منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 يُونُس (عليه السلام)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

يُونُس (عليه السلام)  Empty
مُساهمةموضوع: يُونُس (عليه السلام)    يُونُس (عليه السلام)  Emptyالإثنين 04 نوفمبر 2013, 12:38 am

يُونُس عليه السلام

في أرض الموصل بالعراق، كانت هناك بلدة تسمَّى "نينوي"، انحرف أهلها عن منهج الله، وعن طريقه المستقيم، وصاروا يعبدون الأصنام، ويجعلونها ندًّا لله وشريكًا له، فأراد الله أن يهديهم إلى عبادته، والى طريقه الحق، فأرسل إليهم يونس -عليه السلام-، ليدعوهم إلى الإيمان، وترك عبادة الأصنام التي لا تضر ولا تنفع، لكنهم رفضوا الإيمان بالله، وتمسكوا بعبادة الأصنام، واستمروا على كفرهم وضلالهم دون أن يؤمن منهم أحد، بل إنهم كذَّبوا يونس وتمردوا عليه، واستهزءوا به، وسخروا منه.


فغضب يونس من قومه، ويئس من استجابتهم له، فأوحى الله إليه أن يخبر قومه بأن الله سوف يعذبهم بسبب كفرهم.


فامتثل يونس لأمر ربه، وبلغ قومه، ووعدهم بنزول العذاب والعقاب من الله تعالى، ثم خرج من بينهم، وعلم القوم أن يونس قد ترك القرية، فتحققوا حينئذ من أن العذاب سيأتيهم لا محالة، وأن يونس نبي لا يكذب، فسارعوا، وتابوا إلى الله سبحانه، ورجعوا إليه وندموا على ما فعلوه مع نبيهم، وبكى الرجال والنساء والبنون والبنات خوفًا من العذاب الذي سيقع عليهم، فلما رأى الله -سبحانه- صدق توبتهم ورجوعهم إليه، كشف عنهم العذاب، وأبعد عنهم العقاب بحوله وقوته ورحمته.


قال تعالى: {فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} (98) سورة يونس.


وبعد خروج يونس من قريته، ذهب إلى شاطئ البحر، وركب سفينة، وفي وسط البحر هاجت الأمواج واشتدت الرياح، فمالت السفينة وكادت تغرق.


وكانت السفينة محملة بالبضائع الثقيلة، فألقى الناس بعضًا منها في البحر، لتخفيف الحمولة، ورغم ذلك لم تهدأ السفينة، بل ظلت مضطربة تتمايل بهم يمينًا ويسارًا فتشاوروا فيما بينهم على تخفيف الحمولة البشرية، فاتفقوا على عمل قرعة والذي تقع عليه؛ يرمي نفسه في البحر.


فوقعت القرعة على نبي الله يونس، لكن القوم رفضوا أن يرمي يونس نفسه في البحر، وأعيدت القرعة مرة أخرى، فوقعت على يونس، فأعادوا مرة ثالثة فوقعت القرعة عليه أيضًا، فقام يونس-عليه السلام-وألقى بنفسه في البحر، وكان في انتظاره حوت كبير أرسله الله له، وأوحى إليه أن يبتلع يونس دون أن يخدش له لحمًا، أو يكسر له عظمًا؛ ففعل، قال تعالى: (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142)) [الصافات: 139-142].

يُونُس (عليه السلام)  Images?q=tbn:ANd9GcTynbw58bSvHWnm5qCmuBdnFFrlfqC60WiQtoSMowp8eav0nRi4

وظل يونس في بطن الحوت بعض الوقت، يسبح الله -عز وجل-، ويدعوه أن ينجيه من هذا الكرب، قال تعالى: (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) [الأنبياء: 87، 88]).


يَذْكُرُ اللهُ تَعالى قِصَّةَ يونُسَ عليهِ السلامُ ( وهوَ ذو النُّونِ أيْ صاحبُ الحُوت ) ، وكانَ اللهُ قَدْ بَعَثَهُ نَبِياً إلى أَهْل نينَوَى فَدَعَاهُمْ إلى عِبَادةِ اللهِ وَحدَهُ فَأَبَوْا ، وَتَمَادَوْا في كُفْرِهم ، فَخَرَجَ يُونُسُ مِنْ بَيْنِهِم مُغَاضِباً لَهُمْ ، وأَتْذَرَهُمْ بأنَّ العَذَابَ وَاقِعُ بِهِمْ بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّام ، فَلما تَحَقَّقُوا مِنْ ذَلِكَ ، وَعِلمُوا أنَّ النبيَّ لا يَكْذِبُ ، خَرَجُوا مِنَ البلدِ بأطْفَالِهم وأنْعامِهم ومَوَاشِيهِم ، ثُمَّ تَضَرَّعُوا إلى اللهِ تَعَالى، وَجأَرُوا إليهِ بالدُّعَاءِ ، فَرَفَعَ اللهُ عَنْهُمْ العَذابَ ، وصَرَفَهُ عَنْهُم ، كَمَا جَاءَ في آيةٍ أُخْرى.


أمَّا يونسُ فإنَّه تَرَكَ قَوْمَه مُغَاضِباً لَهُم ، وذَهَبَ فَرَكِبَ في سَفِينَةٍ فَاضْطَرَبَتْ وَخافَ مَنْ فِيها مِنْ غَرَقِها ، فاقْتَرعُوا على رَجُل يُلقُونهُ مِنْ بينِهم في الماءِ يَتَخفَّفُونَ مِنهُ ، فوقَعَتِ القُرْعَةُ على يُونُسَ ، فَأَبَوْا أنْ يُلْقُوهُ ، ثُمَّ أعادُوا القُرْعَةَ فَوَقَعَتْ علَيْهِ ، فَأَبَوْا  ثمَّ أعَادُوا للمرةِ الثّالثةِ فَوَقَعَتْ عليه ، فَتَجَرَّدَ يُونُسُ مِنْ ثِيَابِهِ ، وأَلْقَى بِنَفْسِهِ في المَاءِ ، فالْتَقَمَهُ الحُوتُ ، ولِذَلِكَ سُمِّيَ بصَاحِبِ الحُوتِ( ذُو النُّونِ ).


وكانَ يُونسُ يَظُنُّ أنَّ الله لَنْ يُضَيِّقَ عليْهِ في بَطْنِ الحُوتِ ، ( أو أنهُ تَعالى لنْ يَقْدِرَ عليه أَنْ يَكُونَ فِي بَطْن الحُوتِ ) فَكَانَ في بَطْنِ الحوتِ في ظُلْمَةٍ ، وفي أعْمَاقِ البَحْرِ في ظُلمَةٍ ، وفي ظَلاَمِ الليلِ في ظُلْمَةٍ ، ولذلك قَالَ تَعالى : { فنادى فِي الظلمات } ودَعاَ رَبَّهُ قائلاً : لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَك إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ .


وأمر الله الحوت أن يقذفه على الساحل، ثم أنبت عليه شجرة ذات أوراق عريضة تظلله وتستره وتقيه حرارة الشمس، قال تعالى: (فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145) وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (146)) [الصافات: 145-146].


فَأَمَرَ اللهُ تَعَالَى الحُوتَ بِأَنْ يُلْقِيَهِ فِي مَكَانٍ خَالٍ لاَ شَجَرَ فِيهِ وَلاَ نَبَاتَ ، وَهُوَ عَلِيلُ الجِسْمِ ، سَقِيمُ النَّفْسِ .فَأَنْبَتَ اللهُ بِجَانِبِهِ شَجَرَةَ يَقْطِينٍ تُظَلِّلُهُ بِأْوْرَاقِهَا ، وَتَقِيهِ لَفْحَ الشَّمْسِ ، وَيَأْكُلُ ثَمَرَهَا .


وقال تعالى: (وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147) فَآَمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (148))[الصافات: 147-148].


ثُمَّ إِنَّهُ بَعْدَ أَنْ شَفِيَ ، وَرَضِيَ عَلَيْهِ رَبُّهُ ، بَعَثَهُ اللهُ تَعَالَى رَسُولاً إلَى قَوْمِهِ مَرَّةً أُخْرَى ، وَكَانَ عَدَدُهُمْ كَثِيراً قَدْ يَتَجَاوَزُ مِئَةَ أَلْفٍ ، فَاسْتَقَامَتْ حَالُهُمْ مَعَهُ ، لأَنَّهُمْ بَعْدَ خُرُوجِهِ عَنْهُمْ ، خَافُوا عَذَابَ اللهِ ، وَمَا أَنْذَرَهُمْ بِهِ يُونُسُ ، فَخَرَجُوا خَارِجَ البَلَدِ بِأْمْوَالِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ وَمَوَاشِيِهِمْ ، وَجَأَرُوا إِلَى اللهِ بِالدُّعَاءِ ، وَأَعْلَنُوا التَّوْبَةَ لِرَبِّهِمْ ، فَأَنْجَاهُمْ رَبُّهُمْ مِنَ الهَلاَكِ ، وَلَمَا عَادَ إِلَيْهِمْ يُونُسُ التَفُّوا حَوْلَهُ .


فآمَنُوا بِاللهِ ، وَبِمَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ نَبِيُّهُمْ يُونُسُ ، فَمَتَّعَهُم اللهُ فِي هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ، حَتَّى حَانَتْ آجَالُهُمْ ، فَهَلَكُوا فِيمَنْ هَلَكَ .


وقد أثنى الله -عز وجل- على يونس في القرآن الكريم، قال تعالى: {وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ} (86) سورة الأنعام.


أي وَمِنْ ذُرِّيَةِ نُوحٍ ، مِمَّنْ هَدَاهُمُ اللهُ ، يَذْكُرُ تَعَالَى : إِسْمَاعِيلَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ ، وَاليَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوْطاً فَهَدَاهُمْ ، وَآتَاهُمُ النُّبُوَّة ، وَجَعَلَهُمْ مِنَ المُهْتَدِينَ ، وَفَضَّلَهُمْ عَلَى العَالَمِينَ مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِمْ .


كما أثنى النبي صلى الله عليه وسلم  على يونس-عليه السلام- فعَنْ قَتَادَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْعَالِيَةِ حَدَّثَنَا ابْنُ عَمِّ نَبِيِّكُمْ -يعْنِى ابْنَ عَبَّاسٍ- عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «لاَ يَنْبَغِى لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّي».


وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الذي تصيبه مصيبة أو شر ثم يدعو بدعاء يونس-عليه السلام-، يفرِّج الله عنه، عَنْ سَعْدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « دَعْوَةُ ذِى النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِى بَطْنِ الْحُوتِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّى كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ. فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِى شَىْءٍ قَطُّ إِلاَّ اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ ». [الترمذي] .

الدروس والعبر

(1) الثمار العقدية للاستغفار

للاستغفارِ آثارٌ عقديَّةٌ وثمارٌ إيمانيةٌ جليلةٌ منها:

إنابة العبدِ إلى ربِّهِ، واعترافه بذنبه وإقراره بـ(أن له ربّاً يغفر الذنوب)، وتربية الخشوع والخضوع في نفس المسلم، وتلذُّذِه بالتذلُّل بين يدي ربِّه كما قال نبي الله صالح عليه السلام : ( وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ ) (هود 61).


قال السعدي رحمه الله:

"أي: فَاسْتَغْفِرُوهُ مِمَّن دعاه دُعاءَ مسألة أو دُعاءَ عِبادةٍ يجيبه بإعطائه سُؤالَه وقبولِ عِبادتِه وإثابتِه عليها أجلَّ الثواب. واعلَمْ أنَّ قُربَه تعالى نوعان: عامٌّ وخاصٌّ، فالقُربُ العام: قُربُه بِعِلمِه من جميعِ الخلق، وهو المذكورُ في قوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) (ق 16).


 والقربُ الخاصُّ: قُربُه من عابدِيه وسائليه ومُحِبِّيه، وهو المذكورُ في قوله تعالى: ( كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ) (العلق 19).


وفي هذه الآية وفي قوله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) (البقرة 186). وهذا النوع قرب يقتضي إلطافه تعالى وإجابته لدعواتهم وتحقيقه لمراداتهم؛ ولهذا يقرن باسمه القريب اسمه المجيب".


وأعظم ما يُصاب به العبدُ حين يقترفُ الذنبَ ولا يستغفر الله عزَّ وجل نقصانُ إيمانه، فقد أجمعَ أهلُ السنةِ على أنَّ الإيمانَ يزيدُ بالطاعاتِ وينقُصُ بالمعاصي. 

يُونُس (عليه السلام)  Images?q=tbn:ANd9GcRt139xO-QDInJ5Z26N3-w8gefzG-lEn_oiTs0J1VmDXEI1-z5o

حتى ترجمَ البخاري رحمه الله في كتاب (الإيمان) ترجمتَه الوافية: "

هو قولٌ وفعلٌ ويزيد وينقص، قال الله تعالى: (لِيَزْدادُوا إيماناً مع إيمانِهم) [الفتح: 4]. ((إنهم فتيةٌ آمنوا بربِّهم وزدناهم هدى) [الكهف: 13]. (ويَزيدُ اللهُ الذين اهْتَدَوْا هُدًى) [مريم: 76]. (والذين اهْتَدَوْا زادَهم هُدًى وآتاهم تَقْواهم) [محمد: 17]. (ويزدادَ الذين آمَنُوا إيمانا) [المدثر: 31]. 


وقوله: ((وإذا ما أُنزِلَتْ سورةٌ فمِنهم مَن يقول أيُّكم زادَتْه هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون))،[التوبة 124]. 


وقوله جلَّ ذِكْرُه: (الذين قال لهم الناسُ إنَّ الناسَ قد جمعوا لكم فاخْشَوْهُمْ فزادَهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) [آل عمران: 173]. 


وقوله تعالى: ((ولما رأى المؤمنون الأحزابَ قالوا هذا ما وَعَدَنا اللهُ ورسولُه وصدقَ اللهُ ورسولُه وما زادَهم إلا إيمانا وتسليما)) [ الأحزاب 22]".  


فالاستغفارُ يشتملُ على إظهارِ الرجاءِ في الله عز وجلَّ وحُسنِ الظنّ به جل جلاله؛ وهذه المعاني ظاهرةٌ في أذكار الاستغفار، كما روى الترمذي عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: « قَالَ اللَّهُ يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِى وَرَجَوْتَنِى غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِى يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِى غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِى يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِى بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِى لاَ تُشْرِكُ بِى شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً ».


قال ابن القيِّم رحمه الله: "إذا أراد الله بعبدِه خيراً فتحَ له من أبوابِ التوبة والندمِ والانكسارِ والذُّلِّ والافتقار والاستعانة وبه وصدقِ اللجوء إليه، ودوامِ التضرع والدعاء والتقرب إليه بما أمكن من الحسنات؛ ما تكون تلك السيئة به سبب رحمتِهِ؛ حتى يقول عدوُّ الله: ليتني تركتُهُ ولم أُوقِعْهُ! وهذا معنى قولِ بعضِ السلفِ: إنَّ العبدَ ليعمل الذنبَ يدخل به الجنّة! ويعمل الحسنة يدخل بها النار! 


قالوا: كيف؟ قال: يعمل الذنب؛ فلا يزال نصبَ عينيهِ خائفاً منه مُشفِقاً وَجِلاً باكياً نادماً مُستَحِياً من ربِّهِ تعالى ناكسَ الرأسِ بين يديه منكسِرَ القلب له؛ فيكون ذلك الذنبُ أنفعَ له من طاعاتٍ كثيرةٍ بما ترتب عليه من هذه الأمور التي بها سعادةُ العبد وفلاحُهُ؛ حتى يكون ذلك الذنبُ سببَ دخولِهِ الجنة! ويفعل الحسنةَ؛ فلا يزالُ يمُنُّ بها على ربِّهِ ويتكبَّرُ بها، ويرى نفسَهُ ويُعجَبُ بها ويستطيل بها، ويقول: فعلتُ وفعلتُ؛ فيُورِثُهُ من العُجْبِ والكِبْرِ والفخر والاستطالة؛ ما يكون سببَ هلاكِهِ؛ فإذا أراد اللهُ تعالى بهذا المسكين خيراً ابتلاه بأمرٍ يكسرُهُ بهِ ويُذِلُّ به عُنُقَهُ ويُصغِّرُ به نفسَه عنده! وإذا أراد به غيرَ ذلك؛ خلاه وعُجبَهُ وكِبْرَهُ؛ وهذا هو الخذلانُ المُوجِبُ لهلاكِهِ"!

يُونُس (عليه السلام)  Mk-010

2- الاستغفار توحيد وتمجيد:

لَما كان الدعاءُ قائماً على توحيدِ الله عزَّ وجلَّ وإظهارِ الذُّل والافتقارِ إلى الله؛ فقد نادى أيوب عليه السلام: (أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين) [ الأنبياء: 83] و"جمع في هذا الدعاءِ بين حقيقةِ التوحيدِ وإظهارِ الفَقرِ والفاقةِ إلى ربِّه ووُجودِ طعمِ المحبةِ في التملُّقِ له، والإقرارِ له بصفةِ الرحمةِ وأنه أرحَمُ الراحمين، والتوسُّلِ إليه بصفاتِه سبحانه وشدةِ حاجتِه هو وفَقرِه. 


ومتى وجد المبتلى هذا كُشِفَت عنه بلواه، وقد جرب أنه من قالها سبعَ مرات ولاسيما مع هذه المعرفة كشفَ الله ضُرَّه".  


ولله دَرُّ ابنِ القيم رحمه الله؛ حيث قال: "التوحِيدُ مَفزَعُ أعدائه وأوليائه، فأما أعداؤه فيُنجِيهم من كُرَبِ الدنيا وشدائدها، {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} (65) سورة العنكبوت. 


وأما أولياؤه فينجيهم من كُربات الدنيا والآخرة وشدائدها؛ ولذلك فزعَ إليه يونس فنجاه الله من تلك الظلمات، وفزع إليه أتباعُ الرُّسلِ فنجوا به مما عذب به المشركون في الدنيا وما أعدَّ لهم في الآخرة. 


ولما فزعَ إليه فرعون عند مُعاينة الهلاك وإدراك الغرق لم ينفعه؛ لأنَّ الإيمان عند المعايَنة لا يقبل، هذه سُنةُ الله في عِباده؛ فما دُفعت شدائد الدنيا بمثل التوحيد؛ ولذلك كان دعاءُ الكربِ بالتوحيد، ودعوةُ ذي النون التي ما دعا بها مَكرُوبٌ إلا فرَّجَ الله كربَه بالتوحيد؛ فلا يُلقي في الكَرْبِ العِظام إلا الشِّرك، ولا يُنْجِي منها إلا التوحيد؛ فهو مَفزَعُ الْخَلِيقة ومَلجؤها وحِصْنُها وغِياثها".


إنَّ دُعاءَ الله تعالى أعظمُ تَعْبِيرٍ عن الاستِعانةِ بالله عزَّ وجَلَّ ورَجائه والخوفِ منه؛ فهو (سميعُ الدعاء) [ آل عمران: 38] يُجِيب دَعوةَ الداعي إذا دَعاه (تَضَرُّعاً وخُفْيةً)[ الأنعام 63] و(خَوفاً وطَمَعاً) [ الأعراف: 56] وقد عبَّرَ الطيِّبي عن هذا المعنى أحْسَنَ تَعْبيِرٍ عند قولِ الله تعالى: (ادْعُوني اسْتَجِبْ لكم) فقال رحمه اللهُ: "الدُّعاءُ هو إظهارُ غايةِ التذلُّلِ والافتقارِ إلى الله والاستكانةِ إليه؛ وما شُرِعتْ العباداتُ إلا للخُضوعِ للباري وإظهارِ الافتقارِ إليه؛ ولهذا خَتَمَ الآيةَ بقوله تعالى: (إنّ الذين يستكبرون عن عبادتي) حيث عبَّرَ عن عَدَمِ الخضوعِ والتذلُّلِ بالاستكبارِ, ووَضَعَ (عِبادتي) موضع (دُعائي), وجَعلَ جَزاءَ ذلك الاستِكبارَ والصَّغارَ والهَوان".

3-من آثارِ الاستِغفارِ النجاةُ من الفِتَن والمكدِّرات:

فالاستِغفارُ أمانٌ يحفظ الإنسان، كما قال الله عزَّ وجل: ( وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) (الأنفال 33).


ورَحِمَ الله ابنَ القيم حيث قال في تفسِيرِ الْمُعوِّذَتَيْن:

"الشرُّ الذي يُصِيبُ العبدُ لا يخلُو من قسمَين: إما ذُنوبٌ وَقَعَتْ منه؛ يُعاقَبُ عليها؛ فيكون وُقوعُ ذلك بِفِعْلِه وقَصدِه وسَعيِه؛ ويكونُ هذا الشرُّ هو الذنوبَ ومُوجباتِها وهو أعظمُ الشَّرَّين وأدْوَمُهما وأشَدُّهما اتصالا بصاحبِه؛ وإما شرٌّ واقِعٌ به مِن غَيرِه... فتَضَمَّنَتْ هاتان السورتان الاستِعاذةَ مِن هذه الشرورِ كلِّها بأوجَزِ لفظٍ وأجْمَعِه وأدَلِّه على المرادِ وأعَمِّه استعاذةً؛ بحيث لم يَبقَ شَرٌّ مِن الشرورِ إلا دَخَلَ تحت الشرِّ المستعاذِ منه فيهما.


فإنَّ سُورة (الفلق) تضمَّنَت الاستِعاذةَ مِن أمُورٍ أربعةٍ:

أحدها: شر المخلوقات التي لها شَرٌّ عُموما، الثاني: شَرُّ الغاسِق إذا وَقَب، الثالث: شَرُّ النَّفَّاثاتِ في العُقَدِ، الرابع: شَرُّ الحاسِدِ إذا حَسَد".


4- الاستغفار استقرار نفسي:

لا ريبَ أنَّ من أعرَضَ عن رَحمةِ ربِّه وأقبلَ على مَنْ ضَرُّه أقْربُ مِن نَفعِه؛ فقد ظلمَ نفسَه وحرمَها لذةَ الإقبالِ على اللهِ واستغفارَه والتوبةَ والإنابةَ إليه والاستِسلامِ بين يدَيه؛ "ففي القلبِ شَعَثٌ لا يلُمّه إلا الإقبالُ على الله، وفيه وِحْشةٌ لا يُزيلها إلا الأُنسُ به في خلوته، وفيه حُزنٌ لا يُذهِبه إلا السرورُ بمعرفته وصدقُ مُعاملتِه، وفيه قَلقٌ لا يُسكِّنه إلا الاجتماعُ عليه والفِرارُ منه إليه، وفيه نيرانُ حَسراتٍ لا يُطفئها إلا الرِّضا بأمرِه ونَهيِه وقضائه، ومعانقة الصبر على ذلك إلى وقت لقائه، وفيه طلبٌ شديدٌ لا يقف دون أن يكون هو وحدَه مَطلُوبَه، وفيه فاقةٌ لا يسدّها إلا محبّته والإنابة إليه ودوام ذكره، وصدق الإخلاص له؛ ولو أُعطي الدنيا وما فيها لم تُسدَّ تلك الفاقةُ منه أبدا"!


5-الاستغفار سعادة ورضوان:

فمَن هُدِيَ إلى الاستغفارِ؛ فقد فُتِحَ له بابُ رضوانِ العزيزِ الغفار، ويا فوزَ المستغفِرين الموفَّقِين الأخيارِ الذين يُحاسِبُون أنفُسَهم ويعترفون بذنوبِهم؛ ذلك أنَّ "مُطالعةَ عَيبِ النفسِ والعملِ تُوجِب له الذلََّ والانكسارَ والافتقارَ والتوبةَ في كلِّ وَقتٍ؛ وأن لا يرى نفسَه إلا مُفلِساً، وأقربُ بابٍ دخلَ منه العبدُ على الله تعالى هو الإفلاس؛ فلا يرى لنفسِهِ حالاً ولا مقاماً ولا سبباً يتعلَّق به ولا وَسِيلةً منه يَمُنُّ بها! بل يدخلُ على اللهِ تعالى مِن بابِ الافتقارِ الصِّرفِ والإفلاسِ المحضِ دُخُولَ مَن قد كَسَرَ الفَقرُ والمسكنةُ قلبَه؛ حتى وَصَلتْ تلك الكَسْرةُ إلى سُوَيْدائه؛ فانْصَدعَ وشَمَلَتْهُ الكسرةُ مِن كلِّ جهاتِهِ، وشَهِدَ ضَرورتَه إلى ربِّهِ عزَّ وجلَّ، وكمالَ فاقتِهِ وفَقرِهِ إليه، وأنَّ في كلِّ ذَرَّةٍ من ذرّاتِهِ الظاهرة والباطنة فاقةً تامّةً، وضرورةً كاملةً إلى ربِّهِ تبارك وتعالى، وأنه إنْ تَخلَّى عنه طرفةَ عينٍ هَلَكَ وخَسِرَ خَسارةً لا تُجبَرُ؛ إلا أنْ يعودَ الله تعالى عليه ويَتَدارَكَه بِرَحمتِهِ؛ ولا طريقَ إلى الله تعالى أقْربَ مِن العُبوديّة، ولا حِجابَ أغْلظَ مِن الدعوى!".



يُونُس (عليه السلام)  2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 10 أبريل 2021, 1:51 pm عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

يُونُس (عليه السلام)  Empty
مُساهمةموضوع: رد: يُونُس (عليه السلام)    يُونُس (عليه السلام)  Emptyالإثنين 04 نوفمبر 2013, 12:49 am

6-الآثار الاجتماعية للاستغفار:
يُونُس (عليه السلام)  %D9%88%D8%A7%D9%86+%D9%8A%D9%88%D9%86%D8%B3
ولو استحضرنا شروطَ التوبة التي اتفق أهلُ العلم على عَدمِ قبولِ التوبة إلا بتوفُّرِها؛ لألْفَينا الآثارَ الاجتماعية ظاهرةً فيها.

فقد قال النووي رحمه الله:
"قال العلماء: التوبةُ واجبةٌ من كلِّ ذنب: فإن كانت المعصية بين العبدِ وبين الله تعالى لا تتعلقُ بحقِّ آدميٍّ فلها ثلاثة شروط: أحدها: أن يقلع عن المعصية، والثاني: أن يندم على فعلها، والثالث: أن يعزم أن لا يعود إليها أبدا. 

فإن فُقِد أحد الثلاثة لم تصح توبته، وإن كانت المعصية تتعلق بآدميٍّ فشروطُها أربعة: هذه الثلاثة وأن يبرأ من حق صاحبها: فإن كانت مالا أو نحوه ردَّه إليه، وإن كان حدَّ قذفٍ ونحوه مكَّنه منه أو طلب عفوَه، وإن كان غيبة استحله منها".

فالإقلاعُ عن المعصية في الحاضر، والندمُ على فِعلِها في الماضي، والعَزمُ على عَدمِ العودةِ إليها في المستقبَل تُمثِّلُ ثِمارا إيمانيةً ونفسيةً للتوبة النصوح والاستغفار الصادق، وأما ردُّ الحقوقِ والمظالِمِ فتمثلُ الآثارَ الاجتماعية للتوبة. 

فليس بتائبٍ حقيقةً من لم يتُبْ عن حُقوقِ المسلمين؛ ولا تصحُّ للظالم توبةٌ وللمُتعدِّي على حقوقِ المسلمين!
ورَحِمَ الله القرطبي حيث قال: "قال علماؤنا: الاستغفارُ المطلوبُ هو الذي يحلُّ عُقَدَ الإصرارِ ويثبت معناه في الجنان لا التلفظ باللسان، فأما من قال بلسانه: أستغفر الله وقلبه مصر على معصيته؛ فاستغفارُه ذلك يحتاج إلى استغفار، وصغيرتُه لاحقةٌ بالكبائر. 

وروي عن الحسن البصري أنه قال: استغفارُنا يحتاج إلى استغفار! قلتُ: هذا يقولُه في زمانه فكيف في زماننا هذا الذي يرى فيه الإنسان مُكِباًّ على الظلم حريصاً عليه لا يُقلِعُ والسبحة في يده زاعماً أنه يستغفر الله من ذنبه! وذلك استهزاء منه واستخفاف، وفي التنزيل (ولا تتخذوا آيات الله هزوا)".

قال القرطبي رحمه الله في بيانِ الذنوبِ التي يُتاب منها تمييزاً لِحقِّ لله تعالى عن حقِّ غيرِه "وأما حقوق الآدميين فلا بد من إيصالها إلى مستحقيها؛ فإن لم يوجدوا تصدق عنهم".

فالتائبُ المستغفرُ المنيبُ إلى ربِّه الخائفُ من ذنبِه أبعدُ الناس عن الوقوعِ في أموالِ الناس وأعراضِهم وحقوقِهم والإساءة إليهم؛ لِمُراقَبتِه نفسَه وتوقِّيه من معاصي الله والوقوع في سخطه؛ وتلك ثمرةٌ اجتماعيةٌ للاستغفار وعلامةٌ صادقةُ على التوبة النصوح المباركة.

ويكفي من بركة الاستغفار وآثاره الاجتماعية الطيِّبة أنْ نستحضرَ أنَّ الاستغفارَ سببٌ للتواضعِ لله ولِعبادِه؛ فلا يتكبرُ المذنبُ المستغفرُ ولا يحتقرُ غيرَه بل يوقِّره، ولا يتطاول عليه بل يخفض له جناحَه! فيا سعادةَ المستغفِرين المتواضِعين! ويا شقاءَ المتكبرين الغافلين الذين يفعل الواحد منهم حسنة "فلا يزالُ يَمُنُّ بها على ربِّهِ ويتكبَّرُ بها، ويرى نفسَهُ ويُعجَبُ بها ويستطيل بها، ويقول: فعلتُ وفعلتُ؛ فيُورِثُهُ من العُجْبِ والكِبْرِ والفخر والاستطالة؛ ما يكون سببَ هلاكِهِ؛ فإذا أراد اللهُ تعالى بهذا المسكين خيراً ابتلاه بأمرٍ يكسرُهُ بهِ ويُذِلُّ به عُنُقَهُ ويُصغِّرُ به نفسَه عنده"!
ولك أنْ تتبيَّنَ روعةَ اجتماعِ الشمائلِ الإيمانية والنفسية والاجتماعية: صبراً وصِدقاً وقنوتاً وإنفاقاً.
ولا يخفى أنَّ ربطَ القرآن بين الاستغفار والإنفاق يمثل إشارةً إلى الثمرات الاجتماعية للاستغفار، كما قال الله عزَّ وجلَّ: (قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ . الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ . الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ ) (آل عمران: 15-17).

ومن الثمراتِ الاجتماعيةِ للاستغفارِ كظمُ الغيظِ والعفوُ عن الناسِ وإقالةُ عَثَراتِهم، كما قال الله عزَّ وجل: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ . وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) (آل عمران 133-135). 

قال الحافظ ابنُ كثير رحمه الله:
"قوله تعالى: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (آل عمران: 134))، أي: إذا ثار بهم الغيظُ كظموه: بمعنى كتموه؛ فلم يُعْمِلوه، وعفَوْا مع ذلك عمَّنْ أساء إليهم. 

وقد ورد في بعضِ الآثار (يقول الله تعالى: يا ابنَ آدم اذكُرْني إذا غضبتَ؛ أذْكُرْكَ إذا غَضِبتُ؛ فلا أُهْلِكُكَ فيمن أهْلَكَ) رواه ابن أبي حاتم".

7- الدعاء سببٌ لرد البلاء واستجلاب الرحمة:
قال الإمام الغزالي:
"فإن قلت فما فائدة الدعاء والقضاء لا مرد له؟ فاعلم أن من القضاء رد البلاء بالدعاء فالدعاء سبب لرد البلاء واستجلاب الرحمة كما أن الترس سبب لرد السهام والماء سبب لخروج النبات من الأرض فكما أن الترس يدفع السهم فيتدافعان فكذلك الدعاء والبلاء يتعالجان . 

وليس من شرط الاعتراف بقضاء الله تعالى أن لا يحمل السلاح وقد قال تعالى: (وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) سورة النساء الآية 102.

كما أنه ليس من شرطه أن لا يسقي الأرض بعد بث البذر فيقال إن سبق القضاء بالنبات نبت البذر وإن لم يسبق لم ينبت بل ربط الأسباب بالمسببات هو القضاء الأول الذي هو كلمح البصر أو هو أقرب وترتيب تفصيل المسببات على تفاصيل الأسباب على التدريج والتقدير هو القدر والذي قدَّر الخير قدَّره بسبب والذي قدَّر الشر قدَّر لرفعه سبباً فلا تناقض بين هذه الأمور عند من انفتحت بصيرته. 

ثم في الدعاء من الفائدة أنه يستدعي حضور القلب مع الله وهو منتهى العبادات ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: ( الدعاء مخ العبادة ). 

والغالب على الخلق أن لا تنصرف قلوبهم إلى ذكر الله عز وجل إلا عند إلمام حاجة وإرهاق ملمة فإن الإنسان إذا مسه الشر فذو دعاء عريض. 

فالحاجة تحوج إلى الدعاء والدعاء يرد القلب إلى الله عز وجل بالتضرع والاستكانة فيحصل به الذكر الذي هو أشرف العبادات ولذلك صار البلاء موكلاً بالأنبياء عليهم السلام ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل، لأنه يرد القلب بالافتقار والتضرع إلى الله عز وجل ويمنع من نسيانه وأما الغنى فسبب للبطر في غالب الأمور فإن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى ].
8- الحياة الدنيا مليئة بالمحن والمتاعب والبلايا والشدائد والنكبات، إن صفت يوماً كدرت أياماً، وإن أضحكت ساعة أبكت أياماً، لا تدوم على حال وَتِلْكَ الاْيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران: 140].
فقر وغنى، عافية وبلاء، صحة ومرض، عز وذل، فهذا مصاب بالعلل والأسقام، وذاك مصاب بعقوق الأبناء، وهذا مصاب بسوء خلق زوجته وسوء عشرتها، وتلك مصابة بزوج سيء الأخلاق، فظ الخلق، سيء العشرة، وثالث مصاب بكساد تجارته وسوء صحبه الجيران، وهكذا إلى نهاية سلسلة الآلام التي لا تقف عند حد، ولا يحصيها عد.

ولا يزيل هذه الآلام، ويكشف هذه الكروب إلا الله علام الغيوب الذي يجيب المضطر إذا دعاه، والمسلم حاله في البأساء الصبر والإنابة إلى الله، يتوسل بالأسباب الموصلة إلى كشف المكروه، لا يستكين للحادثات، ولا يضعف أمام الملمات، يحاول التخلص منها في حزم الأقوياء وعزيمة الأصفياء، قدوته في ذلك سيد المرسلين، وإمام الصابرين، فقد حل به وبأصحابه الكرام من الشدائد والمحن والابتلاء ما تقشعر منه الأبدان، فما وهنوا، وما ضعفوا، وما استكانوا، بل قابلوا تلك الخطوب بالصبر والثبات: "الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوء وَاتَّبَعُواْ رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ" [آل عمران: 173 -174].

وعَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ قَالَ شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِى ظِلِّ الْكَعْبَةِ فَقُلْنَا أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلاَ تَدْعُو لَنَا، فَقَالَ « قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِى الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهَا، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، وَيُمَشَّطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ » [البخاري]. 

ولقد وعد مولانا -سبحانه وتعالى- عباده بالسعة بعد الضيق، وبالعافية بعد البلاء، وبالرخاء بعد الشدة، واليسر بعد العسر فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً [الشرح: 5-6]. 

يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: لو دخل العسر في جحر لجاء اليسر حتى يدخل عليه؛ لأن الله تعالى يقول: "إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً" [الشرح: 6].

 وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ رَدِيفَ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: « يَا غُلاَمُ أَوْ يَا غُلَيِّمُ أَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِنَّ؟ » فَقُلْتُ: بَلَى فَقَالَ:« احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِى الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِى الشِّدَّةِ وَإِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ قَدْ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ فَلَوْ أَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ جَمِيعاً أَرَادُوا أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَىْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَىْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ وَاعْلَمْ أَنَّ فِى الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْراً كَثِيراً وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً » [أحمد].

ضاقت فلما استحكمت حلقاتها … فرجت وكنت أظنها لا تفرج
يقول ابن رجب رحمه الله:
كم قص الله سبحانه من قصص تفريج كربات أنبيائه عند تناهي الكروب بإنجاء نوح ومن معه في الفلك، وإنجاء إبراهيم من النار، وفدائه لولده الذي أمر بذبحه، وإنجاء موسى وقومه من اليم، وقصة يونس وقصص محمد -عليه وعلى جميع الأنبياء المرسلين أفضل الصلاة وأتم التسليم- مع أعدائه، وإنجائه منهم كقصة الغار ويوم بدر والأحزاب وحنين وغير ذلك.

صبراً جميلاً ما أقرب الفرجا ……من راقب الله في الأمر نجا
من صــــــدق الله لم ينله أذى ……ومن رجاه يكون حيث رجا

أخي المسلم لا تجزع مما أصابك، ولا تحزن، فإن ذلك لا يرد فائتاً، ولا يدفع واقعاً، فاترك الحزن والهم، وكن مستعيناً بالله متوكلاً عليه، وخذ من الأسباب ما يفرج كربك، ويذهب همك من تقوى الله عز وجل والإنابة إليه والتوكل عليه والتعرف إليه في الرخاء، قال تعالى: "وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلّ شَىْء قَدْراً" [الطلاق: 2-3].

وعَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فِى قَوْلِهِ تَعَالَى: (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ ) قَالَ :« مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَغْفِرَ ذَنْبًا وَيُفَرِّجَ كَرْبًا وَيَرْفَعَ قَوْمًا وَيَخْفِضَ آخَرِينَ »..

وعَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، قَالَ: قَالَ: سَمِعْت الضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ يَقُولُ: اُذْكُرُوا اللَّهَ فِي الرَّخَاءِ يَذْكُرْكُمْ فِي الشِّدَّةِ , فَإِنَّ يُونُسَ كَانَ عَبْدًا صَالِحًا ذَاكِرًا لِلَّهِ ، فَلَمَّا وَقَعَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ، قَالَ اللَّهُ: { فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبّحِينَ لَلَبِثَ فِى بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الصافات:143-144] }، وَإِنَّ فِرْعَوْنَ كَانَ عَبْدًا طَاغِيًا نَاسِيًا لِذِكْرِ اللهِ ، فَلَمَّا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ ، قَالَ: { آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) } سورة يونس.
 وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: « مَنْ لَزِمَ الاِسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ ». [أبو داود]. 

وأكثر أخي من الأدعية التي وردت عن الحبيب فإن فيها ذهاب الهموم والغموم، ومن ذلك قوله: « لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ، وَرَبُّ الأَرْضِ ، وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ » [متفق عليه].

وأخرج أحمد بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « نَعَمْ دَعْوَةُ ذِى النُّونِ إِذْ هُوَ فِى بَطْنِ الْحُوتِ (لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّى كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا مُسْلِمٌ رَبَّهُ فِى شَىْءٍ قَطُّ إِلاَّ اسْتَجَابَ لَهُ ». 

واعلم يقيناً أن الذي يكشف البلوى هو الله، فاعتصم به، واعتمد عليه وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنّى مَسَّنِىَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرّ وَءاتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ [الأنبياء:83-84].

روى سعيد بن عنبسة قال: بينما رجل جالس، وهو يعبث بالحصى، ويحذف بها، إذ رجعت حصاة منها، فصارت في أذنه، فجهد بكل حيلة، فلم يقدر على إخراجها، فبقيت الحصاة في أذنه تؤلمه، فبينما هو ذات يوم جالس إذ سمع قارئاً يقرأ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوء [النمل: 62]، فقال: يا رب، أنت المجيب، وأنا المضطر، فاكشف ضر ما أنا فيه، فنزلت الحصاة من أذنه. 

فراقب الله وأكثر من الضراعة والالتجاء، وقل: « يَا حَىُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ » كن قوي الإيمان بالله، قوي الثقة به، حسن الرجاء حسن الظن بمولاك، يكشف عنك ما نزل بك من الضر، ويبدل شدتك رخاء، ويجعل لك من همك فرجاً ومخرجاً، ومن عسرك يسراً، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلّ شَىْء قَدْراً [الطلاق: 3].

9- المسلم يتهم نفسه دائماً بالتقصير والتفريط، ويعلم أنه ما أصابه إنما كان من قبل نفسه وَمَا أَصَابَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ [الشورى: 30].
والمؤمن قد ينتفع بمصيبته، فيجعل من هذه المحن منحاً يترقى بها في طاعة الله، يقول ابن رجب رحمه الله: إن المؤمن إذا استبطأ الفرج، وأيس منه بعد كثرة دعائه وتضرعه، ولم يظهر له أثر الإجابة رجع إلى نفسه بالملائمة، وقال لها: إنما أتيت من قبلك، ولو كان فيك خير لأجبت، وهذا اللوم أحب إلى الله من كثير من الطاعات، فإنه يوجب انكسار العبد لمولاه، واعترافه له بأنه أهل لما نزل به من البلاء، وأنه ليس أهلاً لإجابة الدعاء، فلذلك تسرع إليه حينئذ إجابة الدعاء وتفريج الكرب، فإنه تعالى عند المنكسرة قلوبهم من أجله. يا حي يا قيوم رحمتك نرجو، فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك، وأصلح لنا شأننا كله بعفو منك وعافية.

10- من لطائف أسرار إقتران الفرج بالكرب أن الكرب إذا اشتد وعظم وتناهى وحصل للعبد اليأس من كشفه من جهة المخلوقين تعلق قلبه بالله وحده، وهذا هو حقيقة التوكل.
ومن علامات المحن والمصائب الإسترجاع بأن تقول إنا الله وإنا إليه راجعون، وأن تعلم إن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن نظر المصاب إلى نعم الله، وأن الله أعطاه أعظم وأكثر مما أصابه به، وأن تعلم أن الجزع لا يزيل المصيبة ولا يبردها، وأن الذي يبردها الصبر والاحتساب، فتحصل السكينة القلبية والرضى، وقد كان رسول الله يقول عند الكرب: « لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ ، وَرَبُّ الأَرْضِ ، وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ » .، وقال: « دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو فَلاَ تَكِلْنِى إِلَى نَفْسِى طَرْفَةَ عَيْنٍ وَأَصْلِحْ لِى شَأْنِى كُلَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ ».

ومن علاج المصائب التوبة النصوح، فإنه ما أنزل بلاء إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبة.
ومنها: الإحسان إلى الناس وقضاء حوائجهم ورحمة صغيرهم وكبيرهم، فإن من أحسن إلى الناس أحسن الله إليه، ومن فرج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومنها: الإكثار من قراءة القرآن وذكر الله مما يسبب تعلق القلب بالله وكثرة دعائه ومناجاته والضراعة بين يديه.

ومن ذلك: أن تقول في دعائك:
 ياحي ياقيوم برحمتك أستغيث، وأن يتذكر العبد أن الله عز وجل يبتلي العبد وهو يحبه، وقد يطيل الله عليه البلاء ليسمع الله تضرعه وإلحاحه وزيادة طلبه من ربه، ليستخرج الله منه حقيقة العبودية، وهي الذل والإنكسار وإظهار المسكنة والضعف بين يدي الله والإدبار عن المخلوقين بيحث لايسألهم ولا يرجوهم، وليتذكر العبد الفقير المحتاج الغريب المصاب أنه ربما كانت النعمة والصحة والأنس سبب لنسيان الله وسبب للفسوق والعصيان والأشر والبطر والمحن وتأديب من الله والأدب لا يدوم، فطوبى لمن صبر على التأدب، وليتذكر المصاب بأن فرج الله قريب وإنها سحابة عما قريب، تزول، وما بعد الشدة والضيقة إلا الفرج القريب.


يُونُس (عليه السلام)  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
يُونُس (عليه السلام)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» لماذا لم يصم النبي -صلى الله عليه وسلم- صيام داود عليه السلام
» مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ( سماحته في الدعوة عليه السلام )
» نوح (عليه السلام)
» هود (عليه السلام)
» لوط (عليه السلام)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: رســول الله صلى الله عليه وسلم :: خلاصة حياة الأنبيـاء-
انتقل الى: