المبحث العاشر: دور المعارضة الكردية في غزو العراق
نشأت المعارضة الكردية وتصاعدت على مدى عقود طويلة، حيث كان للأكراد أهدافهم القومية التي تتعارض مع نظم الدول التي تضم القوميات الكردية، منذ تقسيم المنطقة وتحديد حدودها إبّان الحرب العالمية الأولى، وما بعدها.
تصاعدت أصوات المعارضة الكردية سواء في تركيا أو إيران أو العراق خلال فترات عديدة من التاريخ الحديث والمعاصر، ولكن كان يميزها أنها تتصاعد وتعمل في الداخل، وكانت تخضع- خاصة في العراق- لتدخلات أجنبية تحرضها ضد النظام العراقي نفسه، كما حدث في أوائل عقد السبعينيات، حيث دعمت إيران أكراد العراق للحرب بالوكالة عنها ضد النظام العراقي، إلى أن وقعت اتفاقية الجزائر عام 1975. وتخلت إيران عن هذا الدعم، حيث لجأ الملا لبرزاني إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وكان هذا اللجوء هو البداية لكي تعمل المعارضة الكردية العراقية من الخارج، وتصبح أداة في يد القوى العالمية للتأثير على النظام العراقي نفسه.
ويمكن القول، إن تاريخ الأكراد مع حزب البعث يشكل تاريخا من المعارضة شبه المستدامة التي كانت تعلو وتهبط طبقا لمتغيرات وطنية أو إقليمية أو عالمية، ومن ثَم، كان أكراد العراق، هم الأنشط في حركات المعارضة على مستوى القومية الكردية، ثم لحق بهم حزب العمال الكردستاني الذي نشط في تركيا، خاصة خلال عقد التسعينيات من القرن العشرين أما أكراد إيران وسورية، فإن معارضتهم كانت محدودة للغاية.
أولاً: دور الولايات المتحدة في دعم المعارضة الكردية في داخل العراق
شرع اليمين الأمريكي المحافظ في غزو العراق في مرحلة ثانية بعد غزو أفغانستان في نطاق الحرب ضد الإرهاب التي أعلنها الرئيس الأمريكي جورج دبلو بوش، في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية، واستصدر بشأنها أربعة قرارات عن مجلس الأمن الدولي أرقام 1368، 1373، 1376، 1377.
وقد أدت هذه الأحداث إلى شروع الولايات المتحدة في بناء تحالف دولي ضد الإرهاب يتسم بعدة خصائص أهمها:
1. المرونة الشديدة نظراً لحالة الغموض التي تكتنف التوجهات لهذه الحرب، وتعرف مكامن الخطر وأسبقيات مواجهتها، والتي كانت تتطلب تنسيقا متكاملا مع كل الأطراف والتعاون مع فصائل المعارضة في الدول المستهدفة مسبقاً.
2. تغيير الإستراتيجيات العسكرية طبقاً لكل مرحلة، وفى هذا المجال فقد عبر وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد في 27/9/2001، عن تنوع نماذج المواجهة تحت إطار التحالف ضد الإرهاب بقوله "أن هذه الحرب لن تشن بواسطة تحالف كبير متحد، وإنما ستقوم تحالفات بين عدة دول، لكل منها دور ما، وسيكون دعم بعض الدول لنا علنيا، في حين أن البعض الأخر ولأسباب تتعلق بظروفه سيكون سريا. وفى هذا فإن رامسفيلد كان يشير إلى دول وإلى منظمات معارضة في آن واحد.
3. المدى اللانهائي في المواجهة نظرا لغموض الهدف والذي يرمى في النهاية إلى تحقيق الأمن والحرية للشعب الأمريكي على حساب أي شيء أخر.
4. المركزية في العمل العسكري تكون في يد الولايات المتحدة الأمريكية، وهى التي تدير دفة الحرب طبقا لخططها؛ ويتحدد من خلالها أدوار الآخرين.
5. مستوى تعاون معلوماتي وإستخباراتي واسع المدى يتم من خلال تعاون أجهزة المخابرات إلى جانب معلومات أقطاب المعارضة على كل المستويات.
إذا طبقنا هذه الخصائص على حالة العراق، في مجال الحرب على الإرهاب، وحتى تتحقق صياغة خطة قابلة للتنفيذ، كان لابد من استقطاب قوى عراقية تدعم أي تدخل أمريكي مقبل على الساحة العراقية، وكان الأكراد في مقدمة القوى التي يمكن استقطابها، من حيث معارضتها للنظام، وقربها من تركيا (عضو حلف الأطلسي) ولما يشكله شمال العراق من تأثير على النظام العراقي نفسه.
كذلك كان هناك استقطاب آخر للشيعة في الجنوب، وللعديد من الشخصيات العراقية في الداخل العراقي، وهو ما أثار هاجساً أمنياً لدى الرئيس صدام حسين قبل غزو العراق، عندما استجاب لما تثيره العمليات النفسية الموجهة للعراق، من حصول العديد من القيادات العسكرية على رشاوى وهدايا لتغيير النظام في العراق.
برغم ما حصل عليه الأكراد من دعم أمريكي، خاصة في مواجهة النظام العراقي نفسه، وأدى إلى تحقيق مطامحهم القومية في بناء حكم ذاتي، إلا أن لديهم هاجسا تجاه نوايا الولايات المتحدة الأمريكية، ومدى استعدادها للوفاء بما وعدت به، وذلك بسبب تخليها عن دعم الأكراد في السابق عدة مرات.
ومن ثَم كان الهاجس من تكرار ذلك يسيطر على خلفية التعامل الكردي مع الإدارة الأمريكية بشأن مدى جدية خطتها للإطاحة بالنظام العراقي، خاصة وأن الأكراد لديهم في هذه المرة ما يخشون عليه . فالحكم الذاتي الواقعي الذي تمتعوا به في معظم مناطق كردستان العراق، كان أثمن من أن يغامروا بتعريضه للخطر في مغامرة غير مضمونة لتحرير العراق.
ولكن القيادات الكردية يستحيل عليها، في الوقت نفسه، أن تنأى بنفسها عن الخطط الأمريكية، بسبب الدور المركزي الذي تلعبه واشنطن في حماية الأكراد، والذي يمثل ضمانا أكيداً لحصول الأكراد على العديد من المزايا والحقوق التي فقدوها في السابق، حيث إن الولايات المتحدة الأمريكية ـ قائدة النظام العالمي الجديد مع بداية عقد التسعينيات ـ أثبتت منذ اللحظة الأولى أنها تملك القدرة على التحكم في قضايا العالم دون منازع.
حرصت المعارضة الكردية منذ البداية، أن تكون مشاركتها في اقتلاع جذور النظام العراقي السابق ضمن منظومة المعارضة العراقية الشاملة، وليس بمفردها وفى هذا الصدد أدلى مسعود برزاني بتصريح لصحيفة الحياة اللندنية في 11/10/2002 ذكر فيه "لن يكون للحزب الديموقراطي الكردستاني دورا منفردا، بل سيكون ضمن كل أطراف المعارضة العراقية".
أدلى جلال طالباني بحديث للصحيفة نفسها في 18/10/2002، جاء فيه: "بحسب التصور الأمريكي، فالدور المتوقع للإتحاد الوطني هو توحيد المعارضة باعتباره يقيم علاقات طيبة مع كل الأطراف في المؤتمر الوطني الموحد والمجموعة الرباعية وباقي التنظيمات المعارضة".
ولتنظيم معارضة كردية تحقق أهداف المرحلة حرصت الولايات المتحدة الأمريكية على بناء معارضة كردية ذات شقين:
الأولى: بناء معارضة في الداخل من أجل دعم القدرات الأمريكية في أي مواجهة قادمة مع النظام العراقي، حيث كانت منطقة كردستان العراق تمثل منطقة التقدم والاختراق للقوات الأمريكية المتمركزة في القواعد التركية عند بداية عملية هجومية ضد النظام العراقي، ونظراً لطبيعة هذه المنطقة ، فإنها تحتاج إلى تأمين لن يحققه غير الأكراد أنفسهم لتأمين تقدم القوات الأمريكية.
الثانية: وجود معارضة مسلحة تشارك في العمليات العسكرية ضد النظام العراقي وتسبب له إرباكا في السيطرة على ربوع الدولة، وتستنزف جهوده. إلى جانب قيام هذه المعارضة المسلحة بِالتخلص من بعض الفصائل التي تدرجها الولايات المتحدة على قائمة الإرهابيين، وهى بالتحديد منظمة "جند الإسلام.
حرصت الولايات المتحدة الأمريكية، في كل الأحوال، على السيطرة على سلوك المعارضة الكردية في الداخل، ومنعها من إتخاذ أي إجراءات تهدف إلى إقامة دولة كردية مستقلة، أو التنسيق بين مجموعات الأكراد في الدول المتجاورة، ولكنها أبقت على العمل الذي يقوم به أكراد العراق داخل نطاق العراق ذاته، وفي هذا تجاوبٌ مع مطالب تركية في هذا المجال.
نظرا للجهد والحساسية في التعامل مع فصائل الأكراد، فقد استعانت الولايات المتحدة الأمريكية بكل من بريطانيا وألمانيا وتركيا في المشاركة في حل قضايا الأكراد الداخلية، وتحقيق التنسيق المتكامل بين الحزبين الكرديين الرئيسيين، وهو ما انتهى بتوقيع أتفاق السلام في 2 أكتوبر 2002، والذي لا يزال سارياً حتى الآن. وفى المجال نفسه، دعمت الولايات المتحدة الأمريكية فصائل المقاومة الكردية شمال العراق بأسلحة ومعدات حديثة لتستخدمها في المقاومة المقبلة أثناء غزو العراق المنتظر.
ثانياً: مشاركة المعارضة الكردية في الداخل في الإجراءات العسكرية لغزو العراق
حددت الولايات المتحدة دور المعارضة الكردية في شمال العراق لدعم قوات التحالف إبان غزو العراق كالآتي:
1. تأمين القوات الأمريكية المتقدمة من الاتجاه الاستراتيجي الشمالي العراقي (الفرقة الرابعة الميكانيكية الأمريكية وعناصر من الفرق العاشرة الجبلية الأمريكية، والتي استبدلت خلال تنفيذ العملية (باللواء 173، 194) اقتحام جوى نظرا لمعارضة تركيا تقدم قوات أمريكية عبر أراضيها.
2. المشاركة في تأمين القواعد الجوية شمال العراق لتامين الحشد الأمريكي والإمدادات اللوجيستية.
3. المشاركة في تأمين حقول ومصافي البترول شمال العراق، ومنع وصول أي عناصر تحاول تدميرها مع عزل مدينتي الموصل وكركوك.
4. قيام عناصر من الإتحاد الديموقراطي الكردستاني يومى25 ، 26 مارس 2003، بقصف مواقع جماعات أنصار الإسلام الكردية بنيران المدفعية.
5. قيام القوات الكردية بتأمين أعمال قتال اللواء 173 اقتحام جوى أمريكي للاستيلاء على مطار "الحرير" يوم 26 مارس 2003، من خلال هجوم نيراني على القوات العراقية المؤمنة للمنطقة، وأزاحتها عن المنطقة.
6. تقدم قوات "البشرمكة" الكردية، المدعمة بعناصر من القوات الخاصة الأمريكية، ومن المستشارين الأمريكيين تجاه كركوك والتمركز على بعد 20 كم من المدينة يوم 28 مارس، وشرعت في إجراء أعمال قتالية لتامين القوات الأمريكية وبالتعاون معها في حصار مدينتي كركوك والموصل يوم 30 مارس 2003، وجُهِّز مطار الحرير لاستقبال طائرات النقل الأمريكية.
7. مع تطور العمليات العسكرية في أنحاء العراق، خاصة بعد سقوط بغداد، تمكنت القوات الكردية من دخول مدينة كركوك يوم 10 ابريل 2003، دون أي مقاومة من القوات العراقية التي انسحب معظمها حيث عمت عمليات السلب والنهب أرجاء المدينة، وقامت العناصر الكردية بالتنسيق مع القوات الأمريكية بالسيطرة على المدينة، ومنع إشعال حرائق في حقول أو البترول ومصافيه.
8. أعلن في مدينة الموصل، عن عقد أتفاق بين الأكراد والقوات الأمريكية من جهة، والقوات العراقية (قيادتي الفيلق الأول والخامس اللذين كان يدافعان عن القطاع الشمالي العراقي طبقا للإستراتيجية الدفاعية العراقية لمقاومة الغزو الأمريكي)، استسلمت بمقتضاه القوات العراقية، وسلمت أسلحتها للقوات الكردية والأمريكية.
من كل ما سبق يتضح الآتي:
1. أن استقطاب الولايات المتحدة الأمريكية للمعارضة الكردية في الداخل، لم يكن لمجرد التمرد على النظام، ولكن للمشاركة الفعلية في غزو العراق، وتحقيق المهام الأمريكية في الاتجاه الإستراتيجي الشمالي للعراق بيسر وسهولة.
2. أن الولايات المتحدة الأمريكية نجحت في فصل القومية الكردية عن نسيج الشعب العراقي، أبان التخطيط لغزو العراق، وحولت الأكراد في الشمال إلى عدو حقيقي للنظام العراقي، يهدف إلى إسقاطه.
3. أن النظام العراقي كان مغيبا عما يحدث في شمال العراق، ولا يدرك الحقائق على أرض الواقع فيما وصلت إليه العلاقات ما بين المعارضة الكردية في الداخل من تنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية وأنه برغم تخصيص حجم كبير من القوات للدفاع عن شمال العراق (الفيلقين الأول والخامس العراقيين).
إلا أن تنظيم الدفاع أتخذ أسلوباً عسكريا قاصرا، ولم يتفاعل مع الشعب العراقي في الشمال، ولم تحصل المخابرات العراقية على معلومات عن حجم التنسيق الأمريكي- الكردي ، وبالتالي فإن الخطة الدفاعية العراقية حكم عليها بالفشل، ولم تحقق الأهداف المحددة لها.
ثالثاً: دور الولايات المتحدة الأمريكية في دعم المعارضة الكردية خارج العراق
من الصعب بمكان تحديد دور المعارضة الكردية في الخارج، حيث كانت الولايات المتحدة تهتم بدور المعارضة العراقية إجمالاً وعلى ذلك فإن دور المعارضة الكردية يدخل في نطاق المعارضة العراقية بمضمونها الكامل.
إلا أنها امتازت على فصائل المعارضة الأخرى، بالمميزات الآتية:
1. أن المعارضة الكردية في الخارج كان يمثلها أقطاب الحزبين الكرديين الكبيرين والذين وفرت لهما الظروف حرية التحرك ما بين الداخل والخارج دون سيطرة النظام العراقي، وبالتالي فإن القرارات التي تتخذ في مؤتمرات المعارضة في الخارج، كان من السهل تنفيذها في كردستان العراق بقرارات فورية من قائدي الفصيلين.
2. أن مشاركة كل من مسعود البرزاني، وجلال طالباني في المعارضة في الخارج مكنتهما من العمل على استقرار الأوضاع في داخل إقليم كردستان العراق، وحيدت القوة التركية من التدخل، أو احتمال الشكوك في تحركات أكراد العراق في تلك المرحلة الحساسة من تاريخ المنطقة.
3. أن المعارضة الكردية لم تكن في حاجة لاستقطاب قوى من الداخل، حيث أنها تمكنت من توحيد جهودها في الداخل والخارج في وقت واحد متزامن، وهو ما أدى إلى نجاح دعمها للقوات الأمريكية في الاتجاه الإستراتيجي الشمالي العراقي.
4. لا شك أن المعارضة الكردية، وضعت في فكرها من خلال تخلصها من النظام العراقي بدعم القوات الأمريكية، أنه سيكون لها أهدافا مستقبلية لابد من تحقيقها، تتأسس على الغاية القومية التاريخية للأكراد في إنشاء دولة خاصة بهم.
قد تعاظم دور المعارضة الكردية في الخارج مع تصاعد الأحداث، خاصة خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين، حيث أصبحت المعارضة الكردية في الخارج إحدى أقسام المعارضة العراقية، التي كانت تضم فصائل أخرى من الشيعة والسنة، ومن المعارضين للنظام، ومن الهاربين من أحكام قضائية، أو المتهمين سياسيا من قبل نظام البعث الحاكم في العراق.
برغم أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت دائبة في الاتصال بقوى المعارضة العراقية في الخارج، واستقطابها باستمرار، إلا أن أحداث سبتمبر2001 تطلبت ما هو أكثر من ذلك لتنسيق الجهود في حالة توجيه ضربة استباقية للنظام العراقي، طبقا لما حوته وثيقة الأمن القومي الأمريكي، التي أصدرها الرئيس بوش في سبتمبر 2002، والتي أدخلت مبدأ الضربة الاستباقية في العقيدة العسكرية الأمريكية، كما أنها لم تستبعد العمل العسكري الأمريكي المنفرد لمواجهة التهديدات الأمنية الجديدة، وهى المبادئ التي جرى الأخذ بها في الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على العراق بعد ذلك بشهور.
مع إصرار الإدارة الأمريكية على غزو العراق ولضمان النجاح المطلق لتحقيق أهداف هذا الغزو، فقد استقطبت عناصر المعارضة الكردية في الخارج لِتحقيق عدة أهداف رئيسية، أهمها:
1. استكمال المعلومات الاستخبارية عن حقيقة الأوضاع في العراق، وتحليل القوى الشاملة لدولة العراق وإمكان مواجهتها والتغلب عليها.
2. استخدام المعارضة طابوراً خامساً، من أجل تحقيق أهداف الغزو، وتقليل الخسائر الأمريكية بقدر الإمكان.
3. قيام عناصر المعارضة بتجنيد قوى مناوئة للنظام داخل العراق، من أجل تحقيق أهداف الغزو.
4. اختيار عناصر معارضة لتولي مسؤولية الحكم في العراق في أعقاب نجاح الغزو (وهو ما حرصت الإدارة الأمريكية عليه أثناء التنسيق مع قوى المعارضة، حيث تلافت ذكر تعيين حاكم عسكري للعراق فور الإطاحة بالنظام العراقي، وذلك في محاولة لطمأنة المعارضة العراقية، وتشجيعها على الاستمرار في التعاون مع جهود الولايات المتحدة الأمريكية لإزالة نظام صدام حسين.
خلال عام 2002 تزايد الدعم الأمريكي للمعارضة العراقية، ووصل إلى ذروته في أعقاب صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1441. حيث أصدر الرئيس الأمريكي قرارين هامين يقضي أولهما بتقديم دعم مالي يقدر بحوالي 92مليون دولارا لتمويل 12مجموعة عراقية معارضة، وهذا المبلغ كان هو المتبقي مما كان مخصصا للمعارضة بمقتضى قانون "تحرير العراق" الصادر عن الكونجرس العام 1998.
أما القرار الثاني فينص على الموافقة على انضمام ست فصائل معارضة عراقية جديدة إلى حركة "المؤتمر الوطني العراقي" وهو الاسم الذي يندرج تحت مظلته العديد من الفصائل المعارضة العراقية في الخارج ويرأسها أحمد الجلبى، وقد تأسست عام 1992 وتضم مجموعات من الليبراليين العراقيين الذين لهم صلات وثيقة مع صانعي القرارات في المغرب.
وبه يحق لهذه الفصائل تلقي التمويل الأمريكي، والمشاركة في أنشطة المعارضة العراقية في الخارج التي يشرف عليها مسؤولون أمريكيون، وهذه الفصائل هي" الحركة الأشورية الديمقراطية- الضباط الأحرار العراقيون- الجبهة الوطنية العراقية- الحركة الوطنية العراقية- الجبهة التركمانية العراقية- الوفاق الإسلامي في العراق"
بهذا فإن قوى المعارضة العراقية في الخارج شملت عناصر كردية وشيعية، وسنية، وبعثية، وتركمانية، وضباط من القوات المسلحة العراقية نفسها.
وكلها تندرج في الحركات المعارضة الآتية:
1. المؤتمر الوطني العراقي: برئاسة أحمد الجلبى، ويشمل ائتلاف من حركات معارضة في الداخل وفى المنفى، ويضم مختلف إتجاهات المعارضة الإسلامية والشيوعية والقومية ويمارس نشاطه من لندن، ويحظى بدعم الحكومة البريطانية والإدارة الأمريكية، (وهذا المؤتمر هو الذي انضمت إليه الست فصائل المعارضة السابق الإشارة إليها).
2. الحزب الديموقراطي الكردستاني: حيث كان لزعيمه مسعود البرزاني الحرية المطلقة في حضور اجتماعات المعارضة العراقية في الخارج بعيداً عن سيطرة الحكومة العراقية، بما له من علاقات جيدة بالولايات المتحدة الأمريكية.
3. الاتحاد الوطني الكردستاني: ويمثله زعيمه جلال طلباني، الذي كان له أيضا حرية التحرك بعيداً عن السلطة العراقية، وكانت علاقاته جيدة بإيران والولايات المتحدة، وسيئة مع تركيا.
4. المجلس الأعلى للثورة الإسلامية: ويمثله زعيمه أية الله محمد باقر الحكيم، وهو إيرانى الهوى، ويطالب بإقامة نظام إسلامي على نمط النظام الإيراني، وأعلن تأييده للولايات المتحدة الأمريكية لقلب نظام الحكم في العراق في سبتمبر عام2000.
5. الحركة الملكية الدستورية: بزعامة الشريف على بن الحسين: وتقوم الحركة نفسها بوصفها حركة شعبية توحيدية تضم عناصر من أحزاب أخرى وشخصيات مستقلة.
6. حركة الوفاق الوطني: وأمينها العام هو أياد علاوى، وقد أسسها أعضاء سابقون في حزب البعث، ويقودها تسعة مدنيين وضابط متقاعد، ومقرها لندن، وتنادى بإقامة نظام ديموقراطي تعددي يحمى حقوق الإنسان. وقد وجهت الحركة في مارس 2002 رسالة إلى قمة بيروت العربية تطلب مساندتها في النضال من أجل الإطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين، وتجد الحركة تأييدا من عدد من منسوبي وزارة الدفاع الأمريكية.
القرارات التي اتخذتها المعارضة العراقية (بما فيها المعارضة الكردية) في الخارج لدعم الغزو الأمريكي للعراق:
عقدت هذه القوى مؤتمرين هامين خلال عام 2002 في لندن (مقر المؤتمر الوطني العراقي المعارض)، في سياق استعدادات الولايات المتحدة الأمريكية لغزو العراق، وتحديدها لدور رئيسي تقوم به قوى المعارضة العراقية في الخارج.
واتخذت قرارات هامة كالأتي:
المؤتمر الأول:
عقد في يوليه 2002، وشارك فيه عدد كبير من الضباط العراقيين السابقين والموجودين في المنفى واتفق المجتمعون على تشكيل مجلس عسكري للتنسيق مكونا من 15 عضواً كما أصدروا ميثاق شرف، ونداءً موجها إلى القوات المسلحة العراقية، دعوا فيه لضرورة قيام حكم ديمقراطى تعددي على أساس المؤسسات الدستورية والمدنية القادرة على النهوض بالبلاد، بشكل ديموقراطي وحضاري.
كما طالبوا بضرورة إبعاد الجيش عن الحياة السياسية وإعادته إلى الثكنات، والشروع في إعداده وتدريبه وتنظيمه بما يمكنه من الدفاع عن الوطن، والمحافظة على حقوق الإنسان في العراق، ودعا إلى عدم زج الجيش في صراعات جانبية أو حروب تستنفذ طاقته، وأن يكون على مستوى التطورات الحديثة، وأن يحافظ على وحدة الوطن.
ويلاحظ في النداء الذي وجهته قوى المعارضة:
العديد من أمور الخلط بين العمليات النفسية والأهداف المحققة من اجتماع المعارضة، والتأكيد على "وطنية المعارضة" وحرصها على العراق وعلى شعبه وجيشه. ولما كان معظم المجتمعون من الضباط السابقين، فقد احتوى البيان العديد من الإجراءات التي تخص الجيش، بالرغم من علمهم بأنها لن تتحقق وبالتالي فإن البيان الذي صيغ بأسلوب إنشائي وطني، لم يعكس طبيعة الاجتماع، ولا الأمور التي بحثت فيه، ولكنه بيان إعلامي من اجل تأكيد دور المعارضة وحرصها على مصلحة العراق.
المؤتمر الثاني:
عقد في 14-17 ديسمبر2002 تحت شعار "أنقذ العراق" والديمقراطية" وقد تزامن هذا المؤتمر مع موافقة الكونجرس الأمريكي على منح السلطة للرئيس بوش حق التدخل عسكريا في جميع أنحاء الشرق الأوسط في الحرب على الإرهاب، وهو القرار الذي أجيز بأغلبية كبيرة، في منتصف أكتوبر 2002 في الكونجرس الأمريكي بمجلسيه بمعنى أن المؤتمر الثاني للمعارضة العراقية عند انعقاده كان على دراية تامة بنوايا الولايات المتحدة الأمريكية تجاه العراق، وكان يعلم بالتحركات العسكرية للحشد الأمريكي تمهيدا للقيام بالغزو.
وقد حضر المؤتمر- فضلا عن الحركات الست المعارضة الرئيسية، فصيل سابع صغير، هو حزب الدعوة الإسلامية الشيعي، إلى جانب مائة شخصية عراقية معارضة مستقلة. وكان الهدف من هذا المؤتمر هو تحديد دور المعارضة في الحرب القادمة ، وفى إدارة البلاد بعد سقوط النظام البعثى، لذلك فقد أثيرت العديد من الخلافات والاعتراضات، فيما يحاول كل فصيل الاستحواذ على أقصى ما يمكن تحقيقه من مكاسب.
وقد تجسمت الخلافات حول الأتي:
1. حجم التمثيل للفصائل المعارضة المختلفة في لجنتَي المقاومة والتنسيق اللتين انبثقتا عن المؤتمر وكلفتا بإدارة البلاد بعد سقوط النظام العراقي.
2. انسحاب حركة الأفاق الإسلامي الشيعية مع أربع فصائل شيعية صغيرة أخرى من المؤتمر احتجاجا على ما وصفته احتكار المجلس الأعلى للثورة الإسلامية لتمثيل الشيعة، متهمة إياه بالتآمر لتشكيل لجنة متابعة ديكتاتورية.
3. احتجاج الفصائل السنية على ما وصفته بالتفرقة المذهبية في تشكيل اللجنة، خاصة مع ضعف التمثيل السنى.
4. وهنا يتضح أن المعارضة الكردية لم تشارك في أي خلافات، بل ظلت تتخذ أساليب أبعاد نفسها عن المشكلات وتأكيد استقلالها بذاتها، وتنفيذ ما تطلبه منها الولايات المتحدة الأمريكية، من دون الاندماج فيما يحدث في ربوع العراق.
أرسلت واشنطن رسالة على لسان سفيرها فوق العادة لدى المعارضة "زلماي خليل زاده" لفض هذه الخلافات، مفادها أن واشنطن ستلجأ إلى تعيين حاكم عسكري في العراق بعد سقوط النظام إن لم تتفق فصائل المعارضة.
أنهى المؤتمر أعماله في 17 ديسمبر 2002، بعد أن اعتمد فكرة: إقامة دولة ديمقراطية ذات تعددية برلمانية، على أساس فيدرالي، تكون خالية من أسلحة الدمار الشامل، على اعتبار أن النظام الفيدرالي أساس ملائم لحل القضية الكردية، ويعترف بحق الأكراد في تقرير مصيرهم في إطار القانون الدولي.
كما شُكلت لجنة التنسيق والمتابعة (التي ستدير أمور العراق بعد سقوط نظام الحكم)، من 65 عضواً، وتضم في عضويتها عسكريين، هما اللواء "وفيق السمرائي"، و"مشعان جبورى"، فضلا عن ثلاث نساء.
واتفق على إعلان وثيقتين بشأن مرحلة ما بعد الإطاحة بالنظام العراقي، أكدت فيهما "على أنه إذا كان الشعب العراقي قد أبتلى بنمط أنظمة حكم تميزت بثلاث سمات خطيرة هي ديكتاتورية الحكم، والاضطهاد العنصري القومي، والتمييز الطائفي.
فلابد أن يكون هناك بديل سياسي مناسب للبلاد يرتكز على عدة أسس أهمها:
1. أن يحظى النظام البديل ونوعه بقبول الشعب العراقي بكل فئاته ومذاهبه.
2. إقرار دستور دائم عن طريق مجلس تأسيس منتخب من الشعب العراقي.
3. إنهاء مرحلة الديكتاتورية، واعتماد آليات الديمقراطية والتعددية، وإحلال حالة التعايش السلمى، وأن يكون العراق وطنا للجميع.
4. ينص الدستور بوضوح على مبدأ تداول السلطة سلمياً من خلال الانتخابات الحرة.
5. العراق بلد عربي مسلم مستقل، وعضو في جامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ومنظمة الأمم المتحدة، ويحترم التزامات عضويته فيها.
6. تأكيد وطنية الجيش العراقي باعتباره مؤسسة مختصة فقط بشؤون الدفاع عن الوطن وسيادته، وضرورة تخليصه من سياسات التمييز الطائفي والعنصري السابقة، وإبعاده عن نهج العدوان على الدول الأخرى، أو توظيفه للقمع الداخلي.
7. ضرورة محاسبة عناصر النظام الحالي على ما يدخل في إعداد الجرائم ضد الإنسانية، من إبادة للجنس البشرى واضطهاد عرقي وديني، من خلال الخضوع للقضاء العراقي المستقل وللجهات الدولية ذات الاختصاص.
8. مطالبة الدول المصدرة للنفط "أوبك" أن تستثنى عراق ما بعد صدام من الالتزام بحصته المقررة من النفط، ليتمكن من توفير مصادر مالية لإعادة إعمار العراق.
9. مطالبة الدول الكبرى في الأمم المتحدة ببحث إمكان إقامة مشروع دعم دولي للعراق شبيها بالمشروعات التي قدمت لإعادة إعمار أوروبا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية، وكذلك الإفراج الفوري عن الأموال العراقية التي وضعت بعض الدول يدها عليها بموجب قرارات الأمم المتحدة أثر غزو العراق للكويت.
ويلاحظ فيما حوته الوثيقتان الأتي:
1. أن الأسس التي وردت في الوثيقتين هي خطة عمل لإدارة البلاد، وليست مجرد مقترحات أو توصيات، وبالتالي فإن المعارضة كانت على دراية تامة بمستقبل الصراع الذي يدور على أرض العراق.
2. أن العديد من البنود الواردة في الوثيقتين تكررت فيما بعد في الأسس التي قامت عليها أدارة البلاد بعد الغزو.
3. أن الفيدرالية التي سبق أن طالب بها الأكراد تجددت في هذا المؤتمر ، ثم تأكدت فيما بعد في الدستور العراقي، وقد اقترن النظام الفيدرالي بحق تقرير المصير العادل للأكراد، بمعنى أن الأكراد هم الذين أثاروا هذه الفكرة وتمسكوا بها.
4. أن تخوف السنة من سيطرة الشيعة والذي عكسه هذا المؤتمر تحقق فعلا فيما بعد ذلك.
5. إن هاتين الوثيقتين تحولتا إلى خطة عمل للمعارضة العراقية، لكي ينفذ كل فصيل المهام المكلف بها في دعم قوات التحالف لغزو البلاد.
6. وأخيراً فإن الشخصيات المعارضة التي حضرت مؤتمري لندن، كان لهم الحظ الأوفر في تولى المناصب القيادية في أعقاب الغزو، ولكن هذه المناصب لم تدم طويلاً للفوضى التي تعم العراق، وخلط الأوراق ما بين المقاومة الشرعية والإرهاب والجريمة المنظمة.
المصدر:
http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Siasia21/Akrad/index.htm