| الأكراد والمشكلة الكردية | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| |
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الأكراد والمشكلة الكردية الإثنين 25 يونيو 2012, 5:49 am | |
| ثانياً: أصل الأكراد:
الأكراد شعب من الشعوب الإسلامية.
ينتمي في أصله إلى أمة من الأمم العريقة، في منطقة الشرق الأوسط.
ولا يزال هناك نقاش حول أصلهم، وإن كان أغلب الباحثين متفقين على أنهم ينتمون إلى المجموعة الآرية، الهندو ـ أوروبية، وأنهم أحفاد الميديين.
وأصل تسميتهم بـ "كرد"، مختلف فيه، كذلك فهناك نظريتان:
الأولى، ترجع كلمة كرد إلى كلمة كوتو (kutu)، التي تربط الأكراد بشعب كوتو (kutu)، وهو من الأقوام التي عاشت في مملكة جوتيام (Gutium)، الواقعة على الضفة الشرقية لنهر دجلة وبين نهر الزاب ونهر ديالي.
ويرى بعض الباحثين أن كلمة كوتو مأخوذة من الكلمة الأشورية Kurtu، وقد تطورت إلى شكلها الحالي، بانصهار حرف الراء (R) بعد الواو القصيرة (U)، أي أن كورتو أصبحت جوتو Gutu.
ومثل هذا الانصهار، هو قاعدة لغوية، في أغلب اللغات الهندو ـ آرية.
وأما النظرية الثانية، فترجع التسمية إلى كلمة كيرتي Kyrtii أو سيرتي Cyrtii فتربط الأكراد بالكيرتي، وهم قوم كانوا يعيشون، أصلاً، في المنطقة الجبلية في غرب بحيرة وان.
ثم انتشروا انتشاراً واسعاً في بلاد إيران وميديا، وبقية المناطق التي يقطن فيها الأكراد، اليوم.
ويعتقد الباحثون أن كلمة كيرتي قد تطورت إلى كلمة كورتو Qurtu أو كاردو Kurrdu أولاً، ومن ثَم، إلى كلمة كورت Kurt، ثم إلى كاردوخي Kardouchi التي ذكرها، للمرة الأولى، القائد اليوناني زنفون (Xenephon).
ومن الباحثين من أرجع كلمة كرد إلى أصل فارسي، ويقصد بها إحدى صفاتهم، البسالة والشجاعة.
وينقسم الأكراد إلى أربعة شعوب رئيسية، هم: الكُرمانج والكوران (الجوران) واللور والكلهور.
وعلى العموم، فإن أصل الأكراد واسمهم من الموضوعات، التي لم يثبت فيها العلماء على رأي واحد حتى الآن.
1. عدد الأكراد ومناطقهم الحالية:
لا توجد إحصاءات دقيقة لعدد الأكراد، اليوم، في الدول التي يتبعون لها، لأن بعض هذه الدول لا تعترف بالوجود الكردي على أراضيها، فلا تشير إحصاءاتها إليهم.
كما أنهم يتعرضون لعمليات تهجير، وإعادة توطين في غير مواطنهم.
أما عددهم، فتقديراته تتفاوت تفاوتاً كبيراً.
إذ قدر تقرير اللجنة، التي شكلتها عصبة الأمم، المنشور في 16 يوليه 1925، عدد الأكراد بثلاثة ملايين ومائتي ألف نسمة.
وهم موزعون كالتالي:
أ. في تركيا مليون ونصف المليون نسمة.
ب. وفي إيران سبعمائة ألف نسمة.
ج. وفي العراق نصف مليون نسمة.
د. وهناك نصف مليون، موزعون في سورية وأرمينيا وغيرهما.
وقدر بعض الباحثين، ومنهم نيكيتين (Nikitine) وبروك (Brouk) وعبدالرحمن قاسملو وشريف الوانلي وأدموندز (Edmunds)- عدد الأكراد، في الستينيات (أُنظر جدول أعداد الأكراد وتقسيمهم في الستينيات)
ويقدر بعض الباحثين عدد الأكراد، اليوم، بأكثر من خمسة وعشرين مليون نسمة، ويعيش في تركيا نحو من نصف الشعب الكردي.
ويتوزعون في دول المنطقة، كالتالي:
أ. في تركيا 13 مليون نسمة، أي 20% من سكانها.
ب. في إيران ستة ملايين نسمة، أي 10% من سكانها.
ج. في العراق أربعة ملايين ونصف المليون نسمة، أي 23 % من سكانه.
د. مليون واحد في سورية، أي 9% من سكانها.
هـ. هناك نصف مليون موزعون في أرمينيا وآذربيجان.
و. سبعمائة ألف نسمة في أوروبا الغربية، منهم أربعمائة ألف في ألمانيا، وحدها.
ويشترك مع الأكراد، في الموطن، مجموعة من الأجناس والقوميات الأخرى، مثل العرب والتركمان والآذريين والأشوريين والأرمن.
المتغيرات في المجتمع الكردي في بداية الألفية الثالثة، استناداً إلى تقديرات 2006:
زادت أعداد المواطنين من أصول كردية، بنسبة كبيرة في الدول القاطنين فيها، وعلى سبيل المثال:
أ. فإن الأكراد في تركيا يقدر عددهم بحوالي 15 مليون كردى تقريباً، تمثل نسبة حوالي 20% من إجمالي الشعب التركي.. وهناك تقديرات تصل بأعداد الأكراد إلى نسبة تقارب حوالي 30%من الشعب التركي.
ب. يصل أعداد الأكراد في سورية إلى حوالي 1.5 مليون كردى، تمثل نسبة 9.7% من إجمالي الشعب السوري (برغم اعتبار الحكومة السورية أن حوالي 142465 كردياً من مواليد سورية لا تنطبق عليهم شروط المواطنة، ولا يحق لهم امتلاك جواز سفر سوري).
(وهناك مصادر أخرى تشير إلى أن نسبة الأكراد فى سورية حوالي 4 % فقط).
ج. يمثل أكراد أرمينيا حوالي1.3% من تعداد السكان، وهم بذلك من الأقليات، ويصل عددهم إلى حوالي 39 ألف مواطن كردى.
(وهناك مصادر أخرى تصل بأعدادهم إلى نصف مليون نسمة).
د. يمثل أكراد العراق نسبة حوالي 18 - 20% من الشعب العراقي، ويصل تعدادهم إلى حوالي 5.4 مليون نسمة.
هـ. يصل أعداد الأكراد في إيران إلى حوالي 6.2 مليون نسمة تمثل نسبة حوالي 7% من الشعب الإيراني.
و. على ذلك فإن إجمالي أعداد الأكراد التقريبية مع مطلع الألفية الثالثة هو حوالي 28.14 مليون نسمة موزعين على خمسة دول، وتجمعهم منطقة شبه متكاملة، ولكنها مقطعه الأوصال، حيث تخضع كل منها لسيطرة الدولة المقيم فيها الأكراد.
2. اللغة والأدب:
تنتمي اللغة الكردية إلى مجموعة اللغات الإيرانية، التي تمثل فرعاً من أُسرة اللغات الهندو ـ أوروبية.
وهو الذي يضم الفارسية والأفغانية والطاجيكية.
وتضم اللغة الكردية ألفاظاً كثيرة، من العربية والفارسية وبعض المفردات التركية.
وتنقسم إلى لهجتَين رئيسيتَين، هما: الكُرمانجية والبهلوانية.
ويتفرع منهما العديد من اللهجات المحلية.
فتنقسم الكُرمانجية إلى الكرمانجية الشمالية، أو البهدينانية، والكُرمانجية الجنوبية، أو السورانية.
وتنقسم البهلوانية إلى الكوراني (الجوراني Gurani)، والزازا أو الديميلي.
وتتفرع عن اللهجات الأربع الأخيرة عشرات اللهجات، التي يسود كل منها في منطقة، أو قبيلة، أو قرية.
أ. تسود اللهجة الكرمانجية الشمالية، أو البهدينانية، في شرقي تركيا وجنوبيها الشرقي، وقسم من لواء الموصل، في العراق وشمال أورمية، في إيران، وفي أرمينيا وسورية.
ويتكلم بها نحو نصف الشعب الكردي.
ولذا، فهي اللهجة المشتركة بين الأكراد.
ب. اللهجة السورانية، ويتكلمها حوالي ستة ملايين من الأكراد، القاطنين في العراق وإيران.
ج. تسود لهجة الزازا (ظاظا) في المنطقة المحيطة بولاية تونجالي (درسيم)، في تركيا. ويقدر عدد المتكلمين بها نحو 4.5 ملايين نسمة.
د. لهجة الكوراني، تسود في كرمنشاه، في إيران.
وهناك اختلاف بين هذه اللهجات إلى درجة تجعل التفاهم بين الأكراد صعباً .. بل إن اللهجات الكردية في الدولة الواحدة، هي مختلفة كذلك.
ففي العراق مثلاً تختلف لهجات الأكراد باختلاف المناطق الثلاث، التي تؤلف كردستان العراق.
وهي شمال الموصل في الشمال، وأربيل في الوسط، والسليمانية في الجنوب.
فيجد الكردي البارزاني، القاطن في أقصى شمالي شرقي العراق، صعوبة في التفاهم مع أبناء لواء السليمانية، أو ديالي الشرقية، في أقصى جنوبي كردستان العراقية.
ومن هنا تنشأ الخلافات والصراعات القبلية وتبرز الخلافات الكردية/ الكردية في العديد من المناطق، نتيجة لاختلاف اللغة أساساً وهى:
أ. خلافات تسود في مناطق أربيل والسليمانية والتي تستخدم اللغة السورانية، مع بعض مناطق إيران الكردية المتاخمة، التي يتداول سكانها لغات أخرى.
ب. خلافات تسود في مناطق دهوك، ووسط أكراد سورية وأكراد تركيا، والذين يستخدمون اللغة الكرمانجية، تجاه بعض المناطق الأخرى.
ج. خلافات تنتشر بين أكراد تركيا وبعض أكراد سورية، (على الحدود الشمالية العراقية) من جانب، وبين أكراد العراق من جانب آخر حيث تسود اللغة "الظاظانية" والتي تقتصر عليهم في مواجهة باقي مناطق الأكراد.
د. خلافات مع أكراد إيران الذين يستخدمون "الفيليه" دون أكراد الدول المجاورة.
وسبب ذلك، أن كردستان بلاد جبلية، يحجز بعضها عن بعض سلاسل جبلية وعرة جداً، وأنهار عديدة، فضلاً عن حدود الدول، التي اقتسمتها.
ولا ترتبط كردستان بخطوط مواصلات حديثة، تسهل اتصال الأكراد بعضهم ببعض.
ولم تتألف منها وحدة سياسية.
وكانت اللهجة الكرمانجية هي السائدة في الأدب الكردي، حتى الحرب العالمية الأولى.
ولكن بعد حظر استعمال اللغة الكردية، في كلٍّ من تركيا وسورية، أخذت لهجة السوراني تسود الأدب الكردي، الذي تسارع نموّه في العراق، بعد الاعتراف بوجود الأكراد، دستورياً.
وتكتب اللغة الكردية بالحروف العربية، في العراق وإيران.
وتستعمل الحروف اللاتينية، في تركيا وسورية.
أما في الاتحاد السوفيتي السابق (أرمينيا وآذربيجان)، فتستخدم الأبجدية الروسية، السيريلية.
إن عدم وجود حروف موحدة للكتابة باللغة الكردية، يؤثر تأثيراً سلبياً في تطورها، ويقف عقبة أمام توحيد اللغة الأدبية الكردية.
واللغة الكردية معترف بها، رسمياً، في العراق وأرمينيا (السوفيتية سابقاً).
ويجري التدريس بها في المدارس الكردية.
ولكنها ممنوعة في كلٍّ من تركيا وإيران وسورية، حيث يُمنع إصدار المطبوعات بها.
وللأكراد أدب شعبي غني، يتداوله الناس شفهياً.
يحفل بأساطير وقصص وقصائد وأغانٍ، تحكي خلاصة تجارب الشعب الكردي وماضيه، بأمجاده وبطولاته وأحزانه ومآسيه.
ومن أبرز مَن كتب باللغة الكردية:
أ. علي الحريري، ولد عام 1009م، في بلدة حرير، الكائنة في أربيل، وله ديوان شعر.
ب. أحمد خاني (1650 ـ 1706)، وهو شاعر مشهور، من عشيرة خانيان، وصاحب ملحمة "زين ومم" الشهيرة.
وهي شعر قصصي ألَّفه في مدينة بايزيد، عام 1591.
وله كتاب في اللغتين، العربية والكردية، يسمى "نو بهار". توفي عام 1652.
ج. الشاعر الوجداني مولوي (1815 ـ 1892م).
ومن شعراء الأكراد، في القرن العشرين: بيره مرد (1867 ـ 1950) وأحمد مختار (1897 ـ 1935) وبيِكَس (1905 ـ 1948).
ويُعَدّ هزار أشهر الأدباء الأكراد في إيران، وقدري جان في سورية، وشامو في الاتحاد السوفيتي السابق. وعبد الله كوران (توفي 1962) في العراق.
3. ديانة الأكراد ومذاهبهم:
يعتنق الأكراد الدين الإسلامي.
وأغلبهم من السُّنة، على المذهب الشافعي.
وقليل منهم من الشيعة في إيران، في كرمنشاه ولورستان، وفي تركيا، في تونجالي (أو درسيم).
وهناك اليزيديون، في قضاء شيحان في الموصل، وفي جبل سنجار، غرب الموصل، وكذلك، في ديار بكر، في تركيا، وهم الذين يعبدون الشيطان، من بقايا الديانة الزرادشتية، بعدما خالطها تأثير، مسيحي وإسلامي.
ومن الأكراد علويون، وأتباع "العلي إللهي"، (الذين يؤلِّهون عليَّ بن أبي طالب)، وطائفة أهل الحق، ومنهم مسيحيون ويهود، كذلك.
والطرق الصوفية لها تأثير كبير في حياة الأكراد السُّنة، مثل الطريقة النقشبندية والطريقة القادرية.
ولشيوخها نفوذ قوي بين الأتباع، خاصة في الأرياف.
ويطلقون على العالم الديني لقب "مُلاّ".
وهؤلاء المشايخ يضطلعون بدور إيجابي، في حركات الأكراد وثوراتهم.
4. بعض خصائص الشعب الكردي:
يتميز الشعب الكردي بالشجاعة والبسالة، حتى إن كلمة "كرد"، بالفارسية تعني الباسل والشجاع.
وهم محاربون أشاوس، ذوو أنفة، لا يهابون التضحية بأنفسهم، في سبيل ما يعتقدون.
نفوسهم تواقة إلى الحرية، لا تستكين للظلم والجور؛ إذ "العالم ملكٌ للشجاع"، كما يقول المثل الكردي.
ولأن الطبيعة القاسية لا ترحم الكردي، فهو، كذلك لا يرحم خصمه، فالأخذ بالثأر والميل إلى الانتقام، يسيطران عليه.
وكما تغلب على الأكراد الخشونة والقسوة، فإنهم يميلون إلى العزلة ويسيطر على نظامهم الاجتماعي النظام القبلي، العشائري، الإقطاعي، نتيجة لطبيعة بلادهم الجبلية الوعرة.
ولاء الكردي لقبيلته، أولاً، وقبل كل شيء.
ولهذا، تكثر بينهم العداوات الناجمة عمّا ينشأ بين الزعماء من صراع.
وشيخ القبيلة الإقطاعي "البيك" أو "الآغا"، سيد مطاع في أتباعه، لا ترَد له كلمة، وهو من كبار الملاك.
ولقد قاد هؤلاء الشيوخ الثورات والحركات السياسية الكردية، على مدى تاريخهم.
يعمل الأكراد، أساساً، في الرعي والزراعة.
ومع انتشار التعليم، ظهر بينهم مَن يقوم بأعمال حضارية راقية، مما أدى إلى تخفيف وطأة النظام القبلي الكردي.
لهم عادات وتقاليد مشتركة، يحافظون عليها، ويتعصبون لها.
وتنتشر بينهم عادة أخذ الثأر.
وهم متمسكون بواجباتهم الدينية، خاصة في القرى.
يحتفلون بيوم "النيروز" في 31 مارس.
ويعدونه عيداً لرأس السنة لهم.
كما هو الحال عند الإيرانيين.
يتسمى كثير من قادة الأكراد ومشايخهم بأسماء قبائلهم: الطالباني، بابان أو الباباني.
أو بأسماء بلادهم: البارزاني نسبة إلى بارزان، سعيد بيران، من قرية بيران، شمدينان، نسبة إلى شمدينان.
أو بأسماء الطرق الصوفية، التي ينتسبون إليها: النقشبندي، القادري، الخالدي
يتبع إن شاء الله...
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: تاريخ الأكراد، حتى معاهدة سيفر (Sèvres) عام 1920 الجمعة 06 يوليو 2012, 11:47 pm | |
| المبحث الثاني
تاريخ الأكراد، حتى معاهدة سيفر (Sèvres) عام 1920
أولاً: موجز تاريخ الأكراد، حتى معاهدة سيفر (Sèvres) عام 1920
1. لمحة تاريخية
عاش الأكراد، طوال تاريخهم، تحت السيطرة الأجنبية، التي بدأت في القرن الخامس قبل الميلاد، حينما استطاع الإمبراطور الأخميني، سيروس، أن يدمّر، عام 550 ق. م، المملكة المسماة ميديا، التي يعُدها المؤرخون الوطن الأصلي للأكراد.
ثم خضعوا لحكم الإسكندر الكبير، الذي قضى على الأخمينيين، عام 330 ق.م. ثم خضعوا للأرمن (الأرسانيين)، خلال القرنين، الثاني والأول قبل الميلاد، ثم للدولة الرومانية حتى القرن الثالث الميلادي، ثم للأرمن الذين اختلطوا بالأكراد.
وتعاقب على حكْمهم الإمبراطورية الفارسية والإمبراطورية الرومانية.
وحكمهم الأرمن، مرات عديدة.
وأخيراً، خضعت كردستان للدولة البيزنطية، التي اقتسمتها مع الإمبراطورية الساسانية، بين القرنين، الثالث والسابع، الميلاديين، إلى أن جاء الفتح العربي الإسلامي، في عام 18هـ / 640م، في عهد الخليفة الراشد، عمر بن الخطاب.
وقضى المسلمون على الإمبراطوريتَين البيزنطية والساسانية معاً، فدخل الأكراد في الإسلام، وكانوا عوناً لأمتهم الإسلامية، في العصور التالية.
وفي الواقع، إن القبائل الكردية، لم تكن خاضعة لتلك الدول خضوعاً حقيقياً، بل كانت تعيش في شبه استقلال، معتصمة بجبال كردستان الوعرة.
وظهرت إمارات كردية مستقلة، خلال فترات الحكم الإسلامي تحت حكم بعض الأُسر الكردية.
ولم يسيطر أي من هذه الإمارات، بمفردها، سيطرة تامة على كردستان.
ولم يحتفظ أي منها باستقلالها الحقيقي.
وكثيراً ما كان يحتدم الصراع بين الأُسر الكردية الحاكمة.
وكانت الدولة الأيوبية إمارة كردية إسلامية، أسسها صلاح الدين الأيوبي، عام 1171م، وبسطت سيطرتها على مصر والشام وبلاد الرافدين.
وخاضت حروباً مظفرة ضد الصليبيين في فلسطين، حتى تمكن صلاح الدين من القضاء على الدويلات الصليبية في بلاد الشام، مسجلاً أمجد الفصول في تاريخ الإسلام.
وينتمي صلاح الدين يوسف الأيوبي (توفي عام 589هـ / 1193م) إلى قبيلة راوند الكردية، التي استوطنت منطقة ديفين، الواقعة في إقليم يرفان (إريفان).
ودام حكم الأيوبيين 81 سنة (1169م ـ1250م).
وظل الأكراد، منذ ذلك الحين حتى الغزو المغولي، يضطلعون بدور مهم في خدمة الحكام غير الأكراد، بسبب ميزاتهم الحربية البارزة.
وخضع الأكراد، بعد ذلك، لحكم السلاجقة الأتراك، في عام 1051م، وخدموا في الجيوش السلجوقية، وتعرضت القبائل الكردية لفتن من الحكام المحليين، جعلتها تدخل في صراع بعضها مع بعض، وظلت هذه السمة بارزة في حياة المجتمع الكردي، إلى اليوم.
وجاء الغزو المغولي، عام 1231م، لينشر الدمار والهلاك في ديار الإسلام، ومنها كردستان.
وتلا ذلك غزو القائد المغولي، تيمورلنك (تيمور الأعرج)، عام 1402م، فخضعت له بلاد الأكراد وسائر بلاد الأناضول.
وألحقت هذه الغزوات الضرر الكبير ببلاد الأكراد وأشاعت الخراب فيها.
ومع مطلع القرن العاشر الهجري، السادس عشر الميلادي، اقتسمت العالم الإسلامي الدولة الصفوية الشيعية، الحاكمة في إيران، والدولة العثمانية السُّنية، الحاكمة في الأناضول.
دخل الأكراد في طاعة السلطان سليم الأول، بفضل مساعي الحكيم الكردي، مُلاّ إدريس البدليسي، وهو من أهالي تبطيس، مستشار السلطان الذي أرسله إلى أمراء كردستان لما له من النفوذ بينهم واعتراف بفضله وعلمه.
فانضم هؤلاء إلى السلطان العثماني.
واستطاع الأكراد والأتراك قهر قوات الصفويين، بقيادة إسماعيل شاه الصفوي (1502 ـ 1518) في معركة جالديران، الواقعة إلى الشمال الشرقي من بحيرة أرومية، في 23 أغسطس 1514 (920 هـ).
ودعموا المذهب السُّني في وجْه المذهب الشيعي.
وكان من نتائج هذه المعركة اقتسام بلاد الأكراد، بين الدولتَين، الصفوية والعثمانية، وخضع القسم الأكبر منها للحكم العثماني.
وجُدّد ذلك التقسيم في معاهدة، عقدت عام 1639م (1048 هـ)، بين الشاه عباس وبين السلطان العثماني مراد الرابع.
وكانت لتلك المعاهدة أثرها في كل مجريات التاريخ الكردي، فيما بعد.
وبعد عام 1514م أصدر السلطان العثماني أوامره، إلى الحكيم الكردي، إدريس البدليسي، الذي يعمل مستشاره في الشؤون الكردية، أن يشكل الإقطاعات الكردية.
وسعياً إلى توطيد الحدود التركية الجديدة، عمد المستشار الكردي إعادة توطين القبائل الكردية على امتداد الحدود، وأعفاها من الالتزامات كافة.
وتكللت جهود إدريس البدليسي بإصدار السلطان سليم الأول مرسوماً (فرمان)، يقضي بترك الإدارة في كردستان للأمراء، الذين يتوارثونها، وليس عليهم إلا أن يقدِّموا جيوشاً مستقلة، بإدارتهم، إلى الدولة، حينما تكون في حرب مع إحدى الدول الكبيرة.
وعليهم أن يدفعوا إلى خزينة الدولة مبلغاً من المال، كل سنة.
وقد حدد ذلك الفرمان الحكومات الكردية بحكومات: أربيل وكركوك والسليمانية، وحصن كيف، وجزيرة ابن عمر، وحكاري وصاصون، والعمادية، وبيتليس.
وكانت تلك الحكومات تسمى: إمارة بابان، إمارة سوران، إمارة بهدينان، إمارة بوتان.
وكان هناك 16 إمارة معترفاً بها.
واعترف الفرمان لرؤساء هذه الحكومات، الذين أطلق عليهم لقب "دَرَه بيك" أي سيد الوادي، بحقوق وامتيازات متوارثة في أراضيهم ومناطق نفوذهم.
كما أن الحكومة العثمانية، لم تكن تتدخل في شؤونهم الداخلية.
ولقد أفلح الملا إدريس، بخطته هذه، في ضمان حماية الحدود التركية الشرقية، ضد أي غزو إيراني.
وشهدت الحقبة الواقعة بين عام 1514 والنصف الثاني من القرن التاسع عشر، نشوء مشيخات كردية، تتمتع بقدر من الاستقلال، في نطاق الإمبراطورية العثمانية، حتى إن بعضها أقام صِلات مع الشاه الإيراني والسلطان العثماني، في آن واحد.
وظل هذا الوضع حتى دخلت الإمارات الكردية تحت الحكم العثماني المباشر منذ عام 1847م.
ومع الوقت، تناست الحكومة العثمانية المتعاقبة اتفاقية الحكم الذاتي تلك وأزالت أكثر الحكومات الكردية، ولم يبقَ منها، في نهاية القرن السابع عشر، سوى حكومة اليزيديين، في سنجار، والمليين في ديار بكر، والزازا (ظاظا) في درسيم، وقد أصبحت تسمى "سنجق بك".
وأعادت الدولة العثمانية، في عهد السلطان محمود الثاني، تنظيم أمور ولاياتها، فجعلت المنطقة الكردية ضمن ثلاث ولايات، هي: بغداد وديار بكر وأرضروم.
ولم تكن الإقطاعات والمشيخات الكردية متحدة، على الرغم مما تتمتع به من استقلال محدود، بل كانت في حروب مستمرة، الأمر الذي اضطرها إلى طلب المساعدة من شاه إيران، أحياناً، ومن السلطان العثماني، أحياناً أخرى.
2. أهم الإمارات الكردية
أ. الشداديون
أولى الأُسر الكردية، شبه المستقلة، التي ذكرها التاريخ، هي أُسرة بَنِي شداد، ومؤسسها محمد بن شداد بن قرطق، عام 340هـ / 951م، وحكمت مناطق كردستان، الشمالية الشرقية، واستمرت حتى عام570هـ / 1174م، حينما سقطت في يد الكرج.
ب. إمارة بَنِي حسنويه
أسّسها حسنويه بن الحسين البزركاني، رئيس إحدى القبائل الكردية، عام 348هـ / 959م، واستمرت نصف قرن حتى عام 406 هـ / 1015م تقريباً.
وذاع صيت ذلك الأمير، وضم الجزء الأكبر من كردستان، الذي يشمل همدان ودينور ونهاوند وقلعة سرماج.
وهاب البويهيون جانبه.
وتولى، بعده، ابنه بدرالدين بن حسنويه، الذي قوي نفوذه، ومنحه الخليفة العباسي لقب "ناصر الدولة و الدين".
وقد قتل على يد رجاله، عام 405هـ ، وخلفه ابنه، ثم حفيده، حتى تخلص منهم البويهيون، عام 406هـ/1015م.
ج. المروانيون
عُرفت، في الفترة عينها، الأُسرة المروانية، التي أسّسها أبو عبدالله حسين بك دوستك، من أمراء أكراد العشيرة الحميدية، في آمد (ديار بكر)، الذي استولى على أرمينيا وأرجيش ثم على عدد من المدن.
وضيّق عليه الحمدانيون، بينما كان يحاول الاستيلاء على الموصل، وقتل عام 380هـ .
وشملت هذه الإمارة بعض بلاد أرمينيا ومناطق موش وأرجيش وأورفة.
واشتهر من حكام المروانيين الأمير أبو نصر أحمد، الذي تولى الحكم من قِبل الخليفة العباسي في بغداد، وذاع صيته في عصره، لعدله وقدرته.
وحكم مدة 51 سنة.
وقضى السلاجقة على هذه الإمارة، عام 489هـ / 1096م.
د. الشهرمانيون
خلفت الأُسرةَ المروانية الأُسرةُ الشهرمانية، التي حكمت ديار بكر وأرضروم، من سنة 1100م إلى سنة 1207م.
ثم قضى السلاجقة الأتراك على هذه الإمارة الكردية.
ومن بعدهم، جاء الغزو المغولي الكاسح، الذي استمر حتى عام 1400م.
هـ. مملكة أردلان
كانت تمتد على طرفَي الحدود العراقية - الإيرانية (في لواء السليمانية، اليوم)، من جبال قرا داغ وأودية شهر زور وأصقاع أردلان (كردستان الإيرانية، في الوقت الحاضر)، التي كانت تقطن فيها قبائل الكلهور الكردية القديمة.
وكانت أُسرة بَنِي أردلان تحكم هذه المنطقة، منذ القرن الثاني عشر الميلادي، وعاصرت الحكم المغولي.
واضطرتها الدولة الجلائرية في العراق إلى التخلي عن القسم الشمالي الشرقي من الإمارة.
وفي القرن الخامس عشر استعاد الحاكم الأردلاني القسم الشمالي من بلاده، فأصبح نهر الزاب الكبير، من جديد، الحدود الشمالية لمملكته.
ودخلت هذه الإمارة تحت الحكم العثماني، بعد انتصار السلطان العثماني سليم الأول على الصفويين، في معركة جالديران، عام 1514.
وبقيت أمور الحكم الفعلية في أيدي الأكراد.
ولكن العثمانيين غزو إمارة أردلان، بوساطة والي حلب، عام 1538، وجعلوها ولاية عثمانية لفترة من الزمن.
وفي عام 1600، تبدل الوضع، فخضعت أردلان للشاه عباس. فتولى حكم الإمارة أحمد خان الأردلاني، بوصفه ملكاً من التابعين لشاه إيران.
وطلب الشاه عباس من أحمد خان، عام 1605، إخضاع القبائل الكردية، في بيتليس والعمادية ورواندوز، لحكم الشاه.
وبذلك استعاد الأمير الكردي ممتلكات أردلان القديمة.
وانتهى حكم الأُسرة الأردلانية بغزو القائد العثماني، خسرو باشا، الذي قضى عليها، بعد معركة جرت في عام 1629.
و. إمارة بابان
بعد أفول الإمارة الأردلانية، ظهر في بلاد البشدر شخص، اسمه أحمد الفقيه، الذي أسس الأسرة البابانية. وعرفت قبيلة بشدر بنظامها الاجتماعي، الذي يقسمها إلى زعماء وعوام. وخلف أحمد الفقيه ابنه ماوند، الذي توسع نفوذه في شهر بازار وما جاورها.
بيد أن المؤسس الحقيقي لأُسرة بابان، هو سليمان بك بن ماوند بن أحمد الفقيه. ففي النصف الثاني من القرن السابع عشر الميلادي، كان سليمان بك الشخصية البارزة في شهرزور، وحل محل الأردلانيين في حكم المنطقة، عام 1694.
فاستعان الأمير الأردلاني بالإيرانيين، فأرسلوا جيشاً، دمر خصمهم الباباني، الذي اضطر إلى اللجوء إلى استانبول، حيث استقبل بحفاوة بالغة، ومنح سنجق بابان. إلا أن موته أدى إلى خلافات بين أبنائه، فتمزقت إمارته على أيدي الزنكية وقبائل أخرى.
واستطاع بكر بك، أحد أبناء سليمان بك، أن يستأثر بالسلطة، و يوسع رقعة إمارته، فشملت المنطقة الممتدة بين نهرَي سيروان والزاب الصغير، والهضاب الكائنة شرق طريق كفري ـ ألتون كوبري. وصار يضاهي حكام أردلان، الذين تفصلهم جبال هورامان.
وهاجم العثمانيون بكر بك بن سليمان بك بابان، في عام 1715م، فقتل في إحدى المعارك. وبذلك، رجعت المناطق البابانية إلى النفوذ العثماني المباشر، حتى ظهور خانه باشا بن بكر الباباني، عام 1730، الذي امتد نفوذه من كركوك حتى همدان، وحكم أردلان أربع سنين.
واكتسحت جيوش الإيرانيين، في عهد نادر شاه، كردستان الجنوبية، واستمر الحكم الإيراني من عام 1730 حتى عام 1743. وظهر من البابانيين مَن تعاون مع الإيرانيين، إذ سمحوا للأكراد بحكم شهر زور فقط. وهكذا نشأ ميل الأسرة البابانية إلى التعاون مع إيران، التي قدمت العون إلى البابابيين، ضد الولاة العثمانيين، في بغداد.
ثم تولى سليمان باشا إمارة بابان، أربع عشرة سنة متقطعة. وتوسعت مطامحه إلى أردلان، فغزاها، عام 1763، إلا أن الجيوش العثمانية، سحقت جيشه. ثم اغتيل عام 1765، وجرى صراع حول السلطة بين أبنائه الثلاثة، الذين خلفوه، وكان ولاؤهم يتذبذب بين الدولتَين، الإيرانية والعثمانية.
وعيّن عبد الرحمن باشا على إمارة بابان، ما بين عامَي 1789 و 1811. وأسدى خدمات جليلة إلى الدولة العثمانية، في تعقب الثائرين عليها، 1792، وفي تأديب اليزيديين، في سنجار عامَي 1794 و 1799. وأخضع الثائرين، في العمادية، وفي الفرات، عام 1805م.
وعلى أثر اختلافه مع والي بغداد العثماني، إلتجأ إلى إيران. ثم عاد إلى السليمانية، واشتبك مع العثمانيين، فدُحرت قواته من قِبل والي بغداد، سليمان الصغير، عام 1808، عند مدينة كفري، ثم عزله والي بغداد، عام 1811. وتوفي عام 1813.
في عام 1812، عادت العائلة البابانية إلى الثورة، إذ خرج أحمد باشا الباباني على العثمانيين، وانتصر في معارك عدة، وتقدم إلى أطراف بغداد، وكاد يستولي عليها، وأوشك أن يقضي على القوى العثمانية قضاءً مبرماً. لولا أن عاجلته المنية.
وتولى حكم إمارة بابان محمود بن سليمان باشا، واستمر حكمه عامَين. وعام 1816، عُيِّن عبدالله باشا، شقيق عبد الرحمن باشا، حاكماً على السليمانية، من قبل والي بغداد، سعيد باشا، وتداول الحكم مع محمود باشا. وتدخلت إيران، بحملاتها العسكرية، غير مرة، في كردستان الجنوبية. وكان حكم البابان على السليمانية عاملاً مهماً من عوامل استمرار الحرب بين الدولتَين العثمانية والإيرانية.
وفي عام 1850م، دخل القائد التركي، إسماعيل باشا، السليمانية، بقوة من الجيش، قضت على حكم البابانيين، الذي استمر مدة قرن ونصف القرن.
ز. الإمارة السورانية
إمارة صغيرة، نشأت في منطقة رواندوز، في القرن الثاني عشر الميلادي. أسسها رجل صالح، قدم من بغداد، واتخذ من قرية جوديان مقراً له. وكان له ابن، يدعى عيسى، ضم إليه بعض أراضي البابان، ونقل عاصمته إلى بلدة حرير.
ضم السلطان سليمان القانوني هذه الإمارة إلى أربيل، بعد أن قتل أميرها، "المير عزالدين شير"، ونصّب عليها أميراً يزيدياً، عام 1534.
ولكن السورانيين استرجعوا إمارتهم، بعد عودة السلطان إلى استانبول. وحافظوا على استقلالهم، حتى عام 1730، حينما ألحقها البابانيون بإمارتهم، وصارت تابعة لهم.
وحينما دَب الضعف في أمراء البابان، في نهاية القرن الثامن عشر، بسبب الصراع الإيراني ـ العثماني، استعادت الإمارة السورانية وجودها، في مقرها الجديد في رواندوز، وصار لها عام 1810 كيان واضح، حين كان يحكمها مصطفى بك أوغوز، الذي تزوج من فتاة بابانية البابانيين لكي يعزز مركز إمارته.
وخلفه، عام 1826، ابنه محمد، الملقب "مير كور"، أي الأمير الأعمى، وأخضع لحكمه شيروان، وقبائل برادوست، في الشمال، وقلّل من نفوذ قبائل السورجية، وطرد الحاكم الباباني من حرير، واحتلها.
وأقره والي بغداد، داود باشا، على حكمه.
وأصبحت دهوك وزاخو من توابع إمارته العظيمة، واستولى على أربيل وألتون كوبري.
وقد اضطر والي بغداد، علي رضا باشا، في عام 1833، إلى الاعتراف به، ورفع مرتبته إلى "باشا"، إذ رأى فيه القوة الجديدة، التي يمكن استخدامها ضد الإمارة البابانية، ومقاومة أي زحف إيراني على العراق.
واشتهر الأمير مير كور بتنظيم الإدارة في إمارته، واستتب الأمر له فيها. وكان على جانب كبير من التقوى والصلاح، والتمسك بالشرع الحنيف، فحقق بين الناس العدالة، في دائرة الشريعة الإسلامية.
وهكذا أصبحت الإمارة السورانية، في منتصف القرن التاسع عشر، أقوى إمارة من إمارات كردستان قاطبة.
ولم يبقَ أمام مير كور، للسيطرة على كردستان الجنوبية (العراقية) كلها، سوى القضاء على الإمارة البابانية، في السليمانية.
وكان نمو الإمارة السورانية السريع، يثير وجل سليمان بابان وخوفه، فلجأ إلى الإيرانيين، على عادة البابانيين، وتعاون معهم على إرسال حملة عسكرية مشتركة، ضد مير كور، مما حدا أمير رواندوز على طلب النجدة من والي بغداد العثماني، فاستجيب طلبه، في الحال، مما اضطر الإيرانيين والبابانيين إلى أن إيقاف القتال.
ولم يلبث مير كور أن تعرض للخطر، من جانب العثمانيين، عندما قرروا القضاء على الإمارات الكردية، في أواخر القرن التاسع عشر.
وبدأوا بانتزاع منطقة الشيخان، اليزيدية، من حكمه، ثم ثبتوا سلطانهم المباشر على نصيبين وماردين.
وعلى الرغم من محاولة الإيرانيين دفع مير كور إلى إعلان الولاء لشاه إيران، إلا إنه لم يستجِب لهم، لاعتقاده أن في ذلك خيانة للمذهب السُّني، ولخليفة المسلمين.
وكان موقف مير كور يتدهور بسرعة، فسقطت ألتون كوبري وأربيل وحرير وكوي سنجق، في يد القوات العثمانية، بقيادة والي بغداد.
وتقدمت القوات العثمانية في اتجاه رواندوز، وتخلى أعوان مير كور عنه، عندما صدر مرسوم (فرمان) سلطاني بعزله.
وأدرك أن الأمور تتطور، بسرعة، ضده، فاستسلم، ونقل إلى استانبول، ثم قتل، عام 1838.
وعيَّن والي بغداد شقيق مير كور، المدعو "رسول"، حاكماً على رواندوز.
وعندما حاول استعادة الحكم الذاتي الذي كان يتمتع به أخوه، تصدى له والي بغداد، بحملة عسكرية، فر على أثرها إلى إيران، عام 1846.
وكان رسول هذا آخر حكام رواندوز، من الأمراء السورانيين.
وقد مهد سقوط الإمارة السورانية لسقوط إمارات كردية صغيرة، مثل الإمارة البهدينانية في العمادية، والإمارة البوتانية في جزيرة ابن عمر، ونور الله في حكاري.
ح. الإمارة البهدينانية
نشأت هذه الإمارة في مدينة العمادية، الواقعة على قمة جبل مرتفع، وسط سهل فسيح، مما جعلها قلعة حصينة، منيعة.
حكمتها أسرة بهدينان، التي حظيت بتقدير السلطان العثماني، سليمان القانوني، فمنح حاكمها، حسن باشا، ولاية الموصل، عام 1600.
وكثيراً ما اضطر حكام العمادية إلى تبديل ولائهم، بين العثمانيين والإيرانيين. فخضع الأمير حسن باشا للشاه، تجنباً لسيطرة الأردلانيين، في أواخر القرن السادس عشر.
ولم تسلم هذه الإمارة من الصراع الداخلي بين أبناء الأسرة الحاكمة. وهو الطابع المميز لتاريخ كردستان كله.
وكان أعظم أمراء العمادية، هو بهرام باشا، الذي حكم مدة طويلة، وتوفي عام 1767. وخلفه ابنه إسماعيل، واستمر حكمه عشرين سنة.
وبعد موته، عام 1787 شب الصراع بين أعضاء الأُسرة، وانتهى إلى توليِّ مراد بك، مبعوث الأمير الباباني، تنفيذاً لأمر والي بغداد، شؤون الإمارة.
ثم تمكن هذا الوالي من القضاء على إمارة العمادية، عام 1839، التي استمرت تابعة لولاية الموصل، حتى عام 1849، وألحقت، بعدها، بولاية (وان)، ثم أعيدت، ثانية، لتتبع ولاية الموصل، في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي.
ط. إمارة كريم خان زند، في إيران
إثر فترة من الحروب الطاحنة، أنشئت في إيران مملكة كردية مستقلة، هي المملكة الزندية، بقيادة كريم خان زند، في الفترة ما بين 1752 و 1795.
وكان عهد كريم خان (1752م - 1779م) فصلاً مهماً من فصول التاريخ الكردي، إذ أعلن الاستقلال الكردي، وصار حاكماً لإيران كلها، تماماً مثل صلاح الدين الأيوبي، الذي حكم أمماً أخرى.
وكتب القنصل الفرنسي في بغداد، في رسالة بعث بها إلى باريس، عام 1763، يقول: "يبدو أن البلاد قد استعادت عظمتها وازدهارها تحت زعامة كريم خان، ذي التصرفات الحكيمة والنفوذ الشخصي.
فقد حل الأمان والطمأنينة محل الفوضى المريعة والاقتتال المستمر، وقد استؤنفت التجارة، وأخذت القوافل التجارية تذهب إلى إيران وتعود منها، وأن خمسة وعشرين ألفاً من العائلات الإيرانية، التي كانت قد لجأت إلى العراق، أخذت، الآن، تعود لوطنها بالتدريج".
ووصف الرحالة الإنجليزي، مالكولم، القائد كريم خان بقوله: "عاش حياة سعيدة، ثم مات موتة أبٍ، تحفّ به أُسرته".
ي. إمارة بوتان
في عام 1821، تولى الأمير بدرخان إمارة الجزيرة وإقليم بوتان.
وسعى إلى تخليص إمارته، وكردستان، كلها من الحكم التركي، وتوحيد إماراتها.
وعزا الهزائم، اللاحقة بالأكراد، في انتفاضاتهم، إلى سببين:
(1) عدم اتحاد القوى الكردية حول فكرة وطنية واحدة.
(2) عدم وجود معامل للأسلحة والذخيرة، في كردستان.
لذا، بادر الأمير إلى العمل على لمّ الشعب، وتنظيم الصفوف بين القوى المختلفة.
فأرسل إلى زعماء الكرد، المجاورين له، داعياً إياهم إلى الإتحاد، والعمل على إنقاذ كردستان.
وبعث المبعوثين، لبث الدعوة إلى فكرة الوحدة. واستجاب الزعماء الأكراد لدعوته، من كل مناطق كردستان.
هذا في الجانب، السياسي والتنظيمي. أما في الجانب العسكري، فقد أنشأ في مدينة الجزيرة معملاً للأسلحة، وآخر للبارود.
وشرع يرسل الطلاب في بعثات إلى أوروبا، للتخصص بتجهيز الأسلحة والذخائر والمعدات الحربية.
كما أخذ يبني السفن، لتسييرها في بحيرة وان.
ولما امتنع النساطرة المسيحيون، في إمارة بوتان، عن دفع الضرائب إلى الأمير بدرخان، بعث عليهم قوة عسكرية تؤدبهم. مما أثار هذا حفيظة الدول الأوروبية، خاصة بريطانيا وفرنسا، فاحتجت لدى الباب العالي، في استانبول، الذي أرسل، بدوره، مندوبين، لِثَنْيه بالوسائل السياسية، عمّا عزم عليه من توحيد كردستان. ولكن ذلك لم يجد نفعاً.
فأوعز الباب العالي إلى المشير حافظ باشا، أن يرسل مندوباً من عنده، يجيد اللغة الكردية، إلى الأمير، يستوضحه نياته نحو الخليفة العثماني، ويدعوه، باسم الخليفة، إلى القدوم إلى إستانبول.
ولما رفض الأمير بدرخان استجابة الدعوة، بعثت الدولة العثمانية عليه قوة عسكرية كبيرة، تمكن من القضاء عليها.
وقطع علاقته بالدولة العثمانية، وأعلن استقلاله، وسك نقوداً باسمه، عام 1258هـ، كتب على أحد وجهَيها: "أمير بوتان بدرخان"، وعلى الآخر: "سنة 1258هـ".
وسيّر الباب العالي حملة أخرى، تحت قيادة عثمان باشا، ووقعت معركة قرب أورمية، بين الجيش العثماني وجيش الأمير بدرخان.
وبعد انضمام قائد ميسرة الجيش الكردي، عزالدين شير، إلى العثمانيين، تمكنوا من احتلال الجزيرة، وهي مقر الإمارة.
ثم حوصر الأمير في قلعة "أروخ"، ثمانية أشهر، وبعد أن نفدت مؤنه، استسلم للقوات العثمانية، فقضي على حركته.
في سنة 1877، وقعت الحرب الروسية ـ العثمانية، فجند العثمانيون كثيراً من المتطوعين الأكراد، وأُسندت قيادة قسم كبير منهم إلى أولاد الأمير بدرخان.
ومنهم حسين كنعان باشا وعثمان باشا.
فانتهز هذان القائدان الفرصة، واتفقا مع الضباط على التوجه نحو كردستان، لتحقيق ما فشل فيه والدهما من استقلال كردستان.
فسافر الأميران الكرديان، سراً، إلى الجزيرة، عام 1879، واستوليا على مقاليد الأمور فيها، وأعلنا استقلال إمارة بوتان، التي امتدت إلى جولمريك وزاخو والعمادية ونصيبين، في بعض الأحيان.
وأُعلن أكبرهما، عثمان باشا، أميراً وذُكر اسمه في خطب الجمعة.
وتغلبا على الحملات العسكرية العثمانية الموجَّهة ضدهما.
فعمد الباب العالي إلى سياسة المهادنة، إذ أمر السلطان عبد الحميد بإطلاق كل المعتقلين من عائلة بدرخان، وبعث إلى الأميرَين يدعوهما إلى حقن دماء المسلمين، واستعداده لاستجابة مطالبهم، بالوسائل السلمية.
وتظاهر العثمانيون بمنح كردستان امتيازات خاصة، في الإدارة الداخلية.
فدخل الأميران في مفاوضات مع السلطات العثمانية، في شأن الصلح، وتحقيق مطالب الكرد. وأحيطا بمظاهر الحفاوة، في خلال الاجتماعات. وصدرت تصريحات من المفاوضين العثمانيين، حول مطالب الأكراد وتحقيقها، في الجزيرة وفي كردستان كلها.
وحيال ذلك اطمأن الأميران الكرديان، وأخذا يخففان من عدد الحراس، المرافقين لهما، عند حضور الاجتماعات. وذات يوم، أطبقت القوات العثمانية على الأميرَين وحرسهما. وأرسلت الأميرَين إلى استانبول، حيث أودعا السجن فترة من الزمن، ثم أُطلقا وفرضت عليهما الإقامة الجبرية بالآستانة.
وفي عام 1889، غادر كل من أمين عالي بك ومدحت بك، من أولاد الأمير بدرخان، الآستانة، سراً، ووصلا إلى طرابزون، حيث شرعا يتصلان مع رجال كردستان، بوساطة رجل، يدعى مصطفى نوري أفندي الشاملي.
وجرى الاتفاق على أن تحتشد قوة مسلحة كبيرة، بقيادة بعض رؤساء الأكراد، في جويزلك، في منتصف الطريق بين أرضروم وطرابزون، وتكون في انتظار الأميرَين.
وفعلاً، وصلت القوة الكردية إلى المكان المذكور، وسافر الأميران، سراً، من طرابزون، غير أن مصطفى نوري أفندي الشاملي، الذي كان الوسيط بين الأميرَين والقوات الكردية، أبلغ الأمر إلى الديوان السلطاني، الذي لم يتوانَ في إرسال قوات عسكرية، من أرضروم وأرزنجان إلى الجهات والطرق، التي يتوقع مرور الأميرَين منها.
ووجد الأميران نفسيهما، مع القوة الكردية، على غرة، بين قوّتَين عثمانيتَين في جنوب مدينة أبيورت، وعلما أنهما وقعا في كمين. فجرت معركة، انجلت عن هزيمة الأكراد وهروبهم إلى جبال أرغني ومعدن واعتصموا بها.
وبعد قتال، استمر فترة من الوقت، ومع وصول إمدادات عثمانية، استسلم الأميران الكرديان.
3. أهم الثورات الكردية في العصر العثماني
شهدت منطقة كردستان، في العهد العثماني، العديد من الانتفاضات والثورات المحلية، الناجمة، في الغالب، عن إلغاء الامتيازات والإقطاعيات الممنوحة للأغا أو الإقطاعيين الأكراد. أو هي نشبت لرفع الظلم والجور، الحاصلين من القوات العثمانية، ومن جمع الضرائب والتكاليف الباهظة، التي أثقلت كاهل الشعب الكردي. أو هي اندلعت، طلباً للاستقلال. وتعاقبت الثورات، طوال القرن التاسع عشر الميلادي. ومنها:
أ. كانت أعظم انتفاضات هذه الفترة، تلك التي اندلعت أثناء الحرب الروسية ـ العثمانية، في القرم (1853 ـ 1856) تحت قيادة يزدان شير، في منطقتَي حكاري وبوتان. بعَيد اندلاعها، استطاعت تحرير كل المنطقة، الممتدة بين بحيرة وان وبغداد.
ومن أبرز خصائص تلك الانتفاضة، أنها لقيت تأييداً واسعاً من فئات الشعب، على نقيض ما حدث في الانتفاضة، التي قادها بدرخان. وقدم السكان المسيحيون العون إليها، بل أسهموا في القتال. وما أن حل يناير 1855، حتى بلغ تعداد قوات يزدان شير ثلاثين ألفاً، ثم ارتفع، في فبراير، إلى ستين ألفاً، ثم بلغ مائة ألف، من بينهم يونانيون وعرب.
وحاول القائد الكردي، أن يتعاون مع الجيش الروسي على محاربة العثمانيين، إلا إنه لم يفلح.
ودامت الانتفاضة عامين. ثم أرسلت بريطانيا قواتها، لمعاونة العثمانيين، من طريق مبعوثها، نمرود، ونجحت في إقناع يزدان شير بالصلح مع السلطان، فركن إلى الوعود، التي قطعت له، وسافر إلى القسطنطينية، وبسفره انتهت الانتفاضة. إلا أنها تركت آثاراً عميقة في المراحل التالية لنضال الأكراد.
وما فتيء اسم يزدان شير، يُرَدَّد، بالتمجيد، في الفلكلور الكردي، حتى اليوم.
ب. في عام 1834، ثار أمير بدليس الشهير، شريف خان، ضد العثمانيين، حينما أرادوا إلغاء امتيازات إمارته، وكان مصير هذه الثورة الفشل.
ج. وثار في كردستان الشيخ عبيدالله (النهري) النقشبندي، من شمدينان، عام 1880، أثناء انشغال الدولة العثمانية بحربها مع روسيا. وكان الشيخ يهدف إلى تشكيل دولة كردية مستقلة، تشمل الجزء الجنوبي من ولاية وان، والجزء الشمالي من ولاية الموصل، على أن تكون تحت الإدارة العثمانية.
وكان له نفوذ ديني واسع على مريديه وأتباعه، فأوقد فيهم الحماس، حتى اندفعوا إلى بلاد أورمية، حيث ارتكبوا مذابح ضد الشيعة.
وقد أفلح عبيدالله في بسط نفوذه على منطقة واسعة، بين بحيرة أورمية وبحيرة وان. واتخذ إصلاحات من شأنها القضاء على السلب والنهب، وتشجيع الزراعة والأعمال البناءة، واتَّبع سياسة ودية تجاه الأرمن والنساطرة.
وفي عام 1883، بعثت عليه الحكومة العثمانية حملة عسكرية، بالتعاون مع القوات الإيرانية، اضطرته إلى التسليم. ثم نُفي إلى الحجاز، ومكث في مكة حتى توفي فيها.
د. في أواخر القرن الثامن عشر بادر زعيم الملليين، وهم قبيلة خليط من التركمان والأكراد، تقطن في ما بين ماردين وديار بكر، تيمور باشا، إلى جمع العُصاة وقُطاع الطرق حوله، وهدد وُلاة ديار بكر، وأخل بالأمن.
فجهزت الدولة العثمانية حملة عسكرية، قوامها ثلاثون ألف فارس، اتجهت إلى ماردين، حيث قضت عليه، وفرقت شمل عصابته، عام 1791.
إلا أن حفيد تيمور باشا، تيماوي بك، ثبت لضربات الصدر الأعظم، رشيد باشا، الذي وجّه إليه حملات عسكرية، للقضاء على الإمارات الكردية.
وخلفه ابنه محمود، الذي احتفظ بنفوذه بين قبائل الملليين، في ديار بكر. وترك لخلفه، ابنه إبراهيم باشا، اتحاداً قبائلياً قوياً، في أيام السلطان عبد الحميد.
ومع إعلان الدستور العثماني، وإطاحة السلطان عبدالحميد، عام 1908، لجأ إبراهيم باشا التيماوي، متزعماً قبيلة المللية، إلى أعمال العصيان، في تلك المنطقة. وجمع المغامرين، الذين التفوا حوله، فبسط نفوذه على المنطقة، حتى لقب بملك كردستان غير المتوج، مما اضطر الحكومة العثمانية إلى توجيه حملة تأديبية ضده، فقبضت عليه، ونفته إلى سيواس. وبعد فترة وجيزة، استطاع الهرب، والعودة إلى موطن قبيلته، في "يران شهر".
وانتهز فرصة إعادة تكوين الحكومة العثمانية التشكيلات العسكرية الحميدية، فانخرط مع أتباعه فيها، وحصل على رتبة "مير ميران"، رئيس الرؤساء، مما هيأ له بسط نفوذه في الجزيرة وديار بكر، وأخضع القبائل الكردية المجاورة، وسيطر على المنطقة الممتدة بين ماردين والرها وأورفا وقراجه داغ. وبعثت عليه الدولة العثمانية حملة كبيرة، بعد عام 1908، وقبضت عليه وأعدمته.
هـ. وفي عام 1913، ثار الأكراد في ولاية بدليس، بقيادة الملا سليم، وشهاب الدين، وعلي، وانتهت ثورتهم بالفشل. ولجأ الملا سليم إلى القنصلية الروسية، في بدليس، حيث بقي مختبأ، إلى أن أعلنت الدولة العثمانية الحرب على روسيا، في الحرب العالمية الأولى، 1914.
فاقتحم الجنود العثمانيون القنصلية، وقبضوا على الملا سليم، وشنقوه في أحد شوارع بدليس.
ومن جهة أخرى، عمدت الحكومة التركية، بحجة التراجع أمام القوات الروسية الزاحفة، إلى ترحيل سبعمائة ألف كردي من مواطنهم.
وقد هلك كثير من هؤلاء قبل أن تنتهي فترة الإخلاء الإجباري هذه.
وفي غمار الحرب العالمية الأولى، دمِّر العديد من القرى الكردية، وهلك العديد من قطعان ماشية الأكراد.
وقتل آلاف من السكان المسالمين على يد القوات العثمانية، لا في كردستان تركيا فحسب، بل في كردستان إيران، كذلك.
4. سبب فشل الثورات الكردية
حملت الثورات الكردية عناصر فشلها، لأنها لم تكن مستندة إلى إيمان منبثق من تبلور الوعي، الثقافي والسياسي، بين الأكراد، كما كان ينقصها التعاون.
وقد كان أغلب قادة تلك الثورات من زعماء القبائل. وكانت قبائلهم تأتمر بأوامرهم. وكان التعاون بين رؤساء القبائل ضعيفاً بل منعدماً.
ومعظمهم كانوا يتمسكون بمصالحهم الذاتية، نتيجة سيادة النظام الإقطاعي.
لذلك، كان كل زعيم كردي، يهتم بمصالحه الخاصة، غير معني بدعوات الزعماء الوطنيين. وآية ذلك، أن أغلب تلك الثورات، قد أخمدت بمعاونة رؤساء أكراد، مناوئين للزعماء الثائرين، بدوافع شخصية، أو بوحي من الحكومة العثمانية.
5. الألوية الحميدية الكردية
عقب الانتفاضات، التي جرت في أواخر القرن التاسع عشر، أخذ الباب العالي ينتهج سياسة أكثر مرونة، تجاه الأكراد. فأسست الدولة العثمانية، عام 1892، مدارس للقبائل، عرفت باسم "عشيرت مكتبلري"، ضمت إليها أبناء القبائل، العربية والكردية، وأبناء الأعيان، بهدف ربط هذا الجيل من الشباب، واستطراداً قبائلهم، بالدولة، وتنشئته على الولاء لها. وفي عام 1885، أنشأ السلطان عبدالحميد (1878 ـ 1908) كتائب محاربة، من أبناء العشائر الكردية، أطلق عليها اسم ألوية الخيالة الحميدية "حميدية آلاي لري"، ليستخدمها في حروب الدولة العثمانية مع الروس.
وأنيطت بهذا الجيش الكردي، غير النظامي، مسؤولية توطيد النظام، وتقوية نفوذ الحكومة في كردستان. وفي الوقت نفسه، كانت تلك الألوية عاملاً مهماً في المحافظة على امتيازات الزعماء الأكراد، وسلطان رؤساء العشائر الكردية.
اضطلعت هذه التشكيلات بدورٍ مهمٍ في حماية الحدود العثمانية، مع روسيا وإيران، وشاركت في المعارك التركية ضد روسيا القيصرية.
كما تورطت في الحوادث الدامية، الناجمة عن ثورة الأرمن، عامَي 1894 و 1895، حين ساعدت التشكيلات الكردية الدولة العثمانية على ارتكاب مذابح جماعية ضد الأرمن، في منطقتَي صاصون وحكاري، وتدمير قراهم ومدنهم.
ولكن العثمانيين لم يثقوا كثيراً بتلك الكتائب. فقد نص نظام الكتائب الحميدية، الصادر عام 1895، على منع أفرادها من ارتداء البزات العسكرية، وحمل السلاح، خارج فترات التدريب. ويمكن استدعاؤهم، خارج فترات التدريب، كذلك، إلى المحاكم الاعتيادية.
وبعد إعلان الدستور العثماني،عام 1908، أعيد تنظيم التشكيلات العسكرية الكردية، فاندمجت في أربع فِرق ولواء واحد، وكلها من قوات الخيالة الخفيفة. ثم ألغيت، بعد سنة من إعلان الحرب العالمية الأولى.
يتبع إن شاء الله...
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: ثانياً: الحركة الوطنية الكردية، في النصف الأول من القرن العشرين الجمعة 06 يوليو 2012, 11:56 pm | |
| ثانياً: الحركة الوطنية الكردية، في النصف الأول من القرن العشرين
1. الوعي السياسي
بدأت الحركة الوطنية الكردية، في المجال السياسي، في عاصمة الدولة العثمانية، إستانبول، بعد خلع السلطان عبد الحميد الثاني، وصدور الدستور العثماني، وتولّي حزب الاتحاد والترقي أمور الحكم، في 23 يوليه 1908.
وعلى غرار النشاط القومي للمثقفين والضباط العرب في الآستانة، لإحياء القومية العربية، والمطالبة بالحكم الذاتي، كردّ فعل على الاتجاهات القومية التركية، ونتيجة للاتجاهات القومية، التي انتشرت بين الشعوب، في القرن التاسع عشر الميلادي - بادر عدد من النواب الأكراد في مجلس المبعوثان، إلى المطالبة بحق الأكراد في الحرية والإخاء والمساواة.
وظهرت جمعيات كردية ثقافية، عام 1908، وصدرت صحف كردية، لتنمية الوعي بين الأكراد، وتعريف العالم بالقضية الكردية.
وكانت التنظيمات السياسية الكردية الأولى، تقف موقفاً إيجابياً من حكومة الاتحاد والترقي. فسمحت لها بالنشاط الثقافي، على أنها فروع لحزب تركيا الفتاة.
وقبْل ذلك، أصدر الأمير مدحت بدرخان جريدة كردية، عام 1315هـ/1898م، باسم "كردستان"، لتعريف الأمم والدول بالقضية، وتنمية وعي الأكراد أنفسهم بقضيتهم.
وصارت هذه الجريدة لسان حال المثقفين الأكراد.
وعلى أثر مرض صاحبها، ورئيس تحريرها، واصل شقيقه، عبدالرحمن بدرخان، إصدارها من القاهرة، ثم من جنيف، ثم من فولكستون .
وبعد إعلان الدستور العثماني، عام 1908، عادت الجريدة الكردية إلى الصدور من استانبول، برئاسة الأمير ثريا بدرخان، ثم صدرت من القاهرة، في أثناء الحرب العالمية الأولى.
تأسست أول جمعية سياسية كردية، في الآستانة، عام 1908، تحت اسم "كردستان تعالي جمعيتي"، أي جمعية تقدم كردستان، على يد مجموعة من الأكراد البارزين، مثل: الأمير أمين عالي بدرخان، والفريق شريف باشا، والسيد عبد القادر (الذي شنقه الكماليون، فيما بعد، في ديار بكر)، والداماد (الصهر) أحمد ذو الكفل باشا.
وأصدروا، كذلك، جريدة "الترقي والمساعدة الكردية المتبادلة".
وفي الوقت عينه، تأسست جمعية أدبية، فكرية، كردية، في الآستانة، باسم "جمعية نشر المعارف الكردية".
ووفقت، عام 1910، في فتح مدرسة كردية، في إستانبول، من أجل تعليم أبناء الأكراد في الآستانة.
وتأسست جمعية "كرد تعاون وترقي جمعيتي"، أي جمعية التعاون والتقدم الكردية، عام 1908.
أقفلت هذه الجمعيات، والمدرسة الكردية، من قِبل حكومة الاتحاد والترقي، عام 1909، بعد إمعان الحكومة في سياسة تتريك شعوب الدولة العثمانية.
فاضطرت جمعية تقدم كردستان إلى ممارسة نشاطها خفية.
وفي عام 1910، تأسست جمعية للطلبة الأكراد، في الآستانة، باسم " كرد هيوي طلبه جمعيتي"، أي جمعية الأمل للطلبة الأكراد، على يد عمر جميل أفندي وقدري جميل باشا، من أعيان ديار بكر، وفؤاد تمو بك الوانلي، ومحمود سليم، وزكي بك، من طلبة مدرسة الزراعة في إستانبول، وذلك بإيعاز من خليل خيالي الموطكي (موتكي) وتشجيعه.
وأصدرت الجمعية عام 1913، جريدة "روزا كورد"، أي يوم الكرد، ناطقة باسمها.
وتغير اسمها، بعد العدد الرابع، إلى "هه تاوي كورد"، أي شمس أو يوم الكرد.
وواصلت هذه الجمعية نشاطها، حتى دخول إستانبول الحرب العالمية الأولى، فتعطلت أعمالها، بسبب سفر جميع أعضائها إلى ميادين الحرب.
بعد انتهاء الحرب عام 1918، عاودت جمعية "هيفي" أو "هيوي" نشاطها، حتى دخول مصطفى كمال أتاتورك إستانبول، عام 1922.
في الوقت عينه، كان يصدر عدد من مثقفي الأكراد، في الآستانة، جريدة كردية، باسم "زين"، أي الحياة.
وكانت قد تشكلت بعد الهدنة، عام 1918، في إستانبول، جمعية سياسية، باسم "جمعية استقلال الكرد".
وضمت بين أعضائها جميع الأمراء والزعماء الأكراد.
ثم انشق عنها بعض الأمراء، وأسسوا جمعية أخرى، باسم "كردستان اجتماعي تشكيلاتي جمعيتي"، أي جمعية التشكيلات الاجتماعية لكردستان.
وتأسست جمعية أخرى، باسم "جمعية الشعب الكردي"، ومركزها القاهرة.
وأعاد نخبة من رجالات الأكراد، في الآستانة، تشكيل "جمعية تقدم كردستان"، عام 1918، وافتتحوا نوادي كردية، في عدد من مدن شرقي تركيا، مثل موش وبيتليس.
وواصل كثير من هذه الجمعيات نشاطها، في الآستانة، وعبْر فروعها في كردستان، حتى دخلت الحكومة التركية، بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، إستانبول، فانتقلت إلى بلاد أخرى، حيث واصلت نشاطها.
واقتصرت مطالب تلك الجمعيات والمنظمات على الحكم الذاتي لكردستان، وتقليص الضرائب المجباة، ونشوء إدارات محلية، وبناء مدارس، تدرَّس فيها اللغة الكردية، وأن يكون جميع الموظفين والضباط، العاملين في كردستان، من الأكراد.
ولم يكن لهذه الجمعيات أي تأثير في كردستان، الغارقة في الجهل، والبعيدة عن مراكز النشاط السياسي.
وأدى نشوب الحرب العالمية الأولى، عام 1914، إلى توقف كل هذه الأنشطة.
وعندما أعلنت الدولة العثمانية الجهاد المقدس، أسهم فيه الأكراد بكل قواهم، من رجال وأموال.
وتكبدوا خسائر كبيرة على يد القوات الأرمنية، التي انضوت تحت لواء الجيش الروسي، وانتقمت من الأكراد، في منطقة "بايزيد" و"الشكرد" و"وان"، وثأرت بما لحق بالأرمن، من قبْل، على يد الأكراد.
ورفض قادة جمعية تقدم كردستان أي أعمال ضد الأتراك، عندما طالب الشباب الكردي، من أعضاء الجمعية 1919م، باتخاذ قرار، حول إعلان استقلال كردستان، وطرد جميع القوات الأجنبية منها، بما فيها التركية ووقف سيد عبدالقادر ضد هذا الاقتراح، لأنه لا يليق بالحركة الكردية، في رأيه، الوقوف ضد الأتراك، في مثل هذا الظرف العصيب.
2. تقرير مصير الأكراد، في معاهدة سيفر (Sevres)، عام 1920 (أُنظر ملحق نصوص المواد الثلاث المتعلقة بالأكراد في معاهدة سيفر (Sèvres)، في 10 أغسطس 1920)
عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، بانتصار الحلفاء، وهزيمة الدولة العثمانية، شعر فريق من الزعماء الأكراد بأن الحلفاء المنتصرين، يبيِّتون للأكراد سوءاً، إذ عزموا على إنشاء دولة أرمنية، تمتد حدودها من ساحل بحر قزوين حتى ساحل البحر الأسود، وتنحدر، غرباً، إلى البحر المتوسط، فتشمل ولايات: طرابزون وأرضروم ووان وبيتليس وديار بكر، وهي المناطق، التي يؤلف الأكراد أغلب سكانها.
ولذلك، نشط الحزب الوطني الكردي، في إستانبول، الذي يرأسه الأمير عبدالقادر شمدينان، مع أبناء بدرخان بجهود جبارة، لإقناع الحلفاء بتوحيد المناطق الكردية، ومنحها حكماً ذاتياً.
كما أخذ الجنرال شريف باشا السليماني، المقيم في باريس، على عاتقه تمثيل الجماعات السياسية الكردية، في مؤتمر الصلح، في باريس، في 22 مارس 1919، وفي أول مارس 1920.
وقدم مذكرتَين إلى ذلك المؤتمر، ضمّنهما مطالب الأكراد، وحقهم في استقلال بلادهم ووحدتها السياسية، وأرفق بهما خريطة لكردستان كلها.
وكان شريف باشا، قد توصل إلى اتفاق مع رئيس الوفد الأرمني، بوغوص بوبار باشا، ينص على أن تكون البلاد الكردية مستقلة عن الدولة الأرمنية، المزمع إنشاؤها.
ونتيجة لهذا الاتفاق، تقدَّما إلى مؤتمر الصلح، ببيان مشترك، يحددان فيه حقوق أمَّتَيهما.
وقد وافق المؤتمر، مبدئياً، على هذا البيان.
وفرض ممثلو الحلفاء على الحكومة العثمانية المنهزمة معاهدة سيفر (Sèvres)، في 10 أغسطس 1920.
وكان من مقتضاها تأليف حكومة أرمنية في ولايات طرابزون وأرضروم ووان وبيتليس (بدليس) (المواد 8- 93).
وأشارت إلى إنشاء نوع من الحكم الذاتي للأكراد، القاطنين في منطقة، تصوروا حدودها في شرق الفرات وجنوبي بلاد أرمينيا، تحدها تركيا وسورية والعراق.
وشُرط الحكم الذاتي، باستفتاء أهالي المنطقة الكردية، المشار إليها.
في ما إذا كانوا يريدون الانفصال عن الأتراك أم لا؟ ثم تُعرض نتيجة الاستفتاء على مجلس عصبة الأمم، لمناقشتها، وإصدار قراره في ضوئها، ذلك، حول الاستقلال الكردي.
فإذا قررت عصبة الأمم جدارة الأكراد بالاستقلال، يبلغ القرار إلى الحكومة التركية، التي عليها أن تذعن له.
فإذا بلغ الأمر إلى هذا الحدّ، لا يمانع الحلفاء، حينئذٍ، في انضمام أكراد الموصل إلى أكراد هذه الحكومة المستقلة استقلالاً ذاتياً.
على أن معاهدة سيفر، ولدت ميتة، فلم يكتب لها التنفيذ، إذ مزقتها انتصارات تركيا الحديثة، بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، الذي دحر اليونانيين، وحرر الأناضول، وتفاهم مع الفرنسيين والإيطاليين.
ثم عقد معاهدة لوزان، في 24 يوليه 1923، التي قضت على كل أمل في أن يكون للأكراد دولة مستقلة، أو اعتراف دولي.
وقد انتهى موضوع الأكراد إلى استبدال نصوص حول وجوب احترام الحقوق، الثقافية والدينية، للأقليات، بحقوقهم القومية والحكم الذاتي.
وهكذا، خرج الأكراد من الحرب العالمية الأولى، وهم موزعون بين أربع دول: تركيا والعراق وإيران وسورية، إلى جانب أقليات كبيرة في جمهورية أرمينيا، التي كانت تابعة للاتحاد السوفيتي.
يتبع إن شاء الله...
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: الأكراد في العراق حتى حكم الأخوين عارف السبت 07 يوليو 2012, 12:15 am | |
| المبحث الثالث
الأكراد في العراق حتى حكم الأخوين عارف
أولاً: دولة العراق الجديدة، وقضية الموصل
احتل الإنجليز العراق، عام 1917، بعد طرد القوات العثمانية منه، ووضع تحت الانتداب الإنجليزي، في 3 مارس 1920.
وأقر مؤتمر القاهرة، الذي أنهى جلساته في 9 أبريل 1921، المشروع الجديد لإنشاء دولة عربية في العراق، برئاسة الشريف فيصل بن الحسين.
ونودي بالشريف فيصل ملكاً على العراق في 11 يوليه 1921م، وتوِّج على عرش العراق، في 23 أغسطس 1921.
وفي نهاية الحرب العالمية الأولى، كانت القوات التركية لا تزال محتفظة بمنطقتَي الموصل والسليمانية.
بينما ترابط القوات البريطانية في جنوب الموصل.
وعلى أثر توقيع معاهدة الهدنة، في مندروس، أو مودروس (Mondros, Moudros)، بين الحلفاء والدولة العثمانية المنهزمة، في أول نوفمبر 1918.
انسحب القائد التركي بقواته من الموصل، إلى داخل الأراضي التركية، بموجب نصوص المعاهدة المذكورة.
وكانت بريطانيا وتركيا تعلمان أهمية الموصل النفطية.
وحاول الأتراك الاحتفاظ بها، وضمها إلى تركيا الحديثة.
فأقر المجلس الوطني التركي، في "الميثاق الوطني"، في 13 سبتمبر 1919، في مادته الأولى، ما يلي:
"إذا اقتضت الضرورة، يقرر مصير أجزاء الإمبراطورية العثمانية، التي كانت تسكنها أكثرية عربية، والتي كانت، حين عقد الهدنة في 20 أكتوبر 1918، تحت احتلال القوات المعادية، وفقاً لتصويت سكانها الحر.
أما تلك الأجزاء (سواء كانت داخل خط الهدنة المذكورة، أو خارجه)، التي تسكنها أكثرية عثمانية مسلمة، متحدة في الدين والجنس والهدف، ومشربة بعواطف الاحترام المتبادل، وبالتضحية، وتحترم احتراماً كلياً متبادلاً الحقوق، القومية والاجتماعية، والظروف المحيطة بها، فتؤلف جزءاً من الوطن، لا ينفصل عنه لأي سبب، منطقي أو قانوني".
وبعد انتصار الأتراك على اليونانيين، وطردهم من غربي الأناضول وإزمير، أعلن مصطفى كمال، فيما يتعلق بمشكلة الموصل، أن الميثاق الوطني هو الحد الأدنى لحقوق تركيا.
وأعلن عصمت إينونو، رئيس الوفد التركي إلى مؤتمر لوزان، عام 1923، بإصرار، أن سكان الموصل، هم من الترك المسلمين، بدليل أنهم انتخبوا عنهم نواباً في المجلس الوطني الكبير.
وعقدت معاهدة لوزان، التي عالجت كافة الأمور بين تركيا والحلفاء، ورسمت الحدود التركية مع جيرانها (بلغاريا واليونان وسورية وروسيا وأرمينيا).
إلا أنها أبقت الحدود التركية، الجنوبية والجنوبية الشرقية، من دون تسوية.
فقد نصت المادة الثالثة على ما يلي: "ستتم تسوية الحدود الفاصلة بين تركيا والعراق، بطريقة دولية، بين الحكومتَين البريطانية والتركية، في غضون تسعة أشهر.
وإن لم تتوصل الحكومتان إلى اتفاق، خلال المدة المعينة، تحال القضية إلى مجلس عصبة الأمم".
وعقد مؤتمر، في إستانبول، لبحث مشكلة الموصل، في 19 مايو 1924.
وأعلن رئيس الوفد التركي، قائلاً: إن الترك والأكراد أبناء وطن واحد.
وإنه من المستحيل اقتطاعهم من وطنهم، من أجل بضعة آلاف من الأشوريين.
وكرر الحجة التركية القائلة إن الأكراد في ولاية الموصل، قد "انتخبوا عنهم نواباً في المجلس الوطني الكبير".
ولم ينجح مؤتمر استانبول، فعاد الطرفان، التركي والبريطاني، إلى مجلس عصبة الأمم. وحاول الأتراك، عام 1924، الاستيلاء على الموصل، بالقوة، ولكنهم انسحبوا منها، في العام نفسه.
وأُحيلت مسألة الحدود إلى مجلس عصبة الأمم، فقرر، في 30 سبتمبر 1924، تشكيل لجنة دولية، من ثلاثة أعضاء، للتحقيق في مشكلة الموصل، وتقديم تقريرها حول الحدود.
وكان أعضاء اللجنة، هم: الكولونيل البلجيكي باوليس، والكونت تيكيلي، وهو رئيس وزراء المجر السابق، وفيرسن، الوزير السويدي المفوض، الذي تولى رئاسة اللجنة.
وقد قررت اللجنة إجراء بالتحريات في المنطقة، فوصلت إلى الموصل، في يناير 1925.
وقدمت اللجنة تقريرها إلى مجلس عصبة الأمم. واقترحت تركيا إجراء استفتاء، يبيّن إرادة السكان.
غير أن بريطانيا، عارضت الاقتراح، لأن الأمر يتعلق بخط الحدود، وليس بمنطقة من المناطق.
وتقدم الجانبان بأرقام مختلفة عن القوميات القاطنة في الموصل.
وقد عَدَّ الإنجليز الأكراد آريين، لا تربطهم بالأتراك رابطة.
أما الأتراك، فأعلنوا أنه لا يوجد فرق بين الأكراد والأتراك، وأن الأمّتَين، قد عاشتا، بود، جنباً إلى جنب، طيلة قرون عديدة.
وتوصلت اللجنة إلى استنتاجات تختلف عن ذلك كلياً "ليس الأكراد عرباً، ولا ترْكاً، ولا فرْساً.
إلا أنهم قريبون من الفرْس أكثر من الآخرين.
وهم يختلفون، ويجب تمييزهم عن الأتراك. وهم بعيدون عن العرب، ويختلفون عنهم أكثر".
ثم يمضي التقرير، قائلاً: "وفي حالة اعتماد النواحي العنصرية، وحدها، أساساً للاستنتاج، فإنها تقودنا إلى القول بوجوب إنشاء دولة كردية مستقلة.
فالأكراد يشكلون خمسة أثمان السكان.
وإذا صار الاتجاه إلى هذا الحل، فإن اليزيديين، وهم عنصر مشابه للأكراد، يجب أن يدخلوا ضمن عددهم، فتكون نسبة الأكراد، حينذاك، سبعة أثمان السكان".
وهذا يعني أن الوثائق الرسمية لعصبة الأمم، تعترف بوجود الأكراد كأمة مستقلة، وكذلك، بحقهم في إنشاء دولة كردية مستقلة.
قرر مجلس عصبة الأمم، في 16 ديسمبر 1925، ضم الموصل إلى الأراضي العراقية.
ولقد قبِلت تركيا، آخر الأمر، بخط بروكسل، الذي عَّين حدودها الجنوبية، بموجب القرار، الصادر عن لجنة عصبة الأمم، في بروكسل، عام 1924.
وبذلك فصلت كردستان العراق عن كردستان تركيا. ودخل جزء من أراضي كردستان ضمن حدود الدولة العراقية.
وفي 13 يناير 1926، أبرمت الحكومتان، العراقية والتركية المعاهدة التي نظمت الحدود بينهما.
وجاء في المادة 12 من المعاهدة المذكورة ما يلي:
"على السلطات التركية، والسلطات العراقية، الامتناع عن كل مخابرة ذات صبغة رسمية، أو سياسية، مع رؤساء العشائر أو شيوخها، أو غيرهم من أفرادها، من رعايا الدولة الأخرى، الموجودين، فعلاً، في أراضيهما، وعليها ألاّ تجيز، في منطقة الحدود، تشكيلات للدعاية، ولا اجتماعات، موجّهة ضد أي من الدولتَين".
وما أن حصلت بريطانيا على امتيازاتها النفطية، حتى فقدت كل اهتمام بإنشاء دولة كردية.
ولم يكن في نية البريطانيين حسم القضية الكردية، بل أرادوا إبقاءها ورقة ضغط في أيديهم، للضغط على الحكومة العراقية الجديدة.
فتعبّر بريطانيا عن موافقتها على استقلال الأكراد، في "حالة جريان الأمور في العراق مجرى، لم تستشر في شأنه، وتوافق عليه".
وفي يونيه 1930، انتهى الانتداب البريطاني على العراق، وأصبح دولة مستقلة.
ثانياً: الثورات الكردية في العراق
حدثت عدة ثورات كردية، ضد الدولة العراقية الناشئة. وكانت أسبابها مزيجاً من الشعور الوطني والشكاوى المحلية، وتسببها حكومات موجَّهة توجيهاً خاطئاً، لا تأبه بالاستجابة لمطالب الأكراد القومية.
وتلاشت مطالبهم بمرور الزمن حتى اقتصرت على استخدام اللغة الكردية، في المدارس والدوائر الحكومية، وهو حق من حقوقهم، التي قررتها عصبة الأمم، واعترفت بها الحكومة العراقية، في حينه.
ومع أن الحكومة العراقية، كانت تؤكد، بين الحين والآخر، التزامها باحترام تلك الحقوق المبدئية، إلا أنها كانت تتهرب، باستمرار، من تطبيقها.
وكانت تتهم من يطالب بتطبيقها من الأكراد بالروح الانفصالية.
1. ثورات الشيخ محمود البرزنجي
تولى الشيخ محمود الحفيد البرزنجي، الذي ينتمي إلى أُسرة مشهورة في السليمانية، زعامة أسرته، وأدى دوراً خطيراً في تاريخ العراق، في سنوات الحرب العالمية الأولى وما بعدها (1917 - 1930).
وكان للشيخ محمود الحفيد نفوذ ديني واسع بين الأكراد، وله سطوة وجبروت، أشاعا الرعب بين الناس في السليمانية.
ساعده العثمانيون بدعم مالي، لإزعاج الإنجليز في الشمال العراقي، عام 1918.
وحينما وقعت الدولة العثمانية اتفاقية الهدنة، في (موندروس) سلمته لواء السليمانية.
ليحكمه باسمها وبقي الفوج العثماني المرابط هناك، تحت إمرته وفي تصرفه.
ولكن الشيخ البرزنجي، الطامع إلى السلطان والزعامة، تنكر للمعسكر الخاسر، واتجه إلى الإنجليز، وطلب منهم ألاّ يستثنوا كردستان الجنوبية من قائمة الأقوام المحررة.
وسلم إليهم لواء السليمانية في نوفمبر 1918، وأسلم إليهم، كذلك، جنود الفوج العثماني وضباطه، أسرى.
وكافأه الإنجليز على ذلك، بتعيينه حاكماً (حكمدار) في لواء السليمانية.
وعينت إنجلترا الرائد نوئيل (Noel)، والرائد دانليس، مستشارَين له.
واجتمع الحاكم البريطاني في العراق، ولسن (Wilson)، في ديسمبر 1918، بالشيخ محمود، وزعماء القبائل الكردية في لواء السليمانية.
ووجد أنهم غير متفقين على نوع الحكم، الذي ينشدونه للمنطقة الكردية: فقد أعرب فريق منهم عن رغبته في حكومة كردية مستقلة.
وطالب فريق آخر بإلحاق منطقتهم بالعراق.
كما وجد أن بعض الأكراد غير راغبين في حكومة، يرأسها الشيخ محمود الحفيد.
وبقي الشيخ البرزنجي يحكم لواء السليمانية، بوصفه ممثلاً للحكومة البريطانية.
وتوسع نفوذه، وأخذ يتصل بالحركة المناوئة للبريطانيين، في شرناخ.
وبدا للإنجليز ضرورة التخلص منه.
ففي منتصف مارس 1919، عيِّن الميجور سون حاكماً سياسياً في السليمانية، لتقليص نفوذ الشيخ محمود، وإرجاعه إلى الوضع الذي يتلاءم مع مؤهلاته.
ورداً على ذلك، بادر الشيخ محمود، في 20 مايو 1919، إلى انقلاب في السليمانية، بوساطة فرقة عسكرية كردية، تسمى "الشبانة"، تسانده القبائل الكردية في إيران، مثل الهورامان ومريوان.
واعتقل الضباط الإنجليز في بيوتهم، وتولى السلطة المطلقة، وقطع الخطوط السلكية مع كركوك.
كما استولى على قافلة، تحمل مالاً وأسلحة، كانت متجهة من كفري إلى السليمانية، واستولى على حلبجة في 26 مايو 1919.
ولكن البريطانيين سيروا إليه حملة عسكرية، في 19 يونيه 1919، وأحاطت بالشيخ وقواته، في دربندِ بازيان قرب السليمانية، وتمكنت من أسره وهو جريح، مع جماعة من أتباعه، وأرسلتهم إلى بغداد.
وتقدمت القوة البريطانية حتى دخلت السليمانية، من دون قتال.
وحكم على الشيخ البرزنجي بالإعدام، ثم خفِّف الحكم، من قِبل القائد البريطاني، إلى السجن عشر سنوات، والنفي إلى الهند.
من جهة أخرى، بدأ الحاكم البريطاني العام في العراق، ينفّذ لائحة الانتداب البريطاني على العراق، بإيجاد وضع خاص للأكراد، يتيح لهم التطلع إلى حكم ذاتي، قبْل أن يجري استفتاء الشعب العراقي في إقامة حكومة وطنية مركزية، في العراق يرأسها الملك فيصل بن الحسين.
فقد نصت المادة السادسة عشرة من اللائحة المذكورة، على أنه "لا يوجد في هذا الانتداب ما يمنع المنتدَب من تأسيس حكومة مستقلة، إدارياً، في المقاطعات الكردية، كما يلوح له".
وحينما نُظم استفتاء للشعب العراقي، عام 1921، في تنصيب الأمير فيصل بن الحسين، ملكاً على العراق، رفض الأكراد، في لواء السليمانية، الاشتراك في الاستفتاء.
وأعلن الشيخ قادر، شقيق الشيخ محمود، المنفي، مطالبته بحكم ذاتي مستقل، ورفض فكرة الانضمام إلى العراق.
واستغلت تركيا هذا الوضع، للضغط على بريطانيا، في مسألة الموصل، التي لم تُحل، بعد. فحشدت قواتها العسكرية، وعززتها بقوات غير نظامية.
وعلى أثر الاشتباك المسلح، بين الإنجليز وقوات الشيخ القادر، تقدمت القوات التركية داخل الحدود العراقية، والتقت مع القوات الكردية، في منطقة "بشدر"، الواقعة شمال السيلمانية.
واحتل الأتراك كوي سنجق، وهددوا مدينة عقرة، واندفعوا في اتجاه العمادية.
ولكن سرعان ما تقدمت القوات البريطانية، وطردت القوات التركية.
وهكذا، لم يجد البريطانيون بدّاً من الاستعانة بصديقهم، وعدوّهم القديم، المنفي إلى الهند، الشيخ محمود.
فسمحوا له بالعودة إلى السليمانية، فرجع إلى موطنه، في 14 سبتمبر 1922.
واختاره الإنجليز رئيساً للمجلس المحلي المنتخب، ثم حاكماً عاماً .
وبدأ الشيخ ينظم قواته، ويوسع نفوذه في لواء السليمانية، بقسوة بالغة.
وأخذ يتجه صوب كركوك، مهدداً باحتلالها وضمها إلى حكومته.
وكانت بريطانيا تعلم مسبقاً بما سيقدم عليه الشيخ محمود، وتريد بذلك الضغط على حكومة الملك فيصل، لكي توقع المعاهدة العراقية - البريطانية الأولى، التي وقعت، فعلاً، في 12 أكتوبر 1922.
وبادر الشيخ البرزنجي إلى إعلان نفسه "ملكاً" على كردستان، في نوفمبر 1922، بعد أن تبيّن له أن الإنجليز سوف يتخلون عنه، بعد ما استنفدوا أغراضهم منه.
وحينما بعثت عليه بريطانيا حملة عسكرية، واحتلت السليمانية، في 4 مارس 1923، تمكن من استردادها، وحررها من الإنجليز، في 11 يونيه 1923.
وعلى أثر خلوّ معاهدة لوزان في يوليه 1923، من فكرة إعطاء حق تقرير المصير للأكراد، الوارد في معاهدة سيفر - وأصدرت الحكومة العراقية بياناً، بضغط من البريطانيين، تعترف فيه بحق الأكراد، القاطنين ضمن حدود العراق، في تأسيس حكومة كردية، ضمن حدود العراق.
غير أن الأكراد، لم يهتموا بهذا البيان، وسرعان ما تبيَّن أن الحكومة البريطانية، لم تكن جادة في ضغوطها، إذ ضمت السليمانية إلى العراق، واستعيض ببيان لمجلس الوزراء العراقي، في 11 يوليه 1923، يبدي فيه نياته الحسنة تجاه الأكراد.
وجاء فيه:
أ. إن الحكومة العراقية، لا تنوي تعيين موظفين عراقيين، في الأقضية الكردية، عدا الموظفين الفنيين.
ب. إن الحكومة العراقية، لا تنوي إجبار سكان الأقضية على استعمال اللغة العربية، في مراسلاتهم الرسمية.
ج. إن حقوق السكان والطوائف، الدينية والمدنية، في الأقضية المذكورة، ستؤمن تأميناً صحيحاً.
ورافق هذا البيان حشود عسكرية عراقية، للقضاء على حكم الشيخ محمود.
وتمكن الجيش العراقي من احتلال السليمانية في 19 يوليه 1924.
بيد أن الشيخ البرزنجي، أجبر الجيش العراقي على التخلي عن المدينة، فبعثت عليه حملة عسكرية أخرى، استطاعت أن تقضي على نفوذه، وعلى أتباعه وتجبره على الانسحاب إلى الجبال.
وعيّنت الحكومة العراقية أحد الأكراد متصرفاً للواء السليمانية، تابعاً للحكومة المركزية.
فاستتب الأمن، إلى حين، في تلك المنطقة.
واتخذ الشيخ محمود من مقاطعته الشاسعة، في شرقي السليمانية، مقراً لحرب العصابات، في اللواء.
وفي أكتوبر 1926، عقد اتفاقاً مع الحكومة العراقية، يغادر، بموجبه، العراق، مع أُسرته، ويمتنع عن التدخل في الشؤون السياسية، مقابل رد أملاكه إليه، واتخذ إيران مقاماً.
وفي فبراير 1929، قدم ستة من النواب الأكراد في المجلس النيابي، عريضة، إلى رئيس الوزراء في العراق، طلبوا فيها:
أ. زيادة نفقات المعارف، في كردستان.
ب. تأليف وحدة إدارية كردية، تضم ألوية السليمانية وأربيل وكركوك ولواءً آخر جديداً، يجمع الأقضية الكردية في لواء الموصل، على أن يتولى أمر هذه الوحدة الإدارية مفتش كردي عام، يكون الصلة بين منطقة كردستان والحكومة المركزية.
ج. زيادة نفقات الخدمات العامة، في المنطقة الكردية.
وقد وافقت الحكومة العراقية، والمندوب السامي البريطاني، على المطلبَين الأول والثالث.
ورُفض المطلب الثاني. واتُّفق على سَن قانون اللغات المحلية، الذي جعل اللغة الكردية لغة رسمية، في الأقضية، التي يكون فيها الكرد أكثرية السكان.
وكان مقرّراً، أن تجري انتخابات، في صيف 1930.
ولكن أهل السليمانية رفضوا الاشتراك فيها، واندلعت مظاهرات حاشدة، في 6 سبتمبر 1930، فوقعت اصطدامات بين الأهالي والشرطة والجيش، فقتل 45 شخصاً، وجرح 200 شخص.
وهكذا، عادت الأحداث الدموية إلى المنطقة، من جديد تسلل الشيخ محمود من إيران، في خريف 1930، إلى حدود لواء السليمانية، وأعلن الثورة، وقدم طلباً إلى المندوب السامي البريطاني في بغداد، بأن تترك الحكومة العراقية جميع منطقة كردستان، ما بين خانقين وزاخو، وتتولى حكومة كردية، تكون تحت انتداب الإنجليز، ريثما تُصدر عصبة الأمم قرارها الأخير، في شأن استقلال العراق.
ووجّهت الحكومة العراقية حملة عسكرية، للقضاء على الثورة.
واستمرت في قتال مع قوات الشيخ محمود، حتى مارس 1931.
وانتهت بأن سلم الشيخ محمود نفسه للحكومة، في 13 مايو 1931.
وفرضت عليه الإقامة الجبرية في المناطق الجنوبية، وظل مقيماً بها، حتى نشوب الثورة، عام 1941، فتركت له حكومة رشيد عالي الكيلاني حرية الإقامة بالمكان الذي يريد، فاختار العودة إلى السليمانية.
وبذلك، انتهت ثورات الشيخ محمود، التي استمرت من عام 1918 حتى عام 1931، لتبدأ شخصية كردية أخرى الثورة، من جديد.
2. ثورة البارزاني الأولى
في منتصف القرن التاسع عشر، ظهرت أُسرة تنتمي إلى رجل دين، يدعى محمداً، من شيوخ الطريقة النقشبندية، واتخذت اسم البارزاني، نسبة إلى قرية بارزان[1].
وحل محل الشيخ محمد، بعد وفاته، ابنه عبدالرحيم، ووسع دائرة نفوذه.
وأنجب الشيخ عبدالرحيم خمسة أبناء، هم الشيخ عبدالسلام، والشيخ أحمد، والملا مصطفى، والشيخ صديق، ومحمد بابو.
وسيطرت هذه الأُسرة على منطقة بارزان وما حولها، من القبائل الكردية.
وصار الشيخ عبدالسلام مرجعاً لبارزان، بعد وفاة والده.
ورفض إرسال متطوعين من أتباعه إلى الجيش العثماني، في الحرب العالمية الأولى.
وامتنع عن دفع الضرائب إلى الدولة العثمانية، وتمرد عليها في مدينة عقرة، فوجَّهت إليه حملة عسكرية، أَسَرَته، وأعدم في الموصل، بعد محاكمته.
وتولى الأمور في بارزان، من بعده، شقيقه الشيخ أحمد، فبرز على المسرح السياسي، في زمن الاحتلال البريطاني.
وقدم إليه الإنجليز العون، المادي والمعنوي، لبسط سيطرته على المنطقة الشرقية من كردستان.
بدأ الشيخ أحمد بن عبدالرحيم البارزاني بالتمرد على الحكومة العراقية، حين حاولت، في أكتوبر 1931، نشر مخافر للشرطة في منطقة بارزان، منعاً لاعتداءات البارزانيين المتكررة على القرى الكردية.
ووقع تصادم دموي بين الشرطة والجيش، من جهة، وأعوان أحمد البارزاني، من جهة أخرى، في نوفمبر 1931، ثم توسعت الأعمال العسكرية، فيما بعد، حتى 22 يونيه 1932، حين قصفت الطائرات البريطانية القرى في منطقة بارزان فدمرت 1365 بيتاً واحتل الجيش العراقي زيتا في جوار الخاد كواندة وطوقت القوات الحكومية الشيخ أحمد البارزاني فاضطر إلى تسليم نفسه لقوات الحدود التركية.
ومع أن الحركة البارزانية الأولى، تعَد منتهية، منذ 5 يوليه 1932، إلا أن ذيولها استمرت نحو سنة كاملة، لم تنقطع الاضطرابات، خلالها، في المنطقة.
ذلك أن الحكومة التركية، اكتفت بإبعاد الشيخ أحمد البارزاني إلى أرضروم، أما أخواه، الملا مصطفى، والشيخ صديق، وأولو بك، وخليل خوشوي، التابعان لهما، فقد ظلوا قرب الحدود، يعبرونها إلى الأراضي العراقية، فيعبثون بالأمن.
وفي 13 مايو 1933، أصدرت الحكومة العراقية قانون العفو العام عن جميع البارزانيين. وفي 29 يونيه 1933، سلم الملا مصطفى، والشيخ صديق، وأولو بك، أنفسهم مع مائتين من أتباعهم، في شيروان مازن، ولحق بهم الشيخ أحمد البارزاني.
ولم تهدأ منطقة بارزان، إذ تواصلت أعمال العصيان، التي انبرى لها، خليل خوشوي، أحد أعوان البارزانيين، وهرب الملا مصطفى، وتزعم العصيان، من جديد.
فوجّهت الحكومة العراقية إليه حملة عسكرية، في فبراير 1936، وقتلت خليل خوشوي، والتجأ الملا مصطفى البارزاني إلى الجبال .
وبعد انقلاب الفريق بكر صدقي، عام 1936، قبل الملا البارزاني الإقامة الجبرية بلواء السليمانية، بعيداً عن منطقته.
3. ثورة البارزاني الثانية
وحينما نشبت الحرب العالمية الثانية، هرب الملا مصطفى من محل إقامته الجبرية بالسليمانية، وعاد إلى بارزان، في يوليه 1943، وعمد إلى الانتفاضة، وأخذ يهدد سلامة الأهالي، من جديد، ويقطع المواصلات، حتى استفحل أمره.
وأرادت الحكومة العراقية معالجة القضية، بالوسائل السياسية، فعيَّنت ماجد مصطفى، وهو كردي، في منصب وزير في الحكومة، وكلفته بالتفاوض مع البارزاني.
ونجح ماجد مصطفى في مهمته، وانتهت بتسليم الملا مصطفى نفسه للجيش العراقي، في 7 يناير عام 1944.
وجيء به إلى بغداد، وشُرط عليه أن يسلم أتباعه أسلحتهم، ومقابل ذلك، يُعاد أخوه أحمد البارزاني إلى منطقة بارزان، وتزوَّد المنطقة المواد الغذائية والملابس.
ولتحسين الإدارة المدنية، عيِّن سبعة ضباط ارتباط، من الأكراد العاملين، في الجيش العراقي، لإدارة منطقة بارزان، بصورة مؤقتة، بإشراف وزير الدولة، ماجد مصطفى وإدارته.
ولكن هذه الإدارة، أخذت تعمل لمصلحة الملا مصطفى البارزاني، وتسعى إلى تحويل الحركة، من حركة عصيان إقطاعي إلى حركة قومية كردية، ضد الحكومة العراقية. ولما أحيل الضباط الأكراد السبعة إلى التقاعد، التحقوا بخدمة الملا مصطفى البارزاني، مما أدى إلى استفحال أمره، وأصبح أقوى شخصية في المنطقة الكردية بأسْرها.
وزاد نفوذ البارزاني بين القبائل والعشائر الكردية، وقدم الضباط الأكراد، الذين التحقوا به، خدمات عسكرية عظيمة، في فنون القتال، وتأسيس مراكز عسكرية محصنة، تشرف على الطرق الرئيسية، المؤدية إلى منطقة بارزان.
وفقدت الحكومة العراقية، هيبتها، واستُهين بها.
وقدم إليه الإنجليز بعض العون، المادي والعسكري.
وكانت له اتصالات مستمرة مع الاتحاد السوفيتي (السابق).
وباشر الملا مصطفى البارزاني عصيانه، في أغسطس 1945، عندما أمرت الحكومة قواتها باحتلال منطقة التمرد، والقبض على العُصاة وإعادة الطمأنينة والأمن للمنطقة.
وكانت قوة البارزانيين حوالي 2500 مسلح، مزودين بالبنادق الحديثة، وكانوا يسيطرون على منطقة واسعة، تمتد من روست حتى العمادية، ومن سر عقرة حتى نهاية برادوست.
ويقودهم سبعة من ضباط الجيش السابقين، وكان على مقربة منهم الجيش الروسي، الذي قدم إليهم العون، المادي والمعنوي.
وخلال حشد الجيش، طلب الملا مصطفى من جمعية "الكومه له"، أي اللجنة أو العصبة، الكردية، في إيران، عوناً عسكرياً عاجلاً، فأمدته بأربعمائة مسلح، من طريق منطقة برادوست، المحاذية للحدود الإيرانية.
ووقع القتال بين قوات الحكومة والبارزانيين، في 25 أغسطس 1945، في بادليان، على مقربة من بله، وكان قتالاً شرساً وقاسياً على الطرفَين.
ولم تسفر المعركة عن نتائج حاسمة، حتى 4 سبتمبر 1945، حينما حقق الجيش العراقي بعض النجاح، باحتلال بعض المواقع البارزانية.
وبعد قتال عنيف، متقطع لعدة أسابيع، تمكن الجيش، والقوات غير النظامية، من هزيمة البارزانيين، ودخلوا قرية بارزان، في 5 أكتوبر 1945، وطاردوا فلول البارزانيين إلى (كاني رش)، في اتجاه الحدود الإيرانية، في 9 أكتوبر 1945.
ودخل الملا مصطفى البارزاني منطقة آذربيجان الإيرانية التي كانت تحت الاحتلال الروسي، أثناء الحرب العالمية الأولى، ووصل أخوه أحمد إلى إيران.
وبقي الملا، سنة ونصف السنة، في آذربيجان، تحت ظل الحكومة الكردية، التي أسسها الروس في صاوجبلاق الإيرانية، برئاسة جعفر بيشواري.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، عام 1945، اضطر الروس إلى الانسحاب من إيران، بعد أن ثبتوا أركان حكومة جمهورية مهاباد الكردية، التي ضمت حكومة بيشواري، ونصب القاضي محمد رئيساً لها.
ولكن هذه الجمهورية، انهارت أمام القوات الإيرانية، واشتبك البارزانيون مع القوات الإيرانية، التي تعقبتهم حتى الحدود العراقية، حيث وجدوا القوات العراقية أمامهم، فاستسلم لها القسم الأكبر منهم.
ودخلت قوافلهم، مع أُسَرهم، إلى العراق، في أبريل 1947، وبينهم أحمد البارزاني وأربعة من الضباط الأكراد.
وقد حوكم الضباط وأعدموا.
أما الملا مصطفى البارزاني، فقد رفض الاستسلام، وتسرب عبر الحدود العراقية، وبدأ يناوئ الحكومة.
وبناء على تجدد العصيان البارزاني، أُعلنت الأحكام العرفية في قضاءَي رواندوز وزيبار، وسائر المناطق المتاخمة للحدود العراقية - الإيرانية.
وتجمعت قوات البارزاني في شمال شيروان مازن، وفي 20 مايو 1947، باغتت القوات العسكرية العراقية قوات الملا مصطفى البارزاني، في هوبا، عند السفوح الشمالية لجبل بوتين.
وحينما تأكد من عدم قدرته على المقاومة، هرب إلى تركيا، ومنها دخل إلى إيران، ثانية، حيث يمَّم صوب الاتحاد السوفيتي، والتجأ إلى الروس.
وبذلك، هدأت الأحوال في منطقة كردستان العراقية، لأكثر من إحدى عشرة سنة.
وفي الاتحاد السوفيتي، منح الملا مصطفى حق اللجوء السياسي، وتدرب على الفنون العسكرية، إذ اشترك في بعض التدريبات العسكرية، وأعطي رتبة (جنرال) شرف.
وفي الاتحاد السوفييتي، كذلك، أسَّس الملا مصطفى البارزاني، الحزب الديموقراطي الكردستاني، الذي عرف، فيما بعد، باسم "البارتي"، وارتبط الحزب بالشيوعية والتيارات الماركسية.
وبوساطة العناصر الشيوعية في العراق، أسَّس له فروعاً في المنطقة الكردية العراقية.
ونشط الحزب في إصدار المنشورات, وأصدر مجلة حزبية.
واكتشفت السلطات العراقية أمره، فاعتقلت معظم أعضاء لجنته المركزية، فتفرق أعضاؤه.
وشهدت الفترة من عام 1947 إلى عام 1958، ركوداً في الحركة الكردية. **************************** [1] تقع قرية بارزان على سفوح جبال شيرين الجنوبية الواقعة في جنوب سلسلة جبال شيروان الفاصلة بين حدود تركيا مع العراق.
وهي تابعة لقضاء الزيبار وتقع على بعد 25 كم شمال شرقي مدينة عقرة.
وتقع في منطقة جبلية وعرة تحيط بها الجبال وترتفع أكثر من ألفي متر فوق مستوى سطح البحر، هذا الموقع جعلها منيعة على من أرادها وأكسبت أهلها البأس والشدة، وصارت موئلاً للعصيان وملجأ للهاربين من العدالة.
يتبع إن شاء الله...
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: ثالثاً: المسألة الكردية في العهد الجمهوري العراقي السبت 07 يوليو 2012, 12:28 am | |
| ثالثاً: المسألة الكردية في العهد الجمهوري العراقي
1. انقلاب 14 يوليه 1958، وانعكاساته على المسألة الكردية
في 14 يوليه 1958، قاد اللواء عبدالكريم قاسم انقلاباً، أطاح بالنظام الملكي في العراق. وكان الانقلاب ذا توجهات اشتراكية.
رأى الزعماء الجدد، أن القضية الكردية جزء من الحركة الوطنية في العراق، إذ شاركت العناصر الكردية المثقفة في التخطيط للانقلاب. لذلك، فإنه لدى تعيين مجلـس السيادة الثلاثي، على أثر الانقلاب، كان أحد أركانه العقيد خالد النقشبندي، ممثلاً الأكراد. كما مثل الأكراد وزير واحد من أصل عشرة وزراء، ضمتهم الوزارة الأولى للانقلاب. إضافة إلى تعيين ضابط كردي عضواً في المحكمة العسكرية العليا الخاصة.
ونص الدستور المؤقت، في المادة الثالثة، "أن العرب والأكراد شركاء في هذا الوطن، ويقر هذا الدستور حقوقهم القومية، ضمن الوحـدة العراقية". وهي سابقة، تعَد الأولى في تاريخ الأكراد، الذين احتلوا مناصب عليا في الدولة.
وعاد الملا مصطفى البارزاني إلى العراق، حيث استقبلته الحكومة العراقية وأعضاء الحزب الشيوعي العراقي، استقبال الفاتحين، في 5 أكتوبر 1958، فأعطي مسكناً في أحد القصور الملكية، التي كان يسكنها نوري السعيد، والأمير عبدالإله، الذي كان وصياً على العرش الهاشمي في العراق. وخصصت لهم رواتب شهرية عالية، وميزات أخرى.
وأمر عبد الكريم قاسم مجلس الإعمار، بأن يبني مدينة سكنية كاملة للأكراد العائدين من الاتحاد السوفيتي في ناحية بارزان، ويصرف لهم الرواتب والمعاشات الشهرية.
ومكّن عبد الكريم قاسم الملا مصطفى البارزاني، من استعادة نفوذه وسيطرته على منطقته، بعد ثلاثة عشرعاماً.
وكان قاسم يهدف من ذلك إلى السيطرة على المنطقة الشمالية من العراق، والحؤول دون ثوراتها ضده، خاصة بعد ثورة الموصل التي قادها القوميون العرب، عام 1959.
فقد أدى إبعاد عبدالكريم قاسم القوميين، واعتماده على الشيوعيين والأكراد، إلى محاولة الضباط القوميين العرب إطاحته، والقضاء عليه، ومنها حركة الموصل في 8 مارس 1959 التي قادها عبد الوهاب الشواف، أحد الضباط المشاركين في انقلاب 14 يوليه، والتي استعان عليها عبدالكريم قاسم بالشيوعيين في الموصل، والأكراد من أنصار البارزاني، فقضوا عليها، وقتل الشواف على يد أحد الأكراد.
ويُجمع المؤرخون على أن سرعة تحرك الأكراد، الناجمة عن التنسيق، والاتصال السريع، بين عبدالكريم قاسم والملا البارزاني، هو السبب في إخماد هذه المحاولة.
وبعد فشل هذه الحادثة مباشرة، سمح اللواء عبدالكريم قاسم لأتباع الملا مصطفى البارزاني، بالعودة من الاتحاد السوفيتي إلى العراق، وعبَرت، في 7 أبريل 1959، قناة السويس، الباخرة الروسية (غروزيا)، وعلى ظهرها 755 جندياً كردياً (وقيل 855)، تتراوح أعمارهم ما بين الثالثة والعشرين والثالثة والثلاثين، مسلحين تسليحاً كاملاً، في طريقهم إلى العراق، وكان يواكب تلك الباخرة ثلاث أُخَر، هي: متشنكوف، ونيكولاي بيجوروف، وجاقان، وهي محملة بالأسلحة والذخائر. وأعلن، وقتها، أنهم أكراد العراق، ويعودون إليه، بعد تحرره.
وفي 14 يوليه 1959، اشترك الأكراد مع المنظمات الشيوعية، في الحوادث التي وقعت في كركوك، في أثناء احتفالات الانقلاب بعيده الأول. وتُعَد هذه الحوادث انعكاساً للفوضى السياسية، التي كانت يعيشها العراق في هذه المرحلة، ولنية الحكومة التخلص من العناصر، القومية والدينية، إذ وافق يوم 14 يوليه 1959، العاشر من محرم "يوم عاشوراء" ذا الأهمية الدينية الخاصة في العراق.
وخلال الاحتفالات بعيد الانقلاب، جرت اصطدامات دموية، في وسط العراق وجنوبيه، وفي كركوك، حيث اتخذت أبعاداً أوسع، وذهب ضحيتها 79 قتيلاً، معظمهم من التركمان. وقد أثارت هذه الأحداث الزعيم عبدالكريم قاسم، فألقى كلمة في كنيسة مار يوسف، في 19 يوليه 1959، هاجم فيها أعمال العنف، التي ارتكبت في كركوك ومدن أخرى.
ثم عقد مؤتمراً صحفياً، في 29 يوليه 1959، تحدث فيه عن الجرائم، التي ارتكبت في كركوك، وأشار، من طرف خفيّ، إلى أن الشيوعيين، هم الذين ارتكبوها.
وبعد هذه الأحداث توطدت علاقات الملا مصطفى البارزاني بالزعيم عبدالكريم قاسم، مما شجع الزعيم الكردي على تقديم طلب رسمي، لإشهار الحزب الديموقراطي الكردستاني، "بارتي ديمقراطي كوردستان"، في 9 يناير 1960. وقد أقرت وزارة الداخلية الطلب، وأُعلن الحزب في 9 فبراير 1960. وكان برنامجه، في مجمله، يسير على الخطوط الماركسية اللينية، ونص:
في مادته الثانية: أن الحزب ديموقراطي ثوري، يمثل مصالح الفلاحين والكسبة والحِرفيين والمثقفين، في كردستان العراق.
ونصت المادة الثالثة: أن الحزب، ينتفع، في نضاله السياسي، وفي تحليلاته الاجتماعية، من النظرية العلمية الماركسية اللينية.
وفي المادة الرابعة: أن الحزب يناضل من أجل صيانة الجمهورية العراقية، وتوسيع اتجاهها الديموقراطي وتعميقه.
كما نص البرنامج على توطيد علاقات الأخوّة والصداقة مع الحزب الشيوعي العراقي، والحزب الوطني الديموقراطي، والمنظمات الديموقراطية في العراق. ويناضل الحزب من أجل حصول الشعب الكردي على حق التمثيل والتوظيف، في جميع مرافق الدولة، بما يتلاءم مع تعداد الأكراد في العراق.
ونصت المادة 23: على أن الحزب يساند نضال الشعب الكردي، في مختلف أجزاء كردستان، للتحرر من نير الاستعمار والرجعية.
وقد رفضت وزارة الداخلية العراقية هذه المادة، ورفعتها من برنامج الحزب.
وقد عمل الحزب، بنجاح، على بث الدعوة القومية بين الأكراد، في غضون العلاقات الحسنة بين الملا البارزاني وعبدالكريم قاسم. إلا أن شهر العسل، لم يدم طويلاً.
2. ثورة الأكراد 1961
بدءاً من مارس 1960، بدأ الجفاء يباعد بين عبدالكريم قاسم والملا مصطفى البارزاني، بسبب ضغوط الزعيم الكردي لتطبيق المادة الثالثة من الدستور بحذافيرها، وتحقيق الإصلاحات الاجتماعية، في كردستان العراق. وبدأت جريدة الحزب "خه بات"، الناطقة بلسان الحزب الديموقراطي الكردستاني، تهاجم الحكم العراقي، وتطالب بإلغاء الأحكام العرفية، والأوضاع الاستثنائية، وبالإفراج عن المعتقلين …
عندئذٍ، رأى عبد الكريم قاسم، أن الحزب الكردي، يشكل عقبة في طريق حكمه الفردي، فبدأ يطارد قادته، ويعتقل أعضاءه. وأغلق صحيفته "خه بات"، في مارس 1961، بتهمة نشرها مقالاً، ناقشت فيه المادتين الثانية والثالثة، من الدستور المؤقت. وقد أدت هذه الإجراءات إلى انحسار نشاط الحزب، في الشمال فقط، مع تصاعد مقاومته، إذ أعلن البارزاني منطقة كردستان، دولة كردية مستقلة.
وفي يوليه 1961، بلغ التوتر ذروته، بين الأكراد وعبدالكريم قاسم ، فتوجه الجيش العراقي لضرب التجمع الكردي المسلح، في المنطقة الشمالية، الذي يقاوم سياسة الحكومة.
وحاول البارزاني تخفيف حدّة التوتر، والحيلولة دون وصولها إلى تصادم مسلح، إذ قدم الحزب الكردستاني مذكرة إلى عبدالكريم قاسم، في 20 يوليه 1961، عرض فيها الإهمال الذي تعانيه المنطقة الكردية.
وقدم مطالب الحزب، والأكراد، من الحكومة، في 13 نقطة، تتلخص في الآتي:
أ. سحب قوات الجيش العراقي، التي أرسلت إلى كردستان، وعدم إجراء أي تحركات عسكرية، غير عادية، في غير الأماكن المعتادة لها، في السنين السابقة.
ب. سحب الموظفين العموميين، الذين لهم دور بارز في الحوادث الأخيرة، ومحاكمتهم.
ج. إعادة الموظفين المبعَدين من كردستان إلى أماكنهم السابقة، وتعيين قيادات من الأكراد المخلصين، في الوظائف الرئيسية .
د. تطبيق المادة الثالثة من الدستور تطبيقاً كاملاً.
هـ. تطهير جهاز الحكومة من العناصر المعادية لروح انقلاب 14 يوليه التحررية.
و. إطلاق الحريات الديموقراطية للشعب، وسرعة تحويل البلاد إلى النظام الديموقراطي .
ز. تنفيذ مقررات مؤتمر المعلمين الأكراد، لسنة 1960، لتطوير الثقافة الكردية.
ح. جعل اللغة الكردية لغة رسمية في جميع الدوائر الرسمية، في كردستان.
ط. إزالة آثار التفرقة العنصرية، المتبعة في حق الأكراد، ومعاقبة الداعين إليها بين أبناء شعب العراق الواحـد.
ي. إطلاق زراعة التبغ، في الأماكن الصالحة لزراعته.
ك. تعديل قانون ضريبة الأرض، بما يرفع العبء عن كاهل الفلاحين.
ل. إنشاء مشروعات في كردستان، بما يقضي على البطالة المتفشية.
م. القضاء على الغلاء الفاحش، والضرب على أيدي المتَّجِرين بأقوات الشعب.
ويلاحظ أن المطالب الواردة في المذكرة، هي المطالب نفسها، الواردة في مذكرات سابقة، تقدم بها الأكراد، خلال مراحل كفاحهم المستمرة. وبتحليل المذكرة فإن 40% منها مطالب إصلاح سياسي. 20% مطالب قومية، فيما يتعلق باللغة ووضع الأكراد في العراق. ثم 40% مطالب إصلاح، اقتصادي واجتماعي، يتعلق بالأكراد أنفسهم.
ولم يستجب عبدالكريم قاسم لما جاء في المذكرة، ودأب على تعزيز الحشود العسكرية، في المناطق الشمالية، بهدف القضاء على الحركة الكردية.
وفي مواجَهة ذلك، اشتعلت الثورة الكردية في كل أرجاء كردستان العراق. وانضم إليها العديد من كبار الإقطاعيين والآغوات، الذين كانوا قد فروا إلى إيران، بعد انقلاب يوليه 1958.
واحتلت عناصر كردية من "البشمركة"، أي الفدائيين سد دربندخان. وحرض قادة الأكراد القبائل الموالية لهم، ضد القبائل الموالية للحكومة.
وأعلن الحزب الديموقراطي الكردستاني الإضراب العام، في المنطقة الشمالية، في 6 سبتمبر 1961، فتعطلت الأسواق والمصانع. وبذلك عاشت كردستان العراق في فوضى سياسية، وعسكرية، أجبرت الحكومة على التدخل بالقوات المسلحة، التي بدأت توجيه ضرباتها إلى قطاعات عديدة من مناطق الأكـراد، بدءاً من 9 سبتمبر 1961 حين اشتعل القتال، واستمر حوالي 17 شهراً، متصلاً حيناً، ومتقطعاً أحياناً، حتى سقوط حكم عبدالكريم قاسم، في 8 فبراير 1963.
3. أسباب ثورة 1961
هناك رأيان متعارضان في أسباب الثورة:
أ. الرأي الرسمي للحكومة
ويتلخص في أن الحزب الديموقراطي الكردستاني، لم يكن هو المحرض على هذه الثورة، أو المخطط لها. وإنما استُغل، بصفته تنظيماً جاهزاً للنهوض بمثل هذه الأعمال، من ثلاث جهات. وهي:
(1) طبقة كبار الإقطاعيين والآغوات، الذين شملهم قانون الإصلاح الزراعي، وفروا إلى إيران، عقب انقلاب يوليه، فوجدت فيهم طهران أداة مهمة للتأثير في النظام العراقي الجديد.
(2) الدوائر الاستعمارية، المتمثلة في حلف شمال الأطلسي، والإدارتَين، الإنجليزية والأمريكية، وشركة نفط العراق. وجميعها تأثرت بالانقلاب العراقي. "وقد يكون الهدف، وهو شغل الإدارة العراقية عن مسألة الكويت".
(3) بعض القبائل والعشائر الكردية، التي تأثرت، سلباً، بالانقلاب.
وقد هيأت هذه الأسباب فرصة للحزب الكردستاني، لاستغلال حالة التذمر المتصاعدة. فأقحم نفسه في هذه الحركة، محاولاً السيطرة عليها، وتسخيرها لأهدافه، في مواجَهة عبدالكريم قاسم بعد أن اعتقل بعض أعضائه، وأغلق جريدته. في الوقت عينه، فإن الحزب الكردستاني، لم يكن على استعداد لأن يجد نفسه معزولاً عن أي حركة ثورية في العراق.
ويلخص أحد قادة الأكراد أسباب هذه الحركة ودوافعها، في خطاب أمام جمعية الطلبة الأكراد، في مدينة هانوفر، في ألمانيا، عام 1964 - في الآتي:
· إرباك الوضع الداخلي في البلاد، وإضعاف حكومة عبدالكريم قاسم، في المفاوضات النفطية الجارية وقتئذٍ، والضغط عليها، بغية الاستسلام، والتراجع عن المطالب العراقية المشروعة، في هذه المفاوضات .
· إعاقة تطبيق قانون الإصلاح الزراعي، في شمالي العراق، لأنه أدى إلى تضرر الآغوات الإقطاعيين. كما أنه قد يؤدي إلى ضغط الفلاحين الإيرانيين على حكومتهم، من أجل قانون إصلاح زراعي مماثل.
والوقائع التاريخية، المؤيدة لوجهة النظر هذه، هي:
(1) اتهام عبدالكريم قاسم، في مؤتمر صحفي، عقده في مبنى وزارة الدفاع، بتاريخ 23 أغسطس 1961، الشركات النفطية الاحتكارية، بتحريض الإقطاعيين الأكراد على التمرد، ليمارسوا ضغطا على العراق، في مجالين:
(أ) مفاوضات النفط الجارية، آنذاك، بين الحكومة العراقية والشركات الأجنبية، حول مطالب العراق المشروعة في ثرواته النفطية.
(ب) مطالبة العراق بالكويت، والإنزال البريطاني فيها.
(2) اتهام عبدالكريم قاسم، في المؤتمر الصحفي عينه، كلاً من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية بأنهما وراء حركة التمرد في الشمال، وقوله: "لقد صرفت السفارة البريطانية ما يقرب من نصف مليون دينار، على هذه الأعمال العدوانية الخبيثة".
(3) اعتراف السفير البريطاني في بغداد، همفري تريفيليان، بأنه جال في شمالي العراق، واجتمع، خلال جولته، بشيوخ الأكراد. إلا أنه لم يذكر دعمه لهؤلاء الشيوخ" .
ب. الرأي الثاني
وهو يمثل وجهة نظر الأكراد أنفسهم، التي تعكسها المطالب الثلاثة عشر، التي تضمنتها في مذكرتهم المقدمة إلى عبدالكريم قاسم، في 20 يوليه 1961، والتي حرصوا فيها أن تكون مطالبهم في صميم القضية الكردية.
وهكذا، يلاحظ أن الفجوة بين وجهتَي النظر متباينة تبايناً تاماً، فالحكومة ترى ثورة الأكراد، عام 1961، هي نتيجة تحريض خارجي، للضغط على العراق في ثلاث مسائل رئيسية، وهي: النفط، والكويت، والإصلاح الزراعي. فضلاً عن معاقبة حكومة الانقلاب على إلغائها انضمام العراق إلى حلف بغداد، واتجاهه إلى الماركسية. أما الأكراد، فيرون ثورتهم رد فعل طبيعياً، في سبيل المطالبة بتحقيق آمالهم، وإصلاح أحوالهم، في كردستان العراق.
4. شكل الصراع بين الجبهتين
اتخذ القتال بين القوات الحكومية والأكراد نمط الاشتباكات السابقة عينه، والمتمثل في قتال بالنيران، وهجمات محدودة، وكمائن وإغارات متفرقة، وحرق المزروعات. واستطاعت العناصر الكردية، المسلحة بأسلحة غربية، والتي تؤازرها إيران وبعض الدول الغربية، من السيطرة على معظم المناطق الكردية، من زاخو، في أقصى الشمال، إلى مدينة السليمانية، عاصمة الأكراد. وكان من أسباب ضعف الحكومة في السيطرة على الموقف، هو انشغالها بالصراع في عدة جبهات، في وقت واحد، ولاسيما جبهة الكويت، التي أعلن عبدالكريم قاسم، أنها جزء من العراق.
وبدءاً من عام 1962 تداول الطرفان مَواقع القتال. فخلال الربيع والصيف، تشن قوات الحكومة النظامية هجماتها الرئيسية، ضد معاقل الأكراد، وتنجح في الاستيلاء على الأراضي، متوسطة الارتفاع، "جنوب المناطق الجبلية الوعرة، في شمالي العراق". بينما ينسحب المقاتلون الأكراد، "بقتال أو من دون قتال"، إلى تلك المناطق الجبلية الوعرة، التي اعتادوا العيش فيها. وفي بداية الخريف، وبدء تساقط الثلوج، يشن "البشمركة" الأكراد هجماتهم الساحقة، ضد القوات الحكومية، ويجبرونها على الانسحاب، جنوباً. واللافت أن استخدام القوات الحكومية الطائرات والمدفعية، في أعمالها القتالية. لم يكن ذا تأثير يتناسب مع حجم استخدامها - نظراً إلى الطبيعة الجبلية الممتلئة بالغيران والكهوف والوديان، التي يلجأ إليها الأكراد. وتجعل تأثير النيران ضعيفاً، في الوقت عينه. وقد تكبد سلاح الطيران العراقي خسائر كبيرة، في قتاله ضد الأكراد، نظراً إلى اصطدام الكثير من الطائرات بالقمم الجبلية.
5. نتائج ثورة عام 1961
أهم هذه النتائج هي إضعاف موقف عبدالكريم قاسم في الداخل والخارج، وتشتيت جهوده ما بين الشمال والجنوب. فأخفق في ضم الكويت، وفشل في إخماد ثورة الأكراد، وعجز عن إثبات ذاته في نطاق القومية العربية، ولم ينجح في تدعيم تحالفه مع الاتحاد السوفيتي.
والنتيجة الثانية هي فقدانه السيطرة على الوضع الداخلي، مما أدى إلى نجاح تحالف القوميين العرب، في تنظيم انقلابهم، في 8 فبراير 1963.
والنتيجة الثالثة هي تنامي قوة الأكراد في الشمال، وإثبات قدرتهم على التأثير في الوضع الداخلي. بل تعدى الأمر ذلك، إذ إن نجاح ثورة 1961، أدى إلى لفت نظر بعض الجهات الأجنبية، إلى اتخاذ الأكراد وسيلة للتأثير في الحكم العراقي، لمصلحتها.
رابعاً: المسألة الكردية، في ظِل حُكم الأخَوين عارف
1. انقلاب 8 فبراير 1963
في 8 فبراير1963، نجح انقلاب الجبهة القومية في العراق، المكونة من التحالف القومي، والبعثيين القوميين، برئاسة المشير عبدالسلام عارف الذي استولى على الحكم، وقبض على أقطاب الحكم السابقين، وشكل لهم محكمة عسكرية، دانتهم، وأعدم عبدالكريم قاسم. وتولّى عبدالسلام عارف رئاسة الجمهورية، ممثلاً تيار التحالف القومي. وتولّى أحمد حسن البكر رئاسة الوزارة، ممثلاً تيار البعثيين القوميين.
ولم يكن تحالفهما تحالفاً إستراتيجياً،وإنما كان تحالفاً تكتيكياً، الهدف منه هو القفز إلى السلطة. لذلك، بدأ كلٌّ من التيارين، يعمل على تحقيق مصالحه، منذ اللحظة الأولى لنجاح الانقلاب.
فمن الجانب البعثي، انطلق ما يسمى "الحرس القومي"، وهو ميليشيا عسكرية بعثية، دموية، تمارس عملها في الشارع العراقي، ونفّذت إعدامات، بالجملة، شملت الشيوعيين وأنصار عبدالكريم قاسم، وكل من يشتبه في عدم ترحيبه بالنظام الجديد، فضلاً عن مصادرة ممتلكاتهم. في الوقت عينه، كانت الجبهة القومية ترصد تلك الإجراءات، وهي غير راضية عما يحدث. ووجهت ضربتها، في 18 نوفمبر 1963، للقبض على البعثيين والمتعاطفين معهم. ووضع أحمد حسن البكر في معتقل عسكري، وانفرد عبدالسلام عارف بالسلطة، بعد تسعة أشهر من الانقلاب. وشُكلت حكومة جديدة، في 20 نوفمـبر 1963، ضمت ضباطاً من البعثيين المعتدلين، والناصريين والمستقلين.
وقد شهد عام 1963 بداية جديدة لتطور المسألة الكردية، إذ ظهرت معسكرات تدريب "البشمركة" الأكراد، سواء في إيران أو في كردستان العراق. وتدفق الخبراء (معظمهم إيرانيون)، لتولّي مسؤولية التدريب، وتدفقت أسلحة جديدة، لم يكن يعرفها الأكراد من قبْل، مثل المدافع المضادّة للطائرات. في الوقت عينه، بدأت أحداث الصراع الكردي ـ الحكومي، في العراق، تتصدر الإعلام الغربي.
وقد سارت الأمور في العراق في اتجاه قومي بشكل عام، وكان هناك أحداث مهمة، أثرت في مجريات الأمور، وخصوصاً ما يتعلق بالقضية الكردية، وهي:
أ. الاتجاه القومي العراقي إلى الوحدة بين مصر وسورية والعراق، بمبادرة من العراق نفسه، إذ اجتمعت وفود الدول الثلاث، في أبريل 1963، وأقرت مشروع الدولة الاتحادية، ووقعه رؤساؤها.
ب. إصدار الحكومة دستوراً مؤقتاً، جديداً، في 29 أبريل 1964، جاء فيه أن الشعب العراقي جزء من الأمة العربية، هدفه الوحدة العربية الشاملة.
ج. تنحية البعثيين عن مراكز الحكم، في أكتوبر 1964، نظراً إلى عودتهم إلى الأنشطة المشتبه فيها.
د. موت الرئيس عبدالسلام عارف، عام 1966، في حادث طائرة عمودية، وتولى مسؤولية الحكم شقيقه عبدالرحمن عارف. واستمرت الحكومة العراقية على النهج السابق عينه.
هـ. انتهاء الحكم "العارفي" بانقلاب 17 يوليه 1968، وتولّى حزب "البعث" السلطة.
2. معالجة الحكومة العراقية المسألة الكردية
نص البيان الأول للانقلاب على "تحقيق وحدة الشعب الوطنية، بما يتطلب تعزيز الأخوّة العربية ـ الكردية، بما يضمن مصالحها القومية، ويقوّي نضالها المشترك ضد الاستعمار، واحترام حقوق الأقليات، وتمكينها من المساهمة في الحياة الوطنية".
واستجاب الحزب الديموقراطي الكردستاني لهذه المبادرة، وأرسل برقية تأييد إلى مجلس قيادة الانقلاب الجديد، جاء فيها أنهم ينتظرون "من الحكام الجدد خطوات عملية، لحل القضية الكردية، على أساس الحكم الذاتي، الذي يرسي قواعد أزلية للأخوّة العربية ـ الكردية".
وفي اليوم التالي، أمر الملا مصطفى البارزاني بإيقاف النيران على جميع الجبهات، في كردستان. كما وصل جلال الطالباني إلى بغداد، في 19 فبراير 1963، ممثلاً شخصياً للزعيم الكردي لإجراء مفاوضات الصلح، التي كانت تهدف إلى أن تعلن حكومة بغداد اعترافها الصريح بحق الأكراد في الحكم الذاتي، وأن يتم ذلك في مدة، أقصاها الأول من مارس 1963.
وقد استجابت الحكومة، مبدئياً، لهذا المطلب، وصدر بيان عن مجلس قيادة الانقلاب، في الموعد المحدد، ينص على "أن الثورة عازمة عزماً أكيداً على تصفية آثار الحكم القاسمي البغيض وإزالتها، بالعمل على تطبيق مشاركة جميع المواطنين في الوطن الواحد، وضمان حقوق إخواننا الأكراد".
وفي 4 مارس، بدأت المفاوضات بين حكومة العراق ووفد الأكراد، برئاسة جلال الطالباني الذي عرض مطالبه التي تتلخص في الآتي:
أ. الاعتراف بحق الأكراد في الحكم الذاتي.
ب. تشكيل مجلس تشريعي ومجلس تنفيذي كرديَّين.
ج. تعيين شخصية كردية نائباً لرئيس جمهورية العراق، على أن ينتخبه الأكراد، ويكون مقره في بغداد.
د. تشكيل وحدة أمن كردية، مقرها في كردستان.
هـ. تخصيص حصة عادلة من الموارد المالية، لإنفاقها على مشروعات عمرانية، في كردستان .
و. جعْل اللغة الكردية لغة رسمية، إلى جانب اللغة العربية، في إقليم كردستان.
واللافت أن هذه المطالب، تفوق كثيراً المطالب السابق تقديمها إلى حكومة عبدالكريم قاسم، إذ إن الأكـراد يطالبون بحكم ذاتي متكامل، عدا الدفاع والخارجية.
كما يريدون أن يشتركوا في إدارة السياسة العامة للدولة، من طريق نائب الرئيس.
ويعود ذلك إلى سببين:
الأول: هو نجاح الأكراد في إثبات وجودهم، والسيطرة على معظم إقليم كردستان، نتيجة السياسة الخاطئة لعبد الكريم قاسم تجاههم.
الثاني: الدعم، المادي والمعنوي، الذي تلقاه الأكراد من مصادر خارجية، أهمها إيران.
مع الرغبة في إيجاد تفاهم مع الأكراد، أرسلت الحكومة، في 7 مارس 1963، وفداً شعبياً، لمقابلة الملا مصطفى البارزاني، وتهيئة الجو لمفاوضات مثمرة، واستبدال عبارة "الإدارة الذاتية" بعبارة "الحكـم الذاتي"، على أن تتخذ الحكومة عدة إجراءات في هذا المجال. ونجح الوفد في مهمته وأصـدر مجلس قيادة الانقلاب، في 9 مارس 1963، بياناً، يقضي بإقرار الحقوق القومية للأكراد، على أساس "اللامركزية".
وأعدت الحكومة المشروع القاضي بتقسيم العراق إلى ست محافظات، تكون إحداها في شمالي العراق، وهي السليمانية، وتتكون من ألوية أربيل والسليمانية ودهوك.
مما يعـني خروج مصادر النفط، في كركوك، من المنطقة الكردية. إلا أن الملا البارزاني رفض المشروع.
وقدم ثلاثة مطالب جديدة إلى الحكومة. وهي:
أ. إقامة جيش كردي محلي، يشمل وحدات الشرطة.
ب. يخصص 75% من عائدات النفط للحكم الذاتي الكردي.
ج. تضم منطقة كردستان لواءَي الموصل وكركوك.
إزاء ذلك، توقفت المفاوضات، لاستحالة تنفيذ المطالب الكردية، وإصرار الحكومة على ألا يتعدى مفهوم "اللامركزية" الشؤون الإدارية. وتأجلت المفاوضات مع الأكراد، مؤقتاً، ريثما تتضح نتائج مفاوضات الوحدة الثلاثية، بين مصر وسورية والعراق.
ولكي تثبت الحكومة العراقية للأكراد حسن نيتها، سمحت بسفر وفد، برئاسة جلال الطالباني، إلى القاهرة ليقدم مذكرة إلى الوفود، المشتركة في مباحثات الوحدة، التي بدأت في 8 أبريل 1963.
واجتمع الوفد مع الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، أولاً، نظراً إلى ما يبديه من تعاطف مع القضية الكردية، "لكنه لم يَعِد بشيء محدد".
ثم قدم الأكراد إلى الوفود المجتمعة مذكرة، جاء فيها:
أ. إذا بقي العراق من دون تغيير في كيانه، يقتصر مطلب الشعب الكردي، في العراق على البيان الصادر عن الجمهورية العراقية، في شأن الحقوق القومية للشعب الكردي، على أساس اللامركزية.
ب. إذا انضم العراق إلى اتحاد فيدرالي، يجب منح الشعب الكردي، في العراق، حكماً ذاتياً، بمفهومه المعـروف، بعيداً عن أي تأويل.
ج. إذا اندمج العراق في وحدة كاملة مع دولة عربية أخرى، يكوّن الشعب الكردي، في العراق، إقليماً، مرتبطـاً بالدولة الموحَّدة، على نحو يحقق الغاية من صيانة وجوده، وينفي، في الوقت نفسه، الانفصال، ويضمن تطوير العلاقات الوثيقة، بين الشَعبين الشقيقَين نحو مستقبل أفضل.
وفي القاهرة وُقِّع ميثاق الدولة الاتحادية، في 17 أبريل 1963.
وبعد أسبوع واحد، تقدم الوفد الكردي المفاوض إلى الحكومة العراقية، في 24 أبريل 1963، بمشروع معدل لمقترحاته السابقة، أقلّ تشدداً من سابقَيه، ويتضمن الآتي:
أ. أن يتضمن الدستور العراقي نصوصاً لجهاز تشريعي أعلى، للجمهورية ولرئيس الجمهورية والحكومة.
ب. تنظيم الجهاز المختص بممارسة الشعب الكردي لحقوقه القومية، في الأمور، التشريعية والتنفيذية والقضائية، في منطقة كردستان.
ج. استقلال منطقة كردستان بماليتها الخاصة، المكونة من الموارد المحلية، فضلاً عن حصتها من الموارد العامة.
د. كون نائب رئيس الجمهورية كردياً، ينتخبه الأكراد.
هـ. تمثيل شعب كردستان، في المجلس الوطني العراقي، بعدد من النواب، يتلاءم مع نسبة عدده إلى سكان العراق.
و. تطبيق "شرط" النسبة العددية، فيما يتعلق بعدد الوزراء والموظفين، والجامعات والكليات العسكرية، والشرطة.
وأبدت الحكومة العراقية استعدادها لقبول بعض المطالب فيما يتعلق باللغة الكردية، وفتح مدارس جديدة، وجامعة كردية، والإصلاح الإداري. ولكنها لم تقبَل المطالب، العسكرية والمالية، على أساس أن وجود تشكيلات عسكرية كردية، وحصول الأكراد على الاستقلال المالي، قد يغريانهم بالتفكير في الانفصال.
وحيال فشل المفاوضات، تصاعد الصراع العسكري، مرة أخرى، بدءاً من يونيه 1963. ولكنه أخذ هذه المرة، منحى جديداً، فقد نجحت الحكومة العراقية في تجنيد القبائل والمشايخ، المناوئين للبارزاني، وهي قبائل الزيباريين، وشكلت منهم قوات غير نظامية. في الوقت عينه، شكلت قوة "فرسان صلاح الدين" وقوة "فرسان خالد بن الوليد"، من بعض رجال القبائل العربية، في لواء الموصل، وسلحتهم تسليحاً جيداً، لعرقلة أهداف البارزاني، وتشتيت قواه، داخل منطقة كردستان نفسها. كذلك، أرسلت سورية قوات عسكرية، لمساندة الحكومة العراقية.
أما الأكراد، فتدفقت إليهم المعونات، العسكرية والمادية، من إيران، فاستعدت "البشمركة" لمقاومة قوات الحكومة.
ومع استمرار القتال، والنذر بتوسعة مجالاته. تدخل الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وأوقف القتال، في فبراير 1964، قبل حلول الربيع، الذي يعطي الفرصة للقوات الحكومية لاستخدام المعدات، ومطاردة القوات المناوئة.
وتبادل الطرفان الأسرى، ورُفع الحصار، ووعدت الحكومة العراقية بحل المنظمات، شبه العسكرية، الكردية، التابعة لها.
وعادت الإدارة العراقية إلى مناطق الأكراد، ووضعت خطة لإعمارها، وساد فيها السلام، حوالي 20 شهراً متصلة.
وبصدور الدستور المؤقت، في أكتوبر 1964، رأى الأكراد، أن ما ورد فيه، يُعَد انتقاصاً للحقوق، التي اكتسبوها من الدستور المؤقت لإنقلاب 14 يوليه 1958.
وقدم البارزاني مذكرة إلى الرئيس عبدالسلام عارف، في 11 أكتوبر 1964، تتضمن مطالب هي:
أ. حق الشعب الكردي في الحكم الذاتي، ضمن جمهورية عراقية دستورية وديموقراطية.
ب. حل قوات الفرسان، "صلاح الدين وخالد بن الوليد"، وتجريدهم من السلاح وتسريحهم.
ج. في حالة قيام وحدة أو اتحاد، بين العراق وأي قطْر عربي آخر، تصبح كردستان إقليماً، يتمتع بالحقوق عينها، التي تتمتع بها أقاليم الوحدة أو الاتحاد. ويلتزم بواجباتها نفسها.
ورأت الحكومة العراقية، أن هذه المطالب، هي تكرار لموقف كردي متشدِّد. وردَّت عليها بطلب حل قوات الأنصار الكردية "البشمركة". واستمرت المباحثات تواجه ظروفاً صعبة، حتى أصدرت الحكومة العراقية تعديلاً للدستور المؤقت في 9 سبتمبر 1965م، وأصبحت المادة 19، تنص على أن "يقر هذا الدستور الحقوق القومية للأكراد، ضمن الشعب العراقي، في وحدة وطنية متآخية".
ومع نهاية عام 1965، وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود. وفي أوائل عام 1966، اشتعل القتال في الشمال، مرة أخرى. وكان البارزانيون في وضع أفضل مما كانوا عليه، نتيجة لاستمرار الدعم، وتدريب العناصر الموالية لهم. في الوقت عينه، كانت القوات الحكومية في وضع أسوأ، نتيجة لانتقال السلطة، واختلاف المفاهيم بين أعضاء القيادة العراقية. وقد استغل الملا مصطفى البارزاني هذه الأوضاع، ووسع نطاق سيطرته على كردستان، وأصبح زعيماً عاماً للقبائل الكردية، إلى جانب زعامته للحزب الديموقراطي الكردستاني.
وفي مواجَهة ذلك استمرت الحكومة العراقية على نهجها السابق عينه، في تجنيد القبائل الزيبارية وغيرهم من القبائل التي تناوئ البارزانيين وإغداق الأموال عليها، مع توجيه الضربات إلى الأكراد البارزانيين بوساطة الطائرات والمدفعية، وإرسال القوات لإخضاعهم للسلطة.
وكانت النتائج النهائية لهذا الصراع في صالح البارزانيين، لتمكُّنهم من السيطرة على المناطق الجبلية الوعرة، لمعرفتهم بالتضاريس، التي تحقق الإخفاء أو المناورات الآمنة، والتأمين ضد القصف، الجوي والمدفعي، ولإتقانهم لحرب العصابات، وتسلُّحهم بأسلحة حديثة.
ولم تهدأ العمليات العسكرية، إلا في عقب بيان عبدالرحمن البزاز، رئيس الحكومة العراقية، الصادر في 29 يونيه 1966، والذي أكد فيه استعداد الحكومة لتنفيذ ما جاء في الدستور المؤقت، في أبريل 1964، وتعديلاته فيما يتعلق بحقوق الأكراد القومية، وتنفيذاً لذلك، صدر قانون المحافظات، على أساس من اللامركزية في إدارة الشمال، بأن يكون لكلِّ لواء، ولكلِّ قضاء، ولكل ناحية، شخصية معنوية معترف بها.
وأكد البيان استعداد الحكومة للاعتراف باللغة الكردية، وتمثيل الأكراد في المجلس الوطني، ومشاركتهم في الوظائف المدنية العامة، وأن تخصص الحكومة جزءاً كبيراً من ميزانيتها، لإعمار منطقة كردستان، كما أيدت الحكومة إنشاء جامعة في السليمانية، ووعدت بالاستقلال الإداري للمناطق الكردية، مقابل أن يسلم الأكراد سلاحهم.
وفي نهاية هذه المرحلة من الجمهورية العراقية الثانية، بدا الملا مصطفى البارزاني، وكأنه ملك لكردستان غير المتوج، إذ أخذ يجبي الرسوم والضرائب والأتاوي، ويرهب خصومه، ويجتذب الشباب الأكراد، الذين انخرطوا في الحزب الديموقراطي الكردستاني. بل حاول أن يظهر بمظهر المحرر لكل العراق ، فطالب بالديموقراطية الكاملة، والحياة البرلمانية، في كل أنحاء العراق. وتبنى قضية الأقليات، القومية والدينية في العراق.
وفي 17 يوليه 1968، أطاح البعثيون حكم عبدالرحمن عارف في العراق، وبدأت المسألة الكردية مرحلة جديدة.
يتبع إن شاء الله...
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: الأكراد في ظل حكم البعث العراقي وحتى نهاية الحرب العراقية ـ الإيرانية السبت 07 يوليو 2012, 12:39 am | |
| المبحث الرابع
الأكراد في ظل حكم البعث العراقي وحتى نهاية الحرب العراقية ـ الإيرانية:
أولاً: المسألة الكردية، في ظل حُكم حزب "البعث" العراقي:
1. الانقلاب البعثي في 17 يوليه 1968:
تمكن البعثيون من تجميع قواهم ، وبادروا إلى انقلاب، في 17 يوليه 1968، بقيادة الرئيس أحمد حسن البكر.
ولم يكن الأمر غريباً، لأن البعثيين كانوا متحالفين مع القوميين، في انقلاب 1963.
ولكن الرئيس عبدالرحمن عارف، أطاح جزءاً منهم، في نوفمبر من العام نفسه، وأبقى المعتدلين، ثم تخلص منهم جميعاً عام 1964.
مما أدى إلى أن يتحـالف عليه الجميع، ويطيحوه، في 17 يوليه 1968.
وهكذا، يظهر أن هدف الانقلاب الرئيسي، هو الوصول إلى السلطة.
ومنذ اللحظة الأولى، اتخذت الحكومة الجديدة العديد من القرارات السياسية، في مصلحة الأكراد، بهدف الحفاظ على وحدة الشعب العراقي، ومواجهة المتغيرات العديدة في المنطقة، وتنفيذ أهداف حزب "البعث" ذي الطموحات القومية الواسعة.
ففي البيان الأول، الصادر عن الحكام الجدد، في 17 يوليه 1968، لم يغب عنهم المسألة الكردية، إذ ذكر البيان، أن الحكام السابقين أهملوا، متعمدين، الاستقرار والأمن الداخلي في ربوع الوطن ولم يتقدموا خطوة إيجابية واحدة، لحل القضية الكردية.
وأن الثورة عازمة على تحقيق الوحدة الوطنية، وإنهاء مشكلة الشمال، بحكمة ودراية، وبروح طابعها مصلحة الوطن، وضمان أمنه واستقراره ورفاهيته، وصيانة وحدته الوطنية".
ثم صدر الدستور المؤقت، في 21 سبتمبر 1968، فألغى الدستور المؤقت السابق، الصادر عن الرئيس عارف.
فقد نصت المادة 21، من الباب الثالث، على أن العراقيين "متساوون في الحقوق والواجبات، أمام القانون، لا يميز بينهم، بسبب الجنس أو العِرق أو اللغة أو الدين، ويتعاونون في الحفاظ على كيان الوطن بمن فيهم العرب والأكراد، ويقرر الدستور حقوقهم القومية، ضمن الوحدة العراقية".
وفي نهاية عام 1968 عقد المؤتمر القطْري السابع لحزب "البعث" ـ ومقررات هذا الحزب، في عُرف العراقيين تعادل نصوص الدستور ـ وأكدت قراراته حق الأكراد في التمتع بحقوقهم القومية، في إطار وحدة الشعب والوطن والنظام الدستوري، وأن المشكلة الكردية، يجب أن تُحل حلاً سلمياً، حتى لا تستغلها القوى الخارجية، للتدخل في شؤون العراق، والضغط عليه.
وأن عدم قدرة العهود الماضية على تفهّم المشكلة، وعدم الرغبة الصادقة في حلها، علاوة على التدخل الخارجي، زادت المشكلة تعقيداً، حتى إنها كادت تستعصي على الحل، بعد أن حل العنف، منذ عام 1961، في معالجتها، بدلاً من الحوار الديموقراطي، الذي تستوجبه طبيعة المشكلة، التي تتضمن حقوقاً عادلة، لجزء من الشعب العراقي.
2. الصراع الكردي ـ البعثي
كان وضع الأكراد، مع بداية الانقلاب الجديد، مختلفاً تماماً عنه مع الانقلابات السابقة، وكان الملا مصطفى البارزاني، يبدو وكأنه رئيس كردستان غير المعلَن. وكان التحالف، بين الأكراد وبعض الدول الأخرى، وخصوصاً إيران، تحالفاً متيناً، يحقق هدف الأكراد، في تلقّي المساعدات المادية، والأسلحة وتدريب المقاتلين، كما يحقق هدف الدول الأخرى، في الحفاظ على مصالحها في المنطقة، سواء بتوفير النفط أو بإضعاف العراق نفسـه، واللافت هو ذلك التفاهم الضمني، المطبق، فعلياً، دونما أي اتفاق مسبق، بين أطراف ثلاثة، هي: الحكومة العراقية، والأكراد، وشركة نفط العراق، فحواه أن يبتعد القتال عن أي منشآت نفطية، من آبار ومحطات استخراج، أو ضخ، فضلاً عن خط الأنابيب، الممتد من كركوك إلى الأراضي السورية.
وفي سبيل ذلك، كانت شركة نفط العراق تتعاطف، بحرص شديد، مع الأكراد، رغبة في استنزاف الحكومة العراقية، بينما كانت تبدي لتلك الحكومة "قلقها" من استمرار تدهور الأوضاع في الشمال.
ومع بداية الانقلاب، لم يستجب الأكراد لبيانه الأول، واستمروا في الإجراءات المناوئة للحكومة.
لذلك، اندلع القتال، عنيفاً، بدءاً من أكتوبر 1968، وبعد شبه توقف، منذ يونيه 1966. ولم يكن القتال، هذه المرة، كالمرات السابقة، إذ أدارت الحكومة البعثية دفة الحرب، بأسلوب دموي عنيف، على الرغم من حلول الخريف والشتاء، فشارك الجيش والطيران في القتال، على نطاق واسع.
وعلى الرغم من الخسائر الشديدة، وتدمير العديد من القرى الكردية، وإبادة معظم سكانها. إلا أن الحكومة، لم تتمكن من السيطرة على المنطقة الكردية، لأسباب عديدة، منها وعورة المنطقة الجبلية، واستبسال الأكراد في الدفاع عنها، وشن الهجمات الفدائية، وقطع الطرق ... وخلافه.
وقد تغيرت المعطيات في هذه المرحلة، نتيجة عاملَين:
الأول: انحياز حكم "البعث" العراقي إلى المعسكر الشرقي، مما أشعر الأكراد، أن هذا الانحياز يأتي على حساب القضية الكردية، فتغيرت مواقفهم تجاه إيران، واستطراداً، نحو الولايات المتحدة الأمريكية، لإمدادهم بحاجتهم، العسكرية والمادية.
الثاني: تصاعد الخلاف العراقي - الإيراني حول الحدود المشتركة، في شط العرب، وسعي طهران إلى إضعاف الحكومة العراقية، واضطرارها إلى توجيه جهودها نحو الشمال، حرصاً على قوة الموقف الإيراني في الجنوب. وقد وجدت إيران ضالتها المنشودة في الأكراد.
وكانت الحكومة العراقية تدرك ذلك، فعمدت إلى إجراء بعض الإصلاحات، الدستورية والإدارية. ولكن الأكراد لم يستكينوا، إذ كانوا يتحركون بدعم وضغط إيرانيَّين شديدَين.
وفي أكتوبر 1969، ومع اهتمام الإعلام الغربي بالقضية الكردية، تقدَّم الأكراد بمذكرة إلى الأمم المتحدة يشتكون فيها "الحرب العنصرية، التي يشنها حكام العراق ضد الشعب الكردي". واتهمت المذكرة الحكام البعثيين بمحاولة إبادة الشعب الكردي، ومحوه محواً تاماً، كشعب يسعى إلى الاحتفاظ بلغته وثقافته وقوامه القومي. وشملت المذكرة بعض الملاحق بالنصوص المتضمنة حقوق الأكراد، منذ معاهدة سيفر Sèvres، عام 1920. واحتوى الملحق السادس على التنديد بالوضع، الصحي والتعليمي، في كردستان العراق. وشمل الملحق السابع وقائع عن "الحالة المؤسفة، التي يعيشها المسيحيون العراقيون، تحت الحكم البعثي".
وقد دفعت الحملة الإعلامية الدولية إلى تحرك الإدارة العراقية إلى صدور قرار مجلس قيادة الانقلاب إلى إصدار القرار الرقم 677، في 25 نوفمبر 1969، بتشكيل لجنة، برئاسة اللواء الركن صالح مهدي عماش، عضو قيادة الانقلاب، لمتابعة تنفيذ كافة القرارات الصادرة عن المجلس، في شأن الأمور المتعلقة بالقضية الكردية، رغبة في تخفيف حّدة القتال.
وقد اتخذت الحكومة العراقية عدة إجراءات، لإثبات حُسن نياتها تجاه الأكراد، وأصدرت عفواً شاملاً عن جميع المدنيين والعسكريين، الذين اشتركوا في أعمال العنف، في كردستان.
وأصدرت قانون المحافظات، المتضمن لا مركزية الإدارة المحلية، وإنشاء محافظة "دهوك". وتقرر إنشاء جامعة السليمانية، ومجمع علمي كردي، وإنشاء مديرية الثقافة الكردية، وجعل عيد النيروز عيداً وطنياً، في العراق وهذه القرارات تشمل الوعود السابقة للحكومات المتعاقبة، علاوة على بعض العناصر الجديدة.
3. بيان 11 مارس 1970 (اُنظر ملحق مقتطفات من بيان مجلس قيادة الثورة العراقي حول الحل السلمي للقضية الكردية بغداد 11/3/1970).
مع استمرار المفاوضات بين الحكومة والأكراد. بادرت الحكومة إلى إعلان بيان 11 مارس 1970، الذي يقنن حقوق الأكراد القومية، على مستوى الدولة، ويشعر الأكراد بأنهم جزء من الوطن العراقي، وأن المسألة السياسية في الصراع العربي ـ الكردي، هي في طريقها إلى الحل.
أ. النقاط الرئيسية في بيان 11 مارس
ويشمل هذا البيان العديد من الإجراءات الإصلاحية. واتُّفق على أن يصدر بها تعديل في الدستور المؤقت، كما يتضمنها الدستور الدائم للعراق، عند إصداره. وهي تشمل إجراءات، سياسية وإدارية، وثقافية، وعلمية، أهمها:[1]
المادة الأولى: تكون اللغة الكردية لغة رسمية، مع اللغة العربية، في المناطق الكردية. وتدَّرس اللغة العربية في كافة المدارس الكردية. كما تدَّرس اللغة الكردية (كلغة ثانية) في كافة أنحاء العراق، وفي الحدود التي يعيِّنها القانون.
المادة الثانية: يشارك الأكراد في الحكم، دون تمييز بينهم وبين غيرهم، في تولّي الوظائف العامة، والمهمة في الدولة، كالوزارات وقيادات الجيش وغيرها، وبنسب عادلة، مع مراعاة مبدأ الكفاءة، ونسبة السكان، وما أصاب الأكراد من حرمان، في الماضي.
المادة الثالثة: نظراً إلى التخلف اللاحق بالقومية الكردية، في الماضي، من الناحيتَين، الثقافية والتربوية، يجب وضع خطة لمعالجة هذا الوضع، من طريق الإسراع في تنفيذ قرارات مجـلس قيادة الانقلاب، حول اللغة والحقوق الثقافية للشعب الكردي، والتوسع في فتح المـدارس في المنطقة الكردية، والتوسع في قبول الطلبة الأكراد في الجامعات والكليات العسكرية والبعثات الدراسية، بنسب عادلة.
المادة الرابعة: يجب أن يكون تعيين المسؤولين والموظفين، في لوحدات الإدارية، ذات الأغلبية الكردية، من الأكراد أو ممَّن يحسنون اللغة الكردية.
المادة السابعة: النهوض بالمنطقة الكردية، في جميع المجالات، وتخصيص ميزانية مالية لتحقيق ذلك. وتحديد خطة اقتصادية، للتطوير المتوازن، لكل مناطق العراق.
المادة العاشرة: يتكون الشعب العراقي من قوميتَين رئيسيتَين، هما القومية العربية والقومية الكردية. ويقر الدستور حقوق الشعب الكردي القومية، وحقوق الأقليات الأخرى، ضمن الوحدة العراقية.
المادة الحادية عشرة: الإسراع في تطبيق قانون الإصلاح الزراعي، مع إعفاء الفلاحين من الديون المتراكمة عليهم.
المادة الثانية عشرة: يكون أحد نواب رئيس الجمهورية، كردياً.
المادة الثالثة عشرة: أ. حق الأكراد في إنشاء منظمات شعبية. وتكون هذه المنظمات أعضاء في المنظمات الوطنية العراقية المشابهة.
ب. يعدَّل قانون المحافظات، لينسجم مع مضمون بيان 11 مارس 1970.
المادة الرابعة عشرة: استغلال الثروات الطبيعية في منطقة الحكم الذاتي، سيكون في إطار الجمهورية العراقية.
المادة الخامسة عشرة: يسهم الأكراد في السلطة التشريعية، وفقاً لنسبة عددهم إلى عدد سكان العراق.
وقد تحددت أربع سنوات، كفترة انتقالية، لتنفيذ البيان، وتولّي الأكراد سلطة الحكم الذاتي، في كردستان العراق.
ب. مصداقية الحكومة العراقية في تنفيذ بيان 11 مارس 1970
يُعَدُّ البيان التزاماً من الحكومة، لتحقيق هدفين:
الأول: تحقيق مطالب الأكراد، في شأن حقوقهم القومية المشروعة، ضمن نطاق العراق الموحَّد.
الثاني: فرض مركزية السلطة ، وترسيخ الوحدة الوطنية بين عنصرَي الأمة الرئيسيَّين.
لذلك، كانت الحكومة جادّة في إنهاء المسألة الكردية، لمصلحة العراق، أولاً، ثم لمصلحة الأكراد الوطنيين.
رأت الحكومة العراقية، أن هذا البيان، يمثل قمة المسؤولية الوطنية، وأقصى ما يمكن منحه للأكراد، الذين لاحت أمامهم الفرصة لتحقيق آمالهم، وعليهم أن يستغلوا هذا الموقف الديموقراطي في مصلحتهم، ومصلحة العراق الأم.
ولضمان تنفيذ القرارات، شكلت الحكومة لجنة عليا للشمال، في 12 مايو 1971 برئاسة صدام حسين، مهمتها بحث إجراءات تنفيذ بيان 11 مارس، وخول رئيسها اختصاصات مجلس قيادة الانقلاب (عدا الاختصاصات التشريعية).
ونفّذت الحكومة فعلاً العديد من التزاماتها، على الرغم من المصاعب التي واجهتها. وأصدر مجلس قيادة الانقلاب قراره الرقم 22 في 30 أبريل 1972، بفتح العديد من المدارس في المنطقة الكردية، وحدد التدريس فيها باللغة الكردية، وبإصدار وزارة الإعلام العراقية جريدة كردية، "هاو كاري"، ومجلة كردية، "بيمان"، وتشكيل لجنة لمتابعة الأمور الثقافة في كردستان العراق.
ج. موقف الأكراد من بيان 11 مارس 1970
لم يكن القرار الكردي في يد الأكراد أنفسهم، وإنما كان رهين قوى أجنبية، على رأسها إيران.
تظاهر الملا البارزاني، رئيس الحزب الديموقراطي الكردستاني بقبول البيان، في البداية، وأنه يسعى إلى تنفيذه. وأرسل برقية إلى الرئيس أحمد حسن البكر، معلناً التزامه بالبيان نصاً وروحاً.
وانتهج الملا البارزاني، في الخفاء، نهجاً يهدف إلى تعطيل تنفيذ إجراءات البيان، واللجوء إلى المراوغة، بإيجاد تفسيرات مختلفة لمواد البيان، ومن خلالها، يوجّه اتهاماته إلى الحكومة المركزية بالانفراد بالسلطة، والعمل على هدم البيان.
أما الهدف الحقيقي، الذي كان يسعى إليه البارزاني، فهو انفصال إقليم كردستان عن العراق.
ولم تكن الحكومة العراقية تجهل نيات بعض أجنحة الحزب الكردستاني، ورئيسه الملا البارزاني. لذلك، اشتعلت المواجَهات بينهما، فأدت إلى تعطيل تنفيذ بيان مارس.
وقد حاولت الحكومة استقطاب الحزب الديموقراطي الكردستاني، بتحالفه في إطار الجبهة القومية التقدمية، على أساس ميثاق العمل الوطني، ومن أجل تنفيذ بيان مارس.
لكن هذه المحاولة لم تلقَ إلا الرفض من الملا البارزاني، بل أدت إلى مهاجمته المعاهدة العراقية ـ السوفيتية، وكشف أهدافها المضادّة لمصالح الأكراد. وقد صاحب هذه الحملة الهجوم على قواعد الحزب الشيوعي، في كردستان نفسها.
واستمراراً لأسلوب حزب "البعث"، فقد حاول التخلص من الملا مصطفى البارزاني، باغتياله.
وكانت المحاولة الأولى في سبتمبر 1971، في موطنه "صلالة". ولكنها فشلت، فسارعت الحكومة إلى استنكار الجريمة، وأنكرت أي صلة لها بها.
أما المحاولة الثانية، فكانت في يوليه 1972، وفشلت، كذلك، وتصرفت الحكومة إزاءها تصرفها إزاء المحاولة الأولى.
إلا أن الحكومة نسبت المحاولتَين، بعد فترة، إلى ناظم كراز رئيس مصلحة الأمن العام العراقي، خلال محاكمته، إثر محاولة انقلاب فاشلة، والحكم عليه بالإعدام.
في الوقت عينه، ركز حزب "البعث" في أمرين مهمَّين:
(1) هو إيجاد أكبر قدر من التصدع في جبهة الحزب الديموقراطي الكردستاني، واصطناع قيادات وأحزاب كردية، منافسة للبارزاني.
(2) تهجير أعداد كبيرة من العرب، البعثيين، إلى مناطق الأكراد الآمنة، مع توفير أراضٍ للبناء، بالمجان، ومنحهم وظائف رسمية، للاستقرار هناك، بهدف الإخلال بالتركيبة السكانية في مصلحة العرب، وخصوصاً في المناطق النفطية.
ومع استمرار القتال، وفي محاولة لانفراج الأزمة، بادرت الحكومة إلى التفاوض الثلاثي، بين الأحزاب الثلاثة: "البعث" والشيوعي والديموقراطي الكردستاني، في سبيل إيجاد مخرج للقضية. وبدأت هذه المفاوضات في نهاية عام 1972.
واشترك فيها بعض الشخصيات، العربية والكردية، المهتمة بالقضية، إلى جانب الأحزاب الثلاثة. ولكن هذه المفاوضات فشلت، نتيجة تقديم الحزب الكردستاني مشروعاً مضادّاً، رأت الحكومة أنه بعيد جداً عن فلسفة الحكم الذاتي. إذ طالب بإدخال مناطق جديدة في إطار الحكم الذاتي، من بينها منطقة كركـوك النفطية، وبعض المناطق الأخرى، التي لا يشكل فيها الأكراد أغلبية.
وكان رفض الحكومة من منطلق أن "كردستان وحدة إدارية، لها شخصية معنوية، تتمتع بالحكم الذاتي، في إطار الوحدة، القانونية والسياسية والاقتصادية، للعراق "الموحَّد". بينما كان المشروع الكردي يطالب بنظام أقرب إلى الوزارات المستقلة، مما يؤدي إلى نشوء كيان كردي منفصل عن العراق.
كما تقدم الجانب الكردي بعدة مطالب، وهو يدرك، مسبقاً، أن الحكومة سوف ترفضها. ومنها:
(1) إصدار كل القوانين، من خلال المجلس الوطني.
(2) تكون الشرطة في كردستان، خاضعة لسلطة الحكم الذاتي.
(3) إلغاء مجلس قيادة الانقلاب.
(4) إنشاء هيئة رقابة متبادلة، على دستورية القوانين.
ومع تعثر المباحثات، اقترح الجانب الكردي، أن تطرح صيغتا المقترحات، الحكومية والكردية، على الشعب لاختيار أفضلهما. ولكن حكومة العراق رفضت ذلك، وتمسكت بالمشروع الذي قدمته.
وبحلول عام 1974، وهو العام الذي يطبق فيه الحكم الذاتي، وفقاً لبيان 11 مارس 1970، عقدت أول جلسة مباحثات، حول مشروع الحكم الذاتي، في 16 يناير 1974، بين ممثلي الجبهة الوطنية في العراق وممثلي الحزب الكردستاني. وكان رئيس وفد الجبهة الوطنية هو صدام حسين، وضم الوفد بعض أعضاء مجلس قيادة الانقلاب، وبعض الأكراد المستقلين.
وكان من الواضح، منذ بداية المباحثات، أن اتجاه كل جانب مختلف عن اتجاه الجانب الآخر. فبينما كان وفد الجبهـة متمسكاً بما جاء في بيان 11 مارس، والقرارات التالية المنفذة لبنوده، كان رأي الحزب الكردستاني، أن الظروف تغيرت، في خلال أربعة سنوات كاملة، مرت على إصدار هذا البيان، ولا بدّ من مراعاة المتغيرات.
وأدت الاختلافات في المباحثات، حتى، في 2 مارس 1974، إلى مقاطعة الوفد الكردي الاجتماعات. عندئذٍ، قرر وفد الجبهة، أن يشرع قانون الحكم الذاتي في موعده المحدد، 11 مارس 1974، بعد مرور السنوات الأربع، المنصوص عليها، كمرحلة انتقالية، في بيان 11 مارس 1970.
ومع استمرار جهود الوساطة، أرسل الملا البارزاني، في 9 مارس، ابنه، إدريس، إلى بغداد، حاملاً رسالة إلى حكومتها، التي فاوضها، وحمل ردها، إلى والده. فأجاب الملا، في برقية، باسم الحزب الديموقراطي الكردستاني، جاء فيها: "إن ما قدمناه، هو ما نعتقده صحيحاً. وعليه، فليس لدينا مقترحات جديدة. وسنلتزم، من جانِبنا، بما يحفظ القانون". "ولقد فهمت الحكومة من هذه البرقية، أنها تشير إلى أن الحزب الديموقراطي الكردستاني، سيستفيد من مهلة الخمسة عشر يوماً، اللاحقة على إعلان القانون".
وقد سارت الحكومة في إجراءاتها، لتنفيذ بيان "مارس 1970. فعُدِّل الدستور المؤقت، ثم صدر بيان مجلس قيادة الانقلاب، حول الحكم الذاتي، في 11 مارس 1974، أعقبه صدور بيان سياسي، تضمن "أن قانون الحكم الذاتي، هو تأكيد لروابط المواطنة والأخوّة التاريخية، بين أبناء العراق، من العرب والأكراد و الأقليات المتآخية، وتطبيق لبيان 11مارس 1970 وما تضمنه ميثاق العمل الوطني.
وأن تطبيق الحكم الذاتي، على أسس ديموقراطية، يوفر السبُل لممارسة الحقوق القومية المشروعة" (قانون الحكم الذاتي لمنطقة كردستان في العراق، الذي أذاعه الرئيس أحمد حسن البكر، رئيس مجلس قيادة الانقلاب، رئيس الجمهورية، مساء 11 مارس 1974).
وفي 12 مارس 1974، دعت الحكومة قيادة الحزب الديموقراطي الكردستاني إلى الانضمام إلى الجبهة الوطنية، إلا أن الرد كان الرفض التام لما أقدمت عليه الحكومة المركزية. وتحسباً لما سيحدث، فقد اتخذت الجبهة استعداداتها للحرب. بينما "صعد الأكراد إلى الجبال".
وقد شهدت هذه المرحلة متغيرات عدة، أدت إلى هذا الوضع. أهمها:
(1) إجراءات تأميم النفط العراقي، مع تصاعد أسعاره تصاعداً مطرداً، مما جعل منطقة كركوك ذات ميزات، اقتصادية وإستراتيجية تغري كل طرف بضمها إليه.
(2) تصاعد الرغبة الإيرانية في سرعة إنهاء مشكلة شط العرب، في مصلحة طهران.
(3) انتقام شركات النفط من الحكومة العراقية، بخلق مشاكل كبيرة لها، وذلك للجوئها إلى التأميم.
د. إجراءات الحكومة العراقية لتنفيذ بيان 11 مارس
أجرت تعديلاً وزارياً، عينت، بموجبه، عبدالله، الابن الأكبر للملا مصطفى البارزاني، وزيراً ـ وجعلت ذلك دليلاً على وجود أشخاص من عائلة الملا، يتجاوبون مع سياستها في منطقة كردستان.
في 21 أبريل 1974 عينت الدبلوماسي طه محيي الدين معروف، سفير العراق في رومانيا، آنئذٍ، نائباً كردياً لرئيس الجمهورية .
في 25 أبريل 1974، أصدرت بياناً أكدت فيه تصميمها على تنفيذ قانون الحكم الذاتي، وأنها لن تتفاوض، بعد ذلك، مع الملا مصطفى البارزاني، بل ستستأصله هو وجماعته.
4. اشتعال القتال بين القوات العراقية والأكراد
بحلول أغسطس 1974، بلغت الحرب الكردية ـ الحكومية مستوى، لم تبلغه من قبْل، سواء من جهة اتساع المسرح، أو ضراوة القتال، أو أنواع الأسلحة لدى الطرفين. وقد كان لشاه إيران دوراً كبيراً في إمداد الأكراد بكل ما يحتاجون إليه من أسلحة. كذلك، استقبال إيران، الفارّين من القتال الضاري في منطقة كردستان، إذ لجأ حوالي 130 ألف كردي، كلهم من النساء والأطفال والشيوخ. أما الشبان الهاربون، فكانوا يجندون، ويُعادون للقتال ضد القوات الحكومية.
وأصبح القتال، بحدّته هذه، عبئاً ثقيلاً، على الأكراد والعراقيين والإيرانيين، في وقت واحد.
أدت وسائل الدعاية الغربية إلى اتساع نشاط الإعلام، في نقل صور القتال، ودفع الرأي العام، الإقليمي والعالمي، إلى مشاهدة حرب، بالوكالة، وبين أطراف شعب واحد.
ودفع ذلك بعض القيادات العربية إلى إيجاد حل لهذه المشكلة.
5. وقف إطلاق النار
نشطت الجزائر في وساطة بين كلٍّ من العراق وإيران، لوقف القتال في شمالي العراق.
في 6 مارس 1975، في خلال انعقاد مؤتمر دول الأوبك، في العاصمة الجزائرية، وُقِّعت اتفاقية بين حكومَتي العراق وإيران، وقعها كلٌَ من صدام حسين، نائب رئيس جمهورية العراق، وشاه إيران. وتنص الاتفاقية على تسوية مشاكل الحدود، وخصوصاً "تقسيم شط العرب". وتلتزم إيران بعدم تقديم مساعدات إلى الأكراد العراقيين، في الشمال، وبإغلاق حدودها مع العراق في وجْه أي أنشطة عدائية للعراق.
وكانت هذه الاتفاقية، التي التزم الطرفان بتنفيذ بنودها، هي النهاية الحقيقية للتمرد الكردي، في شمالي العراق. وفر الملا مصطفى البارزاني إلى طهران، ومنها انتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث عاش لاجئاً سياسياً، حتى وافته منيته.
بحلول فجر 13 مارس 1975، أعلنت الحكومة العراقية وقفاً شاملاً لإطلاق النار.
أعلن العراق عفواً شاملاً عن جميع الأكراد، الذين يسلمون أسلحتهم وأنفسهم، حتى أول أبريل 1975.
أتاح توافر عائدات النفط، الذي ارتفعت أسعاره، بعد حرب أكتوبر 1973، للحكومة العراقية إعادة إعمار المناطق، التي خربتها الحرب في كردستان.
6. إحكام سيطرة الحكومة على كردستان العراقية
تواصلت حركة إعمار كردستان، وتوالى، كذلك، تهجير الكثير من الأُسَر العربية إليها.
تولّت الحكومة السلطات الإدارية الكاملة في كردستان، ولو أنها اصطدمت، في البداية، ببعض العقبات، التي أمكن تذليلها. وتغلغل حزب "البعث" في المناطق الكردية بعناصره، العربية والكردية.
تولت الشرطة العراقية مسؤولية الحفاظ على الأمن في المنطقة الكردية كلها.
أعادت الحكومة العراقية تمركز القوات المسلحة، لتضع بعض الوحدات في منطقة كردستان ، وليتنامى حجمها، إلى أن وصلت إلى قوة فيلق (بين فرقتَين وثلاث فرق مشاة مدرعة) بهدف إحكام السيطرة العسكرية، السرعة في إخماد أي ثورات جديدة، قد تحدث. كما أنشأت العديد من المطارات في المنطقة، وبالقرب منها.
ثانياًً: تأثير الحرب العراقية ـ الإيرانية (1980-1988) في المسألة الكردية
لا شك أن إيران حاولت تحريك الأكراد في مصلحتها. ولكن إجراءات الأمن الشديدة، في المنطقة الكردية، لم تمكن إيران (الثورة) من تنفيذ ما نفّذه شاه إيران، في أوائل السبعينيات.
كانت الحرب العراقية/ الإيرانية حرباً نظامية، وكذلك، شبه نظامية، تمتد على مواجَهة أكثر من ألف كم. ومع ذلك، استغلت إيران منطقة حاج عمران الكردية، في جعلها، لفترات طويلة، جيباً عراقياً محتلاً من قِبل القوات الإيرانية. وكانت قد احتلَّت عبْر تجنيد بعض العناصر الكردية الموالية لإيران، نظراً إلى الصعوبات التي تمثلها هذه المنطقة، بالنسبة إلى أي قوات تحاول استعادة السيطرة عليها.
كما أمعن العراق في الدعاية المضادّة لقصف إيران منطقة "مندلي"، وهي منطقة حدودية، يسكنها أكراد شيعة، بهدف تأليب الأكراد والشيعة معاً، على إيران.
باستثناء ذلك، ومعه بعض التحركات السياسية الكردية المعارضة، فإن الأكراد لم يكن لهم تأثير يذكر في مسار الحرب العراقية - الإيرانية سوى استخدامهم كأداة من قِبل أحد الطرفين المتحاربين، ضد الطرف الآخر.
1. الخلاف الكردي ـ الكردي، أثناء الحرب العراقية ـ الإيرانية
عمّقت الحرب العراقية - الإيرانية هوة الخلاف بين الحزبَين الرئيسيَّين في كردستان. فاتجه الحزب الديموقراطي الكردستاني، بقيادة مسعود البارزاني، نحو إيران إلى درجة إعلان تحالف بينهما، عام 1983، وحاول البارزاني، من أجْله، بتوحيد جهود الأكراد في شمالي العراق، للضغط على الحكومة العراقية وإجبارها على تقديم تنازلات للأكراد. بينما اتخذ حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، بقيادة جلال الطالباني، موقفاً مغايراً، ففتح قنوات اتصال مع النظام العراقي، بل إن الحكومة العراقية، استغلت هذا التقارب في تشجيع الطالباني على إثارة أكراد إيران، بقيادة عبدالرحمن قاسملو، ضد حكم آيات الله في إيران، استنزافاً للجهود الإيرانية، من الداخل.
وعموماً، فإن كلا الحزبين، قد فشل في تحالفاته.
أ. فالحزب الديموقراطي الكردستاني، على الرغم من تحالفه مع إيران، وتبنِّي وجهة نظرها، للضغط على الحكومة العراقية، لم ينجح في إقناع طهران بتسليمه منطقة حاج عمران الحدودية، إذ أصرت إيران على السيطرة عليها، بوساطة القوات التابعة للجبهة الإسلامية .
ب. فشل حزب الاتحاد الوطني الكردستاني في مباحثاته مع الحكومة العراقية، للتوصل إلى صيغة مقبولة للحكم الذاتي، على الرغم من سياسته الاعتدالية نحو الوطن الأم ومساعدته على إثارة أكراد إيران ضد حكومتها.
ج. والنتيجة النهائية هو تصاعد الخلاف بين الحزبَين الرئيسيَّين في كردستان، مما أضعف تأثيرهما في الحكومة المركزية، وأدى إلى تفجير الصراع الكردي - الكردي. وسمح للقوى الأجنبية بالتغلغل في داخل فصائل الأكراد، وكل ذلك، كان ضد مصلحة القضية الكردية نفسها.
وباستثناء أحداث أمنية قليلة، ومسيطر عليها ، فقد تأكدت سيطرة الحكومة المركزية في العراق على منطقة كردستان، طوال حقبة الثمانينيات.
2. التصادم الكردي ـ الحكومي، بعد نهاية الحرب العراقية ـ الإيرانية
بانتهاء الحرب بين إيران والعراق، في أغسطس عام 1988م، برزت ردود فعل، ما بعد الحرب، والتي تتخذ، غالباً، صورة تصفية حسابات، أو محاولة تحقيق مطالب مؤجلة. وهو ما حدث، خلال الربع الأخير من عام 1988، حين صعّد مسعود البارزاني الموقف في الشمال، وهو الذي كان الرئيس صدام حسين يهدف إلى معاقبته، أصلاً، على موقفه أثناء الحرب، إذ كان يميل إلى التحالف مع إيران، أكثر من التزامه بوطنيته، كعراقي.
لذلك، كان الرد الحكومي العراقي قاسياً إلى أبعد الحدود. عزم الرئيس صدام حسين، من خلاله، على إنهاء المشكلة من جذورها، فوجّه الطيران العراقي ليحيل مناطق كردية كاملة إلى دمار شامل، ثم استخدم "الغازات الكيماوية"، التي كان يمتلك منها الكثير، خلال فترة الحرب، ضد منطقة كردية جبلية وعرة، في "حلبجة".
وثارت، وقتها، ردود فعل دولية عنيفة، "لم تخرج عن حدود الإدانة الأدبية". وقد واجهت الحكومة العراقية ذلك بنفي استخدام الغازات الحربية.
وطغى على هذه القضية، تسارع المواقف السياسية في المنطقة، التي امتزجت باحتفالات العراق بالنصر. ثم أعقبها، بعد عامين فقط، حرب الخليج الثانية، أو حرب تحرير الكويت، التي غيرت وجْه المنطقة.
----------------------------------------------- [1] قرار مجلس قيادة الثورة رقم 288 بتاريخ 11/3/1970 والذي يتضمن بيان 11 مارس.
يتبع إن شاء الله...
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: الأكراد عقب تحرير الكويت عام 1991 السبت 07 يوليو 2012, 12:52 am | |
| المبحث الخامس
الأكراد عقب تحرير الكويت عام 1991
عقب انتصار العراق في الحرب العراقية - الإيرانية، سعت إيران إلى دفع الفصائل الكردية إلى توحيد جبهتها، مرة أخرى، بهدف استخدامها ضد صدام حسين.
لذلك، عقد في كولون، في ألمانيا، في يناير 1990، مؤتمر كردي، يهدف إلى توحيد الجهود، والعودة إلى النضال، في سبيل تحقيق الحكم الذاتي لمنطقة كردستان.
وكان التنسيق الرئيسي بين الحزبَين الكبيرَين: الديموقراطي الكردستاني، بقيادة مسعود البارزاني، والوطني الكردستاني، برئاسة جلال الطالباني.
بعد هزيمة العراق في حرب تحرير الكويت، انطلقت انتفاضة كردية شاملة، في مارس 1991، تطالب بالحصول على حكم ذاتي.
وشهدت مدن السليمانية، ودهوك، وأربيل، موجة عنف شديدة، بين الثوار الأكراد والسلطات الأمنية الحكومية.
وكان رد الفعل المركزي العراقي شديداً، بتدخل القوات المسلحة، بشقَّيها، البري والجوي، لإنهاء هذه الانتفاضة.
ونجحت، فعلاً، في تكبيد الأكراد خسائر كبيرة. واستفاد الأكراد من تحالفاتهم الغربية، التي اتخذتهم ورقة للضغط على الحكومة العراقية.
إذ تقدمت دول التحالف، بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، إلى مجلس الأمن بمشروع لاستصدار القرار 688، في 5 أبريل 1991، بتشكيل قوة لتوفير الحماية للأكراد، ولإعادة الاستقرار، وإنهاء القمع، الذي يتعرض له الأكراد، في شمالي العراق.
وتكونت هذه القوة من وحدات، أمريكية وبريطانية وفرنسية، وتحدد لها ثلاثة أشهر، لتنفيذ مهمتها.
وانسحبت في نهاية يوليه 1991، تاركة مجموعات من المراقبين.
ومع انسحابها، أُعلن إنشاء منطقة أمنية كردية، يحدها خط العرض 36 درجة شمالاً، ويحظر على الطائرات العسكرية العراقية الطيران فوقها، كما يمنع بقاء أي قوات عسكرية، أو قوات أمن خاصة عراقية فيها[1].
ومنذ تلك اللحظة، وجد الأكراد أنفسهم يخطون أولى خطواتهم، نحو تحقيق الحكم الذاتي لإقليم كردستان، وخلق وطن كردي مستقر، تتوافر فيه ضمانات حقوق الإنسان، والعمل السياسي الديموقراطي، الذي يضطلع به الأكراد أنفسهم، بما يساعد على نضج التجربة الكردية، التي طال كفاحها من أجْل الاعتراف بقومية كردستان.
وكانت الأمم المتحدة، ودول التحالف الرئيسية، تساير هذا الخط، ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية، التي رأت في الأكراد ورقة رابحة يمكن من خلالها، تحقيق سياستها في مواجَهة العراق، وإيران، كذلك.
لذلك، عملت، منذ اللحظات الأولى، في تجنيد الأكراد، بمستوياتهم المختلفة، في مصلحة النفوذ الأمريكي في المنطقة.
ولم يكن وضع الأكراد، بدءاً من يولـيه 1991، هو الوضع المثالي، بالنسبة إلى الأكراد أنفسهم، أو إلى دول الجوار.
وظهر العديد من المتغيرات، التي أثرت في الموقف الكردي - الكردي، وأشعلته، إلى جانب تأثيرها في المواقف المختلفة لدول الجوار، والتي كان لكلٍّ منها موقف مستقل أو بالتنسيق مع سواها، في مواجَهة الموقف الجديد.
بيد أن جميع القوى، الإقليمية والعالمية، تبنّت موقفاً رئيسياً، وهو عدم السماح بنشوء دولة كردية مستقلة، في هذه المنطقة.
أولاً: مواقف القوى الكردية من قضية الحكم الذاتي
على الرغم من الكفاح الكردي المتواصل، فترات طويلة، على مراحل سياسية واجتماعية متباينة، إلا أن الأكراد، لم يكونوا مهيئين، على أي مستوى، للاستفادة من الموقف المفاجئ، الناجم عن انكسار العراق في الحرب، والذي آذن بتحقيق الحكم الذاتي. لذلك، فإن خطواتهم في مسيرة هذا الحكم، اتصفت بالعشوائية، ومحاولة حصد المكاسب العشائرية، على حساب كردستان نفسها.
نظراً إلى وجود حزبَين كبيرَين، فقد بدأ التنافس بينهما، منذ اللحظة الأولى. وما لبث أن استحال صراعاً، أعاد إلى الذاكرة صراعاتهما القديمة، منذ السبعينيات، إذ تطور من صراع مبادئ إلى صراع مسلّح.
وزاد من حدّة هذا الصراع، أن توجهات الحزبَين مختلفة، بل إن انتماءاتهما وتحالفاتهما مختلفة، كذلك. وتخضع، باستمرار، للتوجهات القَبلية والعشائرية.
ونظراً إلى افتقاد بنية أساسية ملائمة، والافتقار إلى موارد مالية، لإدارة منطقة الحكم الذاتي الجديدة، فضلاً عن الحصار الاقتصادي، الذي فرضته الحكومة العراقية على إقليم كردستان، اعتمد الأكراد اعتماداً كلياً على المساعدات الخارجية. ويلفت، في هذا الاتجاه، تصريح مسعود البارزاني، في يونيه 1993، "أن جهود شهرَين في محاولة جمع مساعدات مالية، مـن الولايات المتحدة الأمريكية، أو دول أوروبية أو خليجية، قد فشلت. وصار أكراد العراق أمام خيارين. إما أن يعودوا لاجئين من جديد، في إيران أو تركيا أو غيرهما، أو أن يستسلموا للرئيس العراقي صدام حسين".
ومع تفاهم القوى الإقليمية على عدم السماح بإنشاء دولة كردية، فقد عانى أكراد العراق عدم اعتراف أي دولة بوضعهم الجديد، وخصوصاً دول الجوار التي تمثل أهمية خاصة للأكراد. بل كان العكس تماماً، إذ لجأت دول الجوار إلى شبه مقاطعة، سياسية واقتصادية، عدا "المساعدات المحسوبة"، التي تقدمها إلى الأكراد، وخصوصاً من إيران وتركيا وسورية، في مقابل أهداف محددة يحققونها لها، ومن ثم، فإن حجم المساعدات يتقرر بمدى تحقيق الأهداف.
حيال الفراغ السياسي، والمصاعب الجمة، انقسم الأكراد، وتعددت زعاماتهم، وظهرت حركات وتنظيمات كردية جديدة، كالحركة الإسلامية الكردية، التي مثلت تجمعات إسلامية مختلفة، وتزعمها الملا عثمان عبدالعزيز، الذي حصل في انتخابات الرئاسة في كردستان على 4% من مجموع الأصوات. وحاولت أداء دور أكبر، على الساحة الكردية، وحالفت الحزب الكردستاني ضد الحزب الوطني. وقد تبنّت إيران هذه الحركة.
كانت تحالفات أبرز أحزاب المنطقة الكردية، خلال فترة الثمانينيات وأوائل التسعينيات كالآتي:
1. الحزب الديموقراطي الكردستاني: كان يعتمد، في الدعم الخارجي، "إقليمياً، على إيران، ودولياً، على الولايات المتحدة الأمريكية، وينفّذ أهداف إيران في العراق.
2. الاتحاد الوطني الكردستاني: كان حليفاً للنظام العراقي، ودائم الاتصال به. وكان جلال الطالباني، رئيس الحزب، هو الراعي الرئيسي للمفاوضات الكردية مع الحكومة، وكان يتلقى مساعداته من العراق.
إلا أنه في الفترة، من نهاية عام 1993 وحتى منتصف عام 1994، حدث انقلاب تام في توجهات الحزبَين، بسبب التدخل الإيراني. إذ اكتشفت إيران أن هناك تنسيقاً وتفاهماً بين الحزبين الديموقراطيَّين الكردستانيَّين في العراق وإيران، هاجم على أثرهما الحزب الكردستاني الإيراني أهدافاً داخل إيران، بنجاح. وقد احتمى العديد من مقاتلي الحزب داخل معسكرات تابعة للحزب الديموقراطي العراقي، في شمالي العراق. لذلك قصفت مدفعية إيران وسلاحه الجوي تلك المعسكرات. ولم تكتفِ طهران بذلك، بل عمدت إلى التحالف مع حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، فأمدته بالأسلحة والمعدات، ليهاجم هو نفسه معاقل الحزب الديموقراطي. وفعلاً، اشتعل الصراع في شمالي العراق، بين الحزبَين، في أبريل 1994. وتكبد كلاهما خسائر كبيرة، ولم يتوقف إلا بتدخل قوات التحالف الدولي. (أُنظر ملحق النص الكامل للاتفاق بين الحزب الديموقراطي والاتحاد الوطني)
ومنذ تلك اللحظة تغيرت توجهات الحزبَين.
1. إذ تحالف الحزب الديموقراطي الكردستاني مع الحكومة العراقية. ونادى بأن الحوار مع النظام العراقي، هو الطريق إلى حل المشكلات الكردية. واتجه إلى الحصول على الدعم من "العراق الأم".
2. أما الاتحاد الوطني الكردستاني، فأكد أن حل المشكلة الكردية، لن يتحقق، إلا بإشراف أمريكي - أوروبي. واتجه إلى التحالف مع إيران، التي تدعمه بالإمكانيات المادية والسلاح، في سبيل تحقيق أهدافها.
3. وتحالف الحزب الإسلامي الكردستاني، والذي سبق إنشاؤه بدعم إيراني، مع الحزب الديموقراطي، في معاركه ضد الاتحاد الوطني. ثم اتخذ الحياد بين الحزبَين. وقد أدى ذلك إلى فتور شديد بين الحزب وإيران، التي كانت تسعى، من خلاله، إلى تحقيق أهدافها تحقيقاً كاملاً.
ثانياً: الصراع الكردي ـ الكردي، عام 1996
كانت هذه الجولة من الصراع، هي الأشد عنفاً، بين الفصائل الكردية، خلال تاريخها الطويل. وهي تدخل في نطاق "الحرب بالوكالة"، أو "الحرب الاقتصادية" وكل منهما لها مبرراتها.
فتسمية الحرب بالوكالة، تأتي من منطلق، أن كّلاً من الحزبَين المتحاربَين، كان يقف وراءه، ويتدخل في نهجه دولة لها مصالح في إرهاق دولة أخرى. فالحزب الوطني، كان يقف وراءه إيران، تسانده بإمكانات عسكرية ومادية. والحزب الديموقراطي، كان العراق يسانده، ويتدخل بقواته لمصلحته.
أما تسميتها بالحرب الاقتصادية، فلأنها اشتعلت في توقيت متزامن مع قرب الاتفاق على قرار الأمم المتحدة، "النفط مقابل الغذاء". وهو اتفاق ذو علاقة قوية بالمنطقة الكردية، إذ يخصص نسبة من عائد النفط إلى الأكراد، مما يتطلب أن تضطلع هيئة كردية عليا بالتصرف في هذه المخصصات، وكلا الحزبَين يريد أن يكون هو هذه الهيئة.
ناهيك، أن النفط المصدَّر، سيمر في خطوط، تعبُر المنطقة الكردية من العراق إلى تركيا، وتتطلب تأميناً في مرحلة إصلاحها، مع ضمان عدم تعطيلها، بعد ذلك. ويرغب العراق في أن تكون الخطوط تحت سيطرته، بوساطة حلفاء من الأكراد وترغب إيران، خلافاً للرغبة العراقية، في أن تكون هي المسيطرة على الخطوط، للضغط على العراق.
وقد اشتعل الصراع، في نطاق تحالفات 1994، التي لم يطرأ عليها أي تغيير، في هذا الوقت، وبدأ، منذ أوائل عام 1996، بحشود إيرانية، على طول الحدود الشمالية الغربية لإيران، في مواجهة كردستان العراق، إذ كانت تدفع، من وقت إلى آخر، قوات من الحرس الثوري الإيراني، وأخرى من كتائب "بدر" التابعة للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية، إلى مهاجمة معاقل الحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني، الموجودة في شمالي العراق، في مناطق سيطرة الحزب الديموقراطي الكردستاني العراقي. وقد توغلت هذه القوات إلى مسافات تصل إلى 50 كم، داخل الأراضي العراقية، منتهكة سيادة العراق. وكان مسعود البارزاني، رئيس الحزب الديموقراطي، يتولى إعلان هذه الإتهامات. وكانت إيران تقابلها بالصمت، عدا تصريحات قليلة، بأنها تقصف مَواقع الحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني، "الخارجة عن القانون"، انتقاماً من غاراتها على أهداف حيوية إيرانية.
في الوقت عينه، تصاعدت اتهامات الحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني للاتحاد الوطني الكردستاني العراقي، بتقديمه تسهيلات إلى القوات الإيرانية، وتوفير طرق المرور لها وتعرّفها أهدافها (قواعد الحزب الإيراني المتهِم)، في منطقة أربيل، و منطقة كوي سنجق.
وبدءاً من يوليه 1996، بدأت الاشتباكات العنيفة بين الحزبَين العراقيَّين تتجدد. ودعمت إيران قوات الطالباني دعماً كثيفاً،، حتى إن مصادر صحافية ذكرت، أن "ألفي جندي إيراني، يعبُرون الحدود العراقية، لمطاردة المتمردين الأكراد في كردستان".
كما اتهم الحزب الديموقراطي الكردستاني العراقي، إيران، بتقديم دعم مدفعي للاتحاد الوطني، واستخدام طائرات عمودية، لنقل قواته إلى خلف خطوط الحزب. وفي خلال أغسطس، سارت المعارك في غير مصلحة الحزب الديموقراطي، حليف بغداد، مما يشير إلى الخطر الذي سيسفر عنه نجاح إيران في السيطرة على شمالي العراق، من خلال حليفها، جلال الطالباني.
لذلك، كان قرار العراق خطيراً، ومفاجئاً. فبدل أن يزيد دعمه لمسعود البارزاني، قرر الدخول "سافراً" في هذا الصراع. وكانت وجهة نظره تتحدد في الآتي:
1. أن شمالي العراق جزء من الوطن العراقي. ولا يوجد نص، في قرارات مجلس الأمن، على تقسيم العراق، أو فصل هذا الشمال عن الجنوب، فهذا الجزء خاضع، إذاً، للسيطرة العراقية.
2. إن الموقف خطير، ولا يحتمل أنصاف الحلول، ولا بدّ من التدخل الحاسم لمصلحة وحدة العراق.
3. إن قوات التحالف والأمم المتحدة، ستكون في اختبار، وخصوصاً أن التخطيط للعملية، سيكون مفاجئاً، وسريعاً، لتدمير القوة المعادية، ثم الانسحاب، مع الإعلان المسبق عن عدم استمرار القوات العراقية في الشمال، ولكنها تنفّذ مهمة محددة، ثم تنسحب.
4. إن استعراض القوة، هو من أجل تأكيد قوة العراق، القادر على التحرك من أجل تحقيق ذاته. وأنه استعاد عافيته، بعد حرب الخليج الثانية، على الرغم من الحظر الدولي.
وفي 31 أغسطس 1996، اجتاح الجيش العراقي مدينة أربيل الكردية، التي كان قد استولى عليها جلال الطالباني، وأعاد رفع العلم العراقي عليها. ثم عمدت القوات العراقية إلى القبض على الكثير من الأكراد، العاملون لمصلحة جهات أجنبية. كما أوقعت هزائم متكررة بقوات جلال الطالباني، خلال أيام القتال الثلاثة (31 أغسطس - 2 سبتمبر) التي اجتاحت فيها القوات العراقية المنطقة، مما سهّل على مسعود البارزاني استعادة سيطرته على الموقف، بعد ذلك. أما على المستوى السـياسي، فإن وزارة الخارجية العراقية، أعلنت، منذ اللحظة الأولى، أن القوات العراقية في مهمة محددة، سوف تنسحب بعدها، ولن يستمر وجودها في المنطقة.
ولم تكن هذه الحركات العسكرية المفاجئة، تمر بسهولة أمام أعين قوات التحالف الدولي، لذلك، فقد رفعت القوات الأمريكية في الخليج درجة استعدادها إلى الحالة القصوى، في اليوم عينه. ووجهت إنذاراً إلى القوات العراقية بعدها مباشرة، أعلن التليفزيون العراقي انسحاب القوات من شمالي العراق .
وكان لا بد لقوات التحالف أن تثبت ذاتها، وتعاقب العراق على قراره. وفي هذا المجال، اتخذت أربعة إجراءات:
1. في 3 سبتمبر، وجهت الولايات المتحدة الأمريكية ضربة صاروخية، بقوة 27 صاروخاً، من نوع "توما هوك"، ضد مراكز الدفاع الجوي، ومنصات الصواريخ، جنوب بغداد.
2. في 4 سبتمبر، تكررت الضربة، بقوة 17 صاروخاً، ضد المنشآت نفسها، إضافة إلى منشآت عسكرية أخرى.
3. في 5 سبتمبر أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، بصفتها قائدة التحالف الدولي، توسيع مجال الحظر الجوي، ليمتد إلى خط العرض 33°، بدلاً من 32° (الخط السابق).
4. وخلال الفترة عينها، أعلن مجلس الأمن استمرار الحظر على العراق، ووجهت الولايات المتحدة الأمريكية طلباً إلى رعاياها، بمغادرته، مما أوحى ببدء اتساع رقعة القتال. ولذلك، فإن الرئيس صدام حسين، عقد اجتماعاً طارئاً بالقادة العسكريين، من أجل تهدئة الموقف، مع الاستعداد لأي تطورات قادمة.
وقد أتاح هذا المناخ، الفرصة للحزب الديموقراطي الكردستاني، لاستعادة السيطرة على المدن الرئيسية، والأجزاء التي فقدها في جولته الأولى مع الاتحاد الوطني. إذ نجح، في 5 سبتمبر، في الاستيلاء على مدينتَين كرديتَين. ثم استعاد السيطرة على مدينة السليمانية، في 9 سبتمبر مما أدى إلى نزوح حوالي 75 ألف كردي إلى إيـران. وفي عقب ذلك، أدى مسعود البارزاني دور زعيم كردستان، وأصدر عفواً عن جلال الطلباني، وكل الأكراد المناوئين.
وفي 12 سبتمبر، حدث تطور آخر، بإطلاق بطارية صواريخ عراقية ثلاثة من صواريخها، على إحدى الطائرات الأمريكية، في منطقة الحظر الجديدة. ولكن أمكن استيعاب الموقف، سياسياً، بإعلان بغداد وقف هجماتها الصاروخية. ومع ذلك، فقد وصلت طلائع قوات أمريكية إلى منطقة الحدود، بين العراق والكويت، في 20 سبتمبر 1996.
أما الموقف في الشمال، فلم يتوقف عند هذا الحدَ، على الرغم من الهدنة غير المعلنة، لالتقاط الأنفاس، إذ سرعان ما اشتعلت المعارك من جديد، بين الحزبَين الكرديَين، وكانت هذه الجولة في مصلحة جلال الطالباني، الذي تلقّى مساعدات كبيرة من إيران، بينما كان الدعم العراقي للبارزاني شبه متوقف، بسبب الإجراءات الأمريكية المضادّة. لذلك، استعاد الاتحاد الوطني معظم المناطق، التي سبق أن فقدها في معاركه السابقة.
ومع بدء استعادة التوازن بين قوى الأكراد، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تلقي بثقلها، لإيقاف القتال. وحضر بيليترو، مساعد وزير الخارجية الأمريكية إلى المنطقة، واجتمع، في تركيا، مع قطبَي النزاع، اللذين أعلنا استعدادهما لوقف القتال. ووُقِّع اتفاق إيقاف النيران، فعلاً في 31 أكتوبر 1996.
وتضمن تشكيل حكومه كردية جديدة، لتولي مسؤوليات كردستان، ونص على عقد اجتماع مشترك، لفض النزاعات بين الجناحَين الكرديَّين، كل خمسة عشر يوماً، في أنقرة في حضور مندوبي الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وتركيا. (أنظر ملحق النص الكامل للاتفاق الذي تم التوصل إليه في 31 أكتوبر 1996 بين حزبَي مسعود البرازاني (الحزب الديموقراطي) وجلال الطالباني (الاتحاد الوطني) وممثلين عن التركمان في شمال العراق إضافة إلى ممثلين عن الحكومات الأمريكية والتركية والبريطانية)
ولم يكن لهذا الاتفاق أن ينهي صراع الفصائل الكردية، إذ سرعان ما تجدد، في أوائل شهر ديسمبر.
وفي مبادرة منها، وتحسباً لتكرار الحكومة العراقية هجومها، الذي شنته في نهاية أغسطس، فقد أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، في 4 ديسمبر 1996، ترحيل المنشقِّين الأكراد "وهم الأكراد، الذين كانت تعدهم لتنفيذ مهام خاصة في المنطقة، سواء في اتجاه العراق أو إيران". وقد نقلوا، أولاً، إلى أنقرة، ثم إلى إحدى جزر المحيط الهادي، لتأهيلهم قبْل نقلهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
ثالثاً: الموقف العربي من تطورات المسألة الكردية في العراق
يتحدد الموقف العربي، بصفة عامة، في النقاط الآتية:
أ. التمسك بوحدة العراق، ورفض أي نوع من تقسيمه، فيدرالياً أو كونفيدرالياً، مع الاعتراف بحق الأكراد في حياة آمنة، ضمن الوطن العراقي الواحد.
ب. يرى العديد من الدول العربية، المهتمة بالقضية، وفي مقدمتها مصر والسعودية وسورية، ودولة الإمارات، أن دخول الجيش العراقي إلى شمالي العراق في سبتمبر 1996 هو دخول شرعي إلى جزء من أراضيه، ولا يمثل هذا أي انتهاك للقوانين الدولية، وفي الوقت عينه، انتقد أو تحفظ كل الدول العربية من الضربة الصاروخية الأمريكية للعراق .
ج. تمثل الخلافات العربية ـ العربية مناخاً ملائماً لمزايدة فصائل الأكراد المختلفة للمزايدة للحصول على المعونات من شتى الأطراف، ويرجع ذلك إلى افتقاد أكراد العراق حماية عربية، ترعى مصالحهم، في هذه المرحلة الحساسة، إلى أن يستعيد العراق وضعه في النطاق العربي.
لسورية موقف خاص من أكراد العراق، إذ توجد على أراضيها أقلية كردية، كما أن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، تأسس في دمشق عام 1975، بدعم سوري. وهي، كدولة حدودية، يلجأ إليها بعض الفارِّين من فئات الأكراد الأخرى للاحتماء بأراضيها. لذلك، فاهتمام سورية بقضايا الأكراد، يمثل عاملاً رئيسياً في القضية.
أما موقف العراق نفسه تجاه قضية الأكراد، فيتمثل في تنفيذ استراتيجية النفس الطويل، ريثما تنهتي الأزمة العراقية، فيلتفت إلى الشمال، ويخضعه، بأي صورة، للسلطة المركزية. وترى بغداد، أن صيغة بيان 11 مارس 1970، الخاصة بالحكم الذاتي، هي المثلى، وهي التي أُقرت، عام 1991، بعد المتغيرات الناجمة عن حرب الخليج الثانية.
رابعاً: مواقف الأطراف الإقليمية من الصراع
أدى الموقف غير المسبوق، في شمالي العراق، إلى فراغ، سياسي وإداري، خطير، في منطقة تعاني متاعبها حكومات الدول المجاورة، منذ زمن طويل. لذلك، وفي عقب انتهاء حرب الخليج الثانية، سعت تركيا وإيران وسورية إلى التنسيق فيما بينها بهدف الحفاظ على وحدة أراضيها وسلامتها الإقليمية، والحيلولة دون تعاون الفئات الكردية الفاعلة، سياسياً وعسكرياً، ومنع قيام أي دولة كردية مستقلة. وقد تجسّد هذا التنسيق، رسـمياً في اجتماع الأطراف الثلاثة، في نوفمبر 1992. ولم يُدعَ العراق إلى هذا المؤتمر، فسارع إلى الإعلان أن الاجتماع، يمثل تدخلاً في شؤونه الداخلية. كذلك، لم تُدعَ إليه الأحزاب الكردية، مما دفع تلك الأحزاب إلى التوجس من أن هذا المؤتمر، يهدف إلى إجهاض تجربة الحكم الذاتي الكردي، الوليدة، في شمالي العراق.
وقد تكرر الاجتماع، بصفة دورية، على مستوى وزراء الخارجية، أو مستوى الخبراء. وكان مضمون البيانات، الصادرة عن الاجتماعات، يتلخص في الآتي:
1. تأكيد الالتزام بوحدة أراضي العراق.
2. عدم التدخل في شؤون العراق الداخلية.
3. بحث الوضع في شمالي العراق، حؤولاً دون الفوضى في هذه المنطقة الحساسة، التي تمثل تهديداً للأمن والاستقرار الإقليميَّين.
ومع ذلك، لم تؤد هذه الاجتماعات إلى حلول عملية للمشكلة الكردية، في شمالي العراق. وكان هناك اجتهادات، نبعت من تركيا بضرورة وجود دور أمريكي - بريطاني.
كان رد أكراد العراق على انعقاد مؤتمرات التنسيق، ينحصر في نقطتين:
أ. دعوة هذه الدول إلى حل مشكلات مواطنيها من الأكراد، أولاً.
ب. عدم نية أكراد العراق التدخل في الشؤون الداخلية للدول المجاورة.
وهناك عدة عوامل مهمة في تعامل الأطراف الإقليمية مع أكراد العراق، أو منطقة كردستان العراقية:
· إن الدول المجاورة لم تعترف بحق الأكراد في الحكم الذاتي. وكان هناك قطيعة تامة بين الأكراد والمؤسسات الرسمية لهذه الدول، في جميع المجالات، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، "عدا موضوعات التآمر أو الحرب بالوكالة ، وتقديم المساعدات المحدودة".
· إن الحزبَين الكرديَّين الرئيسيَّين، تحملا عواقب أنشطة الأحزاب الكردية المناوئة، سواء في إيران أو تركيا، والتي كانت، دائماً، تنطلق من كردستان العراق، كما أن الصراع بين الحزبَين الرئيسيَّين، كان له أبعاد تنافسية، تفرض علية، دائماً، من إيران أو تركيا أو الحلفاء الغربيِّين.
· إن جميع أحزاب المعارضة العراقية، والتي تتلقى مساعدات من دول، عربية أو أجنبية، رفضت أي صيغة فيدرالية لأكراد العراق، على أساس أن هذا سيكون نوعاً من تقسيم العراق، واكتفت بإعلانها احترام آمال وتطلعات الأكراد إلى حكم ذاتي.
· إن كلاً من إيران وتركيا، أعلنت أن لها الحق في ملاحقة مواطنيها، من الأكراد المنشقِّين، في داخل كردستان العراق.
ويذكر أن الاتحاد السوفيتي، الذي كان له في السابق، دور رئيسي في القضية الكردية، فقدَ تأثيره، بدءاً من عام 1991، عقب نهاية حرب الخليج الثانية، نظراً إلى المتغيرات الحادّة التي تعرض لها، وفرطت عقده، في دول مختلفة، كل منها كان لها مشاكلها، التي تشغلها عن القضية الكردية.
1. الموقف التركي
في خلال الثمانينيات، كان التعاون التركي - العراقي متكاملاً، لاحتواء حركة الأكراد، إذ كان هناك أهداف مشتركة، في المجال الاقتصادي، أهمها أنابيب النفط، يراد تحقيقها، بكفاءة.
في عقب حرب الخليج الثانية، تغير الموقف السياسي التركي، نتيجة المتغيرات المتعلقة بتركيا نفسها، وأهمها:
الالتزام السياسي التركي تجاه قوات التحالف بالحفاظ على الوضع الراهن في العراق، واستكمال حصاره من اتجاه الشمال. وهكذا حرمت تركيا من عوائد نقل النفط العراقي عبر الأنابيب، التي تمر في أراضيها، على الرغم من المقررات التعويضية، التي لا تتلاءم مع العائد الحقيقي. تخوف الحكومة التركية من انعكاس أثر الحكم الذاتي لأكراد العراق، على أكراد تركيا نفسها، مما قد يحدث قلاقل داخلية فيها.
وأثار هاجس تركيا، خوفها من زيادة نشاط حزب العمال الكردستاني التركي، واتخاذه من كردستان العراق قاعدة له، مع إمكان تجنيده لعناصر جديدة، أو التحالف مع الأحزاب الكردية العراقية، مما يؤثر في الوضع، السياسي والأمني، في تركيا. ولإزالة هذا التخوف، فإن تركيا سمحت لنفسها، في كثير من الأوقات، بدفع قواتها المسلحة إلى داخل الحدود العراقية، محاولة تدمير قواعد هذا الحزب. كما تحالفت، في أوقات أخرى، مع الأحزاب الكردية العراقية، ولاسيما الحزب الديموقراطي الكردستاني، لقتال عناصر حزب العمال التركي.
رغبة تركيا في الظهور بمظهر "راعي أكراد العراق"،
في إطار ما أسمته، منذ عام 1994، "التعامل مع الواقع الكردي".
وتهدف تركيا من هذا التعامل إلى:
أ. مقاومة أي اتجاه لاستقلال الأكراد، أو إعلان دولة منفصلة.
ب. ضمان عدم تأثيرهم في أكراد تركيا. وفي الوقت عينه، الإيحاء لهؤلاء أنها ترعى أشقاءهم في العراق، وبذلك تحتوي ردود فعلهم.
ج. ضمان عدم إثارة العراق للمشاكل الحدودية، أو حقه التاريخي في أراضٍ تركية .
د. الحصول على دعم ملائم من دول الاتحاد الأوروبي، من خلال دعمها لأكراد العراق.
هـ. تخوف تركيا من تدفّق مهاجرين أكراد إلى داخل أراضيها، في حالة عدم وجود استقرار شمالي العراق، وهي الحالة التي تنجم عن ثلاثة عوامل:
(1) فراغ السلطة، أو الصراع بين الأكراد أنفسهم.
(2) محاولة الحكومة العراقية إعادة ضم شمالي العراق، بالقوة، مما يثير حرباً جديدة في المنطقة .
(3) حدوث مجاعات، أو أوبئة.
وهكذا، انبثقت فكرة عملية توفير الراحة لحماية أكراد العراق، التي تبنّتها الحكومة التركية Provide Comfort Operation.
بناء على ذلك، تحددت الإستراتيجية التركية تجاه أكراد العراق، منذ عام 1991 وحتى الآن، في ثلاثة مبادئ:
أ. عدم السماح بدعم أكراد العراق لأي حركات قومية كردية، في تركيا .
ب. عدم السماح، بل مقاومة إنشاء حزب العمال الكردستاني التركي، قواعد له في كردستان العراق، وتدمير أي قواعد ينجح في إنشائها.
ج. ضمان عدم مقاومة أي أعمال عسكرية تركية، داخل أراضي العراق لتدمير قواعد حزب العمال.
وقد تفهم الطرفان، الكردي والتركي، هذه الإستراتيجية. كما تفهمها النظام العراقي. لذلك، فإن النزاعات "السياسية"، العراقية - الكردية - التركية، خلال الست سنوات الماضية، تُعَدّ محدودة جداً، إذ قيست بحجم انتهاكات حدود العراق، أو العمليات العسكرية التركية، داخل كردستان العراق، التي لا تجد أي مقاومة، نظامية أو شعبية.
ومنذ عام 1991، في إثر حرب الخليج الثانية، حدثت عدة تطورات، نوجزها في الآتي:
أ. كان أول إجراء، اتخذه الحزبان الكرديان الرئيسيان، بعد حصول الأكراد على الحكم الذاتي، هو توجيه تحذير إلى تركيا، أنه في حالة دخول الجيش التركي إلى كردستان، فإنهم سيتصدون له.
ب. رأت تركيا أن تستقطب أكراد العراق. لذلك، بدأت سلسلة مفاوضات معهم، في ضوء استراتيجيتها تجاه تلك المنطقة، بهدف تأمين تعايش مستقر في شمالي العراق، يجمع العرب والأكراد والتركمان (تهتم تركيا برعاية الأقلية التركمانية في العراق، كالتزام، أدبي وعِرقي، في آن معاً، واستغلالها في تنفيذ السياسة التركية في العراق) .
ج. عندما تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية، بصفتها قائدة التحالف الدولي لتحرير الكويت، في ذلك الوقت، للتوسط بين أكراد العراق وتركيا، في عقب الإنذارات الكردية، كان شرطها الرئيسي، الذي يجب أن يقبَله الطرف الكردي، هو عدم دعم الحركات الانفصالية الكردية في تركيا. وقد قبِل أكراد العراق هذا الشرط، إذ إن تركيا، تمثل لهم خط الاتصال الرئيسي مع الغرب، للحصول على الحماية والدعم الدوليَّين، علاوة على رغبة الأكراد، أن تكون تركيا هي حلقة الوصل، لمزيد من تقاربهم مع الولايات المتحدة الأمريكية.
د. سارت الأمور، عقب المفاوضات، مسيرة حسنة، إلى درجة أن "جلال الطالباني زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني العراقـي، فاجأ الجميع بالحديث عن إمكانية دخول أكراد العراق في ترتيب فيدرالي مع تركيا".
إلا أن هذا الاقتراح لاقى معارضة لسبَبين:
(1) عدم رغبة تركيا في إضافة أعباء أقليات إلى أعبائها، إذ لو أضيف أكراد العراق إلى أكراد تركيا، فسيمثلون 75% من حجم أكراد المنطقة، وسيكون لهم مطالب حادّة، بعد ذلك.
(2) اتجاه معظم القوى إلى التحذير من تقسيم العراق، بينما يعني انضمام الأكراد إلى تركيا، اقتطاع جزء من العراق.
ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل أن الطالباني، طالب أن تكون تركيا ضامنة لحصول الأكراد على اتفاق حكم ذاتي لهم، من الحكومة العراقية.
هـ. ولم تكن المطالب الكردية سوى نوع من التقرب والتحالف مع تركيا، لمواجهة المتغيرات الجديدة، في عقب حرب الخليج الثانية. واستمرت المزايدات بين الطالباني ومسعود البارزاني، لاستقطاب تركيا، من أجل مزيد مـن الدعم لأكراد العراق. وبالغ الزعيمان في إثارة موضوعات، منها "تفضيل تركيا، لتوافر الديموقراطية فيها"، و"أحقية تركيا التاريخية في إقليم الموصل".
و. وقد اتخذت تركيا، تجاه ذلك، موقفاً متزناً، طبقاً لإستراتيجيتها، ولم تستجب لهذه الأقاويل.
ز. خصصت تركيا دعماً لأكراد العراق (13.5 مليون دولار)، في شهر أغسطس 1993.
ح. فرضت تركيا قيوداً شديدة على أي إمدادات (التسليح، أساساً) تمر بأراضيها إلى أكراد العراق.
ي. تتخذ أنقرة إجراءات أمنية، ضد تنقلات الأكراد، عند حدوث أي أزمة، تحسباً لانتقال أعضاء حزب العمال الكردستاني إلى تركيا، ضمن الفارين من أكراد العراق. وحاولت إقامة منطقة آمنة، داخل حدود العراق. وقوبل ذلك بالرفض. إلا أن إحدى صحف تركيا، ذكرت، في 22 أكتوبر 1997، أن تركيا أقامت فعلاً منطقة أمنية، بعمق عشرة كيلومترات، يوجد فيها حوالي ثمانية آلاف جندي تركي. "إلا أن هذا التصريح، لم يتأكد بعد".
يتبع إن شاء الله...
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: حزب العمال الكردستاني التركي، وموقفه من أكراد العراق السبت 07 يوليو 2012, 1:01 am | |
| 2. حزب العمال الكردستاني التركي، وموقفه من أكراد العراق
في عقب حرب تحرير الكويت، وبدءاً من صيف 1991، انتقل نشاط حزب العمال الكردستاني التركي (PKK)، ليتخذ من كردستان العراق قواعد آمنة له.
وكان ذلك مثار تخوف رسمي لتركيا، وأدى إلى تحالفات تركية مع أحزاب الأكراد، لقتاله (بالوكالة عنها).
كما أدى إلى مبادرة تركيا إلى عدة حملات عسكرية، لتدمير قواعده، في شمالي العراق.
منذ عام 1992، سعى حزب العمال الكردستاني التركي، إلى توسيع نشاطه شمالي العراق، والوقوف جنباً إلى جنب مع الحزبَين الكرديَّين العراقيَّين.
ولكن ذلك قوبل بجفاء منهما، ورفض للفكرة من الأساس، على الرغم من معارضتهما للإجراءات التركية، في محاولة القضاء عليه، النابعة من حرصهما على إحياء القومية الكردية، وحتى لا يكون موقفهما حرجاً أمام الشعب الكردي، في تركيا وفي العراق.
وقد أسس حزب العمال فرعاً له، شمالي العراق، باسم "حزب التحرير الكردي".
يرى أكراد العراق، أن حزب العمال الكردستاني التركي، يؤثر فيهم تأثيراً مباشراً، في المجالات الآتية:
أ. تدخله في الشؤون الداخلية لكردستان العراق، وعدم احترامه للاتفاقيات مع أكرادها.
ب. استخدام العنف في حل مشاكله مع الأحزاب الكردية العراقية.
ج. قيامه بأعمال استفزازية، تؤدي إلى تدخّل القوات المسلحة التركية في شمالي العراق، مما يؤثر في الأمن الكردي العراقي.
د. تأثيره في العلاقات بين أكراد العراق، وتركيا، التي تضغط، بدورها، على أكراد العراق، للحد من أنشطة حزب العمال، التي تعدها أنشطة "إرهابية".
******************************
خامساً: الموقف، الإقليمي والعالمي، تجاه العمليات العسكرية التركية، في شمالي العراق
1. العراق
الموقف الرسمي للعراق، هو رفض انتهاك سيادة أراضيه، حتى لو كانت من الأراضي المحظور على قواته العسكرية عبورها. ويقدم احتجاجاً رسمياً، عقب كل عملية تركية.
الموقف غير الرسمي، أو غير المعلن، يتلخص في الآتي:
أ. إن العراق يتفهم الوضع التركي، ويحاول الحفاظ على الحدّ الأدنى من الروابط بين الدولتَين، نظراً إلى حاجة العراق إلى التعاون مع تركيا، وعدم استعدائها، في هذه المرحلة الدقيقة، التي يمر بها العراق.
ب. العمليات العسكرية التركية، بالتحالف مع الحزب الديموقراطي الكردستاني، العراقي، تحقق بعضاً من أهداف العراق بإضعاف الحزب الوطني، بقيادة جلال الطالباني، المتحالف مع إيران .
ج. العمليات التركية تستنزف قدرات الأكراد، مما يمكن الحكومة العراقية من السيطرة عليهم، بسهولة، بعد انتهاء آثار حرب الخليج الثانية.
2. الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا
أ. تفهّمهما الوضع في تركيا. وتصنيفها أن عمليات حزب العمال الكردستاني، نوعاً من الإرهاب، الذي يجب القضاء عليه في أي مكان.
ب. أمام الضغوط العربية، رفضتا إعلان تركيا إنشاء منطقة أمنية، شمالي العراق.
ج. لا شك أن الهجمات التركية المتكررة، تحقق جزءاً من الأهداف الأمريكية، بفرض نوع من السيطرة على هذه المنطقة.
د. وهي، وفي الوقت عينه، نوع من جس النبض، واختبار نيات إيران تجاه هذه المنطقة.
3. الموقف العربي
ا. ترفض انتهاك تركيا الأراضي العراقية، تحت أي مبررات.
ب. تدخلت مصر، بقوة، عند إعلان تركيا إنشاء منطقة أمنية، مما أدى إلى صرف أنقرة النظر عن هذا الإجراء.
4. الموقف الإيراني
ترى إيران، في الوقت الحالي، أنها قوة إقليمية ذات وزن، وطرف رئيسي معني بالصراع في شمالي العراق. وأن الأوضاع في كردستان، تؤثر تأثيراً مباشراً في الأمن القومي الإيراني. لذلك، فلا بدّ أن يكون لها دور رئيسي، يتفوق، أو يتوازن مع مواقف أطراف الصراع الأخرى. ولا بدّ أن يكون لها "تحالف" مع إحدى القوى الرئيسية في كردستان العراق، بما يضمن لها تنفيذ سياستها في هذه المنطقة الحساسة.
والصراع الممتد بين إيران، والعراق، كان، دائماً، يستخدم الأكراد، كورقة رابحة لتنفيذ أهداف أحد طرفيه، والتأثير في الطرف الآخر. وقد استخدم هذا الأسلوب، في أوائل السبعينيات، ثم عقب الثورة الإسلامية في إيران، 1979. ثم توسع إلى حد كبير أثناء الحرب العراقية - الإيرانية (1980-1988)، حتى إن الحزب الديموقراطي الكردستاني، العراقي، كان منحازاً إلى إيران، وخصوصاً بعد عام 1983، حينما بدأت طهران هجومها على منطقة حاج عمران، وكان الحزب يأمل دعماً عسكرياً إيرانياً، ومنحه سلطة السيطرة على منطقة حاج عمران. بينما كان، وفي الوقت عينه، الحزب الديموقراطي الكردستاني، الإيراني، الذي أُسِّس عام 1945، منحازاً إلى العراق، ويضطلع بالتوسط بين حكومة بغداد، والحزب الوطني الكردستاني، العراقي، بقيادة جلال الطالباني، بهدف المصالحة بين الطرفَين، وحث العراق على تعميق الحكم الذاتي الممنوح للأكراد.
ويُعَدّ تعميق إيران تحالفها ودعمها لأحد فصائل الأكراد العراقيين، نوعاً من الرد على استضافة بغداد منظمة "مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة"، كذلك إيواؤها بعض قيادات الحزب الديموقراطي الكردستاني، الإيراني. وهي تسعى، من خلال دعم الأكراد، إلى توظيفهم في الحرب بالوكالة عنها، لزعزعة الاستقرار في العراق، حينما تتصاعد المواقف السياسية بين الدولتَين، وخصوصاً بعد إحساس إيران بعدم جدوى دعم الشيعة في جنوبي العراق، لاستخدامهم في إحداث توازنات في مصلحتها، نظراً إلى نجاح الحكومة العراقية في تنفيذ الإجراءات القمعية ضد الشيعة.
وفي أوقات كثيرة، فإن التحالف الإيراني مع بعض فصائل أكراد العراق، أدى إلى اضطهاد حكومة العراق لهذه الفصائل، وتوجيه ضربات إليهم. ومع ذلك، لم تتوقف هذه التحالفات، في أي لحظة.
واستغلت إيران، سياسياً، نزوح بعض أكراد العراق إلى أراضيها، خلال الصراعات العديدة في كردستان العراقية، منذ عام 1991 وحتى الآن، لتظهر أمام العالم الغربي أنها تحمي هؤلاء اللاجئين، وتقدم إليهم المساعدات الإنسانية، بل تتهم العراق أو فصائل الأكراد الموالين له بأنهم يوجهون نيرانهم ضد هؤلاء اللاجئين، داخل أراضي إيران. ولتأكيد هذا الدور، فإنها دعت، مراراً، المجتمع الدولي، والمنظمات المهتمة بشؤون اللاجئين، إلى مساعدتها على استيعابهم، وكان آخر نداء، في هذا الخصوص، في أكتوبر 1996، عقب معارك شمالي العراق، بين الحزبَين العراقيَّين الكرديَّين الرئيسيَّين، اللَّذين يساند أحدهما إيران، الحزب الكردستاني العراقي، ويساند الآخر العراق، الاتحاد الوطني الكردستاني.
يتحدد الموقف الإيراني من قضايا الأكراد عموماً، وكردستان العراقية خصوصاً بالآتي:
أ. إثبات وجودها، كقوة رئيسية في المنطقة، يحسب حسابها، عند اقتراح حلول إنهاء الصراع. وليس ذلك خوفاً على الأكراد، ولكن لتحقيق أهداف، وحصد مكاسب، وتقارب مع العالم الغربي، وفرض نفسها على أرض الواقع، في العالم العربي، والحدّ من نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية ودورها في المنطقة، وتعظيم فرص التأثير الإيراني في التركيبة السياسية، في العراق عموماً، وبين الأكراد بصفة خاصة.
ب. ملاحقة الحزب الديموقراطي الكردستاني، الإيراني، لمنع انتشاره، وتحجيم دوره بين أكراد إيران، وإحباط نياته وعملياته العسكرية، داخل الأراضي الإيرانية.
ج. إيجاد نوع من السيطرة على أكراد العراق، بما يمنع تأثيرهم أن يمتد إلى أكراد إيران، وخصوصاً في شأن الحكم الذاتي. فإيران تحاصر، إذاً، أي مشاكل كردية- إيرانية، قد تحدث، بالقضاء عليها في الخارج.
د. التنسيق مع دول الجوار، وبعض القوى المهتمة بالقضية، لمنع نشوء دولة كردية في المنطقة، مما يؤدي إلى تغيير ديموجرافية المنطقة، ويسبب مشاكل للجميع.
ولتحقيق ذلك، عمدت إيران إلى:
أ. معاونة أكراد العراق، اقتصادياً، عقب فرض حكومة العراق حصاراً اقتصادياً على المنطقة الكردية. كما اشترت معدات وأدوات مصانع عراقية، سبق أن أنشأتها الحكومة في المنطقة الكردية، ثم أغلقت بعد حرب الخليج الثانية، وباعها الأكراد للحكومة الإيرانية، بعد انتفاضة مارس 1991.
ب. إنشاء الحركة الإسلامية لكردستان العراقية وتمويلها، بزعامة الملا عثمان عبدالعزيز، الذي نجح في إثبات وجوده، بعد انتخابات عام 1992.
ج. ضرب تجمعات الحزب الكردستاني، الإيراني، في معاقله، شمالي العراق، عام 1994، عندما رأت أنه يشكل تهديداً لأراضيها وأهدافها الحيوية.
د. تبديل تحالفاتها بين الأحزاب الكردية العراقية، حينما رأت أن هناك تعاطفاً بين الحزبَين الديموقراطيَّين، الإيراني والعراقي، عام 1994. وتحالفت مع حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، العراقي. وتدخلت في المعارك لمصلحته. ولاتزال تدعمه حتى اليوم.
هـ. عقد اتفاق مع تركيا، في 16 يونيه 1994، للالتزام بالمساعدة على منع مرور عناصر حزب العمال الكردستاني، التركي، من شمالي العراق إلى إيران، على الرغم من تعاونها معه، في فترات طويلة.
و. إعلان الرئيس علي أكبر هاشمي رفسنجاني، أن نشوء دولة كردية، هو من قِبيل المستحيلات. كما أعلن وزير خارجية إيران، علي أكبر ولاياتي، الحاجة إلى مدّ حكومة بغداد سيطرتها على كل شمالي العراق ، حتى لا يحدث ما يزعزع الأمن في تلك المنطقة.
ز. اشتراك أو دعم أو تمويل جميع الصراعات الكردية / الكردية، في شمالي العراق.
سادساً: مواقف الأطراف الدولية من الصراع
منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، كان الاتجاه الأيديولوجي للأكراد، بصفة عامة، يميل إلى المعسكر الشرقي، مما أثار حساسية ضدهم في العالم الغربي.
كان موقف العالم الغربي، بالنسبة إلى المسألة الكردية، حتى حرب الخليج الثانية، مبنياً على كونها مسائل داخلية لدول المنطقة، تخضع لمستوى التعامل مع "حقوق الإنسان". وقد تغير هذا الوضع، عقب هذه الحرب، إذ أمسكت دول التحالف بورقة الأكراد، كعامل ضغط ضد حكومة بغداد. وامتد تأثير هذه الورقة إلى أكراد إيران، من طريق الحزب الكردستاني، الإيراني، للتأثير في إيران كذلك.
خسر الأكراد بدءاً من عام 1991، الدعم السوفيتي لفصائلهم، نتيجة للمتغيرات الدولية، وتفكك الاتحاد السوفيتي القديم، دولاً عدة، وانشغال كل دولة بشؤونها. وكان هذا سببا في تغيير الانتماءات الكردية، والتوجهات والتحالفات لفصائلهم المختلفة.
تجمع آراء القوى العالمية كافة، فيما يخص المسألة الكردية، على الآتي:
· رفض نشوء دولة كردية مستقلة على أرض كردستان العراقية، لما سيسببه ذلك من تأثيرات إقليمية حادّة في أكراد الدول المجاورة.
· السماح بتقسيم العراق، لما سيسببه من نشوء دويلات أخرى، شيعية وسنية، تعكس آثارها في صراعات إقليمية، في أهم المناطق النفطية في العالم. إذ ستسعى إيران إلى ضم الدولة الشيعية، في جنوبي العراق، وسيثير ذلك حروباً عديدة في الشمال والجنوب، تهدد المصالح الغربية برمتّها في المنطقة.
· الحرص على توفير قدر من الأمن لتركيا، أحد أعضاء حلف شمال الأطلسي، والمسيطرة على مضيقَي البوسفور والدردنيل لمصلحة الغرب، في اتجاه روسيا الاتحادية، "الجاري تطويعها، حالياً". وتصاعد مشكلة الأكراد، قد يؤثر في استقرار تركيا، مما يؤثر في دورها إزاء مصلحة الغرب.
· تحجيم الدور الإيراني في المنطقة، الذي يستغل قضايا الأكراد في مصلحته، والعمل، في الوقت نفسه، على طمأنته، بعدم التأييد لإقامة دولة كردية، تؤثر في إيران نفسها. وهكذا يضمن الغرب إيجاد نوع من المصالح المتبادلة بينه وبين إيران ، مما يؤدي إلى تحقيق بعض مصالحه، وعدم قطع الروابط به.
· الحفاظ على علاقات متوازنة بسورية، "الشريك في قوات التحالف الدولي في حرب الخليج الثانية، وأحد الأطراف المهمة في تحقيق السلام في الشرق الأوسط".
1. موقف الولايات المتحدة الأمريكية
لها دور خاص، ينبع من كونها قائدة التحالف الدولي في حرب تحرير الكويت، وراعية المصالح الغربية، ضد أي تهديدات إقليمية في المنطقة. ناهيك من كونها القوة الرئيسية في العالم، التي يتحدد دورها من خلال الأزمات العالمية، في المناطق الحساسة.
اتِّسام موقف الولايات المتحدة الأمريكية، منذ البداية، بتحقيق توازنات، تضمن انحصار المشكلة في نطاق محلي ضيق، دون السماح بانتشارها، وتضمن في الوقت عينه:
أ. استنزاف القوى الكردية المتصارعة، ضماناً للتوازن، الذي يؤدي إلى سلام كردي - كردي.
ب. استنزاف القوى الإقليمية، المساندة للفصائل الكردية المتناحرة.
ج. إشعار قادة الأكراد بأنهم محتاجون إلى الدعم الأمريكي، ومن ثَم تحقق السيطرة عليهم، واستخدامهم في ما يحقق المصالح الأمريكية، أساساً.
د. توجيه الصراعات الكردية في اتجاهات محددة، ترغب الولايات المتحدة الأمريكية في التأثير فيها.
هـ. تأمين الأكراد ضد اعتداءات القوى الإقليمية عليهم.
وتنفيذاً لهذه السياسات، اتخذت واشنطن العديد من المواقف، نلخص أهمها في الآتي:
أ. عندما بادر الأكراد، في مارس 1991، "عقب انتهاء حرب الخليج الثانية"، إلى تحرير معظم الأراضي الكردية، ووصلوا إلى كركوك، اعتماداً على وعد الرئيس الأمريكي، بوش، بدعم شعب العراق، إذا ثار لإسقاط نظام صدام حسين - لم تتدخل الولايات المتحدة الأمريكية، لتأييدهم. ولم تتدخل، كذلك، عندما شنت القوات العراقية هجومها عليهم، مستخدمة الدبابات والطائرات، لتعيد الأوضاع إلى سابق عهدها، وتحدث خسائر هائلة في الفصائل الكردية.
ب. فسِّر ذلك، وقتها، بأن واشنطن تخشى أن تمتد انتفاضة أكراد العراق إلى سائر أكراد المنطقة، مما يؤثر في الأمن الإقليمي للدول المجاورة.
ج. في سبتمبر 1991، وبعد إعلان العراق الحصار الاقتصادي على المناطق الشمالية، لم تتدخل الولايات المتحدة الأمريكية، لاستصدار قرار من مجلس الأمن "بخروج المناطق الشمالية في العراق من تأثير العقوبات الدولية، والحصار الاقتصادي على العراق". ولكنها تركت الأمور على ما هي عليه، واقتصـر دعم الأكراد على المعونات من الجهات المختلفة، بما يحقق توفير مستوى اقتصادي، لا يمكّنهم من امتداد نفوذهم. ولم يرفع الحظر، إلا في سبتمبر 1996.
د. ومع التسليم بالأمر الواقع، حاول الحزبان الرئيسيان، الديموقراطي و الوطني، التقرب إلى الولايات المتحدة الأمريكية، كلٌّ بطريقته. وكان رد فعل واشنطن حازماً، فاشترطت حضورهما في "وفد موحد"، إذا أرادا زيارة الولايات المتحدة الأمريكية، و قد تحقق ذلك فعلاً.
هـ. لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية راضية عن تصرفات الأكراد، في معظم الأحوال. وقد أدى ذلك إلى إظهار عدم رضاها ، "وحجب بعض المساعدات"، خلال الصراعات الكردية - الكردية، عام 1994، وخلال الصراع المتسع الأركان، عام 1996.
و. عندما هاجمت القوات العراقية معاقل الحزب الديموقراطي الكردستاني، في نهاية أغسطس / بداية سبتمبر 1996، واستولت على مدينة أربيل ، وقتلت وقبضت على مئات الأكراد الموالين للولايات المتحدة الأمريكية. تدخلت واشنطن، فوراً واستخدمت حق "الردع العسكري"، نظير عدم التزام العراق بتنفيذ قرارات مجلس الأمن، من خلال وجود قواته داخل المنطقة "الآمنة".
ز. وقد حرصت، بعد هذه العملية، على حث فصائل الأكراد، على إنهاء ارتباطاتها بكلٍّ من العراق وإيران، ما دام الحكم في العراق على ما هو عليه، والاعتماد على الدعم الأمريكي - الغربي.
ح. أما موقف الولايات المتحدة الأمريكية من حزب العمال الكردستاني التركي، "ونظراً إلى العلاقات الأمريكية- التركية، فهي تَعُدّ أعماله في نطاق الإرهاب.
ط. وأما موقفها من الحزب الديموقراطي الكردستاني، الإيراني، فهي تحاول استغلاله، لإحداث نوع من التأثير في الاستقرار في إيران، يحقق مصالح واشنطن.
2. الموقف الفرنسي
ينبع موقف فرنسا، أساساً، من اهتمامها بأن يكون لها دور في مناطق الصراعات الدولية، ومن كونها عضواً رئيسياً في قوات التحالف الدولي.
لم يخرج الدور الفرنسي عن الدعم المادي، ومحاولات الوساطة، وتقريب وجهات النظر بين الفصائل المتصارعة.
3. الموقف البريطاني
لا تزال ذاكرة الأكراد متعلقة تستعيد إرث الاستعمار الإنجليزي للعراق، وما قامت به السياسة البريطانية في هذه المنطقة، ويشعر بعض السياسيين الأكراد بأن لهم ارتباطاً أدبياً ببريطانيا.
الدور البريطاني، يتميز بالنشاط في دعم الدور الأمريكي تجاه أكراد العراق. كما تشترك بريطانيا في عملية "توفير الراحة لأكراد العراق".
سابعاً: الأحزاب الكردية، على الساحة العراقية
1. منظمة الأمل (هيوا)
وهي من أولى المنظمات الكردية، إنشئت في عام 1935، و كانت لها اتجاهات يسارية. ووجدت في المناخ، الذي سبق الحرب العالمية الثانية، مجالاً كبيراً لإبراز نشاطها. و استقطبت الكثير من الطلبة و المثقفين والحِرفيين و التجار. ثم تحولت إلى حزب قومي، عام 1939، برئاسة رفيق حلمي. وكان له صحيفته الخاصة "الحرية" والتي كان ينادي، من خلالها، بالاستقلال الذاتي، و ترويج أفكاره اليسارية بين فئات الشعب المختلفة. في الوقت نفسه، كان يعترف بزعامة الملا مصطفى البارزاني للأكراد، على الرغم من تشكيكه المستمر في نزعاته، الدينية والدكتاتورية.
لكن هذا الحزب، لم يقوَ على الصمود أمام التيارات الأخرى المتصاعدة، ومقاومة السلطة الحكومية. وكان مصيره هو الحل، والتحول إلى أحزاب أخرى .
2. الحزب الشيوعي الكردي (شورش)
تأسس في خريف 1945، من معظم عناصر منظمة "هيوا ". واستمر الحزب يؤدي دوره، بدعم من الاتحاد السوفييتي. وعلى الرغم من أن معظم الأحزاب العراقية، قد حلت نفسها للانضمام إلي جبهة التحرير الكردية، فقد احتفظ هذا الحزب بتنظيماته و بأنشطته المستقلة.
3. حزب الحرية
وهو بداية العمل التنظيمي الحزبي، الذي قاده الملا مصطفى البارزاني. وكان معظم أعضائه من العاملين في الجيش العراقي، ومن المهنيين. و أنضم هذا الحزب إلى جبهة التحرير، ثم كان أعضاؤه نواباً في الحزب الديموقراطي، بعد ذلك .
4. جبهة تحرير الأكراد (روزكاري كرد)
وتأسست في النصف الثاني من عام 1945، مع نهاية الحرب العالمية الثانية"، وكان الهدف من تأسيسها هو توحيد جهود جبهة الأكراد، لمواجهة التغيرات، الناجمة عن الحرب العالمية. وانضم إلى الجبهة جميع الأحزاب والتنظيمات الكردية، "عدا حزب "شورش" الشيوعي". وقد تقبّل الأكراد صورة الجبهة، التي أعطتهم أمل التوحد.
و سرعان ما تحولت إلى جبهة وطنية كردية قوية، أعلنت برنامجها في تسع نقاط، هي:
أولاً: تحرير كردستان الكبرى وتوحيدها، وبما أن مركز الجبهة في كردستان العراقية، فإنها تكافح لنجاة العراقيين من نفوذ الاستعمار والحكومات الرجعية، التي لم تزل من أكبر العوائق في طريق تقدم أكراد العراق نحو الغاية الكبرى، وهي الحرية و حق تقرير المصير.
ثانياً: السعي إلى نيل الاستقلال الإداري لكردستان العراقية، الذي يمهد لتقرير مصير الأكراد.
ثالثاً: السعي إلى رفع كل أنواع الاضطهاد والتفريق القومي، اللَّذَين يعانيهما الأكراد والأقليات الأخرى.
رابعاً: السعي إلى إيجاد وتقوية العلاقات بالأحزاب والمراكز الكردية، خارج العراق، لتوحيد المساعي إلى الهدف الأسمى، وهو حق تقرير المصير، والتحرير .
خامساً: السعي إلى إصلاح شامل للمشاكل، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، بتوفير الحقوق الديموقراطية، ورفع مستوى الزراعة والصناعة، ونشر المعارف، وإحياء التاريخ والأدب الكرديَّين.
سادساً: تعميم استعمال اللغة الكردية في الدوائر كافة، والمدارس، ضمن المناطق الكردية.
سابعاً: العمل على إيضاح القضية الكردية لجميع الأمم، وخاصة أمم الشرق الأوسط.
ثامناً: العمل على إيجاد علاقات وتعاون مع الأحزاب، و المنظمات الديموقراطية .
تاسعاً: العمل على إنشاء علاقات سياسية، بالدول الديموقراطية لمكافحة خطط الاستعمار، وإحياء ميثاق "سعد آباد"، ومكافحة التكتلات الاستعمارية، التي تعرقل الحريات عامة، وحرية الأكراد خاصة .
5. الحزب الديموقراطي الكردستاني (البارتي)
كانت الولادة الحقيقية لهذا الحزب مع إعلان جمهورية "مهاباد في آذربيجان الإيرانية"، في بداية عام 1946، وكان قد خطِّط له أثناء مؤتمر "باكو"، عاصمة آذربيجان السوفيتية، في نوفمبر 1945، حين أصدرت هيئة الحزب، بقيادة الملا مصطفى البارزاني، بياناً، دعت فيه الوطنيين و الجمعيات الكردية في كل مكان، خاصة في العراق، إلى تجميع قواهم، والاتحاد من أجل تحقيق الأهداف الكردية. وكان من الطبيعي، "والدعوة من أحد معاقل الاتحاد السوفيتي"، أن يسارع حزب "شورش" والأعضاء اليساريون في جبهة "روزكاري" إلى تلبية الدعوة. فتكونت لجان الحزب الرئيسية منهما.
وكان نشاط الحزب متميزاً، في مرحلة إنشاء جمهورية "مهاباد الإيرانية"، إذ أكد آمال الأكراد، وعكس كفاح الشعب الكردي من أجل تحقيق ذاته، من خلال تنظيمات طليعية، تقبلها الجماهير، وتتماشى مع الصبغة العالمية في الكفاح السياسي من أجل التحرر. وهكذا اكتسب الحزب الديموقراطي الكردستاني شعبية كبيرة، على مستوى أكراد المنطقة كلها، وليس أكراد العراق فقط. وتطلعت إليه الجماهير، بوصفه أملها في الوحدة والتحرر.
وكان منهاج الحزب، على الرغم من ميله إلى المبادئ اليسارية، يهتم بالقضايا الكردية, وقضايا الوحدة والقومية والديموقراطية، ضمن الوحدة الوطنية للعراق، مما أكسبه جماهيرية، على مستوى العراق، ولدى بعض الدول العربية.
وقد اشتمل منهاج الحزب على العديد من المبادئ، أهمها:
أ. تأكيد الأخوّة العربية - الكردية، والدعوة إلى الكفاح المشترك، بين العرب و الأكراد، ضد الاستعمار والرجعية، من أجل تحرُّر العراق وإيجاد نظام ديموقراطي برلماني سليم.
ب. تأكيد إجراء الإصلاحات في الحياة، السياسية والاقتصادية، والنص على تأميم الصناعات الثقيلة، والمصادر الصناعية والمعدنية، والمصارف، ومكافحة الأميِّة، ونشر التعليم العالي.
ج. تأسيس جامعة كردستان، وتنمية اللغة الكردية وآدابها، ونشر الثقافة في كردستان، وجعل اللغة الكردية رسمية، في الدوائر والمدارس.
د. في المؤتمر الثالث للحزب، في 17 ديسمبر 1953، أضاف مادة جديدة إلى منهاجه تتعلق بالإصلاح الزراعي، والقضاء على الإقطاع.
لم تسر الأمور بالحزب مسيرتها الطبيعية، نظراً إلى تعدد الاتجاهات في داخله، مع اختلاف المستويات الثقافية، والمصالح الذاتية، والاتجاهات العقائدية. كما أن القوى الأجنبية المؤثرة، عملت كلٌّ على حدة، على اجتذاب ولاء الحزب، أو تحييد تأثيره ضدها، فبدأ النزاع يدب بين قادته والشيوعيين. وكانت بداية الخلافات هي محاولة حمزة عبدالله، أحد القادة الرئيسيين في الحزب، ضم عناصر من الملاّك الأثرياء إلى الهيئة المؤسسة للحزب، فاعترض الشيوعيون على ذلك، بشدة، ومنهم صالح الحيدري، ونافع يونس، وحميد عثمان.
غير أن إصرار غالبية الهيئة المؤسسة على إضمام الملاك، دفع الشيوعيين والتقدميين واليساريين إلى الانفصال عن الحزب. وانضم معظمهم إلى الحزب الشيوعي العراقي.
لهذا، انتقل النزاع إلى دائرة أوسع، بين حزب "البارتي" والحزب الشيوعي العراقي، الذي جاهر بأن الأكراد، ليسوا "أُمة متميزة "، فليس لهم حق تقرير المصير. ونصّب الحزب الشيوعي نفسه قائداً لنضال الشعب العراقي، عرباً وكرداً. وقد دار محور الصراع بين الحزبين، على أن الشيوعيين يرون حزب "البارتي" هو حزب البورجوازية القومية. بينما يرى هذا الحزب نفسه حزباً طليعياً ديمقراطياً، يمثل مصالح الفلاحين و الكادحين والمهنيين، والمثقفين الثوريين.
ولم يكن السوفيت بعيدين عن طرفَي الصراع. فوفقوا بينهما. وأعلن الحزب الشيوعي، في مؤتمره، المنعقد عام 1956، تصحيحاً للمفاهيم، التي أطلقها أثناء خلافاته مع حزب "البارتي"، وأن "الأكراد أُمة واحدة، لها حق تقرير المصير. وللشعب الكردي حقه في و جود حزب ديموقراطي يمثله.
تطور حركة الحزب الديموقراطي الكردستاني
بعد فرار الملا البارزاني إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حاول من هناك استئناف نشاطه السياسي، مستغلاً نفوذها في الشرق الأوسط، فسعى إلى حل قضيته، من طريق تدخّل القوى الأجنبية، سواء إيران أو الولايات المتحدة الأمريكية. وظل ابناء البارزاني، مسعود وإدريس، في إيران يزاولان نشاطهما مع بقية القيادات، التي لجأت إلى إيران. وفي غضون عدة أشهر، بدأ يتبلور، من جديد، قيادة الحزب الديموقراطي. الذي شرع يقاوم السلطات العراقية، خلال عام 1976. ثم وقع اتفاقية تعاون بينه وبين حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، في مارس 1977، بهدف توحيد الجهود، من أجل تحقيق أهداف الأكراد. إلا أن هذا الاتفاق، كان إيذاناً باشتعال الخلافات بين الحزبَين. ويقود الحزب الديموقراطي، الآن، مسعود البارزاني.
6. نشأة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني
عقب اتفاقية 6 مارس 1975، أعلن الحزب الديموقراطي الكردستاني إنهاء الكفاح المسلح، والنضال السياسي معاً. وقد أدى ذلك إلى حدوث فراغ سياسي كبير على الساحة الكردية، وانفراط عقد الحزب الديموقراطي الكردستاني، الذي انضم تحت لوائه الكثير من القيادات السياسية الكردية. فأصبحت الساحة الكردية مهيأة لاستقبال أي تنظيم سياسي جديد. فظهر جلال الطالباني، الذي عمل، فترة طويلة، نائباً لرئيس الحزب الديموقراطي الكردستاني، حتى دب الخلاف بينه وبين الملا مصطفى البارزاني، في أوائل السبعينيات، وأعلن، من سورية تأسيس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، في يونيه 1975، ، ليجمع التيارات الوطنية كافة، المناهضة للأساليب كافة، التي ينتهجها النظام العراقي تجاه القضية الكردية.
وجاء في بيان إعلان الحزب مبادئ قريبة من الفكر الاشتراكي. وتتلخص في الآتي:
أ. خلق جبهة، تجمع بين العمال والفلاحين وطبقة البورجوازية الصغيرة الوطنية.
ب. القضاء الكامل على النفوذ الأجنبي، وخصوصاً الإيراني.
ج. القضاء على الرأسمالية والبيروقراطية والصهيونية.
د. تحقيق الحكم الذاتي في كردستان، ضمن جمهورية عراقية مستقلة.
هـ. أنشأ الحزب قوات عسكرية خاصة، أسماها "الأنصار".
----------------------------------------- [1] هذه المنطقة تم إنشاؤها وتحديدها بمبادرة من قوات التحالف المكونة من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا *************************
المبحث السادس
الأكراد في تركيا
أولاً: الأكراد في تركيا، من عهد أتاتورك حتى الحرب العالمية الثانية
قبلت الحكومة العثمانية في استانبول، مرغمة، معاهدة سيفر (Sèvres)، التي عقدت في 10 أغسطس عام 1920. ولكن الحكومة الوطنية، التي شكلها مصطفى كمال أتاتورك، في الأناضول، عام 1919، رفضت الاعتراف بها، وبادرت إلى حركة وطنية، من شرقي تركيا، لتحرير الوطن التركي.
حرص مصطفى كمال أتاتورك على ضمان انضمام الأكراد إليه، في حركته الوطنية. فأخذ، بعد مؤتمر أرضروم، عام 1919، يؤثر في زعماء الأكراد، ويطلب منهم إرجاء القضية الكردية ريثما يكتمل تحرير البلاد التركية كلها من المحتلين، وينعقد الصلح.
وذلك لا يكون إلا باتحاد العنصرَين، التركي والكردي، أصحاب البلاد، كما نص الميثاق الوطني، الصادر عام 1920.
وكان أتاتورك قطع لهم الوعود الصريحة، بأن تعترف تركيا للكرد، ولكردستان، بالاستقلال بمساحة أكبر وأوسع مما ورد في معاهدة سيفر.
وكان عدد النواب الأكراد، الذين يمثلون كردستان في المجلس الوطني الكبير، في أنقرة، 72 نائباً.
وفي بدايات الحركة الكمالية، في الأناضول، لم يظهر الكماليون أي بادرة سوء نحو الأكراد، بل قدموا العون للأكراد في تركستان الجنوبية (العراق)، للضغط على الإنجليز، وإجبارهم على التخلي عن الموصل.
يتبع إن شاء الله...
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الأكراد والمشكلة الكردية الثلاثاء 10 يوليو 2012, 5:18 pm | |
| إزاء ذلك، لم يتخلَّ الأكراد عن الترك، إخوتهم في الإسلام، في وقت الشدة، ومواجهة العدو الأجنبي.
خاصة أن قسماً كبيراً من جنوبي كردستان، كان تحت احتلال الإنجليز، كما أن الفرنسيين، كانوا يحتلون السواحل.
وأما شمالي كردستان فكان تحت احتلال الروس.
ورفض قادة جمعية تقدم الكرد، اللجوء إلى أي عمل ضد الأتراك، عندما طالب الشباب الكردي، من أعضاء الجمعية، عام 1919م، باتخاذ قرار حول إعلان استقلال كردستان، وطرد جميع القوات الأجنبية منها، بما فيها التركية.
ووقف سيد عبد القادر ضد هذا الاقتراح، إذ رأى أنه لا يليق بالحركة الكردية الوقوف ضد الأتراك، في مثل هذا الظرف العصيب.
وكان رؤساء الحلفاء، في باريس، يؤكدون للجنرال شريف باشا، رئيس الوفد الكردي إلى مؤتمر الصلح، في العاصمة الفرنسية (عام 1919- 1920)، أن إخلاد الكرد إلى السكينة والهدوء، هو ضروري، لتحقيق آمالهم القومية.
وقد نشر قائد القوات الإنجليزية في كردستان، حينذاك، الجنرال ماك اندرو، منشوراً باللغة الكردية، ورد فيه ما يأتي:
"بما أن مصير الأراضي العثمانية ذات الأكثرية الكردية،، سيتقرر في مؤتمر الصلح، الذي سوف يحقق الأماني القومية الكردية، والحقوق الطبيعية للكرد وكردستان، فإن هذه الحالة توجب على الأكراد التزام السكينة والهدوء، وعليهم أن يطمئنوا إلى عدالة إنجلترا، التي ستحافظ على حقوقهم".
ومن ناحية أخرى، منع رئيس الاستخبارات الإنجليزية في حلب، العقيد بل، إصدار منشور، أراد نشره الأمير الكردي، ثريا بدرخان، سكرتير جمعية الاستقلال الكردي، في حلب لكشف نيات مصطفى كمال إزاء الكرد، قائلاً: "إن أكبر خدمة، وأعظم فائدة، تقدم إلى الشعب الكردي، الآن، هي دعوته إلى الإخلاد إلى الهدوء والسكينة".
وكذلك حضر هذا القائد الإنجليزي إلى ملاطية، في الأناضول، حينما شعر أن الأمير الكردي جلادت بدرخان، والأمير كامران بدرخان، وأكرم جميل باشا زاده، مندوبي جمعية تقدم كردستان، يحشدون في جبال كاخته قوات كردية، لرد هجمة مصطفى كمال باشا، التي يريد أن يشنها بغتة، ومن دون سبب معلوم، على الوطنيين الأكراد.
فأرسل الرائد إدوارد و.س. نويل Noel إلى المندوبين الأكراد المذكورين، يبلغهم، باسم حكومته، وجوب تفريق القوى الكردية، حالاً، وأن أقلّ مقاومة مسلحة تعرض القضية الكردية للأخطار الشديدة، بعد أن حازت قبول الدول الأوروبية.
وأخلد الأكراد للسكون، خاصة بعد تعهّد الدول الحليفة، بأن الأتراك، إذا لم ينفذوا معاهدة سيفر (Sèvres)، سوف يحرمون من الآستانة، كذلك.
وهكذا أضاع الحلفاء، وخاصة الإنجليز، على الأكراد فرصة تحقيق آمالهم الاستقلالية.
وفي عام 1922، طلب مصطفى كمال من النواب الأكراد، في المجلس الوطني التركي، في أنقرة، الرد على الاستفسار، الذي وصله من رئيس الوفد التركي، عصمت باشا، إلى مؤتمر لوزان، حول رغبة الأكراد في البقاء ضمن الدولة التركية الجديدة. فردّ النائب الكردي عن أرضروم في المجلس، حسين عوني بك، عام 1922، قائلاً :" إن هذه البلاد هي للأكراد والأتراك.
وإن حق التحدث من فوق هذه المنصة، هو للأُمتَين، الكردية والتركية".
وأيده في ذلك النواب الأكراد في المجلس الوطني الكبير. وقوبل ذلك بالترحيب والاستحسان من أتاتورك.
وبناء على هذا الجواب من النواب الأكراد، أعلن عصمت باشا، الكردي الأصل، مندوب تركيا في مؤتمر لوزان، أن "تركيا هي للشعبَين، التركي والكردي، المتساويَين أمام الدولة، ويتمتعان بحقوق قومية متساوية".
وحينما وجد المشاركون في مؤتمر لوزان، أن النواب الأكراد، لا يريدون انفصال كردستان عن تركيا، وأن حكومة تركيا وعدت بتلبية مطالب الأكراد القومية، وافقوا على غض النظر عن أي فكرة لاستقلال كردستان ،وحذفوا ذكر الأكراد من الوثائق الرسمية للمؤتمر.
وهكذا وقعت معاهدة لوزان، في23 يوليه 1923، بين الحلفاء وحكومة أنقرة الوطنية.
وبهذه المعاهدة ألغيت معاهدة سيفر.
وقدم الإنجليز والأتراك تنازلات بعضهما إلى بعض، في خصوص المسألة الكردية.
ولم يذكر فيها شيء عن استقلال الأكراد، سوى ما جاء في المواد (38) و (39) و (44) من الفصل الثالث:
إذ نصت المادة (38) على أن تتعهد الحكومة التركية بمنح جميع السكان الحماية التامة والكاملة، لحياتهم وحريتهم، من دون تمييز في العِرق والقومية واللغة والدين.
ونصت المادة (39) من معاهدة لوزان على أنه " لن تصدر أي مضايقات في شأن الممارسة الحرة لكل مواطن تركي لأية لغة كانت، إن كان ذلك في العلاقات الخاصة أم في العلاقات التجارية، أم في حقل الدين والصحافة، أم في المؤلفات والمطبوعات، من مختلف الأنواع أم في الاجتماعات العامة.
وتنص المادة (44) على أن تعهدات تركيا هذه، هي تعهدات دولية، لا يجوز نقْضها، في حال من الأحوال، وإلا فيكون لكل دولة من الدول الموقعة معاهدة لوزان، والدول المؤلفة منها عصبة الأمم، الحق في الإشراف على تنفيذ تركيا هذه التعهدات، بدقة، والتدخل ضدها، لحملها على تنفيذ ما تعهدت به أمام العالم.
وهكذا، أضاعت معاهدة لوزان كل الحقوق القومية للأكراد في تركيا.
وكانت معاهدة لوزان خطوة إلى الوراء، مقارنة بمعاهدة سيفر (Sèvres).
وعلى الرغم من معاهدة لوزان، وقبَيل حل مشكلة الموصل، في عام 1925، نجد تسامحاً، في بعض التصريحات الكردية.
فقد صرح فتحي بك، رئيس الوفد التركي إلى مؤتمر استانبول، الذي انعقد لحل مشكلة الموصل، عام 1924، قائلاً: "إن هذا الوطن، يخص الأُمتَين الكردية والتركية، فقط".
وكان ذلك مما يخدم الحكومة التركية، في مسألة الموصل، آنذاك.
1. ثورة الشيخ سعيد بيران، عام 1925
حينما وقعت معاهدة لوزان، لم يبقَ في تركيا من الشعوب سوى الأكراد والأتراك.
ورأى الكماليون بعد قيام الجمهورية، أنه لا مكان لشعب غير الشعب التركي، ويجب تتريك كل القوميات الأخرى، التي تضمها هذه الجمهورية، وصهرها في المجتمع التركي.
ورفضوا الاعتراف بوجود شعب آخر غير الأتراك، وأطلقوا على الأكراد اسم " أتراك الجبال" ، وألغوا اللغة الكردية في المدارس والمعاهد، وحرّموا التحدث بها في الشوارع والمجالس، فضلاً عن تحريمها في المصالح الحكومية وأمام المحاكم، على الرغم من تعهداتهم السابقة، في معاهدة لوزان.
سعى الأكراد، من جانبهم، إلى إظهار رفضهم لعدم الاعتراف بحقوقهم من جانب الحكومة التركية.
فبادر الفريق خالد بك الجبرانلي، الذي كان قائداً في الألوية الحميدية، إلى تنظيم لجنة استقلال كردستان (آزادي) السرية، وأرسل مندوبين عنها إلى جميع أنحاء كردستان، لإنشاء فروع وتشكيلات عامة لها، ولتوزيع أسلحة وذخائر حربية.
ودخل في هذا التنظيم الشيخ سعيد الكردي، من قرية بيران، وهو من المشايخ ذوي النفوذ الديني لدى مريديه وأتباعه.
وتقرر أن تبدأ الثورة، صباح 21 مارس 1925، وهو يوم الاحتفال بعيد النيروز، أو رأس السنة عند الأكراد.
ولكن وصلت قوة تركية إلى قرية بيران، حيث يقيم الشيخ سعيد الكردي، في 7 مارس 1925، فنشب القتال بينها وبين أتباع الشيخ سعيد، لسبب بسيط تافه، فانفجرت الثورة في كل أنحاء كردستان.
وكان من أبرز شعاراتها " إقامة كردستان مستقلة، في ظل الحماية التركية، وإعادة حكم السلطان".
وبادر الفريق خالد الجِبرانلي، ومن معه من الضباط الأكراد، الذين كانوا خارج المكان، الذي انفجرت فيه الأحداث، إلى التوجه إلى المكان المذكور، للإشراف على الثورة، وإدارة دفة القتال.
ولكن قبض عليهم، قبْل وصولهم إلى مكان الثورة، وأعدموا من دون محاكمة.
وبذلك، حرمت الثورة من اشتراك المخططين لها، والعارفين بالفنون الحربية. فقادها من لا خبرة لهم بها ولا بأسرارها.
وتوسعت الثورة، وانتشرت في مناطق شاسعة من البلاد.
ولكن الأكراد صرفوا همهم نحو السيطرة على المدن الكبيرة، في الوقت الذي كانت القوات التركية تصل إلى المنطقة، وتصل إليها الإمدادات من كل ولايات تركيا.
وبعد سلسة من المعارك، أخمدت الثورة.
وقدِّم الشيخ سعيد ورفاقه إلى المحاكمة، وسيقوا إلى محاكم عسكرية، عرفت باسم "محاكم الاستقلال"، ثم شنقوا، وتركوا معلقين على أعواد المشانق، عِبرة لمن يعتبر.
وفر قسم من المقاتلين إلى رؤوس الجبال، أو إلى الدول المجاورة، سورية والعراق وإيران.
وأعلن رئيس المحكمة، الذي حكم بالإعدام على ثلاثة وخمسين زعيماً من زعماء الثورة، أثناء المحاكمة، في 28 يونيه 1925، قائلاً: " لقد اتخذ بعضكم إساءة استعمال السلطة الحكومية، والدفاع عن الخلافة، ذريعة للثورة.
ولكنكم كنتم متفقين جميعاً على إقامة كردستان المستقلة".
وقد استخدمت الحكومة التركية 35 ألف جندي و12 طائرة حربية، لإخماد الثورة، التي شكلت خطراً على الجمهورية التركية الناشئة.
وجرى حشد ثمانين ألف جندي تركي في كردستان.
ودمرت القوات التركية، بعدها، 206 قرى كردية، وأُحرق 8758 منزلاً، وقُتل 15200 شخص.
وقالت، يومها، جريدة "وقت" التركية: "ليس هناك مسألة كردية، حين تظهر الحِراب التركية".
وتكبّد كلٌّ من الأكراد والأتراك، خسائر فادحة، من جراء هذه الثورة.
وكان من نتائجها صدور قانون الحفاظ على الأمن أو (تقرير سكون قانوني)، الذي جرى، بموجبه، تشتيت آلاف الأُسر الكردية وتهجيرها، ودمِّر كثير من القرى الكردية ، ونُفي زعماؤها ورؤساؤها إلى مختلف الولايات التركية.
واختلفت الآراء حول ثورة الشيخ سعيد.
فقد قيل إن الشيخ، ورفاقه، كانوا يسعون إلى إعادة الخلافة، التي ألغاها مصطفى كمال آتاتورك، عام 1923، لا إلى الاستقلال الكردي.
وقالت الجرائد التركية، آنذاك، إن الجمعيات الكردية، دبرت الثورة تحت ستار الدين، لتصل إلى غايتها الوحيدة، وهي إنشاء كردستان مستقلة، في الولايات الشرقية من تركيا.
2. تأسيس جمعية خويبون (الاستقلال)
على أثر ما نزل بالأكراد، وما حل ببلادهم عقب ثورة 1925، من الخراب والتشريد، عقدوا مؤتمراً، عام 1927، شهدته جميع الفئات الكردية ومندبو الجمعيات ورؤساء العشائر ووجوه البلاد والمراكز، وذلك لاتخاذ القرارات السريعة، لجمع الفصائل الكردية المشتتة، واستجماع القوى، لمواصلة نضالهم ضد تركيا.
وعقد المؤتمر داخل الحدود التركية، ودامت جلساته مدة شهر ونصف الشهر.
واتخذ قرارات منها:
أ. حل الجمعيات الكردية القائمة، وتأسيس قيادة موحدة للفصائل الكردية، تجمعها باسم جمعية "خويبون" (أي الاستقلال).
ب. تدريب المقاتلين الأكراد على وسائل الحرب الحديثة، وتنظيم قوات وفق أساليب عسكرية متطورة، وإنشاء مركز عام ومقر للقيادة العليا للثورة، في جبال كردستان، في تركيا.
ج. إقامة علاقات قوية بالحكومات، الإيرانية والعراقية والسورية.
وافتتحت جمعية "خويبون" عدة فروع لها، في كردستان وخارجها. وتولى الفريق إحسان نوري باشا تأسيس منظمة عسكرية كردية، في منطقة جبل أرارات (آغري)، في كردستان التركية، تمكنت من إرسال مجموعات قتالية، حالت دون نفي الحكومة التركية السكان الأكراد من مواطنهم.
وقد نجحت جمعية "خويبون"، عام 1930، في تنظيم انتفاضة مسلحة في إقليم أرارات (جبال آغري)، بقيادة الفريق إحسان نوري باشا.
وكان السبب المباشر لاشتعالها، اتخاذ الحكومة التركية الاجراءات اللازمة لتتريك الأكراد، والأقليات الأخرى.
وقد سمحت الحكومة الإيرانية للقوات التركية باستخدام الأراضي الإيرانية لمهاجمة مؤخرة المقاتلين الأكراد.
وبعد حرب طويلة، قضي على الانتفاضة، بوساطة القوات والمدفعية والطائرات.
واستناداً إلى إحصاءات غير رسمية، فإن 165 قرية و6816 بيتاً، قد دمرت.
وبدا للحكومة التركية أنها قضت على الحركة الكردية. فأكد عصمت إينونو، رئيس الوزراء التركي، في خطبة، ألقاها في 30 أغسطس 1930، عدم أحقية الأكراد في الاعتراف بهم: "ليس في هذه البلاد جماعة لها الحق بادعاء كيان قومي ووطني، غير الجماعة التركية".
وقال وزير العدل التركي، محمود أسعد أورامش، في خطبة له في سبتمبر 1930: "هذه هي عقيدتي ونظريتي: ليعلم الصديق والعدو، حتى الجبال أن سيد هذه البلاد هو التركي.
فمن لم يكن من الدم التركي، ليس له في الوطن التركي سوى حق واحد، هو أن يكون خادماً وعبداً .
نحن في بلاد أكثر حرية من جميع بلاد العالم.
هذه هي تركيا.
ولهذا، أنا لا أخفي عواطفي وأحاسيسي عن أحد".
وبعد القضاء على انتفاضة 1930، فقدت جمعية "خويبون" نفوذها، تدريجاً.
وفي أثناء ذلك، سوِّيت النزاعات ما بين الحكومة التركية والإنجليز والفرنسيين، في المسائل العالقة، والتي تمس المسألة الكردية.
بعد انتفاضة 1930، أمعنت الحكومة التركية في سياستها، الرامية إلى صهر السكان الأكراد، واندماجهم في المجتمع التركي. وأصدرت قانوناً يجيز لها فرض الأحكام العرفية، واستدعاء القوات إلى المناطق الكردية، في الأقاليم الشرقية من تركيا. وصدر قانون، في مايو 1937، رحِّل، بموجبه، مئات الألوف من الأكراد من مناطقهم إلى مناطق أخرى، لا يكونون فيها سوى 5% من السكان.
وينص ذلك القانون على: " أن أولئك الذين ليست لغتهم التركية، يحرَمون من إعادة بناء قراهم، أو تشكيل منظمات، حِرفية أو كتابية أو طبقية، ويمنح وزير الداخلية حل هذه المنظمات.
وهذا القانون ينافي ما جاء في معاهدة لوزان، من احترام حقوق الأقليات.
وشرعت الحكومة التركية، بعد ذلك تنفذ حملة فكرية، لصهر الأكراد وتتريكهم.
3. انتفاضة درسيم (1936-1937)
بعد تردي الأوضاع، الاقتصادية والمعيشية، للسكان الأكراد، شهد عام 1937، انتفاضة في إقليم درسيم، الذي حوِّل إلى ولاية باسم تونجالي، في شكل عصيان كبير، تزعمه سيد رضا، وهو شيخ من شيوخ الطريقة النقشبندية.
فقد شكلت الحكومة دائرة التفتيش العامة الرابعة في الولاية.
وأصدر المفتش العام، الجنرال ألب دوغان، أمراً بفرض حالة الحصار على ولايات تونجالي وأليازيغ وبين جول، وطلب من الأكراد تسليم 20 ألف بندقية، وإلاّ فسينالهم عقاب شديد.
وأرسل زعيم الأكراد، سيد رضا، رسالة إلى ألب دوغان، يطلب إلغاء قراره والاعتراف بحقوق السكان الأكراد.
ورداً على ذلك، أرسل الجنرال ألب دوغان فرقة من المشاة، وفوجاً من الدرك، على سكان درسيم، وكانت هذه القوات مدعومة بعشر طائرات من سلاح الجو التركي.
وتوقفت العمليات في شتاء 1936، بسبب الثلوج والأمطار والبرد القارس.
واستؤنفت الحملة، بعد تحسّن الجو، في الربيع.
واستدرج الجنرال ألب دوغان نجل الشيخ سيد رضا، لإجراء مفاوضات، ثم قتله، بوحشية.
عندئذ، هبت العشائر الكردية في وجه القوات التركية، التي أحرقت الغابات المحيطة بدرسيم، لإرغام الثوار الأكراد على الخروج من الملاجئ الجبلية، ووجهت مدفعيتها صوب مواقع الشيخ سيد رضا، وفصيله.
وتمكن الجنرال ألب دوغان، بحيلة إجراء مفاوضات مع سيد رضا، أن يقبض عليه، في 5 سبتمبر 1937، وقدِّم هو ورفاقه، للمحاكمة، في 10 نوفمبر 1937، وحكمت المحكمة بإعدام أحد عشر من قادة الانتفاضة.
ونفِّذ الحكم في 18 نوفمبر 1937.
وشرعت الحكومة تنكل بالسكان الأكراد.
وقال وزير الداخلية التركي، وقتها، جلال بك، إن القضية الكردية لا وجود لها، بعد اليوم.
وإن العصاة جرى تلقيحهم بلقاح الحضارة، من طريق القوة " في إشارة إلى الرأي التركي القائل بأن الأكراد، ما هم إلإ أتراك الجبال، الذين تخلّفوا حضارياً.
كانت العمليات العسكرية ضد الأكراد، في درسيم، قوية وعنيفة، إلى درجة أن الحركة القومية الكردية، ظلت، بعدها، ساكنة على مدى نصف قرن تقريباً.
ولقد عزا بعض المؤرخين هذه الثورة إلى إجراءات القمع، التي مارستها الحكومة ضد زعماء القبائل، في تلك المنطقة.
كما أرجعها بعضهم إلى نشر قانون، هدفه تحقيق تتريك الأقليات غير التركية، واندماجها في الشعب التركي.
وقيل إن هذا العصيان، كان مدعوماً من الاتحاد السوفيتي، وإنه زود الثوار، في درسيم ، بالسلاح والمال.
وفي يونيه عام 1937، عقد "ميثاق سعد آباد" بين تركيا وإيران والعراق وأفغانستان، تحت إشراف بريطانيا.
وكان هذا الميثاق موجَّهاً، بصورة رئيسية، ضد الحركات الكردية.
فتقول إحدى موادّه: إن كلاً من الأطراف الموقعة، تتعهد باتخاذ التدابير اللازمة للحيلولة دون قيام أي نشاط لعصابات مسلحة، أو جمعيات، أو منظمات، تهدف إلى إطاحة المؤسسات الحالية، التي تتحمل مسؤولية المحافظة على النظام والأمن، في أي جزء من حدود الأطراف الأخرى"، ولقد انتهى أثر ذلك الميثاق بنشوب الحرب العالمية الثانية.
ثانياً: المسألة الكردية، في تركيا، بعد الحرب العالمية الثانية
استكانت الحركة الكردية المسلحة، خلال فترة الحرب العالمية الثانية، حتى أن جريدة "صون بوستا" (Son Posta) التركية ، قالت، في 11 أبريل نيسان 1946:
"لا وجود في تركيا قَط لأقلية كردية، ولا مستوطنة ولا مرتحلة طلباً للرعي، ولا هي ذات وعي قومي، ولا هي من دونه".
ثالثاً: المسألة الكردية، في تركيا، في فترة تعدد الأحزاب، حتى عام 1980
ظلت المناطق الكردية، في شرقي تركيا، في العهد الجمهوري، تعاني التخلف، في مجالات، الزراعة والصناعة والتعليم، ويطلق عليها "المناطق المحرومة".
ولم تَجِد الحكومة التركية وسيلة لإخماد الثورات والانتفاضات الكردية، غير القمع العسكري، والتهجير والنفي والتعذيب، والتمادي في حرمان الأكراد حقهم في التحدث بلغتهم، أو إصدار جريدة أو مجلة باللغة الكردية.
وكان العسف والقسوة والوحشية، تزداد في فترات الانقلابات العسكرية، التي شهدتها تركيا الحديثة، في أعوام 1960 و1971 و1980 على التوالي.
ولم يطرح أي حلول سلمية لهذه المعضلة، التي لا تعترف بها الحكومة، أصلاً .
لم تسمح الدساتير التركية، في أعوام 1924 و1961 و1981، للأقليات القومية في تركيا، بتأسيس أحزاب سياسية.
مما ولّد في نفوس الأكراد شهوة الانتقام، والتطلع إلى التحرر، ورد العنف بالعنف.
وظلت المناطق الكردية مغلقة، حتى أوائل الستينيات، حين بدأ التململ بين الأكراد، فأسسوا الجمعيات والأحزاب السرية، التي كانت تأخذ، في مسيرتها، بالمناهج الشيوعية الماركسية، اللينية أو الماوية، والاشتراكية، وأخذت تعمل بطريقة سرية، وأحياناً، متضامنة مع حزب العمال التركي اليساري، الذي حظرته السلطات، فيما بعد.
وفي أعقاب الانقلاب العسكري، عام 1960، بقيادة جمال جورسيل، أصدرت لجنة الاتحاد الوطني القانون الرقم 105، في 17 أكتوبر 1961 الذي جرى، بمقتضاه، تهجير العائلات الكردية غير المرغوب فيها، وبصورة قسرية، إلى مناطق أخرى في تركيا.
استمرت الحكومات التركية في سياسة صهر الأكراد، بعد أن منعتهم من فتح مدارس لهم، أو إصدار المطبوعات الكردية، واستخدمت محطات الإذاعة، التي أنشئت في أرضروم وديار بكر ووان، لبثّ اللغة والثقافة التركيتين بين الأكراد. وأغفلت اللغة الكردية وثقافتها.
من جانب آخر، أَولى قادة الحركة القومية الكردية في تركيا، ثقافة الشعب الكردي، اهتماماً كبيراً.
فنشطوا نشر نتاجهم الأدبي باللغة التركية.
فترجمت ملاحم الشعب الكردي مثل ملحمة "ميم و زين" للشاعر الكردي أحمد الخاني (1591 – 1652) باللغة التركية، عام 1968.
ولكنها صودرت، ولم تصل إلى القراء.
نشأت منظمات سرية كردية، في كردستان تناضل من أجل الاعتراف بحقوق الأكراد القومية.
فأُسِّس الحزب الديموقراطي الكردستاني، في تركيا في أواسط الستينيات، وحزب تحرير الأكراد، في تركيا، ورابطة الحرية، ومنظمة مقاتلي كردستان.
إلى جانب المنظمات الكردية السرية، أخذت تتشكل، في السيتينيات، منظمات شبابية، علنية، مستترة بالمؤسسات والمنظمات، الاجتماعية والثقافية، اليسارية التركية.
ففي أغسطس 1969، أنشأت مجموعة من الشباب الأكراد مراكز ثقافية، في شرقي تركيا، ضمن تنظيمات حزب العمال التركي، وبارتباط وثيق معه.
وبلغ عدد المنتسبين إلى هذه المراكز عشرين ألف عضو.
وعملت على تطوير اللغة الكردية، والفلكلور الكردي، وتاريخ الأكراد وأدبهم، ونشطت في نشره.
أرسلت الحكومة التركية وحدات من قوات الكوماندوز والدرك، في أوائل السبعينيات، لشن هجمات على الأكراد، في مناطق: حكاري وماردين وسلوان وباطمان وبيسميلي وديار بكر وملازكرت وتوتاك وتيكمان وكار يازي وكيفي. ورافق هذه الهجمات اعتقالات بين صفوف الأكراد، والتنكيل بالسكان.
وفي أوائل أبريل 1970 حاصرت قوة مسلحة من الكوماندوز مدينة سلوان، بحجة مصادرة السلاح، فلجأ الأهالي إلى العصيان ضد السلطات المحلية.
وقد اعتقل أكثر من ثلاثة آلاف كردي في تلك الأحداث، إضافة إلى تفتيش البيوت وتعذيب الرجال.
وبعد انقلاب عام 1971 أُعلنت الأحكام العرفية، وحالة الطواريء، في 26 أبريل 1971.
وفي أثناء الحملات، التي شملت مناطق البلاد الرئيسية، اعتقل عدد كبير من قيادات الأكراد البارزين، من أمثال: كمال بورقاي وموسى عنتر وطارق زياد إيكنجي ومهدي زانا ومحمد أمين بوز أرسلان ويسف إيكنجي وناجي قوتلاي وجانب إيلدير وغيرهم.
وفي أغسطس 1972 حكمت المحكمة العسكرية في ديار بكر، على عالم الاجتماع البارز، إسماعيل بيشيكجي، بالسجن لمدة 13 عاماً، بتهمة نشاطه في الدعاية الشيوعية والكردية، في محاضراته، في جامعة أرضروم.
نتيجة مساعي حزب الشعب الجمهوري، الذي يسيطر عليه اليساريون، أقرّ البرلمان التركي، في ربيع 1974، قانون العفو، الذي أُطلق، بمقتضاه، المعتقلون من السجون، بمن فيهم عدد كبير من الشخصيات الكردية البارزة، من ذوي الاتجاهات اليسارية.
وفي ظل تغاضي حزب الشعب الجمهوري، بقيادة بولنت أجيفيت، عن أنشطة الحركات السياسية الكردية داخل أروقة الأحزاب اليسارية ، تأسس الحزب الاشتراكي الكردستاني، ومنظمة "طريق الحرية" (Ozgürlük Yolu)، ومنظمة "شمس الوطن" (روزا ولات).
غير أن أكثر الأحزاب نفوذاً، في تلك المرحلة، كان الحزب الديموقراطي الكردستاني، الذي وحّد التنظيمات الكردية السرية.
وفي عام 1974، طرح برنامجه، الذي تمثلت فيه التوجهات الماركسية للحركات الكردية . وكان من أهم بنوده ما يلي:
1. أن ينال الشعب الكردي حق تقرير مصيره بنفسه. ويرى الحزب أنه يمكن تحقيق هذا الهدف من طريق الثورة الوطنية والديموقراطية والنضال الشعبي. ولهذا، قرر الحزب إنشاء قوات المقاومة المسلحة (المادة الثانية).
2. يترتب على الحزب الديموقراطي الكردستاني، في تركيا، بعد تشكيل الجيش الشعبي، تطهير المناطق الكردية من القوات المسلحة التركية، وإقامة سلطة شعبية ديموقراطية في كردستان التركية.
ولكي يقرر الحزب مصيره، بصورة مستقلة فإنه ينشئ جبهة معادية للإمبريالية والفاشية والإقطاعية.
وتضم هذه الجبهة جميع فئات الشعب الكردي، وكل القوى الديمقوراطية الوطنية.
3. يرى الحزب أن القوى الأساسية للشعب الكردي، هي جماهير الفلاحين، ويعتمد عليهم في أنشطته، ولكنه يسترشد بأيديولوجية الطبقة العاملة (المادة الرابعة).
4. يرى الحزب، أن العدو الرئيسي لجميع الشعوب المناضلة في سبيل التحرر، القومي والوطني، هو الإمبريالية، التي أبرمت معاهدات، سياسية وعسكرية، مختلفة مع الحكومة التركية.
5. يجب رسم حدود كردستان التركية حسب العوامل، العرقية والجغرافية والاقتصادية والتاريخية (المادة السابعة).
6. ستكون اللغة الكردية لغة رسمية في كردستان التركية (المادة الثانية).
7. المجموعات العِرقية، غير الكردية، في كردستان التركية، ستوفَّر لها الظروف لتطوير ثقافتها ولغتها (المادة الثانية والعشرون).
إذ كان الحزب الديموقراطي الكردستاني، يعمل في السر، فإنه لم يتمتع بنفوذ كبير بين الجماهير، ولم يكن لديه قوة، مادية وعسكرية، كافية لتحقيق أهداف الكراد في حق تقرير المصير.
في عام 1975، شكلت الشبيبة الكردية، في كلٍّ من استانبول وأنقرة، جمعيات ثقافية علنية، باسم "نوادي الثقافة الثورية الديموقراطية" (Devrimci Demokratik Kültür Dernekleri)، انضم إليها عدد كبير من الأعضاء السابقين في المراكز الثقافية في شرقي تركيا.
وأظهرت نشاطاً ملحوظاً في المناطق الكردية، مثل: ديار بكر وقزلتبه وديرابك ومازي داغ والجزيرة وحكاري وغيرها.
كما عملت في كردستان التركية، وبصورة علنية، جمعية النساء الثورية الديموقراطية، ومجموعة المعلم الديموقراطي، ومنظمات أخرى، تزيد على عشر جمعيات ومنظمات كردية، صغيرة ومتنوعة، ذات صبغات سياسية مختلفة.
أواخر ديسمبر 1978، وقعت حوادث دموية في مدينة قهرامان مرعش، في جنوبي شرقي تركيا، راح ضحيتها أكثر من مائة شخص، وجرح المئات، نتيجة للصراع بين السُّنة الذين مثلتهم ميليشيات الحزب التركي القومي، اليميني المتطرف، أتباع ألب أرسلان توركش، وبين العلويين، الذين كان أغلبهم من الأكراد.
ومن الفور، أعلنت الحكومة حالة الطوارئ، لمدة شهرين في ثلاث عشرة ولاية من ولايات تركيا، التي تسكنها أغلبية كردية.
في مارس 1979، أصدرت القيادة العسكرية، في ظروف حالة الطوارئ قرارات تمنع صدور وبيع أكثر من عشرين جريدة يسارية، ومنها المطبوعات الكردية، الصادرة باللغتين، التركية والكردية، مثل: "روزكاري"، و"روزا ولات"، و"الشباب الديموقراطي الثوري" (Devrimci Dimokrat Gençlik)، وغيرها.
في النصف الأول من أبريل 1979، زار العراق قائد الأركان العامة للجيش التركي، الجنرال كنعان أفران، وأجرى مباحثات للتنسيق بين البَلدين في مقاومة الحركات الكردية.
يتبع إن شاء الله...
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رابعاً: المسألة الكردية، في تركيا، بعد انقلاب 1980 الثلاثاء 17 يوليو 2012, 5:04 pm | |
| رابعاً: المسألة الكردية، في تركيا، بعد انقلاب 1980
ظلت الأحكام العرفية وحالة الطوارىء مفروضة على ولايات شرقي تركيا، مثل: آدي يمان وديار بكر وسعرت وماردين وتونجالي وأرضروم وغيرها، حتى الانقلاب العسكري، بقيادة الجنرال كنعان أفران، في 12 سبتمبر 1980، الذي أطاح الحكومة المدنية، وأوقف العمل بالدستور، وحل المجلس النيابي، وحل الأحزاب والجمعيات السياسية، وفرض الأحكام العرفية في كافة أنحاء تركيا.
وشدد قبضته على البلاد، وأخذ يتعقب الجمعيات والمنظمات السرية الكردية، لاجتثاثها. فاعتقلت السلطات العسكرية آلافاً من الشباب الكردي اليساري، وتحولت السجون والمعتقلات إلى مسارح للتعذيب، وقتل كثير منهم أثناء التعذيب، وحددت إقامة أكثر من اثني عشر ألف كردي، كمتهمين، وسيق منهم أكثر من عشرين ألفاً إلى السجون. ووجهت إليهم تهمة تقسيم الأُمة التركية إلى عرقين وقوميتَين، وإدخال لغة غير اللغة التركية إلى البلاد.
وشن الحكم العسكري حملة عسكرية، في شرقي تركيا للقضاء على الزعامات الكردية. وصرح رئيس الدولة التركية، الجنرال كنعان أفران، في 19 أكتوبر 1981، إلى مجلة "دير شبيجل" الألمانية، قائلاً: "انتفض الأتراك، مراراً، وثاروا في عهد الامبراطورية العثمانية، وفي عهد أتاتورك. أمامنا خطة جهنمية. فعندما يدب الضعف في أوصال الجمهورية التركية، يثور الأكراد، فهم يريدون تقسيم تركيا بمساعدة القوى الخارجية".
وضع الإنقلابيون، في نوفمبر 1982، الدستور التركي الجديد، الذي تجاهل أي إشارة إلى حقوق الأكراد أو ألأقليات في تركيا. فقد نص في مقدمته على: أن كل مواطن تركي، يملك حق ممارسة حياة كريمة، في ظل محيط الثقافة القومية، والنظام والقانون، وتطوير وضعه، المادي والروحي، في هذا الاتجاه. وأشارت المادة العاشرة إلى أن جميع المواطنين متساوون أمام القانون، من دون تمييز في اللغة، أو العِرق أو لون البشرة، أوالمعتقدات السياسية، أوالآراء الفلسفية، أوالدين والمذهب.
وجاء في المقدمة، كذلك، أن "الدستور يتطابق والفهم القومي لمؤسس الجمهورية التركية (أي مصطفى كمال أتاتورك)"، وأن مفهوم "السيادة هي للأمة التركية مطلقاً، من دون قيد أو شرط".
فالدستور يرى أن تركيا، لا يعيش فيها سوى الأتراك، فيقول: "كل من يرتبط بروابط الجنسية للدولة، فهو تركي".
ونصت المادة (42) من الدستور على أنه "لا يجوز التدريس بلغة أخرى، سوى اللغة التركية، في المؤسسات التعليمية، لكونها اللغة الأم". وهذا يعني عدم أحقية أطفال الأقليات في التعلم بلغتهم الأم. وذلك هو جوهر عملية الصهر للأقليات في تركيا.
وكما في السابق، حظر التكلم باللغة الكردية، أو التخاطب بها، أو التدريس بها. وحظر الاستماع إلى الأغاني والموسيقى الكردية، أو ارتداء الزي الكردي القومي.
اتخذ الحكم العسكري قراراً بإنشاء شريط أمني على طول الحدود مع سورية والعراق وإيران، يراوح عرضه 10 و 20 كم، وفرض الحظر على السفر إلى المناطق الكردية، من دون تصاريح، ونُقل مقر قيادة الجيش الثاني من قونية إلى ملاطية، حيث موطن الأكراد.
أعاد المجلس الاستشاري، في مايو 1983، السياسات التركية القديمة، المتعلقة بتهجير الأكراد. فصدر قانون الإسكان القومي (Milli Iskan Yasasi)، وبموجبه، منحت السلطات الحكومية حق تهجير السكان، بذريعة الأمن القومي، وطرد المتمردين والإرهابيين.
إزاء هذه المعاملة السيئة، اضطر كثير من المثقفين الأكراد إلى مغادرة تركيا إلى سورية ولبنان وأوروبا الغربية (خاصة ألمانيا والسويد )، حيث يواصلون إصدار مطبوعاتهم، والبث من محطة تليفزيون فضائية، هي "ميد تي في" (Med TV)، لتسليط الضوء على الوضع في كردستان، وسياسة الحكومات في الشرق الأوسط إزاء المسألة الكردية .
بداية العمليات المسلحة الكردية في تركيا
عمد حزب العمال الكردستاني (Parti-ye Karkaran-e Kurdistan)، المعروف، اختصاراً، بـ (PKK)) والذي تأسس عام 1979، إلى النشاط الإرهابي ضد المصالح التركية، في الداخل والخارج عام 1984، مطالباً بالانفصال عن تركيا، وتأسيس كردستان المستقلة في شرقي تركيا. وتعاون في بعض المراحل مع المنظمة الإرهابية الأرمنية "أصالا" (ASALA)، التي تحارب، هي الأخرى الدولة التركية.
وتعقبت السلطات العسكرية التركية، منتهزة فرصة انشغال العراق بالحرب مع إيران، العناصر الكردية المقاتلة في شمالي العراق، ومستفيدة من المعاهدة الموقعة في عام 1978، بين تركيا والعراق، التي نصت المادة الأولى منها على: " أنه في حالة تسلل أفراد من أي دولة إلى داخل حدود الدولة الأخرى، يلقى القبض عليهم ويسلمون إلى دولتهم". ونصت المادة الرابعة على "أن يتخذ الطرفان التدابير الكفيلة بإيقاف عمليات التخريب، التي تجري في المناطق الحدودية للبلدين"
فاجتازت القوات التركية، في مايو 1983، الحدود العراقية، للمرة الأولى، بموافقة الحكومة العراقية، وتوغلت في شمالي العراق إلى عمق 30 كم. وبلغ قوام تلك القوات 15 ألف جندي، لضرب قواعد الثوار الأكراد. ولكنها اصطدمت بمقاومة عنيفة من قوات البيشمركة، التابعة للحزب الديموقراطي الكردستاني، المتمركزة في تلك المنطقة.
حاول رئيس وزراء تركيا، تورجوت أوزال (1983 - 1989) النهوض بمنطقة جنوبي شرقي تركيا. فاعتمدت حكومته مشروع جنوبي شرقي الأناضول (Güney Anadolu Projesi GAP) الذي يشمل إقامة سد أتاتورك على الفرات، ويهدف إلى تنشيط الزراعة والصناعة والحياة الاقتصادية في المنطقة، خاصة بعد اكتمال العمل في سد أتاتورك على الفرات. وأسست الحكومة، عام 1984، مناطق حرة للاستثمار، في 27 ولاية تركية، ضمت كل ولايات شرقي وجنوبي شرقي تركيا،أعفيت من 60% من مقدار الضريبة المستحقة.
خامساً: المسألة الكردية، في تركيا، بعد عام 1991
يُعَدّ الرئيس التركي، تورجوت أوزال (1989-1993) أول رئيس تركي، يخطو خطوة في سبيل الحل السلمي للمعضلة الكردية في تركيا. وأظهر شجاعة لا تنكر، في اتخاذه بعض القرارات المهمة في مصلحة الأكراد.
في أثناء أزمة الكويت عام 1991، تردد في الجرائد التركية بعض الأخبار، غير المؤكدة رسمياً بأن أوزال ينوي حل المسألة الكردية في تركيا بأساليب ديموقراطية، وأنه سيجعل من تركيا مثالاً لدول المنطقة، في تعاملها مع الأكراد. وصرح في أبريل 1990 بأن حكومته تبحث عن صيغة جذرية لحل المشكلة الكردية، و لا تحبذ الخيار العسكري القائم.
وقد كان متوقعاً، أن يشجع هذا الأمر أكراد العراق، القاطنين في منطقة غنية بالنفط - على الانضمام، طوعاً، إلى تركيا، إذ ستتحول إلى دولة ديموقراطية فيدرالية كردية - تركية. إن مثل هذا الاتحاد من شأنه أن يقوي تركيا، وسيحل الأزمة الرئيسية للاقتصاد التركي، المتمثلة في الحاجة إلى النفط.
فبعد انتفاضة الأكراد في شمالي العراق، في أبريل 1991، عقب حرب تحرير الكويت، خشي الأتراك من قيام دولة كردية مستقلة فيها، وصار هاجسهم الأكبر، أن تتحول تلك المنطقة قاعدة لحزب العمال الكردستاني (PKK)، الذي يخوض حرباً إرهابية ضد المصالح التركية، في الداخل والخارج، منذ 1984. ولتفادي ذلك، انتهج الرئيس تورجوت أوزال، في أثناء أزمة الخليج، سياسة مختلفة تجاه المسألة الكردية، تقوم على:
1. ربط الدعم التركي للتحالف الغربي ضد العراق، بتعهد من الإدارة الأمريكية بالحيلولة دون قيام دولة كردية مستقلة، في مرحلة ما بعد الحرب.
2. اتخاذ سياسة اللين تجاه الحركة القومية الكردية، في العراق وتركيا. ففي تركيا، وأعلن الرئيس التركي، تورجوت أوزال، مبادرته، في ديسمبر 1990، رفع الحظر عن استخدام اللغة الكردية، في الحديث والتخاطب فقط. ثم أصدرت الحكومة التركية قراراً، في فبراير 1991، برفع الحظر عن اللغة الكردية، خاصة فيما يتعلق باستعمالها في الأماكن العامة، والتحدث بها، واستخدامها في الوسائل السمعية والمرئية، وسمحت بإصدار المطبوعات والصحف بها. ولكن ذلك لن ينسحب على لغة التعليم والدراسة. وصدرت، في هذه المرحلة، جريدة كردية، باسم (روزنامه)، ومجلة "دنك" (Deng) أي الصوت.
كما أصدرت الحكومة، في عهد أوزال، عفواً عاماً عن السجناء الأكراد.
واستقبلت تركيا آلاف النازحين الأكراد من العراق، عقب الانتفاضة، التي قاموا بها، في أبريل 1991، مما خلع على تركيا، أمام الاتحاد الأوروبي، مظهر الراعي للمصالح الكردية.
كما خطا أوزال خطوة أخرى، غير تقليدية، وهي فتح قنوات الاتصال الرسمية مع القيادة الكردية في العراق، إذ سمح للجبهة الكردستانية العراقية بفتح مكتب لها في أنقرة، يرعى عملية إيصال المساعدات الغربية، الإنسانية والطبية، إلى كردستان العراقية.
وقد أحدثت قرارات أوزال صدى واسعاً، وساعدت على كسر الحاجز النفسي في تركيا تجاه المسألة الكردية. ووصل الأمر بالنائب نور الدين يلماز، عضو البرلمان التركي، عن ماردين، وهو ينتمي إلى حزب الرئيس أوزال "الوطن الأم" أن يخاطب البرلمان التركي، قائلاً: "أنتم الترك لستم من الأناضول، بل أنتم من آسيا الوسطى. وهناك عشرون مليوناً من الكرد، يعيشون على هذه الأرض قبْلكم".
ولكن قرارات أوزال، لم تكن كافية، في نظر بعض القوميين، من الأكراد، لأنه لم يرفع الحظر عن اللغة الكردية، في الدوائر الحكومية والتعليمية. وردَّ أوزال على ذلك، قائلاً: " في المستقبل، ستتخذ إجراءات أخرى نحو الاعتراف بالحقوق القومية للكرد، ولكن الأمر يحتاج إلى صبر".
وكان لتركيا دور كبير في الوساطة بين الحزبَين الكرديَّين العراقيَّين، ووفرت لهم فرصة التقاء المبعوث الأمريكي، بليترو، في أنقرة.
ولم يقدر النجاح لخطوات أوزال تلك، بسبب الضغط والمعارضة الشديدة، الَّلَذين تعرض لهما من قِبل العسكريين، حماة الجمهورية الأتاتوركية، ومن الأحزاب والقوى اليمينية المتطرفة. ثم جاءت وفاته المفاجئة في 17 أبريل 1993، لتعود الأمور الكردية، في تركيا، إلى الخيارات العسكرية.
ولقد طرأت تغيرات مماثلة، لدى بعض الزعماء السياسيين الأتراك، إزاء المسألة الكردية. فسليمان ديميريل، مثلاً، الذي صرح، في أثناء تزعمه المعارضة، في 26 مارس عام 1989، قائلاً: "إن فتح ملف المسألة الكردية، في تركيا، للنقاش، سيؤدي إلى تفكيك البلاد، التي تضم أكثر من 26 أقلية عِرقية. وكل حديث عن وجود مسألة كردية قومية، في تركيا، هو تصرف غير مسؤول، وخيانة في حق الوطن". وهو نفسه، أجرى تغييراً مفاجئاً في موقفه، حينما اقتربت الانتخابات، فصرح بأنه إذا فاز في الانتخابات، سيعالج المسألة الكردية بالود والحب. لكنه لم يخفِ نيته ضرب المقاومة الكردية بالحديد والنار. وبعد تولّيه رئاسة الوزارة، زار المنطقة الكردية، في أول ديسمبر 1991، وصرح، قائلاً: "إن حكومته تقر بالواقع الكردي في تركيا، وتسعى لايجاد حل سياسي له".
ولهذا، نجد أن حكومة سليمان ديميريل، ومن بعده تانسو تشيلر، تحاول الاقتراب من طرح جديد للسياسة التركية تجاه الأكراد، مَبنيّ على الحل الإداري، بتوسيع الصلاحيات في الأقاليم، التي تقطن فيها غالبية كردية، مع تبنّي سياسة الاستيعاب.
وفي هذا السبيل، قررت تنفيذ عدة برامج للإصلاح، السياسي والاقتصادي العاجل، في المناطق الكردية. غير أن تشيلر، اضطرت إلى التراجع عن هذا النهج، تحت وطأة المعارضة، التي أظهرها القوميون المتشددون، الذين ترسخ في أذهانهم، أن المسألة الكردية، لا تعدو أن تكون توجهاً عنصرياً، يستهدف زعزعة الوطن، وليست قضية مواطنين، لهم هوية ثقافية وعِرقية متميزة.
وعلى العموم، فالحكومة التركية، تنظر إلى المشكلة الكردية على أنها مشكلة أمنية، في الدرجة الأولى. ولم تفرق بين ظاهرة العنف الكردي أو ظاهرة حزب العمال الكردستاني، وبين المشكلة الكردية، التي تتمثل في حق هذه المجموعة من السكان في الاعتراف بثقافتهم ولغتهم وأزيائهم، وكامل الحقوق الإنسانية الأخرى.
سادساً: العنف المتبادل بين القوات التركية وحزب العمال الكردستاني التركي
خلت الساحة الكردية من الأحزاب الفاعلة في المجال العسكري، الذي احتكره حزب العمال الكردستاني (PKK)، وبادر إلى تصعيد أعماله الإرهابية ضد المصالح التركية، في الداخل والخارج، بل ضد المواطنين الأتراك، وكذلك مَن يتعاون مع الحكومة التركية من الأكراد.
لم تهدأ هذه العمليات، في أي وقت من الأوقات، منذ عام 1991 ، بعد هزيمة العراق في حرب الخليج الثانية ، وفقْد حكومة العراق السيطرة على أراضيها، في الشمال، نتيجة قرار مجلس الأمن فرض "منطقة الحظر أو المنطـقة الآمنة" شمال خط العرض 36 ، الذي أعقبه امتداد نفوذ الأكراد إلى منطقة كردستان العراقية، ثم نشاط حزب العمال الكردي، الذي أتاح لحكومة تركيا حرية اختراق حدودها مع العراق، في أي وقت تشاء ، وبأي حجم من القوات. وفي كل مرة، تعلن تركيا أن "هدف العملية، هو حماية الدولة التركية من الهجمات الإرهابية لحزب العمال الكردستاني ، وأنها لا تهدف أبدا إلى انتهاك سيادة العراق". وقد اتخذت العمليات العسكرية الصور الآتية:
1. الحرب بالوكالة ، وذلك من طريق دعم الحزب الديموقراطي الكردستاني ، والتحالف معه، لإحباط نيات حزب العمال الكردستاني التركي، وتدمير قواعده، وإجباره على الدفاع عن نفسه في أراضي العراق نفسها، بدل أن يكثف أنشطته ضد الأراضي التركية. وهذا الصراع شبه متواصل، ولكنه يقوى ويخبو، طبقاً لحجم الدعم وتحقيق المطالب. والصراع بين الحزبَين العراقيَّين، الدويمقراطي والوطني، لئن كانت تؤثر فيه العوامل المناخية، فإن في جميع الأحوال دائم.
2. الإغارات التركية المحدودة، ضد قواعد الحزب، في شرقي وجنوبي شرقي تركيا، وفي داخل الأراضي العراقية. وهي مستمرة، كذلك، على فترات، طبقاً لحجم المعلومات عن احتمالات نشـاط الحزب المستقبلية، أو نيته مهاجمة الأراضي التركية، أو لفرض السيطرة عليه، وإنزال أكبر خسائر به، وتكون هذه الإغارات، في الغالب، عبر اختراقات جوية، لقصف مواقع الحزب، أو قصف بالمدفعية للتجمعات على الحدود ، أو من خلال "كوماندوز" أتراك، ينفذون عمليات محدودة، بالتعاون مع "البشمركة"، في الحزب الديموقراطي الكردستاني.
3. الهجمات الشاملة، بقوات كبيرة، التي تنظمها الحكومة التركية، على فترات، لتدمير قواعد الحزب. ويستخدم فيها أفرع القوات المسلحة التركية (قوات برية - قوات جوية - أجهزة استخبارات ... إلخ) ، وغالباً ما تتزامن مع أزمات داخلية تركية، مثل تدعيم موقف الأحزاب الحاكمة في انتخابات قادمة، أو شغل الجيش بمهام قتالية، لإبعاده عن تطورات سياسية. وكانت الحكومة التركية، أحياناً، تتعاون، في هذا المجال، مع الحكومة الإيرانية .
صعد حزب العمال الكردستاني عملياته ضد المصالح التركية، في الداخل والخارج. فقد أراد تحويل الاحتفال بالنوروز (عيد رأس السنة الكردية) في 21مارس1992 إلى انتفاضة شاملة، وبداية جديدة للصراع مع الحكومة التركية. فشهد ذلك اليوم مظاهرات جماهيرية في المدن الكردية في شرقي تركيا. وطالب المتظاهرون السلطات التركية بالاعتراف بحقوقهم، وإنهاء الحكم العرفي في المنطقة. إلا أنها استعملت الدبابات والمصفحات المدرعة، لتفريقهم. وأدى ذلك إلى مقتل قرابة مائة شخص، وجرح العشرات.
عمدت الحكومة التركية، في محاولة منها لخلق حاجز بين الشعب الكردي ومسلحي حزب العمال، إلى تشكيل جيش من الأكراد المسالمين، برئاسة شيوخ العشائر الكردية، وأبناء الإقطاعيين، وأطلقت عليهم اسم "كوي قوروجولري"، أي حراس القرى. وناهز تعدادهم، في نهاية الثمانينيات، حوالي 15 ألف مسلح.
ورد حزب العمال على الخطوة الحكومية، بالقضاء على الرؤوس المدبرة لهذا الجيش، وطاول عنفه عائلات هؤلاء المتورطين مع الحكومة، علماً بأن كثيراً من سكان القرى الحدودية أجبروا على حمل السلاح ضد حزب العمال. إذ وضعتهم قوات الأمن التركية أمام خيارَيْن، لا ثالث لهما؛ إما حمل السلاح مع قوات حراس القرى، أو اعتبارهم من أنصار حزب العمال، فتدمَّر قراهم.
وحاول الاتحاد الوطني الكردستاني، العراقي، بقيادة الطالباني، التوسط بين حزب العمال والحكومة التركية، لإيجاد صيغة ملائمة لوقف العمليات العسكرية، في مقابل حصول حزب العمال على بعض الميزات. وقد أبدى "عبدالله أوج آلان"، رئيس الحزب موافقته على الوساطة ، والتخلي عن "مطالب الاستقلال". إلا أنه لم تمضِ إلا فترة قليلة، حتى اشتعل قتال "بشمركة" الحزب مع الحزب الديموقراطي الكردستاني، العراقي، في صيف 1992. ثم بادر الحزب الديموقراطي الكردستاني إلى خطوة أبعد، بفرض رسوم على نقل البضائع بين تركيا وأكراد العراق، مما أثر في اقتصاديات المنطقة.
شن الجيش التركي، في نوفمبر 1992، هجوماً على مواقع لحزب العمال الكردستاني في شمالي العراق، بقوة تقدر بحوالي خمسة عشر ألف مقاتل، يساندهم حوالي 300 دبابة ، واستمرت القوات التركية في أراضي العراق لمدة شهر، ثم انسحبت.
وانطلقت حملة تركية أخرى، في الفترة من مارس إلى مايو 1995، بقوات ضخمة، قوامها 35 ألف جندي، وتوغلت إلى مسافة 40 كم داخل العراق. وشُن، خلالها، الكثير من الهجمات والإغارات والقصف، الجوي والمدفعي، ضد قواعد حزب العمال الكردستاني، في هافتانين وميتنا وهاكورك. وكانت هذه الحملة متسقة مع الحملات العسكرية، اليومية، التي يشنها الجيش التركي، ضد المتمردين الأكراد في جنوبي شرقي تركيا.
كان هجوم الجيش التركي، في الفترة من مايو إلى يوليه 1997، هو الأشد والأعنف، وكان أحد أهدافه السياسية "إبعاد الجيش عن الصراع الجاري داخل تركيا، نتيجة اتجاه حزب "الرفاه الإسلامي" إلى إصلاحات دينية، ضد الاتجاه "العلماني"، الذي يتولى الجيش الحفاظ عليه. وقد بدأ الهجوم في 14 مايو 1997، بالتحالف مع الحزب الديموقراطي الكردستاني. وأعلنت البيانات التركية، خلال هذه الحرب، قتل مئات من أعضاء حزب العمال ، وتدمير قاعدة نراب (Nirab)، وهي قاعدته الرئيسية، ورفع العلم التركي عليها . ثم أعلنت القوات التركية أنها ستقيم منطقة آمنة، داخل حدود العراق، يراوح عمقها بين 10 و 50 كم، وكانت قد توغلت حوالي 100 كم داخل الأراضي العراقية. إلا أن هذا الإعلان، وُوجه برفض تام من جميع الدول.
بعدها أعلنت الحكومة التركية عن انسحاب قواتها من شمالي العراق. بينما أعلنت بغداد أن قوات تركية لا تزال موجودة في المنطقة.
الهجوم الكاسح، بدأ في 23 سبتمبر 1997، لضرب مواقع لحزب العمال في شمالي العراق. وأعلن العراق أن حجم القوات التركية المهاجمة، حوالي 16 ألف مقاتل، ومائتي دبابة، وأذاعت وكالات الأنباء، أن هذا الهجوم جرى بالتنسيق مع الحزب الديموقراطي الكردستاني، بعد تأمين ضفتَي نهر دجلة لقطع الطريق على حوالي ألف من أعضاء حزب العمال الكردستاني، ومنعهم من الهرب في اتجاه سورية أو إيران. وقد استمر هذا الهجوم حوالي 23 يوماً، أعلنت، خلاله، تركيا، أنها قتلت أكثر من 800 فرد مـن أعضاء حزب العمال ، ودمرت العديد من القواعد. ثم أعلنت القوات انسحابها، لتبدأ حرب بالوكالة، بين الحزب الديموقراطي الكردستاني، المتحالف مع تركيا، لاستكمال تدمير قواعد حزب العـمال ، وبين الاتحـاد الوطني الكردستاني، "حامي حمى حزب العمال". وتكاد تكون مسيرة القتال هي المسيرة نفسها في مواجَهة الحزبين، في سبتمبر 1996 ، ولكن مع استبدال تركيا بالعـراق، في دعم أعمال قتال الحـزب الديموقراطي، إذ تدخل الطيران التركي في القتال لمصلحته، كي يمكّنه من استعادة مناطق فقدها ، واستولى عليها الاتحاد الوطني.
وهو ما يوحي بأن أطراف الصراع، وضعت حدوداً للتوازن بين قوى الأكراد، في شمالي العراق، لا يسمح بتخطِّيها.
شُنّ آخر الحملات التركية على قواعد حزب العمال الكردستاني، في تركيا وفي شمالي العراق، في 4 مايو 1998.
ولقد أسفرت الحملات العسكرية التركية عن عدد كبير من الضحايا الأكراد، قدِّر، حتى أواسط عام 1996، بنحو عشرين ألف قتيل، معظمهم من المدنيين. ومع حلول عام 1994، أُرغم حوالي أربعة آلاف مدرسة على إقفال أبوابها، بسبب استهداف حزب العمال المدرسين، الذين يحمّلهم مسؤولية نشر الثقافة التركية البغيضة بين الأكراد. وأدى القتال، والشعور بعدم الأمان، الناجم عن ممارسات القوات الحكومية، إلى إفراغ أكثر من 2600 قرية ودسكرة من سكانها، مما أسفر، بدوره، عن تدفّق أكثر من مليونَي فلاح كردي على المدن، القريبة والبعيدة، على حد سواء. وشكل هؤلاء عبئاً على تلك المدن، بسبب افتقاد الترتيبات لإيوائهم، كما أنهم تحولوا إلى خزان بشري، تولى إمداد حزب العمال بالأعضاء والمناصرين.
وأنفقت الخزينة التركية ملايين الدولارات، لقمع الحركات الكردية المسلحة. فقد بلغت نفقات الحرب في كردستان التركية، حتى مطلع عام 1994، وفقاً لوزير الدولة السابق علي شوقي أرك، 8.2 مليارات دولار سنوياً. وبلغت نفقات الحرب، ضد حزب العمال منذ اندلاعها وحتى اليوم، 40 مليار دولار، وفقاً للتقديرات المتداولة.
سابعاً: الأطراف الأخرى، ومواقفها من حزب العمال
تتهم تركيا كلاً من سورية وإيران، بتمويل حزب العمال الكردستاني (PKK)، وإمداده بالسلاح، لاستخدامه ضد أهداف تركية، وتنفي كلتا الدولتَين ذلك، على الرغم من وجود فروع للحزب في كلا البلدَين، ولجوء مسلحيه إليهما، كلما اشتدت الحملات العسكرية ضده.
استخدمت تركيا موضوع مياه الفرات ورقة ضغط ضد سورية، التي تؤوي عاصمتها زعيم حزب العمال الكردستاني، عبدالله أوج آلان ، وتسمح لعناصره بالتدريب في سهل البقاع، الذي تشرف عليه القوات السورية في لبنان.
كذلك، استخدمت اليونان هذا الحزب ورقة ضاغطة على تركيا، في نزاعهما حول قبرص وبحر إيجة وغيرهما من المسائل العالقة بين البلدَين، من منطلق أن عدو عدوي، هو صديقي. وأمدت الحزب بالدعم المادي، من أسلحة وتدريب، وافتتحت اليونان، مؤخراً، في العاصمة، أثينا، مقراً لهذا الحزب. وذكر أنه افتتح مقراً له في أرمينيا.
وسمح بعض الدول الأوروبية، مثل ألمانيا والسويد، لبعض تشكيلات الحزب بالعمل في أراضيها، وبث دعايتها عبر التليفزيون، باللغة الكردية.
ولكن الولايات المتحدة الأمريكية متضامنة مع تركيا، في هذا الخصوص، وترى أن حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية.
وتتهم الحكومة التركية الاتحاد الوطني الكردستاني، بقيادة جلال الطالباني، بالتواطؤ مع حزب العمال الكردستاني التركي. بينما تزداد الكراهية بين حزب العمال والحزب الديموقراطي الكردستاني ، نظراً إلى العلاقات المتنافرة بين قائدَي الحزبَين، مسعود البارزاني، وعبدالله أوج آلان . أما سائر الأحزاب والعشائر الكردية العراقية، فإنها تتحفظ دائما في موقفها من حزب العمال ، نظراً لما يسببه لها من متاعب، مع القوات التركية أو الأحزاب الكردية العراقية.
ونجحت الحكومة التركية في أن تتحالف مع الحزب الديموقراطي الكردستاني، العراقي، ليضطلع بقتال حزب العمال الكردستاني، التركي، "بالوكالة عنها".
وقدم الحزب الديموقراطي الكردستاني بقيادة مسعود البارزاني، خدمة إلى الحكومة التركية، بتمكينها من القبض على شمدين صاقيق، أحد القادة العسكريين في حزب العمال الكردستاني، الذي لجأ إلى البارزاني، في شمالي العراق، بعد أن انشق على حزبه. جرى ذلك في 13 أبريل 1998، حين دهمت القوات التركية دهوك، في شمالي العراق، ونجحت في خطف شمدين صاقيق، ونقله في طائرة عمودية إلى تركيا، حيث يحاكم بسبب مسؤوليته عن مجزرة، ذهب ضحيتها 33 جندياً تركياً، في مايو 1993، في جنوبي شرقي تركيا.
ثامناً: لماذا لم تنجح الحملات العسكرية التركية ضد حزب العمال الكردستاني؟
يرجع ذلك إلى عدة أسباب، تضعها الحكومة التركية في تقديرها، ولكن لا يمكنها التغلب عليها. وهي:
1. منعة المنطقة الجبلية التي يحتمي بها أعضاء حزب العمال، ووعورة جبالها، التي تحول دون نجاح القوات في الوصول إليها، وتُفقِد القصف، الجوي والمدفعي، تأثيره. وكذلك، العوامل المناخية، وقرس البرد، وتراكم الثلوج في شرقي تركيا، تعوق العمليات الحربية، طوال الشتاء، انتظاراً لقدوم الربيع.
2. لجوء قيادات وقوات من حزب العمل إلى إيران أو سورية، عند بدء العمليات التركية. وقد حاولت القوات التركية، خلال حملتها في سبتمبر 1997، قطْع طرق الهروب، في وجه مقاتلي الحزب، ولكنها لم تنجح.
3. نظراً إلى تحالف تركيا مع الحزب الديموقراطي الكردستاني، العراقي، فإن إيران، بدورها، تحاول دعم حزب العمال، من طريق الاتحاد الوطني الكردستاني.
4. انتشار القواعد في القرى ، وبين العشائر، يجعل القوات التركية مشتتة في التفريق بين من هو كردي تركي ، وكردي عراقي.
تاسعاً: مأزق حزب العمال الكردستاني
يواجه حزب العمال الكردستاني، على الرغم من قوّته العسكرية، ونشاطه الواسع على الساحة التركية، مأزقاً عقائدياً (أيديولوجياً)، يتمثل في العقيدة السياسية للحزب، وهي المبادئ الماركسية الستالينية. ولهذا يركز الحزب هدفه في بناء دولة شيوعية في كردستان. وقد شهد عدة انشقاقات في صفوفه ، فكان نصيب المنشقين التصفية الجسدية.ويفتقر الحزب إلى الديموقراطية أو الشورى. وكانت شعاراته المتطرفة، قد أكسبته تأييد الجماهير في الماضي ، ولكن بعد تنامي الحركة الإسلامية في تركيا، وتفكك الأنظمة الشيوعية والاشتراكية في العالم، فقدت تلك العقائد والشعارات مكانتها. ويحاول الحزب، اليوم، استخدام بعض الشعارات الإسلامية، ويعمل على احتواء التحرك الإسلامي في كردستان التركية، بتأسيس خط العلماء المبارزين (المناضلين)، داخل حزب العمال. وصرح عبدالله أوج آلان، زعيم الحزب، في أبريل 1990، قائلاً: "إنه سيوظف الدين في المقاومة الكردية، وإنه سيتجاوز إيران في ذلك".
ولكن هذا العمل أثار حفيظة الإسلاميين الأكراد، المنضوين تحت قيادة حزب الله، في كردستان التركية، خاصة جناح الملا حسين ولي أوغلو. وبدأت بين الطرفين مواجهة مسلحة. وتدّعي جماعة حزب الله، أن مسلحي حزب العمال، يحاولون احتكار العمل السياسي، وأنهم ينفذون مخطط أعداء الإسلام، في كردستان، ويدربون الشباب الكردي، في أجواء غير إسلامية، ويربونهم على العقيدة الماركسية. إزاء ذلك، يحتمل أن يتخلى الحزب عن برنامجه الراديكالي، المعادي للإمبريالية الغربية، والإقطاع الكردي ، لأن استمراره في رفع الشعارات الماركسية، يدل على عدم وجود تقويم موضوعي للأحداث العالمية، عند قيادة الحزب. والدليل على ذلك، أن الأحزاب الماركسية، اختفت، تقريباً، من الخريطة السياسية العالمية، وعلى الرغم من ذلك، لايزال عبدالله أوج آلان يصرح بأنه "ينوي إعادة ثورة أكتوبر الشيوعية في كردستان". ومن العوامل التي ستضطر الحزب إلى تعديل برنامجه هي الصحوة الإسلامية في تركيا العلمانية، والمكتسبات التي حققتها، على صعيد العمل السياسي، بفوز حزب "الرفاه" في الانتخابات، إلى درجة جعلته أكبر الأحزاب في تركيا، وتوليه الحكم لفترة محدودة (1996-1997).
عاشراً: أهم الأحزاب الكردية، في تركيا
1. الحزب الديموقراطي الكردستاني " كوك"
تأسس عام 1965 من مجموعة من الاقطاعيين والملاك الأكراد ، وكان ذا اتجاهات يمينية ، ولم يفكر في التعاون مع القوى اليسارية. ولكن بعد فترة، نما، داخل الحزب، تيار يساري ووقع صراع مع الجناح المحافظ، في عام 1971، بعده تغلب الجناح اليساري على قيادة الحزب، بعد عام 1977، وطرد كل العناصر، اليمينية والمحافظة.
وأخذ هذا الحزب يعمل تحت واجهة شبه علنية، باسم " كوك" أي محرري كردستان الوطنيين. وأصبح له دور بارز في قيادة الإضرابات العمالية ، وأنشأ له قواعد في المدن والأرياف. وعمل فترة تحت مظلة حزب العمال التركي، المرخص له.
وتعرض الحزب لعسف القوات العسكرية، بعد انقلاب 12 سبتمبر 1980.
2. حزب عمال كردستان التركية
خرج هذا الحزب اليساري من الحزب الديموقراطي الكردستاني، بعد الصراع الذي وقع داخل الحزب عام1971. وكان يعمل باسم أحد قادته، الدكتور (شوان)، وهو فنان ومغنٍّ شعبي كبير. وفيما بعد، أخذ يعمل تحت اسم (D.D.K.D) أي نوادي الثقافة، الثورية والديموقراطية، وقد افتتح عدداً من فروعه في المحافظات والأقاليم التركية. وكان لها نشاط سياسي وتثقيفي واسع، في أواسط السبعينيات. أقام صلات مع الأحزاب الكردية، في العراق وإيران.
ولكن هذا الحزب تعرض لانشقاقات عديدة طرد فيها بعض عناصره.
3. الحزب الاشتراكي الكردستاني
عرف هذا الحزب بجماعة "طريق الحرية"، نسبة إلى المجلة التي كان يصدرها. وله نفوذ واسع بين المثقفين والطلبة. ويصدر إضافة إلى طريق الحرية، جريدة باسم "روزا ولات "، أي شمس الوطن. وقام هذا الحزب بدور كبير في نشر الأفكار اليسارية، باللغتين التركية والكردية في كردستان. مستثمراً النشر العلني أو شبه العلني الذي كان مسموحاً به في (فترة حكم حزب الشعب الجمهوري اليساري، بقيادة بولنت أجيفيت) في أواخر السبعينيات. ويقوده أمينه العام، كمال بورقاي.
4. حزب العمال الكردستاني" PKK
انبثق حزب العمال الكردستاني (Parti-ye Karkaran-e Kurdistan) المعروف اختصاراً بـ (PKK) عام 1979، من منظمة تركية شيوعية، كانت تعمل في السبعينيات باسم منظمة الشباب الثوري(ديف كنجDev Genç). وقد أسس الحزب عبدالله أوج آلان، وهو طالب، ترك الدراسة في العلوم السياسية، ومعروف، شعبياً، باسم "آبو Apo" وتعني "العم". والمنتسب إليه يسمى "آبوجي Apocu".ويؤكد الحزب، في برنامجه الداخلي، الماركسية ـ اللينينية، أيديولوجية في العمل. ترتكز استراتيجية الحزب على استعمال العنف وتصعيده، في مواجهة عنف القوات التركية. وكانت الأحزاب الكردية الأخرى تتهمه باستخدام العنف ضدها، مما خلق هوة واسعة بينه وبينها. واستطاع الحزب أن يدرب أنصاره في معسكرات اليسار الفلسطيني، داخل لبنان. وتسبب احتكاره العمل، السياسي والعسكري، على الساحة التركية باختفاء معظم الأحزاب والمنظمات الكردية، تقريباً . وله نفوذ سياسي وعسكري قوي في المناطق الحدودية مع العراق وسورية، كما يحظى بنفوذ قوي لدى العلويين من الأكراد في منطقة تونجالي (درسيم).وأكسبته التصادمات المسلحة مع القوات الحكومية رهبة لدى الكثيرين من الكرد في المنطقة.
ينتسب الفنان الوطني الشعبي الشهير، (شوان) إلى هذا الحزب، وهو أكبر أرصدته، إذ أسهم بغنائه، الشعبي والثوري، في استثارة الجماهير الكردية ، وبعث بواسطة الغناء مقومات التراث الكردي بتخليد ما يستحق من معارك الأكراد وأحداثهم وشخصياتهم. أقام الحزب له معسكرات للتدريب في سهل البقاع اللبناني. وكان عبدالله أوج آلان نفسه يقيم في سهل البقاع اللبناني ثم انتقل للإقامة في دمشق.
5. حزب رزكاري وآلاي رزكاري
حزب كردي يساري، كان له نفوذ في كردستان التركية، إلا أنه انقسم على نفسه، بعد عام 1987. وانشقت عليه جماعة أنشأت حزباً جديداً، باسم "آلا رزكاري" أي راية الخلاص. وقد استقطب غالبية منتسبي الحزب القديم.
7. حزب التحرير الإسلامي
حزب كردي إسلامي، ينادي بإزالة الخلاف بين الأكراد والأتراك، وأن تحل الأخوّة الإسلامية محل الصراع والبغضاء. ومع ذلك، ليست للحزب فاعلية كبيرة في تقليل التمييز ضد الأكراد، على الرغم من تحالفه مع الحزب الجمهوري، بقيادة بولنت أسقرت. ولكي يكون للجماعات الإسلامية دور فعال في التقدم السياسي للمسألة الكردية، عمل حزب التحرير على إيجاد تعاون بينه وبين الأحزاب الأخرى.
8. حزب كاوه وصوت كاوه
ظهر حزب كاوه على أنه جماعة شيوعية ماوية: (نسبة إلى زعيم الصين الشيوعي، ماو تسي تونج). لكن بعد الفشل الذي لحق بالتيار الماوي، انقسم الحزب على نفسه، وخرجت منه جماعة تسمي نفسها "صوت كاوه"، وهي تتبع وجهة نظر أنور خوجة في ألبانيا، بعد الانشقاق بين الصين وألبانيا. وكلتا المجموعتين تسير نحو الضعف والانعزال عن الأحزاب الكردية اليسارية الأخرى.
وجرت محاولات متعددة لتوحيد الصف بين المنظمات الكردية والتقريب بينها. وقد أقيمت صيغة للتعاون بين كوك "الحزب الديموقراطي الكردستاني "والحزب الاشتراكي الكردستاني "د.د.ق"، عام 1980، لكنها تعثرت.
يتبع إن شاء الله...
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: الأكراد في إيران وسورية وأرمينيا الثلاثاء 17 يوليو 2012, 5:21 pm | |
| المبحث السابع
الأكراد في إيران وسورية وأرمينيا
أولاً: الأكراد في إيران
لم يختلف وضع الأكراد في إيران عن وضع إخوانهم في تركيا، فقد أصرّ الإيرانيون على اعتبار السلالتين، الكردية والإيرانية، تنبعان من أصل واحد. ولذلك فليست هناك مبررات للفرقة والعداوة بين أبناء الجنس الواحد. ولم يعترف بأنهم قومية لها تميزها. وتعرضوا لعمليات الصهر والدمج في المجتمع الإيراني، والتهجير من مواطنهم إلى مناطق أخرى في إيران.
1. الانتفاضات الكردية، في إيران، حتى الحرب العالمية الثانية
أ. ثورة إسماعيل سيمكو، عام 1921
عقب الحرب العالمية الأولى، نشبت في كردستان الإيرانية انتفاضات، من أبرزها تلك التي قادها إسماعيل آغا سيمكو، زعيم قبيلة شكاك الكردية، في إقليم أورمية بين عامَي 1920 و1925. وأخذت حركته في البداية طابع مقاتلة النساطرة الأشوريين، ثم امتدت واتسعت إلى أن وصلت بلاد أورمية، التي اتخذها سيمكو قاعدة لحركاته، وفرض سيطرته بمساعدة أربعين ألف من أفراد قبيلته الشكاك القوية، في الإقليم الواقع شرق أورمية، ورفع راية العصيان من كردستان إيران، تحت شعار القومية الكردية. وأقام الصلة الوثيقة مع الشيخ محمود الحفيد، في السليمانية، عام 1923. غير أن الإنجليز دفعوه إلى محاربة الأشوريين فقتل زعيمهم مار شمعون. وقد أدى ذلك إلى إضعاف مركز سيمكو.
وفي عام 1925، أصبح رضا خان شاهاً على إيران، فطبق سياسة التحكم بجميع الأقليات وصهرهم، بمن في ذلك الأكراد. ولهذا السبب، وجد أن من الأهمية أن يقضي على سيمكو. وعندئذ، جردت الحكومة الإيرانية عليه حملة عسكرية، قضت عليه بعد معارك دامية. واضطر سيمكو زعيم الحركة وقائدها إلى اللجوء إلى العراق والإقامة في شمالي رواندوز.
وظل سيمكو حتى عام 1930 يقود معارك عديدة ضد القوات، الإيرانية والتركية والعراقية، محرزاً النجاح في أكثر الحالات. وقد دعي في 21 يونيه 1930، إلى مدينة شنو، للتفاوض مع ممثل القوات الإيرانية، إلا أن هذا الأخير دبر مقتله.
ب. حركة جعفر سلطان، عام 1931
اندلعت الانتفاضة التالية في إيران، في خريف 1931، في الجنوب بقيادة جعفر سلطان هورمان، من منطقة همدان. وشأن بقية الانتفاضات، تم القضاء على هذه الانتفاضة بقسوة، فكان أن أعلن ممثل كردستان في البرلمان الإيراني، أن ليس ثمة مشكلة كردية في إيران. وزعم أن الأكراد يعتبرون أنفسهم إيرانيين، ولا يفكرون بشيء سوى إيران.
وحرم الأكراد الإيرانيون من كافة حقوقهم القومية. فقد منع استعمال اللغة الكردية، ولم يسمح للأكراد حتى بارتداء أزيائهم القومية. وقد ألقى الكثيرون منهم في السجون، لعدم طاعتهم هذا التحريم. وأرسل بعضهم إلى المنفى.
ج. حركة الشيخ حمه رشيد، عام 1941
الانتفاضة الكردية الثالثة، تزعمها الشيخ حمه رشيد خان، في عام 1941م، وكانت انتفاضة قبلية محضة، نشأت نتيجة فراغ في السلطة. وقد اتبع أساليب الغارة على القرى، والسلب والنهب، فاستولى على مهاباد وإقليم ساقز - بانه. وظل مستقلاً بسيطرته حتى طرده الجيش الإيراني، فلجأ إلى العراق، عام 1942، حيث ألقي القبض عليه هناك. ولكنه عاد إلى إيران عام 1945 على رأس قوة من رجاله، قوامها مائتا فارس مسلح، وظلوا في مأمن من الجيش الإيراني، يتحاشون الاصطدام به. ولكنه أخفق، فيما، بعد في المحافظة على الأمن والنظام.
2. جمهورية مهاباد
في عام 1941، دخلت قوات الحلفاء إيران، ومعها القوات السوفيتية، التي تمركزت في شمال البلاد، فقُضي على حكم الشاه رضا، ونُصب ابنه محمد رضا مكانه. وفي يناير عام 1945، أعلنت آذربيجان الإيرانية حكومة يسارية مستقلة، تحت قيادة الحزب الديموقراطي الآذربيجاني، ويرأسها جعفر بيشواري. وكانت هذه الحكومة مدعومة من السوفيت مادياً ومعنوياً. وأصبحت اللغة الآذربيجانية، التي كانت ممنوعة من الاستعمال في السابق، لغة رسمية.
والواقع أن الجزء الشمالي من كردستان الإيرانية، بعاصمته مهاباد، لم يتم احتلاله من قبل الحلفاء، طيلة سنوات الحرب، فبعد أن طُردت آخر قوات البوليس الإيراني من مهاباد، عام 1944، تولى الشعب الحكم بنفسه. وقد انبثقت من ذلك الحين منظمة في مهاباد، اسمها (كومه له زياني كورد) أي جمعية الإحياء (البعث) الكردي، كأول تنظيم سياسي كردي.
وفي 15 أغسطس 1945، تأسس الحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني، الذي عرف، اختصاراً، باسم (حدكا) في مهاباد، متخذاً جمعية الإحياء (البعث) الكردي قاعدة له. ويتزعمه قاضي محمد علي قاسم. وكانت للشيخ عزالدين الحسيني، الزعيم الكردي الإيراني، صلة قوية به.
وكانت أهم مواد البرنامج، الذي وضعه الحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني: تحقيق الحرية والحكم الذاتي للشعب الكردي ضمن نطاق الدولة الإيراينة. واستعمال اللغة الكردية في التعليم وجعلها اللغة الرسمية في الشؤون الإدارية والسلطة العليا في المنطقة، وإقامة وحدة وعلاقات أخوية مع شعب آذربيجان وبقية الأقليات القومية في نضالها المشترك، وتحسين الأوضاع الاقتصادية باستثمار الموارد الطبيعية في كردستان، وتنمية الزراعة والتجارة وتطوير الخدمات الصحية والتعليمية.
وكان جعفر بيشواري - الذي سبق أن حارب القوات الإيرانية واستعان بالقبائل الكردية - وعد زعماء الأكراد بحكومة مستقلة في نطاق دولة آذربيجان الجديدة. فلما تحقق لبشواري ما كان يصبو إليه، طالبه الأكراد بتحقيق وعده لهم، وقامت جمهورية كردية شعبية في 23 يناير 1946، واتخذت من مهاباد عاصمة لها، وكان على رأسها زعيم الحزب الديموقراطي الكردستاني قاضي محمد.
وقد استمر الحكم الكردي عشرة أشهر، إلا إنه حقق في هذه الفترة فوائد جمة للشعب الكردي. فأصبحت اللغة الكردية اللغة الرسمية، وازدادت الجرائد والكتب الصادرة باللغة الكردية. وتأسس أول مسرح كردي. وتولى الكتبة الأكراد الوظائف التي كان يشغلها الفرس الآذربيجانيون من قبل، وشكلت قوات عسكرية وميليشيا كردية لتحل محل شرطة الحكومة وجيشها.
واستطاعت حكومة مهاباد أن تحقق في هذه الفترة القصيرة إصلاحات كثيرة، خاصة في النواحي الزراعية والثقافية والإدارية. وكان قاضي محمد نفسه شخصاً معتدلاً في آرائه ومطالبه، وكان يبدو كما وصفه روزفلت الصغير- رجلاً ذا معتقدات راسخة، مع شجاعة نادرة وتضحية عظيمة، وفوق ذلك اتساع في الأفق واعتدال في التفكير، وكان جل مطالبه هو الحكم الذاتي.
وفي 23 أبريل 1946، عقدت معاهدة بين الحكومة الديموقراطية (اليسارية) الآذربيجانية وبين الحكومة الوطنية الكردية، تؤكد الصداقة والوحدة بينهما.
ولكن بعد عشرة أشهر من قيام الجمهورية الكردية، اضطرت القوات السوفيتية المرابطة في شمال إيران، نتيجة للضغط من الولايات المتحدة الأمريكية، إلى الانسحاب، وعندئذ زحف الجيش الإيراني بدعم بريطاني لاستعادة آذربيجان، فاحتل مهاباد وقضى على حكومة قاضي، وأُعدم قائد الحكومة قاضي محمد وأخوه صادر قاضي عضو البرلمان الإيراني، وابن عمه سيف قاضي وزير دفاع جمهورية مهاباد، وذلك في 31 مارس 1947.
لقد كانت السلطة القانونية، التي تمارسها الحكومة الكردية في مهاباد، محصورة في الجزء الشمالي من كردستان الإيرانية، وهي تشمل 30% من كردستان الإيرانية، أما الجزء الجنوبي من كردستان، وهو الذي يمتد على رقعة واسعة، فقد بقي في يد الحكومة الإيرانية، وهذا مكن الحكومة الإيرانية من شن هجومها العسكري السريع على مواقع حكومة مهاباد.
وبعد سقوط مهاباد قام البارزانيون العراقيون- الذين كانوا قد لجأوا إلى هناك وقدموا عوناً للحكومة الوطنية الكردية في إيران - بالاشتباك في قتال عنيف غير متكافىء مع القوات الإيرانية، يقودهم مصطفى البارزاني الذي كان قائداً للقوات المسلحة التابعة لجمهورية مهاباد. وأبدوا مقاومة شديدة ضد الإيرانيين. وأصدر شاه إيران أمره، في 3 مارس 1947، بقصف جوي ومدفعي لكافة المراكز التي تقيم فيها عوائل البارزانيين.ويجب أن تنتهي المشكلة برمتها في 3 أبريل 1947، لكي لا يتمكن البارزانيون من الهرب.
وتمكن البارزانيون من دخول العراق، حيث كانت تنتظرهم القوات العراقية فواجهتهم بالقتال، واضطروا إلى ترك النساء والأطفال في منطقة بارزان بينما دخل الرجال وعددهم خمسمائة رجل إلى تركيا. ومنها استطاعوا العودة ثانية إلى إيران يقودهم مصطفى البارزاني. وواجهتهم القوات الإيرانية، وبعد قتال عنيف، تلقى فيه المقاتلون الأكراد الدعم من الشعب الكردي، تمكن البارزاني ورفاقه من عبور نهر( أراس) فدخلوا الاتحاد السوفيتي لاجئين، وبقوا هناك حتى قيام الثورة العراقية، عام 1958م".
ومن ذلك التاريخ، ظل الحزب الديموقراطي الكردستاني في إيران يعمل سراً، رافعاً شعار "الحكم الذاتي لكردستان ضمن نظام ديمقراطي لإيران.
ولم يحدث على الساحة الكردية الإيرانية ما يلفت النظر خلال الفترة منذ سقوط جمهورية مهاباد، عام 1946، حتى قيام الثورة الإيرانية على يد الخميني وسقوط نظام شاه إيران، عام 1979.
3. الحركة الكردية، بعد ثورة الخميني في إيران
أسهمت الجماهير الكردية، عام 1979، في المظاهرات المعادية لنظام شاه إيران، خاصة في مناطقهم في كرمنشاه وسننداج ومهاباد وأروميا. وابتهج الأكراد عندما سقط الشاه، في فبراير 1979، وتجاوبوا مع بقية الشعب الإيراني في الشعور برفع الظلم عنهم. وتوقعوا أن يحصلوا من السلطة الإسلامية الجديدة على حق الحكم الذاتي. وشكلوا لأنفسهم ميليشيات باسم "البشمركة"، وأصدروا عدداً من المطبوعات باللغة الكردية، التي كانت محظورة منذ عام 1946.
وأرسلت الحكومة الجديدة في طهران لجنة لتقصي الحقائق في المقاطعة الكردية، وعقد الحزب الديموقراطي الكردستاني (حدكا) مؤتمراً جماهيرياً حاشداً، في 3 مارس 1979، في مهاباد، معلناً بداية ظهوره العلني، ومزاولة نشاطه لإقناع السلطة الجديدة بتقديم تنازلات للأكراد.
وفي 28 مارس 1979، توجه وفد كردي إلى (قم) على رأسه الدكتورعبد الرحمن قاسملو، لعرض مطالب الأكراد على آية الله الخميني، وكان عبد الرحمن قاسملو قد انتخب عضواً في مجلس الخبراء، الذي شكلته الثورة الإسلامية، نائباً عن كردستان إيران. ولكن الوفد فوجئ بأن الخميني يرفض الاعتراف بالحكم الذاتي للأكراد، في نطاق الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وكانت المطالب الكردية متواضعة، وقد أكدت السلطة أن الطابع الديني، للجمهورية الإسلامية كفيل بتحقيق ما تصبو إليه القوميات.
وقد أدى رفض الخميني منح الأكراد نوعاً من الاستقلال إلى تدهور الوضع في كردستان، حيث عمل الأكراد على طرد القوات الإيرانية من كثير من المدن الكردية.
وكان الخميني يسعى إلى إضعاف اليسار الإيراني من خلال سحق القوى الكردية، فقد كانت هذه القوى - كما هو في العراق وتركيا ـ ملجأ تقليدياً لكل فروع الحركات اليسارية والماركسية.
نشب القتال بين قوات البشمركة الكردية وقوات الحرس الثوري الإيراني في أبريل 1979، في مدينة نقده، التي يقطنها الأكراد والآذريون. وكان الحزب الديموقراطي الكردستاني يقوم بتعبئة الجماهير. واشتدت المصادمات حتى إن الخميني صرح بقوله: أن ما نواجهه ليس قضية كردية إنما قضية شيوعية". وعلى أثر ذلك أصدر الخميني، في أغسطس 1979، فتوى الجهاد ضد "الكفرة في كردستان".
وتعرضت مدينة سننداج للقصف الجوي بطائرات الفانتوم، من جراء القتال الذي احتدم بين الأكراد والقوات الإيرانية، في مايو 1980. ولحق بالأهالي والمدينة خسائر كبيرة.
شن الجيش الإيراني في 17 أغسطس عام 1980، هجوماً على القرى والمدن الكردية بدأ من باوه في محافظة كرمنشاه، بدعوى ضرب النشاطات اليسارية. وبعد سقوط المدن والمعاقل الكردية في ساقز ومهاباد وسننداج وسردشت في يد الجيش الإيراني، انتقلت بعدها القوات الكردية إلى الجبال وبدأت مرحلة حرب طويلة الأمد. حيث كانت الطائرات العمودية تغير على معاقل الأكراد والقرى التي يأوي إليها البشمركة.
وصرح مهدي بارزكان، أول رئيس للوزراء في إيران، بعد الثورة، قائلاً :إن التعبئة العسكرية ضد الأكراد قد أمر بها الخميني بصفته قائداً أعلى للقوات المسلحة الإيرانية، وكانت مبنية على معلومات مغلوطة.
وقد وجد الحزب الديموقراطي الكردستاني في إيران الدعم من الاتحاد السوفيتي، باعتباره حليفاً له، خاصة بعد مواقف الثورة الإيرانية المعادية للغزو السوفيتي لأفغانستان، والمناهضة لحكومة أفغانستان الشيوعية. واستطاع تسريب كثير من عملائه ذوي الأصل الكردي أي من الأكراد القاطنين في أرمينيا وآذربيجان.
ولما نشب الحرب بين العراق وإيران، في 22 سبتمبر 1980، بدأت قيادة الثورة الإيرانية التعامل مع الحزب الديموقراطي الكردستاني العراقي بزعامة مسعود البارزاني المقيم في طهران، واتفق معهم على العمل سوياً ضد أكراد إيران وضد العراق وأن يصفي العناصر اليسارية من حزبه، وألا يتدخل في شؤون كردستان إيران. في مقابل ذلك يحصل البارزاني على المال والسلاح والتسهيلات وتمكينه من تجميع قواته في زيوه وتدفع لهم رواتب.
لقد انتهز عبد الرحمن قاسملو فرصة وقوع الحرب بين العراق وإيران، فعرض أن ينضم بقواته إلى الحكومة الإيرانية في هذه الحرب، في مقابل ضمان حقوق الأكراد. ولكن الحكومة الإيرانية لم تبد حماساً لهذا العرض.
وحتى تصل السطات الإيرانية لهدنة مؤقتة مع الأكراد بسبب الحرب مع العراق، قامت بعدد من الإعدامات في صفوف أكراد إيران في قرية باوه بقضاء نقده، وقصفت القوات الإيرانية القرى الكردية قصفاً عشوائياً، ثم أصدر الخميني نداء، في 4 نوفمبر 1980، يدعو إلى التفاهم وحل المسألة الكردية سلمياً. واستجاب الحزب الديموقراطي الكردستاني في إيران لهذا النداء ببيان عنوانه "لبيّك"، وتوقف القتال نتيجة لذلك.
تبع نداء الخميني هذا مباحثات بين قيادة الثورة الكردية ووفود من الحكومة الإيرانية لم تثمر شيئاً. وفي ربيع عام 1981، قدم وفد من الحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني (حدكا) برئاسة غني بلوريان لمقابلة رئيس الجمهورية الإيرانية أبوالحسن بني صدر، وقدم له مطالبه لخصها في ست نقاط أساسية، ولما عرضها رئيس الجمهورية على مجلس الثورة الإيرانية رفضها.
أدى موقف السلطة الثورية الإيرانية هذا إزاء الحقوق الكردية إلى توتر الوضع في كردستان، فقاطعوا الاستفتاء الذي جرى على الجمهورية الإسلامية. فأمر الخميني، في أكتوبر 1981، بسحق التمرد الكردي وسقطت مدينة بوكان في يد القوات الإيرانية التي استعادتها من يد الأكراد. وهي مدينة ذات أهمية إستراتيجية لوقوعها على مفترق الطريق الرئيسي، الذي يعبر كردستان الإيرانية. ولجأ المقاتلون الأكراد إلى الجبال.
في أواخر عام 1982، وأوائل عام 1983، استولت قوات الحكومة الإيرانية على طريق بيران شهر - سردشت، وقطع طريق الإمدادات الكردية من العراق التي كانت الشريان الحيوي لتموين قوات الحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني.
وأصدر بسبب ذلك الدكتور عبد الرحمن قاسملو بياناً من إذاعة بغداد، في أبريل عام 1983، يناشد العالم نصرة الشعب الكردي ضد الحكومة الإيرانية.
انتقلت الحرب العراقية الإيرانية في بعض مراحلها إلى الجبهات الكردية على الحدود، فتعرضت القرى والمدن الكردية للخراب والتدمير في حرب لا ناقة لهم فيها ولاجمل، وقصفت قرى مثل حاجي عمران ومهران وشلير بقضاء بنجوين. ومسحت قرية مريوان وقصر شيرين من على الأرض. وشنت غارات على حلبجة وسيد صادق في شهر زور.
4. موقف إيران من نشاط الحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني
أ. تعتبر إيران أن قيام هذا الحزب خروج على القانون الإيراني. وأن جميع أعماله نوع من العمليات الإرهابية في غير مصلحة إيران.
ب. تطارد الحكومة الإيرانية نشاطات الحزب من طريق الحرب بالوكالة باستخدام الأحزاب الكردية العراقية المتحالفة معها. أو من خلال تنفيذ هجمات مسلحة يشنها الجيش الإيراني ضد معاقل الحزب. وكانت أبرز المعارك في هذا المجال هي عمليات 1994، 1996.
ج. تطارد الحكومة الإيرانية قيادات الحزب في الخارج، فاغتالت في فيينا، عام 1989، الدكتور عبد الرحمن قاسملو، زعيم الحزب واثنين من رفاقه. كما اغتالت أيضاً، في عام 1992، زعيم الحزب الذي تولى من بعده، وهو صادق شرفكندي مع أربعة من القيادة الكردية، في مدينة برلين الألمانية، عام 1992.
5. أهم الأحزاب الكردية في إيران
أ. جمعية كومه له - ز. ك -
كلمة "كومه له" أو" كومه لي"، تعني الجمعية، والاسم الكامل للجمعية هو: " كومه له ي زيانه وه ى كوردستان" أي جمعية بعث كردستان.
تأسست هذه الجمعية في كردستان إيران، في 6 سبتمبر 1942، وتركز نشاطها في مهاباد، واستمر هذا النشاط إلى ما بعد ولادة جمهورية مهاباد 1946، فتحول اسمها إلى الحزب الديموقراطي الكردستاني. ولقيت هذه الجمعية دعماً من الأكراد في العراق، وانتسب إليها قاضي محمد الذي تولى رئاسة جمهورية مهاباد ('منذر الموصلي، الحياة السياسية والحزبية في كوردستان، ص 271-276').
ب. الحزب الديموقراطي الكردستاني (حدكا)
نشأ هذا الحزب بعد جمعية البعث الكردي (كومه له) في سبتمبر 1945، وكان له دور كبير في تأسيس جمهورية مهاباد، عام 1946، ولقى دعماً من الاتحاد السوفيتي، مما جعل الحزب يصطبغ بالصبغة الماركسية. وكان يدعو للحكم الذاتي في كردستان في إطار الدولة الإيرانية، ولم يتبنَّ الدعوة للانفصال.
وأهم مبادئه التي وردت في برنامجه:
(1) يتمتع الشعب الكردي في إيران بالحكم الذاتي في إدارة شؤونه المحلية، ويحصل على الحكم الذاتي ضمن إطار الدولة الإيرانية.
(2) تكون اللغة الكردية لغة التعليم واللغة الرسمية في دواوين الحكومة.
(3) ينتخب المجلس التشريعي المحلي أولاً، بحسب أحكام الدستور الإيراني، ويكون له حق الإشراف والرقابة في كل أمور الدولة العامة.
(4) الموظفون الرسميون يتم اختيارهم من الأكراد.
(5) تتحقق المساواة القانونية بين الفلاحين والملاك ويضمن مستقبلهما معاً.
(6) يقوم الحزب الديموقراطي الكردستاني ببذل جهود خاصة لتحقيق الوحدة والأخوة التامة مع الشعب الأذربيجاني وغيره من الشعوب، التي تعيش في أذربيجان كالأشوريين والأرمن.
(7)يجاهد الحزب في تحسين ورفع المستوى الاجتماعي والاقتصادي للشعب الكردي، باستغلال مصادر الثروة الطبيعية الكثيرة في كردستان، ويعمل على تطوير الزراعة والتجارة ورفع مستوى الصحة والتعليم.
8. يأمل الحزب في أن تكون الشعوب الإيرانية قادرة على العمل لأجل رفاهها، وفي سبيل تقدم البلاد الإيرانية ككل.
ثانياً: الأكراد في سورية وأرمينيا
1. في سورية
يقدر بعض الكتاب العرب الأقلية الكردية في سورية (ومعها لبنان) بحوالي ثلاثمائة وخمسين ألف نسمة، وهذا الرقم هو عدد الأكراد الذي ورد في تقرير عصبة الأمم، عام 1925، ولكن الكتاب الأكراد يقدرون عددهم بمليون وربع المليون نسمة أي عشرة بالمائة من سكان سورية، ولكنهم في الحقيقة لا يتجاوزون مليون نسمة أي 9% من سكان سورية.
ويقيمون في الشمال الشرقي (إقليم الجزيرة السورية، محافظة الحسكة) وفي الشمال وفي منطقتي عين العرب (كوبانية) وعفرين (جبل الأكراد) قرب حلب. ويسكن في دمشق نحو مائة ألف كردي في حي الصالحية، وفي حلب بضعة آلاف منهم. وتقع في بلادهم حقول نفط كراتشوك ورميلان.
والأكراد ليسوا طارئين على البلاد السورية، كما يدعي بعض الكتاب بأن الأكراد قد لجأوا إلى سورية من تركيا، عام 1926، بعد فشل ثورة الشيخ سعيد بيران، والبطش الذي لحق بهم من جراء ذلك. فمواطنهم قريبة من الحدود السورية التركية -العراقية التي يقطن أغلبها الأكراد في تلك الدول.
والأقلية الكردية في سورية غير معترف بها في الدستور أو القوانين، وبالتالي تجاهلت الحكومات السورية حقوق الأكراد الثقافية، وحقهم في استخدام اللغة الكردية والتعلم بها. وكانت السلطات تمنع تداول الأشرطة والكتب الكردية.
وفي 23 أغسطس 1962، أجري إحصاء للسكان في منطقة الجزيرة السورية حيث يقيم معظم السكان الأكراد، بذريعة صد تسلل الأكراد من تركيا إلى سورية. وأدى الإحصاء إلى تجريد أكثر من مائة وخمسين ألف كردي من حقوق المواطنة السورية. وفي العام نفسه باشرت الحكومة تطبيق سياسة تعريب المناطق الكردية، وفق قانون "الحزام العربي"، فعمدت إلى توطين عائلات عربية محل السكان الأكراد، وفي بلادهم وفي أرضهم. واستمرت هذه السياسة إلى عام 1975.
اتسمت الحركة الكردية في سورية بطابعها السياسي السلمي، فنأت بنفسها وبالأكراد عن المواجهة الدامية ورد الفعل السوري العنيف. فقد ظهرت الحركة الكردية في سورية في الثلاثينيات من هذا القرن على شكل جمعيات ونواد ثقافية واجتماعية ورياضية. وانحصر نشاط الحركة القومية الكردية في المطالبة بحقوق ثقافية وسياسية متواضعة. وتعاونت مع الجمعيات التي نشطت على الساحة التركية مثل جمعية خويبون. وأصدرت مجلة "هاوار" (أي الصرخة) باللغة الكردية.
وتأسس في سورية الحزب الديموقراطي الكردستاني، عام 1957، وترأسه الدكتور نور الدين زازا، ودعا في انطلاقته إلى تحرير كردستان وتوحيدها من طريق الثورة. وطال الاعتقال عام 1960، معظم قياديي الحزب، فانفرط عقده. ولما خرج قادته من السجون، عام 1961، أعادوا النظر في برنامجهم وقصروه على المطالبة بحقوق الأكراد السوريين الثقافية والسياسية. وظهر في الوقت نفسه حزب كردي آخر، هو الحزب الديموقراطي اليساري الكردي، أراد المشي في النهج الثوري الأول للحزب الديموقراطي الكردستاني، لكنه اضطر بدوره إلى انتهاج سياسة معتدلة في أواخر الستينيات. وقد انخرط الأكراد في العمل ضمن الحزب الشيوعي السوري الذي أسسه خالد بكداش وهو كردي سوري في الخمسينيات من هذا القرن.
موقف سورية من القضية الكردية عموماً
في الوقت الذي تتجاهل فيه سورية وجود أقلية كردية لديها، فإنها تقف موقفاً إيجابياً من بعض فصائل الأكراد في العراق وتركيا. فتقدم الدعم المادي والمعنوي لها. وتنطلق سورية في مواقفها هذه من حساباتها الإستراتيجية ومصالحها الخاصة. حيث العداء بين حزب البعث الحاكم في سورية والبعث الحاكم في العراق، وحيث الجو غير الودي الذي يسود العلاقات بين سورية وتركيا، وأيضاً الدعم الذي تلقاه المنظمات اليسارية عموماً من سورية.
علاقتها مع الأحزاب الكردية العراقية طيبة، خاصة مع الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني، الذي أعلن تأسيس الحزب من دمشق، في يونيه 1975م. ويقيم الطالباني معظم أوقاته في العاصمة السورية، وينتقل إلى البلد الذي يجده في حالة عداء مع النظام السياسي في العراق، وهذا ما ينطبق على النظام السوري.
وضمت دمشق الأحزاب الكردية العراقية ضمن الأحزاب المعارضة للنظام العراقي بعد حرب الخليج. وأجرت مصالحة بين الزعيمين الكرديين المتنافسين مسعود البارزاني وجلال الطالباني.
تقدم سورية الدعم لحزب العمال الكردستاني التركي منذ عام 1984، ويقيم زعيم الحزب وقيادته في دمشق حيث انتقل إليها من سهل البقاع اللبناني. وتدعي المخابرات التركية بوجود أربعة آلاف مسلح على الحدود السورية - التركية وفي معسكر معصوم قورقماز في البقاع اللبناني. وسورية تستخدم حزب العمال الكردستاني ورقة ضاغطة على تركيا إزاء موضوع مياه الفرات، مما يدفع بالعلاقات السورية التركية نحو التعقيد.
وانطلقت بعض العمليات العسكرية لحزب العمال من الأراضي السورية، عام 1986. وكاد الوضع ينفجر بين البلدين ولكنهما اتفقا فيما بعد على بروتوكول، وقع عام 1987، يقضي بالمحافظة على الأمن ومكافحة الإرهاب.
ومؤخراً زودت المخابرات الأمريكية والإسرائيلية المخابرات التركية معلومات عن مواقع حزب العمال الكردستاني في لبنان. وهدد سليمان ديميريل، في مارس 1992، بأن تركيا تحتفظ بحقها في ملاحقة مسلحي حزب العمال أينما كانوا
2. الأكراد في أرمينيا وآذربيجان
يتداخل الأكراد والأرمن في منطقة كردستان وأرمينيا، فهم جيران منذ القدم، وبينهم علاقات قديمة يشوبها عدم الود في كثير من الفترات التاريخية.
وتقيم جاليات كردية في منطقة نخجوان (نختشوان) وحول إيريفان (عاصمة أرمينيا) ومنطقة قرا باغ في آذربيجان.
ويقدر عدد الأكراد في أرمينيا وآذربيجان في حدود نصف مليون نسمة.
ولما وقعت أرمينيا وآذربيجان تحت السيطرة السوفيتية، أصبح الأكراد هناك من الرعايا السوفيت وانخرطوا في الأحزاب الشيوعية. وأتاح لهم الاتحاد السوفيتي إصدار جرائد و مطبوعات باللغة الكردية التي صارت تكتب بالحروف الروسية. وافتتحوا المدارس الكردية التي كانت تدرس فيها اللغة الكردية. ولايشكل وجودهم في تينك الجمهوريتين أي مشكلة قومية.
وكان الأكراد في أرمينيا وآذربيجان عوناً لبعض الحركات الكردية في إيران والعراق وتركيا، واستخدمهم الروس في التسلل إلى تلك البلاد للمشاركة في الانتفاضات.
وتذكر بعض الأخبار غير المؤكدة أن حزب العمال الكردستاني التركي افتتح له معسكرات تدريب في أرمينيا، التي ليست لها علاقات حسنة مع تركيا، بسبب العداء التاريخي بين الأرمن والأتراك، وبسبب النزاع بين أرمينيا مع جمهورية آذربيجان التركية منطقة قرا باغ.
3. تطورات القضية الكردية في ضوء المصالحة الكردية ـ الكردية في واشنطن
في منتصف سبتمبر 1998م التقى مسعود البارزاني زعيم الحزب الديموقراطي الكردستاني وجلال الطالباني زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني، في واشنطن،واجتمعا مع وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت،ومستشار الأمن القومي الأمريكي صموئيل بيرجر.وأعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية جيمس روبن،أن أولبرايت أعربت للزعيمين الكرديين عن استمرار اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بأوضاع الأكراد،وجميع سكان شمال العراق.والوزيرة الأمريكية عدت الزعيمين الكرديين ممثلين لأصوات ملايين الأكراد في العراق.وتناولت المباحثات الوضع في العراق والمناخ الأمني والسياسي السائد في كردستان العراق،والاحتياجات الأمنية وبرامج المساعدات الإنسانية لسكان المنطقة.
وتستخدم واشنطن الورقة الكردية في صراعها ضد العراق منذ انتهاء حرب الخليج الثانية في مارس 1991م، وتقدم الدعم للمنطقة الكردية تحت غطاء الأمم المتحدة.وتمنع أي نشاط للقوات العراقية في شمال العراق.وتدعم إذاعة (العراق الحر) التي تبث إرسالها من براغ،وتساهم في برامجها عناصر كردية.
ومن هنا جاء اجتماع واشنطن بعد تأزم الوضع بين بغداد وواشنطن،وتصعيده نتيجة لإعلان العراق إيقافه التعاون مع فرق التفتيش الدولية، وطالب مجلس الأمن التراجع عن قراره الرقم 1194، الصادر في 9 سبتمبر 1998م، ويقضي بتجميد المراجعة الدورية لرفع الحظر عن العراق.
وتوصل الطرفان الكرديان العراقيان إلى مصالحة برعاية أمريكية،أنهت هذه المصالحة أربع سنوات من الصراع المسلح على السلطة في المناطق الكردية،البعيدة عن سيطرة الحكومة المركزية العراقية.ووقع الطرفان اتفاقهما في 17سبتمبر 1998م.
وقد سبق أن توصل طرفا النزاع الكردي إلى اتفاق لوقف الصراع بينهما في مايو 1994م برعاية تركيا.إلا إنه سرعان ما تجددت الاشتباكات بينهما ثانية.إضافة إلى تكرر اشتباكات مماثلة بين قوات الحركة الإسلامية الكردية لأكراد العراق وقوات الاتحاد الوطني الكردستاني.ولهذا فإن احتمال عودة الحزبين الكرديين إلى الصراع ثانية وتجدده بينهما لازال قائماً، وخاصة أن التباين في وجهات النظر في المسائل المشتركة بينهما لم تحل جذرياً.
وأهم هذه المسائل هي:
أ. الموارد المالية المحصلة من الجمارك في المنطقة العراقية الشمالية.
ب. البرلمان الوطني الكردستاني والعلاقات مع الحكومة المركزية في بغداد،ومع المعارضة العراقية.
ج. العلاقات مع كل من إيران وتركيا،التي يحتفظ كل طرف بعلاقات جيدة مع إحداها دون الأخرى.
ويهدف اتفاق واشنطن إذا نفذ، إلى:
أ. عودة الإدارة الكردية الموحدة لممارسة عملها في شمال العراق.
ب. تشكيل حكومة موحدة تسعى لإجراء انتخابات برلمانية في صيف 1999م.
ج. تقاسم العائدات المالية من الجمارك وغيرها من موارد دخل المنطقة بين الحزبين الكرديين.
وقد وضع جدول زمني لتنفيذ الاتفاق الذي جاء حلاً وسطاً لمشاكل الحزبين.
وقد اتضح من تصريحات الزعيمين الكرديين أن اتفاقهما ليس ضد مصلحة أية دولة في المنطقة بل هو اتفاق سياسي يهدف إلى تحقيق السلام والاستقرار في شمال العراق، وسوف يساعد كل جيران العراق على السلام. كما أكدا على وحدة أراضي العراق.
وقد نفت الحكومة الأمريكية بدورها على لسان نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي ديفيد ويلش،أن يكون هدف الاتفاق هو إقامة دولة كردستان المنفصلة عن العراق، بل يهدف إلى الحيلولة دون تكرار انتهاكات لحقوق الإنسان في شمال العراق.
***********************
المبحث الثامن
تطورات القضية الكردية
أولاً: تطورات القضية الكردية في ضوء المصالحة الكردية ـ الكردية في واشنطن
في منتصف سبتمبر 1998م التقى مسعود البارزاني زعيم الحزب الديموقراطي الكردستاني وجلال الطالباني زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني، في واشنطن،واجتمعا مع وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت،ومستشار الأمن القومي الأمريكي صموئيل بيرجر.وأعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية جيمس روبن،أن أولبرايت أعربت للزعيمين الكرديين عن استمرار اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بأوضاع الأكراد،وجميع سكان شمال العراق.والوزيرة الأمريكية عدت الزعيمين الكرديين ممثلين لأصوات ملايين الأكراد في العراق. وتناولت المباحثات الوضع في العراق والمناخ الأمني والسياسي السائد في كردستان العراق، والاحتياجات الأمنية وبرامج المساعدات الإنسانية لسكان المنطقة.
وتستخدم واشنطن الورقة الكردية في صراعها ضد العراق منذ انتهاء حرب الخليج الثانية في مارس 1991م، وتقدم الدعم للمنطقة الكردية تحت غطاء الأمم المتحدة.وتمنع أي نشاط للقوات العراقية في شمال العراق.وتدعم إذاعة (العراق الحر) التي تبث إرسالها من براغ،وتساهم في برامجها عناصر كردية.
ومن هنا جاء اجتماع واشنطن بعد تأزم الوضع بين بغداد وواشنطن،وتصعيده نتيجة لإعلان العراق إيقافه التعاون مع فرق التفتيش الدولية، وطالب مجلس الأمن التراجع عن قراره الرقم 1194، الصادر في 9 سبتمبر 1998م، ويقضي بتجميد المراجعة الدورية لرفع الحظر عن العراق.
وتوصل الطرفان الكرديان العراقيان إلى مصالحة برعاية أمريكية،أنهت هذه المصالحة أربع سنوات من الصراع المسلح على السلطة في المناطق الكردية،البعيدة عن سيطرة الحكومة المركزية العراقية.ووقع الطرفان اتفاقهما في 17سبتمبر 1998م.
وقد سبق أن توصل طرفا النزاع الكردي إلى اتفاق لوقف الصراع بينهما في مايو 1994م برعاية تركيا.إلا إنه سرعان ما تجددت الاشتباكات بينهما ثانية.إضافة إلى تكرر اشتباكات مماثلة بين قوات الحركة الإسلامية الكردية لأكراد العراق وقوات الاتحاد الوطني الكردستاني.ولهذا فإن احتمال عودة الحزبين الكرديين إلى الصراع ثانية وتجدده بينهما لازال قائماً، وخاصة أن التباين في وجهات النظر في المسائل المشتركة بينهما لم تحل جذرياً.
وأهم هذه المسائل هي:
1. الموارد المالية المحصلة من الجمارك في المنطقة العراقية الشمالية.
2. البرلمان الوطني الكردستاني والعلاقات مع الحكومة المركزية في بغداد،ومع المعارضة العراقية.
3. العلاقات مع كل من إيران وتركيا،التي يحتفظ كل طرف بعلاقات جيدة مع إحداها دون الأخرى.
ويهدف اتفاق واشنطن إذا نفذ، إلى:
1. عودة الإدارة الكردية الموحدة لممارسة عملها في شمال العراق.
2. تشكيل حكومة موحدة تسعى لإجراء انتخابات برلمانية في صيف 1999م.
3. تقاسم العائدات المالية من الجمارك وغيرها من موارد دخل المنطقة بين الحزبين الكرديين.
وقد وضع جدول زمني لتنفيذ الاتفاق الذي جاء حلاً وسطاً لمشاكل الحزبين.
وقد اتضح من تصريحات الزعيمين الكرديين أن اتفاقهما ليس ضد مصلحة أية دولة في المنطقة بل هو اتفاق سياسي يهدف إلى تحقيق السلام والاستقرار في شمال العراق، وسوف يساعد كل جيران العراق على السلام. كما أكدا على وحدة أراضي العراق.
وقد نفت الحكومة الأمريكية بدورها على لسان نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي ديفيد ويلش،أن يكون هدف الاتفاق هو إقامة دولة كردستان المنفصلة عن العراق، بل يهدف إلى الحيلولة دون تكرار انتهاكات لحقوق الإنسان في شمال العراق.
ثانياً: تطورات المسألة الكردية على الصعيد التركي
صعدت تركيا من ضغطها على سورية لإبعاد عبدالله (أوج آلان) Ocalan زعيم حزب العمال الكردستاني PPK من أراضيها، وإلغاء قواعد الحزب من سهل البقاع اللبناني الخاضع للحماية السورية.
ولجأت تركيا إلى الضغط العسكري، فحشدت قواتها على الحدود السورية، وبدأت حملة من التصريحات الملتهبة والتهديد بالحرب.
وتوسطت بين الطرفين السوري والتركي عدة دول لئلا يتفاقم الوضع إلى حرب، وأهمها الوساطة المصرية التي قام بها الرئيس المصري حسني مبارك، عقدت بين الطرفين اتفاقية لتسوية المسائل الأمنية على الحدود في 20 أكتوبر 1998م. واضطر زعيم الحزب العمال الكردستاني إلى ترك الأراضي السورية.
فرحل (عبدالله أوج آلان) سراً إلى روسيا في أواخر أكتوبر 1998. وبقي بها مدة شهر. وانتقلت القيادة العسكرية للحزب إلى شقيقه عثمان أوج آلان، الذي سعى للانتقال إلى إيران.
ثم غادر روسيا على متن طائرة روسية في طريقه إلى دولة ما، في 13 نوفمبر 1998. وتوقفت الطائرة في روما، فقبضت عليه قوات الأمن الإيطالية، وأودع السجن. وطلب الزعيم الكردي من إيطاليا منحه حق اللجوء السياسي. وتقدمت ألمانيا بطلب تسليم أوج آلان إليها على أساس أنه مطلوب في قضايا العنف في ألمانيا. وطالبت به أيضاً تركيا لمحاكمة بتهمة قتل ثلاثين ألف شخص من مدنيين وعسكريين، وتشكيل منظمة إرهابية لتقسيم تركيا.
ثم تراجعت ألمانيا عن طلبها بتسليم أوج آلان خشية حدوث اضطرابات بين الأتراك والأكراد المقيمين في ألمانيا، وحتى لا تتعرض علاقاتها مع تركيا للتوتر.
ورفضت إيطاليا الطلب التركي بتسليم أوج آلان بحجة أن تركيا تطبق قانون الإعدام. واحتجت تركيا وتصاعدت الأزمة بينهما، وأوقفت تركيا الاستيراد من إيطاليا.
وأطلقت السلطات الإيطالية عبدالله أوج آلان في 20 نوفمبر 1998م، وسمحت له بالإقامة المشروطة في منزل داخل روما.
وطرح عبدالله أوج آلان من روما اقتراحاً من سبع نقاط للحكم الذاتي للأكراد في تركيا، دون المساس بوحدة أراضي تركيا وسلامتها. وطلب أوج آلان من الدول الأوربية اقتراحه للسلام مع تركيا.
وكانت النقاط السبع التي جاءت في اقتراحه هي:
1. وقف العمليات العسكرية ضد القرى الكردية.
2. عودة اللاجئين إلى قراهم.
3. إقامة حكم ذاتي في المنطقة الكردية دون المساس بوحدة أراضي تركيا وسلامتها.
4. الاعتراف بحق الأكراد في كل الحريات الديموقراطية التي يتمتع بها المواطنون الأتراك.
5. الاعتراف بالهوية واللغة والثقافة الكردية.
6. التعددية والحرية الدينية.
ولما وجدت تركيا أنه لا فائدة من مطالبتها إيطاليا بتسليم الزعيم الكردي بسبب المعارضة الأوروبية لتسليمه وتضامن دول أوروبا مع الموقف الإيطالي، وفشل الدبلوماسية التركية في إقناع الحكومات الغربية بوجهة نظرها، خففت من طلبها، وقالت أنها تريد أن يحاكم أوج آلان ويعاقب على جرائمه حتى لو في خارج تركيا.
وبعد فترة غادر أوج آلان روما إلى جهة غير معلومة، ويقال أنه بقي مدة شهر في روسيا بطريقة غير مشروعة.ثم حاول الدخول إلى هولندا التي رفضت أن تسمح لطائرته بالهبوط في مطاراتها. ثم أخذ يتجول بين البلاد الأوروبية من دون الحصول على مأوى. ثم استقر به المقام إلى الهبوط في مطار عسكري يوناني وتزودت طائرته بالوقود ثم أقلعت إلى نيروبي.
وألقت الأزمة بظلالها على الاتحاد الأوروبي، الذي لم يتخذ في قمته المنعقدة في 11 -12 ديسمبر 1998م أي خطوات إيجابية بشأن قبول انضمام تركيا الكامل إلى عضوية الاتحاد.
وكانت دول الاتحاد الأوروبي قد أعربت لتركيا عن رفضها للسياسة التي تعالج بها تركيا المسألة الكردية في أراضيها.
وكان الاتحاد في اجتماع القمة الذي عقد في 12 - 14سبتمبر1997م، أظهر انزعاجه من تدفق آلاف المهاجرين الأكراد إلى أوروبا بطريقة غير مشروعة وتعرض حياة هؤلاء المهاجرين للخطر، من خلال عبورهم بالقوارب من بحر مرمرة إلى الشواطيء اليونانية والإيطالية.
وانتقد الاتحاد الأوروبي (في مارس 1994م) أيضاً قرار البرلمان التركي رفع الحصانة عن النواب الأكراد في المجلس الوطني التركي، وتقديمهم للمحاكمة بتهمة الدعوة للانفصال، ودعا تركيا إلى الاعتراف بالحقوق الخاصة، وبالذات الثقافية، للشعب الكردي. وكل هذه الانتقادات أثارت ردود فعل قوية من جانب تركيا، واعتبرتها في حكم المساندة للإرهاب.
وفي تطور مثير أعلن رئيس الوزراء التركي بولنت أجيفيت في الاثنين 16 فبراير 1999م أن عناصر الاستخبارات التركية قد تمكنت من جلب زعيم حزب العمال الكردستاني إلى البلاد وأنه موجود في تركيا منذ الساعة الثالثة من صباح اليوم، وهو تحت الحراسة المشددة. ولم يفصح أجيفيت لحظة إذاعته النبأ عن الطريقة التي جلب بها أوج آلان إلى تركيا وكيفية اعتقاله. وقال أن أوج آلان ورفاقه لم يلقوا بالاً لقانون العفو والندم الذي أصدره المجلس الوطني التركي (البرلمان).
واتضح فيما بعد أن المخابرات التركية، بالتعاون مع استخبارت أجنبية، ويشار إلى الأمريكية والإسرائيلية، قد رصدت تحركات أوج آلان بين إيطاليا وهولندا واليونان ورفض الدول السماح له بدخولها. واستمر رصد تحركاته على مدى 12 يوماً حتى علم أن مختبيء بالسفارة اليونانية في كينيا. وقد أدخله الدبلوماسيون اليونانيين إلى نيروبي بطريقة غير مشروعة، في يوم 3 فبراير1999م، وهو يحمل جواز سفر قبرصي مزور.
وأخرج من السفارة بحيلة ثم ألقت المخابرات التركية القبض عليه وهو في طريقه إلى مطار نيروبي وحمل في طائرة خاصة إلى تركيا مكتوف اليدين ومعصوب العينين، وأودع السجن في جزيرة (إمرالي) النائية، غير مؤهولة في بحر مرمرة، إلى الجنوب من استانبول. وشددت الحراسة على الجزيرة ومنع الصحفيين من الاقتراب منها.
وقد أثار القبض على أوج آلان موجات من الغضب الكردي في أنحاء أوروبا، وتظاهر الأكراد المقيمين في الدول الأوروبية ضد الحكومة التركية ومن ساندها في 21 مدينة أوروبية وكذلك في كندا وأستراليا. وهوجمت السفارات اليونانية، والسفارة الإسرائيلية في ألمانيا للاعتقاد السائد بأن المخابرات الإسرائيلية الموساد ساعدت الأتراك في القبض على الزعيم الكردي.
وأدت عملية القبض على أوج آلان إلى زيادة التوتر في العلاقات اليونانية التركية. واحتجت كينيا على اليونان لأنها لم تكن تعلم بوجود أوج آلان في أراضيها. وطردت السفير اليوناني. كما استقال عدد من الوزراء اليونانيين بسبب هذه القضية والتستر على الزعيم الكردي مما يخالف الأعراف الدبلوماسية.
نتج عن عملية القبض على أوج آلان، كذلك، تقدم بولنت أجاويد في الانتخابات التركية، التي جرت يوم 18أبريل 1999م، وحصل على أكثر من 22% من مقاعد البرلمان بينما كانت نسبته في السابق هي 7%.
وأجرت السلطات التركية تحقيقاتها مع الزعيم الكردي في التهم المنسوبة إليه، وأهمها تشكيل منظمة إرهابية تسعى لتقسيم الجمهورية التركية ومسؤوليته عن مقتل ثلاثين ألف شخص من المدنيين والعسكريين في عمليات إرهابية شنتها عناصر منظمته. وعقوبة هذه التهم هي الإعدام. وقد ناشدت الدول الغربية ومنظمات حقوق الإنسان تركيا تقديم كل الضمانات لمحاكمة أوج آلان محاكمة عادلة.
وسيق عبدالله أوج آلان إلى محكمة أمن الدولة العليا في يوم 31 مايو1999م، وانتقلت بهيئاتها من أنقرة إلى جزيرة إمرالي. ووجه الإدعاء العام تهمة "الخيانة العظمى والسعي لتقسيم تركيا" لأوج آلان، وطالبت النيابة، بمقتضى المادة 125 من القانون الجزائي، إنزال عقوبة الإعدام بزعيم حزب العمال الكردستاني.
ووضع أوج آلان، في أثناء المحاكمة، في قفص زجاجي محصن ضد الرصاص، وشهد المحاكمة أمهات وأقارب الذين قتلوا في عمليات الحزب الكردستاني من المدنيين والعسكريين، مما أثار جوا مشبعاً بالعواطف والانفعالات في قاعة المحكمة. وبقي الصحفيون ورجال الإعلام الذين قدموا من مختلف البقاع لتغطية المحاكمة، خارج الجزيرة، وأُعِدّ لهم مقر للمتابعة في بلدة مودانيا على شاطيء بحر مرمرة. ولم يتقدم أوج آلان في أثناء المحاكمة بأي دفاع عن الأعمال التي ارتكبها حزبه، وإنما وجه نداء للسلام خلال المحاكمة وعرض نفسه في خدمة الدولة لتسوية النزاع الكردي المسلح مع القوات التركية إذا أبقي على قيد الحياة.
واحتجت الدول الغربية ومنظمات حقوق الإنسان على وجود قاض عسكري بين قضاة المحكمة الثلاثة. وقررت المحكمة إرجاء جلساتها إلى 23 يونيه 1999م، لإفساح المجال أمام محامي أوج آلان لتحضير دفاعه.
واضطرت الحكومة المشكلة، حديثاً، برئاسة أجاويد أن تقدم للبرلمان مشروعاً بإلغاء مهمة القاضي العسكري في محكمة أمن الدولة العليا. وصوّت البرلمان التركي لصالح إلغاء وظيفة القاضي العسكري.
ورفضت السلطات التركية استقبال أعضاء لجنة مجلس الشيوخ الإيطالي، كان من المقرر أن يزوروا أنقرة في أوائل يونيه 1999م، لحثّ الحكومة التركية على عدم إصدار حكم بالإعدام على الزعيم الكردي.
وانتهت المحاكمة في 24 يونيه 1999م، وصدر في 29 يونيه 1999م، قرار بإعدامه.
من جانب آخر، لم تتوقف عمليات الحزب الكردستاني ضد القوات التركية باعتقال أوج آلان. فقد اشتبكت عناصر من الحزب مع الجيش التركي في عمليات خاطفة في جنوب شرقي الأناضول. وأعلن الجناح المسلح من الحزب، في بيان صحفي، أن إعدام عبدالله أوج آلان سوف يشكل انتحاراً للدولة التركية. وحذر من النتائج الوخيمة التي سوف تترتب على إعدامه، بقوله إن كل عمل يتم دفاعاً عن الشرف الوطني وعزة الشعب الكردي سيكون مشروعاً.
**********************
المبحث التاسع
أوضاع الأكراد في مطلع الألفية الثالثة
ارتبطت قضايا الأكراد مع مطلع الألفية الثالثة بالقضايا الدولية والإقليمية المعاصرة، وبقيت الأوضاع ملتهبة في إقليمي كردستان العراق، وكردستان تركيا، بينما اتسمت بالهدوء الحذر في باقي المناطق التي تقطنها قوميات كردية، سواء في إيران أو سورية، أو أرمينيا.
حقق أكراد العراق من المزايا القومية العديدة ما لم تحققه باقي القوميات الكردية، وذلك بسبب المتغيرات الحادة التي لحقت بالعراق، واستمرت طوال عقد التسعينيات من القرن العشرين، وأدت إلى إطلاق يد القيادات الكردية في التصرف دون رقابة الدولة.
كان هذا التصرف يحمل العديد من التوجهات، بدءاً من تحقيق الغاية القومية في بناء دولة كردية على أرض كردستان العراق، وهو أمل تاريخي للشعوب الكردية، مروراً بالانتقام من النظام العراقي نفسه، الذي وضع الأكراد طوال فترة حكم البعث على مستوى مواطنين من الدرجة الثانية، واستخدم ضدهم العديد من ألوان التنكيل والقهر، إنتهاءاً ببناء تحالفات مع قوى كبرى لضمان مستقبل القضية الكردية وعدم عودتها إلى سابق عهدها.
أمَّا في تركيا، فقد تسببت الأزمة بين الحكومة وحزب العمال الكردستاني، التي استمرت طوال عقد التسعينيات، في كثير من الخسائر، وكلفت الدولة التركية عشرات المليارات من الدولارات، إلا أن النجاح الحقيقي الذي حققته تركيا في هذه المرحلة، هو عدم تمكين أكراد تركيا من الارتباط بعلاقة مع أكراد العراق، قد تؤدى إلى تغيير الخريطة السياسية للمنطقة.
إلى جانب تقليص قدرة حزب العمال الكردستاني، إلى أن أُلقي القبض على زعيمه "عبد الله أوجلان" والعديد من قياداته في نهاية عقد التسعينيات وبالتالي، فإن الأوضاع الكردية بدت مع مطلع الألفية الثالثة تتمتع بحراك محدود، وتحت السيطرة الكاملة من النظام العالمي الجديد، وتحت مراقبة دقيقة من القوى الإقليمية في المنطقة.
أولاً: أوضاع الأكراد في العراق
أدت الأخطاء الجسيمة التي ارتكبها النظام العراقي السابق إلى متغيرات حادة، عكست آثارها على قضايا الأكراد في العراق، بحيث يمكن الحكم، بأن أكراد العراق حصلوا على أكبر المكاسب من أخطاء النظام البعثى العراقي، وتمكنوا – بالاستفادة من هذه الأخطاء – من بناء قومي كردى في شمال العراق، سوف يلقى بظلاله مستقبلاً على الخريطة السياس |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: أولاً: أوضاع الأكراد في العراق الثلاثاء 17 يوليو 2012, 5:30 pm | |
| أولاً: أوضاع الأكراد في العراق
أدت الأخطاء الجسيمة التي ارتكبها النظام العراقي السابق إلى متغيرات حادة، عكست آثارها على قضايا الأكراد في العراق، بحيث يمكن الحكم، بأن أكراد العراق حصلوا على أكبر المكاسب من أخطاء النظام البعثى العراقي، وتمكنوا – بالاستفادة من هذه الأخطاء – من بناء قومي كردى في شمال العراق، سوف يلقى بظلاله مستقبلاً على الخريطة السياسية لمنطقة الشرق الأوسط بأكملها. وأوضاع الأكراد في العراق ذات شقين: الأول يتعلق بالمتغيرات في دولة العراق الأم، والثاني يتعلق بالمتغيرات في سياسات الأكراد أنفسهم.
ثانياً: المتغيرات في العراق وانعكاساتها على مجتمع الأكراد
بلغ عدد سكان العراق، في عام 2000 نحو 24 مليون نسمة ينقسمون إلى سكان مدن بنسبة 75%، وسكان الريف بنسبة 25%، كما تعددت التركيبة الأثنية في العراق، حيث كانت نسبة العرب حوالي 77.1%، والأكراد 18 - 20%، والتركمان 1.4%، والأشوريين 0.8%، والفرس 0.8%، وكانت التركيبة الدينية تحتوى على مسلمين بنسبة 95.8%، (وينقسمون إلى شيعه بنسبة 53.5%، منهم عرب وأكراد وفرس وتركمان – وسنة بنسبة 42.3% منهم عرب وأكراد وتركمان). ثم يأتي المسيحيون بنسبة 3.5%، وديانات أخرى بنسبة 0.7%.
والمجتمع العراقي بهذه التركيبة تغير تماماً، خاصة منذ عقد الثمانينيات في القرن العشرين، نتيجة للارتفاع الكبير في أسعار النفط، والذي ظهرت آثاره إيجابياً على الشعب العراقي ووفر له إمكانات كبيرة، ثم اندلعت حربا الخليج الأولى والثانية لتعمق المتغيرات في هذا المجتمع، والذي ساعد عليها الحكم الشمولي في العراق.
تشير الإحصائيات إلى أن عدد المليونيرات في العهد الملكي في العراق، لم يتعد 23 فرداً، ، وارتفع هذا العدد فى عام 1980، ليصبح 800 مليونيرا، وفى عام 2000 أصبحت أكثر من 3000 عائلة تمتلك الملايين.
وزاد أصحاب المصانع الكبيرة عن 6000 مالك، وأعضاء الغرف التجارية إلى حوالي 10 آلاف، واتحاد المقاولين إلى أكثر من 3000 عضو، ووصل عدد رجال الأعمال الأثرياء إلى حوالي 25 ألفا، بمعدل رجل أعمال ثري لكل ألف نسمة، ولم تقتصر هذه الأرقام على النظام الحاكم فقط، بل امتدت إلى الأكراد في الشمال، والشيعة في الجنوب خاصة لتقوية مكانة القوى الموالية للحكومة المركزية.
وهذا لم يمنع وجود أكراد ساخطين على النظام، وقلاقل مستمرة، ومواجهات بين السلطة والأكراد، نظراً لأن الدولة في العراق لم تحقق التوازن بين معادلات الاستقرار المتعارف عليها، والتي تحقق أمن النظام، وتتمثل هذه المعادلات التي لم يحققها النظام العراقي في الآتي:
1. المشاركة السياسية
وذلك من خلال التمثيل السياسي لكل مكونات المجتمع في أجهزة الدولة (البرلمان – الحكومة) بصورة متساوية، وهو ما لم يطبقه النظام العراقي لا مع الأكراد في الشمال، ولا مع الشيعة في الجنوب، وبقيت الغلبة للسنة في الوسط، ما أدى إلى وجود فجوة هائلة في انعدام الثقة بين الأكراد والسنة، بل أن النظام العراقي حاول في كثير من الأوقات خلخلة المجتمعات الكردية من خلال تشجيع مجتمعات سنية للهجرة، وتكوين مجتمعات تتفوق عدداً على الأكراد في العديد من المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية مثل كركوك والموصل.
2. المشاركة الاقتصادية
أي إتاحة الفرصة لكل رجال الأعمال من كل الأديان والأثنيات والطوائف والمناطق، ولكل الطبقات الوسطى، بالانتفاع من العملية الاقتصادية بدلاً من أن تحصر الدولة مقاولاتها في حفنة من الأتباع في مناطق محددة، وفى هذا فقد اهتمت الحكومة العراقية بالموصل على حدود المنطقة الكردية، دون أن تقوم بتنمية حقيقية داخل مجتمع الأكراد، ولكنها – في نفس الوقت – أغدقت على الأكراد المنتسبين أو المؤيدين للسلطة، وبقدر ولائهم، حوّلوا إلى أثرياء.
3. المشاركة الثقافية
بمعنى احترام كل الأديان والمذاهب والشعائر واللغات والتوجهات الثقافية، حتى يتحقق التحام الأمة، وهو ما لم تنفذه الحكومة العراقية بشفافية تجاه الأكراد، ولم تنفذ من البنود التي نص عليها قانون الحكم الذاتي للأكراد عام 1974- غير البند المتصل باللغة وأهملت غيره من نصوص القانون.
4. المشاركة الإدارية
أمّا فيما يتعلق بالجيش وقوات الأمن خاصة، والمخابرات والجهاز الإداري للدولة عامة، بقى الأكراد مواطنين من الدرجة الثانية في تعامل الدولة معهم في هذا المجال، ومن كل ما سبق، فإن النظام دخل في صراع مع الأكراد، وكانت أحد الأهداف الرئيسية لهذا الصراع هي تعميق الفجوة بين فصائل الأكراد المختلفة. وقد ظل الصراع مشتعلاً حتى عام 2000 وراح ضحيته مئات القتلى من الجانبين.
لم تتوان الولايات المتحدة الأمريكية للحظة واحدة، بل انتهزت هذه الظروف لإفقاد الحكومة العراقية السيطرة على ربوع البلاد، وكانت عملية "ثعلب الصحراء" (17 – 20 ديسمبر 1998) التي استمرت لمدة 70 ساعة قامت القوات الجوية والصاروخية الأمريكية خلالها بتدمير العديد من الأهداف العسكرية والصناعية والبنية الأساسية في العراق، ثم أعلن الرئيس الأمريكي بيل كلينتون في أعقابها إستراتيجية الولايات المتحدة تجاه العراق في الآتي:
1. أنه طالما بقى صدام حسين في السلطة، سيكون مصدر تهديد، حيث يشكل خطراً على شعبه وعلى المنطقة بالكامل.
2. لابد من وجود حكومة جديدة، كما يجب التعاون مع المعارضة للعمل على إمكان عودة العراق إلى وضعه الطبيعي في المنطقة.
3. يجب استمرار وجود قوات عسكرية قوية في المنطقة لردع صدام في الوقت المناسب، ومنعه من توجيه قواته الجوية ضد جيرانه، أو ضد الأكراد في الشمال، أو الشيعة في الجنوب.
4. يجب استمرار الحصار الاقتصادى الذي كلف صدام حسين 120 مليار دولار، مع استمرار برنامج النفط مقابل الغذاء في حدود 10 مليار دولاراً سنوياً.
5. لن يسمح المجتمع الدولي بأن يهدد العراق جيرانه في أي وقت:
ومن خلال تنفيذ تلك الإستراتيجية تقلصت قدرات الحكومة العراقية في السيطرة على أرجاء العراق، خاصة المناطق الشمالية، حيث انطلق الحزبان الكرديان إلى تنفيذ ما يحلو لهما من دون رقابة من الدولة، وكان الفاعل الرئيسي الذي يؤثر على حركة الأكراد في الشمال، هو الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها، وتركيا، وغيرهما. واستمرت المتغيرات في العراق المؤثرة على قضايا الأكراد على مرحلتين أساسيتين:
الأولى: حصار العراق، مع استمرار النظام العراقي في الحكم، والتي استمرت حتى 19 مارس 2003.
الثانية: غزو العراق، والإطاحة بالنظام البعثى، والسيطرة الكاملة للولايات المتحدة الأمريكية على تسيير الأمور في العراق (سلباً وإيجاباً).
وكان العراق محاصراً طوال عقد التسعينيات من القرن العشرين، وكان هناك شبه تقسيم أمنى يفقد الحكومة المركزية السيطرة على الأكراد في الشمال، والشيعة في الجنوب، نتيجة لفرض مناطق الحظر الجوى، إلا أن النظام العراقي لم يترك فرصة تضيع دون التدخل، سواء بالاستقطاب أو التآمر أو منع وصول الدعم أو الاغتيالات حتى لا يبقى المجال مفتوحاً أمام الأكراد في الشمال والشيعة في الجنوب لتكرار ما حدث في انتفاضتي عام 1991.
في نفس المجال، تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، من خلال الحصار، واستمرار الضربات العسكرية شبه اليومية في تقليص قدرة العراق العسكرية والاقتصادية، وشل حركة النظام العراقي في السيطرة على شمال العراق ـ بصفة خاصة ـ بما هيأ فرصة سانحة للأكراد في تحقيق تجربة حكم ذاتي برغم الخلافات بينهم.
تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية ـ قائدة النظام العالمي الجديد ـ من استخدام منظمة الأمم المتحدة، وآليتها الرئيسية (مجلس الأمن الدولي) في فرض الوصاية على العراق، سواء من خلال القرار الرقم 986 في 14/4/1995 والخاص بقرار النفط مقابل الغذاء والذي خصص 13% من المخصصات لصالح الأكراد، أو القرار 1284 في 17 ديسمبر1999، والخاص بتعليق العقوبات شريطة قبول العراق التعاون مع لجنة التفتيش الدولية وتحقيق مراقبة دائمة على برامج إنتاج أسلحته، والخضوع لترتيبات مالية تتعلق بتسليم السلع والمنتجات المدنية المسموح بها للعراق.
وقد أدت هذه العقوبات إلى نتائج مخيفة على العراق شعباً ودولة، فالشعب تعرض لأبشع ألوان المعاناة من مجاعة وفقر وحرمان وافتقاد أبسط مقومات الحياة الإنسانية من غذاء ودواء، وفقدت الدولة معالم حضارتها ومدنيتها التي كانت قبل حرب الخليج الثانية، وفقد المجتمع قدرته على التماسك الداخلي، وأصيب البنيان القيمى والأخلاقي بالتصدع، وتمزقت الحياة الاجتماعية، وانتشرت مظاهر الفساد والتخلف والبطالة، وزادت معدلات الجريمة، كما زادت معدلات هجرة العلماء وأصحاب العقول، وأصحاب رؤوس الأموال إلى خارج العراق.
وإذا كانت هذه المظاهر تبدو واضحة في أرجاء العراق، إلا أن منطقة كردستان العراق كانت هي الأقل معاناة نتيجة الدعم المقدم لها من الولايات المتحدة الأمريكية.
طرح في مجلس الأمن، مع مطلع الألفية الثالثة مشروع قرار" العقوبات الذكية" على العراق، والذي كان يهدف إلى تخفيف معاناة الشعب العراقي، وإزالة العراقيل التي تعترض تدفق البضائع المدنية، وتخفيف الحصار في إطار العقود الإنسانية، وهو الطرح الذي رأت فيه دوائر دولية سياسية وإعلامية طرحا ذكيا للعقوبات، في ثوب تخفيف المعاناة عن الشعب العراقي، وتقليص قدرة النظام في توزيع السلع على الجماهير، بما يقلل من شعبيته، ويساعد على توسيع الفجوة بين النظام والشعب، وعموماً فإن هذا الطرح لم يطبق بصورة عملية، نظراً لأحداث 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي كانت بمنزلة زلزال عمت توابعه أرجاء العالم، خاصة في العراق.
في أعقاب تولى الإدارة الجمهورية برئاسة الرئيس جورج دبليو بوش السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية في 21 يناير 2001، طفت على السطح قضية العراق، وظهرت ملامح لمدى ما تحمله الإدارة الجديدة من كراهية للنظام العراقي، وجاءت في أعقابها أحداث 11 سبتمبر2001، حيث شملت الإستراتيجية الأمريكية الدول والمنظمات المستهدفة في شن الحرب على الإرهاب من خلال رسالة بعث بها "صقور المحافظين الجدد" إلى الرئيس بوش في 20 سبتمبر2001 يحددون فيها أسبقيات شن الحروب في المنطقة كالآتي:
1. الأسبقية الأولى: شن الحرب على أفغانستان للقبض على أسامة بن لادن أو قتله، وتدمير قاعدته، وإسقاط حكم طالبان.
2. الأسبقية الثانية: شن الحرب على العراق، لإسقاط نظام صدام حسين، وتصعيد نظام بديل يحقق أهداف الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة.
3. الأسبقية الثالثة: تفتيت حزب الله وتقليص قدرته بالضغط على إيران وسورية، للتوقف فوراً عن دعمه.
4. الأسبقية الرابعة: شل قدرة الفصائل الفلسطينية، من خلال دعم إسرائيل للتصرف حيالها.
ومن خلال هذا التوجه، وتوقع النظام العراقي لما قد يحدث، خاصة في أعقاب غزو أفغانستان، وتحول التوجه السياسي/ العسكري الأمريكي نحو المنطقة، فإن النظام العراقي بدوره شرع في استخدام إستراتيجية قاصرة لمواجهة أي عمليات غزو منتظرة تتحدد في الآتي:
1. ربط أمن النظام بأمن الدولة، واتخاذ كل الإجراءات الأمنية من أجل بقاء النظام وحمايته.
2. إهمال القضايا البعيدة عن مركز الدولة (ومن ضمنها قضية الأكراد)، وبالتالي توفر للأكراد مجالات خصبة للتصرف الذاتي بعيداً عن رقابة النظام.
3. رفض النصائح العربية أو إجراء التنسيق من أجل إبعاد شبح الحرب عن العراق والإصرار على مواجهة الأزمة بصورة منفردة.
4. تطبيق خطة عسكرية قاصرة لاتساير مواجهة التفوق الأمريكي المنتظر.
5. عدم إتخاذ إجراءات فعالة، ضد المعارضة العراقية (وبينها كوادر كردية)، حيث تحركت هذه المعارضة بحرية تامة للتعاون. مع قوات الغزو.
6. لم تحرك القيادة العراقية ساكناً في سبيل توحيد الأمة ضد الأخطار الخارجية، واقتصرت إجراءاتها في تحفيز عناصر حزب البعث، وبالتالي فقد خرج شمال العراق من أي إجراءات تدعمها الدولة لحشد الشعب في مواجهة الغزو، وكانت من نتيجة ذلك أن اندمجت البشمركة، وهي الميلشيات الكردية المسلحة، إلى قوات الغزو ضد الجيش العراقي نفسه.
ثالثاً: المتغيرات في المجتمع الكردي في بداية الألفية الثالثة
وإتساقاً مع المتغيرات على المستوى الإقليمي والعالمي، والمتغيرات في المجتمع العراقي نفسه، فقد حدثت متغيرات هامة داخل المجتمع الكردي في العراق عكست آثارها على التمايز الإجتماعى والثقافي للأكراد، وأدت إلى ظهور تيار قومي ينقسم إلى كتلة سليمانية، وكتلة أربيلية، وتيار إسلامي، وآخر يحافظ على التيار الماركسي..
وأهم المتغيرات في هذا المجال تتحدد في الآتي:
1. تعميق الفجوة بين سكان الكتلة الحضرية وسكان القرى، وسكان المدن أنفسهم فمثلاً تعد كتلة السليمانية كتلة حضرية تنتهي إلى الطبقات الوسطى الحديثة، ومن ثم، تخرج منها معظم الكوادر الكردية. أمّا كتلة أربيل فيغلب عليها الطابع القبلي، وهو ما يميز القيادات التي تخرج منها، وفي نفس السياق، تتعدد الثقافات الكردية خاصة من جانب اللغة، والتي هي لغة التفاهم بين الجماعات المختلفة، واختلاف لهجاتها ينم عن تباعد مستويات التفاهم.
2. تصاعد تأثير التيار الإسلامي في منطقة كردستان، فبينما حصل التيار الإسلامي على نسبة 3% من الأصوات في الانتخابات البلدية عام 1992، ارتفع رصيده ليحصل على 18% من الأصوات في الانتخابات عام 2000 في محافظتي أربيل ودهوك.. ويسيطر التيار الإسلامي على منطقة (حلبجه) (التي قصفت بالغازات السامة عام 1988)، وأبرز قبيلة هناك هي قبيلة بابان التي أمدت الحركة الإسلامية بالكثير من كوادرها ومؤيديها، وقد دخلت الحركة في صراع مع البارازانيين والطالبانيين، وهو صراع أيديولوجي وسياسي، لا يخلو من جذور قبلية.
3. بروز كتلة رابعة (إلى جانب كتلة الطالبان والبرزاني والإسلاميين)، هي كتلة القبائل التي تميل إلى التعاون مع الحكومة المركزية (ويمكن تسميتها بالكتلة الوحدوية)، وتضم هذه الكتلة قبائل ضاربة الجذور مثل السورجيه، والهيركيه، والزيباريه، والمزورية والدوسكية، التي تمتد مناطقها من شمال أربيل، على امتداد ما يعرف بسهل أربيل، وصولاً إلى دهوك وشمالها (قرب الحدود العراقية – التركية).
وهذه القبائل، لاتريد استقلالاً كردياً، بل تميل إلى التعاون مع الحكم المركزي، وبفضل هذا التوجه، صارت زعامات هذه الكتلة من أصحاب الملايين، وأنشأ بعضهم حزباً يدعى "حزب المحافظين" عام 1991، أهم برامجه هي إنهاء الخلاف العربي – الكردي.
وكانت الساحة الكردية العراقية مع مطلع الألفية الثالثة تموج بالعديد من التشكيلات السياسية المختلفة في توجهاتها الفردية والعقائدية، ولكن معظم هذه التشكيلات لا يمارس الحياة السياسية بصورة جادة، بينما استمر حزبان سياسيان، ومجموعات إسلامية أخرى تتصدر قائمة العمل السياسي والدينى في كردستان العراق، وهم:
1. الحزب الديموقراطى الكردستاني: بزعامة مسعود البرزاني، وتغلب عليه النزعة القومية الكردية، ويعتمد إلى حد كبير على العشيرة البرزانية، ويكثر أتباعه في منطقة أربيل شمالي العراق، ويحتفظ الحزب بعلاقات جيدة مع تركيا والحكومة العراقية والولايات المتحدة وبعض الدول الأوربية، في حين أن علاقاته مع إيران سيئة.
2. الإتحاد الوطني الكردستاني: بزعامة جلال الطالبان، ويتبنى أيضاً إتجاهات قومية كردية، ويوجد لدى العديد من كوادره ميولاً ليبرالية، وتتركز معظم قواعد الحزب في النصف الجنوبي من كردستان العراق، ويرتبط الحزب بعلاقات جيدة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وإيران، في حين أن علاقاته ليست كذلك مع تركيا والنظام العراقي نفسه.
3. حزب الإتحاد الإسلامي: والذي يمثل فكر الإخوان المسلمين، ويقوده الشيخ محمد بهاء الدين، وشارك هذا الحزب في حكومة أربيل التي شكلها مسعود البرزاني، بوزير واحد (وزارة العدل)، ولهذا الحزب علاقات وطيدة مع الإخوان المسلمين في مصر، ومع حزب الفضيلة التركي.
4. الحركة الإسلامية: وهى تمثل التيار الإسلامي المسلح، وكان لها حضور كثيف في كل أنحاء كردستان العراق، لكنها تعرضت لانشقاقات عديدة داخل صفوفها منذ نهاية التسعينيات، إلى جانب النزاع المسلح بينها وبين الاتحاد الوطني الكردستاني.
5. جماعة أنصار الإسلام: "باك"، وتعد من أحدث الحركات التنظيمات السياسية الكردية، حيث تأسست في 10 ديسمبر 2001 بقيادة الشيخ "فاتح كريكار" والذي يطلق عليه "أبو سيد قطب"، وقد إنشقت هذه الجماعة عن الحركة الإسلامية، ونظراً لتشدد هذه الحركة وراديكاليتها، أطلق عليها "طالبان الكردية"، وأثيرت بعض الشكوك في وجود علاقة بينها وبين طالبان الأفغانية وتنظيم القاعدة، وقد دخلت هذه الجماعة في صدام مسلح منذ نشأتها مع الاتحاد الوطني الكردستاني كما كانت هذه الحركة أحد الأهداف الرئيسية للقصف الجوى الأمريكي على العراق إبان حرب الخليج الثالثة.
وبرغم هذه التعددية، إلا أن السيطرة في المنطقة الكردية بقيت باستمرار في يد الحزبين الكبيرين "الحزب الديموقراطى الكردستاني، والإتحاد الوطني الكردستاني".
رابعاً: تطور التغير في التوجه السياسي الكردستاني
بسبب ما أفرزه الحصار الذي فرض على العراق، وأدى إلى تقليص قدرة النظام العراقي في السيطرة على أرجاء الدولة، دخل الأكراد مرحلة سياسية جديدة، حيث وفرت الحماية الدولية لمنطقة كردستان العراق من قبل قوات التحالف الدولي، فرصة تاريخية لتطبيق تجربة حكم فريدة في المنطقة، ينعم فيها الأكراد بحكم ذاتي.
خاصة بعد أن سحبت الحكومة المركزية في العراق موظفيها من كل الإدارات العاملين فيها في كردستان العراق، حيث بدأ الحزبان الكرديان تجربة الإدارة المشتركة للإقليم، خاصة مع توفر الدعم المالي سواء، من حصة الأكراد في قرار النفط مقابل الغذاء التي تحددت بـ 13% من مستحقات العراق إلى جانب المساعدات التي خصصتها لهم الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي.
وكانت المحصلة من تجربة الحكم الذاتي العديد من الإيجابيات، في مقدمتها إعادة بناء كردستان، وتأسيس تجربة ديموقراطية متميزة في المنطقة، حيث أجيز للعديد من الأحزاب العمل السياسي بحرية كاملة، وتأسست صحف مستقلة، ومحطات إذاعية وتليفزيونية، كذلك تشكل العديد من مؤسسات المجتمع المدني في الإقليم، إلى جانب إطلاق حريات سياسية وفردية واسعة لأبناء المنطقة، وصدرت قوانين لضمان حقوق الإنسان والمرأة.
في عام 1998 ضغطت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا على أكراد العراق لتوحيد صفوفهم، حيث تبادل زعيما الحزبين الكرديين الرئيسيين أربعة رسائل لمحاولة التهدئة والتصالح، وشملت المقترحات المتبادلة في الرسائل العديد من النقاط الإيجابية منها:
1. إنهاء مسببات الحرب الداخلية، وإيجاد حل سياسي وعادل لجميع القضايا والمسائل المتنازع عليها بأساليب ديموقراطية سليمة.
2. توحيد حكومة إقليم كردستان، وذلك بإعادة تشكيل حكومة موحدة مؤلفة من ممثلي جميع الأحزاب الكردستانية، والتي تقوم بدورها بتهيئة الأجواء الملائمة لإجراء انتخابات حرة لاختيار أعضاء المجلس الوطني الكردستاني.
3. تطبيع الأوضاع في مدن أربيل والسليمانية ودهوك، وجميع مدن وقرى كردستان، لتكون مدناً للجميع.
4. تأمين حرية النشر والإعلام والنشاطات السياسية والفكرية والاجتماعية في جميع أنحاء كردستان.
5. التوزيع العادل للموارد، ومشاريع الأعمار والتنمية.
6. إنهاء الوجود المسلح على أرض كردستان، وتحريم الاقتتال الداخلي، والالتزام بوقف النار وتعزيزه، وإدانة الإرهاب والاغتيال، ومنع اللجوء إلى العنف في حل مشكلات كردستان.
7. إطلاق سراح جميع الأسرى والمعتقلين، وإيقاف تهجير المواطنين، وإعادة المهجرين إلى ديارهم ومدنهم وقراهم مع ضمان أمنهم وسلامتهم.
وقد أسفرت هذه الرسائل إلى عقد اجتماع مصالحه حضره أعضاء المكتب التنفيذي للحزبين في 12 فبراير 1998، في مدينة شقلاوة، صدر في أعقابه "خطة سلام" تضمنت النقاط التالية:
1. الالتزام بوقف إطلاق النيران، وانتهاج أسلوب الحوار في علاج المشكلات ورفض العنف.
2. الالتزام بوقف الحملات الإعلامية، وسد الثغرات لتحقيق الثقة بين الطرفين.
3. إطلاق سراح الأسرى والمعتقليين وإيقاف عمليات الترحيل والإبعاد، ومنع ملاحقة المواطنين واعتقالهم لأسباب سياسية.
4. تشكيل لجنة مشتركة للتعاون والعمل على تأمين الخدمات العامة في المجالات المختلفة.
5. استمرار اللقاءات بين الجانبين.
بناء على هذا الاتفاق استضافت الولايات المتحدة قطبي الحزبين الرئيسيين "مسعود البرزاني" وجلال طالباني" في واشنطن لتنسيق المواقف بينهم حيث عقدا اتفاقية سلام في 17 يوليه 1998 بين الحزبين الرئيسيين، وبرعاية وزيرة الخارجية الأمريكية "مادلين أولبرايت" تضمنت العديد من المبادئ الرئيسية أهمها:
1. الحفاظ على وحدة أراضى العراق، وأن المحافظات الكردية الثلاث هي جزء من دولة العراق.
2. الترحيب بعملية السلام والمصالحة، وأن الحزبين سيبذلان كل ما في وسعهما لبناء عراق موحد وعلى أساس فيدرالي.
3. إنشاء لجنة تنسيق عليا تعمل على تعزيز التنسيق والتعاون وتهيئة أجواء المصالحة ومساعدة المواطنين وتعمل على تشكيل حكومة مشتركة مؤقتة خلال الأشهر الثلاثة القادمة.
4. تطبيع الأوضاع في المحافظات الثلاث الرئيسية (أرييل ودهوك والسليمانية)، وتنظيم انتخابات حرة وعادلة في سبيل تشكيل مجلس إقليمي في فترة لاتتجاوز ستة أشهر، يشرف عليها مراقبون دوليون.
5. الاتفاق على عقد لقاء بين الحزبين الرئيسيين في أنقرة لتنسيق المواقف بين الطرفين. (وبرغم أتفاق السلام، إلا أن الأوضاع استمرت كما هي دون تغيير يذكر).
إلا أن الاتفاقية قد أثمرت، مع مطلع الألفية الثالثة، إنهاء الصراعات بين الأكراد، ووقوفهم صفاً واحداً متسقاً مع الولايات المتحدة، وضد النظام العراقي نفسه، وسعى الحزبان الكرديان الرئيسيان إلى طي الخلافات الماضية بينهما، وقاما بتوقيع اتفاق للتعاون الأمني أبرماه في ألمانيا في منتصف أبريل 2002، وهو الاتفاق الذي تضمن إنشاء مركز مشترك للعمليات لمحاربة ما أسموه "بالإرهاب الإسلامي" في كردستان العراق.
خاصة بعد أن اشتد حجم الخطر الذي بات يشكله المقاتلون الإسلاميون التابعون لجماعة "جند الإسلام"، وهى إحدى فصائل جماعة أنصار الإسلام، التي تشتبه الإدارة الأمريكية في صلتها بتنظيم القاعدة.
وتوصل الحزبان الكرديان الكبيران، في أوائل سبتمبر 2002، إلى اتفاق يقضى بتسوية خلافاتهما بشكل نهائي، خاصة فيما يتصل بتشكيل البرلمان الموحد، من خلال أربع لجان مشتركة رفيعة المستوى عملت على تحقيق ذلك خلال شهر واحد.
كما اتفقا على أن يعيد كل منهما فتح مكاتبة في المناطق التي يسيطر عليها الفريق الآخر، وأن يعيد الأملاك التي صادرها كل منهما للآخر خلال المواجهات المسلحة بينهما بين عام 1994 – 1996، والإفراج عن المعتقلين، وتسهيل حرية تنقل المواطنين في مختلف مناطق كردستان العراق، وقد وقع زعيما الحزبين هذا الاتفاق الذي عُد وثيقة اتفاق سلام في 2 أكتوبر2002، وصدق عليه بالإجماع البرلمان الكردي الذي عقد أولى جلساته في 4 أكتوبر2002، بعد توقف دام ست سنوات.
خامساً: التحول التركي في القضية الكردية
كان الموقف التركي شديد الخصوصية من الأزمة العراقية، حيث إن تركيا حليف للولايات المتحدة الأمريكية، وعضو في حلف الناتو، لكنَّ مخاوفها من ضرب النظام العراقي تتأسس على احتمال تمكن الأكراد من إقامة دولة كردية شمال العراق، تثير شجون أكراد تركيا في المطالبة بالمثل، وقد عانت تركيا من نشاط حزب العمال الكردستاني، والذي كان يتخذ من كردستان في العراق والمنطقة الحدودية بين العراق وتركيا قاعدة لنشاطاته في شن عمليات، بنظر الحكومة التركية، تهدد الأمن والاستقرار التركيين، ومن ثَم، نفذت العديد من العمليات العسكرية في شمال العراق بهدف القضاء على مقاتلي حزب العمال الكردستاني، والتي استمرت على نهج متكرر برغم اختلاف الائتلافات الحاكمة، والتوجهات الأيديولوجية من دون أي تدخل من الحكومة العراقية، برغم الخروقات التي كانت ترتكبها القوات التركية بالتغلغل في داخل الأراضي العراقية.
كما حاولت تركيا ربط أكراد العراق بمصالح اقتصادية معها، وذلك في أثناء انهيار العلاقة بين الحكومة العراقية وإقليم كردستان العراق، نتيجة الحظر الجوى من جانب، وتقليص القدرة العراقية من جانب آخر، وارتباط الأكراد بمصالح أمريكية غربية غير مسيطر عليها من الحكومة المركزية، وذلك في مقابل احتواء حزب العمال الكردستاني، بحيث أصبح الدور التركي ذا ثلاثة أبعاد وهى: المحامي عن أكراد العراق، والوسيط بينهم، والغازي أو المتحرك بإرادته المنفردة في المنطقة دون الاهتمام بأي قوانين دولية.
يتبع إن شاء الله...
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الأكراد والمشكلة الكردية الثلاثاء 17 يوليو 2012, 5:39 pm | |
| في نفس السياق، كانت تركيا، في هذه المرحلة، تخشى من سعى أكراد العراق ـ بعد الإطاحة بالنظام العراقي ـ إلى إثارة النزعة الانفصالية، والسعي لتحقيق الغاية القومية للأكراد في إقامة دولة على أرض كردستان، وهو أمل يحدو أكراد تركيا وإيران كذلك، ما يؤدى إلى المساس بأمنها القومي، كما أنها كانت تخشى بالتبعية ـ حال قيام الحرب ضد العراق ـ من استغلال المليشيات الكردية العراقية للموقف ومهاجمة مدينة كركوك الغنية بالبترول والاستيلاء عليها، خاصة أن أكراد العراق يجعلونها عاصمة لهم ويطلقون عليها "القدس الكردستانية" وهو ما سوف يشجع حزب العمال الكردستاني إلى إشعال المقاومة في جنوب شرق تركيا.
سادساً: تطور الموقف تجاه حزب العمال الكردستاني
نجحت المخابرات التركية – بالتنسيق مع مخابرات العديد من الدول – في إلقاء القبض على زعيم حزب العمال الكردستاني "عبد الله أوجلان"، في كينيا في 16 فبراير1999، حيث سجن انفراديا في جزيرة "إيمرالى" المنعزلة في بحر مرمره، وحوكم في يونيه 2000، وحكم عليه بالإعدام بتهمة الخيانة والعمل على تقسيم البلاد (حيث صيغ الاتهام طبقاً للمادة 125 من قانون العقوبات التركي التي تنص على أن الإعدام عقوبة قصوى لتهديد وحدة الأمة أو الدولة).
أرجئ تنفيذ الحكم في انتظار صدور قرار في هذا الشأن عن المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان، والتي لم توافق، واستبدل الإعدام بعقوبة السجن مدى الحياة.
تزامن القبض على عبد الله أوجلان، مع القبض على العديد من كوادر الحزب، بما أدى إلى تقليص قدرته على الكفاح المسلح، في نفس الوقت، فإن أوجلان، كانت له المقدرة على فهم طبيعة المرحلة، وما قد يصيب عناصر الحزب وكوادره، لذلك فقد أعلن في بداية محاكمته "استعداده لخدمة الدولة التركية وإحلال السلام والمحافظة على وحدة أراضى تركيا إذا أبقى على حياته ومنحه الفرصة لتسوية الصراع سلمياً". في نفس السياق أعلن الجناح العسكري للحزب عزمه إطاعة أوامر أوجلان، وإلقاء السلاح، ووقف الكفاح المسلح.
سابعاً: المتغيرات في التوجه التركي نحو القضية الكردية في أعقاب القبض على أوجلان
1. حدوث حالة من التقارب بين تركيا وسورية، حيث وُقِع بروتوكول أمنى ينص على مراقبة الحدود، وإغلاق معسكرات تدريب الحزب في سهل البقاع اللبناني.
2. توافق إيران وتركيا في مفاوضات أمنية في 28 مارس 2000 على تصنيف تنظيمي مجاهدي خلق، وحزب العمال الكردستاني التركي، أنهما تنظيمان إرهابيان كما ضمهما الإتحاد الأوروبي في لائحته للجماعات الإرهابية في 2 مايو 2000 (بعد أن كان حزب العمال الكردستاني أستثنى من ذلك في ديسمبر 1999).
من المعروف أن تركيا كانت دائبة في اتهام إيران بإيواء عناصر "حزب الله التركي"، و"حزب العمال الكردستاني"، الأمر الذي دفعها العديد من المرات إلى التسلل إلى شمال العراق، وشمال غرب إيران بذريعة ملاحقة عناصر هذا الحزب، وفى المقابل كانت إيران تنفى أية صلة بهذه المنظمات.
3. أدى توجه تركيا للانضمام للإتحاد الأوربي إلى متغيرات أفادت القضية الكردية حيث يفرض الإتحاد الأوربي شروطاً خاصة بقضايا حقوق الإنسان وقضايا الديمقراطية، والتمثيل النسبي للأحزاب وجماعات الناخبين، ما أدى إلى إمكان إفساح المجال لمشاركة حزب العمال الكردستاني في الحياة السياسية التركية.
4. وفى خطوة هامة على صعيد الإصلاح السياسي، وافق البرلمان التركي في 26 يوليه 2001 على تعديل مواد دستورية أساسية تسمح باستخدام لغات "غير تركية" مثل الكردية والعربية في الإعلام والنشر، ما يعطي الحق للأكراد في إصدار صحف ومطبوعات في إقليمهم، والبث الإذاعي التليفزيوني بلغة كردية.
كما اتجهت الحكومة التركية إلى رفع بعض القيود عن استخدام اللغة الكردية، إضافة إلى تعديلات تتصل بمعايير الحريات وحقوق الإنسان، خاصة إطلاق حرية الفكر والتعبير وإنهاء الاعتقالات السياسية بسبب مقولات أو خطب أو أفكار سياسية معارضة.
5. تجاوباً مع توجه الحكومة التركية، وأعلن حزب العمل الكردستاني عن وقف العمليات العسكرية من طرف واحد، وصولاً إلى حل حول المسألة الكردية، يرضى الأكراد، ولا يخل بالسيادة التركية ووحدة أراضيها، وقد تأسس هذا القرار على رؤية قادها عبد الله أوجلان من داخل سجنه، وتنفذها كوادر الحزب، وتنبع من الحقائق الآتية:
أ. أن القضية الكردية أصبحت ذات أهمية سياسية وإعلامية، يجعلها تتقدم وتضغط على صانع القرار في تركيا (خاصة في توجهه نحو الانضمام إلى الإتحاد الأوروبي).
ب. أن المقاومة التي مارسها حزب العمال الكردستاني، كانت من أجل تأكيد حقوق الأكراد، وطالما أن الحكومة التركية قد آمنت بأن للأكراد حقوقاً سواء في العملية السياسية أو الحكم الذاتي أو المواطنة الكاملة، وإنهاء أعمال التهميش والاضطهاد، وتمكين الأكراد من استخدام لغتهم المحلية في الحياة والمدارس ووسائل الإعلام المختلفة، فإن على الأكراد التجاوب مع هذه المميزات.
ج. أن حزب العمال الكردستاني بصفة خاصة، وأكراد تركيا بصفة عامة لايهدفون إلى تقسيم تركيا، أو إشاعة الفوضى في ربوعها، ولكن هدفهم الأساسي هو العيش المشترك على أسس عادلة.
د. أن أكراد تركيا – من خلال المشاركة السياسية – يكونون قد حصلوا على حقوق ومميزات تعادل أو تزيد عما حصل عليه أكراد العراق، كل في بلده، ولم يحن الوقت كي أن يطالب كل منهما بنوع من الوحدة أو المطالبة بدوله كردية تحيى أمل الأكراد في كردستان موحدة، حيث أن الموقف الإقليمي والدولي لايسمحان بشئ من هذا القبيل حالياً.
6. ورغم ذلك، فإن الجهود التركية التي يقوم بها الجيش بالتنسيق مع الحكومة أو بدونها، تتجه نحو محاولة القضاء على مراكز حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، وفى هذا المجال فقد اتخذت عدة أطراف العديد من الإجراءات أهمها:
أ. سعت الولايات المتحدة بالتعاون مع تركيا والحكومة العراقية إلى محاولة "خنق" حزب العمال الكردستاني، وقامت الولايات المتحدة بتعيين مفوض لهذا الغرض هو الجنرال جوزيف رالسون، وذلك في محاولة لتطمين تركيا بعدم قيام دولة كردية تضم أكراد العراق وتركيا وإيران وسورية وأرمينيا تحقيقاً للهدف الكردي التاريخي.
ب. في محاولة أعمق لطمأنة تركيا، فقد وعد الفصيلان الكرديان الرئيسيان في شمال العراق، بتصفية معاقل حزب العمال الكردستاني في المنطقة.
ج. تعهدت واشنطن بعدم توجيه أي نقد لتركيا في مسألة تعاملها مع حزب العمل الكردستاني، إلا إذا تصرفت تركيا بسياستها الخارجية بطريقة تزعج واشنطن.
7. الموقف التركي تجاه العراق – فيما يتعلق بالمسألة الكردية:
أ. ترى تركيا أن الاقتصاد الكردي بكردستان العراق، أصبح يشكل تهديداً أكبر من قدرة الأكراد العسكرية، وذلك بعد أن أصبح الأكراد يحصلون على نسبة 13% من قيمة صادرات النفط العراقية، بل ويتجهون إلى السيطرة على مصادر النفط في شمال العراق، بما يزيد من قدرتهم الاقتصادية في حالة تطبيق الفيدرالية.
ب. لاتزال تركيا تحلم بالمطالبة بأحقيتها في عودة قضاوي الموصل وكركوك إليها على أساس أنهما استقطعا قسراً في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وبرغم أن العديد من المسؤولين الأتراك أشاروا إلى عدم وجود مطالب لتركيا في شمال العراق، إلا أن هناك مخاوف لدى أكراد العراق بغزو تركي لهذه المنطقة بذريعة حماية الأقلية التركمانية، إذا حاول الأكراد بسط نفوذهم عليها.
ج. تتبنى تركيا سياسة الرفض القاطع لأي محاولة لتقسيم العراق، ومنح أكراد العراق فيدرالية تتيح لهم إنشاء دولة مستقلة، تؤدى إلى تغيير الخريطة السياسية للمنطقة.
د . ترى تركيا أن الخيار الأمني العسكري، لابد أن يكون قائماً لمجابهة المتغيرات في المسألة الكردية، برغم مسيرة العمل السياسي في هذا المجال.
ثامناً: موقف أكراد العراق في مسألة دعم حزب العمال الكردستاني التركي
تزامن إنشاء حزب العمال الكردستاني، مع فترة كان يعانى فيها أكراد العراق من اضطهاد أو خلاف بين الفصيلين الرئيسيين بقيادة مسعود برزاني وجلال طلباني وبالتالي فإن منطقة كردستان العراق كانت تشملها فوضى عارمة، إلى جانب طبيعتها الجبلية، لذلك كان من السهل أن يتسرب مقاتلو حزب العمال الكردستاني إلى شمال العراق في البداية هرباً من بطش السلطات التركية.
مع استمرار المقاومة، فقد قبل قادة أكراد العراق إيواء مقاتلي حزب العمال الكردستاني لعدة أسباب.. منها:
1. نزعه الشعور القومي الكردستاني، وأكراد العراق مناضلون أيضاً، من ثم عدَّوا تضامنهم مع أكراد تركيا هو واجباً قومياً.
2. قيام تركيا بتكرار عدوانها على شمال العراق بحجه القضاء على حزب العمال الكردستاني، ما عده أكراد العراق عدواناً عليهم، وتركوا التصدي للقوات التركية لهؤلاء المقاتلين دون إقحام أنفسهم في المشكلة.
3. أن منطقة كردستان العراق في عقد التسعينيات وحتى الآن، لا يسيطر عليها سوى الأكراد أنفسهم، وغابت سيطرة الدولة العراقية عنها، إلى جانب أن الحكومة التركية عازفة عن إجراء حوار مع أكراد العراق بهذا الخصوص، وحتى لا تمنحهم شرعية "دولة" تجرى معها تفاوض.
4. توجه أكراد العراق إلى تطبيق تجربتهم مع دول الجوار، من خلال عناصر كردية نشطة بحيث يصل الحال في يوم من الأيام إلى قيام دولة كردية على أرض كردستان التاريخية.
تاسعاً: الموقف الإيراني من المسألة الكردية
1. ظل الموقف الإيراني كما هو والذي يتحدد في الآتي:
أ. السيطرة على الأكراد الإيرانيين وضمان عدم تفاعلهم مع الفصائل الكردية في الدول المحاورة.
ب. استقطاب الأكراد والحركات المعارضة في كل من العراق وتركيا، من أجل تنفيذ أهداف إيرانية.
ج. وعلى ذلك فإنه مع بداية القرن الحادي والعشرين لم تكن هناك متغيرات ذات تأثير فيما يخص أكراد إيران. فيما عدا قيام الرئيس محمد خاتمي بتنصيب أول محافظ كردى لمحافظة كردستان وهو "عبدالله رمضان زاده"، كما تم تشكيل حزب الإصلاح الكردي، ومنظمة الدفاع عن حقوق الإنسان الكردية برئاسة "محمد صادق كابودواند" عام 2005 وتلقى هذه الحركات المسالمة رواجاً لدى معظم الأكراد الإيرانيين.
في نفس المجال، فلم يخل الأمر من صدامات وأحداث صغيرة لا ترتقي إلى بروز قضية كردية في إيران، وعلى سبيل المثال:
(1) في 9 يوليه 2005 قامت قوات الأمن الإيرانية بقتل الناشط الكردي "شوان قدرى" ما أدى إلى مظاهرات عارمة وأحداث متفرقة استمرت لمدة ستة أسابيع، في مدن مهاباد، وستندج ويوكان، وستقز، دبانه، وشنو، وسردشت.
(2) في أغسطس 2005 ثم اختطف 4 من رجال الشرطة الإيرانية من قبل حزب كردى مسلح (حزب الحياة الحرة الكردستاني) وهو حزب حديث تأسس عام 2004، ويعتقد أن لهذا الحزب صلة بحزب العمال الكردستاني التركي.. وقد قام هذا الحزب بقتل حوالي 120 فرداً من رجال الشرطة على مدى ستة شهور من تشكيله.
2. شجعت إيران الأكراد العراقيين الذين فروا من العراق إبان الحكم البعثى السابق، ويبلغ تعدادهم حوالي 7000 كردياً، إلى العودة للعراق، ضمن العراقيين من أصل إيراني الذين كان حزب البعث قد طردهم، ويبلغ تعدادهم نحو 200 ألف فرداً.
3. تنتهج إيران سياسة تشير إلى الحفاظ على وحدة العراق، حيث إن قيام دولة كردية مستقلة في شمال العراق سوف تعود آثاره على أكراد إيران، وتؤدى إلى عودة الفتنة الطائفية التي تمكنت طهران من إخمادها في مراحل سابقة.
4. تدعم إيران موقف الأكراد على أراضيها، في محاولة لاستقطابهم وإبعادهم عما يحدث في العراق، وكان تعيين حاكم للإقليم من أصل كردى، موالٍ للنظام الإيراني، لأول مرة، رغبة في السيطرة على الأكراد الإيرانيين، ومنعهم من الاتصال بأكراد العراق".
5. دعم مؤتمر المعارضة العراقية بما فيها المعارضة الكردية العراقية الذي عقد في لندن ديسمبر2002، واستقبال أقطاب المعارضة في طهران أثناء توجههم إلى أربيل في أعقاب هذا المؤتمر، وتنفيذ إجراءات أمنية مشددة لحمايتهم.
عاشراً: الدور الإسرائيلي في المسألة الكردية
برغم تصاعد الأقوال عن أن لإسرائيل نشاطاً في كردستان العراق، إلا أن الرئيس العراقي جلال طلباني، وهو زعيم كردى، نفى تماماً أن يكون لإسرائيل أي دور في شمال العراق، وتشير بعض مصادر الأنباء (غير المؤكدة) أن إسرائيل تقوم بالآتي:
1. عسكرياً: تقوم بإرسال مدربين لتدريب البشمركه، وتزويدهم بالأسلحة الخفيفة، واستقبال متدربين أكراد في إسرائيل.
2. اقتصادياً: تقبل الأفراد والشركات الإسرائيلية على العديد من الإجراءات منها.. شراء الأراضي وتطبيق التكنولوجية الإسرائيلية في الزراعية- التبادل التجاري وترويج المنتجات الإسرائيلية في شمال العراق- تدريب الأكراد على بعض الحرف المهنية والصناعات الصغيرة.
3. إستراتيجياً: تهدف إسرائيل على الحضور – بصورة ما – على الحدود الشمالية الغربية لإيران، والحدود الشمالية الشرقية لسورية بإظهار نفوذها في منطقة شمال العراق.
4. هناك بعد آخر بشير إلى أن التغلغل الإسرائيلي لا يقف عند شمال العراق فقط، ولكنه يعمل على الانتشار خاصة في مناطق البترول، وتهدف إسرائيل إلى الحصول على حاجاتها البترولية من العراق، وهو هدف قديم تحاول إسرائيل تجديده.
*********************************
المبحث العاشر
دور المعارضة الكردية في غزو العراق
نشأت المعارضة الكردية وتصاعدت على مدى عقود طويلة، حيث كان للأكراد أهدافهم القومية التي تتعارض مع نظم الدول التي تضم القوميات الكردية، منذ تقسيم المنطقة وتحديد حدودها إبّان الحرب العالمية الأولى، وما بعدها.
تصاعدت أصوات المعارضة الكردية سواء في تركيا أو إيران أو العراق خلال فترات عديدة من التاريخ الحديث والمعاصر، ولكن كان يميزها أنها تتصاعد وتعمل في الداخل، وكانت تخضع- خاصة في العراق- لتدخلات أجنبية تحرضها ضد النظام العراقي نفسه، كما حدث في أوائل عقد السبعينيات، حيث دعمت إيران أكراد العراق للحرب بالوكالة عنها ضد النظام العراقي، إلى أن وقعت اتفاقية الجزائر عام 1975. وتخلت إيران عن هذا الدعم، حيث لجأ الملا لبرزاني إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وكان هذا اللجوء هو البداية لكي تعمل المعارضة الكردية العراقية من الخارج، وتصبح أداة في يد القوى العالمية للتأثير على النظام العراقي نفسه.
ويمكن القول، إن تاريخ الأكراد مع حزب البعث يشكل تاريخا من المعارضة شبه المستدامة التي كانت تعلو وتهبط طبقا لمتغيرات وطنية أو إقليمية أو عالمية، ومن ثَم، كان أكراد العراق، هم الأنشط في حركات المعارضة على مستوى القومية الكردية، ثم لحق بهم حزب العمال الكردستاني الذي نشط في تركيا، خاصة خلال عقد التسعينيات من القرن العشرين أما أكراد إيران وسورية، فإن معارضتهم كانت محدودة للغاية.
أولاً: دور الولايات المتحدة في دعم المعارضة الكردية في داخل العراق
شرع اليمين الأمريكي المحافظ في غزو العراق في مرحلة ثانية بعد غزو أفغانستان في نطاق الحرب ضد الإرهاب التي أعلنها الرئيس الأمريكي جورج دبلو بوش، في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية، واستصدر بشأنها أربعة قرارات عن مجلس الأمن الدولي أرقام 1368، 1373، 1376، 1377.
وقد أدت هذه الأحداث إلى شروع الولايات المتحدة في بناء تحالف دولي ضد الإرهاب يتسم بعدة خصائص أهمها:
1. المرونة الشديدة نظراً لحالة الغموض التي تكتنف التوجهات لهذه الحرب، وتعرف مكامن الخطر وأسبقيات مواجهتها، والتي كانت تتطلب تنسيقا متكاملا مع كل الأطراف والتعاون مع فصائل المعارضة في الدول المستهدفة مسبقاً.
2. تغيير الإستراتيجيات العسكرية طبقاً لكل مرحلة، وفى هذا المجال فقد عبر وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد في 27/9/2001، عن تنوع نماذج المواجهة تحت إطار التحالف ضد الإرهاب بقوله "أن هذه الحرب لن تشن بواسطة تحالف كبير متحد، وإنما ستقوم تحالفات بين عدة دول، لكل منها دور ما، وسيكون دعم بعض الدول لنا علنيا، في حين أن البعض الأخر ولأسباب تتعلق بظروفه سيكون سريا. وفى هذا فإن رامسفيلد كان يشير إلى دول وإلى منظمات معارضة في آن واحد.
3. المدى اللانهائي في المواجهة نظرا لغموض الهدف والذي يرمى في النهاية إلى تحقيق الأمن والحرية للشعب الأمريكي على حساب أي شيء أخر.
4. المركزية في العمل العسكري تكون في يد الولايات المتحدة الأمريكية، وهى التي تدير دفة الحرب طبقا لخططها؛ ويتحدد من خلالها أدوار الآخرين.
5. مستوى تعاون معلوماتي وإستخباراتي واسع المدى يتم من خلال تعاون أجهزة المخابرات إلى جانب معلومات أقطاب المعارضة على كل المستويات.
إذا طبقنا هذه الخصائص على حالة العراق، في مجال الحرب على الإرهاب، وحتى تتحقق صياغة خطة قابلة للتنفيذ، كان لابد من استقطاب قوى عراقية تدعم أي تدخل أمريكي مقبل على الساحة العراقية، وكان الأكراد في مقدمة القوى التي يمكن استقطابها، من حيث معارضتها للنظام، وقربها من تركيا (عضو حلف الأطلسي) ولما يشكله شمال العراق من تأثير على النظام العراقي نفسه.
كذلك كان هناك استقطاب آخر للشيعة في الجنوب، وللعديد من الشخصيات العراقية في الداخل العراقي، وهو ما أثار هاجساً أمنياً لدى الرئيس صدام حسين قبل غزو العراق، عندما استجاب لما تثيره العمليات النفسية الموجهة للعراق، من حصول العديد من القيادات العسكرية على رشاوى وهدايا لتغيير النظام في العراق.
برغم ما حصل عليه الأكراد من دعم أمريكي، خاصة في مواجهة النظام العراقي نفسه، وأدى إلى تحقيق مطامحهم القومية في بناء حكم ذاتي، إلا أن لديهم هاجسا تجاه نوايا الولايات المتحدة الأمريكية، ومدى استعدادها للوفاء بما وعدت به، وذلك بسبب تخليها عن دعم الأكراد في السابق عدة مرات.
ومن ثَم كان الهاجس من تكرار ذلك يسيطر على خلفية التعامل الكردي مع الإدارة الأمريكية بشأن مدى جدية خطتها للإطاحة بالنظام العراقي، خاصة وأن الأكراد لديهم في هذه المرة ما يخشون عليه . فالحكم الذاتي الواقعي الذي تمتعوا به في معظم مناطق كردستان العراق، كان أثمن من أن يغامروا بتعريضه للخطر في مغامرة غير مضمونة لتحرير العراق.
ولكن القيادات الكردية يستحيل عليها، في الوقت نفسه، أن تنأى بنفسها عن الخطط الأمريكية، بسبب الدور المركزي الذي تلعبه واشنطن في حماية الأكراد، والذي يمثل ضمانا أكيداً لحصول الأكراد على العديد من المزايا والحقوق التي فقدوها في السابق، حيث إن الولايات المتحدة الأمريكية ـ قائدة النظام العالمي الجديد مع بداية عقد التسعينيات ـ أثبتت منذ اللحظة الأولى أنها تملك القدرة على التحكم في قضايا العالم دون منازع.
حرصت المعارضة الكردية منذ البداية، أن تكون مشاركتها في اقتلاع جذور النظام العراقي السابق ضمن منظومة المعارضة العراقية الشاملة، وليس بمفردها وفى هذا الصدد أدلى مسعود برزاني بتصريح لصحيفة الحياة اللندنية في 11/10/2002 ذكر فيه "لن يكون للحزب الديموقراطي الكردستاني دورا منفردا، بل سيكون ضمن كل أطراف المعارضة العراقية".
أدلى جلال طالباني بحديث للصحيفة نفسها في 18/10/2002، جاء فيه: "بحسب التصور الأمريكي، فالدور المتوقع للإتحاد الوطني هو توحيد المعارضة باعتباره يقيم علاقات طيبة مع كل الأطراف في المؤتمر الوطني الموحد والمجموعة الرباعية وباقي التنظيمات المعارضة".
ولتنظيم معارضة كردية تحقق أهداف المرحلة حرصت الولايات المتحدة الأمريكية على بناء معارضة كردية ذات شقين:
الأولى: بناء معارضة في الداخل من أجل دعم القدرات الأمريكية في أي مواجهة قادمة مع النظام العراقي، حيث كانت منطقة كردستان العراق تمثل منطقة التقدم والاختراق للقوات الأمريكية المتمركزة في القواعد التركية عند بداية عملية هجومية ضد النظام العراقي، ونظراً لطبيعة هذه المنطقة ، فإنها تحتاج إلى تأمين لن يحققه غير الأكراد أنفسهم لتأمين تقدم القوات الأمريكية.
الثانية: وجود معارضة مسلحة تشارك في العمليات العسكرية ضد النظام العراقي وتسبب له إرباكا في السيطرة على ربوع الدولة، وتستنزف جهوده. إلى جانب قيام هذه المعارضة المسلحة بِالتخلص من بعض الفصائل التي تدرجها الولايات المتحدة على قائمة الإرهابيين، وهى بالتحديد منظمة "جند الإسلام.
حرصت الولايات المتحدة الأمريكية، في كل الأحوال، على السيطرة على سلوك المعارضة الكردية في الداخل، ومنعها من إتخاذ أي إجراءات تهدف إلى إقامة دولة كردية مستقلة، أو التنسيق بين مجموعات الأكراد في الدول المتجاورة، ولكنها أبقت على العمل الذي يقوم به أكراد العراق داخل نطاق العراق ذاته، وفي هذا تجاوبٌ مع مطالب تركية في هذا المجال.
نظرا للجهد والحساسية في التعامل مع فصائل الأكراد، فقد استعانت الولايات المتحدة الأمريكية بكل من بريطانيا وألمانيا وتركيا في المشاركة في حل قضايا الأكراد الداخلية، وتحقيق التنسيق المتكامل بين الحزبين الكرديين الرئيسيين، وهو ما انتهى بتوقيع أتفاق السلام في 2 أكتوبر 2002، والذي لا يزال سارياً حتى الآن. وفى المجال نفسه، دعمت الولايات المتحدة الأمريكية فصائل المقاومة الكردية شمال العراق بأسلحة ومعدات حديثة لتستخدمها في المقاومة المقبلة أثناء غزو العراق المنتظر.
ثانياً: مشاركة المعارضة الكردية في الداخل في الإجراءات العسكرية لغزو العراق
حددت الولايات المتحدة دور المعارضة الكردية في شمال العراق لدعم قوات التحالف إبان غزو العراق كالآتي:
1. تأمين القوات الأمريكية المتقدمة من الاتجاه الاستراتيجي الشمالي العراقي (الفرقة الرابعة الميكانيكية الأمريكية وعناصر من الفرق العاشرة الجبلية الأمريكية، والتي استبدلت خلال تنفيذ العملية (باللواء 173، 194) اقتحام جوى نظرا لمعارضة تركيا تقدم قوات أمريكية عبر أراضيها.
2. المشاركة في تأمين القواعد الجوية شمال العراق لتامين الحشد الأمريكي والإمدادات اللوجيستية.
3. المشاركة في تأمين حقول ومصافي البترول شمال العراق، ومنع وصول أي عناصر تحاول تدميرها مع عزل مدينتي الموصل وكركوك.
4. قيام عناصر من الإتحاد الديموقراطي الكردستاني يومى25 ، 26 مارس 2003، بقصف مواقع جماعات أنصار الإسلام الكردية بنيران المدفعية.
5. قيام القوات الكردية بتأمين أعمال قتال اللواء 173 اقتحام جوى أمريكي للاستيلاء على مطار "الحرير" يوم 26 مارس 2003، من خلال هجوم نيراني على القوات العراقية المؤمنة للمنطقة، وأزاحتها عن المنطقة.
6. تقدم قوات "البشرمكة" الكردية، المدعمة بعناصر من القوات الخاصة الأمريكية، ومن المستشارين الأمريكيين تجاه كركوك والتمركز على بعد 20 كم من المدينة يوم 28 مارس، وشرعت في إجراء أعمال قتالية لتامين القوات الأمريكية وبالتعاون معها في حصار مدينتي كركوك والموصل يوم 30 مارس 2003، وجُهِّز مطار الحرير لاستقبال طائرات النقل الأمريكية.
7. مع تطور العمليات العسكرية في أنحاء العراق، خاصة بعد سقوط بغداد، تمكنت القوات الكردية من دخول مدينة كركوك يوم 10 ابريل 2003، دون أي مقاومة من القوات العراقية التي انسحب معظمها حيث عمت عمليات السلب والنهب أرجاء المدينة، وقامت العناصر الكردية بالتنسيق مع القوات الأمريكية بالسيطرة على المدينة، ومنع إشعال حرائق في حقول أو البترول ومصافيه.
8. أعلن في مدينة الموصل، عن عقد أتفاق بين الأكراد والقوات الأمريكية من جهة، والقوات العراقية (قيادتي الفيلق الأول والخامس اللذين كان يدافعان عن القطاع الشمالي العراقي طبقا للإستراتيجية الدفاعية العراقية لمقاومة الغزو الأمريكي)، استسلمت بمقتضاه القوات العراقية، وسلمت أسلحتها للقوات الكردية والأمريكية.
من كل ما سبق يتضح الآتي:
1. أن استقطاب الولايات المتحدة الأمريكية للمعارضة الكردية في الداخل، لم يكن لمجرد التمرد على النظام، ولكن للمشاركة الفعلية في غزو العراق، وتحقيق المهام الأمريكية في الاتجاه الإستراتيجي الشمالي للعراق بيسر وسهولة.
2. أن الولايات المتحدة الأمريكية نجحت في فصل القومية الكردية عن نسيج الشعب العراقي، أبان التخطيط لغزو العراق، وحولت الأكراد في الشمال إلى عدو حقيقي للنظام العراقي، يهدف إلى إسقاطه.
3. أن النظام العراقي كان مغيبا عما يحدث في شمال العراق، ولا يدرك الحقائق على أرض الواقع فيما وصلت إليه العلاقات ما بين المعارضة الكردية في الداخل من تنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية وأنه برغم تخصيص حجم كبير من القوات للدفاع عن شمال العراق (الفيلقين الأول والخامس العراقيين).
إلا أن تنظيم الدفاع أتخذ أسلوباً عسكريا قاصرا، ولم يتفاعل مع الشعب العراقي في الشمال، ولم تحصل المخابرات العراقية على معلومات عن حجم التنسيق الأمريكي- الكردي ، وبالتالي فإن الخطة الدفاعية العراقية حكم عليها بالفشل، ولم تحقق الأهداف المحددة لها.
ثالثاً: دور الولايات المتحدة الأمريكية في دعم المعارضة الكردية خارج العراق
من الصعب بمكان تحديد دور المعارضة الكردية في الخارج، حيث كانت الولايات المتحدة تهتم بدور المعارضة العراقية إجمالاً وعلى ذلك فإن دور المعارضة الكردية يدخل في نطاق المعارضة العراقية بمضمونها الكامل، إلا أنها امتازت على فصائل المعارضة الأخرى، بالمميزات الآتية:
1. أن المعارضة الكردية في الخارج كان يمثلها أقطاب الحزبين الكرديين الكبيرين والذين وفرت لهما الظروف حرية التحرك ما بين الداخل والخارج دون سيطرة النظام العراقي، وبالتالي فإن القرارات التي تتخذ في مؤتمرات المعارضة في الخارج، كان من السهل تنفيذها في كردستان العراق بقرارات فورية من قائدي الفصيلين.
2. أن مشاركة كل من مسعود البرزاني، وجلال طالباني في المعارضة في الخارج مكنتهما من العمل على استقرار الأوضاع في داخل إقليم كردستان العراق، وحيدت القوة التركية من التدخل، أو احتمال الشكوك في تحركات أكراد العراق في تلك المرحلة الحساسة من تاريخ المنطقة.
3. أن المعارضة الكردية لم تكن في حاجة لاستقطاب قوى من الداخل، حيث أنها تمكنت من توحيد جهودها في الداخل والخارج في وقت واحد متزامن، وهو ما أدى إلى نجاح دعمها للقوات الأمريكية في الاتجاه الإستراتيجي الشمالي العراقي.
4. لا شك أن المعارضة الكردية، وضعت في فكرها من خلال تخلصها من النظام العراقي بدعم القوات الأمريكية، أنه سيكون لها أهدافا مستقبلية لابد من تحقيقها، تتأسس على الغاية القومية التاريخية للأكراد في إنشاء دولة خاصة بهم.
قد تعاظم دور المعارضة الكردية في الخارج مع تصاعد الأحداث، خاصة خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين، حيث أصبحت المعارضة الكردية في الخارج إحدى أقسام المعارضة العراقية، التي كانت تضم فصائل أخرى من الشيعة والسنة، ومن المعارضين للنظام، ومن الهاربين من أحكام قضائية، أو المتهمين سياسيا من قبل نظام البعث الحاكم في العراق.
برغم أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت دائبة في الاتصال بقوى المعارضة العراقية في الخارج، واستقطابها باستمرار، إلا أن أحداث سبتمبر2001 تطلبت ما هو أكثر من ذلك لتنسيق الجهود في حالة توجيه ضربة استباقية للنظام العراقي، طبقا لما حوته وثيقة الأمن القومي الأمريكي، التي أصدرها الرئيس بوش في سبتمبر 2002، والتي أدخلت مبدأ الضربة الاستباقية في العقيدة العسكرية الأمريكية، كما أنها لم تستبعد العمل العسكري الأمريكي المنفرد لمواجهة التهديدات الأمنية الجديدة، وهى المبادئ التي جرى الأخذ بها في الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على العراق بعد ذلك بشهور.
مع إصرار الإدارة الأمريكية على غزو العراق ولضمان النجاح المطلق لتحقيق أهداف هذا الغزو، فقد استقطبت عناصر المعارضة الكردية في الخارج لِتحقيق عدة أهداف رئيسية، أهمها:
1. استكمال المعلومات الاستخبارية عن حقيقة الأوضاع في العراق، وتحليل القوى الشاملة لدولة العراق وإمكان مواجهتها والتغلب عليها.
2. استخدام المعارضة طابوراً خامساً، من أجل تحقيق أهداف الغزو، وتقليل الخسائر الأمريكية بقدر الإمكان.
3. قيام عناصر المعارضة بتجنيد قوى مناوئة للنظام داخل العراق ، من أجل تحقيق أهداف الغزو.
4. اختيار عناصر معارضة لتولي مسؤولية الحكم في العراق في أعقاب نجاح الغزو (وهو ما حرصت الإدارة الأمريكية عليه أثناء التنسيق مع قوى المعارضة، حيث تلافت ذكر تعيين حاكم عسكري للعراق فور الإطاحة بالنظام العراقي، وذلك في محاولة لطمأنة المعارضة العراقية، وتشجيعها على الاستمرار في التعاون مع جهود الولايات المتحدة الأمريكية لإزالة نظام صدام حسين.
خلال عام 2002 تزايد الدعم الأمريكي للمعارضة العراقية، ووصل إلى ذروته في أعقاب صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1441. حيث أصدر الرئيس الأمريكي قرارين هامين يقضي أولهما بتقديم دعم مالي يقدر بحوالي 92مليون دولارا لتمويل 12مجموعة عراقية معارضة، وهذا المبلغ كان هو المتبقي مما كان مخصصا للمعارضة بمقتضى قانون "تحرير العراق" الصادر عن الكونجرس العام 1998.
أما القرار الثاني فينص على الموافقة على انضمام ست فصائل معارضة عراقية جديدة إلى حركة "المؤتمر الوطني العراقي" وهو الاسم الذي يندرج تحت مظلته العديد من الفصائل المعارضة العراقية في الخارج ويرأسها أحمد الجلبى، وقد تأسست عام 1992 وتضم مجموعات من الليبراليين العراقيين الذين لهم صلات وثيقة مع صانعي القرارات في المغرب.
وبه يحق لهذه الفصائل تلقي التمويل الأمريكي، والمشاركة في أنشطة المعارضة العراقية في الخارج التي يشرف عليها مسؤولون أمريكيون، وهذه الفصائل هي" الحركة الأشورية الديمقراطية- الضباط الأحرار العراقيون- الجبهة الوطنية العراقية- الحركة الوطنية العراقية- الجبهة التركمانية العراقية- الوفاق الإسلامي في العراق"
بهذا فإن قوى المعارضة العراقية في الخارج شملت عناصر كردية وشيعية، وسنية، وبعثية، وتركمانية، وضباط من القوات المسلحة العراقية نفسها. وكلها تندرج في الحركات المعارضة الآتية:
1. المؤتمر الوطني العراقي: برئاسة أحمد الجلبى، ويشمل ائتلاف من حركات معارضة في الداخل وفى المنفى، ويضم مختلف إتجاهات المعارضة الإسلامية والشيوعية والقومية ويمارس نشاطه من لندن، ويحظى بدعم الحكومة البريطانية والإدارة الأمريكية، (وهذا المؤتمر هو الذي انضمت إليه الست فصائل المعارضة السابق الإشارة إليها).
2. الحزب الديموقراطي الكردستاني: حيث كان لزعيمه مسعود البرزاني الحرية المطلقة في حضور اجتماعات المعارضة العراقية في الخارج بعيداً عن سيطرة الحكومة العراقية، بما له من علاقات جيدة بالولايات المتحدة الأمريكية.
3. الاتحاد الوطني الكردستاني: ويمثله زعيمه جلال طلباني، الذي كان له أيضا حرية التحرك بعيداً عن السلطة العراقية، وكانت علاقاته جيدة بإيران والولايات المتحدة، وسيئة مع تركيا.
4. المجلس الأعلى للثورة الإسلامية: ويمثله زعيمه أية الله محمد باقر الحكيم، وهو إيرانى الهوى، ويطالب بإقامة نظام إسلامي على نمط النظام الإيراني، وأعلن تأييده للولايات المتحدة الأمريكية لقلب نظام الحكم في العراق في سبتمبر عام2000.
5. الحركة الملكية الدستورية: بزعامة الشريف على بن الحسين: وتقوم الحركة نفسها بوصفها حركة شعبية توحيدية تضم عناصر من أحزاب أخرى وشخصيات مستقلة.
6. حركة الوفاق الوطني: وأمينها العام هو أياد علاوى، وقد أسسها أعضاء سابقون في حزب البعث، ويقودها تسعة مدنيين وضابط متقاعد، ومقرها لندن، وتنادى بإقامة نظام ديموقراطي تعددي يحمى حقوق الإنسان. وقد وجهت الحركة في مارس 2002 رسالة إلى قمة بيروت العربية تطلب مساندتها في النضال من أجل الإطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين، وتجد الحركة تأييدا من عدد من منسوبي وزارة الدفاع الأمريكية.
القرارات التي اتخذتها المعارضة العراقية (بما فيها المعارضة الكردية) في الخارج لدعم الغزو الأمريكي للعراق:
عقدت هذه القوى مؤتمرين هامين خلال عام 2002 في لندن (مقر المؤتمر الوطني العراقي المعارض)، في سياق استعدادات الولايات المتحدة الأمريكية لغزو العراق، وتحديدها لدور رئيسي تقوم به قوى المعارضة العراقية في الخارج، واتخذت قرارات هامة كالأتي:
المؤتمر الأول: عقد في يوليه 2002، وشارك فيه عدد كبير من الضباط العراقيين السابقين والموجودين في المنفى واتفق المجتمعون على تشكيل مجلس عسكري للتنسيق مكونا من 15 عضواً كما أصدروا ميثاق شرف، ونداءً موجها إلى القوات المسلحة العراقية، دعوا فيه لضرورة قيام حكم ديمقراطى تعددي على أساس المؤسسات الدستورية والمدنية القادرة على النهوض بالبلاد، بشكل ديموقراطي وحضاري.
كما طالبوا بضرورة إبعاد الجيش عن الحياة السياسية وإعادته إلى الثكنات، والشروع في إعداده وتدريبه وتنظيمه بما يمكنه من الدفاع عن الوطن، والمحافظة على حقوق الإنسان في العراق، ودعا إلى عدم زج الجيش في صراعات جانبية أو حروب تستنفذ طاقته، وأن يكون على مستوى التطورات الحديثة، وأن يحافظ على وحدة الوطن.
ويلاحظ في النداء الذي وجهته قوى المعارضة: العديد من أمور الخلط بين العمليات النفسية والأهداف المحققة من اجتماع المعارضة، والتأكيد على "وطنية المعارضة" وحرصها على العراق وعلى شعبه وجيشه. ولما كان معظم المجتمعون من الضباط السابقين، فقد احتوى البيان العديد من الإجراءات التي تخص الجيش، بالرغم من علمهم بأنها لن تتحقق وبالتالي فإن البيان الذي صيغ بأسلوب إنشائي وطني، لم يعكس طبيعة الاجتماع، ولا الأمور التي بحثت فيه، ولكنه بيان إعلامي من اجل تأكيد دور المعارضة وحرصها على مصلحة العراق.
المؤتمر الثاني: عقد في 14-17 ديسمبر2002 تحت شعار "أنقذ العراق" والديمقراطية" وقد تزامن هذا المؤتمر مع موافقة الكونجرس الأمريكي على منح السلطة للرئيس بوش حق التدخل عسكريا في جميع أنحاء الشرق الأوسط في الحرب على الإرهاب، وهو القرار الذي أجيز بأغلبية كبيرة، في منتصف أكتوبر 2002 في الكونجرس الأمريكي بمجلسيه بمعنى أن المؤتمر الثاني للمعارضة العراقية عند انعقاده كان على دراية تامة بنوايا الولايات المتحدة الأمريكية تجاه العراق، وكان يعلم بالتحركات العسكرية للحشد الأمريكي تمهيدا للقيام بالغزو.
وقد حضر المؤتمر- فضلا عن الحركات الست المعارضة الرئيسية، فصيل سابع صغير، هو حزب الدعوة الإسلامية الشيعي، إلى جانب مائة شخصية عراقية معارضة مستقلة. وكان الهدف من هذا المؤتمر هو تحديد دور المعارضة في الحرب القادمة ، وفى إدارة البلاد بعد سقوط النظام البعثى، لذلك فقد أثيرت العديد من الخلافات والاعتراضات، فيما يحاول كل فصيل الاستحواذ على أقصى ما يمكن تحقيقه من مكاسب. وقد تجسمت الخلافات حول الأتي:
1. حجم التمثيل للفصائل المعارضة المختلفة في لجنتَي المقاومة والتنسيق اللتين انبثقتا عن المؤتمر وكلفتا بإدارة البلاد بعد سقوط النظام العراقي.
2. انسحاب حركة الأفاق الإسلامي الشيعية مع أربع فصائل شيعية صغيرة أخرى من المؤتمر احتجاجا على ما وصفته احتكار المجلس الأعلى للثورة الإسلامية لتمثيل الشيعة، متهمة إياه بالتآمر لتشكيل لجنة متابعة ديكتاتورية.
3. احتجاج الفصائل السنية على ما وصفته بالتفرقة المذهبية في تشكيل اللجنة، خاصة مع ضعف التمثيل السنى.
4. وهنا يتضح أن المعارضة الكردية لم تشارك في أي خلافات، بل ظلت تتخذ أساليب أبعاد نفسها عن المشكلات وتأكيد استقلالها بذاتها، وتنفيذ ما تطلبه منها الولايات المتحدة الأمريكية، من دون الاندماج فيما يحدث في ربوع العراق.
أرسلت واشنطن رسالة على لسان سفيرها فوق العادة لدى المعارضة "زلماي خليل زاده" لفض هذه الخلافات، مفادها أن واشنطن ستلجأ إلى تعيين حاكم عسكري في العراق بعد سقوط النظام إن لم تتفق فصائل المعارضة.
أنهى المؤتمر أعماله في 17 ديسمبر 2002، بعد أن اعتمد فكرة: إقامة دولة ديمقراطية ذات تعددية برلمانية، على أساس فيدرالي، تكون خالية من أسلحة الدمار الشامل، على اعتبار أن النظام الفيدرالي أساس ملائم لحل القضية الكردية، ويعترف بحق الأكراد في تقرير مصيرهم في إطار القانون الدولي.
كما شُكلت لجنة التنسيق والمتابعة (التي ستدير أمور العراق بعد سقوط نظام الحكم)، من 65 عضواً، وتضم في عضويتها عسكريين، هما اللواء "وفيق السمرائي"، و"مشعان جبورى"، فضلا عن ثلاث نساء.
واتفق على إعلان وثيقتين بشأن مرحلة ما بعد الإطاحة بالنظام العراقي، أكدت فيهما "على أنه إذا كان الشعب العراقي قد أبتلى بنمط أنظمة حكم تميزت بثلاث سمات خطيرة هي ديكتاتورية الحكم، والاضطهاد العنصري القومي، والتمييز الطائفي.
فلابد أن يكون هناك بديل سياسي مناسب للبلاد يرتكز على عدة أسس أهمها:
1. أن يحظى النظام البديل ونوعه بقبول الشعب العراقي بكل فئاته ومذاهبه.
2. إقرار دستور دائم عن طريق مجلس تأسيس منتخب من الشعب العراقي.
3. إنهاء مرحلة الديكتاتورية، واعتماد آليات الديمقراطية والتعددية، وإحلال حالة التعايش السلمى، وأن يكون العراق وطنا للجميع.
4. ينص الدستور بوضوح على مبدأ تداول السلطة سلمياً من خلال الانتخابات الحرة.
5. العراق بلد عربي مسلم مستقل، وعضو في جامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ومنظمة الأمم المتحدة، ويحترم التزامات عضويته فيها.
6. تأكيد وطنية الجيش العراقي باعتباره مؤسسة مختصة فقط بشؤون الدفاع عن الوطن وسيادته، وضرورة تخليصه من سياسات التمييز الطائفي والعنصري السابقة، وإبعاده عن نهج العدوان على الدول الأخرى، أو توظيفه للقمع الداخلي.
7. ضرورة محاسبة عناصر النظام الحالي على ما يدخل في إعداد الجرائم ضد الإنسانية، من إبادة للجنس البشرى واضطهاد عرقي وديني، من خلال الخضوع للقضاء العراقي المستقل وللجهات الدولية ذات الاختصاص.
8. مطالبة الدول المصدرة للنفط "أوبك" أن تستثنى عراق ما بعد صدام من الالتزام بحصته المقررة من النفط، ليتمكن من توفير مصادر مالية لإعادة إعمار العراق.
9. مطالبة الدول الكبرى في الأمم المتحدة ببحث إمكان إقامة مشروع دعم دولي للعراق شبيها بالمشروعات التي قدمت لإعادة إعمار أوروبا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية، وكذلك الإفراج الفوري عن الأموال العراقية التي وضعت بعض الدول يدها عليها بموجب قرارات الأمم المتحدة أثر غزو العراق للكويت.
ويلاحظ فيما حوته الوثيقتان الأتي:
1. أن الأسس التي وردت في الوثيقتين هي خطة عمل لإدارة البلاد، وليست مجرد مقترحات أو توصيات، وبالتالي فإن المعارضة كانت على دراية تامة بمستقبل الصراع الذي يدور على أرض العراق.
2. أن العديد من البنود الواردة في الوثيقتين تكررت فيما بعد في الأسس التي قامت عليها أدارة البلاد بعد الغزو.
3. أن الفيدرالية التي سبق أن طالب بها الأكراد تجددت في هذا المؤتمر ، ثم تأكدت فيما بعد في الدستور العراقي، وقد اقترن النظام الفيدرالي بحق تقرير المصير العادل للأكراد، بمعنى أن الأكراد هم الذين أثاروا هذه الفكرة وتمسكوا بها.
4. أن تخوف السنة من سيطرة الشيعة والذي عكسه هذا المؤتمر تحقق فعلا فيما بعد ذلك.
5. إن هاتين الوثيقتين تحولتا إلى خطة عمل للمعارضة العراقية، لكي ينفذ كل فصيل المهام المكلف بها في دعم قوات التحالف لغزو البلاد.
6. وأخيراً فإن الشخصيات المعارضة التي حضرت مؤتمري لندن، كان لهم الحظ الأوفر في تولى المناصب القيادية في أعقاب الغزو، ولكن هذه المناصب لم تدم طويلاً للفوضى التي تعم العراق، وخلط الأوراق ما بين المقاومة الشرعية والإرهاب والجريمة المنظمة.
يتبع إن شاء الله...
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: تطور الأهداف الكردية في بناء دولة كردستان بعد غزو العراق الثلاثاء 17 يوليو 2012, 5:52 pm | |
| المبحث الحادي عشر
تطور الأهداف الكردية في بناء دولة كردستان بعد غزو العراق
في أعقاب سقوط النظام العراقي في 9/4/2003، اتجه الأكراد إلى بغداد للبحث عن مستقبل العراق، والوضع الذي يناسبهم في بناء الدولة العراقية الجديدة وكان حديثهم وتوجههم السياسي، هو ضرورة أن تتمتع منطقتهم بالفيدرالية في إطار عراق إتحادي ديموقراطي تعددي. وبرغم ما كان يجرى على أرض الواقع من نزعات انفصالية لدى المواطن العراقي العادي ، أو بعض النخب السياسة والثقافية، إلا أن موقف الزعامات الكردية ظل عند التمسك بالهوية الوطنية العراقية.
في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ العراق، فإن كيان الدولة، لم يكن في يد أبنائها ولكن كان المتحكم فيه هو قوات الاحتلال بالدرجة الأولى والتي تعاونت – بتنسيق كامل معها- منظمة الأمم المتحدة وكان مصير الأكراد يرتبط بمصير العراق في ظل الاحتلال، إلا أن الأكراد تمسكوا بحقهم في الحكم الذاتي أو الفيدرالي استنادا على ما تحقق لهم بواسطة القوات الأمريكية خلال عقد التسعينيات، من خلال فرض مناطق الحظر الجوى، إلى جانب مشاركتهم في فعاليات قوى المعارضة ضد نظام حكم البعث في العراق.
أولاً: التحولات السياسية في العراق في أعقاب الاحتلال ، وانعكاساته على تطور أهداف الأكراد
يمكن القول إن التحولات السياسية قد مرت بثلاث مراحل رئيسية، وأشارت منذ البداية إلى عدم إمكان بناء عراق موحد، ذي طبيعة اتحادية تتحكم في مختلف الطوائف والأعراق، وتشدها في إطار المركز في بغداد، نتيجة لعدة أسباب، يأتي في مقدمتها إخفاق الولايات المتحدة في تقدير البعد الطائفي التاريخي، وهو كفيل في حالة العراق، بتدمير أي مشروع لبناء الدولة لا يراعى حساسية هذا الوضع وإفرازاته التاريخية.
إلى جانب ضبابية التقييم الأمريكي للبعد الإقليمي في المسألة العراقية، وهو ما أضاف دوافع ورغبات إقليمية جديدة لإفشال النموذج الذي تحاول الولايات المتحدة تأصيله في العراق، بل ووصل الأمر إلى حد التدخل لتعطيله على غرار ما فعلت بعض القوى المحيطة بالعراق حاليا.
والمراحل التي مرت بها التحولات في العراق تتحدد في الأتي:
1. المرحلة الأولى: خضوع دولة العراق لسيطرة قوى الاحتلال (21 مارس 2003- 7 يونيه 2004)
أدت هذه المرحلة والإجراءات التي اتخذت فيها، إلى تداعيات خطيرة في المراحل التالية، وانعكس سوء الإدارة في هذه المرحلة على العراق بعاملين سلبيين وهما:
أ. تصاعد المقاومة في أرجاء العراق خاصة المناطق السنية، وطالت هذه المقاومة المناطق الكردية خاصة فيما بين الأكراد من جانب، والعرب والتركمان من الجانب الأخر.
ب. توجه الأكراد لتحقيق مطالبهم، من خلال الانغلاق والانعزال تارة، والمشاركة في الإجراءات السياسية تارة أخرى، وارتفاع صوت المطالبة بالفيدرالية، إلى جانب اتخاذ إجراءات على أرض الواقع في محاولة لإجبار المواطنين العرب والتركمان على النزوح من المناطق التي يعدها الأكراد أرضا تاريخية، لإقامة دولة كردستان عليها، حيث جرت العديد من الاشتباكات في المناطق الشمالية.
ج. وللتغلب على مسار الأزمة في الشمال العراقي، فقد أظهر الأكراد بعض المرونة حيث وجه مسعود البرزاني نداءاً في 19/4/2003، أكد فيه على أواصر العلاقات الأخوية الأكراد والعرب في العراق.
عين "بول برايمر" من قبل الإدارة الأمريكية في الأول من مايو 2003، حاكما عسكريا عاما للعراق وهو ما لم تكن ترغب فيه المعارضة العراقية خاصة الأكراد والشيعية. وكان تعيين برايمر في محاولة لتصحيح الأوضاع داخل العراق في أعقاب الاحتلال، حيث أن خطة الإدارة الأمريكية بنيت على معلومات خاطئة سبق تجميعها من عناصر المعارضة، دون دراسة ميدانية حقيقية للأوضاع في العراق سياسيا وديموجرافيا
كما كان هناك تسيب كامل في التصدي للفوضى، ساعد عليه تصريح وزير الدفاع الأمريكي "دونالد رامسفيلد" "أن الشعب العراقي حر فيما يفعل، وأننا ذهبنا إلى العراق لتحرير هذا الشعب من قيوده"، كما كان أول قرار للحاكم العسكري الأمريكي الجديد هو حل الجيش والأجهزة الأمنية في العراق، والذي برزت آثاره في عدم السيطرة على الفوضى، وانضمام الكثير من العسكريين إلى حركات المقاومة انطلاقا من أسباب متعددة، منها عوامل وطنية تقاوم الاحتلال، ومنها البطالة وانقطاع سبل العيش، حيث كان معظم رجال الجيش يعتمدون على مرتباتهم في إعالة أسرهم، ولما انقطعت لم يجدوا وسيلة أخرى، خلاف المقاومة أو الانتقام.
رأت الولايات المتحدة الأمريكية تصدياً للوضع المتأزم في العراق إشراك الأمم المتحدة ـ التي سبق أن همشت دورها في اتخاذ قرار الحرب على العراق ـ من أجل دفع المجتمع الدولي للقيام بدوره في هذه المشكلة، حيث اتخذ مجلس الأمن عدة قرارات هامة كان تأثيرها شاملاً على أرجاء العراق، حتى الأكراد، كانت آثارها إيجابية عليهم.
أ. القرار الرقم 1483 في مايو 2003، والذي تضمن منح القوات الأمريكية والبريطانية حق الأشراف على إدارة العراق، كما شمل رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على العراق منذ عام1990. وبه أصبح الأكراد أكثر أمناً، وأعلى صوتا نتيجة تحالفهم السابق مع الولايات المتحدة الأمريكية ومشاركتهم في قوى المعارضة.
ب. القرار 1511 في سبتمبر 2003، بشأن مساعدة العراق بين إدارة شؤونهم بأنفسهم، والذي عين بموجبه "الأخضر الإبراهيمي" مبعوثا للسكرتير العام للأمم المتحدة في العراق، حيث جاهد بشأن إصدار القانون الانتخابي العراقي رقم 96، والذي أطلق عليه (قانون الأحزاب والهيئات السياسية) الذي صدر بتوقيع الحاكم العسكري الأمريكي في العراق "بول برايمر"، وينص على حقوق الشعب العراقي في تحديد مستقبله السياسي واختيار حكومته.
بموجب هذا القرار عين مجلس حكم انتقالي من 25 عضوا، اختيروا من واقع عرقي ومذهبي من شيعة وسنه وأكراد وأشوريين، يتولى كل منهم الرئاسة لمدة شهر طبقا لترتيب الحروف الأبجدية. وقد كان هذا الأسلوب في اختيار المجلس، يمثل اللبنة الأولى في إحياء النعرة الطائفية في العراق، والتي ازدادت فيما بعد، وقد كان جلال طالباني، أحد أعضاء هذا المجلس وتولى الرئاسة لمدة شهر واحد طبقا للقواعد المحددة .
في هذا السياق نفسه، وتنفيذا لقرار مجلس الأمن الرقم 1511، شرعت الإدارة الأمريكية في نقل السلطة إلى العراقيين من خلال مرحلتين فرعيتين.
الأولى: ، تنتهي في فبراير2004، ويصاغ خلالها دستور عراقي مؤقت، ومن أجل تحقيق هذا الهدف، عين أعضاء جدد، انضموا لمجلس الحكم المؤقت ليصل عددهم إلى مائة عضو.
الثانية: هي تولى حكومة عراقية مؤقتة للسلطة في العراق، وتكون مهمتها الرئيسية الإعداد لانتخابات تشريعية لمجلس وطني في يناير 2005، ليقوم بإعداد الدستور الدائم للعراق، وإجراء الاستفتاء عليه، وفي هذا الصدد شكلت حكومة عراقية غلب عليها الطابع العرقي أيضا لترسيخ تفتيت الوحدة الوطنية، ورأس الحكومة الدكتور "أياد علاوي" (شيعي)، وتولى رئاسة الجمهورية "غازى الياور" (سني) وتولى عدد من الأكراد مناصب وزارية.
صدر الدستور المؤقت في 8 مارس 2004، بعد خلافات شديدة، وأطلق عليه "قانون إدارة الدولة العراقية في المرحلة الانتقالية" حيث كان هذا القانون مثار خلاف شديد بين الأكراد والشيعة، وكاد يتسبب إصرار المرجعية الشيعية أية الله "السيستاني" على فرض رأى الشيعة في صياغة مواد الدستور في أزمة سياسية، حيث نظر الزعيمان الكرديان "مسعود البرزاني" و"جلال طالباني"، إلى تحركات "السيستاني"، على أنها موجهة مباشرة إلى تطلعات الأكراد. ووجها رسالة إلى الرئيس الأمريكي "بوش" يلتمسان فيها أن ينص قرار مجلس الأمن المزمع إصداره بشأن العراق، ضمانة دولية للأكراد في الفيدرالية، وألمحا في الرسالة إلى أن الأكراد يشعرون بالقلق من المواقف الأمريكية الأخيرة إزاءهم، ويذكرونه بالعلاقات الخاصة بين الطرفين، والتضحيات التي قدموها لتسهيل أمور السياسية الأمريكية في العراق، وأنه من غير العدل إنزال العقوبة والقصاص بكردستان، رغم صداقتها الحميمة ودعمها غير المحدود للولايات المتحدة الأمريكية.
2. المرحلة الثانية: نقل السلطة في العراق إلى حكومة مؤقتة (يونيه 2004 ـ يناير 2005)
في 8 يونيه2004 صدر القرار 1546 من مجلس الأمن الدولي ، والخاص بإنهاء الاحتلال من الناحية القانونية والشكلية، والإقرار بانتقال السلطة إلى حكومة عراقية مؤقتة، وتحديد طبيعة الوجود العسكري الأجنبي في العراق حيث أطلق عليه القرار أسم "القوات متعددة الجنسيات تحت القيادة الأمريكية" وفوض القرار سلطات الاحتلال، اتخاذ كافة التدابير لحفظ أمن واستقرار البلاد، والإشراف على بناء القوات المسلحة، وبناء قوات أمن عراقية.
صاغ القرار أيضا ملامح العملية السياسية التي ستجرى في البلاد، حيث اقر أجراء انتخابات ديمقراطية لاختيار أعضاء الجمعية الوطنية المؤقتة بحلول 31 يناير2005، ودعا الحكومة العراقية للنظر في إمكان عقد اجتماع دولي لدعم العملية السياسية.
جاء هذا القرار صدمة للأكراد، حيث ثبت أن الإدارة الأمريكية لم تضغط على مجلس الأمن للاستجابة لمطالب الأكراد "بضمان الفيدرالية"، وكان رد فعل السياسيين الأكراد عنيفاً، وهددوا بالانسحاب من الحكومة المؤقتة وبمقاطعة بغداد، معلنين أنهم أصبحوا يفكرون جديا بقطع صلتهم بالمركز، ما أعتبر تلويحا بالانفصال، إلا أنه تم طمأنة الأكراد بأن قضية الفيدرالية، وإن لم ينص عليها في قرار مجلس الأمن، إلا أنها تعد بالنسبة لهم خيارا نهائياً والتزاما غير قابل للتصرف، ويبدو أن ثمة وعود قد حصل عليها الأكراد من الإدارة الأمريكية بهذا الصدد، بحيث غيروا موقفهم بسرعة.
حاول الأكراد الظهور بمظهر المهتمين بقضايا الشأن العراقي على أساس أنهم عراقيون مهمومون بمستقبل وطنهم العراق، ودعا مسعود البارزانى كافة الفصائل والقيادات السياسية العراقية إلى مؤتمر المصالحة الوطنية في أربيل، والذي كانت بدايته مؤتمراً للحوار الكردي/العربي، ثم تحول فيما بعد إلى مؤتمر المصالحة الوطنية العراقية الشاملة وقد انعقد المؤتمر في الفترة من 26-27مارس2004 تحت شعار المصالحة الوطنية طريقنا نحو السلام الاجتماعى.
الحقيقة أن الفيدرالية التي سعى إليها الأكراد في مرحلة- ما بعد صدام- هي طموح مرحلي وليس طموحا قومياً، حيث أن الطموح يتمثل في إقامة دولة كردية، وهو ما سعى إليه الأكراد على مدى تاريخهم، ولكن إدراك الأكراد، أن هذه الرغبة القومية لن تلقى دعماً أمريكيا ـ حتى وإن رغبت الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك إرضاء لحليفتها المحورية "تركيا" وهذا ما جعل هذا التيار يتبنى الخيار الفيدرالي، بوصفه أكثر ما يمكن الحصول عليه في مثل هذه الظروف التي تحكمها حسابات وتوازنات معقدة.
أ. المكاسب التي تحققت للأكراد في قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية
تحققت للأكراد مكاسب جديدة في قانون إدارة الدولة الذي اعتمد في 8 مارس 2004، وهي المكاسب التي كان الأكراد يريدون تأكيدها في قرار مجلس الأمن رقم 1546 من خلال الإشارة في هذا القرار لقانون إدارة الدولة، بما يؤكد حقهم في الفيدرالية القومية، وليس الفيدرالية الإدارية أو الجغرافية. وقد تمسك الزعماء بما جاء في هذا القانون بشأن حقوقهم في اختيار الفيدرالية وعدم القبول بأقل مما نص عليه. ويحقق القانون المكاسب الآتية للأكراد.
(1) الفيدرالية: حيث نصت المادة الرابعة "أن نظام الحكم في العراق جمهوري إتحادي فيدرالي ديمقراطي تعددي، ويجرى تقاسم السلطات فيه بين الحكومة الاتحادية والحكومات الإقليمية والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية".
(2) اللغة الكردية: حيث نصت المادة التاسعة:" اللغة العربية واللغة الكردية هما اللغتان الرسميتان للعراق" ويشمل نطاق اللغة "إصدار الجريدة الرسمية (الوقائع العراقية) باللغتين، والتكلم والمخاطبة والتعبير في المجالات الرسمية كالجمعية الوطنية ومجلس الوزراء والمحاكم والمؤتمرات الرسمية بأي من اللغتين. كذلك الاعتراف بالوثائق الرسمية والمراسلات باللغتين، والدراسة بالمدارس باللغتين وفقا للضوابط التربوية، وأية مجالات أخرى يحتمها مبدأ المساواة مثل الأوراق النقدية وجوازات السفر والطوابع.
(3) الوضع الحالي للمنطقة الكردية: حيث تنص المادة 53: "يعترف بحكومة إقليم كردستان بصفتها الحكومة الرسمية للأراضي التي كانت تدار من قبل الحكومة المذكورة في 19 مارس 2003 الواقعة في محافظات دهوك واربيل والسليمانية وكركوك وديالى ونينوى- إن مصطلح حكومة إقليم كردستان الوارد في هذا القانون يعنى المجلس الوطني الكردستاني، ومجلس وزراء كردستان والسلطة القضائية الإقليمية في إقليم كردستان"
كما ورد في المادة 54 ما يلي" تستمر حكومة إقليم كردستان في مزاولة أعمالها الحالية طوال المرحلة الانتقالية... وتمول هذه الوظائف من قبل الحكومة الاتحادية.. وتحتفظ حكومة إقليم كردستان بالسيطرة على الأمن الداخلي وقوات الشرطة، ويكون لها الحق في فرض الضرائب والرسوم داخل الإقليم"
(4) معالجة سياسة التطهير العرقي: حيث تنص المادة 58: "تقوم الحكومة العراقية الانتقالية – ولاسيما الهيئة العليا لحل نزاعات الملكية العقارية وغيرها مع الجهات ذات العلاقة- وعلى وجه السرعة باتخاذ التدابير من أجل رفع الظلم الذي سببته ممارسات النظام السابق المتمثلة بتغيير الوضع السكاني لمناطق معينة (من ضمنها كركوك)، من خلال ترحيل ونفى الأفراد من أماكن سكناهم ، ومن خلال الهجرة القسرية من داخل المنطقة وخارجها وتوطين الأفراد الغرباء عن المنطقة، وحرمان السكان من العمل، ومن خلال تصحيح القومية" كما حدد القانون عديد من إجراءات من الواجب تنفيذها في هذا الشأن.
(5) حق النقض (الفيتو): ورد في الفقرة جـ من المادة 61 (حول طرح مسودة الدستور الدائم على الشعب العراقي للموافقة من خلال استفتاء عام) ما يلي: "يكون الاستفتاء العام ناجحاً ، ومسودة الدستور مصادقا عليه، عند موافقة أكثرية الناخبين في العراق، وإذا لم يرفضها ثلثا الناخبين في ثلاث محافظات أو أكثر".
وقد أثارت الجملة الأخيرة جدلاً واسعاً، وعدت حقا محصوراً على الأكراد على أساس أن الإقليم الكردي يدير ثلاث محافظات، إضافة إلى أجزاء من محافظات أخرى. وبالتالي فمن حق الأكراد الاعتراض على أي نص دستوري مستقبلي لا يتفق مع مطامحهم.
ب. انعكاسات هذه المكاسب على توجه الأكراد لتحقيق مصالحهم
(1) لم يترك الأكراد فرصة إلا استفادوا منها، انطلاقا من اعتمادهم على دعم من الولايات المتحدة الأمريكية، وإصرارهم على تحقيق التوازن مع الشيعة في الجنوب، منتهزين في ذلك انشغال السنة بمعارضة النظام وعدم المشاركة في الحياة السياسية.
ومن ثم أكدوا وضع منطقة كردستان (المستقلة)، ولها حكومتها وبرلمانها ودستورها، وقوى الشرطة والأمن الخاصة بها، وفرضها الرسوم والضرائب داخل الحدود الجغرافية التي كانت تسيطر عليها، إلى جانب الاعتمادات المخصصة من الحكومة الاتحادية، والتي تعادل 13% من عائد النفط العراقي.
(2) التأكيد على استخدام اللغة الكردية، وإبراز العلم الكردي، بل أنه في مرحلة لاحقة صدر الأمر بعدم رفع العلم العراقي في إقليم كردستان، والاكتفاء بالعلم الكردي فقط، وفي هذا المجال فقد لوحظ أثناء انعقاد المؤتمر الوطني الانتقالي الموسع، والذي تمخض عنه انتخاب الجمعية الوطنية المؤقتة في أغسطس 2004، ثلاثة إجراءات تعمد الأكراد في إبرازها لتأكيد وضعهم السياسي، وهى:
(أ) كتابة اسم المؤتمر باللغتين العربية والكردية.
(ب) تلوين خريطة العراق التي تصدرت القائمة بثلاث ألوان (الأحمر- الأبيض- الأخضر) وهى ألوان العلم الكردي.
(ج) حرص الأعضاء الأكراد بأن يبدؤا كلماتهم بتحية الصباح باللغة الكردية.
3. المرحلة الثالثة: الحكومة الانتقالية الثانية، ووضع الدستور الدائم والاستفتاء عليه (يناير- ديسمبر2005)
وفقا لما نص عليه الدستور العراقي المؤقت، فإنه كان على العراق أن يشهد تنظيم أول انتخابات بعد سقوط النظام السابق، في موعد أقصاه يناير2005، وكان المتصور أن إجراء هذه الانتخابات تمثل الخطوة المركزية في بناء نظام سياسي عراقي جديد يتمتع بالشرعية، وكانت الولايات المتحدة حريصة على إجراء تلك الانتخابات رغم مظاهر العنف والفوضى التي عمت أرجاء البلاد.
وقد نظمت الانتخابات طبقاً للقانون الرقم 97 الصادر عن سلطة الائتلاف المؤقتة، والذي يحدد نظام التمثيل النسبي أساساً لإجراء انتخابات المجلس الوطني في يناير 2005وما قرره في أجزائه الثلاثة، بأن العراق منطقة انتخابية واحدة، فإنه بالمقابل فتح الباب لقيام حكومات ائتلافية، وشجع على تطور الأحزاب، ومنع الاحتكار السياسي لحزب من الأحزاب.
ويستند على الصيغة الحسابية البسيطة لحساب تخصيص المقاعد، حيث يقسم عدد الأصوات على عدد المقاعد، مع عدم وضع حدا أدنى للتمثيل (وهو إجراء لا يؤخذ به في الدول الديمقراطية التي تشترط حدا أدنى للتمثيل).
وطبقا لهذا القانون، فقد بلغ عدد الكيانات السياسية المشاركة في الانتخابات التي أجريت في 30 يناير 2005، 223 كيانا سياسيا، بالإضافة إلى 35 ائتلافا يضم أكثر من كيان سياسي، 48 مرشحا مستقلا. وقد شملت هذه الانتخابات: "انتخابات الجمعية الوطنية- انتخابات أعضاء المجالس المحلية (البلديات) – انتخاب أعضاء البرلمان الكردستاني في المحافظات الثلاث (أربيل – دهوك - السليمانية وعددها 111 مقعدا)
حصلت أبرز القوائم العراقية المتنافسة في الانتخابات على عدد المقاعد الآتية في المجلس الوطني المكون من 275مقعداً:
أ. القائمة العراقية: ويقودها رئيس الوزراء العراقي المؤقت "إياد علاوي" (حصلت على 40 مقعدا).
ب. قائمة عراقيون: ويقودها رئيس الجمهورية السابق "غازي الياور" (حصلت على 5 مقاعد).
ج. قائمة الائتلاف العراقي الموحد: ويقودها الدكتور "إبراهيم الجعفري" (وهى التى فازت في الإنتخابات وحصلت على 140 مقعداً.
د. قائمة إتحاد الشعب (شيوعي): ويقودها حميد مجيد موسى (حصل على مقعدين).
هـ. قائمة تجمع الديموقراطيين العراقيين: ويقودها "عدنان الباجه جى" (كردى) (حصل على مقعد واحد).
و. قائمة التحالف الكردستاني: وتضم القوى والأحزاب الكردية (الحزب الديموقراطي الكردستاني بزعامة "مسعود برزانى"، الإتحاد الوطني الكردستاني، بزعامة "جلال طالباني"، الاتحاد الإسلامي الكردستاني، والحزب الشيوعي الكردستانى ، والحزب الاشتراكي الديمقراطي الكردستاني، وحزب كادحي كردستان، والاتحاد القومي الديموقراطى الكردستاني، وحركة فلاحى ومضطهدي كردستان، وحزب الاتحاد الديموقراطي الكلداني، والحزب الوطني الآشوري وحزب بين النهرين الديموقراطي، وقد بلغ عدد مرشحي القائمة 165 مرشحا وحصل على 75 مقعدا إلى جانب مقعدين للجماعة الإسلامية.
ز. قائمة جبهة تركمان العراق: وتضم الأحزاب التي تمثل الأقلية التركمانية (وحصل على 3مقاعد).
ح. أحزاب أخرى ومستقلون حصلوا على 7 مقاعد.
وقد تخلى السنة عن حقوقهم في خوض هذه الانتخابات ما أفسح المجال واسعاً أمام الشيعة والأكراد في الحصول على أغلب المقاعد في المجلس الوطني المكلف بصياغة الدستور ما أدى إلى تأكيد الأكراد لمشروعهم في الفيدرالية أثناء صياغة الدستور الدائم. وحتى لا يفقد الدستور الجديد شرعيته، وجدت الولايات المتحدة الأمريكية حلا تشريعياً مناسباً بإشراك 15عضواً من السنة في اللجنة المكلفة صياغة الدستور الجديد.
وشكلت الحكومة الانتقالية المنتخبة في نفس الوقت من أعضاء معظمهم من الشيعة والأكراد، حيث تولى الرئيس "جلال طالبانى" (كردى) منصب رئيس الجمهورية، وتولى الدكتور "إبراهيم الجعفري" (شيعي) رئاسة الحكومة، وتولى رئاسة المجلس الوطني (البرلمان) عضوا سنيا كما تشكلت الحكومة من 32 وزيرا، منهم 17 وزيرا من الشيعة، 8 وزراء من الأكراد، 6 وزراء من السنة ، ووزيراً من الأشوريين وبهذا فقد تأكدت إدارة الدولة على أساس عرقي ومذهبي، إلى جانب اعتبارات ديموجرافية طبقاً لحجم السكان ومذاهبهم وأعراقهم.
ولكي يصل الدكتور "إبراهيم الجعفري"، الذي أنيط به تشكيل الحكومة إلى هذا الائتلاف الحاكم، فقد خاض مفاوضات شاقة مع القائمة الكردستانية، صاحبة ثاني أكبر تمثيل في الجمعية الوطنية، حيث تركزت مطالب الأكراد في تلك المفاوضات على فئتين من المطالب:
الأولى: تتعلق بالمبادئ الحاكمة لسياسة الحكومة، وفي مقدمتها التأكيد على الفيدرالية وعلى المطالبة الكردية بضم كركوك إلى إقليم كردستان، وإعادة تصحيح الأوضاع السكانية بها، وعلى شكل العلاقة بين قوات البشمركه وقوات الجيش وأجهزة الأمن المركزية، وعلى طبيعة الدين والدولة، (وبالتالي فقد نجح الأكراد في الحصول على معظم مطالبهم، ولو من الناحية المبدئية، باستثناء المطلب الخاص بكركوك، والذي أُجل إلى ما بعد تشكيل الحكومة).
الثانية: تركزت على عدد المناصب المخصصة لممثلي الأحزاب الكردية وطبيعتها، حيث طالبوا بالحصول على منصب رئاسة الدولة، والذي ذهب في النهاية إلى السيد "جلال طالباني" زعيم الإتحاد الوطني الكردستاني، كما طالبوا بوزارتين سياديتين، ولكنهم في النهاية رضوا بوزارة سيادية واحدة (وزارة الخارجية).
ومن هنا، فقد كان للأكراد يد طولي في التأثير على السلطة التنفيذية في الحكومة المؤقتة، إلى جانب تأثير مناسب في الجمعية الوطنية عند صياغة الدستور الدائم للعراق.
إلى جانب ذلك، لم يترك الأكراد الفرصة، بعد تولى الرئيس "جلال طالباني" سلطة رئيس الجمهورية حيث أعلن السيد "مسعود البرزانى" رئيسا لإقليم كردستان، والذي أصدر مرسوماً في 7 أبريل 2005، يقضي باستبدال اسم الجمهورية العراقية في جميع محافظات ومدن كردستان لتصبح "الجمهورية العراقية الفيدرالية" ولم يجد هذا القرار من يعارضه من الحكومة الاتحادية (المركزية) نظراً لانشغالها بمواجهة المقاومة التي تتصاعد بشدة.
أما فيما يخص إعداد وصياغة الدستور الدائم للعراق، فقد كان ذلك يمثل المهمة الرئيسية للمجلس الوطني المؤقت، الذي تحكم فيه الأعضاء الشيعة والأكراد، أما الأعضاء السنة فقد وضعوا باستمرار في محل تهميش، واغتيل أحدهم في مرحلة إعداد الدستور الدائم، ما جعلهم في حالة تهديد وإحباط مستمرين.
ثانياً: الدستور العراقي الدائم وما يحققه من مكاسب للأكراد
رأت الولايات المتحدة الأمريكية، في صياغة الدستور بداية للحل السياسي من وجهة نظر النظام العالمي، حتى تتحقق ديمقراطية القرار، ويلتفت الشعب العراقي إلى بناء دولته، ومساندة الإدارة المنتخبة، وتكون محصلة ذلك نوعاً من الاستقرار داخل العراق، تنعكس أثاره على تخفيف الأعباء العسكرية عن قوات التحالف. ويمكن أن تكون خطوة تجاه إعلان انتصار الولايات المتحدة في حربها ضد الإرهاب، وإعلانها عن تحويل العراق إلى دولة ديموقراطية تحتذي بها دول المنطقة.
وعبر رئيس الوزراء العراقي في الحكومة المؤقتة، عن أن صياغة الدستور جاءت في ظروف استثنائية لم تمر بها دولة في العالم، وفى توقيت محدود، وخلافات متصاعدة بين الفرقاء العراقيين، وضغوط مستمرة من الإدارة الأمريكية، من أجل طرح الدستور في الموعد الذي سبق تحديده (15 أكتوبر 2005).
طرحت مسودة الدستور في أواخر أغسطس 2005، لتتدارسها المؤسسات والشعب العراقي تمهيداً للاستفتاء في منتصف أكتوبر 2005، ومن الوهلة الأولى لقراءة الدستور، يتضح أن للأكراد دوراً هاما في صياغته لتحقيق توجهاتهم، وتأكيد ما حصلوا عليه في قانون إدارة الدولة، كذلك مسايرة دستورهم "الكردستاني" الذي صاغوه في عام 2002 ليطبق داخل إقليم كردستان.
يتكون الدستور العراقي، في مجمله، من ديباجة، وستة أبواب تحوى 139 مادة، وهو بتكوينه أدى إلى انتقادات شديدة من السنة في العراق، كذلك من معظم المفكرين في الدول العربية كما ظل معلقا على نتيجة الاستفتاء على مدى شهرين إلى أن أعلن في يناير 2006 عن إقرار الدستور كما علقت بعض مواده لكي يتولى المجلس الوطني المنتخب تعديلها.
يمكن معرفة ما حققه الأكراد من مكاسب سواء آنية أو على المدى البعيد في هذا الدستور بقراءة متأنية لمواده:
1. في الباب الأول "المبادئ الأساسية"
· نصت المادة الأولى: "جمهورية العراق دولة مستقلة ذات سيادة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديموقراطي، اتحادي" (وهو ما يعنى الفيدرالية).
· في المادة الثالثة: العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب، وهو جزء من العالم الإسلامي، والشعب العربي فيه جزء من الأمة العربية (وهو يعنى تأكيد الاعتراف بالقومية الكردية، ويفصل كردستان عن الأمة العربية، وبالتالي تتقلص عروبة العراق برغم أنه دولة مؤسسة لجامعة الدول العربية) وهو ما تم تصحيحه بعد ذلك بالنص على أن العراق جزء من الأمة العربية.
· في المادة الرابعة: تأكيد أن اللغة العربية واللغة الكردية هما اللغتان الرسميتان في العراق.
· في المادة التاسعة: نصت على أن " تتكون القوات المسلحة العراقية والأجهزة الأمنية من مكونات الشعب العراقي، تراعى توازنها وتماثلها دون تمييز أو إقصاء" (بمعنى تنظيم الجيش وعناصر الأمن طبقا للنسب الديموجرافية للشعب العراقي، والذي ينعكس بدوره على "طائفية الجيش وقوات الأمن" وهو أمر تبتعد عنه الدول الديمقراطية في العالم حتى لا تحدث أي حساسيات في هذا القبيل في نفس الوقت يضمن الأكراد تمثيلهم بقوة الجيش وقوات الأمن).
2. الباب الثاني (الحقوق والحريات)
ذكر في المادة 14: " العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الإقتصادى والاجتماعي (وهو أمر عانى منه الأكراد إبان حكم البعث السابق)
3. الباب الثالث (السلطة الاتحادية)
· نصت المادة 47: "تتكون السلطة التشريعية الاتحادية من مجلس النواب ومجلس الاتحاد ( بمعنى تأكيد الفيدرالية، ووجود مجلس للإتحاد الفيدرالي).
· فسرت المادة 63: "مجلس الاتحاد" بأنه يضم ممثلين عن الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة وينظم تكوينه وشروط العضوية فيه واختصاصاته، وكل ما يتعلق به بقانون يسن بأغلبية أعضاء مجلس النواب (وفي هذا فإن الأكراد يتمسكون بتقنين مجلسهم النيابي في إقليم كردستان ودستوريته).
· في المادة 91: نصت على واجبات المحكمة الاتحادية العليا، ومن ضمنها "الفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية ، والإجراءات الصادرة عن السلطة الاتحادية، والفصل في المنازعات التي تحصل ما بين الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم، كذلك الفصل في المنازعات بين حكومات الأقاليم والمحافظات، والفصل في تنازع الاختصاص بين القضاء الاتحادي والهيئات القضائية للأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في الإقليم" (وكلها واجبات يفرضها النظام الفيدرالي، بمعنى أن الدستور يقر هذا النظام وهو ما يطالب به الأكراد).
· تنص المادة 103: تؤسس هيئة عامة لضمان حقوق الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في الإقليم لضمان المشاركة العادلة في إدارة مؤسسات الدولة الاتحادية المختلفة.
· تنص المادة 104: "تؤسس هيئة عامة للرقابة، يكون أحد مهامها " التحقق من عدالة توزيع المنح والمساعدات والقروض الدولية بموجب استحقاق الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم.
4. الباب الرابع: (اختصاصات السلطات الاتحادية)
· المادة 107: "تحافظ السلطات الاتحادية على وحدة العراق وسلامته واستقلاله وسيادته ونطاقه الديموقراطي الاتحادي (بمعنى إقرار الفيدرالية، وواجباتها نحو عدم الانفصال والتمسك بوحدة العراق، وهو ما يصرح به قادة الأكراد في الوقت الحالي).
· المادة 110: تنص على " توزيع عوائد النفط بشكل منصف يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع أنحاء البلاد، مع تخصيص حصة لفترة محددة للأقاليم المتضررة، والتي حرمت منها بصورة مجحفة من قبل النظام السابق (والأكراد هم المقصودون في هذه المادة إلى جانب الشيعة) كما حددت المادة دورا رئيسيا لحكومات الأقاليم بالتنسيق مع الحكومة الاتحادية، برسم السياسات الإستراتيجية لتطوير ثروة النفط والغاز.
· المادة 111: حددت الاختصاصات المشتركة بين الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم، فيما يخص الجمارك، وتوزيع الطاقة، ورسم السياسات البيئية، ورسم سياسات التنمية، والسياسات الصحيحة.
5. الباب الخامس: (سلطات الأقاليم)
· المادة 113: نصت على أن النظام الاتحادي يتكون من عاصمة وأقاليم ومحافظات لا مركزية وإدارات محلية.
· المادة 114: نصت على إقرار هذا الدستور لإقليم كردستان وسلطاته القائمة إقليميا وإتحادا.
· المادة 116: نصت على "حق كل محافظة أو أكثر في تكوين إقليم، بناء على طلب بالاستفتاء عليه.
· المادة 117: نصت على قيام كل إقليم بوضع دستور له، بحيث لا يتعارض مع الدستور الاتحادي.
· المادة 118: حددت سلطات الأقاليم التشريعية والتنفيذية والقضائية، بما فيها تأسيس مكاتب للأقاليم والمحافظات في السفارات والبعثات الدبلوماسية. والأهم هو النص على اختصاص حكومة الإقليم بكل ما تتطلبه إدارة الإقليم، وبوجه خاص إنشاء وتنظيم قوى الأمن الداخلي للإقليم كالشرطة والأمن وحرس الإقليم (وهو ما يحل مشكلة البشمركة الكردية، ويبقى عليها قائمة في يد السلطات الكردية)
6. الباب السادس: (الأحكام الختامية والانتقالية)
· المادة 123: نصت على عدم جواز تعديل الدستور بما ينتقص من صلاحيات الأقاليم، إلا بموافقة السلطة التشريعية للإقليم المعنى، وموافقة أغلبية سكانه في استفتاء عام.
· المادة 135: تفرض عقوبات على كل من تصدى للأكراد إبان حكم البعث، حيث تشترط فيمن ينتخب لمجلس الرئاسة "أن لا يكون قد شارك في قمع الانتفاضة في عام 1991، أو الأنفال، ولم يقترف جريمة بحق الشعب العراقي" (وهذه الفقرة تخص الأكراد إذ لو كانت تنطبق على الشيعة لذكرت فيها جرائم الدجيل).
· المادة 137: نصت على استمرار العمل بالقوانين التي تم تشريعها في إقليم كردستان منذ عام1992، وتعد القرارات المتخذة من قبل حكومة كردستان- بما فيها قرارات المحاكم والعقود- نافذة المفعول ما لم يتم تعديلها أو إلغاؤها حسب قوانين إقليم كردستان من قبل الجهة المختصة فيها، ما لم تكن مخالفة للدستور.
ثالثاً: اعتلاء الأكراد مناصب رئيسية هامة على مستوى العراق
طبقا لما أفرزت عنه الانتخابات التشريعية التي أجريت في 15 ديسمبر 2005 ، بموجب الدستور العراقي الدائم، حيث خاض الأكراد هذه الانتخابات بتحالف كردستاني قائم على الإيحاء بوحدة إقليم كردستان (برغم خروج الإتحاد الإسلامي من هذا التحالف وخوضه الانتخابات منفرداً).
شمل البرنامج الانتخابي للتحالف العناصر الآتية:
1. الإصرار على جعل العراق دولة موحدة ديمقراطية تعددية برلمانية.
2. السعي لتأكيد وترتيب الوضع الفيدرالي لكردستان العراق، وحصولها على كل المميزات الممكنة.
3. السعي لحل مشكلة كركوك طبقا للمادة 58من قانون إدارة الدولة العراقية ، وكذلك المدن المشابهة مثل خانقين، ومندلي وغيرهما.
4. السعي لزيادة حصة الأكراد من الوزارات والمناصب الدستورية العليا في الدولة المركزية.
5. السعي لزيادة حصة إقليم كردستان من العائدات المركزية.
6. توحيد الإدارتين الكرديتين.
7. السعي لتحسين أحوال الشعب الكردي، وتوفير أقصى قدر من الخدمات له.
8. تحقيق الشفافية ومحاربة الفساد، ووضع ضوابط للتعامل بين الهيئات الحكومية والأفراد.
9. توسيع سلطات رئيس الجمهورية (على اعتبار) إعادة ترشيح جلال طالباني لتولى منصب رئيس الجمهورية في أعقاب الانتخابات التشريعية).
أجريت الانتخابات التشريعية في 15 ديسمبر 2005 بأسلوب تخصيص عدد من مقاعد البرلمان لكل محافظة من المحافظات الثماني عشرة، حسب تعداد سكانها، وليس باعتبار العراق منطقة انتخابية واحدة (طبقاً لما كان في انتخابات يناير 2005)، ولذلك فإن نتائج الانتخابات جاءت على أسس عرقيه ومذهبية أكثر منها وطنية.
حصل التحالف الكردستاني على 53 مقعدا من مقاعد المجلس الوطني وعددها 275 مقعداً وبالتالي حصل على المركز الثاني في أغلبية المقاعد حيث حصل الائتلاف العراقي الموحد شيعي على 128 مقعداً ثم جبهة التوافق (سنيه) على 40 مقعداً، وبقية المقاعد حصلت عليها أحزاب وتحالفات أخرى وبالتالي، فقد فرضت هذه النتيجة أن تشكل حكومة تآلف ما بين التحالفات الثلاثة، حيث لم تحصل إحداها على ثلثي المقاعد (184 مقعداً)، ومجموع مقاعد أي تحالفين منها لا يحقق ثلثي المقاعد كذلك.
لاقى تشكيل الحكومة، صعوبات جمة منها اختيار رئيس الحكومة نفسه، حيث كان رئيس الوزراء السابق إبراهيم الجعفري متمسكاً باستمراره في منصبه، كذلك لاقى ترشيح الوزراء في التحالفات معارضات شديدة، وقد برز ذلك فيما بين الحزبين الرئيسيين في كردستان، إلى أن أعلن عن تشكيل الحكومة برئاسة "نوري المالكي"، بعد أربعة شهور كاملة من عقد الانتخابات، وحيث حافظ الرئيس جلال طالباني، على منصبه رئيسا للجمهورية.
حاول الأكراد إجراء ضغوط على الحكومة الاتحادية، في أعقاب تشكيلها، من أجل تحقيق مصالح أكبر، وفي هذا المجال، فقد أعلن عن توجه رئيس الحكومة في إقليم كردستان "نيجيرفان برزاني" يصاحبه وفد من وزراء الحكومة الكردية إلى بغداد لحل الخلافات مع الحكومة العراقية، خاصة تلك المتعلقة بالعقود المبرمة مع الشركات الأجنبية للاستثمار النفطي في الإقليم، وتحويل مبلغ 485 مليون دولار كانت قد امتنعت عن صرفه العام الماضي.
كما يتطرق إلى تحديد حصة الأكراد من التمثيل الدبلوماسي في السفارات والقنصليات العراقية... وجاء الإعلان عن توجه هذا الوفد مع إنذار أعلنه مسعود البرزاني بصفته رئيس إقليم كردستان باللجوء إلى المحاكم العراقية لتسوية خلافاتهم مع حكومة المالكي.
وبذلك تحققت مكاسب كبيرة لأكراد العراق داخل إقليمهم مع مطلع القرن الحادي والعشرين، بما يؤهلهم إلى الانطلاق في تحقيق غايتهم القومية في بناء دولة كردستان ذلك المطمح الكردي، إلا أن ذلك، لن يتحقق على المدى المتوسط، حيث إن المكاسب التي حققها أكراد العراق، لا يمكن مقارنتها بالأوضاع التي تسود بين أكراد تركيا أو أكراد إيران.
ومن المنتظر أن تثير هذه المكاسب من النخوة الكردية، وتشجع الأكراد في الدول المجاورة للعراق، للتقدم بمطالب سياسية واجتماعية واقتصادية، وهو ما سوف يؤدى إلى صدامات في المنطقة، قد تشهدها السنوات القادمة.
يتبع إن شاء الله...
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: النظام الذي يرتضيه الأكراد في بناء العراق الجديد الثلاثاء 17 يوليو 2012, 6:03 pm | |
| المبحث الثاني عشر
النظام الذي يرتضيه الأكراد في بناء العراق الجديد
يهتم الأكراد بمكانة العراق الإستراتيجية سواء جغرافيا أو ديموجرافيا أو اقتصاديا، ويرون أن مستقبل العراق يحظى باهتمام إقليمي وعالمي كاملين، وهذا ما تؤسس القيادات الكردية إستراتيجيتها عليه، لكي تحتل مكانا مرموقا بصفتها القومية الثانية في دولة العراق، حتى لا يعاد تهميشها، وأن تستعيد دورها في الساحة السياسية العراقية، ومن أجل ذلك فهي تسعى لتثبيت حقوقها في الدستور العراقي، حتى تطمئن على مستقبل الأجيال القادمة من الأكراد على أرض العراق، وإبعاد تعريضه لهيمنة فكر استبدادي تعسفي دينيا كان أو مذهبيا أو قوميا أو عرقيا.
أولاً: هل يهدف الأكراد إلى إنشاء دولة مستقلة
يؤكد موقع الحكومة الكردستانية العراقية على الانترنت Kurdistan government Regional "KRG" أن الأكراد لا يسعون إلى تقسيم العراق، كما يشار إليهم من خلال تحليل بعض المفكرين، سواء كانوا من المفكرين العرب أو التركمان، بهدف تأليب الشارع العراقي ضدهم أو تغذية الناحية العاطفية لدى الأكراد أنفسهم لتصعيد نزعة الاستقلال، بل إن التوجه الكردي يشير إلى الاستعداد للتعامل مع كافة القوى السياسية في العراق، من أجل الحصول على دعم سياسي لتحقيق مصالحهم.
برغم أن الشارع الكردي أبدى رغبته في الاستقلال من خلال الاستفتاء الذي سبق إجراؤه ، وعلى الرغم من أن قضية قيام دولة كردية تندرج ضمن القضايا الإنسانية والحقوقية وهى أيضا حق مشروع أسوة بكل شعوب العالم، بل إنه "حلم كردى" كما عبر عنها الرئيس مسعود البرزاني، إلا أن الموقف السياسي الكردي دعا إلى البقاء ضمن عراق فيدرالي موحد، وكان ذلك موقفا حكيما من القيادة الكردية ضمن قراءة ورؤية عقلانية، آخذه بعين الاعتبار مجموع الظروف والشروط والمناخ السياسي العام في المنطقة والعالم. وقبل ذلك المصلحة الكردية نفسها: لعدة أسباب أهمها:
1. أن إعلان الاستقلال سوف يصطدم مع مجموعة عوامل وأسباب ترتبط بمصالح العديد من البلدان، وعلى الأخص دول الجوار العراقي، حيث التوزيع السكاني والبشرى للأكراد والذي يشكل ضغوطا سياسية دائمة. بالتالي فإن التغير في خريطة العراق بقيام دولة كردية، يعنى تغيير للخريطة السياسية للشرق الأوسط بأكمله، وبالتالي فإن مجموع هذه الدول (تركيا- إيران- سورية)، ومن ورائهم العالمين العربي والإسلامي، سيكونون لها بالمرصاد، وسيحاولون خنقها في المهد، حتى لا تتكرر مطامح الأكراد على أراضيهم.
2. أن لدول جوار العراق علاقات ومصالح واسعة وقوية مع كل من الإتحاد الأوربي والولايات المتحدة والعالمين الإسلامي والعربي، وبالتالي فإن القوى الكبرى، خاصة أمريكا ودول الإتحاد الأوروبي، ليسوا على استعداد بالتضحية بمصالحهم في منطقة الشرق الأوسط (الجديد أو الكبير) إرضاءً للأكراد. فالسياسة اقتصاد ومصالح، والأكراد ليسوا على مستوى قدرة الدول الأخرى في تعاملهم مع العرب، وبالتالي فإن أمريكا وأوروبا لن تراهنا على حصان خاسر.
3. هناك اقتناع لدى القيادات السياسية الكردية بأن هذا الوقت لا يمثل الظرف الأمثل للإعلان عن قيام دولة كردية، إلا أن الحكومة الكردية تأمل في تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير، بل وتدعم القوى الكبرى في تنفيذه، حيث ستكون من أوائل القوى المستفيدة منه في تطبيقاته الديمقراطية والاقتصادية وحقوق الإنسان.
وجه مسعود البرزاني في هذا السياق نفسه، في 19/4/2003 (في أعقاب غزو العراق واحتلاله) من أجل تأكيد موقف الزعامات الكردية في التمسك بهويتها العراقية، ولأجل معالجة الموقف من اعتداء عناصر كردية على قرى عربية مجاورة، وحرصا منه على عدم استقبال فتنة بين العرب والأكراد في أعقاب الغزو، وجه نداءً إلى العشائر العربية، "وجميع الإخوة العرب في المناطق المجاورة للشعب الكردي" جدد فيه التزامه والتزام الشعب الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني والقوى والأحزاب الكردستانية الوطنية بعلاقات الأخوة المتينة بين العرب والأكراد.
وأكد التزامه بتعاليم "القائد الراحل مصطفى البرزاني"، وببرامج برلمان كردستان، ونهج الحزب الديموقراطي الكردستاني بوحدة العراق الوطنية، كما هنأهم عرباً وأكراداً وتركمان وبقية المواطنين في المنطقة بالتحرر من الديكتاتورية والظلم، ودعاهم إلى الحرص على روح التعايش السلمي الأخوي وتوطيد الوحدة الوطنية. كما أشار إلى أن خلافات الأكراد ومعاركهم تأسست على معارضة النظام المستبد، ولم تكن أي خلافات مع الشعب العراقي بفئاته المختلفة.
وأكد جلال طالباني، في المجال نفسه، في حديث صحفي "أن حزبه لا يسعى إلى إقامة دولة كردية"، مؤكدا "أن هذا ليس ما نحلم به. حيث إن حلمنا هو الحياة في إطار عراق ديموقراطي".
ويؤكد ذلك أيضاً، سعى جلال طالباني إلى الترشيح لرئاسة الجمهورية العراقية، وهو أمر غير مسبوق على مستوى العراق، أو أي دولة توجد على أرضها قومية عربية. وربما يكون وجود جلال الطالبان على قمة نظام الدولة بمنزلة دعم للأكراد في تحقيق أهدافهم القومية، وإصدار العديد من القوانين، أو صياغة مواد في الدستور لصالح الأكراد.
ثانياً: رؤية الأكراد في بناء العراق الجديد
يرى الأكراد أن نظام الدولة العراقية التي قامت في بداية العشرينات من القرن الماضي على أساس تحكم فئة أو طائفة معينة بمقدراتها قد فشل. وهذا يعنى فشل العقد السياسي القائم منذ عام 1921، ويريدون عوضا عنه ، إنشاء عقد جديد، يقوم على عدة أمور، يرون أنها حيوية ومصيرية بالنسبة لوجودهم، بوصفهم قومية ثانية في العراق تبني الرؤية الكردية على تحقيق الأسس الآتية:
1. البناء الديموقراطي
يرى الأكراد أن البناء الديموقراطي للدولة، هو أهم المطالب الأساسية، لأن فيه ضمانا لاستمرار التمتع بالحقوق المشروعة للشعب الكردستاني، كذلك فهو مطلب ملح لعموم الشعب العراقي، ولعل في التمسك بشعار ديموقراطية العراق، ومن ثم فيدرالية كردستان، ربط لمسألة الحقوق الكردية بالنظام الديموقراطي، ضمانا لعدم صعود الحكم السلطوي الذي عانت منه العراق لعقود طويلة، وفشلت معه جميع جهود الأكراد للحصول على حقوقه المشروعة.
ومن ثَم، يتمسك الأكراد ـ في المرحلة الحالية ـ بالخيار الديموقراطي، ويتطلعون إلى أن تكون الدولة ديمقراطية قائمة على أساس التوافق وقبول الآخر كما هو، وليست ديمقراطية أكثرية أو أغلبية لا تتناسب مع النسيج غير المتجانس من حيث الاختلافات القومية والمذهبية والدينية. لذلك، فقد عمل الأكراد على أن ينص الدستور على أن يتكون العراق من قوميتين رئيسيتين هما العربية والكردية، ومن القوميات التركمانية والأشورية.. وغيرها.
2. الفيدرالية
إن الأكراد على يقين من أن مسألة انتقال السلطة من حكومة مركزية إلى حكومات مناطقيه هو أمر في غاية الصعوبة بين جميع المسائل الدستورية، إلا أن مسألة الفيدرالية قتلت بحثا بين أقطاب المعارضة في الخارج على مدى عقد مضى، واكتسبت هذه الفكرة تأييدا على الصعيد الدولي، بينما لاقت معارضة على المستوى العربي.
يظهر الأكراد إحساساً كبيراً بأحقيتهم في الفيدرالية، وهو إحساس مستمد من الأحوال التي قاسوها في ظل حكم البعث السابق، ويرون أن لهم الحق في إعلان استقلال كردى، مستغلين خبراتهم السابقة، وضعف الدولة العراقية حالياً، والدعم الذي يلاقونه سواء من الخارج أو من شخصيات عائدة من المنفى، من الشيعة الذين لهم تطلعات لأن يتخذوا نفس مسار الأكراد في الفيدرالية.
مع ذلك فإنهم يدركون أن هذا الحق محدود بفعل وقائع إقليمية، ومن هنا اتخذوا قراراً بالبقاء داخل العراق، وعلقوا ذلك، فقط، على نيلهم تلك الحقوق، التي يقولون أنهم وجدوها ضرورية لمنع التمييز مستقبلاً من جانب الدولة، وهى حقوق، يرون أنها لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال دولة فيدرالية، تضمن حقوق الأكراد في المواطنة الكاملة، ولا تعدهم مواطنين من الدرجة الثانية.
عبر وزير الخارجية العراقي "هوشيار زيبارى"، والذي عين في الحكومة الانتقالية، والحكومة المنتخبة عن مسألة الفيدرالية التي يطالب بها الأكراد من خلال الآتي:
أ. أن الأكراد لن يقبلوا أن يكونوا أنصاف عراقيين، بل عراقيون لهم كل الحقوق، والعراق هي بلدهم وعليهم المعاونة في تعميره.
ب. أن الأكراد اتفقوا على تجربة الحكم الذاتي، ولا يستقر في تفكيرهم التركيز على الموصل أو كركوك وإنما على بغداد، من خلال مشاركة كردية وطنية، وقتل التركيبة الذهنية القائمة على أن للأكراد أهداف محددة.
ج. أن الأكراد اتخذوا موقف "المعارضة المحسوبة" ضد النظام البعثى السابق، لكي يحولوا التفكير السياسي من التفكير القومي الضيق إلى المجال الوطني الشامل. فلو أعلن الأكراد أن كركوك كردية، فربما يثير ذلك تركيا التي تشن هجوماً عليهم، ولكن تمسكهم بأن كركوك عراقية، للأكراد حقوقاً، فيها يؤدى إلى تضييق نطاق الخلاف من خلال دائرة وطنية يمكن التفاهم من أجل الوصول إلى حلول وسطية.
د. أن فكرة الفيدرالية أصبحت مطلباً شعبياً يتبناه معظم القوى السياسية، والأكراد يسعون إلى منبر عراقي، مع برامج سياسية يشارك فيها جميع الطوائف والمنابر، ومن خلال جدول أعمال وطني واسع. وفكرة الفيدرالية هي أمر تقرره المفاوضات الوطنية، التي قد تكون صعبة، ونحن نقول لأصدقائنا العرب الخائفين من الفيدرالية، لماذا أنتهم متشككون؟ إننا نحن الذين سوف نتنازل عن ميليشياتنا، وعن عملتنا، وحتى عن مصادر نفطنا – وباختصار عن كل شئ نملكه.
3. الانتماء القومي
يعترف الأكراد بأحقية العرب في الانتماء إلى القومية العربية، وأن يكون العراق عضواً في جامعة الدول العربية، ويرون في الوقت نفسه أن الأكراد ليسوا جزءاً من الأمة العربية، لأن هذا يعنى صهر الشعب الكردستاني في بوتقة الأمة العربية، أي القضاء على قوميتهم الكردية، وهو ما يقابل – شعبياً – بالرفض التام، لذلك، فهم يعارضون مسألة الهوية العربية للعراق في الدستور الدائم، ولذلك أصروا على فصل الدولة عن الشعب.
وفى هذا، فإن الأكراد لازالوا على حلمهم في بناء دولة كردستان، التي تشمل العديد من أجزاء الدول التي تعيش فيها القومية الكردية، ويرون أن الأمة الكردستانية تمتلك كل المقومات لبناء هذه الدولة في توقيت يسمح بذلك.
4. دين الدولة
يعترف الأكراد بالهوية الإسلامية للدولة العراقية الجديدة، ولكنهم يرفضون أن يكون الإسلام هو المصدر الوحيد للتشريع، ولذلك أصروا في صياغة الدستور في مادته الثانية: "الإسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدر أساسي للتشريع"، ويتذرع الأكراد - وتؤيدهم العديد من القوميات والأديان الأخرى – بأن العراق الحالي يضم أدياناً متعددة مثل المسيحية واليزيدية الصابئه، كما يضم الدين الإسلامي نفسه مذهبين سنة وشيعه، وبالتالي فيجب أن يكون الدستور مرنا بحيث يحقق ضماناً للحريات عند سن القوانين.
5. دعم المجتمع المدني
يولى الأكراد اهتماماً كبيراً لتأسيس المجتمع المدني من خلال دعم المؤسسات الحرة، لتقوم بدورها في رصد الحياة السياسة في إقليم كردستان، والمساهمة في توعية الجماهير بأهمية وجود مؤسسات مدنية قوية لمتابعة أعمال الحكومة.
وتهتم القيادة الكردية بدور المرأة في المجتمع ومنحها حقوقها، حيث عينت حكومة كردستان أول امرأة قاضية محاكم، وتبوأت سيدة منصب قائمقام القضاء، الذي كان حكراً على الرجال في العراق، كذلك عينت وزيرات في حكومة كردستان.
6. مسألة كركوك
هو الموضوع الأكثر إثارة للنزاع، بين الحكم الذاتي في كردستان والحكومة المركزية، ويتأسس على تحديد حدود المنطقة الكردية، من خلال التفكير في كيفية تحديدها أمنياً أو إقليمياًَ (بحدود الأرض)، وما إذا كانت ستضم كركوك أم لا، وهنا لا يبدو حلاً وسطاً من الجانب الكردي، حيث يتطلعون إلى حدود كردية – عربية، تمتد تقريباً عبر حقول النفط ومخزوناته المعروفة، وغير المستغلة. على أن تدمج مدينة كركوك بأكملها، وكذلك القسم الشرقى من مدينة الموصل (الضفة الشرقية من نهر دجله)... استناداً على أن دائرة المعارف العثمانية تحدد حدود الأكراد القديمة بما هو أبعد من ذلك بكثير.
فكركوك تمثل إحدى أهم القضايا الخلافية بين القيادة الكردية، والحكومة المركزية العراقية، حيث يتمسك الأكراد بكركوك من منظور تاريخي، وحتى تكون هي العاصمة الاقتصادية لكردستان العراق، بما تحمله أرضها من ثروات بترولية ضخمة تُعَدّ ضرورية لبناء الدولة وتنمية قدراتها. أما الحكومات العراقية المتعاقبة فلم تكن على استعداد للتنازل عن كركوك للسبب نفسه.
مع بداية احتلال العراق، ونتيجة لتحركات الأكراد المحفوفة بالمخاطر داخل المدينة، فقد سارعت الإدارة الأمريكية بالسيطرة على المدينة، وتولى القيادة الشاملة، ثم أقاموا مجلساً للمدينة اعتبارا من مايو 2003 يتكون من ثلاثين عضواً، تحدد تكوينه بنسبة متعادلة بين الجماعات الأربع الرئيسية التي لها مطالب في المدينة، وهم العرب، والأكراد والتركمانيون والأشوريون والكلدانيون.
أعطى هذا المجلس لكل من هؤلاء الحق في ترشيح ستة مرشحين، ثم أضافت الإدارة الأمريكية ست شخصيات مستقلة، وأجبرت الميلشيات الكردية على الانسحاب، وقد اختار الأكراد مرشحيهم بالتساوي بين الحزبين الكرديين الرئيسيين، بواقع ثلاثة مرشحين لكل حزب.
هكذا، واجه الأكراد لعبة جديدة أقامتها سلطة التحالف المؤقتة، التي سعت إلى بناء ملعب جديد، تجمد من خلاله اتخاذ أي قرارات كردية خاصة بالمدينة، إلى أن يصبح بالإمكان تهيئة المشهد السياسي الوطني، وقد عملت سلطات التحالف أيضاً إلى إقامة سلطة قضائية مستقلة، وعملت على فصل السياسة في المدينة عن المنافسة الاثنية.. إلا أنهم لم يسيطروا على النواحي الأمنية المتصاعدة في كركوك، وفى نطاق ما يحدث على أرض العراق بالكامل.
قرر الأكراد أن يلتزموا الصبر، وأن لا يضغطوا بمطالبهم للحصول على كركوك في هذه المرحلة، مع تشجيع الأكراد النازحين على العودة إلى "مواطنهم المعربة"، وهو ما صرح به مسعود البرازنى: "ينبغي على هؤلاء العرب أن يرحلوا، لأنهم جلبوا إلى هنا بهدف "تعريب كردستان"، ومن المستحيل للأكراد أن يقولوا أن باستطاعة العرب أن يبقوا، ولكننا سنتحلى بالصبر حتى يمكن إيجاد حل قانوني".
يرى الأكراد أنه مازال هناك أمل لحل المشكلة بطرق ودية وتوافقية مرضية لجميع الأطراف المتمسكة بحقوقها في المدينة، طبقاً لما نصت عليه المادة 58 من قانون إدارة الدولة العراقية والتي تنص على "تطبيق أوضاع المدينة بإجراء إحصاء سكاني جديد فيها، ومن ثم إجراء استفتاء شعبي عام للسكان لمعرفة رغبتهم في اللحاق بإقليم كردستان أو البقاء منفردين، أو الانضمام إلى فيدرالية أخرى. ولضمان الفوز بهذا الاستفتاء فإن حكومة إقليم كردستان تقوم بعمليات إرجاع حوالي 100 ألف كردي كانوا قد سبق تهجيرهم، إلى جانب تأكيد تولى أكراد للمناصب القيادية الرئيسية في كردستان العراق.
7. الميلشيات المسلحة البشمركة "الباش مركه"
بالرغم من أن مسألة الميلشيات المسلحة في العراق تمثل هاجساً أمنياً عنيفاً، أدى بدوره إلى اتساع نطاق الفوضى الأمنية، وأن تفكيك تلك الميليشيات يمثل أحد الأهداف لإعادة الاستقرار إلى ربوع العراق، إلا أن القيادات السياسية الكردية تصر على إخراج "البشمركة من نطاق الميلشيات المهددة للأمن"، بل أن هذه القيادات الممثلة في رئيس جمهورية العراق" جلال طلباني" ، ورئيس إقليم كردستان "مسعود برزاني" يصرون على عدم نعتها "بالميليشيات" بل يجعلونها مكوناً شرعياً من مكونات الجيش العراقي مسئولة عن حماية أمن المناطق الشمالية.
وبالتالي يقاوم الأكراد مقاومة شديدة أي محاولة للاقتراب من "البشمركة" لتطبيق قرار تفكيك الميليشيات بشأنها، وقد أضفت نصوص الدستور العراقي، قدراً من الخصوصية على وضع إقليم كردستان العراقي، في إطار عراق إتحادي، وبما يشير إلى ضرورة وجود عناصر أمنية ممثله في البشمركة[1].
يتخذ الأكراد ذريعة لموقفهم الحالي، بأن الإدارة الأمريكية لم توجه أي أصابع اتهام للتنظيمات العسكرية الكردية (على عكس ما وجهت إلى الميليشيات الشيعية والسنة) ومن ثَم، فإن قرار "التفكيك" لا يشمل البشمركة.
ثالثاً: الرؤية العراقية والدولية والإقليمية للنظام الذي يرتضيه الأكراد
تجمع جميع القوى على أن المسألة الكردية ذات خصوصية وحساسية ـ لا تتصل بالنظام العراقي فقط ـ ولكن يمتد تأثيرها ليخترق حدود أربع دول مجاورة للعراق، ومن هنا فإن مسألة الأكراد العراقيين لابد أن تحل داخل حدود دولة العراق، وطبقا لنظام متكامل يشمل طوائف الشعب العراقي، والتي تنصهر المسألة الكردية في بوتقتها. وبحيث لا يسمح بامتداد تأثيراتها إلى دول الجوار، حتى لا تفجر موقفاً عرقياً قد يزيد من المشكلة التي تعيش فيها المنطقة.
1. الرؤية داخل النظام العراقي
لم يستقر النظام العراقي لتكون له رؤية محددة، ولذا فإن القوى الفاعلة تختلف توجهاتها طبقا لمصالحها، وما تريد أن تحققه من قدرة وسيطرة سواء على المستوى الطائفي أو من خلال المشاركة في قيادة الدولة، ويمكن تلخيصها في الأتي:
أ. وجهة نظر الطائفة السنية: (وتؤيدها فيه العديد من القوى الوطنية من مختلف الطوائف)
تتلخص في الرفض القاطع لقبول نظام الفيدرالية، ومنع تشويه هوية العراق الوطنية، والوقوف في وجه مشاريع التفتيت التي يراد لها أن تتحقق من خلال اعتماد النظام الفيدرالي، وتدعي أن الفيدرالية ستقضى على ما تبقى من الدولة العراقية. لذلك فإن نظام حكم ديموقراطي (لا مركزي) يعطى صلاحيات إدارية واسعة للمحافظات وهو البديل الأمثل للفيدرالية.
تستند وجهة نظر الطائفة السنية على الأتي:
(1) أن البيئة السياسية في العراق غير مناسبة، لوجود الاحتلال، وأن الجمعية الوطنية المنتخبة، التي عليها تقرير مستقبل العراق غاب عنها 42% من الشعب العراقي، (يقصد السنة).
(2) أن جميع التجارب الخاصة بالفيدرالية في العالم جاءت من تجميع كيانات وليس من تفكيك دولة موحدة.
(3) أن القوى العربية السنية غير ملزمة بالاتفاقيات التي اتفقت عليها قوى المعارضة العراقية قبل الاحتلال، والتي أقرت فيها مبدأ الحكم الفيدرالي.
(4) أن الفيدرالية بالشكل الذي طرح خلال اجتماعات اللجنة الدستورية، هي تأسيس واضح لعملية تفتيت العراق على أسس طائفية وقومية. ذلك أنها تمهد لقيام إقليم كردى في الشمال، وإقليم شيعي في الجنوب، وليصبح العراق مكونا من ثلاثة أقاليم، كما أن الإقليم ـ حسبما ورد في الدستور ـ يتكون من محافظة واحد’ أو أكثر، وهذا يعنى تقسيم العراق لثلاث دويلات (شيعة وسنه وأكراد).
(5) أن البيئة الدولية والإقليمية المحيطة بالعراق لها مصلحة عليا في إضعاف العراق وتفتيته لما يشكله من قوة استراتيجية مؤثرة في المنطقة حال بقائه موحداً وقوياً. وهو ما لن يحدث في حالة إقرار الفيدرالية.
(6) أن الوضع الحالي في العراق يتسم بضعف المركز وقوة الأطراف، ما يجعل هذه الأطراف هي التي تتحكم في المركز، ولن تكون هناك قوة جذب مركزية تساعد في الحفاظ على الوحدة الوطنية، لا بل ستكون هناك تجاذبات بين هذه الأطراف تساعد على التفتيت.
(7) أن فرضية توزيع السلطة في النظام الفيدرالي، قد تكون كذلك في النموذج العراقي، وفى ظل سياسة متخلفة وانتماءات مذهبيه وعشائرية، بل أنها قد تكون توزيعا للديكتاتورية ذلك أن تعدد الفيدراليات سيتيح لقوى محلية أن تؤسس إقطاعيات سياسية يصعب تغييرها. وستكون بديلا لاستبداد المركزية كما أنها ستتصادم مع قوى محلية أخرى، ما يجعل هناك متسعاً للنفوذ الأجنبي المتغلغل في هذه الصراعات، مثلما حدث في الاقتتال الكردي الذي لم ينته إلا باتفاق واشنطن 1999.
ب. وجهة نظر الطائفة الشيعية
تتأسس وجهة النظر الطائفة الشيعية في بناء عراق ديموقراطي، يمنح حق المواطنة لكل من يحمل الجنسية العراقية، ويكون للشيعة اليد الطولي في إدارة البلاد بما يساير حقيقة الوضع الديموجرافي، إلى جانب أن معظم أقطاب المعارضة كانوا من الشيعة، في الوقت نفسه، فإنهم ينظرون بتعاطف كامل مع الأكراد في بناء الحكم الذاتي لهم.
تنطلق الرؤية الشيعية تأسيسا على عدة مبادئ أهمها:
(1) أن الشيعة عاشوا مبعدين ومنبوذين بفعل إقصائهم المنظم والمدروس عن السلطة وبغداد، إبان حكم البعث.
(2) أن الشيعة يمثلون الأغلبية السكانية في العراق، ولابد أن يكون صورتهم على مستوى ما يشكلون من أغلبية.
(3) أن الشيعة ينظرون إلى التجربة الكردية باهتمام زائد، ويعملون على دراسة الأخذ بهذه التجربة لتحقيق فيدرالية جنوب العراق.
(4) أن المعارضة الشيعية في الخارج كان لها اليد الطولي – بالتنسيق مع المعارضة الكردية لدعم وتأييد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، ولا بد من أن تحصل على مقابل هذا الدعم.
(5) هناك قوى خارجية (إيران) تدعم الشيعة من أجل تحقيق فيدرالية العراق، من أجل تحقيق أهداف مستقبلية قد تؤدى على نوع من فيدرالية أخرى، أو أحد أشكال التنسيق مع إيران، من أجل تجمع شيعي كبير، وإقامة دولة شيعية عاصمتها قم، (وصية الإمام الخوميني).
(6) وقد أوضح الدستور الذي صاغته أغلبية شيعية وكردية عن تلك التوجهات في بناء عراق إتحادي، بمعنى التطبيق الفيدرالي، وإمكان قيام ثلاثة دويلات وحكومة مركزية يسيطر عليها الشيعة، ومن هنا يبدو أن الشيعة والأكراد في العراق، لهم نفس الأهداف في الحكم الذاتي، مع خلاف رئيسي، وهو أن الأكراد يريدون الاستقلال بإقليم كردستان، بينما الشيعة يريدون التقسيم الفيدرالي، في نطاق سيطرة شيعية على أرجاء الدولة.
2. وجهة النظر الأمريكية
اضطرت إلى غزو العراق في نطاق الحرب على الإرهاب... بمعنى أن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى إلى عراق موحد له إدارة ترتبط بالولايات المتحدة الأمريكية، وتحقق مصالحها، وتكون هذه الإدارة مقبولة إسلامياً وعربياً.
على الرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية دعمت الأكراد، واتخذت إجراءات عسكرية لتأمينهم من بطش النظام البعثى السابق، من خلال قرار حظر الطيران العراقي (أبريل 1991) وبرغم أن وزيرة الخارجية الأمريكية إبان زيارتها للمنطقة في بداية شهر أكتوبر2006، تعمدت زيارة منطقة كردستان العراق، واستقبلت استقبالاً حافلاً، أراد به زعماء الأكراد التعبير عن العلاقة الأمريكية – الكردية.
وانحسرت المباحثات في هذه الزيارة على المصالحة العراقية وأهمية الدور الكردي في تفعيلها كذلك عن النفط وتوزيع الثروات، وكأن وزيرة الخارجية الأمريكية كانت تلمح بأن كردستان العراق لابد أن تظل في نطاق الدولة العراقية.
واستقبل مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان بترحاب شديد أثناء زيارته للولايات المتحدة في صيف 2006، وأستقبله الرئيس بوش في البيت الأبيض، بما يشير إلى عمق العلاقات الأمريكية - الكردية، وتوجه الولايات المتحدة إلى أن يكون للأكراد دور في عملية استقرار العراق.
وأعلن الرئيس جلال طالباني، في السياق نفسه، أن الولايات المتحدة الأمريكية يمكنها إقامة قاعدتين عسكريتين في إقليم كردستان ضمن إستراتيجيتها القادمة في الشرق الأوسط، وأن الأكراد يرحبون بذلك.
إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تميل إلى التشجيع على بناء دولة كردية داخل نطاق كردستان العراق، أو انفصال أكراد العراق عن مركزية الدولة من خلال حكم فيدرالي غير مسيطر عليه، وذلك للأسباب الآتية:
أ. أن العراق تعمه الفوضى في الوقت الحالي، وأي إعلان على هذا النمط سيؤدى إلى تفاقم الموقف وقد يؤدى إلى حرب أهلية، يزيد تورط الولايات المتحدة فيها.
ب. أن النظام في العراق لم يتحدد بصورة مطلقه برغم وجود دستور (مختلف عليه)، وبرغم وجود حكومة منتخبة (غير قادرة على السيطرة على ربوع البلاد)، وهو ما يتطلب تحقيق استقرار الأمن قبل السعي في أي إجراء تنظيم إداري للدولة، والذي يتطلب استقرارا بدرجة كبيرة.
ج. أن تركيا ـ أحد الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة الأمريكية ـ لا تقبل بناء دولة كردية في العراق؛ لأن ذلك من شأنه اشتعال الموقف على أرض كردستان تركيا للحصول على نفس الحقوق، والشروع في التوحد مع كردستان العراق. وسوف يقوم أكراد إيران بالدور نفسه، وهو ما يؤثر على بناء الخريطة السياسية للشرق الأوسط الجديد الذي تسعى الولايات المتحدة لبنائه، والذي يكون فيه الاستقرار والديموقراطية أساساً لتحقيق المصالح الأمريكية.
من هنا كان إعلان الرئيس الأمريكي بوش مراراً أنه ضد تقسيم العراق، وأن العراق لابد أن يتحد بكل فئاته، وأعراقه تحت حكم ديموقراطي مدعم من الولايات المتحدة الأمريكية
يدرك الرئيس بوش، أن الإدارة الأمريكية أخطأت بالتعامل مع العراقيين منذ الغزو، وحتى صياغة الدستور من واقع تقسيم عرقي، وهو الذي أدى إلى تفاقم المشكلة والتي أدت بدورها إلى تورط القوات الأمريكية العاملة في العراق في معارك كان يمكن تجنبها، لو حافظت الولايات المتحدة على الوحدة الوطنية منذ اللحظة الأولى، ولم تستجب لمطالب أقطاب المعارضة العراقية، الذين سعوا إلى الحصول على مميزات عرقية داخل العراق، ومن ثَم، تفاقمت المسألة لما وصلت إليه حالياً.
3. وجهة نظر الإتحاد الأوروبي
نشأت خلافات بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين الدول المؤثرة في الإتحاد الأوربي نتيجة لرفضها شن الحرب على العراق عام 2003، كما حدث تصدع داخل الإتحاد الأوروبي نفسه بتأييد جماعة ومشاركتها في الحرب على العراق في مواجهة مجموعة الرفض، وحتى لا ينفرط عقد التحالف الأوروبي مع الولايات المتحدة الأمريكية، وإبقاءً على المصالح الأوروبية مع الولايات المتحدة الأمريكية، فقد آثرت دول الرفض الوقوف بما يشبه الحياد فيما يجرى داخل العراق، خاصة مع تصاعد المقاومة، وتورط الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا في مواجهتها..
وانطلاقاً من ذلك ينظر الاتحاد الأوروبي إلى مسألة الأكراد من ثلاثة إتجاهات مختلفة وهى:
الأول: حقوق الإنسان ورفع الظلم الذي ألم بالأكراد خلال العقود السابقة.
الثاني: استمرار الأكراد داخل النظام العراقي، ورفض تقسيم العراق، لأن ذلك سوف يؤدى إلى بروز مشكلات عديدة، تؤدى بدورها إلى تغيير الخريطة السياسية للمنطقة.
الثالث: الوقوف إلى جوار تركيا العضو في حلف الناتو، ودرأ التهديدات عنها، فيما لو اشتعلت المسألة الكردية في غير صالحها.
4. وجهتي نظر روسيا الاتحادية والصين
تتطابق تقريباً مع وجهة نظر الإتحاد الأوروبي.
5. وجهة نظر تركيا بوصفها دولة إقليمية ذات اهتمامات بالقضية الكردية
أ. تدرك تركيا خطورة الوضع في شمال العراق، وأن وقوع حرب أهلية في العراق من شأنه أن يساعد الأكراد العراقيين على تحقيق الاستقلال من جهة، ودفعهم لمزيد من التعاون والارتباط الوثيق مع كل القوى الأجنبية، مثل الولايات المتحدة وإسرائيل وبريطانيا.
ب. كما تدرك تركيا ضرورة الاستعداد للتعامل مع التقسيم المحتمل للعراق، وتوسعة المشروع المعروف باسم المشروع "B"، وبما يتطلب انتهاج سياسة متوازنة بشأن أكراد العراق، وإقليم كردستان التركي، وتدرك أن التصادم بين مصالح الأكراد والتركمان في العراق ليس في صالح تركيا، وأن التوافق بينهما يعد لصالحها، حتى تتمكن من جذب هاتين الفئتين إليها بعد أن تقرب بينهما، إلا أن بعض الجماعات السياسية في تركيا تتعمد تضخيم الاختلافات بين الأكراد والتركمان، من أجل تحقيق مصالح فئوية ذاتية داخلية.
ج. وفقاً لتقرير المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية في لندن أن تركيا قد فشلت، حتى الآن، وأخفقت في توفيق سياساتها مع الأوضاع السريعة والمتواترة، والمتغيرة بقوة في شمال العراق، وأنه بدون أن تقوم الحكومة التركية بتغيير حقيقي في سياساتها على المدى القريب – العاجل، فسوف تواجه أنقره مشكلات ضخمة تنبع جذورها من شمال العراق.
ويجب ألاّ تنظر تركيا إلى وجود كردستان مستقلة في شمال العراق على أنه تهديد لأمنها القومي، بل العكس هو الصحيح، حيث يمكن استثمار ذلك في حصر منافع ومصالح عديدة لتركيا، فأسوأ سيناريو لتركيا لا يتمثل في اندلاع حرب أهلية عراقية، على نحو أكبر مما هو قائم الآن؛ لأنه من الممكن أن تنشب حرب أهلية شاملة تتجاوز الإطار الجغرافي الجنوبي القائم حالياً في العراق، وهو ما يشكل خطراً على مصالح تركيا في حالة انضمام حزب العمال الكردستاني لِهذه الحرب.
د. تشعر تركيا بالخطر المتزايد بسبب أن شمال العراق قد بات ملاذاً لتجمع بعض الجماعات التي ساهمت بقوة في الأنشطة الإجرامية والسياسية الأخيرة التي ارتكبتها جماعة "اتابيلر"، وهى الجرائم التي نشأت وانتشرت في شمال العراق.
هـ. لذلك، فإن الموقف الرسمي التركي هو الرفض القاطع لإقامة دولة كردية في إقليم كردستان العراق، وهو ما صرح به وزير الخارجية التركية عبد الله جول في 5 نوفمبر 2006، حيث حذر كل من الرئيس العراقي جلال طالباني، ورئيس إقليم كردستان مسعود برزاني، من التمادي في أحلام إقامة دولة كردية شمال العراق، لأن مصيرهما سيصبح مثل مصير "سلوبودان ميلوسوفيتش" في يوغوسلافيا، وذكر جول في حديث لصحيفة "حريت" التركية (عدد 4 نوفمبر 2006)، أن طالباني وبرزاني على حافة خطأ تاريخي يقوم على ثلاثة أوهام هي :"إنشاء دولة كردية شمال العراق – تغيير الوضع الديموجرافي لمدينة كركوك- تقديم الدعم والحماية لمنظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية"، وذلك اعتماداً على الوجود الأمريكي في العراق الآن، والذي سوف يزول إن آجلاً أو عاجلاً، بينما الجمهورية التركية باقية إلى الأبد.
6. وجهة النظر الإيرانية
تتطابق وجهة النظر الإيرانية مع وجهة النظر التركية في عدم السماح بإقامة دولة مستقلة على أرض كردستان العراق، لأنها ستثير قلاقل في إقليم كردستان الإيراني، فيعاوِدُ الأكراد الإيرانيون ثوراتهم من أجل الحصول على وضع مشابه لوضع أكراد العراق، أو تحقيق آمالهم في بناء دولة كردستان المتحدة على الأراضي الكردية التاريخية، وهو ما لن تسمح به الحكومة الإيرانية، ما يؤدي إلى تصاعد القلاقل التي تقود إلى عدم الاستقرار الداخلي.
7. وجهة النظر العربية
تقدر جميع الدول العربية خطورة الوضع وتعتمد استراتيجية موحدة، تعمل جامعة الدول العربية على تنفيذها، وهى تتحدد في الآتي:
أ. الرفض البات لتقسيم العراق، وأن تستظل كل الطوائف العراقية تحت مظلة العلم العراقي، ولهم جميع حقوق المواطنة (وبذلك ترفض إقامة دولة كردية تحت أي مسمى).
ب. تتخوف الدول العربية من مشروع الفيدرالية، وترى أنه سوف يعمق الطائفية، وستكون له نتائج وخيمة على المدى البعيد، أقلها التقسيم، وأشدها الصراع المسلح لامتلاك ثروات العراق.
ج. ترى الدول العربية، أن الأكراد ليسوا بمفردهم الذين لاقوا الاضطهاد على يد النظام السابق، ولكن هذا النظام كان ديكتاتورياً في مواجهة الجميع، ولذا فعلى الأكراد أن يسعوا إلى التآزر مع باقي الطوائف من أجل عراق جديد يتمتع بالديموقراطية وينطلق نحو المستقبل.
د. وأخيراً فإن الدول العربية، والخليجية منها خاصة، إلى جانب دول الجوار العراقي كلهم يرون أن الوضع النهائي للعراق لن يقتصر تأثيره على علاقات الجوار والوضع الإستراتيجي في دول الخليج فقط، ولكنه سوف يؤثر بشدة على الأمن القومي العربي بكل مجالاته.
[1] وتقدر أعداد البشمركة بعدة آلاف ولا تزيد عن ستة آلاف، مسلحين بالأسلحة الخفيفة والهاونات ويتدربون أساساً على القتال الجبلي.
يتبع إن شاء الله...
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الأكراد والمشكلة الكردية الأربعاء 28 نوفمبر 2012, 11:20 pm | |
| المبحث الثاني
تاريخ الأكراد، حتى معاهدة سيفر (Sèvres) عام 1920
أولاً: موجز تاريخ الأكراد، حتى معاهدة سيفر (Sèvres) عام 1920
1. لمحة تاريخية
عاش الأكراد، طوال تاريخهم، تحت السيطرة الأجنبية، التي بدأت في القرن الخامس قبل الميلاد، حينما استطاع الإمبراطور الأخميني، سيروس، أن يدمّر، عام 550 ق. م، المملكة المسماة ميديا، التي يعُدها المؤرخون الوطن الأصلي للأكراد.
ثم خضعوا لحكم الإسكندر الكبير، الذي قضى على الأخمينيين، عام 330 ق.م. ثم خضعوا للأرمن (الأرسانيين)، خلال القرنين، الثاني والأول قبل الميلاد، ثم للدولة الرومانية حتى القرن الثالث الميلادي، ثم للأرمن الذين اختلطوا بالأكراد.
وتعاقب على حكْمهم الإمبراطورية الفارسية والإمبراطورية الرومانية.
وحكمهم الأرمن، مرات عديدة.
وأخيراً، خضعت كردستان للدولة البيزنطية، التي اقتسمتها مع الإمبراطورية الساسانية، بين القرنين، الثالث والسابع، الميلاديين، إلى أن جاء الفتح العربي الإسلامي، في عام 18هـ / 640م، في عهد الخليفة الراشد، عمر بن الخطاب.
وقضى المسلمون على الإمبراطوريتَين البيزنطية والساسانية معاً، فدخل الأكراد في الإسلام، وكانوا عوناً لأمتهم الإسلامية، في العصور التالية.
وفي الواقع، إن القبائل الكردية، لم تكن خاضعة لتلك الدول خضوعاً حقيقياً، بل كانت تعيش في شبه استقلال، معتصمة بجبال كردستان الوعرة.
وظهرت إمارات كردية مستقلة، خلال فترات الحكم الإسلامي تحت حكم بعض الأُسر الكردية.
ولم يسيطر أي من هذه الإمارات، بمفردها، سيطرة تامة على كردستان.
ولم يحتفظ أي منها باستقلالها الحقيقي.
وكثيراً ما كان يحتدم الصراع بين الأُسر الكردية الحاكمة.
وكانت الدولة الأيوبية إمارة كردية إسلامية، أسسها صلاح الدين الأيوبي، عام 1171م، وبسطت سيطرتها على مصر والشام وبلاد الرافدين.
وخاضت حروباً مظفرة ضد الصليبيين في فلسطين، حتى تمكن صلاح الدين من القضاء على الدويلات الصليبية في بلاد الشام، مسجلاً أمجد الفصول في تاريخ الإسلام.
وينتمي صلاح الدين يوسف الأيوبي (توفي عام 589هـ / 1193م) إلى قبيلة راوند الكردية، التي استوطنت منطقة ديفين، الواقعة في إقليم يرفان (إريفان).
ودام حكم الأيوبيين 81 سنة (1169م ـ1250م).
وظل الأكراد، منذ ذلك الحين حتى الغزو المغولي، يضطلعون بدور مهم في خدمة الحكام غير الأكراد، بسبب ميزاتهم الحربية البارزة.
وخضع الأكراد، بعد ذلك، لحكم السلاجقة الأتراك، في عام 1051م، وخدموا في الجيوش السلجوقية، وتعرضت القبائل الكردية لفتن من الحكام المحليين، جعلتها تدخل في صراع بعضها مع بعض، وظلت هذه السمة بارزة في حياة المجتمع الكردي، إلى اليوم.
وجاء الغزو المغولي، عام 1231م، لينشر الدمار والهلاك في ديار الإسلام، ومنها كردستان.
وتلا ذلك غزو القائد المغولي، تيمورلنك (تيمور الأعرج)، عام 1402م، فخضعت له بلاد الأكراد وسائر بلاد الأناضول.
وألحقت هذه الغزوات الضرر الكبير ببلاد الأكراد وأشاعت الخراب فيها.
ومع مطلع القرن العاشر الهجري، السادس عشر الميلادي، اقتسمت العالم الإسلامي الدولة الصفوية الشيعية، الحاكمة في إيران، والدولة العثمانية السُّنية، الحاكمة في الأناضول.
دخل الأكراد في طاعة السلطان سليم الأول، بفضل مساعي الحكيم الكردي، مُلاّ إدريس البدليسي، وهو من أهالي تبطيس، مستشار السلطان الذي أرسله إلى أمراء كردستان لما له من النفوذ بينهم واعتراف بفضله وعلمه.
فانضم هؤلاء إلى السلطان العثماني.
واستطاع الأكراد والأتراك قهر قوات الصفويين، بقيادة إسماعيل شاه الصفوي (1502 ـ 1518) في معركة جالديران، الواقعة إلى الشمال الشرقي من بحيرة أرومية، في 23 أغسطس 1514 (920 هـ).
ودعموا المذهب السُّني في وجْه المذهب الشيعي.
وكان من نتائج هذه المعركة اقتسام بلاد الأكراد، بين الدولتَين، الصفوية والعثمانية، وخضع القسم الأكبر منها للحكم العثماني.
وجُدّد ذلك التقسيم في معاهدة، عقدت عام 1639م (1048 هـ)، بين الشاه عباس وبين السلطان العثماني مراد الرابع.
وكانت لتلك المعاهدة أثرها في كل مجريات التاريخ الكردي، فيما بعد.
وبعد عام 1514م أصدر السلطان العثماني أوامره، إلى الحكيم الكردي، إدريس البدليسي، الذي يعمل مستشاره في الشؤون الكردية، أن يشكل الإقطاعات الكردية.
وسعياً إلى توطيد الحدود التركية الجديدة، عمد المستشار الكردي إعادة توطين القبائل الكردية على امتداد الحدود، وأعفاها من الالتزامات كافة.
وتكللت جهود إدريس البدليسي بإصدار السلطان سليم الأول مرسوماً (فرمان)، يقضي بترك الإدارة في كردستان للأمراء، الذين يتوارثونها، وليس عليهم إلا أن يقدِّموا جيوشاً مستقلة، بإدارتهم، إلى الدولة، حينما تكون في حرب مع إحدى الدول الكبيرة.
وعليهم أن يدفعوا إلى خزينة الدولة مبلغاً من المال، كل سنة.
وقد حدد ذلك الفرمان الحكومات الكردية بحكومات:
أربيل وكركوك والسليمانية، وحصن كيف، وجزيرة ابن عمر، وحكاري وصاصون، والعمادية، وبيتليس.
وكانت تلك الحكومات تسمى:
إمارة بابان، إمارة سوران، إمارة بهدينان، إمارة بوتان.
وكان هناك 16 إمارة معترفاً بها.
واعترف الفرمان لرؤساء هذه الحكومات، الذين أطلق عليهم لقب "دَرَه بيك" أي سيد الوادي، بحقوق وامتيازات متوارثة في أراضيهم ومناطق نفوذهم.
كما أن الحكومة العثمانية، لم تكن تتدخل في شؤونهم الداخلية.
ولقد أفلح الملا إدريس، بخطته هذه، في ضمان حماية الحدود التركية الشرقية، ضد أي غزو إيراني.
وشهدت الحقبة الواقعة بين عام 1514 والنصف الثاني من القرن التاسع عشر، نشوء مشيخات كردية، تتمتع بقدر من الاستقلال، في نطاق الإمبراطورية العثمانية، حتى إن بعضها أقام صِلات مع الشاه الإيراني والسلطان العثماني، في آن واحد.
وظل هذا الوضع حتى دخلت الإمارات الكردية تحت الحكم العثماني المباشر منذ عام 1847م.
ومع الوقت، تناست الحكومة العثمانية المتعاقبة اتفاقية الحكم الذاتي تلك وأزالت أكثر الحكومات الكردية، ولم يبقَ منها، في نهاية القرن السابع عشر، سوى حكومة اليزيديين، في سنجار، والمليين في ديار بكر، والزازا (ظاظا) في درسيم، وقد أصبحت تسمى "سنجق بك".
وأعادت الدولة العثمانية، في عهد السلطان محمود الثاني، تنظيم أمور ولاياتها، فجعلت المنطقة الكردية ضمن ثلاث ولايات، هي: بغداد وديار بكر وأرضروم.
ولم تكن الإقطاعات والمشيخات الكردية متحدة، على الرغم مما تتمتع به من استقلال محدود، بل كانت في حروب مستمرة، الأمر الذي اضطرها إلى طلب المساعدة من شاه إيران، أحياناً، ومن السلطان العثماني، أحياناً أخرى.
2. أهم الإمارات الكردية
أ. الشداديون
أولى الأُسر الكردية، شبه المستقلة، التي ذكرها التاريخ، هي أُسرة بَنِي شداد، ومؤسسها محمد بن شداد بن قرطق، عام 340هـ / 951م، وحكمت مناطق كردستان، الشمالية الشرقية، واستمرت حتى عام570هـ / 1174م، حينما سقطت في يد الكرج.
ب. إمارة بَنِي حسنويه
أسّسها حسنويه بن الحسين البزركاني، رئيس إحدى القبائل الكردية، عام 348هـ / 959م، واستمرت نصف قرن حتى عام 406 هـ / 1015م تقريباً.
وذاع صيت ذلك الأمير، وضم الجزء الأكبر من كردستان، الذي يشمل همدان ودينور ونهاوند وقلعة سرماج.
وهاب البويهيون جانبه.
وتولى، بعده، ابنه بدرالدين بن حسنويه، الذي قوي نفوذه، ومنحه الخليفة العباسي لقب "ناصر الدولة و الدين".
وقد قتل على يد رجاله، عام 405هـ ، وخلفه ابنه، ثم حفيده، حتى تخلص منهم البويهيون، عام 406هـ/1015م.
ج. المروانيون
عُرفت، في الفترة عينها، الأُسرة المروانية، التي أسّسها أبو عبدالله حسين بك دوستك، من أمراء أكراد العشيرة الحميدية، في آمد (ديار بكر)، الذي استولى على أرمينيا وأرجيش ثم على عدد من المدن.
وضيّق عليه الحمدانيون، بينما كان يحاول الاستيلاء على الموصل، وقتل عام 380هـ .
وشملت هذه الإمارة بعض بلاد أرمينيا ومناطق موش وأرجيش وأورفة.
واشتهر من حكام المروانيين الأمير أبو نصر أحمد، الذي تولى الحكم من قِبل الخليفة العباسي في بغداد، وذاع صيته في عصره، لعدله وقدرته.
وحكم مدة 51 سنة.
وقضى السلاجقة على هذه الإمارة، عام 489هـ / 1096م.
د. الشهرمانيون
خلفت الأُسرةَ المروانية الأُسرةُ الشهرمانية، التي حكمت ديار بكر وأرضروم، من سنة 1100م إلى سنة 1207م.
ثم قضى السلاجقة الأتراك على هذه الإمارة الكردية.
ومن بعدهم، جاء الغزو المغولي الكاسح، الذي استمر حتى عام 1400م.
هـ. مملكة أردلان
كانت تمتد على طرفَي الحدود العراقية - الإيرانية (في لواء السليمانية، اليوم)، من جبال قرا داغ وأودية شهر زور وأصقاع أردلان (كردستان الإيرانية، في الوقت الحاضر)، التي كانت تقطن فيها قبائل الكلهور الكردية القديمة.
وكانت أُسرة بَنِي أردلان تحكم هذه المنطقة، منذ القرن الثاني عشر الميلادي، وعاصرت الحكم المغولي.
واضطرتها الدولة الجلائرية في العراق إلى التخلي عن القسم الشمالي الشرقي من الإمارة.
وفي القرن الخامس عشر استعاد الحاكم الأردلاني القسم الشمالي من بلاده، فأصبح نهر الزاب الكبير، من جديد، الحدود الشمالية لمملكته.
ودخلت هذه الإمارة تحت الحكم العثماني، بعد انتصار السلطان العثماني سليم الأول على الصفويين، في معركة جالديران، عام 1514.
وبقيت أمور الحكم الفعلية في أيدي الأكراد.
ولكن العثمانيين غزو إمارة أردلان، بوساطة والي حلب، عام 1538، وجعلوها ولاية عثمانية لفترة من الزمن.
وفي عام 1600، تبدل الوضع، فخضعت أردلان للشاه عباس. فتولى حكم الإمارة أحمد خان الأردلاني، بوصفه ملكاً من التابعين لشاه إيران.
وطلب الشاه عباس من أحمد خان، عام 1605، إخضاع القبائل الكردية، في بيتليس والعمادية ورواندوز، لحكم الشاه.
وبذلك استعاد الأمير الكردي ممتلكات أردلان القديمة.
وانتهى حكم الأُسرة الأردلانية بغزو القائد العثماني، خسرو باشا، الذي قضى عليها، بعد معركة جرت في عام 1629.
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الأكراد والمشكلة الكردية الأربعاء 28 نوفمبر 2012, 11:32 pm | |
| و. إمارة بابان
بعد أفول الإمارة الأردلانية، ظهر في بلاد البشدر شخص، اسمه أحمد الفقيه، الذي أسس الأسرة البابانية.
وعرفت قبيلة بشدر بنظامها الاجتماعي، الذي يقسمها إلى زعماء وعوام.
وخلف أحمد الفقيه ابنه ماوند، الذي توسع نفوذه في شهر بازار وما جاورها.
بيد أن المؤسس الحقيقي لأُسرة بابان، هو سليمان بك بن ماوند بن أحمد الفقيه.
ففي النصف الثاني من القرن السابع عشر الميلادي، كان سليمان بك الشخصية البارزة في شهرزور، وحل محل الأردلانيين في حكم المنطقة، عام 1694.
فاستعان الأمير الأردلاني بالإيرانيين، فأرسلوا جيشاً، دمر خصمهم الباباني، الذي اضطر إلى اللجوء إلى استانبول، حيث استقبل بحفاوة بالغة، ومنح سنجق بابان.
إلا أن موته أدى إلى خلافات بين أبنائه، فتمزقت إمارته على أيدي الزنكية وقبائل أخرى.
واستطاع بكر بك، أحد أبناء سليمان بك، أن يستأثر بالسلطة، و يوسع رقعة إمارته، فشملت المنطقة الممتدة بين نهرَي سيروان والزاب الصغير، والهضاب الكائنة شرق طريق كفري ـ ألتون كوبري.
وصار يضاهي حكام أردلان، الذين تفصلهم جبال هورامان.
وهاجم العثمانيون بكر بك بن سليمان بك بابان، في عام 1715م، فقتل في إحدى المعارك.
وبذلك، رجعت المناطق البابانية إلى النفوذ العثماني المباشر، حتى ظهور خانه باشا بن بكر الباباني، عام 1730، الذي امتد نفوذه من كركوك حتى همدان، وحكم أردلان أربع سنين.
واكتسحت جيوش الإيرانيين، في عهد نادر شاه، كردستان الجنوبية، واستمر الحكم الإيراني من عام 1730 حتى عام 1743.
وظهر من البابانيين مَن تعاون مع الإيرانيين، إذ سمحوا للأكراد بحكم شهر زور فقط، وهكذا نشأ ميل الأسرة البابانية إلى التعاون مع إيران، التي قدمت العون إلى البابابيين، ضد الولاة العثمانيين، في بغداد.
ثم تولى سليمان باشا إمارة بابان، أربع عشرة سنة متقطعة.
وتوسعت مطامحه إلى أردلان، فغزاها، عام 1763، إلا أن الجيوش العثمانية، سحقت جيشه.
ثم اغتيل عام 1765، وجرى صراع حول السلطة بين أبنائه الثلاثة، الذين خلفوه، وكان ولاؤهم يتذبذب بين الدولتَين، الإيرانية والعثمانية.
وعيّن عبد الرحمن باشا على إمارة بابان، ما بين عامَي 1789 و 1811.
وأسدى خدمات جليلة إلى الدولة العثمانية، في تعقب الثائرين عليها، 1792، وفي تأديب اليزيديين، في سنجار عامَي 1794 و 1799.
وأخضع الثائرين، في العمادية، وفي الفرات، عام 1805م.
وعلى أثر اختلافه مع والي بغداد العثماني، إلتجأ إلى إيران.
ثم عاد إلى السليمانية، واشتبك مع العثمانيين، فدُحرت قواته من قِبل والي بغداد، سليمان الصغير، عام 1808، عند مدينة كفري، ثم عزله والي بغداد، عام 1811. وتوفي عام 1813.
في عام 1812، عادت العائلة البابانية إلى الثورة، إذ خرج أحمد باشا الباباني على العثمانيين، وانتصر في معارك عدة، وتقدم إلى أطراف بغداد، وكاد يستولي عليها، وأوشك أن يقضي على القوى العثمانية قضاءً مبرماً.
لولا أن عاجلته المنية.
وتولى حكم إمارة بابان محمود بن سليمان باشا، واستمر حكمه عامَين.
وعام 1816، عُيِّن عبدالله باشا، شقيق عبد الرحمن باشا، حاكماً على السليمانية، من قبل والي بغداد، سعيد باشا، وتداول الحكم مع محمود باشا.
وتدخلت إيران، بحملاتها العسكرية، غير مرة، في كردستان الجنوبية.
وكان حكم البابان على السليمانية عاملاً مهماً من عوامل استمرار الحرب بين الدولتَين العثمانية والإيرانية.
وفي عام 1850م، دخل القائد التركي، إسماعيل باشا، السليمانية، بقوة من الجيش، قضت على حكم البابانيين، الذي استمر مدة قرن ونصف القرن.
ز. الإمارة السورانية
إمارة صغيرة، نشأت في منطقة رواندوز، في القرن الثاني عشر الميلادي.
أسسها رجل صالح، قدم من بغداد، واتخذ من قرية جوديان مقراً له.
وكان له ابن، يدعى عيسى، ضم إليه بعض أراضي البابان، ونقل عاصمته إلى بلدة حرير.
ضم السلطان سليمان القانوني هذه الإمارة إلى أربيل، بعد أن قتل أميرها، "المير عزالدين شير"، ونصّب عليها أميراً يزيدياً، عام 1534.
ولكن السورانيين استرجعوا إمارتهم، بعد عودة السلطان إلى استانبول.
وحافظوا على استقلالهم، حتى عام 1730، حينما ألحقها البابانيون بإمارتهم، وصارت تابعة لهم.
وحينما دَب الضعف في أمراء البابان، في نهاية القرن الثامن عشر، بسبب الصراع الإيراني ـ العثماني، استعادت الإمارة السورانية وجودها، في مقرها الجديد في رواندوز، وصار لها عام 1810 كيان واضح، حين كان يحكمها مصطفى بك أوغوز، الذي تزوج من فتاة بابانية البابانيين لكي يعزز مركز إمارته.
وخلفه، عام 1826، ابنه محمد، الملقب "مير كور"، أي الأمير الأعمى، وأخضع لحكمه شيروان، وقبائل برادوست، في الشمال، وقلّل من نفوذ قبائل السورجية، وطرد الحاكم الباباني من حرير، واحتلها.
وأقره والي بغداد، داود باشا، على حكمه. وأصبحت دهوك وزاخو من توابع إمارته العظيمة، واستولى على أربيل وألتون كوبري.
وقد اضطر والي بغداد، علي رضا باشا، في عام 1833، إلى الاعتراف به، ورفع مرتبته إلى "باشا"، إذ رأى فيه القوة الجديدة، التي يمكن استخدامها ضد الإمارة البابانية، ومقاومة أي زحف إيراني على العراق.
واشتهر الأمير مير كور بتنظيم الإدارة في إمارته، واستتب الأمر له فيها.
وكان على جانب كبير من التقوى والصلاح، والتمسك بالشرع الحنيف، فحقق بين الناس العدالة، في دائرة الشريعة الإسلامية.
وهكذا أصبحت الإمارة السورانية، في منتصف القرن التاسع عشر، أقوى إمارة من إمارات كردستان قاطبة.
ولم يبقَ أمام مير كور، للسيطرة على كردستان الجنوبية (العراقية) كلها، سوى القضاء على الإمارة البابانية، في السليمانية.
وكان نمو الإمارة السورانية السريع، يثير وجل سليمان بابان وخوفه، فلجأ إلى الإيرانيين، على عادة البابانيين، وتعاون معهم على إرسال حملة عسكرية مشتركة، ضد مير كور، مما حدا أمير رواندوز على طلب النجدة من والي بغداد العثماني، فاستجيب طلبه، في الحال، مما اضطر الإيرانيين والبابانيين إلى أن إيقاف القتال.
ولم يلبث مير كور أن تعرض للخطر، من جانب العثمانيين، عندما قرروا القضاء على الإمارات الكردية، في أواخر القرن التاسع عشر. وبدأوا بانتزاع منطقة الشيخان، اليزيدية، من حكمه، ثم ثبتوا سلطانهم المباشر على نصيبين وماردين. وعلى الرغم من محاولة الإيرانيين دفع مير كور إلى إعلان الولاء لشاه إيران، إلا إنه لم يستجِب لهم، لاعتقاده أن في ذلك خيانة للمذهب السُّني، ولخليفة المسلمين.
وكان موقف مير كور يتدهور بسرعة، فسقطت ألتون كوبري وأربيل وحرير وكوي سنجق، في يد القوات العثمانية، بقيادة والي بغداد. وتقدمت القوات العثمانية في اتجاه رواندوز، وتخلى أعوان مير كور عنه، عندما صدر مرسوم (فرمان) سلطاني بعزله.
وأدرك أن الأمور تتطور، بسرعة، ضده، فاستسلم، ونقل إلى استانبول، ثم قتل، عام 1838.
وعيَّن والي بغداد شقيق مير كور، المدعو "رسول"، حاكماً على رواندوز.
وعندما حاول استعادة الحكم الذاتي الذي كان يتمتع به أخوه، تصدى له والي بغداد، بحملة عسكرية، فر على أثرها إلى إيران، عام 1846. وكان رسول هذا آخر حكام رواندوز، من الأمراء السورانيين.
وقد مهد سقوط الإمارة السورانية لسقوط إمارات كردية صغيرة، مثل الإمارة البهدينانية في العمادية، والإمارة البوتانية في جزيرة ابن عمر، ونور الله في حكاري.
ح. الإمارة البهدينانية
نشأت هذه الإمارة في مدينة العمادية، الواقعة على قمة جبل مرتفع، وسط سهل فسيح، مما جعلها قلعة حصينة، منيعة.
حكمتها أسرة بهدينان، التي حظيت بتقدير السلطان العثماني، سليمان القانوني، فمنح حاكمها، حسن باشا، ولاية الموصل، عام 1600.
وكثيراً ما اضطر حكام العمادية إلى تبديل ولائهم، بين العثمانيين والإيرانيين.
فخضع الأمير حسن باشا للشاه، تجنباً لسيطرة الأردلانيين، في أواخر القرن السادس عشر.
ولم تسلم هذه الإمارة من الصراع الداخلي بين أبناء الأسرة الحاكمة.
وهو الطابع المميز لتاريخ كردستان كله.
وكان أعظم أمراء العمادية، هو بهرام باشا، الذي حكم مدة طويلة، وتوفي عام 1767.
وخلفه ابنه إسماعيل، واستمر حكمه عشرين سنة.
وبعد موته، عام 1787 شب الصراع بين أعضاء الأُسرة، وانتهى إلى توليِّ مراد بك، مبعوث الأمير الباباني، تنفيذاً لأمر والي بغداد، شؤون الإمارة.
ثم تمكن هذا الوالي من القضاء على إمارة العمادية، عام 1839، التي استمرت تابعة لولاية الموصل، حتى عام 1849، وألحقت، بعدها، بولاية (وان)، ثم أعيدت، ثانية، لتتبع ولاية الموصل، في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي.
ط. إمارة كريم خان زند، في إيران
إثر فترة من الحروب الطاحنة، أنشئت في إيران مملكة كردية مستقلة، هي المملكة الزندية، بقيادة كريم خان زند، في الفترة ما بين 1752 و 1795.
وكان عهد كريم خان (1752م - 1779م) فصلاً مهماً من فصول التاريخ الكردي، إذ أعلن الاستقلال الكردي، وصار حاكماً لإيران كلها، تماماً مثل صلاح الدين الأيوبي، الذي حكم أمماً أخرى.
وكتب القنصل الفرنسي في بغداد، في رسالة بعث بها إلى باريس، عام 1763، يقول: "يبدو أن البلاد قد استعادت عظمتها وازدهارها تحت زعامة كريم خان، ذي التصرفات الحكيمة والنفوذ الشخصي.
فقد حل الأمان والطمأنينة محل الفوضى المريعة والاقتتال المستمر، وقد استؤنفت التجارة، وأخذت القوافل التجارية تذهب إلى إيران وتعود منها، وأن خمسة وعشرين ألفاً من العائلات الإيرانية، التي كانت قد لجأت إلى العراق، أخذت، الآن، تعود لوطنها بالتدريج".
ووصف الرحالة الإنجليزي، مالكولم، القائد كريم خان بقوله: "عاش حياة سعيدة، ثم مات موتة أبٍ، تحفّ به أُسرته".
ي. إمارة بوتان
في عام 1821، تولى الأمير بدرخان إمارة الجزيرة وإقليم بوتان.
وسعى إلى تخليص إمارته، وكردستان، كلها من الحكم التركي، وتوحيد إماراتها.
وعزا الهزائم، اللاحقة بالأكراد، في انتفاضاتهم، إلى سببين:
(1) عدم اتحاد القوى الكردية حول فكرة وطنية واحدة.
(2) عدم وجود معامل للأسلحة والذخيرة، في كردستان.
لذا، بادر الأمير إلى العمل على لمّ الشعب، وتنظيم الصفوف بين القوى المختلفة.
فأرسل إلى زعماء الكرد، المجاورين له، داعياً إياهم إلى الإتحاد، والعمل على إنقاذ كردستان.
وبعث المبعوثين، لبث الدعوة إلى فكرة الوحدة. واستجاب الزعماء الأكراد لدعوته، من كل مناطق كردستان.
هذا في الجانب، السياسي والتنظيمي. أما في الجانب العسكري، فقد أنشأ في مدينة الجزيرة معملاً للأسلحة، وآخر للبارود.
وشرع يرسل الطلاب في بعثات إلى أوروبا، للتخصص بتجهيز الأسلحة والذخائر والمعدات الحربية.
كما أخذ يبني السفن، لتسييرها في بحيرة وان.
ولما امتنع النساطرة المسيحيون، في إمارة بوتان، عن دفع الضرائب إلى الأمير بدرخان، بعث عليهم قوة عسكرية تؤدبهم. مما أثار هذا حفيظة الدول الأوروبية، خاصة بريطانيا وفرنسا، فاحتجت لدى الباب العالي، في استانبول، الذي أرسل، بدوره، مندوبين، لِثَنْيه بالوسائل السياسية، عمّا عزم عليه من توحيد كردستان.
ولكن ذلك لم يجد نفعاً، فأوعز الباب العالي إلى المشير حافظ باشا، أن يرسل مندوباً من عنده، يجيد اللغة الكردية، إلى الأمير، يستوضحه نياته نحو الخليفة العثماني، ويدعوه، باسم الخليفة، إلى القدوم إلى إستانبول.
ولما رفض الأمير بدرخان استجابة الدعوة، بعثت الدولة العثمانية عليه قوة عسكرية كبيرة، تمكن من القضاء عليها.
وقطع علاقته بالدولة العثمانية، وأعلن استقلاله، وسك نقوداً باسمه، عام 1258هـ، كتب على أحد وجهَيها: "أمير بوتان بدرخان"، وعلى الآخر: "سنة 1258هـ".
وسيّر الباب العالي حملة أخرى، تحت قيادة عثمان باشا، ووقعت معركة قرب أورمية، بين الجيش العثماني وجيش الأمير بدرخان.
وبعد انضمام قائد ميسرة الجيش الكردي، عزالدين شير، إلى العثمانيين، تمكنوا من احتلال الجزيرة، وهي مقر الإمارة.
ثم حوصر الأمير في قلعة "أروخ"، ثمانية أشهر، وبعد أن نفدت مؤنه، استسلم للقوات العثمانية، فقضي على حركته.
في سنة 1877، وقعت الحرب الروسية ـ العثمانية، فجند العثمانيون كثيراً من المتطوعين الأكراد، وأُسندت قيادة قسم كبير منهم إلى أولاد الأمير بدرخان. ومنهم حسين كنعان باشا وعثمان باشا.
فانتهز هذان القائدان الفرصة، واتفقا مع الضباط على التوجه نحو كردستان، لتحقيق ما فشل فيه والدهما من استقلال كردستان.
فسافر الأميران الكرديان، سراً، إلى الجزيرة، عام 1879، واستوليا على مقاليد الأمور فيها، وأعلنا استقلال إمارة بوتان، التي امتدت إلى جولمريك وزاخو والعمادية ونصيبين، في بعض الأحيان.
وأُعلن أكبرهما، عثمان باشا، أميراً وذُكر اسمه في خطب الجمعة.
وتغلبا على الحملات العسكرية العثمانية الموجَّهة ضدهما.
فعمد الباب العالي إلى سياسة المهادنة، إذ أمر السلطان عبد الحميد بإطلاق كل المعتقلين من عائلة بدرخان، وبعث إلى الأميرَين يدعوهما إلى حقن دماء المسلمين، واستعداده لاستجابة مطالبهم، بالوسائل السلمية.
وتظاهر العثمانيون بمنح كردستان امتيازات خاصة، في الإدارة الداخلية.
فدخل الأميران في مفاوضات مع السلطات العثمانية، في شأن الصلح، وتحقيق مطالب الكرد.
وأحيطا بمظاهر الحفاوة، في خلال الاجتماعات.
وصدرت تصريحات من المفاوضين العثمانيين، حول مطالب الأكراد وتحقيقها، في الجزيرة وفي كردستان كلها.
وحيال ذلك اطمأن الأميران الكرديان، وأخذا يخففان من عدد الحراس، المرافقين لهما، عند حضور الاجتماعات.
وذات يوم، أطبقت القوات العثمانية على الأميرَين وحرسهما.
وأرسلت الأميرَين إلى استانبول، حيث أودعا السجن فترة من الزمن، ثم أُطلقا وفرضت عليهما الإقامة الجبرية بالآستانة.
وفي عام 1889، غادر كل من أمين عالي بك ومدحت بك، من أولاد الأمير بدرخان، الآستانة، سراً، ووصلا إلى طرابزون، حيث شرعا يتصلان مع رجال كردستان، بوساطة رجل، يدعى مصطفى نوري أفندي الشاملي.
وجرى الاتفاق على أن تحتشد قوة مسلحة كبيرة، بقيادة بعض رؤساء الأكراد، في جويزلك، في منتصف الطريق بين أرضروم وطرابزون، وتكون في انتظار الأميرَين. وفعلاً، وصلت القوة الكردية إلى المكان المذكور، وسافر الأميران، سراً، من طرابزون، غير أن مصطفى نوري أفندي الشاملي، الذي كان الوسيط بين الأميرَين والقوات الكردية، أبلغ الأمر إلى الديوان السلطاني، الذي لم يتوانَ في إرسال قوات عسكرية، من أرضروم وأرزنجان إلى الجهات والطرق، التي يتوقع مرور الأميرَين منها.
ووجد الأميران نفسيهما، مع القوة الكردية، على غرة، بين قوّتَين عثمانيتَين في جنوب مدينة أبيورت، وعلما أنهما وقعا في كمين.
فجرت معركة، انجلت عن هزيمة الأكراد وهروبهم إلى جبال أرغني ومعدن واعتصموا بها.
وبعد قتال، استمر فترة من الوقت، ومع وصول إمدادات عثمانية، استسلم الأميران الكرديان.
يتبع إن شاء الله.
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الأكراد والمشكلة الكردية الخميس 14 فبراير 2013, 12:32 am | |
| 3. أهم الثورات الكردية في العصر العثماني
شهدت منطقة كردستان، في العهد العثماني، العديد من الانتفاضات والثورات المحلية، الناجمة، في الغالب، عن إلغاء الامتيازات والإقطاعيات الممنوحة للأغا أو الإقطاعيين الأكراد. أو هي نشبت لرفع الظلم والجور، الحاصلين من القوات العثمانية، ومن جمع الضرائب والتكاليف الباهظة، التي أثقلت كاهل الشعب الكردي. أو هي اندلعت، طلباً للاستقلال. وتعاقبت الثورات، طوال القرن التاسع عشر الميلادي. ومنها:
أ. كانت أعظم انتفاضات هذه الفترة، تلك التي اندلعت أثناء الحرب الروسية ـ العثمانية، في القرم (1853 ـ 1856) تحت قيادة يزدان شير، في منطقتَي حكاري وبوتان. بعَيد اندلاعها، استطاعت تحرير كل المنطقة، الممتدة بين بحيرة وان وبغداد. ومن أبرز خصائص تلك الانتفاضة، أنها لقيت تأييداً واسعاً من فئات الشعب، على نقيض ما حدث في الانتفاضة، التي قادها بدرخان. وقدم السكان المسيحيون العون إليها، بل أسهموا في القتال. وما أن حل يناير 1855، حتى بلغ تعداد قوات يزدان شير ثلاثين ألفاً، ثم ارتفع، في فبراير، إلى ستين ألفاً، ثم بلغ مائة ألف، من بينهم يونانيون وعرب.
وحاول القائد الكردي، أن يتعاون مع الجيش الروسي على محاربة العثمانيين، إلا إنه لم يفلح.
ودامت الانتفاضة عامين. ثم أرسلت بريطانيا قواتها، لمعاونة العثمانيين، من طريق مبعوثها، نمرود، ونجحت في إقناع يزدان شير بالصلح مع السلطان، فركن إلى الوعود، التي قطعت له، وسافر إلى القسطنطينية، وبسفره انتهت الانتفاضة. إلا أنها تركت آثاراً عميقة في المراحل التالية لنضال الأكراد. وما فتيء اسم يزدان شير، يُرَدَّد، بالتمجيد، في الفلكلور الكردي، حتى اليوم.
ب. في عام 1834، ثار أمير بدليس الشهير، شريف خان، ضد العثمانيين، حينما أرادوا إلغاء امتيازات إمارته، وكان مصير هذه الثورة الفشل.
ج. وثار في كردستان الشيخ عبيدالله (النهري) النقشبندي، من شمدينان، عام 1880، أثناء انشغال الدولة العثمانية بحربها مع روسيا. وكان الشيخ يهدف إلى تشكيل دولة كردية مستقلة، تشمل الجزء الجنوبي من ولاية وان، والجزء الشمالي من ولاية الموصل، على أن تكون تحت الإدارة العثمانية. وكان له نفوذ ديني واسع على مريديه وأتباعه، فأوقد فيهم الحماس، حتى اندفعوا إلى بلاد أورمية، حيث ارتكبوا مذابح ضد الشيعة.
وقد أفلح عبيدالله في بسط نفوذه على منطقة واسعة، بين بحيرة أورمية وبحيرة وان. واتخذ إصلاحات من شأنها القضاء على السلب والنهب، وتشجيع الزراعة والأعمال البناءة، واتَّبع سياسة ودية تجاه الأرمن والنساطرة.
وفي عام 1883، بعثت عليه الحكومة العثمانية حملة عسكرية، بالتعاون مع القوات الإيرانية، اضطرته إلى التسليم. ثم نُفي إلى الحجاز، ومكث في مكة حتى توفي فيها.
د. في أواخر القرن الثامن عشر بادر زعيم الملليين، وهم قبيلة خليط من التركمان والأكراد، تقطن في ما بين ماردين وديار بكر، تيمور باشا، إلى جمع العُصاة وقُطاع الطرق حوله، وهدد وُلاة ديار بكر، وأخل بالأمن. فجهزت الدولة العثمانية حملة عسكرية، قوامها ثلاثون ألف فارس، اتجهت إلى ماردين، حيث قضت عليه، وفرقت شمل عصابته، عام 1791. إلا أن حفيد تيمور باشا، تيماوي بك، ثبت لضربات الصدر الأعظم، رشيد باشا، الذي وجّه إليه حملات عسكرية، للقضاء على الإمارات الكردية. وخلفه ابنه محمود، الذي احتفظ بنفوذه بين قبائل الملليين، في ديار بكر. وترك لخلفه، ابنه إبراهيم باشا، اتحاداً قبائلياً قوياً، في أيام السلطان عبد الحميد.
ومع إعلان الدستور العثماني، وإطاحة السلطان عبدالحميد، عام 1908، لجأ إبراهيم باشا التيماوي، متزعماً قبيلة المللية، إلى أعمال العصيان، في تلك المنطقة. وجمع المغامرين، الذين التفوا حوله، فبسط نفوذه على المنطقة، حتى لقب بملك كردستان غير المتوج، مما اضطر الحكومة العثمانية إلى توجيه حملة تأديبية ضده، فقبضت عليه، ونفته إلى سيواس. وبعد فترة وجيزة، استطاع الهرب، والعودة إلى موطن قبيلته، في "يران شهر". وانتهز فرصة إعادة تكوين الحكومة العثمانية التشكيلات العسكرية الحميدية، فانخرط مع أتباعه فيها، وحصل على رتبة "مير ميران"، رئيس الرؤساء، مما هيأ له بسط نفوذه في الجزيرة وديار بكر، وأخضع القبائل الكردية المجاورة، وسيطر على المنطقة الممتدة بين ماردين والرها وأورفا وقراجه داغ. وبعثت عليه الدولة العثمانية حملة كبيرة، بعد عام 1908، وقبضت عليه وأعدمته.
هـ. وفي عام 1913، ثار الأكراد في ولاية بدليس، بقيادة الملا سليم، وشهاب الدين، وعلي، وانتهت ثورتهم بالفشل. ولجأ الملا سليم إلى القنصلية الروسية، في بدليس، حيث بقي مختبأ، إلى أن أعلنت الدولة العثمانية الحرب على روسيا، في الحرب العالمية الأولى، 1914. فاقتحم الجنود العثمانيون القنصلية، وقبضوا على الملا سليم، وشنقوه في أحد شوارع بدليس.
ومن جهة أخرى، عمدت الحكومة التركية، بحجة التراجع أمام القوات الروسية الزاحفة، إلى ترحيل سبعمائة ألف كردي من مواطنهم. وقد هلك كثير من هؤلاء قبل أن تنتهي فترة الإخلاء الإجباري هذه. وفي غمار الحرب العالمية الأولى، دمِّر العديد من القرى الكردية، وهلك العديد من قطعان ماشية الأكراد. وقتل آلاف من السكان المسالمين على يد القوات العثمانية، لا في كردستان تركيا فحسب، بل في كردستان إيران، كذلك.
4. سبب فشل الثورات الكردية
حملت الثورات الكردية عناصر فشلها، لأنها لم تكن مستندة إلى إيمان منبثق من تبلور الوعي، الثقافي والسياسي، بين الأكراد، كما كان ينقصها التعاون. وقد كان أغلب قادة تلك الثورات من زعماء القبائل. وكانت قبائلهم تأتمر بأوامرهم. وكان التعاون بين رؤساء القبائل ضعيفاً بل منعدماً. ومعظمهم كانوا يتمسكون بمصالحهم الذاتية، نتيجة سيادة النظام الإقطاعي. لذلك، كان كل زعيم كردي، يهتم بمصالحه الخاصة، غير معني بدعوات الزعماء الوطنيين. وآية ذلك، أن أغلب تلك الثورات، قد أخمدت بمعاونة رؤساء أكراد، مناوئين للزعماء الثائرين، بدوافع شخصية، أو بوحي من الحكومة العثمانية.
5. الألوية الحميدية الكردية
عقب الانتفاضات، التي جرت في أواخر القرن التاسع عشر، أخذ الباب العالي ينتهج سياسة أكثر مرونة، تجاه الأكراد. فأسست الدولة العثمانية، عام 1892، مدارس للقبائل، عرفت باسم "عشيرت مكتبلري"، ضمت إليها أبناء القبائل، العربية والكردية، وأبناء الأعيان، بهدف ربط هذا الجيل من الشباب، واستطراداً قبائلهم، بالدولة، وتنشئته على الولاء لها. وفي عام 1885، أنشأ السلطان عبدالحميد (1878 ـ 1908) كتائب محاربة، من أبناء العشائر الكردية، أطلق عليها اسم ألوية الخيالة الحميدية "حميدية آلاي لري"، ليستخدمها في حروب الدولة العثمانية مع الروس. وأنيطت بهذا الجيش الكردي، غير النظامي، مسؤولية توطيد النظام، وتقوية نفوذ الحكومة في كردستان. وفي الوقت نفسه، كانت تلك الألوية عاملاً مهماً في المحافظة على امتيازات الزعماء الأكراد، وسلطان رؤساء العشائر الكردية.
اضطلعت هذه التشكيلات بدورٍ مهمٍ في حماية الحدود العثمانية، مع روسيا وإيران، وشاركت في المعارك التركية ضد روسيا القيصرية. كما تورطت في الحوادث الدامية، الناجمة عن ثورة الأرمن، عامَي 1894 و 1895، حين ساعدت التشكيلات الكردية الدولة العثمانية على ارتكاب مذابح جماعية ضد الأرمن، في منطقتَي صاصون وحكاري، وتدمير قراهم ومدنهم.
ولكن العثمانيين لم يثقوا كثيراً بتلك الكتائب. فقد نص نظام الكتائب الحميدية، الصادر عام 1895، على منع أفرادها من ارتداء البزات العسكرية، وحمل السلاح، خارج فترات التدريب. ويمكن استدعاؤهم، خارج فترات التدريب، كذلك، إلى المحاكم الاعتيادية.
وبعد إعلان الدستور العثماني،عام 1908، أعيد تنظيم التشكيلات العسكرية الكردية، فاندمجت في أربع فِرق ولواء واحد، وكلها من قوات الخيالة الخفيفة. ثم ألغيت، بعد سنة من إعلان الحرب العالمية الأولى.
ثانياً: الحركة الوطنية الكردية، في النصف الأول من القرن العشرين
1. الوعي السياسي
بدأت الحركة الوطنية الكردية، في المجال السياسي، في عاصمة الدولة العثمانية، إستانبول، بعد خلع السلطان عبد الحميد الثاني، وصدور الدستور العثماني، وتولّي حزب الاتحاد والترقي أمور الحكم، في 23 يوليه 1908.
وعلى غرار النشاط القومي للمثقفين والضباط العرب في الآستانة، لإحياء القومية العربية، والمطالبة بالحكم الذاتي، كردّ فعل على الاتجاهات القومية التركية، ونتيجة للاتجاهات القومية، التي انتشرت بين الشعوب، في القرن التاسع عشر الميلادي - بادر عدد من النواب الأكراد في مجلس المبعوثان، إلى المطالبة بحق الأكراد في الحرية والإخاء والمساواة. وظهرت جمعيات كردية ثقافية، عام 1908، وصدرت صحف كردية، لتنمية الوعي بين الأكراد، وتعريف العالم بالقضية الكردية.
وكانت التنظيمات السياسية الكردية الأولى، تقف موقفاً إيجابياً من حكومة الاتحاد والترقي. فسمحت لها بالنشاط الثقافي، على أنها فروع لحزب تركيا الفتاة.
وقبْل ذلك، أصدر الأمير مدحت بدرخان جريدة كردية، عام 1315هـ/1898م، باسم "كردستان"، لتعريف الأمم والدول بالقضية، وتنمية وعي الأكراد أنفسهم بقضيتهم. وصارت هذه الجريدة لسان حال المثقفين الأكراد. وعلى أثر مرض صاحبها، ورئيس تحريرها، واصل شقيقه، عبدالرحمن بدرخان، إصدارها من القاهرة، ثم من جنيف، ثم من فولكستون . وبعد إعلان الدستور العثماني، عام 1908، عادت الجريدة الكردية إلى الصدور من استانبول، برئاسة الأمير ثريا بدرخان، ثم صدرت من القاهرة، في أثناء الحرب العالمية الأولى.
تأسست أول جمعية سياسية كردية، في الآستانة، عام 1908، تحت اسم "كردستان تعالي جمعيتي"، أي جمعية تقدم كردستان، على يد مجموعة من الأكراد البارزين، مثل: الأمير أمين عالي بدرخان، والفريق شريف باشا، والسيد عبد القادر (الذي شنقه الكماليون، فيما بعد، في ديار بكر)، والداماد (الصهر) أحمد ذو الكفل باشا. وأصدروا، كذلك، جريدة "الترقي والمساعدة الكردية المتبادلة".
وفي الوقت عينه، تأسست جمعية أدبية، فكرية، كردية، في الآستانة، باسم "جمعية نشر المعارف الكردية". ووفقت، عام 1910، في فتح مدرسة كردية، في إستانبول، من أجل تعليم أبناء الأكراد في الآستانة.
وتأسست جمعية "كرد تعاون وترقي جمعيتي"، أي جمعية التعاون والتقدم الكردية، عام 1908.
أقفلت هذه الجمعيات، والمدرسة الكردية، من قِبل حكومة الاتحاد والترقي، عام 1909، بعد إمعان الحكومة في سياسة تتريك شعوب الدولة العثمانية. فاضطرت جمعية تقدم كردستان إلى ممارسة نشاطها خفية.
وفي عام 1910، تأسست جمعية للطلبة الأكراد، في الآستانة، باسم " كرد هيوي طلبه جمعيتي"، أي جمعية الأمل للطلبة الأكراد، على يد عمر جميل أفندي وقدري جميل باشا، من أعيان ديار بكر، وفؤاد تمو بك الوانلي، ومحمود سليم، وزكي بك، من طلبة مدرسة الزراعة في إستانبول، وذلك بإيعاز من خليل خيالي الموطكي (موتكي) وتشجيعه. وأصدرت الجمعية عام 1913، جريدة "روزا كورد"، أي يوم الكرد، ناطقة باسمها. وتغير اسمها، بعد العدد الرابع، إلى "هه تاوي كورد"، أي شمس أو يوم الكرد. وواصلت هذه الجمعية نشاطها، حتى دخول إستانبول الحرب العالمية الأولى، فتعطلت أعمالها، بسبب سفر جميع أعضائها إلى ميادين الحرب.
بعد انتهاء الحرب عام 1918، عاودت جمعية "هيفي" أو "هيوي" نشاطها، حتى دخول مصطفى كمال أتاتورك إستانبول، عام 1922.
في الوقت عينه، كان يصدر عدد من مثقفي الأكراد، في الآستانة، جريدة كردية، باسم "زين"، أي الحياة.
وكانت قد تشكلت بعد الهدنة، عام 1918، في إستانبول، جمعية سياسية، باسم "جمعية استقلال الكرد". وضمت بين أعضائها جميع الأمراء والزعماء الأكراد. ثم انشق عنها بعض الأمراء، وأسسوا جمعية أخرى، باسم "كردستان اجتماعي تشكيلاتي جمعيتي"، أي جمعية التشكيلات الاجتماعية لكردستان. وتأسست جمعية أخرى، باسم "جمعية الشعب الكردي"، ومركزها القاهرة.
وأعاد نخبة من رجالات الأكراد، في الآستانة، تشكيل "جمعية تقدم كردستان"، عام 1918، وافتتحوا نوادي كردية، في عدد من مدن شرقي تركيا، مثل موش وبيتليس.
وواصل كثير من هذه الجمعيات نشاطها، في الآستانة، وعبْر فروعها في كردستان، حتى دخلت الحكومة التركية، بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، إستانبول، فانتقلت إلى بلاد أخرى، حيث واصلت نشاطها.
واقتصرت مطالب تلك الجمعيات والمنظمات على الحكم الذاتي لكردستان، وتقليص الضرائب المجباة، ونشوء إدارات محلية، وبناء مدارس، تدرَّس فيها اللغة الكردية، وأن يكون جميع الموظفين والضباط، العاملين في كردستان، من الأكراد.
ولم يكن لهذه الجمعيات أي تأثير في كردستان، الغارقة في الجهل، والبعيدة عن مراكز النشاط السياسي.
وأدى نشوب الحرب العالمية الأولى، عام 1914، إلى توقف كل هذه الأنشطة. وعندما أعلنت الدولة العثمانية الجهاد المقدس، أسهم فيه الأكراد بكل قواهم، من رجال وأموال. وتكبدوا خسائر كبيرة على يد القوات الأرمنية، التي انضوت تحت لواء الجيش الروسي، وانتقمت من الأكراد، في منطقة "بايزيد" و"الشكرد" و"وان"، وثأرت بما لحق بالأرمن، من قبْل، على يد الأكراد.
ورفض قادة جمعية تقدم كردستان أي أعمال ضد الأتراك، عندما طالب الشباب الكردي، من أعضاء الجمعية 1919م، باتخاذ قرار، حول إعلان استقلال كردستان، وطرد جميع القوات الأجنبية منها، بما فيها التركية ووقف سيد عبدالقادر ضد هذا الاقتراح، لأنه لا يليق بالحركة الكردية، في رأيه، الوقوف ضد الأتراك، في مثل هذا الظرف العصيب.
2. تقرير مصير الأكراد، في معاهدة سيفر (Sevres)، عام 1920 (أُنظر ملحق نصوص المواد الثلاث المتعلقة بالأكراد في معاهدة سيفر (Sèvres)، في 10 أغسطس 1920)
عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، بانتصار الحلفاء، وهزيمة الدولة العثمانية، شعر فريق من الزعماء الأكراد بأن الحلفاء المنتصرين، يبيِّتون للأكراد سوءاً، إذ عزموا على إنشاء دولة أرمنية، تمتد حدودها من ساحل بحر قزوين حتى ساحل البحر الأسود، وتنحدر، غرباً، إلى البحر المتوسط، فتشمل ولايات: طرابزون وأرضروم ووان وبيتليس وديار بكر، وهي المناطق، التي يؤلف الأكراد أغلب سكانها.
ولذلك، نشط الحزب الوطني الكردي، في إستانبول، الذي يرأسه الأمير عبدالقادر شمدينان، مع أبناء بدرخان بجهود جبارة، لإقناع الحلفاء بتوحيد المناطق الكردية، ومنحها حكماً ذاتياً.
كما أخذ الجنرال شريف باشا السليماني، المقيم في باريس، على عاتقه تمثيل الجماعات السياسية الكردية، في مؤتمر الصلح، في باريس، في 22 مارس 1919، وفي أول مارس 1920. وقدم مذكرتَين إلى ذلك المؤتمر، ضمّنهما مطالب الأكراد، وحقهم في استقلال بلادهم ووحدتها السياسية، وأرفق بهما خريطة لكردستان كلها.
وكان شريف باشا، قد توصل إلى اتفاق مع رئيس الوفد الأرمني، بوغوص بوبار باشا، ينص على أن تكون البلاد الكردية مستقلة عن الدولة الأرمنية، المزمع إنشاؤها. ونتيجة لهذا الاتفاق، تقدَّما إلى مؤتمر الصلح، ببيان مشترك، يحددان فيه حقوق أمَّتَيهما. وقد وافق المؤتمر، مبدئياً، على هذا البيان.
وفرض ممثلو الحلفاء على الحكومة العثمانية المنهزمة معاهدة سيفر (Sèvres)، في 10 أغسطس 1920. وكان من مقتضاها تأليف حكومة أرمنية في ولايات طرابزون وأرضروم ووان وبيتليس (بدليس) (المواد 8- 93). وأشارت إلى إنشاء نوع من الحكم الذاتي للأكراد، القاطنين في منطقة، تصوروا حدودها في شرق الفرات وجنوبي بلاد أرمينيا، تحدها تركيا وسورية والعراق.
وشُرط الحكم الذاتي، باستفتاء أهالي المنطقة الكردية، المشار إليها. في ما إذا كانوا يريدون الانفصال عن الأتراك أم لا؟ ثم تُعرض نتيجة الاستفتاء على مجلس عصبة الأمم، لمناقشتها، وإصدار قراره في ضوئها، ذلك، حول الاستقلال الكردي. فإذا قررت عصبة الأمم جدارة الأكراد بالاستقلال، يبلغ القرار إلى الحكومة التركية، التي عليها أن تذعن له. فإذا بلغ الأمر إلى هذا الحدّ، لا يمانع الحلفاء، حينئذٍ، في انضمام أكراد الموصل إلى أكراد هذه الحكومة المستقلة استقلالاً ذاتياً.
على أن معاهدة سيفر، ولدت ميتة، فلم يكتب لها التنفيذ، إذ مزقتها انتصارات تركيا الحديثة، بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، الذي دحر اليونانيين، وحرر الأناضول، وتفاهم مع الفرنسيين والإيطاليين. ثم عقد معاهدة لوزان، في 24 يوليه 1923، التي قضت على كل أمل في أن يكون للأكراد دولة مستقلة، أو اعتراف دولي.
وقد انتهى موضوع الأكراد إلى استبدال نصوص حول وجوب احترام الحقوق، الثقافية والدينية، للأقليات، بحقوقهم القومية والحكم الذاتي. وهكذا، خرج الأكراد من الحرب العالمية الأولى، وهم موزعون بين أربع دول: تركيا والعراق وإيران وسورية، إلى جانب أقليات كبيرة في جمهورية أرمينيا، التي كانت تابعة للاتحاد السوفيتي.
**************************
المبحث الثالث
الأكراد في العراق حتى حكم الأخوين عارف
أولاً: دولة العراق الجديدة، وقضية الموصل
احتل الإنجليز العراق، عام 1917، بعد طرد القوات العثمانية منه، ووضع تحت الانتداب الإنجليزي، في 3 مارس 1920. وأقر مؤتمر القاهرة، الذي أنهى جلساته في 9 أبريل 1921، المشروع الجديد لإنشاء دولة عربية في العراق، برئاسة الشريف فيصل بن الحسين. ونودي بالشريف فيصل ملكاً على العراق في 11 يوليه 1921م، وتوِّج على عرش العراق، في 23 أغسطس 1921.
وفي نهاية الحرب العالمية الأولى، كانت القوات التركية لا تزال محتفظة بمنطقتَي الموصل والسليمانية. بينما ترابط القوات البريطانية في جنوب الموصل. وعلى أثر توقيع معاهدة الهدنة، في مندروس، أو مودروس (Mondros, Moudros)، بين الحلفاء والدولة العثمانية المنهزمة، في أول نوفمبر 1918. انسحب القائد التركي بقواته من الموصل، إلى داخل الأراضي التركية، بموجب نصوص المعاهدة المذكورة.
وكانت بريطانيا وتركيا تعلمان أهمية الموصل النفطية. وحاول الأتراك الاحتفاظ بها، وضمها إلى تركيا الحديثة. فأقر المجلس الوطني التركي، في "الميثاق الوطني"، في 13 سبتمبر 1919، في مادته الأولى، ما يلي:
"إذا اقتضت الضرورة، يقرر مصير أجزاء الإمبراطورية العثمانية، التي كانت تسكنها أكثرية عربية، والتي كانت، حين عقد الهدنة في 20 أكتوبر 1918، تحت احتلال القوات المعادية، وفقاً لتصويت سكانها الحر.
أما تلك الأجزاء (سواء كانت داخل خط الهدنة المذكورة، أو خارجه)، التي تسكنها أكثرية عثمانية مسلمة، متحدة في الدين والجنس والهدف، ومشربة بعواطف الاحترام المتبادل، وبالتضحية، وتحترم احتراماً كلياً متبادلاً الحقوق، القومية والاجتماعية، والظروف المحيطة بها، فتؤلف جزءاً من الوطن، لا ينفصل عنه لأي سبب، منطقي أو قانوني".
وبعد انتصار الأتراك على اليونانيين، وطردهم من غربي الأناضول وإزمير، أعلن مصطفى كمال، فيما يتعلق بمشكلة الموصل، أن الميثاق الوطني هو الحد الأدنى لحقوق تركيا. وأعلن عصمت إينونو، رئيس الوفد التركي إلى مؤتمر لوزان، عام 1923، بإصرار، أن سكان الموصل، هم من الترك المسلمين، بدليل أنهم انتخبوا عنهم نواباً في المجلس الوطني الكبير. وعقدت معاهدة لوزان، التي عالجت كافة الأمور بين تركيا والحلفاء، ورسمت الحدود التركية مع جيرانها (بلغاريا واليونان وسورية وروسيا وأرمينيا). إلا أنها أبقت الحدود التركية، الجنوبية والجنوبية الشرقية، من دون تسوية. فقد نصت المادة الثالثة على ما يلي: "ستتم تسوية الحدود الفاصلة بين تركيا والعراق، بطريقة دولية، بين الحكومتَين البريطانية والتركية، في غضون تسعة أشهر. وإن لم تتوصل الحكومتان إلى اتفاق، خلال المدة المعينة، تحال القضية إلى مجلس عصبة الأمم".
وعقد مؤتمر، في إستانبول، لبحث مشكلة الموصل، في 19 مايو 1924. وأعلن رئيس الوفد التركي، قائلاً: إن الترك والأكراد أبناء وطن واحد. وإنه من المستحيل اقتطاعهم من وطنهم، من أجل بضعة آلاف من الأشوريين. وكرر الحجة التركية القائلة إن الأكراد في ولاية الموصل، قد "انتخبوا عنهم نواباً في المجلس الوطني الكبير".
ولم ينجح مؤتمر استانبول، فعاد الطرفان، التركي والبريطاني، إلى مجلس عصبة الأمم. وحاول الأتراك، عام 1924، الاستيلاء على الموصل، بالقوة، ولكنهم انسحبوا منها، في العام نفسه.
وأُحيلت مسألة الحدود إلى مجلس عصبة الأمم، فقرر، في 30 سبتمبر 1924، تشكيل لجنة دولية، من ثلاثة أعضاء، للتحقيق في مشكلة الموصل، وتقديم تقريرها حول الحدود. وكان أعضاء اللجنة، هم: الكولونيل البلجيكي باوليس، والكونت تيكيلي، وهو رئيس وزراء المجر السابق، وفيرسن، الوزير السويدي المفوض، الذي تولى رئاسة اللجنة. وقد قررت اللجنة إجراء بالتحريات في المنطقة، فوصلت إلى الموصل، في يناير 1925.
وقدمت اللجنة تقريرها إلى مجلس عصبة الأمم. واقترحت تركيا إجراء استفتاء، يبيّن إرادة السكان. غير أن بريطانيا، عارضت الاقتراح، لأن الأمر يتعلق بخط الحدود، وليس بمنطقة من المناطق. وتقدم الجانبان بأرقام مختلفة عن القوميات القاطنة في الموصل.
وقد عَدَّ الإنجليز الأكراد آريين، لا تربطهم بالأتراك رابطة. أما الأتراك، فأعلنوا أنه لا يوجد فرق بين الأكراد والأتراك، وأن الأمّتَين، قد عاشتا، بود، جنباً إلى جنب، طيلة قرون عديدة.
وتوصلت اللجنة إلى استنتاجات تختلف عن ذلك كلياً "ليس الأكراد عرباً، ولا ترْكاً، ولا فرْساً. إلا أنهم قريبون من الفرْس أكثر من الآخرين. وهم يختلفون، ويجب تمييزهم عن الأتراك. وهم بعيدون عن العرب، ويختلفون عنهم أكثر".
ثم يمضي التقرير، قائلاً: "وفي حالة اعتماد النواحي العنصرية، وحدها، أساساً للاستنتاج، فإنها تقودنا إلى القول بوجوب إنشاء دولة كردية مستقلة. فالأكراد يشكلون خمسة أثمان السكان. وإذا صار الاتجاه إلى هذا الحل، فإن اليزيديين، وهم عنصر مشابه للأكراد، يجب أن يدخلوا ضمن عددهم، فتكون نسبة الأكراد، حينذاك، سبعة أثمان السكان".
وهذا يعني أن الوثائق الرسمية لعصبة الأمم، تعترف بوجود الأكراد كأمة مستقلة، وكذلك، بحقهم في إنشاء دولة كردية مستقلة. قرر مجلس عصبة الأمم، في 16 ديسمبر 1925، ضم الموصل إلى الأراضي العراقية.
ولقد قبِلت تركيا، آخر الأمر، بخط بروكسل، الذي عَّين حدودها الجنوبية، بموجب القرار، الصادر عن لجنة عصبة الأمم، في بروكسل، عام 1924.
وبذلك فصلت كردستان العراق عن كردستان تركيا. ودخل جزء من أراضي كردستان ضمن حدود الدولة العراقية.
وفي 13 يناير 1926، أبرمت الحكومتان، العراقية والتركية المعاهدة التي نظمت الحدود بينهما. وجاء في المادة 12 من المعاهدة المذكورة ما يلي:
"على السلطات التركية، والسلطات العراقية، الامتناع عن كل مخابرة ذات صبغة رسمية، أو سياسية، مع رؤساء العشائر أو شيوخها، أو غيرهم من أفرادها، من رعايا الدولة الأخرى، الموجودين، فعلاً، في أراضيهما، وعليها ألاّ تجيز، في منطقة الحدود، تشكيلات للدعاية، ولا اجتماعات، موجّهة ضد أي من الدولتَين".
وما أن حصلت بريطانيا على امتيازاتها النفطية، حتى فقدت كل اهتمام بإنشاء دولة كردية. ولم يكن في نية البريطانيين حسم القضية الكردية، بل أرادوا إبقاءها ورقة ضغط في أيديهم، للضغط على الحكومة العراقية الجديدة. فتعبّر بريطانيا عن موافقتها على استقلال الأكراد، في "حالة جريان الأمور في العراق مجرى، لم تستشر في شأنه، وتوافق عليه".
وفي يونيه 1930، انتهى الانتداب البريطاني على العراق، وأصبح دولة مستقلة.
ثانياً: الثورات الكردية في العراق
حدثت عدة ثورات كردية، ضد الدولة العراقية الناشئة. وكانت أسبابها مزيجاً من الشعور الوطني والشكاوى المحلية، وتسببها حكومات موجَّهة توجيهاً خاطئاً، لا تأبه بالاستجابة لمطالب الأكراد القومية.
وتلاشت مطالبهم بمرور الزمن حتى اقتصرت على استخدام اللغة الكردية، في المدارس والدوائر الحكومية، وهو حق من حقوقهم، التي قررتها عصبة الأمم، واعترفت بها الحكومة العراقية، في حينه.
ومع أن الحكومة العراقية، كانت تؤكد، بين الحين والآخر، التزامها باحترام تلك الحقوق المبدئية، إلا أنها كانت تتهرب، باستمرار، من تطبيقها. وكانت تتهم من يطالب بتطبيقها من الأكراد بالروح الانفصالية.
1. ثورات الشيخ محمود البرزنجي
تولى الشيخ محمود الحفيد البرزنجي، الذي ينتمي إلى أُسرة مشهورة في السليمانية، زعامة أسرته، وأدى دوراً خطيراً في تاريخ العراق، في سنوات الحرب العالمية الأولى وما بعدها (1917 - 1930). وكان للشيخ محمود الحفيد نفوذ ديني واسع بين الأكراد، وله سطوة وجبروت، أشاعا الرعب بين الناس في السليمانية. ساعده العثمانيون بدعم مالي، لإزعاج الإنجليز في الشمال العراقي، عام 1918. وحينما وقعت الدولة العثمانية اتفاقية الهدنة، في (موندروس) سلمته لواء السليمانية. ليحكمه باسمها وبقي الفوج العثماني المرابط هناك، تحت إمرته وفي تصرفه.
ولكن الشيخ البرزنجي، الطامع إلى السلطان والزعامة، تنكر للمعسكر الخاسر، واتجه إلى الإنجليز، وطلب منهم ألاّ يستثنوا كردستان الجنوبية من قائمة الأقوام المحررة. وسلم إليهم لواء السليمانية في نوفمبر 1918، وأسلم إليهم، كذلك، جنود الفوج العثماني وضباطه، أسرى. وكافأه الإنجليز على ذلك، بتعيينه حاكماً (حكمدار) في لواء السليمانية. وعينت إنجلترا الرائد نوئيل (Noel)، والرائد دانليس، مستشارَين له.
واجتمع الحاكم البريطاني في العراق، ولسن (Wilson)، في ديسمبر 1918، بالشيخ محمود، وزعماء القبائل الكردية في لواء السليمانية. ووجد أنهم غير متفقين على نوع الحكم، الذي ينشدونه للمنطقة الكردية: فقد أعرب فريق منهم عن رغبته في حكومة كردية مستقلة. وطالب فريق آخر بإلحاق منطقتهم بالعراق. كما وجد أن بعض الأكراد غير راغبين في حكومة، يرأسها الشيخ محمود الحفيد.
وبقي الشيخ البرزنجي يحكم لواء السليمانية، بوصف-ه ممثلاً لل-حكومة البريطانية. وتوسع نفوذه، وأخذ يتصل بالحركة المناوئة للبريطانيين، في شرناخ. وبدا للإنجليز ضرورة التخلص منه. ففي منتصف مارس 1919، عيِّن الميجور سون حاكماً سياسياً في السليمانية، لتقليص نفوذ الشيخ محمود، وإرجاعه إلى الوضع الذي يتلاءم مع مؤهلاته.
ورداً على ذلك، بادر الشيخ محمود، في 20 مايو 1919، إلى انقلاب في السليمانية، بوساطة فرقة عسكرية كردية، تسمى "الشبانة"، تسانده القبائل الكردية في إيران، مثل الهورامان ومريوان. واعتقل الضباط الإنجليز في بيوتهم، وتولى السلطة المطلقة، وقطع الخطوط السلكية مع كركوك. كما استولى على قافلة، تحمل مالاً وأسلحة، كانت متجهة من كفري إلى السليمانية، واستولى على حلبجة في 26 مايو 1919.
ولكن البريطانيين سيروا إليه حملة عسكرية، في 19 يونيه 1919، وأحاطت بالشيخ وقواته، في دربندِ بازيان قرب السليمانية، وتمكنت من أسره وهو جريح، مع جماعة من أتباعه، وأرسلتهم إلى بغداد. وتقدمت القوة البريطانية حتى دخلت السليمانية، من دون قتال. وحكم على الشيخ البرزنجي بالإعدام، ثم خفِّف الحكم، من قِبل القائد البريطاني، إلى السجن عشر سنوات، والنفي إلى الهند.
من جهة أخرى، بدأ الحاكم البريطاني العام في العراق، ينفّذ لائحة الانتداب البريطاني على العراق، بإيجاد وضع خاص للأكراد، يتيح لهم التطلع إلى حكم ذاتي، قبْل أن يجري استفتاء الشعب العراقي في إقامة حكومة وطنية مركزية، في العراق يرأسها الملك فيصل بن الحسين. فقد نصت المادة السادسة عشرة من اللائحة المذكورة، على أنه "لا يوجد في هذا الانتداب ما يمنع المنتدَب من تأسيس حكومة مستقلة، إدارياً، في المقاطعات الكردية، كما يلوح له".
وحينما نُظم استفتاء للشعب العراقي، عام 1921، في تنصيب الأمير فيصل بن الحسين، ملكاً على العراق، رفض الأكراد، في لواء السليمانية، الاشتراك في الاستفتاء. وأعلن الشيخ قادر، شقيق الشيخ محمود، المنفي، مطالبته بحكم ذاتي مستقل، ورفض فكرة الانضمام إلى العراق.
واستغلت تركيا هذا الوضع، للضغط على بريطانيا، في مسألة الموصل، التي لم تُحل، بعد. فحشدت قواتها العسكرية، وعززتها بقوات غير نظامية. وعلى أثر الاشتباك المسلح، بين الإنجليز وقوات الشيخ القادر، تقدمت القوات التركية داخل الحدود العراقية، والتقت مع القوات الكردية، في منطقة "بشدر"، الواقعة شمال السيلمانية. واحتل الأتراك كوي سنجق، وهددوا مدينة عقرة، واندفعوا في اتجاه العمادية.
ولكن سرعان ما تقدمت القوات البريطانية، وطردت القوات التركية.
وهكذا، لم يجد البريطانيون بدّاً من الاستعانة بصديقهم، وعدوّهم القديم، المنفي إلى الهند، الشيخ محمود. فسمحوا له بالعودة إلى السليمانية، فرجع إلى موطنه، في 14 سبتمبر 1922. واختاره الإنجليز رئيساً للمجلس المحلي المنتخب، ثم حاكماً عاماً .
وبدأ الشيخ ينظم قواته، ويوسع نفوذه في لواء السليمانية، بقسوة بالغة. وأخذ يتجه صوب كركوك، مهدداً باحتلالها وضمها إلى حكومته.
وكانت بريطانيا تعلم مسبقاً بما سيقدم عليه الشيخ محمود، وتريد بذلك الضغط على حكومة الملك فيصل، لكي توقع المعاهدة العراقية - البريطانية الأولى، التي وقعت، فعلاً، في 12 أكتوبر 1922.
وبادر الشيخ البرزنجي إلى إعلان نفسه "ملكاً" على كردستان، في نوفمبر 1922، بعد أن تبيّن له أن الإنجليز سوف يتخلون عنه، بعد ما استنفدوا أغراضهم منه.
وحينما بعثت عليه بريطانيا حملة عسكرية، واحتلت السليمانية، في 4 مارس 1923، تمكن من استردادها، وحررها من الإنجليز، في 11 يونيه 1923.
وعلى أثر خلوّ معاهدة لوزان في يوليه 1923، من فكرة إعطاء حق تقرير المصير للأكراد، الوارد في معاهدة سيفر - وأصدرت الحكومة العراقية بياناً، بضغط من البريطانيين، تعترف فيه بحق الأكراد، القاطنين ضمن حدود العراق، في تأسيس حكومة كردية، ضمن حدود العراق.
غير أن الأكراد، لم يهتموا بهذا البيان، وسرعان ما تبيَّن أن الحكومة البريطانية، لم تكن جادة في ضغوطها، إذ ضمت السليمانية إلى العراق، واستعيض ببيان لمجلس الوزراء العراقي، في 11 يوليه 1923، يبدي فيه نياته الحسنة تجاه الأكراد. وجاء فيه:
أ. إن الحكومة العراقية، لا تنوي تعيين موظفين عراقيين، في الأقضية الكردية، عدا الموظفين الفنيين.
ب. إن الحكومة العراقية، لا تنوي إجبار سكان الأقضية على استعمال اللغة العربية، في مراسلاتهم الرسمية.
ج. إن حقوق السكان والطوائف، الدينية والمدنية، في الأقضية المذكورة، ستؤمن تأميناً صحيحاً.
ورافق هذا البيان حشود عسكرية عراقية، للقضاء على حكم الشيخ محمود. وتمكن الجيش العراقي من احتلال السليمانية في 19 يوليه 1924. بيد أن الشيخ البرزنجي، أجبر الجيش العراقي على التخلي عن المدينة، فبعثت عليه حملة عسكرية أخرى، استطاعت أن تقضي على نفوذه، وعلى أتباعه وتجبره على الانسحاب إلى الجبال. وعيّنت الحكومة العراقية أحد الأكراد متصرفاً للواء السليمانية، تابعاً للحكومة المركزية. فاستتب الأمن، إلى حين، في تلك المنطقة.
واتخذ الشيخ محمود من مقاطعته الشاسعة، في شرقي السليمانية، مقراً لحرب العصابات، في اللواء. وفي أكتوبر 1926، عقد اتفاقاً مع الحكومة العراقية، يغادر، بموجبه، العراق، مع أُسرته، ويمتنع عن التدخل في الشؤون السياسية، مقابل رد أملاكه إليه، واتخذ إيران مقاماً.
وفي فبراير 1929، قدم ستة من النواب الأكراد في المجلس النيابي، عريضة، إلى رئيس الوزراء في العراق، طلبوا فيها:
أ. زيادة نفقات المعارف، في كردستان.
ب. تأليف وحدة إدارية كردية، تضم ألوية السليمانية وأربيل وكركوك ولواءً آخر جديداً، يجمع الأقضية الكردية في لواء الموصل، على أن يتولى أمر هذه الوحدة الإدارية مفتش كردي عام، يكون الصلة بين منطقة كردستان والحكومة المركزية.
ج. زيادة نفقات الخدمات العامة، في المنطقة الكردية.
وقد وافقت الحكومة العراقية، والمندوب السامي البريطاني، على المطلبَين الأول والثالث. ورُفض المطلب الثاني. واتُّفق على سَن قانون اللغات المحلية، الذي جعل اللغة الكردية لغة رسمية، في الأقضية، التي يكون فيها الكرد أكثرية السكان.
وكان مقرّراً، أن تجري انتخابات، في صيف 1930. ولكن أهل السليمانية رفضوا الاشتراك فيها، واندلعت مظاهرات حاشدة، في 6 سبتمبر 1930، فوقعت اصطدامات بين الأهالي والشرطة والجيش، فقتل 45 شخصاً، وجرح 200 شخص.
وهكذا، عادت الأحداث الدموية إلى المنطقة، من جديد تسلل الشيخ محمود من إيران، في خريف 1930، إلى حدود لواء السليمانية، وأعلن الثورة، وقدم طلباً إلى المندوب السامي البريطاني في بغداد، بأن تترك الحكومة العراقية جميع منطقة كردستان، ما بين خانقين وزاخو، وتتولى حكومة كردية، تكون تحت انتداب الإنجليز، ريثما تُصدر عصبة الأمم قرارها الأخير، في شأن استقلال العراق.
ووجّهت الحكومة العراقية حملة عسكرية، للقضاء على الثورة. واستمرت في قتال مع قوات الشيخ محمود، حتى مارس 1931. وانتهت بأن سلم الشيخ محمود نفسه للحكومة، في 13 مايو 1931. وفرضت عليه الإقامة الجبرية في المناطق الجنوبية، وظل مقيماً بها، حتى نشوب الثورة، عام 1941، فتركت له حكومة رشيد عالي الكيلاني حرية الإقامة بالمكان الذي يريد، فاختار العودة إلى السليمانية.
وبذلك، انتهت ثورات الشيخ محمود، التي استمرت من عام 1918 حتى عام 1931، لتبدأ شخصية كردية أخرى الثورة، من جديد.
2. ثورة البارزاني الأولى
في منتصف القرن التاسع عشر، ظهرت أُسرة تنتمي إلى رجل دين، يدعى محمداً، من شيوخ الطريقة النقشبندية، واتخذت اسم البارزاني، نسبة إلى قرية بارزان[1]. وحل محل الشيخ محمد، بعد وفاته، ابنه عبدالرحيم، ووسع دائرة نفوذه. وأنجب الشيخ عبدالرحيم خمسة أبناء، هم الشيخ عبدالسلام، والشيخ أحمد، والملا مصطفى، والشيخ صديق، ومحمد بابو. وسيطرت هذه الأُسرة على منطقة بارزان وما حولها، من القبائل الكردية.
وصار الشيخ عبدالسلام مرجعاً لبارزان، بعد وفاة والده. ورفض إرسال متطوعين من أتباعه إلى الجيش العثماني، في الحرب العالمية الأولى. وامتنع عن دفع الضرائب إلى الدولة العثمانية، وتمرد عليها في مدينة عقرة، فوجَّهت إليه حملة عسكرية، أَسَرَته، وأعدم في الموصل، بعد محاكمته. وتولى الأمور في بارزان، من بعده، شقيقه الشيخ أحمد، فبرز على المسرح السياسي، في زمن الاحتلال البريطاني. وقدم إليه الإنجليز العون، المادي والمعنوي، لبسط سيطرته على المنطقة الشرقية من كردستان.
بدأ الشيخ أحمد بن عبدالرحيم البارزاني بالتمرد على الحكومة العراقية، حين حاولت، في أكتوبر 1931، نشر مخافر للشرطة في منطقة بارزان، منعاً لاعتداءات البارزانيين المتكررة على القرى الكردية. ووقع تصادم دموي بين الشرطة والجيش، من جهة، وأعوان أحمد البارزاني، من جهة أخرى، في نوفمبر 1931، ثم توسعت الأعمال العسكرية، فيما بعد، حتى 22 يونيه 1932، حين قصفت الطائرات البريطانية القرى في منطقة بارزان فدمرت 1365 بيتاً واحتل الجيش العراقي زيتا في جوار الخاد كواندة وطوقت القوات الحكومية الشيخ أحمد البارزاني فاضطر إلى تسليم نفسه لقوات الحدود التركية.
ومع أن الحركة البارزانية الأولى، تعَد منتهية، منذ 5 يوليه 1932، إلا أن ذيولها استمرت نحو سنة كاملة، لم تنقطع الاضطرابات، خلالها، في المنطقة. ذلك أن الحكومة التركية، اكتفت بإبعاد الشيخ أحمد البارزاني إلى أرضروم، أما أخواه، الملا مصطفى، والشيخ صديق، وأولو بك، وخليل خوشوي، التابعان لهما، فقد ظلوا قرب الحدود، يعبرونها إلى الأراضي العراقية، فيعبثون بالأمن.
وفي 13 مايو 1933، أصدرت الحكومة العراقية قانون العفو العام عن جميع البارزانيين. وفي 29 يونيه 1933، سلم الملا مصطفى، والشيخ صديق، وأولو بك، أنفسهم مع مائتين من أتباعهم، في شيروان مازن، ولحق بهم الشيخ أحمد البارزاني.
ولم تهدأ منطقة بارزان، إذ تواصلت أعمال العصيان، التي انبرى لها، خليل خوشوي، أحد أعوان البارزانيين، وهرب الملا مصطفى، وتزعم العصيان، من جديد. فوجّهت الحكومة العراقية إليه حملة عسكرية، في فبراير 1936، وقتلت خليل خوشوي، والتجأ الملا مصطفى البارزاني إلى الجبال .
وبعد انقلاب الفريق بكر صدقي، عام 1936، قبل الملا البارزاني الإقامة الجبرية بلواء السليمانية، بعيداً عن منطقته.
3. ثورة البارزاني الثانية
وحينما نشبت الحرب العالمية الثانية، هرب الملا مصطفى من محل إقامته الجبرية بالسليمانية، وعاد إلى بارزان، في يوليه 1943، وعمد إلى الانتفاضة، وأخذ يهدد سلامة الأهالي، من جديد، ويقطع المواصلات، حتى استفحل أمره.
وأرادت الحكومة العراقية معالجة القضية، بالوسائل السياسية، فعيَّنت ماجد مصطفى، وهو كردي، في منصب وزير في الحكومة، وكلفته بالتفاوض مع البارزاني. ونجح ماجد مصطفى في مهمته، وانتهت بتسليم الملا مصطفى نفسه للجيش العراقي، في 7 يناير عام 1944. وجيء به إلى بغداد، وشُرط عليه أن يسلم أتباعه أسلحتهم، ومقابل ذلك، يُعاد أخوه أحمد البارزاني إلى منطقة بارزان، وتزوَّد المنطقة المواد الغذائية والملابس.
ولتحسين الإدارة المدنية، عيِّن سبعة ضباط ارتباط، من الأكراد العاملين، في الجيش العراقي، لإدارة منطقة بارزان، بصورة مؤقتة، بإشراف وزير الدولة، ماجد مصطفى وإدارته.
ولكن هذه الإدارة، أخذت تعمل لمصلحة الملا مصطفى البارزاني، وتسعى إلى تحويل الحركة، من حركة عصيان إقطاعي إلى حركة قومية كردية، ضد الحكومة العراقية. ولما أحيل الضباط الأكراد السبعة إلى التقاعد، التحقوا بخدمة الملا مصطفى البارزاني، مما أدى إلى استفحال أمره، وأصبح أقوى شخصية في المنطقة الكردية بأسْرها.
وزاد نفوذ البارزاني بين القبائل والعشائر الكردية، وقدم الضباط الأكراد، الذين التحقوا به، خدمات عسكرية عظيمة، في فنون القتال، وتأسيس مراكز عسكرية محصنة، تشرف على الطرق الرئيسية، المؤدية إلى منطقة بارزان. وفقدت الحكومة العراقية، هيبتها، واستُهين بها.
وقدم إليه الإنجليز بعض العون، المادي والعسكري. وكانت له اتصالات مستمرة مع الاتحاد السوفيتي (السابق).
وباشر الملا مصطفى البارزاني عصيانه، في أغسطس 1945، عندما أمرت الحكومة قواتها باحتلال منطقة التمرد، والقبض على العُصاة وإعادة الطمأنينة والأمن للمنطقة.
وكانت قوة البارزانيين حوالي 2500 مسلح، مزودين بالبنادق الحديثة، وكانوا يسيطرون على منطقة واسعة، تمتد من روست حتى العمادية، ومن سر عقرة حتى نهاية برادوست. ويقودهم سبعة من ضباط الجيش السابقين، وكان على مقربة منهم الجيش الروسي، الذي قدم إليهم العون، المادي والمعنوي. وخلال حشد الجيش، طلب الملا مصطفى من جمعية "الكومه له"، أي اللجنة أو العصبة، الكردية، في إيران، عوناً عسكرياً عاجلاً، فأمدته بأربعمائة مسلح، من طريق منطقة برادوست، المحاذية للحدود الإيرانية.
ووقع القتال بين قوات الحكومة والبارزانيين، في 25 أغسطس 1945، في بادليان، على مقربة من بله، وكان قتالاً شرساً وقاسياً على الطرفَين. ولم تسفر المعركة عن نتائج حاسمة، حتى 4 سبتمبر 1945، حينما حقق الجيش العراقي بعض النجاح، باحتلال بعض المواقع البارزانية. وبعد قتال عنيف، متقطع لعدة أسابيع، تمكن الجيش، والقوات غير النظامية، من هزيمة البارزانيين، ودخلوا قرية بارزان، في 5 أكتوبر 1945، وطاردوا فلول البارزانيين إلى (كاني رش)، في اتجاه الحدود الإيرانية، في 9 أكتوبر 1945.
ودخل الملا مصطفى البارزاني منطقة آذربيجان الإيرانية التي كانت تحت الاحتلال الروسي، أثناء الحرب العالمية الأولى، ووصل أخوه أحمد إلى إيران. وبقي الملا، سنة ونصف السنة، في آذربيجان، تحت ظل الحكومة الكردية، التي أسسها الروس في صاوجبلاق الإيرانية، برئاسة جعفر بيشواري.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، عام 1945، اضطر الروس إلى الانسحاب من إيران، بعد أن ثبتوا أركان حكومة جمهورية مهاباد الكردية، التي ضمت حكومة بيشواري، ونصب القاضي محمد رئيساً لها.
ولكن هذه الجمهورية، انهارت أمام القوات الإيرانية، واشتبك البارزانيون مع القوات الإيرانية، التي تعقبتهم حتى الحدود العراقية، حيث وجدوا القوات العراقية أمامهم، فاستسلم لها القسم الأكبر منهم. ودخلت قوافلهم، مع أُسَرهم، إلى العراق، في أبريل 1947، وبينهم أحمد البارزاني وأربعة من الضباط الأكراد. وقد حوكم الضباط وأعدموا. أما الملا مصطفى البارزاني، فقد رفض الاستسلام، وتسرب عبر الحدود العراقية، وبدأ يناوئ الحكومة.
وبناء على تجدد العصيان البارزاني، أُعلنت الأحكام العرفية في قضاءَي رواندوز وزيبار، وسائر المناطق المتاخمة للحدود العراقية - الإيرانية. وتجمعت قوات البارزاني في شمال شيروان مازن، وفي 20 مايو 1947، باغتت القوات العسكرية العراقية قوات الملا مصطفى البارزاني، في هوبا، عند السفوح الشمالية لجبل بوتين. وحينما تأكد من عدم قدرته على المقاومة، هرب إلى تركيا، ومنها دخل إلى إيران، ثانية، حيث يمَّم صوب الاتحاد السوفيتي، والتجأ إلى الروس. وبذلك، هدأت الأحوال في منطقة كردستان العراقية، لأكثر من إحدى عشرة سنة.
وفي الاتحاد السوفيتي، منح الملا مصطفى حق اللجوء السياسي، وتدرب على الفنون العسكرية، إذ اشترك في بعض التدريبات العسكرية، وأعطي رتبة (جنرال) شرف.
وفي الاتحاد السوفييتي، كذلك، أسَّس الملا مصطفى البارزاني، الحزب الديموقراطي الكردستاني، الذي عرف، فيما بعد، باسم "البارتي"، وارتبط الحزب بالشيوعية والتيارات الماركسية. وبوساطة العناصر الشيوعية في العراق، أسَّس له فروعاً في المنطقة الكردية العراقية. ونشط الحزب في إصدار المنشورات, وأصدر مجلة حزبية. واكتشفت السلطات العراقية أمره، فاعتقلت معظم أعضاء لجنته المركزية، فتفرق أعضاؤه.
وشهدت الفترة من عام 1947 إلى عام 1958، ركوداً في الحركة الكردية.
[1] تقع قرية بارزان على سفوح جبال شيرين الجنوبية الواقعة في جنوب سلسلة جبال شيروان الفاصلة بين حدود تركيا مع العراق. وهي تابعة لقضاء الزيبار وتقع على بعد 25 كم شمال شرقي مدينة عقرة .وتقع في منطقة جبلية وعرة تحيط بها الجبال وترتفع أكثر من ألفي متر فوق مستوى سطح البحر، هذا الموقع جعلها منيعة على من أرادها وأكسبت أهلها البأس والشدة، وصارت موئلاً للعصيان وملجأ للهاربين من العدالة.
يتبع إن شاء الله...
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الأكراد والمشكلة الكردية الخميس 14 فبراير 2013, 12:42 am | |
| ثالثاً: المسألة الكردية في العهد الجمهوري العراقي
1. انقلاب 14 يوليه 1958، وانعكاساته على المسألة الكردية
في 14 يوليه 1958، قاد اللواء عبدالكريم قاسم انقلاباً، أطاح بالنظام الملكي في العراق. وكان الانقلاب ذا توجهات اشتراكية.
رأى الزعماء الجدد، أن القضية الكردية جزء من الحركة الوطنية في العراق، إذ شاركت العناصر الكردية المثقفة في التخطيط للانقلاب. لذلك، فإنه لدى تعيين مجلـس السيادة الثلاثي، على أثر الانقلاب، كان أحد أركانه العقيد خالد النقشبندي، ممثلاً الأكراد. كما مثل الأكراد وزير واحد من أصل عشرة وزراء، ضمتهم الوزارة الأولى للانقلاب. إضافة إلى تعيين ضابط كردي عضواً في المحكمة العسكرية العليا الخاصة.
ونص الدستور المؤقت، في المادة الثالثة، "أن العرب والأكراد شركاء في هذا الوطن، ويقر هذا الدستور حقوقهم القومية، ضمن الوحـدة العراقية". وهي سابقة، تعَد الأولى في تاريخ الأكراد، الذين احتلوا مناصب عليا في الدولة.
وعاد الملا مصطفى البارزاني إلى العراق، حيث استقبلته الحكومة العراقية وأعضاء الحزب الشيوعي العراقي، استقبال الفاتحين، في 5 أكتوبر 1958، فأعطي مسكناً في أحد القصور الملكية، التي كان يسكنها نوري السعيد، والأمير عبدالإله، الذي كان وصياً على العرش الهاشمي في العراق. وخصصت لهم رواتب شهرية عالية، وميزات أخرى.
وأمر عبد الكريم قاسم مجلس الإعمار، بأن يبني مدينة سكنية كاملة للأكراد العائدين من الاتحاد السوفيتي في ناحية بارزان. ويصرف لهم الرواتب والمعاشات الشهرية. ومكّن عبد الكريم قاسم الملا مصطفى البارزاني، من استعادة نفوذه وسيطرته على منطقته، بعد ثلاثة عشرعاماً. وكان قاسم يهدف من ذلك إلى السيطرة على المنطقة الشمالية من العراق، والحؤول دون ثوراتها ضده، خاصة بعد ثورة الموصل التي قادها القوميون العرب، عام 1959. فقد أدى إبعاد عبدالكريم قاسم القوميين، واعتماده على الشيوعيين والأكراد، إلى محاولة الضباط القوميين العرب إطاحته، والقضاء عليه، ومنها حركة الموصل في 8 مارس 1959 التي قادها عبد الوهاب الشواف، أحد الضباط المشاركين في انقلاب 14 يوليه، والتي استعان عليها عبدالكريم قاسم بالشيوعيين في الموصل، والأكراد من أنصار البارزاني، فقضوا عليها، وقتل الشواف على يد أحد الأكراد. ويُجمع المؤرخون على أن سرعة تحرك الأكراد، الناجمة عن التنسيق، والاتصال السريع، بين عبدالكريم قاسم والملا البارزاني، هو السبب في إخماد هذه المحاولة.
وبعد فشل هذه الحادثة مباشرة، سمح اللواء عبدالكريم قاسم لأتباع الملا مصطفى البارزاني، بالعودة من الاتحاد السوفيتي إلى العراق، وعبَرت، في 7 أبريل 1959، قناة السويس، الباخرة الروسية (غروزيا)، وعلى ظهرها 755 جندياً كردياً (وقيل 855)، تتراوح أعمارهم ما بين الثالثة والعشرين والثالثة والثلاثين، مسلحين تسليحاً كاملاً، في طريقهم إلى العراق، وكان يواكب تلك الباخرة ثلاث أُخَر، هي: متشنكوف، ونيكولاي بيجوروف، وجاقان، وهي محملة بالأسلحة والذخائر. وأعلن، وقتها، أنهم أكراد العراق، ويعودون إليه، بعد تحرره.
وفي 14 يوليه 1959، اشترك الأكراد مع المنظمات الشيوعية، في الحوادث التي وقعت في كركوك، في أثناء احتفالات الانقلاب بعيده الأول. وتُعَد هذه الحوادث انعكاساً للفوضى السياسية، التي كانت يعيشها العراق في هذه المرحلة، ولنية الحكومة التخلص من العناصر، القومية والدينية، إذ وافق يوم 14 يوليه 1959، العاشر من محرم "يوم عاشوراء" ذا الأهمية الدينية الخاصة في العراق. وخلال الاحتفالات بعيد الانقلاب، جرت اصطدامات دموية، في وسط العراق وجنوبيه، وفي كركوك، حيث اتخذت أبعاداً أوسع، وذهب ضحيتها 79 قتيلاً، معظمهم من التركمان. وقد أثارت هذه الأحداث الزعيم عبدالكريم قاسم، فألقى كلمة في كنيسة مار يوسف، في 19 يوليه 1959، هاجم فيها أعمال العنف، التي ارتكبت في كركوك ومدن أخرى. ثم عقد مؤتمراً صحفياً، في 29 يوليه 1959، تحدث فيه عن الجرائم، التي ارتكبت في كركوك، وأشار، من طرف خفيّ، إلى أن الشيوعيين، هم الذين ارتكبوها.
وبعد هذه الأحداث توطدت علاقات الملا مصطفى البارزاني بالزعيم عبدالكريم قاسم، مما شجع الزعيم الكردي على تقديم طلب رسمي، لإشهار الحزب الديموقراطي الكردستاني، "بارتي ديمقراطي كوردستان"، في 9 يناير 1960. وقد أقرت وزارة الداخلية الطلب، وأُعلن الحزب في 9 فبراير 1960.
وكان برنامجه، في مجمله، يسير على الخطوط الماركسية اللينية، ونص:
في مادته الثانية: أن الحزب ديموقراطي ثوري، يمثل مصالح الفلاحين والكسبة والحِرفيين والمثقفين، في كردستان العراق.
ونصت المادة الثالثة: أن الحزب، ينتفع، في نضاله السياسي، وفي تحليلاته الاجتماعية، من النظرية العلمية الماركسية اللينية.
وفي المادة الرابعة: أن الحزب يناضل من أجل صيانة الجمهورية العراقية، وتوسيع اتجاهها الديموقراطي وتعميقه.
كما نص البرنامج على توطيد علاقات الأخوّة والصداقة مع الحزب الشيوعي العراقي، والحزب الوطني الديموقراطي، والمنظمات الديموقراطية في العراق. ويناضل الحزب من أجل حصول الشعب الكردي على حق التمثيل والتوظيف، في جميع مرافق الدولة، بما يتلاءم مع تعداد الأكراد في العراق.
ونصت المادة 23: على أن الحزب يساند نضال الشعب الكردي، في مختلف أجزاء كردستان، للتحرر من نير الاستعمار والرجعية. وقد رفضت وزارة الداخلية العراقية هذه المادة، ورفعتها من برنامج الحزب. وقد عمل الحزب، بنجاح، على بث الدعوة القومية بين الأكراد، في غضون العلاقات الحسنة بين الملا البارزاني وعبدالكريم قاسم. إلا أن شهر العسل، لم يدم طويلاً.
2. ثورة الأكراد 1961
بدءاً من مارس 1960، بدأ الجفاء يباعد بين عبدالكريم قاسم والملا مصطفى البارزاني، بسبب ضغوط الزعيم الكردي لتطبيق المادة الثالثة من الدستور بحذافيرها، وتحقيق الإصلاحات الاجتماعية، في كردستان العراق. وبدأت جريدة الحزب "خه بات"، الناطقة بلسان الحزب الديموقراطي الكردستاني، تهاجم الحكم العراقي، وتطالب بإلغاء الأحكام العرفية، والأوضاع الاستثنائية، وبالإفراج عن المعتقلين …
عندئذٍ، رأى عبد الكريم قاسم، أن الحزب الكردي، يشكل عقبة في طريق حكمه الفردي، فبدأ يطارد قادته، ويعتقل أعضاءه. وأغلق صحيفته "خه بات"، في مارس 1961، بتهمة نشرها مقالاً، ناقشت فيه المادتين الثانية والثالثة، من الدستور المؤقت. وقد أدت هذه الإجراءات إلى انحسار نشاط الحزب، في الشمال فقط، مع تصاعد مقاومته، إذ أعلن البارزاني منطقة كردستان، دولة كردية مستقلة.
وفي يوليه 1961، بلغ التوتر ذروته، بين الأكراد وعبدالكريم قاسم ، فتوجه الجيش العراقي لضرب التجمع الكردي المسلح، في المنطقة الشمالية، الذي يقاوم سياسة الحكومة. وحاول البارزاني تخفيف حدّة التوتر، والحيلولة دون وصولها إلى تصادم مسلح، إذ قدم الحزب الكردستاني مذكرة إلى عبدالكريم قاسم، في 20 يوليه 1961، عرض فيها الإهمال الذي تعانيه المنطقة الكردية.
وقدم مطالب الحزب، والأكراد، من الحكومة، في 13 نقطة، تتلخص في الآتي:
أ. سحب قوات الجيش العراقي، التي أرسلت إلى كردستان، وعدم إجراء أي تحركات عسكرية، غير عادية، في غير الأماكن المعتادة لها، في السنين السابقة.
ب. سحب الموظفين العموميين، الذين لهم دور بارز في الحوادث الأخيرة، ومحاكمتهم.
ج. إعادة الموظفين المبعَدين من كردستان إلى أماكنهم السابقة، وتعيين قيادات من الأكراد المخلصين، في الوظائف الرئيسية .
د. تطبيق المادة الثالثة من الدستور تطبيقاً كاملاً.
هـ. تطهير جهاز الحكومة من العناصر المعادية لروح انقلاب 14 يوليه التحررية.
و. إطلاق الحريات الديموقراطية للشعب، وسرعة تحويل البلاد إلى النظام الديموقراطي .
ز. تنفيذ مقررات مؤتمر المعلمين الأكراد، لسنة 1960، لتطوير الثقافة الكردية.
ح. جعل اللغة الكردية لغة رسمية في جميع الدوائر الرسمية، في كردستان.
ط. إزالة آثار التفرقة العنصرية، المتبعة في حق الأكراد، ومعاقبة الداعين إليها بين أبناء شعب العراق الواحـد.
ي. إطلاق زراعة التبغ، في الأماكن الصالحة لزراعته.
ك. تعديل قانون ضريبة الأرض، بما يرفع العبء عن كاهل الفلاحين.
ل. إنشاء مشروعات في كردستان، بما يقضي على البطالة المتفشية.
م. القضاء على الغلاء الفاحش، والضرب على أيدي المتَّجِرين بأقوات الشعب.
ويلاحظ أن المطالب الواردة في المذكرة، هي المطالب نفسها، الواردة في مذكرات سابقة، تقدم بها الأكراد، خلال مراحل كفاحهم المستمرة. وبتحليل المذكرة فإن 40% منها مطالب إصلاح سياسي. 20% مطالب قومية، فيما يتعلق باللغة ووضع الأكراد في العراق. ثم 40% مطالب إصلاح، اقتصادي واجتماعي، يتعلق بالأكراد أنفسهم.
ولم يستجب عبدالكريم قاسم لما جاء في المذكرة، ودأب على تعزيز الحشود العسكرية، في المناطق الشمالية، بهدف القضاء على الحركة الكردية.
وفي مواجَهة ذلك، اشتعلت الثورة الكردية في كل أرجاء كردستان العراق. وانضم إليها العديد من كبار الإقطاعيين والآغوات، الذين كانوا قد فروا إلى إيران، بعد انقلاب يوليه 1958. واحتلت عناصر كردية من "البشمركة"، أي الفدائيين سد دربندخان. وحرض قادة الأكراد القبائل الموالية لهم، ضد القبائل الموالية للحكومة. وأعلن الحزب الديموقراطي الكردستاني الإضراب العام، في المنطقة الشمالية، في 6 سبتمبر 1961، فتعطلت الأسواق والمصانع. وبذلك عاشت كردستان العراق في فوضى سياسية، وعسكرية، أجبرت الحكومة على التدخل بالقوات المسلحة،التي بدأت توجيه ضرباتها إلى قطاعات عديدة من مناطق الأكـراد، بدءاً من 9 سبتمبر 1961 حين اشتعل القتال، واستمر حوالي 17 شهراً، متصلاً حيناً، ومتقطعاً أحياناً، حتى سقوط حكم عبدالكريم قاسم، في 8 فبراير 1963.
3. أسباب ثورة 1961
هناك رأيان متعارضان في أسباب الثورة:
أ. الرأي الرسمي للحكومة
ويتلخص في أن الحزب الديموقراطي الكردستاني، لم يكن هو المحرض على هذه الثورة، أو المخطط لها.
وإنما استُغل، بصفته تنظيماً جاهزاً للنهوض بمثل هذه الأعمال، من ثلاث جهات. وهي:
(1) طبقة كبار الإقطاعيين والآغوات، الذين شملهم قانون الإصلاح الزراعي، وفروا إلى إيران، عقب انقلاب يوليه، فوجدت فيهم طهران أداة مهمة للتأثير في النظام العراقي الجديد.
(2) الدوائر الاستعمارية، المتمثلة في حلف شمال الأطلسي، والإدارتَين، الإنجليزية والأمريكية، وشركة نفط العراق. وجميعها تأثرت بالانقلاب العراقي. "وقد يكون الهدف، وهو شغل الإدارة العراقية عن مسألة الكويت".
(3) بعض القبائل والعشائر الكردية، التي تأثرت، سلباً، بالانقلاب.
وقد هيأت هذه الأسباب فرصة للحزب الكردستاني، لاستغلال حالة التذمر المتصاعدة. فأقحم نفسه في هذه الحركة، محاولاً السيطرة عليها، وتسخيرها لأهدافه، في مواجَهة عبدالكريم قاسم بعد أن اعتقل بعض أعضائه، وأغلق جريدته. في الوقت عينه، فإن الحزب الكردستاني، لم يكن على استعداد لأن يجد نفسه معزولاً عن أي حركة ثورية في العراق.
ويلخص أحد قادة الأكراد أسباب هذه الحركة ودوافعها، في خطاب أمام جمعية الطلبة الأكراد، في مدينة هانوفر، في ألمانيا، عام 1964 - في الآتي:
· إرباك الوضع الداخلي في البلاد، وإضعاف حكومة عبدالكريم قاسم، في المفاوضات النفطية الجارية وقتئذٍ، والضغط عليها، بغية الاستسلام، والتراجع عن المطالب العراقية المشروعة، في هذه المفاوضات .
· إعاقة تطبيق قانون الإصلاح الزراعي، في شمالي العراق، لأنه أدى إلى تضرر الآغوات الإقطاعيين. كما أنه قد يؤدي إلى ضغط الفلاحين الإيرانيين على حكومتهم، من أجل قانون إصلاح زراعي مماثل.
والوقائع التاريخية، المؤيدة لوجهة النظر هذه، هي:
(1) اتهام عبدالكريم قاسم، في مؤتمر صحفي، عقده في مبنى وزارة الدفاع، بتاريخ 23 أغسطس 1961، الشركات النفطية الاحتكارية، بتحريض الإقطاعيين الأكراد على التمرد، ليمارسوا ضغطا على العراق، في مجالين:
(أ) مفاوضات النفط الجارية، آنذاك، بين الحكومة العراقية والشركات الأجنبية، حول مطالب العراق المشروعة في ثرواته النفطية.
(ب) مطالبة العراق بالكويت، والإنزال البريطاني فيها.
(2) اتهام عبدالكريم قاسم، في المؤتمر الصحفي عينه، كلاً من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية بأنهما وراء حركة التمرد في الشمال، وقوله: "لقد صرفت السفارة البريطانية ما يقرب من نصف مليون دينار، على هذه الأعمال العدوانية الخبيثة".
(3) اعتراف السفير البريطاني في بغداد، همفري تريفيليان، بأنه جال في شمالي العراق، واجتمع، خلال جولته، بشيوخ الأكراد. إلا أنه لم يذكر دعمه لهؤلاء الشيوخ" .
ب. الرأي الثاني
وهو يمثل وجهة نظر الأكراد أنفسهم، التي تعكسها المطالب الثلاثة عشر، التي تضمنتها في مذكرتهم المقدمة إلى عبدالكريم قاسم، في 20 يوليه 1961، والتي حرصوا فيها أن تكون مطالبهم في صميم القضية الكردية.
وهكذا، يلاحظ أن الفجوة بين وجهتَي النظر متباينة تبايناً تاماً، فالحكومة ترى ثورة الأكراد، عام 1961، هي نتيجة تحريض خارجي، للضغط على العراق في ثلاث مسائل رئيسية، وهي: النفط، والكويت، والإصلاح الزراعي. فضلاً عن معاقبة حكومة الانقلاب على إلغائها انضمام العراق إلى حلف بغداد، واتجاهه إلى الماركسية. أما الأكراد، فيرون ثورتهم رد فعل طبيعياً، في سبيل المطالبة بتحقيق آمالهم، وإصلاح أحوالهم، في كردستان العراق.
4. شكل الصراع بين الجبهتين
اتخذ القتال بين القوات الحكومية والأكراد نمط الاشتباكات السابقة عينه، والمتمثل في قتال بالنيران، وهجمات محدودة، وكمائن وإغارات متفرقة، وحرق المزروعات. واستطاعت العناصر الكردية، المسلحة بأسلحة غربية، والتي تؤازرها إيران وبعض الدول الغربية، من السيطرة على معظم المناطق الكردية، من زاخو، في أقصى الشمال، إلى مدينة السليمانية، عاصمة الأكراد. وكان من أسباب ضعف الحكومة في السيطرة على الموقف، هو انشغالها بالصراع في عدة جبهات، في وقت واحد، ولاسيما جبهة الكويت، التي أعلن عبدالكريم قاسم، أنها جزء من العراق.
وبدءاً من عام 1962 تداول الطرفان مَواقع القتال. فخلال الربيع والصيف، تشن قوات الحكومة النظامية هجماتها الرئيسية، ضد معاقل الأكراد، وتنجح في الاستيلاء على الأراضي، متوسطة الارتفاع، "جنوب المناطق الجبلية الوعرة، في شمالي العراق". بينما ينسحب المقاتلون الأكراد، "بقتال أو من دون قتال"، إلى تلك المناطق الجبلية الوعرة، التي اعتادوا العيش فيها. وفي بداية الخريف، وبدء تساقط الثلوج، يشن "البشمركة" الأكراد هجماتهم الساحقة، ضد القوات الحكومية، ويجبرونها على الانسحاب، جنوباً. واللافت أن استخدام القوات الحكومية الطائرات والمدفعية، في أعمالها القتالية. لم يكن ذا تأثير يتناسب مع حجم استخدامها - نظراً إلى الطبيعة الجبلية الممتلئة بالغيران والكهوف والوديان، التي يلجأ إليها الأكراد. وتجعل تأثير النيران ضعيفاً، في الوقت عينه. وقد تكبد سلاح الطيران العراقي خسائر كبيرة، في قتاله ضد الأكراد، نظراً إلى اصطدام الكثير من الطائرات بالقمم الجبلية.
5. نتائج ثورة عام 1961
أهم هذه النتائج هي إضعاف موقف عبدالكريم قاسم في الداخل والخارج، وتشتيت جهوده ما بين الشمال والجنوب. فأخفق في ضم الكويت، وفشل في إخماد ثورة الأكراد، وعجز عن إثبات ذاته في نطاق القومية العربية، ولم ينجح في تدعيم تحالفه مع الاتحاد السوفيتي.
والنتيجة الثانية هي فقدانه السيطرة على الوضع الداخلي، مما أدى إلى نجاح تحالف القوميين العرب، في تنظيم انقلابهم، في 8 فبراير 1963.
والنتيجة الثالثة هي تنامي قوة الأكراد في الشمال، وإثبات قدرتهم على التأثير في الوضع الداخلي. بل تعدى الأمر ذلك، إذ إن نجاح ثورة 1961، أدى إلى لفت نظر بعض الجهات الأجنبية، إلى اتخاذ الأكراد وسيلة للتأثير في الحكم العراقي، لمصلحتها.
رابعاً: المسألة الكردية، في ظِل حُكم الأخَوين عارف
1. انقلاب 8 فبراير 1963
في 8 فبراير1963، نجح انقلاب الجبهة القومية في العراق، المكونة من التحالف القومي، والبعثيين القوميين، برئاسة المشير عبدالسلام عارف الذي استولى على الحكم، وقبض على أقطاب الحكم السابقين، وشكل لهم محكمة عسكرية، دانتهم، وأعدم عبدالكريم قاسم. وتولّى عبدالسلام عارف رئاسة الجمهورية، ممثلاً تيار التحالف القومي. وتولّى أحمد حسن البكر رئاسة الوزارة، ممثلاً تيار البعثيين القوميين.
ولم يكن تحالفهما تحالفاً إستراتيجياً،وإنما كان تحالفاً تكتيكياً، الهدف منه هو القفز إلى السلطة. لذلك، بدأ كلٌّ من التيارين، يعمل على تحقيق مصالحه، منذ اللحظة الأولى لنجاح الانقلاب.
فمن الجانب البعثي، انطلق ما يسمى "الحرس القومي"، وهو ميليشيا عسكرية بعثية، دموية، تمارس عملها في الشارع العراقي، ونفّذت إعدامات، بالجملة، شملت الشيوعيين وأنصار عبدالكريم قاسم، وكل من يشتبه في عدم ترحيبه بالنظام الجديد، فضلاً عن مصادرة ممتلكاتهم. في الوقت عينه، كانت الجبهة القومية ترصد تلك الإجراءات، وهي غير راضية عما يحدث. ووجهت ضربتها، في 18 نوفمبر 1963، للقبض على البعثيين والمتعاطفين معهم. ووضع أحمد حسن البكر في معتقل عسكري، وانفرد عبدالسلام عارف بالسلطة، بعد تسعة أشهر من الانقلاب. وشُكلت حكومة جديدة، في 20 نوفمـبر 1963، ضمت ضباطاً من البعثيين المعتدلين، والناصريين والمستقلين.
وقد شهد عام 1963 بداية جديدة لتطور المسألة الكردية، إذ ظهرت معسكرات تدريب "البشمركة" الأكراد، سواء في إيران أو في كردستان العراق. وتدفق الخبراء (معظمهم إيرانيون)، لتولّي مسؤولية التدريب، وتدفقت أسلحة جديدة، لم يكن يعرفها الأكراد من قبْل، مثل المدافع المضادّة للطائرات. في الوقت عينه، بدأت أحداث الصراع الكردي ـ الحكومي، في العراق، تتصدر الإعلام الغربي.
وقد سارت الأمور في العراق في اتجاه قومي بشكل عام، وكان هناك أحداث مهمة، أثرت في مجريات الأمور، وخصوصاً ما يتعلق بالقضية الكردية، وهي:
أ. الاتجاه القومي العراقي إلى الوحدة بين مصر وسورية والعراق، بمبادرة من العراق نفسه، إذ اجتمعت وفود الدول الثلاث، في أبريل 1963، وأقرت مشروع الدولة الاتحادية، ووقعه رؤساؤها.
ب. إصدار الحكومة دستوراً مؤقتاً، جديداً، في 29 أبريل 1964، جاء فيه أن الشعب العراقي جزء من الأمة العربية، هدفه الوحدة العربية الشاملة.
ج. تنحية البعثيين عن مراكز الحكم، في أكتوبر 1964، نظراً إلى عودتهم إلى الأنشطة المشتبه فيها.
د. موت الرئيس عبدالسلام عارف، عام 1966، في حادث طائرة عمودية، وتولى مسؤولية الحكم شقيقه عبدالرحمن عارف. واستمرت الحكومة العراقية على النهج السابق عينه.
هـ. انتهاء الحكم "العارفي" بانقلاب 17 يوليه 1968، وتولّى حزب "البعث" السلطة.
2. معالجة الحكومة العراقية المسألة الكردية
نص البيان الأول للانقلاب على "تحقيق وحدة الشعب الوطنية، بما يتطلب تعزيز الأخوّة العربية ـ الكردية، بما يضمن مصالحها القومية، ويقوّي نضالها المشترك ضد الاستعمار، واحترام حقوق الأقليات، وتمكينها من المساهمة في الحياة الوطنية".
واستجاب الحزب الديموقراطي الكردستاني لهذه المبادرة، وأرسل برقية تأييد إلى مجلس قيادة الانقلاب الجديد، جاء فيها أنهم ينتظرون "من الحكام الجدد خطوات عملية، لحل القضية الكردية، على أساس الحكم الذاتي، الذي يرسي قواعد أزلية للأخوّة العربية ـ الكردية".
وفي اليوم التالي، أمر الملا مصطفى البارزاني بإيقاف النيران على جميع الجبهات، في كردستان. كما وصل جلال الطالباني إلى بغداد، في 19 فبراير 1963، ممثلاً شخصياً للزعيم الكردي لإجراء مفاوضات الصلح، التي كانت تهدف إلى أن تعلن حكومة بغداد اعترافها الصريح بحق الأكراد في الحكم الذاتي، وأن يتم ذلك في مدة، أقصاها الأول من مارس 1963.
وقد استجابت الحكومة، مبدئياً، لهذا المطلب، وصدر بيان عن مجلس قيادة الانقلاب، في الموعد المحدد، ينص على "أن الثورة عازمة عزماً أكيداً على تصفية آثار الحكم القاسمي البغيض وإزالتها، بالعمل على تطبيق مشاركة جميع المواطنين في الوطن الواحد، وضمان حقوق إخواننا الأكراد".
وفي 4 مارس، بدأت المفاوضات بين حكومة العراق ووفد الأكراد، برئاسة جلال الطالباني الذي عرض مطالبه التي تتلخص في الآتي:
أ. الاعتراف بحق الأكراد في الحكم الذاتي.
ب. تشكيل مجلس تشريعي ومجلس تنفيذي كرديَّين.
ج. تعيين شخصية كردية نائباً لرئيس جمهورية العراق، على أن ينتخبه الأكراد، ويكون مقره في بغداد.
د. تشكيل وحدة أمن كردية، مقرها في كردستان.
هـ. تخصيص حصة عادلة من الموارد المالية، لإنفاقها على مشروعات عمرانية، في كردستان .
و. جعْل اللغة الكردية لغة رسمية، إلى جانب اللغة العربية، في إقليم كردستان.
واللافت أن هذه المطالب، تفوق كثيراً المطالب السابق تقديمها إلى حكومة عبدالكريم قاسم، إذ إن الأكـراد يطالبون بحكم ذاتي متكامل، عدا الدفاع والخارجية. كما يريدون أن يشتركوا في إدارة السياسة العامة للدولة، من طريق نائب الرئيس.
ويعود ذلك إلى سببين:
الأول: هو نجاح الأكراد في إثبات وجودهم، والسيطرة على معظم إقليم كردستان، نتيجة السياسة الخاطئة لعبد الكريم قاسم تجاههم.
الثاني: الدعم، المادي والمعنوي، الذي تلقاه الأكراد من مصادر خارجية، أهمها إيران.
مع الرغبة في إيجاد تفاهم مع الأكراد، أرسلت الحكومة، في 7 مارس 1963، وفداً شعبياً، لمقابلة الملا مصطفى البارزاني، وتهيئة الجو لمفاوضات مثمرة، واستبدال عبارة "الإدارة الذاتية" بعبارة "الحكـم الذاتي"، على أن تتخذ الحكومة عدة إجراءات في هذا المجال. ونجح الوفد في مهمته وأصـدر مجلس قيادة الانقلاب، في 9 مارس 1963، بياناً، يقضي بإقرار الحقوق القومية للأكراد، على أساس "اللامركزية".
وأعدت الحكومة المشروع القاضي بتقسيم العراق إلى ست محافظات، تكون إحداها في شمالي العراق، وهي السليمانية، وتتكون من ألوية أربيل والسليمانية ودهوك. مما يعـني خروج مصادر النفط، في كركوك، من المنطقة الكردية. إلا أن الملا البارزاني رفض المشروع.
وقدم ثلاثة مطالب جديدة إلى الحكومة. وهي:
أ. إقامة جيش كردي محلي، يشمل وحدات الشرطة.
ب. يخصص 75% من عائدات النفط للحكم الذاتي الكردي.
ج. تضم منطقة كردستان لواءَي الموصل وكركوك.
إزاء ذلك، توقفت المفاوضات، لاستحالة تنفيذ المطالب الكردية، وإصرار الحكومة على ألا يتعدى مفهوم "اللامركزية" الشؤون الإدارية. وتأجلت المفاوضات مع الأكراد، مؤقتاً، ريثما تتضح نتائج مفاوضات الوحدة الثلاثية، بين مصر وسورية والعراق.
ولكي تثبت الحكومة العراقية للأكراد حسن نيتها، سمحت بسفر وفد، برئاسة جلال الطالباني، إلى القاهرة ليقدم مذكرة إلى الوفود، المشتركة في مباحثات الوحدة، التي بدأت في 8 أبريل 1963. واجتمع الوفد مع الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، أولاً، نظراً إلى ما يبديه من تعاطف مع القضية الكردية، "لكنه لم يَعِد بشيء محدد".
ثم قدم الأكراد إلى الوفود المجتمعة مذكرة، جاء فيها:
أ. إذا بقي العراق من دون تغيير في كيانه، يقتصر مطلب الشعب الكردي، في العراق على البيان الصادر عن الجمهورية العراقية، في شأن الحقوق القومية للشعب الكردي، على أساس اللامركزية.
ب. إذا انضم العراق إلى اتحاد فيدرالي، يجب منح الشعب الكردي، في العراق، حكماً ذاتياً، بمفهومه المعـروف، بعيداً عن أي تأويل.
ج. إذا اندمج العراق في وحدة كاملة مع دولة عربية أخرى، يكوّن الشعب الكردي، في العراق، إقليماً، مرتبطـاً بالدولة الموحَّدة، على نحو يحقق الغاية من صيانة وجوده، وينفي، في الوقت نفسه، الانفصال، ويضمن تطوير العلاقات الوثيقة، بين الشَعبين الشقيقَين نحو مستقبل أفضل.
وفي القاهرة وُقِّع ميثاق الدولة الاتحادية، في 17 أبريل 1963.
وبعد أسبوع واحد، تقدم الوفد الكردي المفاوض إلى الحكومة العراقية، في 24 أبريل 1963، بمشروع معدل لمقترحاته السابقة، أقلّ تشدداً من سابقَيه، ويتضمن الآتي:
أ. أن يتضمن الدستور العراقي نصوصاً لجهاز تشريعي أعلى، للجمهورية ولرئيس الجمهورية والحكومة.
ب. تنظيم الجهاز المختص بممارسة الشعب الكردي لحقوقه القومية، في الأمور، التشريعية والتنفيذية والقضائية، في منطقة كردستان.
ج. استقلال منطقة كردستان بماليتها الخاصة، المكونة من الموارد المحلية، فضلاً عن حصتها من الموارد العامة.
د. كون نائب رئيس الجمهورية كردياً، ينتخبه الأكراد.
هـ. تمثيل شعب كردستان، في المجلس الوطني العراقي، بعدد من النواب، يتلاءم مع نسبة عدده إلى سكان العراق.
و. تطبيق "شرط" النسبة العددية، فيما يتعلق بعدد الوزراء والموظفين، والجامعات والكليات العسكرية، والشرطة.
وأبدت الحكومة العراقية استعدادها لقبول بعض المطالب فيما يتعلق باللغة الكردية، وفتح مدارس جديدة، وجامعة كردية، والإصلاح الإداري. ولكنها لم تقبَل المطالب، العسكرية والمالية، على أساس أن وجود تشكيلات عسكرية كردية، وحصول الأكراد على الاستقلال المالي، قد يغريانهم بالتفكير في الانفصال.
وحيال فشل المفاوضات، تصاعد الصراع العسكري، مرة أخرى، بدءاً من يونيه 1963. ولكنه أخذ هذه المرة، منحى جديداً، فقد نجحت الحكومة العراقية في تجنيد القبائل والمشايخ، المناوئين للبارزاني، وهي قبائل الزيباريين، وشكلت منهم قوات غير نظامية. في الوقت عينه، شكلت قوة "فرسان صلاح الدين" وقوة "فرسان خالد بن الوليد"، من بعض رجال القبائل العربية، في لواء الموصل، وسلحتهم تسليحاً جيداً، لعرقلة أهداف البارزاني، وتشتيت قواه، داخل منطقة كردستان نفسها. كذلك، أرسلت سورية قوات عسكرية، لمساندة الحكومة العراقية.
أما الأكراد، فتدفقت إليهم المعونات، العسكرية والمادية، من إيران، فاستعدت "البشمركة" لمقاومة قوات الحكومة.
ومع استمرار القتال، والنذر بتوسعة مجالاته. تدخل الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وأوقف القتال، في فبراير 1964، قبل حلول الربيع، الذي يعطي الفرصة للقوات الحكومية لاستخدام المعدات، ومطاردة القوات المناوئة.
وتبادل الطرفان الأسرى، ورُفع الحصار، ووعدت الحكومة العراقية بحل المنظمات، شبه العسكرية، الكردية، التابعة لها. وعادت الإدارة العراقية إلى مناطق الأكراد، ووضعت خطة لإعمارها، وساد فيها السلام، حوالي 20 شهراً متصلة.
وبصدور الدستور المؤقت، في أكتوبر 1964، رأى الأكراد، أن ما ورد فيه، يُعَد انتقاصاً للحقوق، التي اكتسبوها من الدستور المؤقت لإنقلاب 14 يوليه 1958.
وقدم البارزاني مذكرة إلى الرئيس عبدالسلام عارف، في 11 أكتوبر 1964، تتضمن مطالب هي:
أ. حق الشعب الكردي في الحكم الذاتي، ضمن جمهورية عراقية دستورية وديموقراطية.
ب. حل قوات الفرسان، "صلاح الدين وخالد بن الوليد"، وتجريدهم من السلاح وتسريحهم.
ج. في حالة قيام وحدة أو اتحاد، بين العراق وأي قطْر عربي آخر، تصبح كردستان إقليماً، يتمتع بالحقوق عينها، التي تتمتع بها أقاليم الوحدة أو الاتحاد. ويلتزم بواجباتها نفسها.
ورأت الحكومة العراقية، أن هذه المطالب، هي تكرار لموقف كردي متشدِّد. وردَّت عليها بطلب حل قوات الأنصار الكردية "البشمركة". واستمرت المباحثات تواجه ظروفاً صعبة، حتى أصدرت الحكومة العراقية تعديلاً للدستور المؤقت في 9 سبتمبر 1965م، وأصبحت المادة 19، تنص على أن "يقر هذا الدستور الحقوق القومية للأكراد، ضمن الشعب العراقي، في وحدة وطنية متآخية".
ومع نهاية عام 1965، وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود. وفي أوائل عام 1966، اشتعل القتال في الشمال، مرة أخرى. وكان البارزانيون في وضع أفضل مما كانوا عليه، نتيجة لاستمرار الدعم، وتدريب العناصر الموالية لهم. في الوقت عينه، كانت القوات الحكومية في وضع أسوأ، نتيجة لانتقال السلطة، واختلاف المفاهيم بين أعضاء القيادة العراقية. وقد استغل الملا مصطفى البارزاني هذه الأوضاع، ووسع نطاق سيطرته على كردستان، وأصبح زعيماً عاماً للقبائل الكردية، إلى جانب زعامته للحزب الديموقراطي الكردستاني.
وفي مواجَهة ذلك استمرت الحكومة العراقية على نهجها السابق عينه، في تجنيد القبائل الزيبارية وغيرهم من القبائل التي تناوئ البارزانيين وإغداق الأموال عليها، مع توجيه الضربات إلى الأكراد البارزانيين بوساطة الطائرات والمدفعية، وإرسال القوات لإخضاعهم للسلطة.
وكانت النتائج النهائية لهذا الصراع في صالح البارزانيين، لتمكُّنهم من السيطرة على المناطق الجبلية الوعرة، لمعرفتهم بالتضاريس، التي تحقق الإخفاء أو المناورات الآمنة، والتأمين ضد القصف، الجوي والمدفعي، ولإتقانهم لحرب العصابات، وتسلُّحهم بأسلحة حديثة.
ولم تهدأ العمليات العسكرية، إلا في عقب بيان عبدالرحمن البزاز، رئيس الحكومة العراقية، الصادر في 29 يونيه 1966، والذي أكد فيه استعداد الحكومة لتنفيذ ما جاء في الدستور المؤقت، في أبريل 1964، وتعديلاته فيما يتعلق بحقوق الأكراد القومية، وتنفيذاً لذلك، صدر قانون المحافظات، على أساس من اللامركزية في إدارة الشمال، بأن يكون لكلِّ لواء، ولكلِّ قضاء، ولكل ناحية، شخصية معنوية معترف بها. وأكد البيان استعداد الحكومة للاعتراف باللغة الكردية، وتمثيل الأكراد في المجلس الوطني، ومشاركتهم في الوظائف المدنية العامة، وأن تخصص الحكومة جزءاً كبيراً من ميزانيتها، لإعمار منطقة كردستان، كما أيدت الحكومة إنشاء جامعة في السليمانية، ووعدت بالاستقلال الإداري للمناطق الكردية، مقابل أن يسلم الأكراد سلاحهم.
وفي نهاية هذه المرحلة من الجمهورية العراقية الثانية، بدا الملا مصطفى البارزاني، وكأنه ملك لكردستان غير المتوج، إذ أخذ يجبي الرسوم والضرائب والأتاوي، ويرهب خصومه، ويجتذب الشباب الأكراد، الذين انخرطوا في الحزب الديموقراطي الكردستاني. بل حاول أن يظهر بمظهر المحرر لكل العراق ، فطالب بالديموقراطية الكاملة، والحياة البرلمانية، في كل أنحاء العراق. وتبنى قضية الأقليات، القومية والدينية في العراق.
وفي 17 يوليه 1968، أطاح البعثيون حكم عبدالرحمن عارف في العراق، وبدأت المسألة الكردية مرحلة جديدة.
***************************
المبحث الرابع
الأكراد في ظل حكم البعث العراقي وحتى نهاية الحرب العراقية ـ الإيرانية
أولاً: المسألة الكردية، في ظل حُكم حزب "البعث" العراقي
1. الانقلاب البعثي في 17 يوليه 1968
تمكن البعثيون من تجميع قواهم ، وبادروا إلى انقلاب، في 17 يوليه 1968، بقيادة الرئيس أحمد حسن البكر. ولم يكن الأمر غريباً، لأن البعثيين كانوا متحالفين مع القوميين، في انقلاب 1963. ولكن الرئيس عبدالرحمن عارف، أطاح جزءاً منهم، في نوفمبر من العام نفسه، وأبقى المعتدلين، ثم تخلص منهم جميعاً عام 1964. مما أدى إلى أن يتحـالف عليه الجميع، ويطيحوه، في 17 يوليه 1968. وهكذا، يظهر أن هدف الانقلاب الرئيسي، هو الوصول إلى السلطة. ومنذ اللحظة الأولى، اتخذت الحكومة الجديدة العديد من القرارات السياسية، في مصلحة الأكراد، بهدف الحفاظ على وحدة الشعب العراقي، ومواجهة المتغيرات العديدة في المنطقة، وتنفيذ أهداف حزب "البعث" ذي الطموحات القومية الواسعة.
ففي البيان الأول، الصادر عن الحكام الجدد، في 17 يوليه 1968، لم يغب عنهم المسألة الكردية، إذ ذكر البيان "أن الحكام السابقين أهملوا، متعمدين، الاستقرار والأمن الداخلي في ربوع الوطن. ولم يتقدموا خطوة إيجابية واحدة، لحل القضية الكردية. وأن الثورة عازمة على تحقيق الوحدة الوطنية، وإنهاء مشكلة الشمال، بحكمة ودراية، وبروح طابعها مصلحة الوطن، وضمان أمنه واستقراره ورفاهيته، وصيانة وحدته الوطنية".
ثم صدر الدستور المؤقت، في 21 سبتمبر 1968، فألغى الدستور المؤقت السابق، الصادر عن الرئيس عارف. فقد نصت المادة 21، من الباب الثالث، على أن العراقيين "متساوون في الحقوق والواجبات، أمام القانون، لا يميز بينهم، بسبب الجنس أو العِرق أو اللغة أو الدين، ويتعاونون في الحفاظ على كيان الوطن بمن فيهم العرب والأكراد، ويقرر الدستور حقوقهم القومية، ضمن الوحدة العراقية".
وفي نهاية عام 1968 عقد المؤتمر القطْري السابع لحزب "البعث" ـ ومقررات هذا الحزب، في عُرف العراقيين تعادل نصوص الدستور ـ وأكدت قراراته حق الأكراد في التمتع بحقوقهم القومية، في إطار وحدة الشعب والوطن والنظام الدستوري، وأن المشكلة الكردية، يجب أن تُحل حلاً سلمياً، حتى لا تستغلها القوى الخارجية، للتدخل في شؤون العراق، والضغط عليه. وأن عدم قدرة العهود الماضية على تفهّم المشكلة، وعدم الرغبة الصادقة في حلها، علاوة على التدخل الخارجي، زادت المشكلة تعقيداً، حتى إنها كادت تستعصي على الحل، بعد أن حل العنف، منذ عام 1961، في معالجتها، بدلاً من الحوار الديموقراطي، الذي تستوجبه طبيعة المشكلة، التي تتضمن حقوقاً عادلة، لجزء من الشعب العراقي.
2. الصراع الكردي ـ البعثي
كان وضع الأكراد، مع بداية الانقلاب الجديد، مختلفاً تماماً عنه مع الانقلابات السابقة، وكان الملا مصطفى البارزاني، يبدو وكأنه رئيس كردستان غير المعلَن. وكان التحالف، بين الأكراد وبعض الدول الأخرى، وخصوصاً إيران، تحالفاً متيناً، يحقق هدف الأكراد، في تلقّي المساعدات المادية، والأسلحة وتدريب المقاتلين، كما يحقق هدف الدول الأخرى، في الحفاظ على مصالحها في المنطقة، سواء بتوفير النفط أو بإضعاف العراق نفسـه، واللافت هو ذلك التفاهم الضمني، المطبق، فعلياً، دونما أي اتفاق مسبق، بين أطراف ثلاثة، هي: الحكومة العراقية، والأكراد، وشركة نفط العراق، فحواه أن يبتعد القتال عن أي منشآت نفطية، من آبار ومحطات استخراج، أو ضخ، فضلاً عن خط الأنابيب، الممتد من كركوك إلى الأراضي السورية. وفي سبيل ذلك، كانت شركة نفط العراق تتعاطف، بحرص شديد، مع الأكراد، رغبة في استنزاف الحكومة العراقية، بينما كانت تبدي لتلك الحكومة "قلقها" من استمرار تدهور الأوضاع في الشمال.
ومع بداية الانقلاب، لم يستجب الأكراد لبيانه الأول، واستمروا في الإجراءات المناوئة للحكومة. لذلك، اندلع القتال، عنيفاً، بدءاً من أكتوبر 1968، وبعد شبه توقف، منذ يونيه 1966. ولم يكن القتال، هذه المرة، كالمرات السابقة، إذ أدارت الحكومة البعثية دفة الحرب، بأسلوب دموي عنيف، على الرغم من حلول الخريف والشتاء، فشارك الجيش والطيران في القتال، على نطاق واسع. وعلى الرغم من الخسائر الشديدة، وتدمير العديد من القرى الكردية، وإبادة معظم سكانها. إلا أن الحكومة، لم تتمكن من السيطرة على المنطقة الكردية، لأسباب عديدة، منها وعورة المنطقة الجبلية، واستبسال الأكراد في الدفاع عنها، وشن الهجمات الفدائية، وقطع الطرق ... وخلافه.
وقد تغيرت المعطيات في هذه المرحلة، نتيجة عاملَين:
الأول: انحياز حكم "البعث" العراقي إلى المعسكر الشرقي، مما أشعر الأكراد، أن هذا الانحياز يأتي على حساب القضية الكردية، فتغيرت مواقفهم تجاه إيران، واستطراداً، نحو الولايات المتحدة الأمريكية، لإمدادهم بحاجتهم، العسكرية والمادية.
الثاني: تصاعد الخلاف العراقي - الإيراني حول الحدود المشتركة، في شط العرب، وسعي طهران إلى إضعاف الحكومة العراقية، واضطرارها إلى توجيه جهودها نحو الشمال، حرصاً على قوة الموقف الإيراني في الجنوب. وقد وجدت إيران ضالتها المنشودة في الأكراد.
وكانت الحكومة العراقية تدرك ذلك، فعمدت إلى إجراء بعض الإصلاحات، الدستورية والإدارية. ولكن الأكراد لم يستكينوا، إذ كانوا يتحركون بدعم وضغط إيرانيَّين شديدَين.
وفي أكتوبر 1969، ومع اهتمام الإعلام الغربي بالقضية الكردية، تقدَّم الأكراد بمذكرة إلى الأمم المتحدة يشتكون فيها "الحرب العنصرية، التي يشنها حكام العراق ضد الشعب الكردي". واتهمت المذكرة الحكام البعثيين بمحاولة إبادة الشعب الكردي، ومحوه محواً تاماً، كشعب يسعى إلى الاحتفاظ بلغته وثقافته وقوامه القومي. وشملت المذكرة بعض الملاحق بالنصوص المتضمنة حقوق الأكراد، منذ معاهدة سيفر Sèvres، عام 1920. واحتوى الملحق السادس على التنديد بالوضع، الصحي والتعليمي، في كردستان العراق. وشمل الملحق السابع وقائع عن "الحالة المؤسفة، التي يعيشها المسيحيون العراقيون، تحت الحكم البعثي".
وقد دفعت الحملة الإعلامية الدولية إلى تحرك الإدارة العراقية إلى صدور قرار مجلس قيادة الانقلاب إلى إصدار القرار الرقم 677، في 25 نوفمبر 1969، بتشكيل لجنة، برئاسة اللواء الركن صالح مهدي عماش، عضو قيادة الانقلاب، لمتابعة تنفيذ كافة القرارات الصادرة عن المجلس، في شأن الأمور المتعلقة بالقضية الكردية، رغبة في تخفيف حّدة القتال. وقد اتخذت الحكومة العراقية عدة إجراءات، لإثبات حُسن نياتها تجاه الأكراد، وأصدرت عفواً شاملاً عن جميع المدنيين والعسكريين، الذين اشتركوا في أعمال العنف، في كردستان. وأصدرت قانون المحافظات، المتضمن لا مركزية الإدارة المحلية، وإنشاء محافظة "دهوك". وتقرر إنشاء جامعة السليمانية، ومجمع علمي كردي، وإنشاء مديرية الثقافة الكردية، وجعل عيد النيروز عيداً وطنياً، في العراق وهذه القرارات تشمل الوعود السابقة للحكومات المتعاقبة، علاوة على بعض العناصر الجديدة.
3. بيان 11 مارس 1970 (اُنظر ملحق مقتطفات من بيان مجلس قيادة الثورة العراقي حول الحل السلمي للقضية الكردية بغداد 11/3/1970).
مع استمرار المفاوضات بين الحكومة والأكراد. بادرت الحكومة إلى إعلان بيان 11 مارس 1970، الذي يقنن حقوق الأكراد القومية، على مستوى الدولة، ويشعر الأكراد بأنهم جزء من الوطن العراقي، وأن المسألة السياسية في الصراع العربي ـ الكردي، هي في طريقها إلى الحل.
أ. النقاط الرئيسية في بيان 11 مارس
ويشمل هذا البيان العديد من الإجراءات الإصلاحية. واتُّفق على أن يصدر بها تعديل في الدستور المؤقت، كما يتضمنها الدستور الدائم للعراق، عند إصداره. وهي تشمل إجراءات، سياسية وإدارية، وثقافية، وعلمية، أهمها:[1]
المادة الأولى: تكون اللغة الكردية لغة رسمية، مع اللغة العربية، في المناطق الكردية. وتدَّرس اللغة العربية في كافة المدارس الكردية. كما تدَّرس اللغة الكردية (كلغة ثانية) في كافة أنحاء العراق، وفي الحدود التي يعيِّنها القانون.
المادة الثانية: يشارك الأكراد في الحكم، دون تمييز بينهم وبين غيرهم، في تولّي الوظائف العامة، والمهمة في الدولة، كالوزارات وقيادات الجيش وغيرها، وبنسب عادلة، مع مراعاة مبدأ الكفاءة، ونسبة السكان، وما أصاب الأكراد من حرمان، في الماضي.
المادة الثالثة: نظراً إلى التخلف اللاحق بالقومية الكردية، في الماضي، من الناحيتَين، الثقافية والتربوية، يجب وضع خطة لمعالجة هذا الوضع، من طريق الإسراع في تنفيذ قرارات مجـلس قيادة الانقلاب، حول اللغة والحقوق الثقافية للشعب الكردي، والتوسع في فتح المـدارس في المنطقة الكردية، والتوسع في قبول الطلبة الأكراد في الجامعات والكليات العسكرية والبعثات الدراسية، بنسب عادلة.
المادة الرابعة: يجب أن يكون تعيين المسؤولين والموظفين، في لوحدات الإدارية، ذات الأغلبية الكردية، من الأكراد أو ممَّن يحسنون اللغة الكردية.
المادة السابعة: النهوض بالمنطقة الكردية، في جميع المجالات، وتخصيص ميزانية مالية لتحقيق ذلك. وتحديد خطة اقتصادية، للتطوير المتوازن، لكل مناطق العراق.
المادة العاشرة: يتكون الشعب العراقي من قوميتَين رئيسيتَين، هما القومية العربية والقومية الكردية. ويقر الدستور حقوق الشعب الكردي القومية، وحقوق الأقليات الأخرى، ضمن الوحدة العراقية.
المادة الحادية عشرة: الإسراع في تطبيق قانون الإصلاح الزراعي، مع إعفاء الفلاحين من الديون المتراكمة عليهم.
المادة الثانية عشرة: يكون أحد نواب رئيس الجمهورية، كردياً.
المادة الثالثة عشرة: أ. حق الأكراد في إنشاء منظمات شعبية. وتكون هذه المنظمات أعضاء في المنظمات الوطنية العراقية المشابهة.
ب. يعدَّل قانون المحافظات، لينسجم مع مضمون بيان 11 مارس 1970.
المادة الرابعة عشرة: استغلال الثروات الطبيعية في منطقة الحكم الذاتي، سيكون في إطار الجمهورية العراقية.
المادة الخامسة عشرة: يسهم الأكراد في السلطة التشريعية، وفقاً لنسبة عددهم إلى عدد سكان العراق.
وقد تحددت أربع سنوات، كفترة انتقالية، لتنفيذ البيان، وتولّي الأكراد سلطة الحكم الذاتي، في كردستان العراق.
ب. مصداقية الحكومة العراقية في تنفيذ بيان 11 مارس 1970
يُعَدُّ البيان التزاماً من الحكومة، لتحقيق هدفين:
الأول: تحقيق مطالب الأكراد، في شأن حقوقهم القومية المشروعة، ضمن نطاق العراق الموحَّد.
الثاني: فرض مركزية السلطة ، وترسيخ الوحدة الوطنية بين عنصرَي الأمة الرئيسيَّين.
لذلك، كانت الحكومة جادّة في إنهاء المسألة الكردية، لمصلحة العراق، أولاً، ثم لمصلحة الأكراد الوطنيين.
رأت الحكومة العراقية، أن هذا البيان، يمثل قمة المسؤولية الوطنية، وأقصى ما يمكن منحه للأكراد، الذين لاحت أمامهم الفرصة لتحقيق آمالهم، وعليهم أن يستغلوا هذا الموقف الديموقراطي في مصلحتهم، ومصلحة العراق الأم.
ولضمان تنفيذ القرارات، شكلت الحكومة لجنة عليا للشمال، في 12 مايو 1971 برئاسة صدام حسين، مهمتها بحث إجراءات تنفيذ بيان 11 مارس، وخول رئيسها اختصاصات مجلس قيادة الانقلاب (عدا الاختصاصات التشريعية).
ونفّذت الحكومة فعلاً العديد من التزاماتها، على الرغم من المصاعب التي واجهتها. وأصدر مجلس قيادة الانقلاب قراره الرقم 22 في 30 أبريل 1972، بفتح العديد من المدارس في المنطقة الكردية، وحدد التدريس فيها باللغة الكردية، وبإصدار وزارة الإعلام العراقية جريدة كردية، "هاو كاري"، ومجلة كردية، "بيمان"، وتشكيل لجنة لمتابعة الأمور الثقافة في كردستان العراق.
يتبع إن شاء الله...
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الأكراد والمشكلة الكردية الخميس 14 فبراير 2013, 12:54 am | |
| ج. موقف الأكراد من بيان 11 مارس 1970
لم يكن القرار الكردي في يد الأكراد أنفسهم، وإنما كان رهين قوى أجنبية، على رأسها إيران.
تظاهر الملا البارزاني، رئيس الحزب الديموقراطي الكردستاني بقبول البيان، في البداية، وأنه يسعى إلى تنفيذه. وأرسل برقية إلى الرئيس أحمد حسن البكر، معلناً التزامه بالبيان نصاً وروحاً.
وانتهج الملا البارزاني، في الخفاء، نهجاً يهدف إلى تعطيل تنفيذ إجراءات البيان، واللجوء إلى المراوغة، بإيجاد تفسيرات مختلفة لمواد البيان، ومن خلالها، يوجّه اتهاماته إلى الحكومة المركزية بالانفراد بالسلطة، والعمل على هدم البيان.
أما الهدف الحقيقي، الذي كان يسعى إليه البارزاني، فهو انفصال إقليم كردستان عن العراق.
ولم تكن الحكومة العراقية تجهل نيات بعض أجنحة الحزب الكردستاني، ورئيسه الملا البارزاني. لذلك، اشتعلت المواجَهات بينهما، فأدت إلى تعطيل تنفيذ بيان مارس.
وقد حاولت الحكومة استقطاب الحزب الديموقراطي الكردستاني، بتحالفه في إطار الجبهة القومية التقدمية، على أساس ميثاق العمل الوطني، ومن أجل تنفيذ بيان مارس.
لكن هذه المحاولة لم تلقَ إلا الرفض من الملا البارزاني، بل أدت إلى مهاجمته المعاهدة العراقية ـ السوفيتية، وكشف أهدافها المضادّة لمصالح الأكراد. وقد صاحب هذه الحملة الهجوم على قواعد الحزب الشيوعي، في كردستان نفسها.
واستمراراً لأسلوب حزب "البعث"، فقد حاول التخلص من الملا مصطفى البارزاني، باغتياله.
وكانت المحاولة الأولى في سبتمبر 1971، في موطنه "صلالة". ولكنها فشلت، فسارعت الحكومة إلى استنكار الجريمة، وأنكرت أي صلة لها بها.
أما المحاولة الثانية، فكانت في يوليه 1972، وفشلت، كذلك، وتصرفت الحكومة إزاءها تصرفها إزاء المحاولة الأولى.
إلا أن الحكومة نسبت المحاولتَين، بعد فترة، إلى ناظم كراز رئيس مصلحة الأمن العام العراقي، خلال محاكمته، إثر محاولة انقلاب فاشلة، والحكم عليه بالإعدام.
في الوقت عينه، ركز حزب "البعث" في أمرين مهمَّين:
(1) هو إيجاد أكبر قدر من التصدع في جبهة الحزب الديموقراطي الكردستاني، واصطناع قيادات وأحزاب كردية، منافسة للبارزاني.
(2) تهجير أعداد كبيرة من العرب، البعثيين، إلى مناطق الأكراد الآمنة، مع توفير أراضٍ للبناء، بالمجان، ومنحهم وظائف رسمية، للاستقرار هناك، بهدف الإخلال بالتركيبة السكانية في مصلحة العرب، وخصوصاً في المناطق النفطية.
ومع استمرار القتال، وفي محاولة لانفراج الأزمة، بادرت الحكومة إلى التفاوض الثلاثي، بين الأحزاب الثلاثة: "البعث" والشيوعي والديموقراطي الكردستاني، في سبيل إيجاد مخرج للقضية. وبدأت هذه المفاوضات في نهاية عام 1972. واشترك فيها بعض الشخصيات، العربية والكردية، المهتمة بالقضية، إلى جانب الأحزاب الثلاثة. ولكن هذه المفاوضات فشلت، نتيجة تقديم الحزب الكردستاني مشروعاً مضادّاً، رأت الحكومة أنه بعيد جداً عن فلسفة الحكم الذاتي. إذ طالب بإدخال مناطق جديدة في إطار الحكم الذاتي، من بينها منطقة كركـوك النفطية، وبعض المناطق الأخرى، التي لا يشكل فيها الأكراد أغلبية. وكان رفض الحكومة من منطلق أن "كردستان وحدة إدارية، لها شخصية معنوية، تتمتع بالحكم الذاتي، في إطار الوحدة، القانونية والسياسية والاقتصادية، للعراق "الموحَّد". بينما كان المشروع الكردي يطالب بنظام أقرب إلى الوزارات المستقلة، مما يؤدي إلى نشوء كيان كردي منفصل عن العراق.
كما تقدم الجانب الكردي بعدة مطالب، وهو يدرك، مسبقاً، أن الحكومة سوف ترفضها. ومنها:
(1) إصدار كل القوانين، من خلال المجلس الوطني.
(2) تكون الشرطة في كردستان، خاضعة لسلطة الحكم الذاتي.
(3) إلغاء مجلس قيادة الانقلاب.
(4) إنشاء هيئة رقابة متبادلة، على دستورية القوانين.
ومع تعثر المباحثات، اقترح الجانب الكردي، أن تطرح صيغتا المقترحات، الحكومية والكردية، على الشعب لاختيار أفضلهما. ولكن حكومة العراق رفضت ذلك، وتمسكت بالمشروع الذي قدمته.
وبحلول عام 1974، وهو العام الذي يطبق فيه الحكم الذاتي، وفقاً لبيان 11 مارس 1970، عقدت أول جلسة مباحثات، حول مشروع الحكم الذاتي، في 16 يناير 1974، بين ممثلي الجبهة الوطنية في العراق وممثلي الحزب الكردستاني. وكان رئيس وفد الجبهة الوطنية هو صدام حسين، وضم الوفد بعض أعضاء مجلس قيادة الانقلاب، وبعض الأكراد المستقلين.
وكان من الواضح، منذ بداية المباحثات، أن اتجاه كل جانب مختلف عن اتجاه الجانب الآخر. فبينما كان وفد الجبهـة متمسكاً بما جاء في بيان 11 مارس، والقرارات التالية المنفذة لبنوده، كان رأي الحزب الكردستاني، أن الظروف تغيرت، في خلال أربعة سنوات كاملة، مرت على إصدار هذا البيان، ولا بدّ من مراعاة المتغيرات.
وأدت الاختلافات في المباحثات، حتى، في 2 مارس 1974، إلى مقاطعة الوفد الكردي الاجتماعات. عندئذٍ، قرر وفد الجبهة، أن يشرع قانون الحكم الذاتي في موعده المحدد، 11 مارس 1974، بعد مرور السنوات الأربع، المنصوص عليها، كمرحلة انتقالية، في بيان 11 مارس 1970.
ومع استمرار جهود الوساطة، أرسل الملا البارزاني، في 9 مارس، ابنه، إدريس، إلى بغداد، حاملاً رسالة إلى حكومتها، التي فاوضها، وحمل ردها، إلى والده. فأجاب الملا، في برقية، باسم الحزب الديموقراطي الكردستاني، جاء فيها: "إن ما قدمناه، هو ما نعتقده صحيحاً. وعليه، فليس لدينا مقترحات جديدة. وسنلتزم، من جانِبنا، بما يحفظ القانون". "ولقد فهمت الحكومة من هذه البرقية، أنها تشير إلى أن الحزب الديموقراطي الكردستاني، سيستفيد من مهلة الخمسة عشر يوماً، اللاحقة على إعلان القانون".
وقد سارت الحكومة في إجراءاتها، لتنفيذ بيان "مارس 1970. فعُدِّل الدستور المؤقت، ثم صدر بيان مجلس قيادة الانقلاب، حول الحكم الذاتي، في 11 مارس 1974، أعقبه صدور بيان سياسي، تضمن "أن قانون الحكم الذاتي، هو تأكيد لروابط المواطنة والأخوّة التاريخية، بين أبناء العراق، من العرب والأكراد و الأقليات المتآخية، وتطبيق لبيان 11مارس 1970 وما تضمنه ميثاق العمل الوطني. وأن تطبيق الحكم الذاتي، على أسس ديموقراطية، يوفر السبُل لممارسة الحقوق القومية المشروعة" (قانون الحكم الذاتي لمنطقة كردستان في العراق، الذي أذاعه الرئيس أحمد حسن البكر، رئيس مجلس قيادة الانقلاب، رئيس الجمهورية، مساء 11 مارس 1974).
وفي 12 مارس 1974، دعت الحكومة قيادة الحزب الديموقراطي الكردستاني إلى الانضمام إلى الجبهة الوطنية، إلا أن الرد كان الرفض التام لما أقدمت عليه الحكومة المركزية. وتحسباً لما سيحدث، فقد اتخذت الجبهة استعداداتها للحرب. بينما "صعد الأكراد إلى الجبال".
وقد شهدت هذه المرحلة متغيرات عدة، أدت إلى هذا الوضع. أهمها:
(1) إجراءات تأميم النفط العراقي، مع تصاعد أسعاره تصاعداً مطرداً، مما جعل منطقة كركوك ذات ميزات، اقتصادية وإستراتيجية تغري كل طرف بضمها إليه.
(2) تصاعد الرغبة الإيرانية في سرعة إنهاء مشكلة شط العرب، في مصلحة طهران.
(3) انتقام شركات النفط من الحكومة العراقية، بخلق مشاكل كبيرة لها، وذلك للجوئها إلى التأميم.
د. إجراءات الحكومة العراقية لتنفيذ بيان 11 مارس
أجرت تعديلاً وزارياً، عينت، بموجبه، عبدالله، الابن الأكبر للملا مصطفى البارزاني، وزيراً ـ وجعلت ذلك دليلاً على وجود أشخاص من عائلة الملا، يتجاوبون مع سياستها في منطقة كردستان.
في 21 أبريل 1974 عينت الدبلوماسي طه محيي الدين معروف، سفير العراق في رومانيا، آنئذٍ، نائباً كردياً لرئيس الجمهورية .
في 25 أبريل 1974، أصدرت بياناً أكدت فيه تصميمها على تنفيذ قانون الحكم الذاتي، وأنها لن تتفاوض، بعد ذلك، مع الملا مصطفى البارزاني، بل ستستأصله هو وجماعته.
4. اشتعال القتال بين القوات العراقية والأكراد
بحلول أغسطس 1974، بلغت الحرب الكردية ـ الحكومية مستوى، لم تبلغه من قبْل، سواء من جهة اتساع المسرح، أو ضراوة القتال، أو أنواع الأسلحة لدى الطرفين. وقد كان لشاه إيران دوراً كبيراً في إمداد الأكراد بكل ما يحتاجون إليه من أسلحة. كذلك، استقبال إيران، الفارّين من القتال الضاري في منطقة كردستان، إذ لجأ حوالي 130 ألف كردي، كلهم من النساء والأطفال والشيوخ. أما الشبان الهاربون، فكانوا يجندون، ويُعادون للقتال ضد القوات الحكومية.
وأصبح القتال، بحدّته هذه، عبئاً ثقيلاً، على الأكراد والعراقيين والإيرانيين، في وقت واحد.
أدت وسائل الدعاية الغربية إلى اتساع نشاط الإعلام، في نقل صور القتال، ودفع الرأي العام، الإقليمي والعالمي، إلى مشاهدة حرب، بالوكالة، وبين أطراف شعب واحد.
ودفع ذلك بعض القيادات العربية إلى إيجاد حل لهذه المشكلة.
5. وقف إطلاق النار
نشطت الجزائر في وساطة بين كلٍّ من العراق وإيران، لوقف القتال في شمالي العراق.
في 6 مارس 1975، في خلال انعقاد مؤتمر دول الأوبك، في العاصمة الجزائرية، وُقِّعت اتفاقية بين حكومَتي العراق وإيران، وقعها كلٌَ من صدام حسين، نائب رئيس جمهورية العراق، وشاه إيران. وتنص الاتفاقية على تسوية مشاكل الحدود، وخصوصاً "تقسيم شط العرب". وتلتزم إيران بعدم تقديم مساعدات إلى الأكراد العراقيين، في الشمال، وبإغلاق حدودها مع العراق في وجْه أي أنشطة عدائية للعراق.
وكانت هذه الاتفاقية، التي التزم الطرفان بتنفيذ بنودها، هي النهاية الحقيقية للتمرد الكردي، في شمالي العراق. وفر الملا مصطفى البارزاني إلى طهران، ومنها انتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث عاش لاجئاً سياسياً، حتى وافته منيته.
بحلول فجر 13 مارس 1975، أعلنت الحكومة العراقية وقفاً شاملاً لإطلاق النار.
أعلن العراق عفواً شاملاً عن جميع الأكراد، الذين يسلمون أسلحتهم وأنفسهم، حتى أول أبريل 1975.
أتاح توافر عائدات النفط، الذي ارتفعت أسعاره، بعد حرب أكتوبر 1973، للحكومة العراقية إعادة إعمار المناطق، التي خربتها الحرب في كردستان.
6. إحكام سيطرة الحكومة على كردستان العراقية
تواصلت حركة إعمار كردستان، وتوالى، كذلك، تهجير الكثير من الأُسَر العربية إليها.
تولّت الحكومة السلطات الإدارية الكاملة في كردستان، ولو أنها اصطدمت، في البداية، ببعض العقبات، التي أمكن تذليلها. وتغلغل حزب "البعث" في المناطق الكردية بعناصره، العربية والكردية.
تولت الشرطة العراقية مسؤولية الحفاظ على الأمن في المنطقة الكردية كلها.
أعادت الحكومة العراقية تمركز القوات المسلحة، لتضع بعض الوحدات في منطقة كردستان ، وليتنامى حجمها، إلى أن وصلت إلى قوة فيلق (بين فرقتَين وثلاث فرق مشاة مدرعة) بهدف إحكام السيطرة العسكرية، السرعة في إخماد أي ثورات جديدة، قد تحدث. كما أنشأت العديد من المطارات في المنطقة، وبالقرب منها.
ثانياًً: تأثير الحرب العراقية ـ الإيرانية (1980-1988) في المسألة الكردية
لا شك أن إيران حاولت تحريك الأكراد في مصلحتها. ولكن إجراءات الأمن الشديدة، في المنطقة الكردية، لم تمكن إيران (الثورة) من تنفيذ ما نفّذه شاه إيران، في أوائل السبعينيات.
كانت الحرب العراقية/ الإيرانية حرباً نظامية، وكذلك، شبه نظامية، تمتد على مواجَهة أكثر من ألف كم. ومع ذلك، استغلت إيران منطقة حاج عمران الكردية، في جعلها، لفترات طويلة، جيباً عراقياً محتلاً من قِبل القوات الإيرانية. وكانت قد احتلَّت عبْر تجنيد بعض العناصر الكردية الموالية لإيران، نظراً إلى الصعوبات التي تمثلها هذه المنطقة، بالنسبة إلى أي قوات تحاول استعادة السيطرة عليها.
كما أمعن العراق في الدعاية المضادّة لقصف إيران منطقة "مندلي"، وهي منطقة حدودية، يسكنها أكراد شيعة، بهدف تأليب الأكراد والشيعة معاً، على إيران.
باستثناء ذلك، ومعه بعض التحركات السياسية الكردية المعارضة، فإن الأكراد لم يكن لهم تأثير يذكر في مسار الحرب العراقية - الإيرانية سوى استخدامهم كأداة من قِبل أحد الطرفين المتحاربين، ضد الطرف الآخر.
1. الخلاف الكردي ـ الكردي، أثناء الحرب العراقية ـ الإيرانية
عمّقت الحرب العراقية - الإيرانية هوة الخلاف بين الحزبَين الرئيسيَّين في كردستان. فاتجه الحزب الديموقراطي الكردستاني، بقيادة مسعود البارزاني، نحو إيران إلى درجة إعلان تحالف بينهما، عام 1983، وحاول البارزاني، من أجْله، بتوحيد جهود الأكراد في شمالي العراق، للضغط على الحكومة العراقية وإجبارها على تقديم تنازلات للأكراد. بينما اتخذ حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، بقيادة جلال الطالباني، موقفاً مغايراً، ففتح قنوات اتصال مع النظام العراقي، بل إن الحكومة العراقية، استغلت هذا التقارب في تشجيع الطالباني على إثارة أكراد إيران، بقيادة عبدالرحمن قاسملو، ضد حكم آيات الله في إيران، استنزافاً للجهود الإيرانية، من الداخل.
وعموماً، فإن كلا الحزبين، قد فشل في تحالفاته.
أ. فالحزب الديموقراطي الكردستاني، على الرغم من تحالفه مع إيران، وتبنِّي وجهة نظرها، للضغط على الحكومة العراقية، لم ينجح في إقناع طهران بتسليمه منطقة حاج عمران الحدودية، إذ أصرت إيران على السيطرة عليها، بوساطة القوات التابعة للجبهة الإسلامية .
ب. فشل حزب الاتحاد الوطني الكردستاني في مباحثاته مع الحكومة العراقية، للتوصل إلى صيغة مقبولة للحكم الذاتي، على الرغم من سياسته الاعتدالية نحو الوطن الأم ومساعدته على إثارة أكراد إيران ضد حكومتها.
ج. والنتيجة النهائية هو تصاعد الخلاف بين الحزبَين الرئيسيَّين في كردستان، مما أضعف تأثيرهما في الحكومة المركزية، وأدى إلى تفجير الصراع الكردي - الكردي. وسمح للقوى الأجنبية بالتغلغل في داخل فصائل الأكراد، وكل ذلك، كان ضد مصلحة القضية الكردية نفسها.
وباستثناء أحداث أمنية قليلة، ومسيطر عليها ، فقد تأكدت سيطرة الحكومة المركزية في العراق على منطقة كردستان، طوال حقبة الثمانينيات.
2. التصادم الكردي ـ الحكومي، بعد نهاية الحرب العراقية ـ الإيرانية
بانتهاء الحرب بين إيران والعراق، في أغسطس عام 1988م، برزت ردود فعل، ما بعد الحرب، والتي تتخذ، غالباً، صورة تصفية حسابات، أو محاولة تحقيق مطالب مؤجلة. وهو ما حدث، خلال الربع الأخير من عام 1988، حين صعّد مسعود البارزاني الموقف في الشمال، وهو الذي كان الرئيس صدام حسين يهدف إلى معاقبته، أصلاً، على موقفه أثناء الحرب، إذ كان يميل إلى التحالف مع إيران، أكثر من التزامه بوطنيته، كعراقي.
لذلك، كان الرد الحكومي العراقي قاسياً إلى أبعد الحدود. عزم الرئيس صدام حسين، من خلاله، على إنهاء المشكلة من جذورها، فوجّه الطيران العراقي ليحيل مناطق كردية كاملة إلى دمار شامل، ثم استخدم "الغازات الكيماوية"، التي كان يمتلك منها الكثير، خلال فترة الحرب، ضد منطقة كردية جبلية وعرة، في "حلبجة".
وثارت، وقتها، ردود فعل دولية عنيفة، "لم تخرج عن حدود الإدانة الأدبية". وقد واجهت الحكومة العراقية ذلك بنفي استخدام الغازات الحربية.
وطغى على هذه القضية، تسارع المواقف السياسية في المنطقة، التي امتزجت باحتفالات العراق بالنصر. ثم أعقبها، بعد عامين فقط، حرب الخليج الثانية، أو حرب تحرير الكويت، التي غيرت وجْه المنطقة.
[1] قرار مجلس قيادة الثورة رقم 288 بتاريخ 11/3/1970 والذي يتضمن بيان 11 مارس.
***************************
المبحث الخامس
الأكراد عقب تحرير الكويت عام 1991
عقب انتصار العراق في الحرب العراقية - الإيرانية، سعت إيران إلى دفع الفصائل الكردية إلى توحيد جبهتها، مرة أخرى، بهدف استخدامها ضد صدام حسين. لذلك، عقد في كولون، في ألمانيا، في يناير 1990، مؤتمر كردي، يهدف إلى توحيد الجهود، والعودة إلى النضال، في سبيل تحقيق الحكم الذاتي لمنطقة كردستان. وكان التنسيق الرئيسي بين الحزبَين الكبيرَين: الديموقراطي الكردستاني، بقيادة مسعود البارزاني، والوطني الكردستاني، برئاسة جلال الطالباني.
بعد هزيمة العراق في حرب تحرير الكويت، انطلقت انتفاضة كردية شاملة، في مارس 1991، تطالب بالحصول على حكم ذاتي. وشهدت مدن السليمانية، ودهوك، وأربيل، موجة عنف شديدة، بين الثوار الأكراد والسلطات الأمنية الحكومية.
وكان رد الفعل المركزي العراقي شديداً، بتدخل القوات المسلحة، بشقَّيها، البري والجوي، لإنهاء هذه الانتفاضة. ونجحت، فعلاً، في تكبيد الأكراد خسائر كبيرة. واستفاد الأكراد من تحالفاتهم الغربية، التي اتخذتهم ورقة للضغط على الحكومة العراقية. إذ تقدمت دول التحالف، بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، إلى مجلس الأمن بمشروع لاستصدار القرار 688، في 5 أبريل 1991، بتشكيل قوة لتوفير الحماية للأكراد، ولإعادة الاستقرار، وإنهاء القمع، الذي يتعرض له الأكراد، في شمالي العراق. وتكونت هذه القوة من وحدات، أمريكية وبريطانية وفرنسية، وتحدد لها ثلاثة أشهر، لتنفيذ مهمتها. وانسحبت في نهاية يوليه 1991، تاركة مجموعات من المراقبين. ومع انسحابها، أُعلن إنشاء منطقة أمنية كردية، يحدها خط العرض 36 درجة شمالاً، ويحظر على الطائرات العسكرية العراقية الطيران فوقها، كما يمنع بقاء أي قوات عسكرية، أو قوات أمن خاصة عراقية فيها[1].
ومنذ تلك اللحظة ، وجد الأكراد أنفسهم يخطون أولى خطواتهم، نحو تحقيق الحكم الذاتي لإقليم كردستان، وخلق وطن كردي مستقر، تتوافر فيه ضمانات حقوق الإنسان، والعمل السياسي الديموقراطي، الذي يضطلع به الأكراد أنفسهم، بما يساعد على نضج التجربة الكردية، التي طال كفاحها من أجْل الاعتراف بقومية كردستان.
وكانت الأمم المتحدة، ودول التحالف الرئيسية، تساير هذا الخط، ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية، التي رأت في الأكراد ورقة رابحة يمكن من خلالها، تحقيق سياستها في مواجَهة العراق، وإيران، كذلك. لذلك، عملت، منذ اللحظات الأولى، في تجنيد الأكراد، بمستوياتهم المختلفة، في مصلحة النفوذ الأمريكي في المنطقة.
ولم يكن وضع الأكراد، بدءاً من يولـيه 1991، هو الوضع المثالي، بالنسبة إلى الأكراد أنفسهم، أو إلى دول الجوار. وظهر العديد من المتغيرات، التي أثرت في الموقف الكردي - الكردي، وأشعلته، إلى جانب تأثيرها في المواقف المختلفة لدول الجوار، والتي كان لكلٍّ منها موقف مستقل أو بالتنسيق مع سواها، في مواجَهة الموقف الجديد. بيد أن جميع القوى، الإقليمية والعالمية، تبنّت موقفاً رئيسياً، وهو عدم السماح بنشوء دولة كردية مستقلة، في هذه المنطقة.
أولاً: مواقف القوى الكردية من قضية الحكم الذاتي
على الرغم من الكفاح الكردي المتواصل، فترات طويلة، على مراحل سياسية واجتماعية متباينة، إلا أن الأكراد، لم يكونوا مهيئين، على أي مستوى، للاستفادة من الموقف المفاجئ، الناجم عن انكسار العراق في الحرب، والذي آذن بتحقيق الحكم الذاتي. لذلك، فإن خطواتهم في مسيرة هذا الحكم، اتصفت بالعشوائية، ومحاولة حصد المكاسب العشائرية، على حساب كردستان نفسها.
نظراً إلى وجود حزبَين كبيرَين، فقد بدأ التنافس بينهما، منذ اللحظة الأولى. وما لبث أن استحال صراعاً، أعاد إلى الذاكرة صراعاتهما القديمة، منذ السبعينيات، إذ تطور من صراع مبادئ إلى صراع مسلّح.
وزاد من حدّة هذا الصراع، أن توجهات الحزبَين مختلفة، بل إن انتماءاتهما وتحالفاتهما مختلفة، كذلك. وتخضع، باستمرار، للتوجهات القَبلية والعشائرية.
ونظراً إلى افتقاد بنية أساسية ملائمة، والافتقار إلى موارد مالية، لإدارة منطقة الحكم الذاتي الجديدة، فضلاً عن الحصار الاقتصادي، الذي فرضته الحكومة العراقية على إقليم كردستان، اعتمد الأكراد اعتماداً كلياً على المساعدات الخارجية. ويلفت، في هذا الاتجاه، تصريح مسعود البارزاني، في يونيه 1993، "أن جهود شهرَين في محاولة جمع مساعدات مالية، مـن الولايات المتحدة الأمريكية، أو دول أوروبية أو خليجية، قد فشلت. وصار أكراد العراق أمام خيارين. إما أن يعودوا لاجئين من جديد، في إيران أو تركيا أو غيرهما، أو أن يستسلموا للرئيس العراقي صدام حسين".
ومع تفاهم القوى الإقليمية على عدم السماح بإنشاء دولة كردية، فقد عانى أكراد العراق عدم اعتراف أي دولة بوضعهم الجديد، وخصوصاً دول الجوار التي تمثل أهمية خاصة للأكراد. بل كان العكس تماماً، إذ لجأت دول الجوار إلى شبه مقاطعة، سياسية واقتصادية، عدا "المساعدات المحسوبة"، التي تقدمها إلى الأكراد، وخصوصاً من إيران وتركيا وسورية، في مقابل أهداف محددة يحققونها لها، ومن ثم، فإن حجم المساعدات يتقرر بمدى تحقيق الأهداف.
حيال الفراغ السياسي، والمصاعب الجمة، انقسم الأكراد، وتعددت زعاماتهم، وظهرت حركات وتنظيمات كردية جديدة، كالحركة الإسلامية الكردية، التي مثلت تجمعات إسلامية مختلفة، وتزعمها الملا عثمان عبدالعزيز، الذي حصل في انتخابات الرئاسة في كردستان على 4% من مجموع الأصوات. وحاولت أداء دور أكبر، على الساحة الكردية، وحالفت الحزب الكردستاني ضد الحزب الوطني. وقد تبنّت إيران هذه الحركة.
كانت تحالفات أبرز أحزاب المنطقة الكردية، خلال فترة الثمانينيات وأوائل التسعينيات كالآتي:
1. الحزب الديموقراطي الكردستاني: كان يعتمد، في الدعم الخارجي، "إقليمياً، على إيران، ودولياً، على الولايات المتحدة الأمريكية، وينفّذ أهداف إيران في العراق.
2. الاتحاد الوطني الكردستاني: كان حليفاً للنظام العراقي، ودائم الاتصال به. وكان جلال الطالباني، رئيس الحزب، هو الراعي الرئيسي للمفاوضات الكردية مع الحكومة، وكان يتلقى مساعداته من العراق.
إلا أنه في الفترة، من نهاية عام 1993 وحتى منتصف عام 1994، حدث انقلاب تام في توجهات الحزبَين، بسبب التدخل الإيراني. إذ اكتشفت إيران أن هناك تنسيقاً وتفاهماً بين الحزبين الديموقراطيَّين الكردستانيَّين في العراق وإيران، هاجم على أثرهما الحزب الكردستاني الإيراني أهدافاً داخل إيران، بنجاح. وقد احتمى العديد من مقاتلي الحزب داخل معسكرات تابعة للحزب الديموقراطي العراقي، في شمالي العراق. لذلك قصفت مدفعية إيران وسلاحه الجوي تلك المعسكرات. ولم تكتفِ طهران بذلك، بل عمدت إلى التحالف مع حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، فأمدته بالأسلحة والمعدات، ليهاجم هو نفسه معاقل الحزب الديموقراطي. وفعلاً، اشتعل الصراع في شمالي العراق، بين الحزبَين، في أبريل 1994. وتكبد كلاهما خسائر كبيرة، ولم يتوقف إلا بتدخل قوات التحالف الدولي. (أُنظر ملحق النص الكامل للاتفاق بين الحزب الديموقراطي والاتحاد الوطني)
ومنذ تلك اللحظة تغيرت توجهات الحزبَين.
1. إذ تحالف الحزب الديموقراطي الكردستاني مع الحكومة العراقية. ونادى بأن الحوار مع النظام العراقي، هو الطريق إلى حل المشكلات الكردية. واتجه إلى الحصول على الدعم من "العراق الأم".
2. أما الاتحاد الوطني الكردستاني، فأكد أن حل المشكلة الكردية، لن يتحقق، إلا بإشراف أمريكي - أوروبي. واتجه إلى التحالف مع إيران، التي تدعمه بالإمكانيات المادية والسلاح، في سبيل تحقيق أهدافها.
3. وتحالف الحزب الإسلامي الكردستاني، والذي سبق إنشاؤه بدعم إيراني، مع الحزب الديموقراطي، في معاركه ضد الاتحاد الوطني. ثم اتخذ الحياد بين الحزبَين. وقد أدى ذلك إلى فتور شديد بين الحزب وإيران، التي كانت تسعى، من خلاله، إلى تحقيق أهدافها تحقيقاً كاملاً.
يتبع إن شاء الله...
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الأكراد والمشكلة الكردية الخميس 14 فبراير 2013, 12:59 am | |
| ثانياً: الصراع الكردي ـ الكردي، عام 1996
كانت هذه الجولة من الصراع، هي الأشد عنفاً، بين الفصائل الكردية، خلال تاريخها الطويل. وهي تدخل في نطاق "الحرب بالوكالة"، أو "الحرب الاقتصادية" وكل منهما لها مبرراتها.
فتسمية الحرب بالوكالة، تأتي من منطلق، أن كّلاً من الحزبَين المتحاربَين، كان يقف وراءه، ويتدخل في نهجه دولة لها مصالح في إرهاق دولة أخرى. فالحزب الوطني، كان يقف وراءه إيران، تسانده بإمكانات عسكرية ومادية. والحزب الديموقراطي، كان العراق يسانده، ويتدخل بقواته لمصلحته.
أما تسميتها بالحرب الاقتصادية، فلأنها اشتعلت في توقيت متزامن مع قرب الاتفاق على قرار الأمم المتحدة، "النفط مقابل الغذاء". وهو اتفاق ذو علاقة قوية بالمنطقة الكردية، إذ يخصص نسبة من عائد النفط إلى الأكراد، مما يتطلب أن تضطلع هيئة كردية عليا بالتصرف في هذه المخصصات، وكلا الحزبَين يريد أن يكون هو هذه الهيئة.
ناهيك، أن النفط المصدَّر، سيمر في خطوط، تعبُر المنطقة الكردية من العراق إلى تركيا، وتتطلب تأميناً في مرحلة إصلاحها، مع ضمان عدم تعطيلها، بعد ذلك. ويرغب العراق في أن تكون الخطوط تحت سيطرته، بوساطة حلفاء من الأكراد وترغب إيران، خلافاً للرغبة العراقية، في أن تكون هي المسيطرة على الخطوط، للضغط على العراق.
وقد اشتعل الصراع، في نطاق تحالفات 1994، التي لم يطرأ عليها أي تغيير، في هذا الوقت، وبدأ، منذ أوائل عام 1996، بحشود إيرانية، على طول الحدود الشمالية الغربية لإيران، في مواجهة كردستان العراق، إذ كانت تدفع، من وقت إلى آخر، قوات من الحرس الثوري الإيراني، وأخرى من كتائب "بدر" التابعة للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية، إلى مهاجمة معاقل الحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني، الموجودة في شمالي العراق، في مناطق سيطرة الحزب الديموقراطي الكردستاني العراقي. وقد توغلت هذه القوات إلى مسافات تصل إلى 50 كم، داخل الأراضي العراقية، منتهكة سيادة العراق. وكان مسعود البارزاني، رئيس الحزب الديموقراطي، يتولى إعلان هذه الإتهامات. وكانت إيران تقابلها بالصمت، عدا تصريحات قليلة، بأنها تقصف مَواقع الحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني، "الخارجة عن القانون"، انتقاماً من غاراتها على أهداف حيوية إيرانية.
في الوقت عينه، تصاعدت اتهامات الحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني للاتحاد الوطني الكردستاني العراقي، بتقديمه تسهيلات إلى القوات الإيرانية، وتوفير طرق المرور لها وتعرّفها أهدافها (قواعد الحزب الإيراني المتهِم)، في منطقة أربيل، و منطقة كوي سنجق.
وبدءاً من يوليه 1996، بدأت الاشتباكات العنيفة بين الحزبَين العراقيَّين تتجدد. ودعمت إيران قوات الطالباني دعماً كثيفاً،، حتى إن مصادر صحافية ذكرت، أن "ألفي جندي إيراني، يعبُرون الحدود العراقية، لمطاردة المتمردين الأكراد في كردستان".
كما اتهم الحزب الديموقراطي الكردستاني العراقي، إيران، بتقديم دعم مدفعي للاتحاد الوطني، واستخدام طائرات عمودية، لنقل قواته إلى خلف خطوط الحزب. وفي خلال أغسطس، سارت المعارك في غير مصلحة الحزب الديموقراطي، حليف بغداد، مما يشير إلى الخطر الذي سيسفر عنه نجاح إيران في السيطرة على شمالي العراق، من خلال حليفها، جلال الطالباني.
لذلك، كان قرار العراق خطيراً، ومفاجئاً. فبدل أن يزيد دعمه لمسعود البارزاني، قرر الدخول "سافراً" في هذا الصراع. وكانت وجهة نظره تتحدد في الآتي:
1. أن شمالي العراق جزء من الوطن العراقي. ولا يوجد نص، في قرارات مجلس الأمن، على تقسيم العراق، أو فصل هذا الشمال عن الجنوب، فهذا الجزء خاضع، إذاً، للسيطرة العراقية.
2. إن الموقف خطير، ولا يحتمل أنصاف الحلول، ولا بدّ من التدخل الحاسم لمصلحة وحدة العراق.
3. إن قوات التحالف والأمم المتحدة، ستكون في اختبار، وخصوصاً أن التخطيط للعملية، سيكون مفاجئاً، وسريعاً، لتدمير القوة المعادية، ثم الانسحاب، مع الإعلان المسبق عن عدم استمرار القوات العراقية في الشمال، ولكنها تنفّذ مهمة محددة، ثم تنسحب.
4. إن استعراض القوة، هو من أجل تأكيد قوة العراق، القادر على التحرك من أجل تحقيق ذاته. وأنه استعاد عافيته، بعد حرب الخليج الثانية، على الرغم من الحظر الدولي.
وفي 31 أغسطس 1996، اجتاح الجيش العراقي مدينة أربيل الكردية، التي كان قد استولى عليها جلال الطالباني، وأعاد رفع العلم العراقي عليها. ثم عمدت القوات العراقية إلى القبض على الكثير من الأكراد، العاملون لمصلحة جهات أجنبية. كما أوقعت هزائم متكررة بقوات جلال الطالباني، خلال أيام القتال الثلاثة (31 أغسطس - 2 سبتمبر) التي اجتاحت فيها القوات العراقية المنطقة، مما سهّل على مسعود البارزاني استعادة سيطرته على الموقف، بعد ذلك. أما على المستوى السـياسي، فإن وزارة الخارجية العراقية، أعلنت، منذ اللحظة الأولى، أن القوات العراقية في مهمة محددة، سوف تنسحب بعدها، ولن يستمر وجودها في المنطقة.
ولم تكن هذه الحركات العسكرية المفاجئة، تمر بسهولة أمام أعين قوات التحالف الدولي، لذلك، فقد رفعت القوات الأمريكية في الخليج درجة استعدادها إلى الحالة القصوى، في اليوم عينه. ووجهت إنذاراً إلى القوات العراقية بعدها مباشرة، أعلن التليفزيون العراقي انسحاب القوات من شمالي العراق .
وكان لا بد لقوات التحالف أن تثبت ذاتها، وتعاقب العراق على قراره. وفي هذا المجال، اتخذت أربعة إجراءات:
1. في 3 سبتمبر، وجهت الولايات المتحدة الأمريكية ضربة صاروخية، بقوة 27 صاروخاً، من نوع "توما هوك"، ضد مراكز الدفاع الجوي، ومنصات الصواريخ، جنوب بغداد.
2. في 4 سبتمبر، تكررت الضربة، بقوة 17 صاروخاً، ضد المنشآت نفسها، إضافة إلى منشآت عسكرية أخرى.
3. في 5 سبتمبر أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، بصفتها قائدة التحالف الدولي، توسيع مجال الحظر الجوي، ليمتد إلى خط العرض 33°، بدلاً من 32° (الخط السابق).
4. وخلال الفترة عينها، أعلن مجلس الأمن استمرار الحظر على العراق، ووجهت الولايات المتحدة الأمريكية طلباً إلى رعاياها، بمغادرته، مما أوحى ببدء اتساع رقعة القتال. ولذلك، فإن الرئيس صدام حسين، عقد اجتماعاً طارئاً بالقادة العسكريين، من أجل تهدئة الموقف، مع الاستعداد لأي تطورات قادمة.
وقد أتاح هذا المناخ، الفرصة للحزب الديموقراطي الكردستاني، لاستعادة السيطرة على المدن الرئيسية، والأجزاء التي فقدها في جولته الأولى مع الاتحاد الوطني. إذ نجح، في 5 سبتمبر، في الاستيلاء على مدينتَين كرديتَين. ثم استعاد السيطرة على مدينة السليمانية، في 9 سبتمبر مما أدى إلى نزوح حوالي 75 ألف كردي إلى إيـران. وفي عقب ذلك، أدى مسعود البارزاني دور زعيم كردستان، وأصدر عفواً عن جلال الطلباني، وكل الأكراد المناوئين.
وفي 12 سبتمبر، حدث تطور آخر، بإطلاق بطارية صواريخ عراقية ثلاثة من صواريخها، على إحدى الطائرات الأمريكية، في منطقة الحظر الجديدة. ولكن أمكن استيعاب الموقف، سياسياً، بإعلان بغداد وقف هجماتها الصاروخية. ومع ذلك، فقد وصلت طلائع قوات أمريكية إلى منطقة الحدود، بين العراق والكويت، في 20 سبتمبر 1996.
أما الموقف في الشمال، فلم يتوقف عند هذا الحدَ، على الرغم من الهدنة غير المعلنة، لالتقاط الأنفاس، إذ سرعان ما اشتعلت المعارك من جديد، بين الحزبَين الكرديَين، وكانت هذه الجولة في مصلحة جلال الطالباني، الذي تلقّى مساعدات كبيرة من إيران، بينما كان الدعم العراقي للبارزاني شبه متوقف، بسبب الإجراءات الأمريكية المضادّة. لذلك، استعاد الاتحاد الوطني معظم المناطق، التي سبق أن فقدها في معاركه السابقة.
ومع بدء استعادة التوازن بين قوى الأكراد، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تلقي بثقلها، لإيقاف القتال. وحضر بيليترو، مساعد وزير الخارجية الأمريكية إلى المنطقة، واجتمع، في تركيا، مع قطبَي النزاع، اللذين أعلنا استعدادهما لوقف القتال. ووُقِّع اتفاق إيقاف النيران، فعلاً في 31 أكتوبر 1996. وتضمن تشكيل حكومه كردية جديدة، لتولي مسؤوليات كردستان، ونص على عقد اجتماع مشترك، لفض النزاعات بين الجناحَين الكرديَّين، كل خمسة عشر يوماً، في أنقرة في حضور مندوبي الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وتركيا. (أنظر ملحق النص الكامل للاتفاق الذي تم التوصل إليه في 31 أكتوبر 1996 بين حزبَي مسعود البرازاني (الحزب الديموقراطي) وجلال الطالباني (الاتحاد الوطني) وممثلين عن التركمان في شمال العراق إضافة إلى ممثلين عن الحكومات الأمريكية والتركية والبريطانية)
ولم يكن لهذا الاتفاق أن ينهي صراع الفصائل الكردية، إذ سرعان ما تجدد، في أوائل شهر ديسمبر.
وفي مبادرة منها، وتحسباً لتكرار الحكومة العراقية هجومها، الذي شنته في نهاية أغسطس، فقد أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، في 4 ديسمبر 1996، ترحيل المنشقِّين الأكراد "وهم الأكراد، الذين كانت تعدهم لتنفيذ مهام خاصة في المنطقة، سواء في اتجاه العراق أو إيران". وقد نقلوا، أولاً، إلى أنقرة، ثم إلى إحدى جزر المحيط الهادي، لتأهيلهم قبْل نقلهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
ثالثاً: الموقف العربي من تطورات المسألة الكردية في العراق
يتحدد الموقف العربي، بصفة عامة، في النقاط الآتية:
أ. التمسك بوحدة العراق، ورفض أي نوع من تقسيمه، فيدرالياً أو كونفيدرالياً، مع الاعتراف بحق الأكراد في حياة آمنة، ضمن الوطن العراقي الواحد.
ب. يرى العديد من الدول العربية، المهتمة بالقضية، وفي مقدمتها مصر والسعودية وسورية، ودولة الإمارات، أن دخول الجيش العراقي إلى شمالي العراق في سبتمبر 1996 هو دخول شرعي إلى جزء من أراضيه، ولا يمثل هذا أي انتهاك للقوانين الدولية، وفي الوقت عينه، انتقد أو تحفظ كل الدول العربية من الضربة الصاروخية الأمريكية للعراق .
ج. تمثل الخلافات العربية ـ العربية مناخاً ملائماً لمزايدة فصائل الأكراد المختلفة للمزايدة للحصول على المعونات من شتى الأطراف، ويرجع ذلك إلى افتقاد أكراد العراق حماية عربية، ترعى مصالحهم، في هذه المرحلة الحساسة، إلى أن يستعيد العراق وضعه في النطاق العربي.
لسورية موقف خاص من أكراد العراق، إذ توجد على أراضيها أقلية كردية، كما أن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، تأسس في دمشق عام 1975، بدعم سوري. وهي، كدولة حدودية، يلجأ إليها بعض الفارِّين من فئات الأكراد الأخرى للاحتماء بأراضيها. لذلك، فاهتمام سورية بقضايا الأكراد، يمثل عاملاً رئيسياً في القضية.
أما موقف العراق نفسه تجاه قضية الأكراد، فيتمثل في تنفيذ استراتيجية النفس الطويل، ريثما تنهتي الأزمة العراقية، فيلتفت إلى الشمال، ويخضعه، بأي صورة، للسلطة المركزية. وترى بغداد، أن صيغة بيان 11 مارس 1970، الخاصة بالحكم الذاتي، هي المثلى، وهي التي أُقرت، عام 1991، بعد المتغيرات الناجمة عن حرب الخليج الثانية.
رابعاً: مواقف الأطراف الإقليمية من الصراع
أدى الموقف غير المسبوق، في شمالي العراق، إلى فراغ، سياسي وإداري، خطير، في منطقة تعاني متاعبها حكومات الدول المجاورة، منذ زمن طويل. لذلك، وفي عقب انتهاء حرب الخليج الثانية، سعت تركيا وإيران وسورية إلى التنسيق فيما بينها بهدف الحفاظ على وحدة أراضيها وسلامتها الإقليمية، والحيلولة دون تعاون الفئات الكردية الفاعلة، سياسياً وعسكرياً، ومنع قيام أي دولة كردية مستقلة. وقد تجسّد هذا التنسيق، رسـمياً في اجتماع الأطراف الثلاثة، في نوفمبر 1992. ولم يُدعَ العراق إلى هذا المؤتمر، فسارع إلى الإعلان أن الاجتماع، يمثل تدخلاً في شؤونه الداخلية. كذلك، لم تُدعَ إليه الأحزاب الكردية، مما دفع تلك الأحزاب إلى التوجس من أن هذا المؤتمر، يهدف إلى إجهاض تجربة الحكم الذاتي الكردي، الوليدة، في شمالي العراق.
وقد تكرر الاجتماع، بصفة دورية، على مستوى وزراء الخارجية، أو مستوى الخبراء. وكان مضمون البيانات، الصادرة عن الاجتماعات، يتلخص في الآتي:
1. تأكيد الالتزام بوحدة أراضي العراق.
2. عدم التدخل في شؤون العراق الداخلية.
3. بحث الوضع في شمالي العراق، حؤولاً دون الفوضى في هذه المنطقة الحساسة، التي تمثل تهديداً للأمن والاستقرار الإقليميَّين.
ومع ذلك، لم تؤد هذه الاجتماعات إلى حلول عملية للمشكلة الكردية، في شمالي العراق. وكان هناك اجتهادات، نبعت من تركيا بضرورة وجود دور أمريكي - بريطاني.
كان رد أكراد العراق على انعقاد مؤتمرات التنسيق، ينحصر في نقطتين:
أ. دعوة هذه الدول إلى حل مشكلات مواطنيها من الأكراد، أولاً.
ب. عدم نية أكراد العراق التدخل في الشؤون الداخلية للدول المجاورة.
وهناك عدة عوامل مهمة في تعامل الأطراف الإقليمية مع أكراد العراق، أو منطقة كردستان العراقية:
· إن الدول المجاورة لم تعترف بحق الأكراد في الحكم الذاتي. وكان هناك قطيعة تامة بين الأكراد والمؤسسات الرسمية لهذه الدول، في جميع المجالات، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، "عدا موضوعات التآمر أو الحرب بالوكالة ، وتقديم المساعدات المحدودة".
· إن الحزبَين الكرديَّين الرئيسيَّين، تحملا عواقب أنشطة الأحزاب الكردية المناوئة، سواء في إيران أو تركيا، والتي كانت، دائماً، تنطلق من كردستان العراق، كما أن الصراع بين الحزبَين الرئيسيَّين، كان له أبعاد تنافسية، تفرض علية، دائماً، من إيران أو تركيا أو الحلفاء الغربيِّين.
· إن جميع أحزاب المعارضة العراقية، والتي تتلقى مساعدات من دول، عربية أو أجنبية، رفضت أي صيغة فيدرالية لأكراد العراق، على أساس أن هذا سيكون نوعاً من تقسيم العراق، واكتفت بإعلانها احترام آمال وتطلعات الأكراد إلى حكم ذاتي.
· إن كلاً من إيران وتركيا، أعلنت أن لها الحق في ملاحقة مواطنيها، من الأكراد المنشقِّين، في داخل كردستان العراق.
ويذكر أن الاتحاد السوفيتي، الذي كان له في السابق، دور رئيسي في القضية الكردية، فقدَ تأثيره، بدءاً من عام 1991، عقب نهاية حرب الخليج الثانية، نظراً إلى المتغيرات الحادّة التي تعرض لها، وفرطت عقده، في دول مختلفة، كل منها كان لها مشاكلها، التي تشغلها عن القضية الكردية.
1. الموقف التركي
في خلال الثمانينيات، كان التعاون التركي - العراقي متكاملاً، لاحتواء حركة الأكراد، إذ كان هناك أهداف مشتركة، في المجال الاقتصادي، أهمها أنابيب النفط، يراد تحقيقها، بكفاءة.
في عقب حرب الخليج الثانية، تغير الموقف السياسي التركي، نتيجة المتغيرات المتعلقة بتركيا نفسها، وأهمها:
· الالتزام السياسي التركي تجاه قوات التحالف بالحفاظ على الوضع الراهن في العراق، واستكمال حصاره من اتجاه الشمال. وهكذا حرمت تركيا من عوائد نقل النفط العراقي عبر الأنابيب، التي تمر في أراضيها، على الرغم من المقررات التعويضية، التي لا تتلاءم مع العائد الحقيقي.
· تخوف الحكومة التركية من انعكاس أثر الحكم الذاتي لأكراد العراق، على أكراد تركيا نفسها، مما قد يحدث قلاقل داخلية فيها.
وأثار هاجس تركيا، خوفها من زيادة نشاط حزب العمال الكردستاني التركي، واتخاذه من كردستان العراق قاعدة له، مع إمكان تجنيده لعناصر جديدة، أو التحالف مع الأحزاب الكردية العراقية، مما يؤثر في الوضع، السياسي والأمني، في تركيا. ولإزالة هذا التخوف، فإن تركيا سمحت لنفسها، في كثير من الأوقات، بدفع قواتها المسلحة إلى داخل الحدود العراقية، محاولة تدمير قواعد هذا الحزب. كما تحالفت، في أوقات أخرى، مع الأحزاب الكردية العراقية، ولاسيما الحزب الديموقراطي الكردستاني، لقتال عناصر حزب العمال التركي.
رغبة تركيا في الظهور بمظهر "راعي أكراد العراق"، في إطار ما أسمته، منذ عام 1994، "التعامل مع الواقع الكردي".
وتهدف تركيا من هذا التعامل إلى:
أ. مقاومة أي اتجاه لاستقلال الأكراد، أو إعلان دولة منفصلة.
ب. ضمان عدم تأثيرهم في أكراد تركيا. وفي الوقت عينه، الإيحاء لهؤلاء أنها ترعى أشقاءهم في العراق، وبذلك تحتوي ردود فعلهم.
ج. ضمان عدم إثارة العراق للمشاكل الحدودية، أو حقه التاريخي في أراضٍ تركية .
د. الحصول على دعم ملائم من دول الاتحاد الأوروبي، من خلال دعمها لأكراد العراق.
هـ. تخوف تركيا من تدفّق مهاجرين أكراد إلى داخل أراضيها، في حالة عدم وجود استقرار شمالي العراق، وهي الحالة التي تنجم عن ثلاثة عوامل:
(1) فراغ السلطة، أو الصراع بين الأكراد أنفسهم.
(2) محاولة الحكومة العراقية إعادة ضم شمالي العراق، بالقوة، مما يثير حرباً جديدة في المنطقة .
(3) حدوث مجاعات، أو أوبئة.
وهكذا، انبثقت فكرة عملية توفير الراحة لحماية أكراد العراق، التي تبنّتها الحكومة التركية Provide Comfort Operation.
بناء على ذلك، تحددت الإستراتيجية التركية تجاه أكراد العراق، منذ عام 1991 وحتى الآن، في ثلاثة مبادئ:
أ. عدم السماح بدعم أكراد العراق لأي حركات قومية كردية، في تركيا .
ب. عدم السماح، بل مقاومة إنشاء حزب العمال الكردستاني التركي، قواعد له في كردستان العراق، وتدمير أي قواعد ينجح في إنشائها.
ج. ضمان عدم مقاومة أي أعمال عسكرية تركية، داخل أراضي العراق لتدمير قواعد حزب العمال.
وقد تفهم الطرفان، الكردي والتركي، هذه الإستراتيجية. كما تفهمها النظام العراقي. لذلك، فإن النزاعات "السياسية"، العراقية - الكردية - التركية، خلال الست سنوات الماضية، تُعَدّ محدودة جداً، إذ قيست بحجم انتهاكات حدود العراق، أو العمليات العسكرية التركية، داخل كردستان العراق، التي لا تجد أي مقاومة، نظامية أو شعبية.
ومنذ عام 1991، في إثر حرب الخليج الثانية، حدثت عدة تطورات، نوجزها في الآتي:
أ. كان أول إجراء، اتخذه الحزبان الكرديان الرئيسيان، بعد حصول الأكراد على الحكم الذاتي، هو توجيه تحذير إلى تركيا، أنه في حالة دخول الجيش التركي إلى كردستان، فإنهم سيتصدون له.
ب. رأت تركيا أن تستقطب أكراد العراق. لذلك، بدأت سلسلة مفاوضات معهم، في ضوء استراتيجيتها تجاه تلك المنطقة، بهدف تأمين تعايش مستقر في شمالي العراق، يجمع العرب والأكراد والتركمان (تهتم تركيا برعاية الأقلية التركمانية في العراق، كالتزام، أدبي وعِرقي، في آن معاً، واستغلالها في تنفيذ السياسة التركية في العراق) .
ج. عندما تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية، بصفتها قائدة التحالف الدولي لتحرير الكويت، في ذلك الوقت، للتوسط بين أكراد العراق وتركيا، في عقب الإنذارات الكردية، كان شرطها الرئيسي، الذي يجب أن يقبَله الطرف الكردي، هو عدم دعم الحركات الانفصالية الكردية في تركيا. وقد قبِل أكراد العراق هذا الشرط، إذ إن تركيا، تمثل لهم خط الاتصال الرئيسي مع الغرب، للحصول على الحماية والدعم الدوليَّين، علاوة على رغبة الأكراد، أن تكون تركيا هي حلقة الوصل، لمزيد من تقاربهم مع الولايات المتحدة الأمريكية.
د. سارت الأمور، عقب المفاوضات، مسيرة حسنة، إلى درجة أن "جلال الطالباني زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني العراقـي، فاجأ الجميع بالحديث عن إمكانية دخول أكراد العراق في ترتيب فيدرالي مع تركيا".
إلا أن هذا الاقتراح لاقى معارضة لسبَبين :
(1) عدم رغبة تركيا في إضافة أعباء أقليات إلى أعبائها، إذ لو أضيف أكراد العراق إلى أكراد تركيا، فسيمثلون 75% من حجم أكراد المنطقة، وسيكون لهم مطالب حادّة، بعد ذلك.
(2) اتجاه معظم القوى إلى التحذير من تقسيم العراق، بينما يعني انضمام الأكراد إلى تركيا، اقتطاع جزء من العراق.
ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل أن الطالباني، طالب أن تكون تركيا ضامنة لحصول الأكراد على اتفاق حكم ذاتي لهم، من الحكومة العراقية.
هـ. ولم تكن المطالب الكردية سوى نوع من التقرب والتحالف مع تركيا، لمواجهة المتغيرات الجديدة، في عقب حرب الخليج الثانية. واستمرت المزايدات بين الطالباني ومسعود البارزاني، لاستقطاب تركيا، من أجل مزيد مـن الدعم لأكراد العراق. وبالغ الزعيمان في إثارة موضوعات، منها "تفضيل تركيا، لتوافر الديموقراطية فيها"، و"أحقية تركيا التاريخية في إقليم الموصل".
و. وقد اتخذت تركيا، تجاه ذلك، موقفاً متزناً، طبقاً لإستراتيجيتها، ولم تستجب لهذه الأقاويل.
ز. خصصت تركيا دعماً لأكراد العراق (13.5 مليون دولار)، في شهر أغسطس 1993.
ح. فرضت تركيا قيوداً شديدة على أي إمدادات (التسليح، أساساً) تمر بأراضيها إلى أكراد العراق.
ي. تتخذ أنقرة إجراءات أمنية، ضد تنقلات الأكراد، عند حدوث أي أزمة، تحسباً لانتقال أعضاء حزب العمال الكردستاني إلى تركيا، ضمن الفارين من أكراد العراق. وحاولت إقامة منطقة آمنة، داخل حدود العراق. وقوبل ذلك بالرفض. إلا أن إحدى صحف تركيا، ذكرت، في 22 أكتوبر 1997، أن تركيا أقامت فعلاً منطقة أمنية، بعمق عشرة كيلومترات، يوجد فيها حوالي ثمانية آلاف جندي تركي. "إلا أن هذا التصريح، لم يتأكد بعد".
2. حزب العمال الكردستاني التركي، وموقفه من أكراد العراق
في عقب حرب تحرير الكويت، وبدءاً من صيف 1991، انتقل نشاط حزب العمال الكردستاني التركي (PKK)، ليتخذ من كردستان العراق قواعد آمنة له. وكان ذلك مثار تخوف رسمي لتركيا، وأدى إلى تحالفات تركية مع أحزاب الأكراد، لقتاله (بالوكالة عنها). كما أدى إلى مبادرة تركيا إلى عدة حملات عسكرية، لتدمير قواعده، في شمالي العراق.
منذ عام 1992، سعى حزب العمال الكردستاني التركي، إلى توسيع نشاطه شمالي العراق، والوقوف جنباً إلى جنب مع الحزبَين الكرديَّين العراقيَّين. ولكن ذلك قوبل بجفاء منهما ، ورفض للفكرة من الأساس، على الرغم من معارضتهما للإجراءات التركية، في محاولة القضاء عليه، النابعة من حرصهما على إحياء القومية الكردية، وحتى لا يكون موقفهما حرجاً أمام الشعب الكردي، في تركيا وفي العراق. وقد أسس حزب العمال فرعاً له، شمالي العراق، باسم "حزب التحرير الكردي".
يرى أكراد العراق، أن حزب العمال الكردستاني التركي، يؤثر فيهم تأثيراً مباشراً، في المجالات الآتية:
أ. تدخله في الشؤون الداخلية لكردستان العراق، وعدم احترامه للاتفاقيات مع أكرادها.
ب. استخدام العنف في حل مشاكله مع الأحزاب الكردية العراقية.
ج. قيامه بأعمال استفزازية، تؤدي إلى تدخّل القوات المسلحة التركية في شمالي العراق، مما يؤثر في الأمن الكردي العراقي.
د. تأثيره في العلاقات بين أكراد العراق، وتركيا، التي تضغط، بدورها، على أكراد العراق، للحد من أنشطة حزب العمال، التي تعدها أنشطة "إرهابية".
******************************
خامساً: الموقف، الإقليمي والعالمي، تجاه العمليات العسكرية التركية، في شمالي العراق
1. العراق
الموقف الرسمي للعراق، هو رفض انتهاك سيادة أراضيه، حتى لو كانت من الأراضي المحظور على قواته العسكرية عبورها. ويقدم احتجاجاً رسمياً، عقب كل عملية تركية.
الموقف غير الرسمي، أو غير المعلن، يتلخص في الآتي:
أ. إن العراق يتفهم الوضع التركي، ويحاول الحفاظ على الحدّ الأدنى من الروابط بين الدولتَين، نظراً إلى حاجة العراق إلى التعاون مع تركيا، وعدم استعدائها، في هذه المرحلة الدقيقة، التي يمر بها العراق.
ب. العمليات العسكرية التركية، بالتحالف مع الحزب الديموقراطي الكردستاني، العراقي، تحقق بعضاً من أهداف العراق بإضعاف الحزب الوطني، بقيادة جلال الطالباني، المتحالف مع إيران .
ج. العمليات التركية تستنزف قدرات الأكراد، مما يمكن الحكومة العراقية من السيطرة عليهم، بسهولة، بعد انتهاء آثار حرب الخليج الثانية.
يتبع إن شاء الله...
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الأكراد والمشكلة الكردية الخميس 14 فبراير 2013, 1:21 am | |
| 2. الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا
أ. تفهّمهما الوضع في تركيا. وتصنيفها أن عمليات حزب العمال الكردستاني، نوعاً من الإرهاب، الذي يجب القضاء عليه في أي مكان.
ب. أمام الضغوط العربية، رفضتا إعلان تركيا إنشاء منطقة أمنية، شمالي العراق.
ج. لا شك أن الهجمات التركية المتكررة، تحقق جزءاً من الأهداف الأمريكية، بفرض نوع من السيطرة على هذه المنطقة.
د. وهي، وفي الوقت عينه، نوع من جس النبض، واختبار نيات إيران تجاه هذه المنطقة.
3. الموقف العربي
ا. ترفض انتهاك تركيا الأراضي العراقية، تحت أي مبررات.
ب. تدخلت مصر، بقوة، عند إعلان تركيا إنشاء منطقة أمنية، مما أدى إلى صرف أنقرة النظر عن هذا الإجراء.
4. الموقف الإيراني
ترى إيران، في الوقت الحالي، أنها قوة إقليمية ذات وزن، وطرف رئيسي معني بالصراع في شمالي العراق. وأن الأوضاع في كردستان، تؤثر تأثيراً مباشراً في الأمن القومي الإيراني. لذلك، فلا بدّ أن يكون لها دور رئيسي، يتفوق، أو يتوازن مع مواقف أطراف الصراع الأخرى. ولا بدّ أن يكون لها "تحالف" مع إحدى القوى الرئيسية في كردستان العراق، بما يضمن لها تنفيذ سياستها في هذه المنطقة الحساسة.
والصراع الممتد بين إيران، والعراق، كان، دائماً، يستخدم الأكراد، كورقة رابحة لتنفيذ أهداف أحد طرفيه، والتأثير في الطرف الآخر. وقد استخدم هذا الأسلوب، في أوائل السبعينيات، ثم عقب الثورة الإسلامية في إيران، 1979. ثم توسع إلى حد كبير أثناء الحرب العراقية - الإيرانية (1980-1988)، حتى إن الحزب الديموقراطي الكردستاني، العراقي، كان منحازاً إلى إيران، وخصوصاً بعد عام 1983، حينما بدأت طهران هجومها على منطقة حاج عمران، وكان الحزب يأمل دعماً عسكرياً إيرانياً، ومنحه سلطة السيطرة على منطقة حاج عمران. بينما كان، وفي الوقت عينه، الحزب الديموقراطي الكردستاني، الإيراني، الذي أُسِّس عام 1945، منحازاً إلى العراق، ويضطلع بالتوسط بين حكومة بغداد، والحزب الوطني الكردستاني، العراقي، بقيادة جلال الطالباني، بهدف المصالحة بين الطرفَين، وحث العراق على تعميق الحكم الذاتي الممنوح للأكراد.
ويُعَدّ تعميق إيران تحالفها ودعمها لأحد فصائل الأكراد العراقيين، نوعاً من الرد على استضافة بغداد منظمة "مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة"، كذلك إيواؤها بعض قيادات الحزب الديموقراطي الكردستاني، الإيراني. وهي تسعى، من خلال دعم الأكراد، إلى توظيفهم في الحرب بالوكالة عنها، لزعزعة الاستقرار في العراق، حينما تتصاعد المواقف السياسية بين الدولتَين، وخصوصاً بعد إحساس إيران بعدم جدوى دعم الشيعة في جنوبي العراق، لاستخدامهم في إحداث توازنات في مصلحتها، نظراً إلى نجاح الحكومة العراقية في تنفيذ الإجراءات القمعية ضد الشيعة.
وفي أوقات كثيرة، فإن التحالف الإيراني مع بعض فصائل أكراد العراق، أدى إلى اضطهاد حكومة العراق لهذه الفصائل، وتوجيه ضربات إليهم. ومع ذلك، لم تتوقف هذه التحالفات، في أي لحظة.
واستغلت إيران، سياسياً، نزوح بعض أكراد العراق إلى أراضيها، خلال الصراعات العديدة في كردستان العراقية، منذ عام 1991 وحتى الآن، لتظهر أمام العالم الغربي أنها تحمي هؤلاء اللاجئين، وتقدم إليهم المساعدات الإنسانية، بل تتهم العراق أو فصائل الأكراد الموالين له بأنهم يوجهون نيرانهم ضد هؤلاء اللاجئين، داخل أراضي إيران. ولتأكيد هذا الدور، فإنها دعت، مراراً، المجتمع الدولي، والمنظمات المهتمة بشؤون اللاجئين، إلى مساعدتها على استيعابهم، وكان آخر نداء، في هذا الخصوص، في أكتوبر 1996، عقب معارك شمالي العراق، بين الحزبَين العراقيَّين الكرديَّين الرئيسيَّين، اللَّذين يساند أحدهما إيران، الحزب الكردستاني العراقي، ويساند الآخر العراق، الاتحاد الوطني الكردستاني.
يتحدد الموقف الإيراني من قضايا الأكراد عموماً، وكردستان العراقية خصوصاً بالآتي:
أ. إثبات وجودها، كقوة رئيسية في المنطقة، يحسب حسابها، عند اقتراح حلول إنهاء الصراع. وليس ذلك خوفاً على الأكراد، ولكن لتحقيق أهداف، وحصد مكاسب، وتقارب مع العالم الغربي، وفرض نفسها على أرض الواقع، في العالم العربي، والحدّ من نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية ودورها في المنطقة، وتعظيم فرص التأثير الإيراني في التركيبة السياسية، في العراق عموماً، وبين الأكراد بصفة خاصة.
ب. ملاحقة الحزب الديموقراطي الكردستاني، الإيراني، لمنع انتشاره، وتحجيم دوره بين أكراد إيران، وإحباط نياته وعملياته العسكرية، داخل الأراضي الإيرانية.
ج. إيجاد نوع من السيطرة على أكراد العراق، بما يمنع تأثيرهم أن يمتد إلى أكراد إيران، وخصوصاً في شأن الحكم الذاتي. فإيران تحاصر، إذاً، أي مشاكل كردية- إيرانية، قد تحدث، بالقضاء عليها في الخارج.
د. التنسيق مع دول الجوار، وبعض القوى المهتمة بالقضية، لمنع نشوء دولة كردية في المنطقة، مما يؤدي إلى تغيير ديموجرافية المنطقة، ويسبب مشاكل للجميع.
ولتحقيق ذلك، عمدت إيران إلى:
أ. معاونة أكراد العراق، اقتصادياً، عقب فرض حكومة العراق حصاراً اقتصادياً على المنطقة الكردية. كما اشترت معدات وأدوات مصانع عراقية، سبق أن أنشأتها الحكومة في المنطقة الكردية، ثم أغلقت بعد حرب الخليج الثانية، وباعها الأكراد للحكومة الإيرانية، بعد انتفاضة مارس 1991.
ب. إنشاء الحركة الإسلامية لكردستان العراقية وتمويلها، بزعامة الملا عثمان عبدالعزيز، الذي نجح في إثبات وجوده، بعد انتخابات عام 1992.
ج. ضرب تجمعات الحزب الكردستاني، الإيراني، في معاقله، شمالي العراق، عام 1994، عندما رأت أنه يشكل تهديداً لأراضيها وأهدافها الحيوية.
د. تبديل تحالفاتها بين الأحزاب الكردية العراقية، حينما رأت أن هناك تعاطفاً بين الحزبَين الديموقراطيَّين، الإيراني والعراقي، عام 1994. وتحالفت مع حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، العراقي. وتدخلت في المعارك لمصلحته. ولاتزال تدعمه حتى اليوم.
هـ. عقد اتفاق مع تركيا، في 16 يونيه 1994، للالتزام بالمساعدة على منع مرور عناصر حزب العمال الكردستاني، التركي، من شمالي العراق إلى إيران، على الرغم من تعاونها معه، في فترات طويلة.
و. إعلان الرئيس علي أكبر هاشمي رفسنجاني، أن نشوء دولة كردية، هو من قِبيل المستحيلات. كما أعلن وزير خارجية إيران، علي أكبر ولاياتي، الحاجة إلى مدّ حكومة بغداد سيطرتها على كل شمالي العراق ، حتى لا يحدث ما يزعزع الأمن في تلك المنطقة.
ز. اشتراك أو دعم أو تمويل جميع الصراعات الكردية / الكردية، في شمالي العراق.
سادساً: مواقف الأطراف الدولية من الصراع
منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، كان الاتجاه الأيديولوجي للأكراد، بصفة عامة، يميل إلى المعسكر الشرقي، مما أثار حساسية ضدهم في العالم الغربي.
كان موقف العالم الغربي، بالنسبة إلى المسألة الكردية، حتى حرب الخليج الثانية، مبنياً على كونها مسائل داخلية لدول المنطقة، تخضع لمستوى التعامل مع "حقوق الإنسان". وقد تغير هذا الوضع، عقب هذه الحرب، إذ أمسكت دول التحالف بورقة الأكراد، كعامل ضغط ضد حكومة بغداد. وامتد تأثير هذه الورقة إلى أكراد إيران، من طريق الحزب الكردستاني، الإيراني، للتأثير في إيران كذلك.
خسر الأكراد بدءاً من عام 1991، الدعم السوفيتي لفصائلهم، نتيجة للمتغيرات الدولية، وتفكك الاتحاد السوفيتي القديم، دولاً عدة، وانشغال كل دولة بشؤونها. وكان هذا سببا في تغيير الانتماءات الكردية، والتوجهات والتحالفات لفصائلهم المختلفة.
تجمع آراء القوى العالمية كافة، فيما يخص المسألة الكردية، على الآتي:
· رفض نشوء دولة كردية مستقلة على أرض كردستان العراقية، لما سيسببه ذلك من تأثيرات إقليمية حادّة في أكراد الدول المجاورة.
· السماح بتقسيم العراق، لما سيسببه من نشوء دويلات أخرى، شيعية وسنية، تعكس آثارها في صراعات إقليمية، في أهم المناطق النفطية في العالم. إذ ستسعى إيران إلى ضم الدولة الشيعية، في جنوبي العراق، وسيثير ذلك حروباً عديدة في الشمال والجنوب، تهدد المصالح الغربية برمتّها في المنطقة.
· الحرص على توفير قدر من الأمن لتركيا، أحد أعضاء حلف شمال الأطلسي، والمسيطرة على مضيقَي البوسفور والدردنيل لمصلحة الغرب، في اتجاه روسيا الاتحادية، "الجاري تطويعها، حالياً". وتصاعد مشكلة الأكراد، قد يؤثر في استقرار تركيا، مما يؤثر في دورها إزاء مصلحة الغرب.
· تحجيم الدور الإيراني في المنطقة، الذي يستغل قضايا الأكراد في مصلحته، والعمل، في الوقت نفسه، على طمأنته، بعدم التأييد لإقامة دولة كردية، تؤثر في إيران نفسها. وهكذا يضمن الغرب إيجاد نوع من المصالح المتبادلة بينه وبين إيران ، مما يؤدي إلى تحقيق بعض مصالحه، وعدم قطع الروابط به.
· الحفاظ على علاقات متوازنة بسورية، "الشريك في قوات التحالف الدولي في حرب الخليج الثانية، وأحد الأطراف المهمة في تحقيق السلام في الشرق الأوسط".
1. موقف الولايات المتحدة الأمريكية
لها دور خاص، ينبع من كونها قائدة التحالف الدولي في حرب تحرير الكويت، وراعية المصالح الغربية، ضد أي تهديدات إقليمية في المنطقة. ناهيك من كونها القوة الرئيسية في العالم، التي يتحدد دورها من خلال الأزمات العالمية، في المناطق الحساسة.
اتِّسام موقف الولايات المتحدة الأمريكية، منذ البداية، بتحقيق توازنات، تضمن انحصار المشكلة في نطاق محلي ضيق، دون السماح بانتشارها، وتضمن في الوقت عينه:
أ. استنزاف القوى الكردية المتصارعة، ضماناً للتوازن، الذي يؤدي إلى سلام كردي - كردي.
ب. استنزاف القوى الإقليمية، المساندة للفصائل الكردية المتناحرة.
ج. إشعار قادة الأكراد بأنهم محتاجون إلى الدعم الأمريكي، ومن ثَم تحقق السيطرة عليهم، واستخدامهم في ما يحقق المصالح الأمريكية، أساساً.
د. توجيه الصراعات الكردية في اتجاهات محددة، ترغب الولايات المتحدة الأمريكية في التأثير فيها.
هـ. تأمين الأكراد ضد اعتداءات القوى الإقليمية عليهم.
وتنفيذاً لهذه السياسات، اتخذت واشنطن العديد من المواقف، نلخص أهمها في الآتي:
أ. عندما بادر الأكراد، في مارس 1991، "عقب انتهاء حرب الخليج الثانية"، إلى تحرير معظم الأراضي الكردية، ووصلوا إلى كركوك، اعتماداً على وعد الرئيس الأمريكي، بوش، بدعم شعب العراق، إذا ثار لإسقاط نظام صدام حسين - لم تتدخل الولايات المتحدة الأمريكية، لتأييدهم. ولم تتدخل، كذلك، عندما شنت القوات العراقية هجومها عليهم، مستخدمة الدبابات والطائرات، لتعيد الأوضاع إلى سابق عهدها، وتحدث خسائر هائلة في الفصائل الكردية.
ب. فسِّر ذلك، وقتها، بأن واشنطن تخشى أن تمتد انتفاضة أكراد العراق إلى سائر أكراد المنطقة، مما يؤثر في الأمن الإقليمي للدول المجاورة.
ج. في سبتمبر 1991، وبعد إعلان العراق الحصار الاقتصادي على المناطق الشمالية، لم تتدخل الولايات المتحدة الأمريكية، لاستصدار قرار من مجلس الأمن "بخروج المناطق الشمالية في العراق من تأثير العقوبات الدولية، والحصار الاقتصادي على العراق". ولكنها تركت الأمور على ما هي عليه، واقتصـر دعم الأكراد على المعونات من الجهات المختلفة، بما يحقق توفير مستوى اقتصادي، لا يمكّنهم من امتداد نفوذهم. ولم يرفع الحظر، إلا في سبتمبر 1996.
د. ومع التسليم بالأمر الواقع، حاول الحزبان الرئيسيان، الديموقراطي و الوطني، التقرب إلى الولايات المتحدة الأمريكية، كلٌّ بطريقته. وكان رد فعل واشنطن حازماً، فاشترطت حضورهما في "وفد موحد"، إذا أرادا زيارة الولايات المتحدة الأمريكية، و قد تحقق ذلك فعلاً.
هـ. لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية راضية عن تصرفات الأكراد، في معظم الأحوال. وقد أدى ذلك إلى إظهار عدم رضاها ، "وحجب بعض المساعدات"، خلال الصراعات الكردية - الكردية، عام 1994، وخلال الصراع المتسع الأركان، عام 1996.
و. عندما هاجمت القوات العراقية معاقل الحزب الديموقراطي الكردستاني، في نهاية أغسطس / بداية سبتمبر 1996، واستولت على مدينة أربيل ، وقتلت وقبضت على مئات الأكراد الموالين للولايات المتحدة الأمريكية. تدخلت واشنطن، فوراً واستخدمت حق "الردع العسكري"، نظير عدم التزام العراق بتنفيذ قرارات مجلس الأمن، من خلال وجود قواته داخل المنطقة "الآمنة".
ز. وقد حرصت، بعد هذه العملية، على حث فصائل الأكراد، على إنهاء ارتباطاتها بكلٍّ من العراق وإيران، ما دام الحكم في العراق على ما هو عليه، والاعتماد على الدعم الأمريكي - الغربي.
ح. أما موقف الولايات المتحدة الأمريكية من حزب العمال الكردستاني التركي، "ونظراً إلى العلاقات الأمريكية- التركية، فهي تَعُدّ أعماله في نطاق الإرهاب.
ط. وأما موقفها من الحزب الديموقراطي الكردستاني، الإيراني، فهي تحاول استغلاله، لإحداث نوع من التأثير في الاستقرار في إيران، يحقق مصالح واشنطن.
2. الموقف الفرنسي
ينبع موقف فرنسا، أساساً، من اهتمامها بأن يكون لها دور في مناطق الصراعات الدولية، ومن كونها عضواً رئيسياً في قوات التحالف الدولي.
لم يخرج الدور الفرنسي عن الدعم المادي، ومحاولات الوساطة، وتقريب وجهات النظر بين الفصائل المتصارعة.
3. الموقف البريطاني
لا تزال ذاكرة الأكراد متعلقة تستعيد إرث الاستعمار الإنجليزي للعراق، وما قامت به السياسة البريطانية في هذه المنطقة، ويشعر بعض السياسيين الأكراد بأن لهم ارتباطاً أدبياً ببريطانيا.
الدور البريطاني، يتميز بالنشاط في دعم الدور الأمريكي تجاه أكراد العراق. كما تشترك بريطانيا في عملية "توفير الراحة لأكراد العراق".
سابعاً: الأحزاب الكردية، على الساحة العراقية
1. منظمة الأمل (هيوا)
وهي من أولى المنظمات الكردية، إنشئت في عام 1935، و كانت لها اتجاهات يسارية. ووجدت في المناخ، الذي سبق الحرب العالمية الثانية، مجالاً كبيراً لإبراز نشاطها. و استقطبت الكثير من الطلبة و المثقفين والحِرفيين و التجار. ثم تحولت إلى حزب قومي، عام 1939، برئاسة رفيق حلمي. وكان له صحيفته الخاصة "الحرية" والتي كان ينادي، من خلالها، بالاستقلال الذاتي، و ترويج أفكاره اليسارية بين فئات الشعب المختلفة. في الوقت نفسه، كان يعترف بزعامة الملا مصطفى البارزاني للأكراد، على الرغم من تشكيكه المستمر في نزعاته، الدينية والدكتاتورية.
لكن هذا الحزب، لم يقوَ على الصمود أمام التيارات الأخرى المتصاعدة، ومقاومة السلطة الحكومية. وكان مصيره هو الحل، والتحول إلى أحزاب أخرى .
2. الحزب الشيوعي الكردي (شورش)
تأسس في خريف 1945، من معظم عناصر منظمة "هيوا ". واستمر الحزب يؤدي دوره، بدعم من الاتحاد السوفييتي. وعلى الرغم من أن معظم الأحزاب العراقية، قد حلت نفسها للانضمام إلي جبهة التحرير الكردية، فقد احتفظ هذا الحزب بتنظيماته و بأنشطته المستقلة.
3. حزب الحرية
وهو بداية العمل التنظيمي الحزبي، الذي قاده الملا مصطفى البارزاني. وكان معظم أعضائه من العاملين في الجيش العراقي، ومن المهنيين. و أنضم هذا الحزب إلى جبهة التحرير، ثم كان أعضاؤه نواباً في الحزب الديموقراطي، بعد ذلك .
4. جبهة تحرير الأكراد (روزكاري كرد)
وتأسست في النصف الثاني من عام 1945، مع نهاية الحرب العالمية الثانية"، وكان الهدف من تأسيسها هو توحيد جهود جبهة الأكراد، لمواجهة التغيرات، الناجمة عن الحرب العالمية. وانضم إلى الجبهة جميع الأحزاب والتنظيمات الكردية، "عدا حزب "شورش" الشيوعي". وقد تقبّل الأكراد صورة الجبهة، التي أعطتهم أمل التوحد.
وسرعان ما تحولت إلى جبهة وطنية كردية قوية، أعلنت برنامجها في تسع نقاط، هي:
أولاً: تحرير كردستان الكبرى وتوحيدها، وبما أن مركز الجبهة في كردستان العراقية، فإنها تكافح لنجاة العراقيين من نفوذ الاستعمار والحكومات الرجعية، التي لم تزل من أكبر العوائق في طريق تقدم أكراد العراق نحو الغاية الكبرى، وهي الحرية و حق تقرير المصير.
ثانياً: السعي إلى نيل الاستقلال الإداري لكردستان العراقية، الذي يمهد لتقرير مصير الأكراد.
ثالثاً: السعي إلى رفع كل أنواع الاضطهاد والتفريق القومي، اللَّذَين يعانيهما الأكراد والأقليات الأخرى.
رابعاً: السعي إلى إيجاد وتقوية العلاقات بالأحزاب والمراكز الكردية، خارج العراق، لتوحيد المساعي إلى الهدف الأسمى، وهو حق تقرير المصير، والتحرير .
خامساً: السعي إلى إصلاح شامل للمشاكل، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، بتوفير الحقوق الديموقراطية، ورفع مستوى الزراعة والصناعة، ونشر المعارف، وإحياء التاريخ والأدب الكرديَّين.
سادساً: تعميم استعمال اللغة الكردية في الدوائر كافة، والمدارس، ضمن المناطق الكردية.
سابعاً: العمل على إيضاح القضية الكردية لجميع الأمم، وخاصة أمم الشرق الأوسط.
ثامناً: العمل على إيجاد علاقات وتعاون مع الأحزاب، و المنظمات الديموقراطية .
تاسعاً: العمل على إنشاء علاقات سياسية، بالدول الديموقراطية لمكافحة خطط الاستعمار، وإحياء ميثاق "سعد آباد"، ومكافحة التكتلات الاستعمارية، التي تعرقل الحريات عامة، وحرية الأكراد خاصة .
5. الحزب الديموقراطي الكردستاني (البارتي)
كانت الولادة الحقيقية لهذا الحزب مع إعلان جمهورية "مهاباد في آذربيجان الإيرانية"، في بداية عام 1946، وكان قد خطِّط له أثناء مؤتمر "باكو"، عاصمة آذربيجان السوفيتية، في نوفمبر 1945، حين أصدرت هيئة الحزب، بقيادة الملا مصطفى البارزاني، بياناً، دعت فيه الوطنيين و الجمعيات الكردية في كل مكان، خاصة في العراق، إلى تجميع قواهم، والاتحاد من أجل تحقيق الأهداف الكردية. وكان من الطبيعي، "والدعوة من أحد معاقل الاتحاد السوفيتي"، أن يسارع حزب "شورش" والأعضاء اليساريون في جبهة "روزكاري" إلى تلبية الدعوة. فتكونت لجان الحزب الرئيسية منهما.
وكان نشاط الحزب متميزاً، في مرحلة إنشاء جمهورية "مهاباد الإيرانية"، إذ أكد آمال الأكراد، وعكس كفاح الشعب الكردي من أجل تحقيق ذاته، من خلال تنظيمات طليعية، تقبلها الجماهير، وتتماشى مع الصبغة العالمية في الكفاح السياسي من أجل التحرر. وهكذا اكتسب الحزب الديموقراطي الكردستاني شعبية كبيرة، على مستوى أكراد المنطقة كلها، وليس أكراد العراق فقط. وتطلعت إليه الجماهير، بوصفه أملها في الوحدة والتحرر.
وكان منهاج الحزب، على الرغم من ميله إلى المبادئ اليسارية، يهتم بالقضايا الكردية, وقضايا الوحدة والقومية والديموقراطية، ضمن الوحدة الوطنية للعراق، مما أكسبه جماهيرية، على مستوى العراق، ولدى بعض الدول العربية.
وقد اشتمل منهاج الحزب على العديد من المبادئ، أهمها:
أ. تأكيد الأخوّة العربية - الكردية، والدعوة إلى الكفاح المشترك، بين العرب و الأكراد، ضد الاستعمار والرجعية، من أجل تحرُّر العراق وإيجاد نظام ديموقراطي برلماني سليم.
ب. تأكيد إجراء الإصلاحات في الحياة، السياسية والاقتصادية، والنص على تأميم الصناعات الثقيلة، والمصادر الصناعية والمعدنية، والمصارف، ومكافحة الأميِّة، ونشر التعليم العالي.
ج. تأسيس جامعة كردستان، وتنمية اللغة الكردية وآدابها، ونشر الثقافة في كردستان، وجعل اللغة الكردية رسمية، في الدوائر والمدارس.
د. في المؤتمر الثالث للحزب، في 17 ديسمبر 1953، أضاف مادة جديدة إلى منهاجه تتعلق بالإصلاح الزراعي، والقضاء على الإقطاع.
لم تسر الأمور بالحزب مسيرتها الطبيعية، نظراً إلى تعدد الاتجاهات في داخله، مع اختلاف المستويات الثقافية، والمصالح الذاتية، والاتجاهات العقائدية. كما أن القوى الأجنبية المؤثرة، عملت كلٌّ على حدة، على اجتذاب ولاء الحزب، أو تحييد تأثيره ضدها، فبدأ النزاع يدب بين قادته والشيوعيين. وكانت بداية الخلافات هي محاولة حمزة عبدالله، أحد القادة الرئيسيين في الحزب، ضم عناصر من الملاّك الأثرياء إلى الهيئة المؤسسة للحزب، فاعترض الشيوعيون على ذلك، بشدة، ومنهم صالح الحيدري، ونافع يونس، وحميد عثمان.
غير أن إصرار غالبية الهيئة المؤسسة على إضمام الملاك، دفع الشيوعيين والتقدميين واليساريين إلى الانفصال عن الحزب. وانضم معظمهم إلى الحزب الشيوعي العراقي.
لهذا، انتقل النزاع إلى دائرة أوسع، بين حزب "البارتي" والحزب الشيوعي العراقي، الذي جاهر بأن الأكراد، ليسوا "أُمة متميزة "، فليس لهم حق تقرير المصير. ونصّب الحزب الشيوعي نفسه قائداً لنضال الشعب العراقي، عرباً وكرداً. وقد دار محور الصراع بين الحزبين، على أن الشيوعيين يرون حزب "البارتي" هو حزب البورجوازية القومية. بينما يرى هذا الحزب نفسه حزباً طليعياً ديمقراطياً، يمثل مصالح الفلاحين و الكادحين والمهنيين، والمثقفين الثوريين.
ولم يكن السوفيت بعيدين عن طرفَي الصراع. فوفقوا بينهما. وأعلن الحزب الشيوعي، في مؤتمره، المنعقد عام 1956، تصحيحاً للمفاهيم، التي أطلقها أثناء خلافاته مع حزب "البارتي"، وأن "الأكراد أُمة واحدة، لها حق تقرير المصير. وللشعب الكردي حقه في و جود حزب ديموقراطي يمثله.
تطور حركة الحزب الديموقراطي الكردستاني
بعد فرار الملا البارزاني إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حاول من هناك استئناف نشاطه السياسي، مستغلاً نفوذها في الشرق الأوسط، فسعى إلى حل قضيته، من طريق تدخّل القوى الأجنبية، سواء إيران أو الولايات المتحدة الأمريكية. وظل ابناء البارزاني، مسعود وإدريس، في إيران يزاولان نشاطهما مع بقية القيادات، التي لجأت إلى إيران. وفي غضون عدة أشهر، بدأ يتبلور، من جديد، قيادة الحزب الديموقراطي. الذي شرع يقاوم السلطات العراقية، خلال عام 1976. ثم وقع اتفاقية تعاون بينه وبين حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، في مارس 1977، بهدف توحيد الجهود، من أجل تحقيق أهداف الأكراد. إلا أن هذا الاتفاق، كان إيذاناً باشتعال الخلافات بين الحزبَين. ويقود الحزب الديموقراطي، الآن، مسعود البارزاني.
6. نشأة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني
عقب اتفاقية 6 مارس 1975، أعلن الحزب الديموقراطي الكردستاني إنهاء الكفاح المسلح، والنضال السياسي معاً. وقد أدى ذلك إلى حدوث فراغ سياسي كبير على الساحة الكردية، وانفراط عقد الحزب الديموقراطي الكردستاني، الذي انضم تحت لوائه الكثير من القيادات السياسية الكردية. فأصبحت الساحة الكردية مهيأة لاستقبال أي تنظيم سياسي جديد. فظهر جلال الطالباني، الذي عمل، فترة طويلة، نائباً لرئيس الحزب الديموقراطي الكردستاني، حتى دب الخلاف بينه وبين الملا مصطفى البارزاني، في أوائل السبعينيات، وأعلن، من سورية تأسيس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، في يونيه 1975، ، ليجمع التيارات الوطنية كافة، المناهضة للأساليب كافة، التي ينتهجها النظام العراقي تجاه القضية الكردية.
وجاء في بيان إعلان الحزب مبادئ قريبة من الفكر الاشتراكي. وتتلخص في الآتي:
أ. خلق جبهة، تجمع بين العمال والفلاحين وطبقة البورجوازية الصغيرة الوطنية.
ب. القضاء الكامل على النفوذ الأجنبي، وخصوصاً الإيراني.
ج. القضاء على الرأسمالية والبيروقراطية والصهيونية.
د. تحقيق الحكم الذاتي في كردستان، ضمن جمهورية عراقية مستقلة.
هـ. أنشأ الحزب قوات عسكرية خاصة، أسماها "الأنصار".
[1] هذه المنطقة تم إنشاؤها وتحديدها بمبادرة من قوات التحالف المكونة من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا
يتبع إن شاء الله...
|
|
| |
| الأكراد والمشكلة الكردية | |
|