المبحث الحادي عشر: تطور الأهداف الكردية في بناء دولة كردستان بعد غزو العراق
في أعقاب سقوط النظام العراقي في 9/ 4/ 2003، اتجه الأكراد إلى بغداد للبحث عن مستقبل العراق، والوضع الذي يناسبهم في بناء الدولة العراقية الجديدة وكان حديثهم وتوجههم السياسي، هو ضرورة أن تتمتع منطقتهم بالفيدرالية في إطار عراق إتحادي ديموقراطي تعددي. وبرغم ما كان يجرى على أرض الواقع من نزعات انفصالية لدى المواطن العراقي العادي ، أو بعض النخب السياسة والثقافية، إلا أن موقف الزعامات الكردية ظل عند التمسك بالهوية الوطنية العراقية.
في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ العراق، فإن كيان الدولة، لم يكن في يد أبنائها ولكن كان المتحكم فيه هو قوات الاحتلال بالدرجة الأولى والتي تعاونت –بتنسيق كامل معها- منظمة الأمم المتحدة وكان مصير الأكراد يرتبط بمصير العراق في ظل الاحتلال، إلا أن الأكراد تمسكوا بحقهم في الحكم الذاتي أو الفيدرالي استنادًا على ما تحقق لهم بواسطة القوات الأمريكية خلال عقد التسعينيات، من خلال فرض مناطق الحظر الجوى، إلى جانب مشاركتهم في فعاليات قوى المعارضة ضد نظام حكم البعث في العراق.
أولاً: التحولات السياسية في العراق في أعقاب الاحتلال ، وانعكاساته على تطور أهداف الأكراد
يمكن القول إن التحولات السياسية قد مرت بثلاث مراحل رئيسية، وأشارت منذ البداية إلى عدم إمكان بناء عراق موحد، ذي طبيعة اتحادية تتحكم في مختلف الطوائف والأعراق، وتشدها في إطار المركز في بغداد، نتيجة لعدة أسباب، يأتي في مقدمتها إخفاق الولايات المتحدة في تقدير البعد الطائفي التاريخي، وهو كفيل في حالة العراق، بتدمير أي مشروع لبناء الدولة لا يراعى حساسية هذا الوضع وإفرازاته التاريخية.
إلى جانب ضبابية التقييم الأمريكي للبعد الإقليمي في المسألة العراقية، وهو ما أضاف دوافع ورغبات إقليمية جديدة لإفشال النموذج الذي تحاول الولايات المتحدة تأصيله في العراق، بل ووصل الأمر إلى حد التدخل لتعطيله على غرار ما فعلت بعض القوى المحيطة بالعراق حاليا.
والمراحل التي مرت بها التحولات في العراق تتحدد في الأتي:
1. المرحلة الأولى: خضوع دولة العراق لسيطرة قوى الاحتلال (21 مارس 2003- 7 يونيه 2004)
أدت هذه المرحلة والإجراءات التي اتخذت فيها، إلى تداعيات خطيرة في المراحل التالية.
وانعكس سوء الإدارة في هذه المرحلة على العراق بعاملين سلبيين وهما:
أ. تصاعد المقاومة في أرجاء العراق خاصة المناطق السنية، وطالت هذه المقاومة المناطق الكردية خاصة فيما بين الأكراد من جانب، والعرب والتركمان من الجانب الأخر.
ب. توجه الأكراد لتحقيق مطالبهم، من خلال الانغلاق والانعزال تارة، والمشاركة في الإجراءات السياسية تارة أخرى، وارتفاع صوت المطالبة بالفيدرالية، إلى جانب اتخاذ إجراءات على أرض الواقع في محاولة لإجبار المواطنين العرب والتركمان على النزوح من المناطق التي يعدها الأكراد أرضا تاريخية، لإقامة دولة كردستان عليها، حيث جرت العديد من الاشتباكات في المناطق الشمالية.
ج. وللتغلب على مسار الأزمة في الشمال العراقي، فقد أظهر الأكراد بعض المرونة حيث وجه مسعود البرزاني نداءاً في 19/4/2003، أكد فيه على أواصر العلاقات الأخوية الأكراد والعرب في العراق.
عين "بول برايمر" من قبل الإدارة الأمريكية في الأول من مايو 2003، حاكما عسكريا عاما للعراق وهو ما لم تكن ترغب فيه المعارضة العراقية خاصة الأكراد والشيعية. وكان تعيين برايمر في محاولة لتصحيح الأوضاع داخل العراق في أعقاب الاحتلال، حيث أن خطة الإدارة الأمريكية بنيت على معلومات خاطئة سبق تجميعها من عناصر المعارضة، دون دراسة ميدانية حقيقية للأوضاع في العراق سياسيا وديموجرافيا
كما كان هناك تسيب كامل في التصدي للفوضى، ساعد عليه تصريح وزير الدفاع الأمريكي "دونالد رامسفيلد" "أن الشعب العراقي حر فيما يفعل، وأننا ذهبنا إلى العراق لتحرير هذا الشعب من قيوده"، كما كان أول قرار للحاكم العسكري الأمريكي الجديد هو حل الجيش والأجهزة الأمنية في العراق، والذي برزت آثاره في عدم السيطرة على الفوضى، وانضمام الكثير من العسكريين إلى حركات المقاومة انطلاقا من أسباب متعددة، منها عوامل وطنية تقاوم الاحتلال، ومنها البطالة وانقطاع سبل العيش، حيث كان معظم رجال الجيش يعتمدون على مرتباتهم في إعالة أسرهم، ولما انقطعت لم يجدوا وسيلة أخرى، خلاف المقاومة أو الانتقام.
رأت الولايات المتحدة الأمريكية تصدياً للوضع المتأزم في العراق إشراك الأمم المتحدة ـ التي سبق أن همشت دورها في اتخاذ قرار الحرب على العراق ـ من أجل دفع المجتمع الدولي للقيام بدوره في هذه المشكلة، حيث اتخذ مجلس الأمن عدة قرارات هامة كان تأثيرها شاملاً على أرجاء العراق.
حتى الأكراد، كانت آثارها إيجابية عليهم.
أ. القرار الرقم 1483 في مايو 2003، والذي تضمن منح القوات الأمريكية والبريطانية حق الأشراف على إدارة العراق، كما شمل رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على العراق منذ عام1990. وبه أصبح الأكراد أكثر أمناً، وأعلى صوتا نتيجة تحالفهم السابق مع الولايات المتحدة الأمريكية ومشاركتهم في قوى المعارضة.
ب. القرار 1511 في سبتمبر 2003، بشأن مساعدة العراق بين إدارة شؤونهم بأنفسهم، والذي عين بموجبه "الأخضر الإبراهيمي" مبعوثا للسكرتير العام للأمم المتحدة في العراق، حيث جاهد بشأن إصدار القانون الانتخابي العراقي رقم 96، والذي أطلق عليه (قانون الأحزاب والهيئات السياسية) الذي صدر بتوقيع الحاكم العسكري الأمريكي في العراق "بول برايمر"، وينص على حقوق الشعب العراقي في تحديد مستقبله السياسي واختيار حكومته.
بموجب هذا القرار عين مجلس حكم انتقالي من 25 عضوا، اختيروا من واقع عرقي ومذهبي من شيعة وسنه وأكراد وأشوريين، يتولى كل منهم الرئاسة لمدة شهر طبقا لترتيب الحروف الأبجدية. وقد كان هذا الأسلوب في اختيار المجلس، يمثل اللبنة الأولى في إحياء النعرة الطائفية في العراق، والتي ازدادت فيما بعد، وقد كان جلال طالباني، أحد أعضاء هذا المجلس وتولى الرئاسة لمدة شهر واحد طبقا للقواعد المحددة.
في هذا السياق نفسه، وتنفيذا لقرار مجلس الأمن الرقم 1511، شرعت الإدارة الأمريكية في نقل السلطة إلى العراقيين من خلال مرحلتين فرعيتين.
الأولى: ، تنتهي في فبراير2004، ويصاغ خلالها دستور عراقي مؤقت، ومن أجل تحقيق هذا الهدف، عين أعضاء جدد، انضموا لمجلس الحكم المؤقت ليصل عددهم إلى مائة عضو.
الثانية: هي تولى حكومة عراقية مؤقتة للسلطة في العراق، وتكون مهمتها الرئيسية الإعداد لانتخابات تشريعية لمجلس وطني في يناير 2005، ليقوم بإعداد الدستور الدائم للعراق، وإجراء الاستفتاء عليه، وفي هذا الصدد شكلت حكومة عراقية غلب عليها الطابع العرقي أيضا لترسيخ تفتيت الوحدة الوطنية، ورأس الحكومة الدكتور "أياد علاوي" (شيعي)، وتولى رئاسة الجمهورية "غازى الياور" (سني) وتولى عدد من الأكراد مناصب وزارية.
صدر الدستور المؤقت في 8 مارس 2004، بعد خلافات شديدة، وأطلق عليه "قانون إدارة الدولة العراقية في المرحلة الانتقالية" حيث كان هذا القانون مثار خلاف شديد بين الأكراد والشيعة، وكاد يتسبب إصرار المرجعية الشيعية أية الله "السيستاني" على فرض رأى الشيعة في صياغة مواد الدستور في أزمة سياسية، حيث نظر الزعيمان الكرديان "مسعود البرزاني" و"جلال طالباني"، إلى تحركات "السيستاني"، على أنها موجهة مباشرة إلى تطلعات الأكراد. ووجها رسالة إلى الرئيس الأمريكي "بوش" يلتمسان فيها أن ينص قرار مجلس الأمن المزمع إصداره بشأن العراق، ضمانة دولية للأكراد في الفيدرالية، وألمحا في الرسالة إلى أن الأكراد يشعرون بالقلق من المواقف الأمريكية الأخيرة إزاءهم، ويذكرونه بالعلاقات الخاصة بين الطرفين، والتضحيات التي قدموها لتسهيل أمور السياسية الأمريكية في العراق، وأنه من غير العدل إنزال العقوبة والقصاص بكردستان، رغم صداقتها الحميمة ودعمها غير المحدود للولايات المتحدة الأمريكية.
2. المرحلة الثانية: نقل السلطة في العراق إلى حكومة مؤقتة (يونيه 2004 ـ يناير 2005)
في 8 يونيه2004 صدر القرار 1546 من مجلس الأمن الدولي ، والخاص بإنهاء الاحتلال من الناحية القانونية والشكلية، والإقرار بانتقال السلطة إلى حكومة عراقية مؤقتة، وتحديد طبيعة الوجود العسكري الأجنبي في العراق حيث أطلق عليه القرار أسم "القوات متعددة الجنسيات تحت القيادة الأمريكية" وفوض القرار سلطات الاحتلال، اتخاذ كافة التدابير لحفظ أمن واستقرار البلاد، والإشراف على بناء القوات المسلحة، وبناء قوات أمن عراقية.
صاغ القرار أيضا ملامح العملية السياسية التي ستجرى في البلاد، حيث اقر أجراء انتخابات ديمقراطية لاختيار أعضاء الجمعية الوطنية المؤقتة بحلول 31 يناير2005، ودعا الحكومة العراقية للنظر في إمكان عقد اجتماع دولي لدعم العملية السياسية.
جاء هذا القرار صدمة للأكراد، حيث ثبت أن الإدارة الأمريكية لم تضغط على مجلس الأمن للاستجابة لمطالب الأكراد "بضمان الفيدرالية"، وكان رد فعل السياسيين الأكراد عنيفاً، وهددوا بالانسحاب من الحكومة المؤقتة وبمقاطعة بغداد، معلنين أنهم أصبحوا يفكرون جديا بقطع صلتهم بالمركز، ما أعتبر تلويحا بالانفصال، إلا أنه تم طمأنة الأكراد بأن قضية الفيدرالية، وإن لم ينص عليها في قرار مجلس الأمن، إلا أنها تعد بالنسبة لهم خيارا نهائياً والتزاما غير قابل للتصرف، ويبدو أن ثمة وعود قد حصل عليها الأكراد من الإدارة الأمريكية بهذا الصدد، بحيث غيروا موقفهم بسرعة.
حاول الأكراد الظهور بمظهر المهتمين بقضايا الشأن العراقي على أساس أنهم عراقيون مهمومون بمستقبل وطنهم العراق، ودعا مسعود البارزانى كافة الفصائل والقيادات السياسية العراقية إلى مؤتمر المصالحة الوطنية في أربيل، والذي كانت بدايته مؤتمراً للحوار الكردي/العربي، ثم تحول فيما بعد إلى مؤتمر المصالحة الوطنية العراقية الشاملة وقد انعقد المؤتمر في الفترة من 26-27مارس2004 تحت شعار المصالحة الوطنية طريقنا نحو السلام الاجتماعى.
الحقيقة أن الفيدرالية التي سعى إليها الأكراد في مرحلة- ما بعد صدام- هي طموح مرحلي وليس طموحا قومياً، حيث أن الطموح يتمثل في إقامة دولة كردية، وهو ما سعى إليه الأكراد على مدى تاريخهم، ولكن إدراك الأكراد، أن هذه الرغبة القومية لن تلقى دعماً أمريكيا ـ حتى وإن رغبت الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك إرضاء لحليفتها المحورية "تركيا" وهذا ما جعل هذا التيار يتبنى الخيار الفيدرالي، بوصفه أكثر ما يمكن الحصول عليه في مثل هذه الظروف التي تحكمها حسابات وتوازنات معقدة.
أ. المكاسب التي تحققت للأكراد في قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية
تحققت للأكراد مكاسب جديدة في قانون إدارة الدولة الذي اعتمد في 8 مارس 2004، وهي المكاسب التي كان الأكراد يريدون تأكيدها في قرار مجلس الأمن رقم 1546 من خلال الإشارة في هذا القرار لقانون إدارة الدولة، بما يؤكد حقهم في الفيدرالية القومية، وليس الفيدرالية الإدارية أو الجغرافية. وقد تمسك الزعماء بما جاء في هذا القانون بشأن حقوقهم في اختيار الفيدرالية وعدم القبول بأقل مما نص عليه. ويحقق القانون المكاسب الآتية للأكراد.
(1) الفيدرالية: حيث نصت المادة الرابعة "أن نظام الحكم في العراق جمهوري إتحادي فيدرالي ديمقراطي تعددي، ويجرى تقاسم السلطات فيه بين الحكومة الاتحادية والحكومات الإقليمية والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية".
(2) اللغة الكردية: حيث نصت المادة التاسعة:" اللغة العربية واللغة الكردية هما اللغتان الرسميتان للعراق" ويشمل نطاق اللغة "إصدار الجريدة الرسمية (الوقائع العراقية) باللغتين، والتكلم والمخاطبة والتعبير في المجالات الرسمية كالجمعية الوطنية ومجلس الوزراء والمحاكم والمؤتمرات الرسمية بأي من اللغتين. كذلك الاعتراف بالوثائق الرسمية والمراسلات باللغتين، والدراسة بالمدارس باللغتين وفقا للضوابط التربوية، وأية مجالات أخرى يحتمها مبدأ المساواة مثل الأوراق النقدية وجوازات السفر والطوابع.
(3) الوضع الحالي للمنطقة الكردية: حيث تنص المادة 53: "يعترف بحكومة إقليم كردستان بصفتها الحكومة الرسمية للأراضي التي كانت تدار من قبل الحكومة المذكورة في 19 مارس 2003 الواقعة في محافظات دهوك واربيل والسليمانية وكركوك وديالى ونينوى- إن مصطلح حكومة إقليم كردستان الوارد في هذا القانون يعنى المجلس الوطني الكردستاني، ومجلس وزراء كردستان والسلطة القضائية الإقليمية في إقليم كردستان"
كما ورد في المادة 54 ما يلي" تستمر حكومة إقليم كردستان في مزاولة أعمالها الحالية طوال المرحلة الانتقالية... وتمول هذه الوظائف من قبل الحكومة الاتحادية.. وتحتفظ حكومة إقليم كردستان بالسيطرة على الأمن الداخلي وقوات الشرطة، ويكون لها الحق في فرض الضرائب والرسوم داخل الإقليم"
(4) معالجة سياسة التطهير العرقي: حيث تنص المادة 58: "تقوم الحكومة العراقية الانتقالية – ولاسيما الهيئة العليا لحل نزاعات الملكية العقارية وغيرها مع الجهات ذات العلاقة- وعلى وجه السرعة باتخاذ التدابير من أجل رفع الظلم الذي سببته ممارسات النظام السابق المتمثلة بتغيير الوضع السكاني لمناطق معينة (من ضمنها كركوك)، من خلال ترحيل ونفى الأفراد من أماكن سكناهم ، ومن خلال الهجرة القسرية من داخل المنطقة وخارجها وتوطين الأفراد الغرباء عن المنطقة، وحرمان السكان من العمل، ومن خلال تصحيح القومية" كما حدد القانون عديد من إجراءات من الواجب تنفيذها في هذا الشأن.
(5) حق النقض (الفيتو): ورد في الفقرة جـ من المادة 61 (حول طرح مسودة الدستور الدائم على الشعب العراقي للموافقة من خلال استفتاء عام) ما يلي: "يكون الاستفتاء العام ناجحاً ، ومسودة الدستور مصادقا عليه، عند موافقة أكثرية الناخبين في العراق، وإذا لم يرفضها ثلثا الناخبين في ثلاث محافظات أو أكثر".
وقد أثارت الجملة الأخيرة جدلاً واسعاً، وعدت حقا محصوراً على الأكراد على أساس أن الإقليم الكردي يدير ثلاث محافظات، إضافة إلى أجزاء من محافظات أخرى. وبالتالي فمن حق الأكراد الاعتراض على أي نص دستوري مستقبلي لا يتفق مع مطامحهم.
ب. انعكاسات هذه المكاسب على توجه الأكراد لتحقيق مصالحهم
(1) لم يترك الأكراد فرصة إلا استفادوا منها، انطلاقا من اعتمادهم على دعم من الولايات المتحدة الأمريكية، وإصرارهم على تحقيق التوازن مع الشيعة في الجنوب، منتهزين في ذلك انشغال السنة بمعارضة النظام وعدم المشاركة في الحياة السياسية.
ومن ثم أكدوا وضع منطقة كردستان (المستقلة)، ولها حكومتها وبرلمانها ودستورها، وقوى الشرطة والأمن الخاصة بها، وفرضها الرسوم والضرائب داخل الحدود الجغرافية التي كانت تسيطر عليها، إلى جانب الاعتمادات المخصصة من الحكومة الاتحادية، والتي تعادل 13% من عائد النفط العراقي.
(2) التأكيد على استخدام اللغة الكردية، وإبراز العلم الكردي، بل أنه في مرحلة لاحقة صدر الأمر بعدم رفع العلم العراقي في إقليم كردستان، والاكتفاء بالعلم الكردي فقط، وفي هذا المجال فقد لوحظ أثناء انعقاد المؤتمر الوطني الانتقالي الموسع.
والذي تمخض عنه انتخاب الجمعية الوطنية المؤقتة في أغسطس 2004، ثلاثة إجراءات تعمد الأكراد في إبرازها لتأكيد وضعهم السياسي، وهى:
(أ) كتابة اسم المؤتمر باللغتين العربية والكردية.
(ب) تلوين خريطة العراق التي تصدرت القائمة بثلاث ألوان (الأحمر- الأبيض- الأخضر) وهى ألوان العلم الكردي.
(ج) حرص الأعضاء الأكراد بأن يبدؤا كلماتهم بتحية الصباح باللغة الكردية.
3. المرحلة الثالثة: الحكومة الانتقالية الثانية، ووضع الدستور الدائم والاستفتاء عليه (يناير- ديسمبر2005)
وفقا لما نص عليه الدستور العراقي المؤقت، فإنه كان على العراق أن يشهد تنظيم أول انتخابات بعد سقوط النظام السابق، في موعد أقصاه يناير2005، وكان المتصور أن إجراء هذه الانتخابات تمثل الخطوة المركزية في بناء نظام سياسي عراقي جديد يتمتع بالشرعية، وكانت الولايات المتحدة حريصة على إجراء تلك الانتخابات رغم مظاهر العنف والفوضى التي عمت أرجاء البلاد.
وقد نظمت الانتخابات طبقاً للقانون الرقم 97 الصادر عن سلطة الائتلاف المؤقتة، والذي يحدد نظام التمثيل النسبي أساساً لإجراء انتخابات المجلس الوطني في يناير 2005وما قرره في أجزائه الثلاثة، بأن العراق منطقة انتخابية واحدة، فإنه بالمقابل فتح الباب لقيام حكومات ائتلافية، وشجع على تطور الأحزاب، ومنع الاحتكار السياسي لحزب من الأحزاب.
ويستند على الصيغة الحسابية البسيطة لحساب تخصيص المقاعد، حيث يقسم عدد الأصوات على عدد المقاعد، مع عدم وضع حدا أدنى للتمثيل (وهو إجراء لا يؤخذ به في الدول الديمقراطية التي تشترط حدا أدنى للتمثيل).
وطبقا لهذا القانون، فقد بلغ عدد الكيانات السياسية المشاركة في الانتخابات التي أجريت في 30 يناير 2005، 223 كيانا سياسيا، بالإضافة إلى 35 ائتلافا يضم أكثر من كيان سياسي، 48 مرشحا مستقلا. وقد شملت هذه الانتخابات: "انتخابات الجمعية الوطنية- انتخابات أعضاء المجالس المحلية (البلديات) – انتخاب أعضاء البرلمان الكردستاني في المحافظات الثلاث (أربيل – دهوك - السليمانية وعددها 111 مقعدا)
حصلت أبرز القوائم العراقية المتنافسة في الانتخابات على عدد المقاعد الآتية في المجلس الوطني المكون من 275مقعداً:
أ. القائمة العراقية: ويقودها رئيس الوزراء العراقي المؤقت "إياد علاوي" (حصلت على 40 مقعدا).
ب. قائمة عراقيون: ويقودها رئيس الجمهورية السابق "غازي الياور" (حصلت على 5 مقاعد).
ج. قائمة الائتلاف العراقي الموحد: ويقودها الدكتور "إبراهيم الجعفري" (وهى التى فازت في الإنتخابات وحصلت على 140 مقعداً.
د. قائمة إتحاد الشعب (شيوعي): ويقودها حميد مجيد موسى (حصل على مقعدين).
هـ. قائمة تجمع الديموقراطيين العراقيين: ويقودها "عدنان الباجه جى" (كردى) (حصل على مقعد واحد).
و. قائمة التحالف الكردستاني: وتضم القوى والأحزاب الكردية (الحزب الديموقراطي الكردستاني بزعامة "مسعود برزانى"، الإتحاد الوطني الكردستاني، بزعامة "جلال طالباني"، الاتحاد الإسلامي الكردستاني، والحزب الشيوعي الكردستانى ، والحزب الاشتراكي الديمقراطي الكردستاني، وحزب كادحي كردستان، والاتحاد القومي الديموقراطى الكردستاني، وحركة فلاحى ومضطهدي كردستان، وحزب الاتحاد الديموقراطي الكلداني، والحزب الوطني الآشوري وحزب بين النهرين الديموقراطي، وقد بلغ عدد مرشحي القائمة 165 مرشحا وحصل على 75 مقعدا إلى جانب مقعدين للجماعة الإسلامية.
ز. قائمة جبهة تركمان العراق: وتضم الأحزاب التي تمثل الأقلية التركمانية (وحصل على 3مقاعد).
ح. أحزاب أخرى ومستقلون حصلوا على 7 مقاعد.
وقد تخلى السنة عن حقوقهم في خوض هذه الانتخابات ما أفسح المجال واسعاً أمام الشيعة والأكراد في الحصول على أغلب المقاعد في المجلس الوطني المكلف بصياغة الدستور ما أدى إلى تأكيد الأكراد لمشروعهم في الفيدرالية أثناء صياغة الدستور الدائم. وحتى لا يفقد الدستور الجديد شرعيته، وجدت الولايات المتحدة الأمريكية حلا تشريعياً مناسباً بإشراك 15عضواً من السنة في اللجنة المكلفة صياغة الدستور الجديد.
وشكلت الحكومة الانتقالية المنتخبة في نفس الوقت من أعضاء معظمهم من الشيعة والأكراد، حيث تولى الرئيس "جلال طالبانى" (كردى) منصب رئيس الجمهورية، وتولى الدكتور "إبراهيم الجعفري" (شيعي) رئاسة الحكومة، وتولى رئاسة المجلس الوطني (البرلمان) عضوا سنيا كما تشكلت الحكومة من 32 وزيرا، منهم 17 وزيرا من الشيعة، 8 وزراء من الأكراد، 6 وزراء من السنة ، ووزيراً من الأشوريين وبهذا فقد تأكدت إدارة الدولة على أساس عرقي ومذهبي، إلى جانب اعتبارات ديموجرافية طبقاً لحجم السكان ومذاهبهم وأعراقهم.
ولكي يصل الدكتور "إبراهيم الجعفري"، الذي أنيط به تشكيل الحكومة إلى هذا الائتلاف الحاكم، فقد خاض مفاوضات شاقة مع القائمة الكردستانية، صاحبة ثاني أكبر تمثيل في الجمعية الوطنية.
حيث تركزت مطالب الأكراد في تلك المفاوضات على فئتين من المطالب:
الأولى: تتعلق بالمبادئ الحاكمة لسياسة الحكومة، وفي مقدمتها التأكيد على الفيدرالية وعلى المطالبة الكردية بضم كركوك إلى إقليم كردستان، وإعادة تصحيح الأوضاع السكانية بها، وعلى شكل العلاقة بين قوات البشمركه وقوات الجيش وأجهزة الأمن المركزية، وعلى طبيعة الدين والدولة، (وبالتالي فقد نجح الأكراد في الحصول على معظم مطالبهم، ولو من الناحية المبدئية، باستثناء المطلب الخاص بكركوك، والذي أُجل إلى ما بعد تشكيل الحكومة).
الثانية: تركزت على عدد المناصب المخصصة لممثلي الأحزاب الكردية وطبيعتها، حيث طالبوا بالحصول على منصب رئاسة الدولة، والذي ذهب في النهاية إلى السيد "جلال طالباني" زعيم الإتحاد الوطني الكردستاني، كما طالبوا بوزارتين سياديتين، ولكنهم في النهاية رضوا بوزارة سيادية واحدة (وزارة الخارجية).
ومن هنا، فقد كان للأكراد يد طولي في التأثير على السلطة التنفيذية في الحكومة المؤقتة، إلى جانب تأثير مناسب في الجمعية الوطنية عند صياغة الدستور الدائم للعراق.
إلى جانب ذلك، لم يترك الأكراد الفرصة، بعد تولى الرئيس "جلال طالباني" سلطة رئيس الجمهورية حيث أعلن السيد "مسعود البرزانى" رئيسا لإقليم كردستان، والذي أصدر مرسوماً في 7 أبريل 2005، يقضي باستبدال اسم الجمهورية العراقية في جميع محافظات ومدن كردستان لتصبح "الجمهورية العراقية الفيدرالية" ولم يجد هذا القرار من يعارضه من الحكومة الاتحادية (المركزية) نظراً لانشغالها بمواجهة المقاومة التي تتصاعد بشدة.
أما فيما يخص إعداد وصياغة الدستور الدائم للعراق، فقد كان ذلك يمثل المهمة الرئيسية للمجلس الوطني المؤقت، الذي تحكم فيه الأعضاء الشيعة والأكراد، أما الأعضاء السنة فقد وضعوا باستمرار في محل تهميش، واغتيل أحدهم في مرحلة إعداد الدستور الدائم، ما جعلهم في حالة تهديد وإحباط مستمرين.
ثانياً: الدستور العراقي الدائم وما يحققه من مكاسب للأكراد
رأت الولايات المتحدة الأمريكية، في صياغة الدستور بداية للحل السياسي من وجهة نظر النظام العالمي، حتى تتحقق ديمقراطية القرار، ويلتفت الشعب العراقي إلى بناء دولته، ومساندة الإدارة المنتخبة، وتكون محصلة ذلك نوعاً من الاستقرار داخل العراق، تنعكس أثاره على تخفيف الأعباء العسكرية عن قوات التحالف. ويمكن أن تكون خطوة تجاه إعلان انتصار الولايات المتحدة في حربها ضد الإرهاب، وإعلانها عن تحويل العراق إلى دولة ديموقراطية تحتذي بها دول المنطقة.
وعبر رئيس الوزراء العراقي في الحكومة المؤقتة، عن أن صياغة الدستور جاءت في ظروف استثنائية لم تمر بها دولة في العالم، وفى توقيت محدود، وخلافات متصاعدة بين الفرقاء العراقيين، وضغوط مستمرة من الإدارة الأمريكية، من أجل طرح الدستور في الموعد الذي سبق تحديده (15 أكتوبر 2005).
طرحت مسودة الدستور في أواخر أغسطس 2005، لتتدارسها المؤسسات والشعب العراقي تمهيداً للاستفتاء في منتصف أكتوبر 2005، ومن الوهلة الأولى لقراءة الدستور، يتضح أن للأكراد دوراً هاما في صياغته لتحقيق توجهاتهم، وتأكيد ما حصلوا عليه في قانون إدارة الدولة، كذلك مسايرة دستورهم "الكردستاني" الذي صاغوه في عام 2002 ليطبق داخل إقليم كردستان.
يتكون الدستور العراقي، في مجمله، من ديباجة، وستة أبواب تحوى 139 مادة، وهو بتكوينه أدى إلى انتقادات شديدة من السنة في العراق، كذلك من معظم المفكرين في الدول العربية كما ظل معلقا على نتيجة الاستفتاء على مدى شهرين إلى أن أعلن في يناير 2006 عن إقرار الدستور كما علقت بعض مواده لكي يتولى المجلس الوطني المنتخب تعديلها.
يمكن معرفة ما حققه الأكراد من مكاسب سواء آنية أو على المدى البعيد في هذا الدستور بقراءة متأنية لمواده:
1. في الباب الأول "المبادئ الأساسية"
· نصت المادة الأولى: "جمهورية العراق دولة مستقلة ذات سيادة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديموقراطي، اتحادي" (وهو ما يعنى الفيدرالية).
· في المادة الثالثة: العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب، وهو جزء من العالم الإسلامي، والشعب العربي فيه جزء من الأمة العربية (وهو يعنى تأكيد الاعتراف بالقومية الكردية، ويفصل كردستان عن الأمة العربية، وبالتالي تتقلص عروبة العراق برغم أنه دولة مؤسسة لجامعة الدول العربية) وهو ما تم تصحيحه بعد ذلك بالنص على أن العراق جزء من الأمة العربية.
· في المادة الرابعة: تأكيد أن اللغة العربية واللغة الكردية هما اللغتان الرسميتان في العراق.
· في المادة التاسعة: نصت على أن " تتكون القوات المسلحة العراقية والأجهزة الأمنية من مكونات الشعب العراقي، تراعى توازنها وتماثلها دون تمييز أو إقصاء" (بمعنى تنظيم الجيش وعناصر الأمن طبقا للنسب الديموجرافية للشعب العراقي، والذي ينعكس بدوره على "طائفية الجيش وقوات الأمن" وهو أمر تبتعد عنه الدول الديمقراطية في العالم حتى لا تحدث أي حساسيات في هذا القبيل في نفس الوقت يضمن الأكراد تمثيلهم بقوة الجيش وقوات الأمن).
2. الباب الثاني (الحقوق والحريات)
ذكر في المادة 14: " العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الإقتصادى والاجتماعي (وهو أمر عانى منه الأكراد إبان حكم البعث السابق)
3. الباب الثالث (السلطة الاتحادية)
· نصت المادة 47: "تتكون السلطة التشريعية الاتحادية من مجلس النواب ومجلس الاتحاد ( بمعنى تأكيد الفيدرالية، ووجود مجلس للإتحاد الفيدرالي).
· فسرت المادة 63: "مجلس الاتحاد" بأنه يضم ممثلين عن الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة وينظم تكوينه وشروط العضوية فيه واختصاصاته، وكل ما يتعلق به بقانون يسن بأغلبية أعضاء مجلس النواب (وفي هذا فإن الأكراد يتمسكون بتقنين مجلسهم النيابي في إقليم كردستان ودستوريته).
· في المادة 91: نصت على واجبات المحكمة الاتحادية العليا، ومن ضمنها "الفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية ، والإجراءات الصادرة عن السلطة الاتحادية، والفصل في المنازعات التي تحصل ما بين الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم، كذلك الفصل في المنازعات بين حكومات الأقاليم والمحافظات، والفصل في تنازع الاختصاص بين القضاء الاتحادي والهيئات القضائية للأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في الإقليم" (وكلها واجبات يفرضها النظام الفيدرالي، بمعنى أن الدستور يقر هذا النظام وهو ما يطالب به الأكراد).
· تنص المادة 103: تؤسس هيئة عامة لضمان حقوق الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في الإقليم لضمان المشاركة العادلة في إدارة مؤسسات الدولة الاتحادية المختلفة.
· تنص المادة 104: "تؤسس هيئة عامة للرقابة، يكون أحد مهامها " التحقق من عدالة توزيع المنح والمساعدات والقروض الدولية بموجب استحقاق الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم.
4. الباب الرابع: (اختصاصات السلطات الاتحادية)
· المادة 107: "تحافظ السلطات الاتحادية على وحدة العراق وسلامته واستقلاله وسيادته ونطاقه الديموقراطي الاتحادي (بمعنى إقرار الفيدرالية، وواجباتها نحو عدم الانفصال والتمسك بوحدة العراق، وهو ما يصرح به قادة الأكراد في الوقت الحالي).
· المادة 110: تنص على " توزيع عوائد النفط بشكل منصف يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع أنحاء البلاد، مع تخصيص حصة لفترة محددة للأقاليم المتضررة، والتي حرمت منها بصورة مجحفة من قبل النظام السابق (والأكراد هم المقصودون في هذه المادة إلى جانب الشيعة) كما حددت المادة دورا رئيسيا لحكومات الأقاليم بالتنسيق مع الحكومة الاتحادية، برسم السياسات الإستراتيجية لتطوير ثروة النفط والغاز.
· المادة 111: حددت الاختصاصات المشتركة بين الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم، فيما يخص الجمارك، وتوزيع الطاقة، ورسم السياسات البيئية، ورسم سياسات التنمية، والسياسات الصحيحة.
5. الباب الخامس: (سلطات الأقاليم)
· المادة 113: نصت على أن النظام الاتحادي يتكون من عاصمة وأقاليم ومحافظات لا مركزية وإدارات محلية.
· المادة 114: نصت على إقرار هذا الدستور لإقليم كردستان وسلطاته القائمة إقليميا وإتحادا.
· المادة 116: نصت على "حق كل محافظة أو أكثر في تكوين إقليم، بناء على طلب بالاستفتاء عليه.
· المادة 117: نصت على قيام كل إقليم بوضع دستور له، بحيث لا يتعارض مع الدستور الاتحادي.
· المادة 118: حددت سلطات الأقاليم التشريعية والتنفيذية والقضائية، بما فيها تأسيس مكاتب للأقاليم والمحافظات في السفارات والبعثات الدبلوماسية. والأهم هو النص على اختصاص حكومة الإقليم بكل ما تتطلبه إدارة الإقليم، وبوجه خاص إنشاء وتنظيم قوى الأمن الداخلي للإقليم كالشرطة والأمن وحرس الإقليم (وهو ما يحل مشكلة البشمركة الكردية، ويبقى عليها قائمة في يد السلطات الكردية)
6. الباب السادس: (الأحكام الختامية والانتقالية)
· المادة 123: نصت على عدم جواز تعديل الدستور بما ينتقص من صلاحيات الأقاليم، إلا بموافقة السلطة التشريعية للإقليم المعنى، وموافقة أغلبية سكانه في استفتاء عام.
· المادة 135: تفرض عقوبات على كل من تصدى للأكراد إبان حكم البعث، حيث تشترط فيمن ينتخب لمجلس الرئاسة "أن لا يكون قد شارك في قمع الانتفاضة في عام 1991، أو الأنفال، ولم يقترف جريمة بحق الشعب العراقي" (وهذه الفقرة تخص الأكراد إذ لو كانت تنطبق على الشيعة لذكرت فيها جرائم الدجيل).
· المادة 137: نصت على استمرار العمل بالقوانين التي تم تشريعها في إقليم كردستان منذ عام1992، وتعد القرارات المتخذة من قبل حكومة كردستان- بما فيها قرارات المحاكم والعقود- نافذة المفعول ما لم يتم تعديلها أو إلغاؤها حسب قوانين إقليم كردستان من قبل الجهة المختصة فيها، ما لم تكن مخالفة للدستور.
ثالثاً: اعتلاء الأكراد مناصب رئيسية هامة على مستوى العراق
طبقا لما أفرزت عنه الانتخابات التشريعية التي أجريت في 15 ديسمبر 2005 ، بموجب الدستور العراقي الدائم، حيث خاض الأكراد هذه الانتخابات بتحالف كردستاني قائم على الإيحاء بوحدة إقليم كردستان (برغم خروج الإتحاد الإسلامي من هذا التحالف وخوضه الانتخابات منفرداً).
شمل البرنامج الانتخابي للتحالف العناصر الآتية:
1. الإصرار على جعل العراق دولة موحدة ديمقراطية تعددية برلمانية.
2. السعي لتأكيد وترتيب الوضع الفيدرالي لكردستان العراق، وحصولها على كل المميزات الممكنة.
3. السعي لحل مشكلة كركوك طبقا للمادة 58من قانون إدارة الدولة العراقية ، وكذلك المدن المشابهة مثل خانقين، ومندلي وغيرهما.
4. السعي لزيادة حصة الأكراد من الوزارات والمناصب الدستورية العليا في الدولة المركزية.
5. السعي لزيادة حصة إقليم كردستان من العائدات المركزية.
6. توحيد الإدارتين الكرديتين.
7. السعي لتحسين أحوال الشعب الكردي، وتوفير أقصى قدر من الخدمات له.
8. تحقيق الشفافية ومحاربة الفساد، ووضع ضوابط للتعامل بين الهيئات الحكومية والأفراد.
9. توسيع سلطات رئيس الجمهورية (على اعتبار) إعادة ترشيح جلال طالباني لتولى منصب رئيس الجمهورية في أعقاب الانتخابات التشريعية).
أجريت الانتخابات التشريعية في 15 ديسمبر 2005 بأسلوب تخصيص عدد من مقاعد البرلمان لكل محافظة من المحافظات الثماني عشرة، حسب تعداد سكانها، وليس باعتبار العراق منطقة انتخابية واحدة (طبقاً لما كان في انتخابات يناير 2005)، ولذلك فإن نتائج الانتخابات جاءت على أسس عرقيه ومذهبية أكثر منها وطنية.
حصل التحالف الكردستاني على 53 مقعدا من مقاعد المجلس الوطني وعددها 275 مقعداً وبالتالي حصل على المركز الثاني في أغلبية المقاعد حيث حصل الائتلاف العراقي الموحد شيعي على 128 مقعداً ثم جبهة التوافق (سنيه) على 40 مقعداً، وبقية المقاعد حصلت عليها أحزاب وتحالفات أخرى وبالتالي، فقد فرضت هذه النتيجة أن تشكل حكومة تآلف ما بين التحالفات الثلاثة، حيث لم تحصل إحداها على ثلثي المقاعد (184 مقعداً)، ومجموع مقاعد أي تحالفين منها لا يحقق ثلثي المقاعد كذلك.
لاقى تشكيل الحكومة، صعوبات جمة منها اختيار رئيس الحكومة نفسه، حيث كان رئيس الوزراء السابق إبراهيم الجعفري متمسكاً باستمراره في منصبه، كذلك لاقى ترشيح الوزراء في التحالفات معارضات شديدة، وقد برز ذلك فيما بين الحزبين الرئيسيين في كردستان، إلى أن أعلن عن تشكيل الحكومة برئاسة "نوري المالكي"، بعد أربعة شهور كاملة من عقد الانتخابات، وحيث حافظ الرئيس جلال طالباني، على منصبه رئيسا للجمهورية.
حاول الأكراد إجراء ضغوط على الحكومة الاتحادية، في أعقاب تشكيلها، من أجل تحقيق مصالح أكبر، وفي هذا المجال، فقد أعلن عن توجه رئيس الحكومة في إقليم كردستان "نيجيرفان برزاني" يصاحبه وفد من وزراء الحكومة الكردية إلى بغداد لحل الخلافات مع الحكومة العراقية، خاصة تلك المتعلقة بالعقود المبرمة مع الشركات الأجنبية للاستثمار النفطي في الإقليم، وتحويل مبلغ 485 مليون دولار كانت قد امتنعت عن صرفه العام الماضي.
كما يتطرق إلى تحديد حصة الأكراد من التمثيل الدبلوماسي في السفارات والقنصليات العراقية... وجاء الإعلان عن توجه هذا الوفد مع إنذار أعلنه مسعود البرزاني بصفته رئيس إقليم كردستان باللجوء إلى المحاكم العراقية لتسوية خلافاتهم مع حكومة المالكي.
وبذلك تحققت مكاسب كبيرة لأكراد العراق داخل إقليمهم مع مطلع القرن الحادي والعشرين، بما يؤهلهم إلى الانطلاق في تحقيق غايتهم القومية في بناء دولة كردستان ذلك المطمح الكردي، إلا أن ذلك، لن يتحقق على المدى المتوسط، حيث إن المكاسب التي حققها أكراد العراق، لا يمكن مقارنتها بالأوضاع التي تسود بين أكراد تركيا أو أكراد إيران.
ومن المنتظر أن تثير هذه المكاسب من النخوة الكردية، وتشجع الأكراد في الدول المجاورة للعراق، للتقدم بمطالب سياسية واجتماعية واقتصادية، وهو ما سوف يؤدى إلى صدامات في المنطقة، قد تشهدها السنوات القادمة.
المصدر:
http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Siasia21/Akrad/index.htm