كانت حساسيته الشعرية أكثر أوربية من أيٍّ من معاصريه، فقدَّم في أعماله المزيد من الأشعار ذات الطابع الأوربي اعتماداً على كم هائل من أشكال الشعر الأوربي مثل: السوناته والبالاد. ومن شعراء هذه الفترة أيضاً زلمان شيناؤور، ويعقوب كاهان، ويعقوب فيخمان، الذين كانت أشعارهم تتَّسم بمحاولة وضع فلسفة شعرية تَصدُر عن الفكر الصهيوني.
ومن أشهر كُتَّاب القصة والمقال في هذه الفترة، ميخا جوزيف بيرديشفسكي الذي حاول في قصصه العديدة، ذات النزعة النيتشوية، أن يجد حلاًّ لمشكلة الإنسان اليهودي في مواجهة المجتمع. ومعظم أبطاله يحاولون الهرب من هويتهم الضيقة ولكنهم عاجزون عن ذلك، ومن ثم فإنهم يعانون من الضياع والعقم الجسدي والنفسي. واشتهر في هذه الفترة أيضاً القاص بيرتس سمولنسكين، ومندلي موخير سفاريم (شالوم أبراموفيتس) الذي يُعتبَر رائد القصة الواقعية المكتوبة بالعبرية ويُعتبَر في الوقت نفسه رائد القصة في أدب اليديشية. وفي السنوات العشرين الأخيرة من القرن التاسع عشر، برز كل من بيرتس سمولنسكين وموشيه ليلينبلوم في فن المقال، وذلك بعد أن تحوَّلا عن فكر التنوير وبدأت كتاباتهما تضع البذور الأولى للفكر الصهيوني.
وكما ظهر مندلسون بفلسفته ليوجِّه أدب العبرية توجُّهه الاندماجي في القرن التاسع عشر، ظهر آحاد هعام ليبلور هذا الأدب في القرن العشرين بتوجهاته الصهيونية. فحاول أن يجد صيغة توفيقية بين الدين والحياة حيث كان يرى أن الأمة هي الدين في صيغته الجديدة، وأنها هي المطلق الذي يحل محل المطلق التقليدي أي الخالق. وفي رأى آحاد هعام فإن الأدب العبري يجب علىه أن يُقلِّص حدوده ويقتصر على تناول الموضوعات اليهودية التاريخية، وعلى تناول الإنسان اليهودي في صورته الأدبية. وقد تجلَّى هذا الموقف في مجلته الشهرية هاشيلوح . وظهر في تلك المرحلة أيضاً إليعازر بن يهودا الذي يُعتبَر رائد إحياء اللغة العبرية.
ب) في فلسطين:
حينما انتقل مركز الآداب المكتوبة بالعبرية ليمارس نشاطه على أرض فلسطين، لم ينتقل إليها كاستمرار للآداب المكتوبة بالعبرية في أوربا بل كتحوُّل في الصورة والمضمون. وتحتم على كُتَّاب العبرية في فلسطين أن يطرحوا جانباً الموضوعات التقليدية التي تناولتها الآداب المكتوبة بالعبرية حتى ذلك الوقـت، وبدأوا يبحثـون عن موضـوعـات جديدة، وصور جديدة تتلاءم مع الوضع الاستيطاني الجديد الذي تسعى الصهيونية إلى تحقيقه. وفي أوربا، كان أديب العبرية يعيش واقعاً غريباً عنه ويتبنى رؤية صهيونية. وطوال هذه الفترة من تاريخ الآداب المكتوبة بالعبرية، كانت فلسطين موضوعاً مُهمَلاً، ولم يكن هناك إلا بعض الأشعار هنا وهناك أو بعض القصص التي تناولت موضوع الحنين تحت تأثير الرومانسية الأدبية الأوربية. ولذا، حينما انتقل بعض أدباء العبرية إلى فلسطين، لم تَعُد الصهيونية مجرد أفكار يتبنونها وإنما حقائق استيطانية تؤثر في حياتهم اليومية.
وأظهرت خطوات الاستيطان الصهيوني الأولى في فلسطين مخاوف المستوطنين الجدد من أن تضيع أقدام هذا الجيل في مصير مجهول. وانعكست هذه المخاوف على الصورة الأدبية، وظل هناك سؤال أساسي يلح على وعي الأدباء الذين نزحوا إلى فلسطين: ما صورة الوجود في فلسطين؟ وهل حقاً ستُحدث تلك الثورة (الصهيونية) في داخلهم التحول الوجودي المطلوب؟ وقد أيقن أدباء هذه الفترة أن تغيُّر المكان لا يمكن أن يغيِّر ما يُسمَّى «المصير اليهودي». ولازم هذا التوتر الأدب المكتوب بالعبرية في تلك الفترة، وأدَّى إلى ردود فعل مختلفة تتراوح بين الاقتناع والارتباط بهذ الواقع الجديد من جهة، واليأس والإحباط من جهة أخرى. أما مصادر التأثير في الأدب المكتوب بالعبرية في فلسطين، فهي كثيرة ومتنوعة. فأدب الهجرة الأولى كان لايزال يسير في ركاب أدب حركة التنوير، كما أن الواقعية الاجتماعية كانت تبرز بوضوح في أعمال رواد الهجرتين الأولى والثانية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الأدب الذي أُنتج في أيام الهجرة الثالثة نحا منحى وضعياً.
وبالإضافة إلى تأثير برينر الذي استمر، لفترة طويلة، عاملاً رئيسياً في توجيه دفة الآداب المكتوبة بالعبرية، وإلى تأثير برديشفسكي بأفكاره الفلسفية عن الفرد والمجموع، نجد أن المهاجرين الجدد جلبوا معهم من روسيا إلى فلسطين دستويفسكي وتشيكوف والأدباء الإسكندنافيين الرومانسيين والجيل الجديد من أدباء ألمانيا. وامتزجت كل هذه التأثيرات مع الميراث الأدبي الذي عاش مع هؤلاء المهاجرين الجـدد في اللاوعي ليُخرج في النهاية أدباً يمزج بين الرومانسية والواقعية، وبين الاغتراب ومحاولة الانتماء، حتى إن الدارس ليمكنه أن يلمس في أدب تلك الفترة، وبسهولة، مدى الأزمة النفســية التي عاشــها المهاجـرون الجـدد، أولئك الذين ما زالوا يتخبطون في أزمة البحث عن الذات.
إن أغلب أدباء الهجرة الثانية كانوا على وعي كامل بوضعهم الجديد، وبأنهم مُقتلَعون من أرض أوربية ليعاد زرعهم من جديد في أرض شرقية. ولكن، رغم ما كان لدى بعضهم من حماس للالتقاء مع الأرض الجديدة، فإن أغلبهم كان على وعي كامل بحقيقة أنهم يفتقدون الارتباط بالأرض. وإذا كان أبناء الهجرة الثانية قد اعتقدوا أنه سوف تتحقق في فلسطين كل الآمال الصهيونية الاستيطانية، فإنهم سرعان ما شعروا بأنهم تعلَّقوا بآمال واهية، ولذا عاد الكثير منهم إلى حيث أتوا. أما الذين مكثوا في فلسطين، فقد أنتجوا أدباً أكد قيم الصهيونية. وخلق التناقض بين مطالب الهجرة الصهيونية وبين الواقع النفسي للمهاجرين أدبـاً مركَّبـاً يتـأرجح بين رؤية المهـاجرين والواقع المرير الذي اصطدموا به.
وقد أثيرت مؤخراً قضية جديدة كل الجدة على الأدب المكتوب بالعبرية والأدب العبري، وهي ظهور مجموعة من الكُتَّاب الفلسطينيين العرب الذين يكتبون بالعبرية. ومن أهمهم أنطون شماس صاحب رواية أرابيسك (1986) والتي كتبها بعبرية أدهشت الإسرائيليين. وكان شماس قد كتب ونشر قصائد بالعربية والعبرية في السبعينيات، وفي الفترة نفسها تقريباً بدأت سهام داود وهبى كاتبة وصحفية عربية من حيفا تكتب الشعر بالعبرية أيضاً. وفي عام 1992 كتب الشاعر الفلسطيني توفيق زياد، الذي كان عضواً في الكنيست الإسرائيلي قطعة شعرية على وزن المقامة، وهي لون شعري عبري كان يُقال على غرار المقامة العربية، قصيدة هجا بها لبون زئيفي، الذي كان وزيراً في الحكومة الإسرائيلية ممثلاً أقصى اليمين الصهيوني. ويعكف الشاعر الفلسطيني العربي نعيم عرايدي على كتابة رواية بالعبرية، وهو الذي عُرف بوصفه شاعراً وكاتباً عربياً في إسرائيل. ولعله يمكن الإشارة إلى هذا الأدب على أنه «أدب عربي مكتوب بالعبرية».
موشـيه لوتسـاتو (1707-1747)
Moses Luzzato
شاعر ومفكر قبَّالي من أتباع القبَّالاه اللوريانية. وُلد في بادوا بإيطاليا، وتلقى تعليماً دينياً، وكان يجيد عدة لغات منها الإيطالية والفرنسـية واليونانية. ونتيـجة تبـحُّره في القبَّالاه والعلوم الدينية اليهودية، سيطرت عليه حالة من التطرف الديني جعلته يؤمن بأنه على اتصال بأرواح أبطال العهد القديم تملي عليه القصائد الباطنية. واحتشد حوله جماعة من المريدين. وألَّف لوتساتو كتاب الزوهار الثاني، الأمر الذي جعل رجال الدين اليهودي في البندقية يُصدرون عام 1735 قراراً بحظر تداول كتبه واعتباره خارجاً على الدين، فهرب إلى فرانكفورت ومنها إلى أمستردام.
نادى لوتساتو بتحرير الشعر العبري من البحور والأوزان التي كان قد اقتبسها في العصور الوسطى من الشعر العربي. وقدَّم في أشعاره بحراً يحتوي على إحدى عشرة حركة للبيت الطويل وسبع حركات للبيت القصير مع تركيز خاص على النبرة. وظهر له عام 1743 قصيدة «مدح المستقيمين» التي يعتبرها نقاد الأدب الحديث المكتوب بالعبرية نقطة بداية هذا الأدب. وتُعتبَر هذه القصيدة انعكاساً رمزياً لتجربته الشخصية وصراعه مع اليهود، إذ كان يرى أنهم بدَّلوا التعاليم التوراتية بتعاليم أخرى. كتب مسرحية رعوية تُسمَّى برج عوز اعتبرها رواد التنوير بعد ذلك قصتهم هم. وتأثر لوتساتو بالشعر الرعوي الذي انتشر في إيطاليا في القرن السادس عشر فكتب قصائد رعوية في وصف الطبيعة وجمالها، كما تظهر في أعماله روح الأدب اليوناني القديم. ولقد تركت أعماله أثراً واضحاً في شعر العبرية في أوربا.
يتبع إن شاء الله...