منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي المنتدى)
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه)

(فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 الأبعاد التفكيكية للموضوعية (المادية)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52879
العمر : 72

الأبعاد التفكيكية للموضوعية (المادية) Empty
مُساهمةموضوع: الأبعاد التفكيكية للموضوعية (المادية)   الأبعاد التفكيكية للموضوعية (المادية) Emptyالأحد 20 أكتوبر 2013, 10:23 pm

وتتبدَّى هذه الأبعاد التفكيكية للموضوعية (المادية) في موقفها من القضايا التالية:
1 ـ عقل الإنسان:


أ) العقل السليم من منظور الرؤية الموضوعية (المادية) إن هو إلا صفحة بيضاء أو سطح شمعي (باللاتينية: تابيولا رازا tabula rasa)، وهو ما يعني أنه مادة محضة، فهو دماغ أو مخ أكثر منه عقلاً (فالعقل مفهوم فلسفي وليس مجرد وجود فسيولوجي).

ب) العقل سلبي بسيط محايد، فهو كالآلة تنطبع عليه المعطيات والمدركات الحسية وتتراكم.

جـ) عقل الإنسان لا متناه في قدرته الاستيعابية والامتصاصية والتسجيلية.

د) العقل السليم يسجل ويمتص ويرصد بحياد شديد دون أن يُشوِّه أو يغيِّر أو يُعدِّل ما يصله من معطيات حسية وحقائق صلبة.

هـ) هذا العقل جزء لا يتجزأ من الطبيعة/المادة، أي أن الحيز الإنساني ليس له وجود مستقل، ولهذا السبب تسري على عقل الإنسان القوانين المادية العامة التي تسري على الأشياء، فهو لا يتمتع بأي استقلال عنها ومن ثم فلا هوية له ولا شخصية ولا حدود (حدوده تتطابق تماماً مع حدود الطبيعة/المادة)، وهو مثل الطبيعة يتحرك في إطار القانون المادي العام ويرى العالم في إطار التشابه والتجانس. وهذا هو المعنى الحقيقي للقول بأن ثمة تقابلاً بين قوانين العقل وقوانين الواقع، وبين الذات والموضوع.

و ) ولهذا السبب نفسه، فإن العقل قادر على التعامل مع العالم الموضوعي الخارجي، أي العالم المحسوس، بكفاءة بالغة، أما حينما يتعامل مع عالم الإنسان الداخلي، فهو أقل كفاءة.

2 ـ الواقع:

أ ) الواقع الموضوعي (الطبيعة) واقع خام بسيط (يأخذ في أغلب الأحوال شكل ذرات متحركة)، وهو مجموعة من الحقائق الصلبة والوقائع المحددة (التي تنطبع على العقل).

ب) ثمة قانون طبيعي واحد يسري على الظواهر الطبيعية وعلى الظواهر الإنسانية، وعلى جسد الإنسان وعقله، وعلى الأمور المادية والمعنوية. وهذا يعني أيضاً أن تُعامَل الظاهرة الإنسانية تماماً مثلما تُعامَل الظواهر الطبيعية، وتُزال الفروق بين الإنسان والطبيعة بحيث يتحول الإنساني إلى طبيعي، أي أن الموضوعية تَصدُر عن الإيمان بوحدة (أي واحدية) العلوم بحيث يصبح الإنسان موضوعاً لا يختلف عن الموضوع الطبيعي، يُوصَف ويُرصَد من الخارج وتُستخدَم مناهج العلوم الطبيعية لدراسته.

جـ) الحقائق، لهذا السبب، عقلية وحسية (فالعقل جزء من الطبيعة) وقابلة لأن تُعرَف من جميع جوانبها، والموجود هو ما نحسه ونعقله وما وراء ذلك فأوهام. المعرفة، إذن، عقلية وحسية فقط (ولكن العقلي والحسي متقابلان فهما شيء واحد).

د ) أجزاء الواقع الموضوعي تترابط من تلقاء نفسها حسب قوانين الترابط الطبيعية/المادية العامة، وحسب حلقات السببية الواضحة المطلقة، وبشكل صلب لا تتخلله ثغرات أو فجوات، فكل شيء يدخل شبكة السببية الصلبة ومن ثم يمكن رد كل الأجزاء المتعينة المتفردة إلى الكل العام المجرد.

هـ) هذه السببية كامنة في الأشياء أو لصيقة بها تماماً.

3 ـ الإدراك:

أ ) عملية الإدراك تدور في إطار المرجعية المادية الكامنة، ولذا فهي عملية اتصال بسيطة مباشرة (جسدية مادية؟) بين صفحة العقل البيضاء والواقع البسيط الخام (منبه فاستجابة)، وهي عملية محكومة مسبقاً بقوانين الطبيعة/المادة، تلك القوانين التي تسري على الإنسان سريانها على الأشياء.

ب) وهي عملية تلقٍ موضوعية مادية تراكمية (ذرية) إذ يقوم العقل بتلقي الحقائق الصلبة والوقائع المحددة المتناثرة التي تأتي من الواقع الموضوع الطبيعي/المادي الذي يتراكم فوق عقل الإنسان.

جـ) وبإمكان هذا العقل أن يقوم بعمليات تجريبية، أي أن يختار عناصر من الواقع ويستبعد عناصر أخرى ثم يربطها ببعضها البعض. ولكنه، حتى في نشاطه هذا، لا يمكنه أن يكون مستقلاً عن قوانين الطبيعة/المادة. ولذا، سيختار العقل (بشكل تلقائي أو آلي) الجوانب العامة والمشتركة والمتشابهة في الظواهر (فهي وحدها المحسوسة والقابلة للقياس والنظر العقلي) وهي التي تساعد على التوصل إلى القانون العام.

د ) ونحن حين نقول «العقل يربط» فهـذا من قبيـل التـجاوز. فالأشياء ـ كمــا أسلفنا ـ مرتبطـة في الواقــع برباط السببية الواضح. والواقع والمعطيات الحسية ترتبط في عقل الإنسان من تلقاء نفسها، بشكل آلي، حسب قـوانين الترابط الماديــة الأليـة العـامة. إذ تترابط الأحاسيس الجزئية وتتحوَّل إلى أفكار بسيطة، ثم تترابط الأفكار البسيطة لتتحوَّل إلى أفكار مركبة تترابط بدورها لتصبح أفكاراً أكثر تركيباً، وهكذا حتى نصل إلى الأفكار الكلية.

هـ) عملية الإدراك عملية عامة لا تتأثر بالزمان والمكان أو بموقع المدرك من الظاهرة.

و) العقل قادر على زيادة التجريد إلى أن يصل إلى القوانين العامة للحركة ويصوغ هذه القوانين في لغة بسيطة عامة يُستحسن أن تكون لغة الجبر، حتى لا تختلف لغة الإفصاح من مدرك لآخر.

4 ـ بعض نتائج الموضوعية )المادية:(

تُلغي الموضوعية (المادية) كل الثنائيات، وخصوصاً ثنائية الإنسان والطبيعة، وتُرجِّح المرجعية الكامنة الموضوعية على المرجعية الكامنة الذاتية:


أ ) تدور الموضوعية (المادية) في إطار الواحدية السببية (المرتبطة تمام الارتباط بوحدة [أي واحدية] العلوم)، فثمة سبب واحد أو عدة أسباب لتفسير كل الظواهر.

ب) ثمة إيمان بضرورة الوصول إلى درجة عالية من اليقينية وشمولية التفسير تتفق مع الواحدية السببية.

جـ) تنقل الموضوعية (المادية) مركز الإدارك من العقل الإنساني إلى الشيء نفسه، ولذا فإن هناك اتجاهاً دائماً نحو تأكيد الحتميات الموضوعية المادية المختلفة.

د) تستبعد النماذج الموضوعية (المادية) الإنسان كعامل قادر على تَجاوُز المعطيات المادية حوله، بل ترده في نهاية الأمر وفي التحليل الأخير لهذه المعطيات.

هـ) الموضوعية (المادية) لا تعترف بالخصوصية، ومنها الخصوصية الإنسانية، فهي تُركِّز على العام والمشترك بين الإنسان والطبيعة، ولذا فإن الفكر الموضوعي يُعبِّر عن نفور عميق من الهوية والخصوصية.

و ) لا تعترف الموضوعية (المادية) بالغائيات الإنسانية ولا بالقصد، فالغائيات لا يمكن دراستها أو قياسها، كما أنها مقصورة على الإنسان دون عالم الطبيعة، ولذا تستبعد الموضوعية فكرة المعنى.

ز ) لا تعترف الموضوعية (الماديـة) بالإبهـام، فهـي تُفضِّل الدقـة الكميـة التي يمكــن استخدامها في دراسة كلٍّ من الإنسـان والطبيعـة، ولذا فهـي تستــبعد،بقـدر الإمكان، عناصر الإبهام وعدم التحدد في الطبيعة والإنسان.

ح) تفضل الموضوعية (المادية) البراني (فهذا هو المشترك بين الإنسان والحيوان) وتهمل الجواني.

ط) دوافع الإنسان بسيطة واضحة برانية مستمدة إما من البيئة الاجتماعية أو من العناصر الوراثية، وهي دوافع يمكن رصدها ببساطة.

ي) المعرفة نتاج تراكم براني للمعلومات.

ك) يمكن تفسير سلوك الإنسان وأفكاره في إطار التأثير والتأثر (البراني) لا التوليد أو الإبداع (الجواني).

ل) تفضل الموضوعية الاستمرار (استمرار عالم الطبيعة والإنسان كعنصر أساسي في وحدة العلوم) وترفض الانقطاع (أي تَميُّز الإنسان عن الطبيعة)، أو تنظر له بكثير من الشك.

م ) الالتزام بالموضوعية (المادية) يعني أن يتجرد الباحث من ذاتيته وخصوصيته الحضارية بل الإنسانية، ومن عواطفه وحواسـه وحسه الخلقي وكليته الإنسـانية، بحيث يمكنه أن يُسجِّل ويصـف بحياد شديد لدرجة تموت معها الأشياء، ويتشـيأ الإنسـان ويُرصَد من الخارج كما تُرصَد الأشياء. فالالتزام يُعبِّر عن موقف مسـبق قد يؤثر في الرؤية الموضوعية، كما أنه يفترض غائية إنسانية لا أساس لها في الطبيعة/المادة.

5 ـ الموضوعية (المادية) والنموذج التراكمي:
النموذج الكامن في الرؤية الموضوعية (المادية) نموذج تراكمي:


أ ) فثمة إيمان بأن كل المشتركين في العلوم (إن توافرت لهم الظروف الموضوعية) يفكرون بنفس الطريقة ويسألون نفس الأسئلة، وهذا يعني أن ثمة حقيقة موضوعية ثابتة واحدة نحاول الوصول إليها جميعاً وبنفس الطريقة، وهو ما يؤدي إلى تراكم الإجابات وتشابكها على مستوى الجنس البشري بأسره، وهذا التراكم والتشابك سيؤدي إلى تزايد رقعة المعلوم تدريجياً ويؤدي بالتالي إلى تَقلُّص رقعة المجهول.

ب) عملية التراكم ستوصلنا إلى نموذج النماذج، القانون العام، الإجابة الكلية (النهائية)، فما هو مجهول في الطبيعة (المادية والبشـرية) هو أمر مؤقت، إذ سـيصبح من خـلال تراكم المعلومات معلوماً، وتتراجع رقعة المجهول، وسيؤدي تزايد رقعة المعلوم والتراكم المعرفي المستمر إلى سد كل الثغرات والتحكم الكامل أو شبه الكامل وإلى معرفة الطبيعة البشرية المادية معرفة كاملة أو شبه كاملة بحيث تصبح كل الأمور (إنسانية كانت أم طبيعية) أموراً نسبية مادية معروفة ومحسوبة ومبرمجة، ويصبح العالم مادة استعمالية لا قداسة لها.

جـ) يُحكَم على المعرفة من منظور مدى قُربها أو بُعدها من النقطة النهائية الواحدية التي يتحقق فيها القانون العام وتتطابق الكليات مع الجزئيات.

د ) هدف الإنسان من الكون هو عملية التراكم والتحكم هذه، وهدف العلم هو السيطرة على الأرض وهزيمة الطبيعة وتسخير مواردها وتحقيق الهيمنة الكاملة للإنسان على الطبيعة. ولتحقيق هذا، لابد من إدخال كل الأشياء (الإنسان والطبيعة) في شبكة السببية الصلبة والمطلقة حتى يتم شرحها وإخضاعها للقوانين الطبيعية. ويعني تزايد الدراسة الموضوعية تزايُّد التحكم وصولاً إلى الفردوس الأرضي ونهاية التاريخ أو على الأقل إلى النظام العالمي الجديد.

هـ) العقل قادر على إعادة صياغة الإنسان وبيئته المادية والاجتماعية في ضوء ما تراكم عنده من معرفة وبما يتفق مع القوانين الطبيعية العامة التي أدركها الإنسان من خلال دراسته الموضوعية لعالم الطبيعة والأشياء (وهذا ما يسمى عملية الترشـيد، أي تنمـيط الواقع من خـلال فرض الواحدية المادية عليه حتى يمكن التحكم الكامل فيه ثم حوسلته، أي تحويله إلى وسيلة ومادة استعمالية يمكن توظيفها بكفاءة عالية كما يمكن تعظيم فائدتها(.

ويُلاحَظ أن ثمة استقطاباً حاداً في كل المنظومات الحلولية الكمونية المادية. يتضح هذا في الاستقطاب بين الموضوعية (في تأليهها للكون وإنكارها للذات) والذاتية (في إنكارها للكون وتأليهها للذات). فالموضوعية تَفترض أن الواقع معقول وأنه مكمن الحقيقة وأنه يمكن معرفته وتفسيره في ضوء القوانين العامة التي يستخلصها الإنسان من خلال إذعان الذات للموضوع. أما الذاتية فترى أن الواقع غير موجود أو لا يمكن الوصول إليه ولا يمكن إدراكه أو تفسيره ولا يمكن التوصل إلى أية قوانين أو حقائق عامة، ومن ثم تصبح علاقة الذات بالموضوع واهية، وقد تختفي تماماً.

وقد واجه الفلاسـفة مشكـلة الاسـتقطاب الحـاد بين الذات والموضوع (الواحدية الذاتية والواحدية الموضوعية)، وطُرحت القضية التالية: هل الذات قادرة على معرفة الموضوعات، أم أن الموضوعات برانية بحيث لا يمكن الوصول إليها؟ وهل الذات هي مقياس حقيقة الأشياء (أي معقوليتها) أم أن الموضوع يحتوي نظامه (ومعقوليته) دون ارتباطه بالذات الإنسانية؟ وقد حاول كثير من فلاسفة القرن العشرين حل إشكالية ثنائية الذات والموضوع عن طريق إلغائها تماماً، فقالوا بعدم انفصال الذات عن الموضوع، فالموضوع ليس شيئاً مستقلاً عن الإرادة البشرية وإنما هو الفعل الناجم عن ممارسة القوة (فلسفات القوة). وقال البعض الآخر إن الفعل ليس هو في ذاته ولكنه نتائج وآثار الفعل (الفلسفة البرجماتية). والأمر عند فريق ثالث لا هذا ولا ذاك وإنما هو ما يتجه نحوه الوعي (الفلسفة الفينومينولوجية). ومن ثم، فإن الذات لا وجود لها خارج الموضـوع، وهي تستمد وجودها من تقابلها معه.

ولكن، ورغم الاستقطاب الشديد، فإن ثمة نقط تشابه بين الذاتية والموضوعية، فكلاهما يدور في إطار الحلولية الكمونية التي تفترض وجود مركز الكون داخله (الذات أو الموضوع)، ومن ثم فإن كليهما واحدي يُلغي المسافة وإمكانية التجاوز. وتؤكد الموضوعية (المادية) أن الأشياء المحسوسة مادية ولها وجود موضوعي. ولكن هل العلاقة بين هذه الأشياء المحسوسة علاقة مادية وموضوعية تماماً أم أن رصدها يتطلب إجراء عمليات عقلية (ذاتية) تختلف من شخص لآخر؟ وجوهر الموضوعية هو الاستقراء، أي التعميم من عدد من الحالات الموضوعية، ولكن يمكننا أن نسأل: كيف يَحق للإنسان أن ينتقل من عدد من الظواهر الفردية إلى كل الظواهر التي تندرج تحت هذا النوع في الماضي (الذي لم يرصده الإنسان) والحاضر (الذي رصد بعض حالاته) والمستقبل (المجهول تماماً)؟ ألا يشكل هذا الانتقال شكلاً من أشكال الإيمان بالثبات؟ وإذا كانت الحواس الفردية للإنسان مصدر المعرفة، فهل هي مصدر يمكن الاعتماد عليه؟ كل هذا يُبيِّن أن الحديث عن معارف كلية يقينية (نتوصل إليها من خلال عمليات الربط والتعميم) أمر يتنافى مع الموضوعية، وأن أي حديث عن معرفة نتوصل إليها من خلال الحواس يفتقد إلى المصداقية، ولذا تنحل الموضوعية في اتساقها مع نفسها وتسقط في ذاتية كاملة إذ أن كل واحد فينا (حسب الرؤية الموضوعية المادية نفسها) حبيس حواسه وحبيس التفاصيل التي يرصدها.

ويمكن أن تحل الموضوعية (المادية) هذه الإشكالية بأن تُضيِّق نطاقها بقدر المستطاع فتقتصر وظيفتها على تعريف الظواهر ووصفها واكتشاف قوانينها (المادية) وترتيب القوانين من الخاص إلى العام، وتحل الملاحظة محل الخيال والتأمل والاستدلال النظري، وتقوم التجربة المادية مقام التصورات والافتراضات. ثم تضيق الحلقة وتصبح الموضوعية (المادية) هي تسجيل التفاصيل والحقائق المتناثرة. وفي هذه الحالة، تصبح الموضوعية موضوعية متلقية سلبية لا تستطيع التمييز بين مختلف المعطيات الحسية والمعطيات العقلية. ويصبح الرصد الموضوعي رصداً لأمور غير مهمة وربما تافهة ولكنها، مع هذا، "موجودة" موضوعياً ومادياً في الواقع. ويمكن أن يكون الرصد أفقياً بمعنى أن تُوضَـع كل التفاصيل جنباً إلى جنب دون ربط أو ترتيب هرمـي. كما يمكن أن تصبح الموضوعية (المادية) احتمالية تماماً، تضع الحقائق والتعليمات دون أن تَنسب لها أي ثبات. ولهذا يجب ألا يُطرَح السؤال على هذا النحو: هل الحقائق موجودة بالفعل أم لا؟ وإنما يجب أن يُطرَح بهذه الطريقة: ما دلالة الحقائق ومعناها وأهميتها؟ وهل تستحق التسجيل أم لا؟ فإن قلنا مثلاً إن الأساتذة الجامعيين يلبسون بذلاً زرقاء أما غيرهم فيلبسون بذلاً خضراء، فهل يصلح هذا أساساً لتصنيف أساتذة الجامعة؟

إن أساس اختيار الحقائق أكثر أهمية ودلالة من الحقائق في ذاتها. وكم المعلومات (مهما تضخَّم) لا علاقة له بالصدق أو الدلالة، فالصدق والكذب ليسا كامنين في الحقائق الموضوعية (أي من حيث هي كذلك) وإنما في طريقة تناولها وفي القرار الخاص باختيارها أو استبعادها. ومن هنا قولي بأن الحقائق شيء والحقيقة شيء آخر والحق شيء ثالث. فالحقائق أشياء مادية صرفة تُوجَد في الواقع على هيئة تفاصيل متناثرة منعزلة عن ماضيها التاريخي وسياقها الحاضر وعن الحقائق الأخرى، أما الحقيقة فهي لا توجد في الواقع وإنما يقوم العقل المبدع بتجريدها واستخلاصها من خلال عمليات عقلية تُجرَى على كم المعلومات والوقائع والحقائق المتناثرة فيقوم العقل بربط الوقائع والحقائق والتفاصيل ببعضها البعض الآخر ويراها في علاقتها بالحقائق المشابهة ومعارضتها للحقائق الأخرى كما يربطها بماضيها التاريخي وواقعها الاجتماعي ثم يربطها بحقائق وأنماط مماثلة حتى يصل إلى النموذج التفسيري الذي يُفسِّر أكبر قدر ممكن من الحقائق المتناثرة (أما الحق، فهو ينتمي إلى عالم المُثُل والإيمان وهو يشكِّل المنظور الأخلاقي [المطلق] الذي لا يجده الإنسان جاهزاً في الواقع المادي وإنما يُحاكم على أساسه كلاًّ من الحقائق المادية والحقيقة الفكرية العقلية).

ولنضرب مثلاً مثيراً من واقع أعضاء الجماعات اليهودية يبرهن على انعدام جدوى عملية الرصد الموضوعي (المتلقي) مهما بلغ من دقة وأمانة ونزاهة. ولنتخيل باحثاً (سنشير إليه بعبارة «الباحث الافتراضي») قرر أن يتخذ موقفاً موضوعياً تماماً من هجرة أعضاء الجماعات اليهودية وأن يرصدها بأمانة. سيبدأ هذا الباحث الافتراضي بعمل جدول يدرج فيه أسماء الجماعات اليهودية في العالم، وبجانب كل جماعة سيدرج الأرقام الخاصة بعدد اليهود الذين هاجروا منها ثم قد يضيف جدولاً آخر بأسماء البلاد التي هاجروا إليها. وقد يقرر أن يعمل جدولاً تاريخياً يضم أسماء الجماعات اليهودية وأسماء البلاد التي هاجروا إليها وتواريخ الهجرة والنسب المئوية المختلفة. وستكون النهاية أو الثمرة جدولاً ضخماً أو عدة جداول ضخمة أو متوسطة الحجم. ولا شك في أن مثل هذه الجداول، باختلاف أحجامها وأشكالها مرحلة أساسية في عملية الرصد. ولكن أن نكتفي بهذه الخطوة، فهذا هو التلقي السلبي بعينه، فالجدول قد يحتوي على كل شيء ولكنه لا يقول شيئاً، إذ يجب أن يُنظَر له باعتباره مادة خام، مجرد حقائق، يتعامل معها العقل لا كنهاية في حد ذاتها وإنما كي يفسرها ويجردها ويستخرج الأنماط منها حتى نصل إلى الحقيقة، ولكن لا يمكن أن نتصور أن المادة الخام هي النمط وأن الحقائق هي الحقيقة.

ولكن صاحبنا، الباحث الموضوعي الافتراضي الذي أشرنا إليه، يكتفي بالرصد ولا يُعمل عقله ولا يجتهد ولا يسأل ولا يطرح الإشكاليات ولا يربط ولا يجرد ولا يبقي ولا يستبعد، ولعله لو فعل لاكتشف أن هجرة اليهود في العالم القديم لم تكن مجرد أرقام متراكمة بلا شكل أو اتجاه وإنما جزءاً من نمط، فقد كانت في معظم الأحيان هجرة من المناطق المتقدمة إلى المناطق المتخلفة، ولاكتشف أن هذا النمط انعكس مع بداية القرن السادس عشر. ولاكتشف أيضاً أن أعضاء الجماعات اليهودية لا يهاجرون والسلام وإنما يتحركون عادةً داخل حدود إمبراطورية ما، تُيسِّر لهم الحركة وتؤمِّنهم، وأن هذا ما حـدث لهم في العصر الحديث مع التشـكيل الاسـتعماري الإمبريالي (الإمبراطوري) الغربي، وأن ما يحدد حركتهم (هجرتهم) هو حركيات التشكيل الاستيطاني الغربي.

ولذا هاجر 80% من المهاجرين اليهود في العالم الغربي إلى الولايات المتحدة (تماماً كما هاجر 85% من مهاجري العالم الغربي إليها). ولعل باحثنا الافتراضي هذا لو أعمل عقله قليلاً لاكتشف أن أعضاء الجماعات اليهودية لم يتحركوا داخل هذا التشكيل الاستعماري الغربي على وجه العموم وإنما داخل التشكيل الأنجلو ساكسوني على وجه التحديد، ومن هنا تواجدهم المكثف في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا وجنوب أفريقيا، ومن هنا أيضاً إسرائيل، فهي ليست جزءاً من الحركة العامة لليهود وإنما هي جزء من التشكيل الاستعماري الأنجلو ساكسوني. الرصد الموضوعي سيُعطي كل البيانات ويُرهقنا تماماً (حقائق بلا حقيقة)، أما الاجتهاد فسيُعطينا الحقائق داخل أنماط قد لا تضم كل الحقائق وقد لا تنطق بكل الحقيقة ولكنها بلا شك ستُفسِّر لنا كثيراً من جوانب الواقع.

والافتراضات التي يستند إليها الفكر الموضوعي تنبع من العقلانية المادية لعصر الاستنارة، وقد ثبت أنها افتراضات إما خاطئة تماماً أو بسـيطة إلى درجـة كبيرة، ولذا فمقـدرتها التفسـيرية ضعيفة.

وهذا يعود لعـدة أسباب:
1 ـ تركيبية الواقع وخصوصية الظواهر:


الواقع المادي ليس بسيطاً ولا منبسطاً ولا صلباً ولا صلداً وإنما مركب ومليء بالثغرات والنتوءات، ولا ترتبط معطياته الحسية برباط السببية الصلبة الواضحة إذ ثمة عناصر مبهمة فيه وثمة احتمالات وإمكانيات كثيرة يمكن أن يتحقق بعضها وحسب ولا يتحقق البعض الآخر.

وكما بيَّن الدكتور حامد عمار فإن صورة عالم نيوتن المادي الآلي الثابت لم تَعُد الصورة المهيمنة في العلوم الطبيعيـة، فقد جاءت نظرية النسبية والحركة والطاقة لتكمل مفهومنا عن عالم المادة التي تبدو في السطح مستقرة ثابتة، لكن استقرارها إنما هو نتيجة لدينامية في انتظام الحركة داخل مكوناتها. والجُزَيْءُ النووي يتمثل في مادة كما يتمثل في موجات، ويتوقف التعامل معه على نوع السؤال الموجه له في أي من البُعدين. كذلك أدَّت نظرية أينشتاين في النسبية إلى القضاء على المفهوم المطلق لكل من الزمان والمكان، وإلى اعتبارهما بُعداً واحداً رابعاً يعمل في سياق بيئة معيَّنة. وامتدت أبحاث الفيزياء الحديثة من خلال نظرية الكم (كوانتوم) إلى أن الحقائق الكونية تتحدد أكثر ما تتحدد بعلاقتها بغيرها. وأن تعريفها يعتمد أكثر ما يعتمد على نوع علاقتها المتبادلة مع غيرها. أضف إلى ذلك أن تحديد المادة وفهمها إنما يتأثر إلى حدٍّ ما بالمشاهد نفسه، فهو مشارك في تحديد طبيعة ما يراه، وليس مجرد ملاحظ سلبي لما يراه. وهذا يعني أننا لا يمكن أن نفصل العقل عن إدراك عالم الإلكترون كما يقول علماء الفيزياء، باعتبار أن له خصائص مستقلة عن الشخص المُدرك، وأننا لا يمكن أن نتحدث عن عالم الطبيعة والمادة دون أن نتحدث عن أنفسنا وطبيعة ذواتنا، ووعينا ومقاصدنا.

ومن خلال هذه الجهود والنظريات العلمية في عالم الفيزياء الحديثة أصبح التوجه العام في النظر إلى الكون نظرة يمكن وصفها بأنها عضوية وكلية بيئية، أي من خلال نظرية المنظومة العامة. وهذا المنطلق العلمي يناقض النظرة الميكانيكية التي تنظر إلى الكون باعتباره (آلة ـ ماكينة) تتألف من أجزاء منفصلة بعضها عن بعض، لكنها أجزاء مترابطة في علاقات متبادلة في هذا الكل الكوني الموحد. فالأشياء إنما هي علاقات بين أشياء، وأن هذه الأشياء إنما هي علاقات بين أشياء أخرى، وهكذا.

وينبع قدر كبير من الخلل في تَصوُّر الكائنات الحية عموماً باعتبارها آلات، مع أن هناك خلافاً جوهرياً بينهما، فالآلات تُصنَع وتُركَّب، بينما الكائنات الحية تنمو وتتطور. كذلك فبينما تتحدد أنشطة الآلة من خلال بنية أجزائها، فإن نشـاط الكائنـات الحية، وبخاصة الإنسـان، إنما يتحدد بالعكـس، أي أن بنيتها تتحـدد من خلال العمليات التي تقوم بها. ثم إن عمل الآلة محكوم بسلسلة خطية من السبب والنتيجة، وحين يحدث خلل يمكن التعرف على السبب في ذلك الخلل، أما في الكائن الحي فإن جسمه يعمل من خلال علاقات دائرية يؤثر بعضها في البعض، ثم يعود ليؤثر مرة أخرى في المؤثر الأول من خلال التغذية الراجعة. ومن ثم يصبح الخلل ناجماً عن مجموعة مركبة من العوامل يعزز بعضها بعضاً، وبالتالي يصبح التعرف على السـبب الأول غير ذي موضوع، وإنما الأهـم هو محصلة العلاقات المتداخلة".

ولذا، لا يمكن فهم الواقع من خلال القوانين البسيطة الصلبة المطلقة وإنما من خلال الافتراضات والقوانين الاحتمالية والسببية الترابطية، ولذا أصبحنا ندرك خطورة التجريب العلمي وأنه ليس من الممكن القيام بكل التجارب الممكنة التي تغطي كل الاحتمالات. ولعل ظهور مفهوم الـ «إيكو سيستم eco-system»، أي «النظام البيئي»، تأكيد لتركيبية هذا العالم الذي نعيش فيه وأنه لن يقع في قبضة السببية الصلبة المطلقة التي توهمها العلم الغربي في القرن التاسع عشر، قبل أن يصل إلى قدر من النضوج فيما يتصل بقدراته وحدوده.

ومما يزيد من تركيبية الكون وجود أهم الثغرات طُراً فيه، أي الإنسان، فهو أكثر الكائنات تركيباً، لا يقف في الكون كشيء ضمن الأشياء الأخرى، ظاهرة مثل الظواهر، وإنما يقف شامخاً في مركز الكون تأتي عنده القوانين الطبيعية فتُعدِّل من مسارها وتتغير وتتحور، بل قد تتوقف أحياناً تماماً.

2 ـ خصوصية وتركيبية الإدراك:

ما ينطبق على الإنسان ينطبق، بطبيعة الحال، على عقله الذي يرصد الكون، فقد اكتشفنا أن العقل قاصر وله حدوده الخاصة ولا يمكنه تسجيل كل المعطيات المادية المحيطة به ولا الإحاطة بكل جوانب الفعل. نعم ينطبع الواقع على خلايا المخ، ولكن عدد الانطباعات الحسية في أية لحظة يكون هائلاً لدرجة يستحيل معها تسجيله. والعقل، رغم هذا، بل بسبب هذا، أبعد ما يكون عن السلبية والبساطة، فهو ليس بصفحة بيضاء تتراكم عليها المعلومات وتصبح معرفة من تلقاء نفسها، فالعقل في أبسط العمليات الإدراكية فاعل فعال، مبدع حر، يتمتع بقدر من الاستقلال عن المعطيات المادية المحيطة به وعن قوانين الطبيعة/المادة، فاللحظة الحسية في عملية الإدراك ليست سوى لحظة.

وعملية الإدراك ليست بسيطة تأخذ شكل منبه أو مثير فاستجابة فهي مسألة تبلغ الغاية في التركيب، فبين المنبه المادي والاستجابة الحسية والعقلية والإدراكية يُوجَد عقل نشيط مبدع ينظم وهو يتلقى. والمعرفة تتضمن فهماً وتركيباً وتنظيماً، والحواس عاجزة بذاتها عن فهم المحسوسات وتنظيمها إذ أن التنظيم يستدعي قدرة أخرى وفاعلية أخرى تصل وتفصل وتقارن وترتب وتنظم، ولن تكون هذه القوة ناشئة عن المحسوسات لأن الحواس لا تمدنا إلا ببعض الصفات الظاهرة للمُعطَى الحسي كاللون والرائحة والطعم والحجم. وهي معطيات جزئية فردية منعزلة لا تؤلف وحدة متكاملة ومترابطة. وما يحدث أن الكم الهائل والحصيلة الضخمة للمعطيات الحسية التي تُسجَّل على عقل الإنسان، والتي تصل إليه على هيئة جزئيات غير مترابطة، هذا الكم يفرض عليه جهازه الحسي والعصبي ترشيحها وفرزها وترتيبها (فهو لا يستوعب إلا الكليات المترابطة)، ثم يجري العقل عملية تجريدية تفكيكية تركيبية تتضمن استبعاد بعض العناصر وإبقاء البعض الآخر، ثم يقوم بترتيب ما تم إبقاؤه من معطيات فيُبرز بعضها باعتباره مركزياً ويُهمِّش البعض الآخر باعتباره ثانوياً بحيث تصبح الجزئيات المتناثرة كلاً مفهوماً وتصبح العلاقات بين المعطيات المادية التي أدركها العقل تتشاكل، ولا تتطابق بالضرورة، مع ما يتصور الإنسان أنه العلاقات الجوهرية في الواقع.

وعملية الإبقاء والاستبعاد هذه لا تتم بشكل عشوائي (ذاتي) محض، ولا تتم بشكل آلي (موضوعي) محض، وإنما على أساس مجموعة من المسلمات الكلية النهائية التي استبطنها المُدرك (وهي مفطورة في عقل الإنسان). وهذه العملية ليست عملية محايدة، مفرغة تماماً من القيم (بالإنجليزية: فاليو فري value-free) وإنما تدور في إطار المنظومة القيمية للمدرك. ومما يزيد عملية الإدراك تركيباً أن عقل الإنسان لا ينظم المعطيات الحسية ويفككها ويركبها وحسـب، بل يختزن ذكـريات عن الواقع هي في حقيقة الأمر صـورة مـثالية وذاتية لهذا الواقع، وهو يُولِّد من المعطيات الحسية رموزاً وأساطير، وتصبح الذكريات والمثل والرموز والأساطير جزءاً من آليات إدراكه. كما أن وضع المُدرك في الزمان والمكان يؤثر ولا شك في علاقته بالظاهرة التي يدرسها.

وعملية رصد الإنسان عملية تبلغ الغاية في التركيب. فالحقائق الإنسانية لا يمكن فهمها إلا من خلال دراسة دوافع الفاعل وعالمه الداخلي والمعنى الذي يُسقطه عليه، فالإنسان ليس مجرد سلوك براني مادي وحسب يُرصَد من خارجه وإنما هو سلوك براني تُحركه دوافع جوانية يَصعُب الوصول إليها مباشرةً من خلال الوصف الموضوعي وغيره، ولذا يحاول العقل البشري أن يصل إليها من خلال عملية حدس وتخمين وتعاطف وتخيُّل وتركيب عقلي ومقاربات ذهنية يَصعُب أن نسميها «موضوعية». وقد قيل إن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي لا يستجيب للمنبهات وإنما لفهمه لها ولدلالتها وللمعنى الذي يُسقطه هو عليها. والبُعد الجواني في الظاهرة الإنسانية يفوق في أهمـيته السـلوك البراني الخاضـع للرصد المــادي، فكأن الموضوعية عاجزة عن رصد الإنسان باعتباره كائناً مركباً، وتنجـح فقـط في تحويله إلى كائن طـبيعي، وهـو ما يُبيِّن أنها تدور في إطار المرجعية الواحدية المادية الكامنة.

3 ـ خصوصية القول وتركيبية الإفصاح:

ويمكن أن نضيف لكل هذا أن اللغة التي يستخدمها المُدرك للإفصاح عن إدراكه للواقع يمكن أن تكون لغة جبرية دقيقة في المواقف التافهة البسيطة أو في وصف بعض الظواهر الطبيعية. أما إن انتقلنا إلى الظواهر الأكثر تركيباً، فنحن عادةً ما نستخدم لغة مركبة قد تكون مجازية أو رمزية أو غير لفظية، وهي لغة تختلف من شخص لآخر.

الواقع مركب لا يمكن رصده ببساطة، والإنسان تبلغ الغاية في التركيب ويستحيل أحياناً رصد عالمه الجواني. وهو نفسه، كراصد للواقع، لا يتلقى المعطيات وإنما يفككها ويركبها ويعيد صياغتها، وحينما يفصح عنها، فإن لغة الإفصاح تكون مرتبطة به وبتجربته. ولذا، فقد اتضح تدريجياً أن فكرة الموضوعية الكاملة والانفصال الكامل للذات المدركة عن الموضوع المدرَك مجرد أوهام. وفي السنوات العشرين الأخيرة، اتضح لنا كل هذا على صعيد حياتنا اليومية، فرقعة المعلوم آخذة في التزايد بشكل مذهل ولكن رقعة المجهول تزايدت معها بشكل أكبر. وقد حقق الإنسان معدلات تقدم مادية مذهلة ولكن آدابه تتحدث عن نكبة الإنسان الحديث، وتحكي مدنه (بتلوثها وجرائمها) قصة مختلفة عما تقوله الإحصاءات. لكل هذا، أدركنا أن المعرفة الموضوعية النهائية هي حلم المستحيل وكابوسه، وأن التحكم الإمبريالي الموعود الذي يفترض انفصال الذات المتحكمة عن الموضوع المُتحكَّم فيه هي أضغاث أحلام.

ونحن نرى أن استخدام النماذج كأداة تحليلية قد يزيد مقدرتنا على الاحتفاظ بالحدود بين الإنسان والطبيعة، وبين الذات والموضوع، وبين الحيز الإنساني والحيز الطبيعي دون أن ينكر بالضرورة إمكانية التفاعل بينهم. كما ستساعدنا النماذج على صياغة الفروض بطريقة تجعلنا قادرين على رصد الواقع وتحليله بطريقة أكثر تركيبية وتفسيرية. ونحن بطبيعة الحال لا نزعم أن الباحث الذي سيستخدم النماذج التحليلية سيفلت من قبضة الاختزالية والتراكمية والكمية والواحدية الموضوعية وأن استخدام النماذج يؤدي حتماً وبالضرورة إلى رؤية تركيبية، فالنموذج نفسه يمكن أن يُصاغ بطريقة اختزالية تلغي الحيز الإنساني والفوارق بين الإنسان والطبيعة (كما سنبين فيما بعد). فكل ما نذهب إليه أن استخدام النماذج يخلق التربة الخصبة لبحث يتسم بقدر معقول من التركيب ويبتعد عن الاختزال.
يتبع إن شاء الله...


الأبعاد التفكيكية للموضوعية (المادية) 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الأبعاد التفكيكية للموضوعية (المادية)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» العقلانية المادية واللاعقلانية المادية
» الأبعاد الجيوديموجرافية لانتخابات مجلس الشعب المصري عام 2005
» المادية وحدها لا تكفي
» تقويض الذات الإنسانية وهيمنة الواحدية الموضوعية المادية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـثـقــافـــــــــة والإعـــــــــلام :: مـوسـوعة الـيـهـــود-
انتقل الى: