ضيف الحلقة :
الشيخ عبد الوهاب الطريري ( الرياض - السعودية )
موضوع الحلقة :
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ( سماحته في الدعوة عليه السلام )
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته حياكم الله أيها الأخوة والأخوات والأبناء والبنات مع لقاء يتجدد ، يتجدد فنخرق فيه حقب الزمن وحقب التاريخ ونرحل بأرواحنا إلى هناك لنكون مع رسول الله مع أنفاس النبوة وأنوار الرسالة نحضر قلوبنا ونعطر أسماعنا ونحيي أرواحنا مع رسول الله داعيا ولكن قبلا (يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) اللهم صلي وسلم وبارك أطيب وأزكى صلاة وسلام وبركة على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ، مع الرسول داعيا فإلى هناك إلى حلقة ومجلس نبوي يجلس فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيف به أصحابه كما تحيط الهالة بالقمر أصحابه حوله يقبسون من نوره ويهتدون بهداه وإذا بأعرابي يدخل المسجد أعرابي آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الإيمان في قلبه أما علمه فقليل وفقهه قليل لكن القلب عامر بالإيمان وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى فلما فرغ من صلاته وأقبل يدعو وإذا حبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم حاضر في دعائه ولكن مع فقه قليل فدعا الله وقال اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا فأشرق الوجه الكريم بابتسامة التعجب وقال لهذا الأعرابي لقد تحجرت واسعا فرحمة الله وسعت كل شيء فلا يتحجرها على الأعرابي حتى ظن أنها لا تتسع إلا له ولرسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن غلبه حبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم اخطأ في دعائه فعلمه خير معلم للناس الخير يوم قال له لقد تحجرت واسعا لأن رحمة الله وسعت كل شيء وكما أخطأ هذا الأعرابي في دعائه أخطأ أيضا خطأ سلوكي ثاني فإنه لما وجد حاجة إلى قضاء حاجة الإنسان إلى البول فعل كما يفعل الأعراب في نواديهم قام فمشى غير بعيد في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جلس يقضي بوله وعجب الصحابة وهم يرون هذا الأعرابي يريق بوله في المكان المطهر حيث الصلاة والذكر وقراءة القرآن إنه مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي فيه يصلون وعلى أرضه يسجدون فجعلوا يبادرون الأعرابي ويقولون مه مه وإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم لا يقطع على الأعرابي بوله ولكن يقطع عليهم إنكارهم على الأعرابي ونهيهم له فيخاطبهم قائلا لا تزرموه دعوه ثم يعقب بكلمة عظيمة بليغة جميلة معبرة ماهي ماهي ( إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين ) إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين دعوه فلما فرغ الأعرابي من بوله أمر النبي صلى الله عليه وسلم بدلو ماء فأريق على مكان بوله ثم دعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من هذا البول و القذر إنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن فقال هذا الأعرابي بعد أن فقه وعلم وتعلم قال وقد أخذ بقلبه هذا المشهد المؤثر بأبي هو وأمي رسول الله صلى الله عليه وسلم فـ والله ما نهرني ولا كهرني فصلوا وسلموا على خير معلم للناس الخير ، اللهم صلي على محمد وعلى آله.
أيها الأحباب دعوني أسترجع وإياكم هذه الكلمات الجميلة العظيمة والنبي يعلم أصحابه وفي أثناء تعليمه يلقي في روعهم معنى بليغ فيقول لهم ( إنما بعثتم) إنما بعثتم فهل يا ترى كان جبرائيل يتنزل على أبي بكر أو يتنزل على عمر أو يتنزل على أبي هريرة أو على جابر بن عبد الله هل كان جبرائيل يتنزل عليهم بالوحي حتى يقول لهم النبي صلى الله عليه وسلم ( إنما بعثتم ) ما بال النبي صلى الله عليه وسلم يسند البعث إليهم ويقول ( إنما بعثتم ) مع أنه صلوات الله وسلامه عليه هو المبعوث أي معنى يرومه صلى الله عليه وسلم حينما يخاطبهم وكأنما هم المبعوثون فيقول ( إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين ) لم يقل لهم إنما بعثت ولكن قال إنما بعثتم أي معنى يبتغيه وأي معنى يربيهم عليه وهو يصوغ العبارة هذه الصياغة ويسبك الجملة هذا السبك تعليم نبوي بليغ إشارة لطيفة لكن نفوس الصحابة كانت فقيهة تتفقه في كلام النبي صلى الله عليه وسلم وتتبع معانيه وتحرس حروفه بل كلماته الرسول يقول لهم ( إنما بعثتم ) إذا فكل منهم وعى وفقه أنه مبعوث بما بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه يتلقى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رسالته فيتحمل مسئولية بلاغها والدعوة إليها حتى لكأنما هو مبعوث بها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقه الصحابة هذا المعنى علموه تسربت به نفوسهم دعونا نرى ، توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم لحق بالرفيق الأعلى وزحفت زحوف الصحابة في معارك الفتوح تفتح البلاد وتفتح القلوب وواجه الصحابة جيوش كسرى ودعا قائد الفرس رجلا من المسلمين ينظر ماهي قضية هذا الجيش الذي وصلهم في فارس ليقاتلهم إن لم يفتحوا له البلاد ليبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل سعد بن أبي وقاص وكان قائد الجيوش رجلا اسمه ربعي بن عامر بصفة الأعراب وهيئة الأعراب ذهب ربعي بن عامر ليقابل قائد الفرس بهيأته كما هي لم يتذوق ولم يتصنع ولم يسرح شعره ويصلح هيئته ذهب وقد شد شعره كان شعره كثيفا فشده فقامت شطون شعره كأنها رؤوس الأوعال وجاء يقابل قائد الفرس فسأله قائد الفرس سؤالا محددا ما جاء بكم ، ما جاء بكم جيش زاحف من عمق الجزيرة إلى تخوم فارس ماهي قضيته هل هو يريد أن يصيب مالا يعطيه مالا هل هو يريد أرضا يفاوض على الأرض ماهي قضيته ما جاء بكم فلنستمع إلى قضية هذا الجيش الذي قادته الصحابة وجيشه أهل الإسلام اسمع ودقق في الحروف التي نطقها ربعي بن عامر قال وهو بين يدي قائد الفرس يطرح قضيته ومهمته فيقول (إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام) إن الله ابتعثنا لنخرج العباد إن الله ابتعثنا رسول الله يقول ( إنما بعثتم ) ربعي يقول ( إن الله ابتعثنا ) الرسول يقول (لم تبعثوا معسرين ) ربعي يقول ( إن الله ابتعثنا ) كيف فقه الصحابة هذا الفقه إنها نفوس في غاية الشفافية كأنما انطبعت كلمات رسول الله صلى الله عليه وسلم في قلوبهم ففقتها نفوسهم ووعتها ولذلك عبر ربعي بذات التعبير ( إن الله ابتعثنا ) هكذا كانوا كل منهم يستشعر أنه تحمل مسئولية رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كأنما هو قد بعث بها ولذلك ما إن لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى ونفض الصحابة أيديهم من تراب قبره الكريم حتى انداحت جموعهم في جزيرة العرب لتتفرق على القارات الثلاث وإذا الصحابة الذين كان يجمعهم مسجد واحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بهم تتناثر قبورهم بين قارات العالم القديم فمنهم من دفن في أوربا ومنهم من دفن في إفريقيا ومنهم من دفن في آسيا عصابة كانت خير عصابة على وجه الأرض يجمعهم مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تناثرت قبورهم بين قارات العالم الثلاث وما ذاك إلا لأنهم تحملوا بلاغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاموا بمسئولية الدعوة إلى دينه فكان كل منهم يستشعر هذا المعنى بوضوح وجلاء لا لبس فيه أنه مبعوث بما بعث به محمد صلى الله عليه وسلم فيا كل مسلم يا كل أخ يا كل أخيه يا كل ابن يا كل بنت هل نعي نحن أيضا أننا مبعوثون بما بعث به نبينا صلى الله عليه وسلم وأننا نتحمل مسئولية بلاغ دينه والدعوة إلى رسالته فنجعل من أنفسنا يجعل كل منا نفسه رسولا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مبعوثا بما بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم ونتحمل يتحمل كل جيل من المسلمين مسئوليته أمام أجيال البشرية ببلاغ رسالة الله والدعوة إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ونبدأ من دوائرنا الصغيرة من بيوتنا من مجتمعاتنا من مدنا من دولنا دوائر تنزاح لتشمل العالم كله مبلغة رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم مبشرة بدينه مبعوثة بالبشرى فإنما بعثنا مبشرين ميسرين مبعوثة باليسر فإنما بعثنا ميسرين محررة للعالم من العسر فإنا لم نبعث معسرين ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.