المبحث الثالث: الإمكانيات والقدرات العسكرية لحزب الله
يرتكز أي هيكل مقاتل على ثلاث دعائم رئيسة، وهي:
• القائد/ القيادة.
• الفرد/ المقاتل.
• المعدة/ السلاح.
وبها تُقاس القدرة القتالية لأي جيش أو تشكيل مقاتل، طبقا للأسس التالية :
1. القائد: ويلزم أن تتوفر فيه شروط ثلاث هي:
أ. صفات شخصية (ذكاء - صبر - شجاعة - حكمة - إيمان قوى - عقيدة صادقة).
ب. تأهيل علمي (دراسات عامة وتخصصية - تدريب عملي وميداني).
ج. خبرة قتال (اشترك في عمليات قتالية - تدرج في القيادة طبقاً لمهاراته).
2. الفرد: يجب أن يتوفر فيه الآتي:
أ.اللياقة البدنية والصحية العالية.
ب. اللياقة الذهنية.
ج. اللياقة النفسية والقدرة على تحمل الضغوط والصعاب.
وقد أثبتت جميع العمليات القتالية التي اشتركت فيها عناصر حزب الله، ابتداءً من عام 1982، ومنذ خروج منظمة التحرير الفلسطينية بعد الاجتياح الإسرائيلي الشامل للبنان، وانتقال قيادة المقاومة المسلحة تدريجياً للحزب الوليد آنذاك "حزب الله"، وبعد سنوات متعددة قاد خلالها حرباً شرسة لإخراج المحتل الإسرائيلي من الجنوب اللبناني، وحتى حرب الثلاثة والثلاثين يوماً عام 2006.
كل ذلك أثبت أن قيادات الحزب وكوادره على أعلى درجات الكفاءة والمهارة.
أما عن تأهيلهم العملي والتخصص فتتوافر الكثير من المعلومات التي تؤكد حصول العديد من كوادر الحزب وقياداته العسكرية على دورات تدريبية متقدمة في إيران.
3. المعدات والأسلحة:
فيلزمها توافر الشروط التالية:
أ. المقارنة النوعية:
التي تمكنها من مجابهة ما لدى العدو من أسلحة ومعدات في حدها الأدنى، والتفوق عليها في حدها الأقصى.
ب. الملاءمة:
أي تلاؤم المستخدم ومسرح العمليات، وتلاؤم المهام المطلوب تنفيذها.
ج. الدوام:
أي ضمان مواصلة الإمداد بالمعدة/ السلاح، وتوفير قطع الغيار اللازمة لها، والقدرة على تعويض الخسائر.
وهذا كله ثبت توافره لأسلحة حزب الله باختيار السلاح المناسب والملائم لظروفه وطبيعة أرضه وقدرات عدوه، فكانت الصواريخ بمدياتها هي سلاح الحسم، وتوفر المصدر الدائم للإمداد من إيران وسورية هو ضمان الدوام، إضافة إلى التصنيع المحلي للبعض منها، مثل الطائرات الموجهة من دون طيار.
أولاً: القدرات العسكرية:
1. حجم القوات (اُنظر صورة جيش حزب الله):
أ. فوجان مقاتلان:
(1) تعمل الأفواج المقاتلة في مجموعات قتال، كل مجموعة بقوة 8 – 10 خلية، والخلية بقوة 4 – 5 أفراد.
(2) تقدر القوة القتالية للفوج بعدد 400 فرد.
(3) يُقدر حجم القوات العاملة بثلث القوة، والباقي يجري استدعاؤه في حالات الطوارئ.
ب. مجموعات قتال خاصة:
• صاعقة - استشهاديون - نسف وتدمير.
ج. المدفعية الصاروخية:
يمتلك الحزب ما بين 10 – 15 ألف صاروخ تلقاها من سورية وإيران، منها: صواريخ كاتيوشا، والتي تعد السلاح التقليدي لحزب الله، وقد أدخل عليها تطويرات عديدة منذ استخدامها في قصف شمال إسرائيل لأول مرة، عام 1996، عقب مجزرة قانا وعملية عناقيد الغضب، وكان وزن الرأس المدمرة لها وقتها 22 كجم.
ويوجد منها حالياً نوعان: (اُنظر صورة صواريخ حزب الله).
(1) عيار 107 مم، بمدى أكثر من 10 كم.
(2) عيار 122 مم، القادر على حمل رأس مدمرة زنة 100 كجم، بمدى 30 كم.
كما يمتلك صواريخ إيرانية، من نوع فجر 2، 3، 4، 5، والتي يُرجح أن يصل مداها من 50 – 70 كم.
ويرجح أن هذه الصواريخ صٌنعت بجهد مشترك بين إيران والصين وكوريا الشمالية، ويكون إطلاقها من منصات متحركة، ويُقدر مدى الصواريخ فجر ـ3 بـ40 كم، ويحمل رأساً متفجرة زنة 200 رطلاً، ويراوح مدى الصاروخ فجر ـ5 ما بين 60 – 70 كم، ويحمل رأساً متفجرة زنة 385 رطلاً.
ويمتلك كذلك مجموعة صواريخ، من نوع رعد 2، 3، 4، وهي مماثلة للصاروخ الإيراني شاهين ـ2 من عيار 333 مم.
وهناك أيضاً صواريخ زلزال 1، 2، والتي يبلغ مداها 200 كم، ويمكنها الوصول إلى تل أبيب، وهي مزودة بنظام توجيه ومصممة لقصف المدن، ويحمل الصاروخ رأسا متفجرة تصل حتى 100 - 150 كجم.
د. صواريخ أرض/ سطح من نوع س – 208، ويصل مداه إلى 100 كم، وهو أحد أكثر الصواريخ المتطورة، وهو من النوع الذي أطلق على البارجة الإسرائيلية يوم 16 يوليه 2006.
هـ. مقذوفات موجهة مضادة للدبابات.
(1) الصاروخ إيه تي – 4 سباريجوت، روسي الصنع، بمدى 2000 م.
(2) الصاروخ ساجر، من نوع إيه تي – 3، روسي الصنع، موجه بالسلك.
(3) الصاروخ تاو، الأمريكي الصنع، بمدى 3500 م.
(4) الصاروخ كورنيت آي، روسي الصنع، الموجه بالليزر، ويصل مداه إلى خمسة كم.
(5) قذائف البتروفا والـR.P.G، بمدى 500 م.
و. صواريخ مضادة للطائرات (أرض/ جو) مقلدة عن الصاروخ سام – 7، التي تُطلق من على الكتف.
ز. طائرات موجهة من دون طيار:
يمتلك الحزب طائرات، من نوع مرصاد – 1، وكان قد أطلقها عام 2004، بهدف جمع المعلومات عن شمال إسرائيل.
ويرجح استخدامها في قذف البارجة الإسرائيلية، يوم 16 يوليه 2006، أمام السواحل اللبنانية.
وقد أعلنت إسرائيل، في 7 أغسطس 2006، عن إسقاطها طائرة موجهة من دون طيار كانت في طريقها إلى حيفا تحمل على متنها متفجرات.
كما أعلنت، يوم 13 أغسطس 2006، عن إسقاط طائرتين من نفس النوع، كانتا في طريقهما إلى شمال إسرائيل.
ح. القوة البشرية لمقاتلي حزب الله:
تقدر بحوالي 20 ألف مقاتل، يوجد منها تحت السلاح الثلث فقط، والباقي احتياط يُستدعى كله في حالة الطوارئ وعند اللزوم.
وقد يجري استدعاء بعض العناصر بصورة سرية للاشتراك في مهمة محددة، ثم تسريحهم بعد الانتهاء من المهمة، والعودة إلى أعمالهم المدنية.
2. تطبيق الحزب مبادئ وأساليب القتال:
أ. الاهتمام بالتخطيط وبالإعداد الجيد للقوات ومسرح العمليات من خلال:
(1) المتابعة والدراسة الجيدة للعدو وقدراته، وأساليب قتاله، وأعماله المنتظرة، ونقاط القوة والضعف لديه.
(2) إعداد مسرح عمليات بالشكل الذي يلائم حرب العصابات وأساليب قتالها (أنفاق - ملاجئ - دشم)، وعلى أعماق مناسبة لتأمين المعدات والأسلحة والأفراد، مع التوسع في استخدام الموارد الطبيعية للبيئة من غابات وأشجار، بالإضافة إلى المنازل والمنشآت المدنية لتحقيق قدر أكبر من الإخفاء والتمويه.
(3) تأهيل الكوادر في المجالات المختلفة، وخاصة في مجال العمل المخابراتي وأعمال الاستطلاع وجمع المعلومات.
(4) الإعداد الديني والعقائدي مع تنمية القدرات الشخصية للأفراد بدنياً علمياً ونفسياً.
ب. التدريب والتأهيل:
(1) تدريب وتأهيل المقاتلين تحت إشراف قائد الجناح العسكري وبمساعدة عناصر من الحرس الثوري الإيراني، ويجري التدريب على استخدام جميع أنواع الأسلحة والتعامل مع المفرقعات، وقد تم تدريب عدة آلاف فرد من حزب الله في دورات تدريبية خاصة في إيران خلال السنوات القليلة الماضية.
ولم تنقطع الدورات التدريبية لشباب الحزب، سواء في إيران أو لبنان، منذ قيام الحزب، وقد يزيد عدد الذين حصلوا على هذه الدورات حتى الآن عن 100 ألف (يصل عدد المشتركين في الدورة إلى 300 مقاتل).
(2) يجري التركيز على الموضوعات التالية:
(أ) الإعداد البدني العالي، للتمكن من العمل في المناطق الجبلية الوعرة التي يتسم بها الجنوب اللبناني.
(ب) القتال في المدن وفنون القتال في حرب العصابات.
(ج) استخدام الأرض وطبيعتها المختلفة من سهول ووديان ومناطق جبلية وغابات كثيفة ومباني.
(د) القتال باستغلال التجهيزات الهندسية التي تحقق الستر والإخفاء وتحقيق المفاجأة للعدو.
(هـ) استخدام الأسلحة والمعدات بكفاءة لتحقيق أكبر خسائر في العدو.
(و) المهارة في استخدام منظومات التسليح المتوافرة لديهم مع تحقيق مبدأ الواقعية في التدريب.
(3) التأهيل النفسي للمقاتلين، بالتركيز على الحالة المعنوية والروحية للفرد وإبعاده عن المشاغل الدنيوية من خلال الآتي:
(أ) تعايش الأفراد في مناطق منعزلة في الجنوب اللبناني.
(ب) يتعايش الفرد في حفرة تشبه اللحد لمدة تصل إلى أربعة أشهر بهدف السمو الروحي والرغبة في الشهادة.
(ج) يتم التركيز على قراءة القرآن وتناول الأطعمة التي لا تثير الغرائز.
(د) يصل الفرد إلى درجة من السمو الروحي تجعله متقبلاً لتنفيذ أي مهمة مهما كانت صعوبتها.
(هـ) تراعى أعلى درجات السرية في تخصيص المهام والإعداد لتنفيذها.
3. السرية والأمن:
يراعى تطبيق أعلى درجات السرية والأمن أثناء التخطيط والتنفيذ للمهام ويظهر ذلك جلياً في:
أ. الاعتماد الرئيس على المواصلات الخطية والمؤمنة بين القيادات والتمركزات الثابتة.
ب. عدم استخدام أي وسائل اتصال لاسلكية بين القيادة والعناصر المقاتلة أثناء تنفيذ المهام.
ويكون الاعتماد على التلقين الشفوي وحفظ المهام، والتنفيذ طبقاً لتوقيتات محددة ومتفق عليها من قبل، دون أي تغيير أو تعديل إلا طبقاً لرؤية القيادة المنفذة في منطقة العملية.
ج. عدم كشف أي معلومات عن العناصر المكلفة بتنفيذ مهام لأي عنصر آخر، ويكون الاتصال بالقائد المسؤول عند التشغيل فقط.
4. تحقيق المفاجأة:
أ. الاختيار الدقيق للأهداف المعادية التي ستكون رهن الاستهداف.
ب. اختيار التوقيت المناسب
ج. الدراسة الجيدة للأرض وتحديد أنسب الاتجاهات والطرق للوصول إلى الأهداف.
د. استخدام أساليب جديدة وغير نمطية في القتال مع العدو.
هـ. حشد أنواع من الأسلحة غير المتوقعة من جانب العدو واستخدامها وخاصة الصواريخ.
وقد برز هذا في الأساليب المستخدمة في تدمير الدبابات الميركافا، وأساليب استخدام الألغام والعبوات الناسفة، إلى جانب المقذوفات الموجهة المضادة للدبابات ذات الرؤوس المزدوجة.
ثانياً: العمليات العسكرية:
أيا كانت الأهداف السياسية والأيدلوجية لحزب الله، ورغم اختلاف الرؤى حول النتائج التي تحققت على مسرح الأحداث نتيجة للعمليات العسكرية للحزب في الجنوب اللبناني والشمال الإسرائيلي، إلا أن الحقيقة التي لا تخطئها العين هي أن حزب الله قوة عسكرية فاعلة ومؤثرة، لها القدرة على تحقيق أهداف سياسية وعسكرية.
ورغم امتلاك الحزب لقدرات قتالية لا يستهان بها، سواء من ناحية التسليح والعتاد، أو من حيث أعداد المقاتلين ومستواهم التدريبي العالي، إلا أنه لم يتورط في أي قتال تقليدي مع العدو، واتسمت عملياته العسكرية دائما بأسلوب حرب العصابات الذي يرهق أعتى الجيوش.
ولقد أظهرت العمليات العسكرية الأخيرة للحزب مع العدو الإسرائيلي، عام 2006، امتلاكه لخبرات قتالية عالية تراكمت عبر السنين...
وقد ضُخِّمت واستغلت أحسن استغلال في مسرح العمليات كما يلي:
1. توقع قيام الجيش الإسرائيلي بالهجوم على نفس المحاور التي سلكها في اجتياحه للجنوب اللبناني، عام 1982، فعمل بالآتي:
أ. نشر قواته نشراً لا يعرضها للخسائر الكبيرة.
ب. احتلال مواقع دفاعية على محاور التقدم المنتظرة للعدو (محور الخيام/ مرج عيون - محور مارون الرأس/ بنت جبيل - المحور الساحلي لبونة/ ناقورة/ البياضة)، ونجحت مجموعات قتاله في إعاقة تقدم القوات الإسرائيلية عليها.
ج. توفير الوقاية اللازمة لقواته في مواجهة الآلة التدميرية الإسرائيلية العالية كالأتي :
(1) تحصين قواته داخل أنفاق وملاجئ محصنة وتجهيزات هندسية خزن بها ما يلزمه من الاحتياجات.
(2) استخدام الأنفاق والخنادق المحصنة في المناورة بين المواقع.
(3) تنفيذ الكمائن والتعامل المباشر مع العدو بنيران الأسلحة الصغيرة، والمقذوفات الموجهة المضادة للدبابات، لإحداث أكبر خسائر نتيجة لخداع العدو ومفاجأته.
(4) التوسع في استخدام الألغام، للحد من حرية الحركة للعدو، وإنزال الخسائر الكبيرة به، وخاصة في مدرعاته.
د. استخدام الأسلحة والمقذوفات المضادة للدبابات:
(1) استخدام الحزب أنواعاً متطورة من المقذوفات الموجهة المضادة للدبابات، من خلال الاستخدام الجيد للأرض والتجهيز الهندسي لها بواسطة أطقم قنص الدبابات العالية التدريب.
(2) تحقيق مبدأ الانتشار لمخازن الأسلحة والذخائر في منطقة مسرح العمليات.
(3) امتازت الأسلحة المضادة للدبابات بالقدرة العالية على الاختراق (وصلت إلى 900 مم في الصلب المتجانس) من مديات (500 – 3000 م)، وذلك لحصول الحزب على المقذوفات الموجهة المضادة للدبابات من نوع (كورنيت) الروسي الصنع، الذي يصل مداه إلى 5.5 كم ويحقق اختراق يصل إلى 1000 – 1200 مم.
2. أساليب قتال حزب الله:
اتخذ الحزب أساليب قتال حرب العصابات، رغم أنهم يتدربون تدريب جيش نظامي يتسلح مقاتلوه بأنظمة متكاملة من التسلح المتطور الفعال، فهم يستخدمون نفس التكتيكات التي استخدمها الفيتكونج في فيتنام، ومقاتلو الشيشان، لتجنب نقاط القوة لدى العدو، والتأثير الفعال على نقاط ضعفه مثل:
أ. استخدام الأنفاق وأنظمة المجاري في مهاجمة طوابير العدو المدرعة.
ب. هم بمنزلة جيش صغير تساعده دائرة أكبر من العاملين معه جزئياً لتوفير السكن والنقل وتخزين الأسلحة في البيوت والمباني الأهلية، حيث يعمل حزب الله مثل قوة ثورية وسط بحر من المدنيين، ما يجعل القتال ضده صعب من دون قصف المناطق المدنية الآهلة بالسكان.
ج. عادة ما يظهر المقاتلون لنصب منصات إطلاق الصواريخ، والقيام بعملية الإطلاق، ثم الذوبان وسط المدنيين.
د. في سنواته الأولى تخصص حزب الله في التفجيرات الانتحارية وعمليات الاختطاف، وأشهرها الهجمات الانتحارية على السفارة الأمريكية في بيروت، ومواقع المارينز، عام 1983.