المبحث السابع
تلخيص ما كتبه الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله
في مسائل الحج والعمرة
من كتاب منسك الشنقيطي
ترجمة مختصرة للإمام محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله
اسمه ونسبه:
هو الإمام العلامة المفسر محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر بن محمد بن أحمد بن نوح بن محمد بن سيدي أحمد بن المختار الشنقيطي، واسمه الصحيح آب، وهو من قبيلة حمير العربية.
ولقبه: آبَّا، بمد الهمزة وتشديد الباء، من الإباء.
ولادته ونشأته:
ولد رحمه الله عام (1325هـ) ونشأ يتيمًا، فقد توفي والده وهو صغير، وترك له ثروة من الحيوان والمال.
وفاته رحمه الله:
توفي في ضحى يوم الخميس (17/12/1393هـ)، وصلى عليه سماحة الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله في الحرم المكي.
قال الشيخ أحمد بن أحمد الشنقيطي -وهو غاسل الشيخ-: «من الغريب أن أحد أقاربه حج معه في سيارته، فرأى ليلة جمع أن الرسول صلى الله عليه وسلم توفي، وأنه جاءه فوجده مسجى عليه ثوب، فرفع الثوب فوجد أن الميت نبي ولكنه ليس محمدًا صلى الله عليه وسلم، فقبله في جبينه، فلما حكى الرؤيا على الشيخ سأله: وما يدريك أنه ليس بمحمد؟ قال: لم تتوفر فيه الصفات الثابتة بالسنة التي نعرفها، فتكدر وجه الشيخ. فقال الرجل: أظنه أضغاث أحلام. فقال الشيخ: لا؛ بل هي رؤيا، ولكن يقضي الله خيرًا».
قال شيخنا الشيخ حمود العقلا الشعيبي رحمه الله: درست على الشيخ الشنقيطي في الكليـّة وفي البيت، أما في البيت فكانت لي دراسة يومية معه في الأصول والمنطق، وكانت في المنطق سلّم الأخضري وشرحه، وفي الأصول روضة الناظر، وأتممتها على الشيخ رحمه الله، وكانت دراستي لها دراسة جيدة، وكانت الدراسة لوحدي بعد المغرب، وكان علـْم الشيخ الشنقيطي غزير جدًا، خاصة في الأصول، والمنطق، والتفسير، والتاريخ، واللغة والأدب، وكان منقطع النظير في هذه، ويجمع لها غيرها.
فسألته رحمه الله: ولماذا هذه العناية بالدراسة على الشيخ الشنقيطي بالذات؟
فقال لي: الشيخ محمد هو شيخي وإمامي في كل شيء، وكان من خيرة العلماء علمًا وورعا وزهدًا، رحمه الله وغفر له، وكان يعاملني مثل أولاده ويعتبرني ولدًا له.
وسألت الشيخ حمود عن كلام بعض الناس أن الشيخ محمد الأمين رحمه الله عندما جاء للحج لم يكن على عقيدة أهل السنة، فهل هذا صحيح؟
فقال الشيخ رحمه الله: كلا! لم يكن الشيخ الأمين على خلاف مذهب أهل السنة؛ بل كان من المتحمسين لمذهب السلف وعقيدة أهل السنة.
وقال الشيخ حمود أيضًا: أذكر أنني لما تخرجت من الكلية عينت قاضيًا في وادي الدواسر، فذهب الشيخ الشنقيطي للشيخ محمد بن إبراهيم وقال له: هذا لا يمكن أن يعين في القضاء؛ بل في التدريس؛ لما يظهر منه من أهلية لهذا وبروز في التدريس. والشيخ محمد بن إبراهيم إذا عين أحدًا في القضاء لا يمكن أن يتراجع أبدًا مهما حصل، ولكنه كان يجل الشيخ الشنقيطي ويحترمه جدًا( ).
مسائل الحج والعمرة من كتاب منسك الشنقيطي
الجزء الأول
(1) الذي عليه الأكثرون أن الحج راكبًا أفضل.(77)
(2) أفعاله صلى الله عليه وسلم تقسم على ثلاثة أقسام:
الأول: هو الفعل الجبلي المحض كالقيام والقعود؛ فهذا لم يفعل للتشريع والتأسي.
الثاني: هو الفعل التشريعي المحض، وهو الذي فعل لأجل التأسي والتشريع كأفعال الصلاة.
الثالث: هو الفعل المحتمل للجبلي والتشريعي، وضابطه: أن تكون الجبلة البشرية تقتضيه بطبيعتها، ولكنه وقع متعلقـًا بعبادة؛ بأن وقع فيها أو في وسيلتها، كالركوب في الحج، واضطجاعه على الشق الأيمن بعد ركعتي الفجر.(77)
(3) الحديث المرفوع عن ابن عباس في فضل الحج ماشيًا ضعيف.(80)
(4) تقرر في الأصول أن الأمر المجرد من القرائن لا يقتضي التكرار.(81)
(5) الأصح أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة.(85)
(6) الحرية شرط وجوب؛ فلا يجب الحج على العبد.(85)
(7) حديث ابن عباس: (أيما صبي حج ثم بلغ فعليه حجة الإسلام...)( )، لا يقل عن درجة الاحتجاج.(88)
(8) الذي يظهر لي رجحانه بالدليل من قولي المالكية: أن الحج لا يجب على من يعيش في طريقه بتكفف الناس، وأن سؤال الناس لا يعد استطاعة.(92)
(9) قوله تعالى: ((وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى)) [البقرة:197]، دليل ظاهر على حرمة خروج الإنسان حاجًا بلا زاد ليسأل الناس، فقيرًا كان أو غنيًا.(93)
(10) لا ينبغي أن يختلف في أن المرض الشديد الذي يشق معه السفر مشقة فادحة مسقط لوجوب الحج.(95)
(11) حديث ابن عمر رضي الله عنهما الذي فسر فيه الاستطاعة بالزاد والراحلة لم يثبت من وجه صحيح بحسب صناعة علم الحديث.(101)
(12) الذي يظهر لي -والله أعلم- أن حديث الزاد والراحلة عن أنس رضي الله عنه لا يقل عن درجة الاحتجاج، وقد أخرجه الحاكم وأقره الذهبي، والدعوى على سعيد بن أبي عروبة وحماد بن سلمة أنها غلط، وأن الصحيح عن قتادة عن الحسن مرسلاً دعوى لا مستند لها؛ بل هي تغليط وتوهيم للعدول المشهورين من غير استناد إلى دليل.(106)
(13) المستطيع هو من ملك الزاد والراحلة، ولا يجب بسؤال الناس.(106)
(14) الصحيح عند المحققين من الأصوليين والمحدثين، أن الحديث إذا جاء من طريق صحيحة، وجاء من طرق أخرى غير صحيحة؛ فلا تكون تلك الطرق علة إذا كان رواتها لم يخالفوا جميع الحفاظ؛ بل انفراد الثقة العدل بما لم يخالف فيه غيره مقبول عند المحققين.(107)
(15) الذي يظهر لي أن القادر على الحج مشيًا على رجليه بدون مشقة فادحة يلزمه الحج؛ لأنه يستطيع إليه سبيلاً.(109)
(16) المستطيع بغيره نوعان:
الأول: من لا يقدر على الحج بنفسه لكونه زمنًا أو هرمـًا أو مريضًا أو نحو ذلك، ولكن له مال يدفعه إلى من يحج عنه؛ فله أن يدفع لغيره ليحج عنه؛ لحديث الخثعمية.(110)
الثاني: من لا يقدر على الحج بنفسه، وليس له مال يدفعه لمن يحج عنه، ولكن له ولد يطيعه إذا أمره بالحج، والولد مستطيع، فهل يجب الحج على الوالد، ويلزمه أمر الولد بالحج عنه لأنه مستطيع بغيره؟ فيه خلاف بين أهل العلم. (116)
(17) من ترك الحج وهو قادر حتى مات مفرطًا؛ فإن كان له مال حج عنه من ماله؛ لأنه دين ترتب عليه في الذمة، ودين الله أحق أن يقضى، وما أوجبه الله في كتابه أقوى مما أوجبه بالنذر.(125)
(18) الظاهر لنا أن من مات ولم يستطع الحج حال حياته حتى مات فلا دين لله عليه؛ لأنه لم يتمكن من أداء الفعل حتى يترتب عليه في الذمة، ولن يكلـّف الله نفسًا إلا وسعها.(125)
(19) دلت السنة على جواز حج المرأة عن الرجل والعكس، وعليه عامة العلماء.(125)
(20) المشهور عن مالك رحمه الله أن الاستنابة في الفرض ممنوعة، وفي غير الفرض مكروهة، والعاجز عنده لا فرض عليه أصلاً للحج.(125)
(21) حديث شبرمة صالح للاحتجاج به، وفيه دليل على أن النائب في الحج لابد أن يكون قد حج عن نفسه، وقاس العلماء العمرة على الحج، وهو قياس ظاهر.(129)
(22) أخطأ ابن الجوزي رحمه الله لما عد حديث: (من لم يمنعه عن الحج حاجة ظاهرة، أو سلطان جائر، أو مرض حابس، فمات ولم يحج؛ فليمت إن شاء يهوديـًا، وإن شاء نصرانيًا)( ) موضوعًا، والحديث لا يقصر عن كونه حسنًا لغيره.(144)
(23) قوله تعالى: ((وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ)) [البقرة:196] لا تدل على وجوب الحج؛ بل على إكماله لمن شرع فيه، وكذا العمرة.(149)
(24) الصواب أن الحج فرض عام تسع.(149)
(25) أظهر القولين عندي، وأليقهما بعظمة خالق السموات والأرض: هو وجوب الحج على الفور.(151)
(26) الأنساك الثلاثة كلها مشروعة صحيحة، وإنما الخلاف في ما هو الأفضل؟(153)
(27) علة أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالتمتع هي: أن يبين للناس أن العمرة في أشهر الحج جائزة؛ حيث إنها كانت من أفجر الفجور، ولا شك أن التمتع في تلك السنة كان أفضل الأنساك.(177)
(28) ما يفعله صلى الله عليه وسلم أو يأمر به للبيان أوالتشريع فهو قربة في حقه، وإن كان مكروهـًا أو مفضولاً فهو يفعله لبيان أن النهي للتنزيه لا للتحريم، فصار بذلك الفعل في حقه قربة يثاب عليها؛ لما فيه من بيان الشرع، كنهيه عن الشرب من أفواه القرب وقد شرب منها.(177)
(29) أقوى الأقوال وأصحها أن القارن يسعى سعيًا واحدًا.(198)
(30) من المحال الجمع بين خبر ابن عمر وأنس رضي الله عنهما في صفة إهلال النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ادعى إمكانية الجمع فقد غلط، كائنًا من كان، بالغـًا ما بلغ من العلم والجلالة.(206)
(31) لا شك عند من جمع بين العلم والإنصاف، أن الأحاديث الدالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم حج قارنًا أرجح.(207)
(32) الأظهر عندي أن أفضل النسك الإفراد.(210)
(33) الذي يظهر لي من مراد ابن عمر رضي الله عنهما من قوله: (ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول)( ) عند الشيخين، هو الطواف بين الصفا والمروة.(215)
(34) اعلم أن قول ابن حجر رحمه الله في التهذيب: «إن البخاري رحمه الله روى عن فضيل بن حسين البصري بلفظ: قال أبو كامل، لها حكم التعليق» غير مسلّم، ومخالف لما عليه الجمهور من المتأخرين؛ لأن قوله: قال أبو كامل، كقوله: عن أبي كامل، وكل ذلك يحكم بوصله عند المحققين، فقول ابن حجر في الفتح أقرب للصواب من قوله في التهذيب، ولذا غلط الجمهور ابن حزم في حديث المعازف حيث قال: «إن قول البخاري رحمه الله في الإسناد: قال هشام بن عمار، تعليق، وليس الحديث متصلاً»، فغلّطوه وحكموا للحديث بالاتصال.(219)
(35) التحقيق أن القارن يفعل كفعل المفرد؛ لاندراج أعمال العمرة في أعمال الحج، وأن المتمتع يطوف ويسعى لعمرته، ثم يطوف ويسعى لحجه.(233)
(36) الرمل في الأشواط الثلاثة في طواف العمرة وطواف القدوم مما سنه النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى ذلك عامة أهل العلم إلا من شذ.(239)
(37) من ترك الرمل في الأشواط الثلاثة الأول لم يقضه في الأشواط الأخيرة على الصواب، ولا يلزم بتركه دم على الأظهر؛ لعدم الدليل.(239)
(38) الطهارة واجبة في الطواف؛ لأنه صلاة.(249)
(39) يجب ستر العورة في الطواف.(255)
(40) أظهر القولين في طواف الوداع دليلاً أنه واجب، وتتركه الحائض فقط.(263)
(41) ذهب الجمهور إلى عدم وجوب طواف القدوم؛ لأنه تحية، فلم يجب كتحية المسجد.(263)
(42) الظاهر أن أول وقت طواف الإفاضة أول يوم النحر، بعد الإفاضة من عرفة ومزدلفة.(265)
(43) آخر وقت الإفاضة لم يرد فيه نص، وجمهور العلماء على أنه لا آخر لوقته، واتفق المالكية على لزوم الدم على من أخره إلى انسلاخ ذي الحجة.(266)
(44) لا خلاف في استحباب استلام الحجر الأسود للطائف، وجماهيرهم على تقبيله، وإن عجز وضع يده عليه وقبلها، خلافًا لمالك رحمه الله، فإنه قال: إنه يضعها على فيه من غير تقبيل.(267)
(45) كل ما علّقه البخاري بصيغة الجزم فهو صحيح إلى من علّق عنه.(270)
(46) أظهر أوجه الجمع عندي بين حديثي ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما في طواف النبي صلى الله عليه وسلم الإفاضة ليلاً، وحديث جابر وابن عمر رضي الله عنهما أنه طاف نهارًا، اثنان هما:
الأول: أنه صلى الله عليه وسلم طاف طواف الزيارة في النهار يوم النحر، كما أخبر به جابر وعائشة وابن عمر رضي الله عنهم، ثم صار يأتي البيت ليلاً ثم يرجع إلى منى فيبيت بها، وإتيانه البيت في ليالي منى هو مراد عائشة وابن عباس رضي الله عنهما.
الثاني: أن الطواف الذي طافه النبي صلى الله عليه وسلم ليلاً طواف الوداع، فنشأ الغلط من بعض الرواة في تسميته بالزيارة.(271)
(47) الجمع بين الأحاديث الدالة على طوافه صلى الله عليه وسلم ماشيًا، والأخرى على طوافه راكبـًا: هو أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف طواف القدوم ماشيًا، وطاف الإفاضة في حجة الوداع راكبـًا. (275)
(48) من طاف أو سعى راكبًا فطوافه وسعيه صحيح؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم مع قوله: (خذوا عني مناسككم).(275)
(49) قال جمهور العلماء: إن ركعتي الطواف من السنن، لا من الواجبات.(276)
(50) الصواب هو تأخير ركعتي الطواف عن وقت النهي لمن طاف فيه، وجواز صلاتهما في أي مكان ولو خارج الحرم؛ لما أخرجه البخاري رحمه الله عن عمر وابنه رضي الله عنهما حيث قال: (باب الطواف بعد الصبح والعصر، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يصلي ركعتي الطواف ما لم تطلع الشمس، وطاف عمر بعد صلاة الصبح، فركب حتى صلى الركعتين بذي طوى)( ).(278)
(51) أظهر قولي العلماء أن الحج لا يفتقر كل عمل منه إلى نية، ودليله أنه عبادة تشمل جميع أجزائها، كما لو وقف بعرفة ناسيًا أجزأه إجماعًا.(284)
(52) أظهر قولي العلماء عندي أنه إن أقيمت الصلاة وهو في أثناء الطواف أنه يصلي مع الناس، ولا يستمر في طوافه.(285)
(53) إن قطع الطواف لحاجة؛ كصلاة الجنازة، أو حاجة ضرورية؛ فأظهر قولي العلماء عندي أنه يبتدىء من الموضع الذي وصل إليه، ويعتد ببعض الشوط الذي فعله قبل القطع.(287)
(54) من طاف قبل التحلل الأول وهو لابس المخيط صح منه ولزمه دمٌ.(287)
(55) قال بعض أهل العلم: الصلاة أفضل لأهل مكة، والطواف أفضل للغرباء.(288)
(56) اعلم أن جمهور أهل العلم على أن السعي لا تشترط له طهارة الحدث ولا الخبث، ولا ستر العورة، فلو سعى وهو محدث أو جنب، أو سعت امرأة وهي حائض؛ فالسعي صحيح ولا يبطله ذلك.(315)
(57) اعلم أن جمهور أهل العلم يشترطون الترتيب في السعي، فإن بدأ بالمروة لم يعتد بذلك الشوط. (317)
(58) اعلم أن جمهور أهل العلم على أن السعي لا يصح إلا بعد الطواف، فلو سعى قبل الطواف لم يصح سعيه عند الجمهور، ونقل الماوردي وغيره الإجماع عليه.(318)
(59) السعي في غير المسعى لا يجوز، وهذا مما لا ينبغي الخلاف فيه( ).(321)
(60) اعلم أن جمهور أهل العلم يشترطون في صحة السعي أن يقطع جميع المسافة بين الصفا والمروة في كل شوط، فلو بقي منها بعض خطوة لم يصح سعيه.(320)
(61) الأظهر هو جواز الطواف راكبًا والسعي راكبًا؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وهو صلوات الله وسلامه عليه لا يفعل إلا ما يسوغ فعله، وقد قال لنا: (خذوا عني مناسككم)( ).(322)
الجزء الثاني
(62) اعلم أن العلماء أجمعوا على أن الوقوف بعرفة ينتهي وقته بطلوع فجر يوم النحر.(5)
(63) أظهر الأقوال دليلاً فيمن اقتصر على جزء من الليل دون النهار صحة الوقوف، وعدم لزوم الدم؛ لحديث عبد الرحمن بن يعمر الديليِّ قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الحج يوم عرفة من جاء قبل صلاة الصبح من ليلة جمعٍ فقد تم حجه)( ).(16)
(64) أظهر الأقوال أنه يصح الوقوف بعرفة ليلاً أو نهارًا ولو قبل الزوال؛ لعموم حديث عروة بن مضرس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهارًا، فقد أتم حجه وقضى تفثه)( ) ولا شك أن عدم الاقتصار على أول النهار أحوط.(18)
(65) أظهر قولي العلماء عندي قول من قال بصحة وقوف المغمى عليه.(20)
(66) اعلم أن العلماء اختلفوا فيمن وقف بعرفات وهو لا يعلم أنها عرفات، قال النووي رحمه الله: مذهبنا صحة وقوفه.(21)
(67) اعلم أنه لا خلاف بين العلماء في مشروعية جمع الظهر والعصر جمع تقديم يوم عرفة، والمغرب والعشاء جمع تأخير بمزدلفة.(21)
(68) حديث: (أتموا فإناّ قوم سفر)( )، إنما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في مكة، لا في عرفة ولا مزدلفة.(22)
(69) أظهر قولي العلماء عندي أن جميع الحجاج يجمعون الظهر والعصر في عرفة، والمغرب والعشاء في مزدلفة، ويقصرون فيهما، وأن أهل مكة وغيرهم في ذلك سواء.(22)
(70) أقوى الأقوال دليلاً هو أن كل ما يطلق عليه اسم السفر لغةً تقصر فيه الصلاة، وتحديد مسافة القصر لم يثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم.(23)
(71) قصر الصلاة في منى والمشاعر قصر سفر، ولا تأثير للنسك في قصر الصلاة ألبته.(24)
(72) لا يشرع صعود جبل الرحمة، خلافًا لابن جرير والماوردي وغيرهما.(25)
(73) التحقيق أن عرنة ليست من عرفة، فمن وقف بعرنة لم يجزئه ذلك، وما يذكر عن مالك رحمه الله من أن الوقوف بعرنة يجزئ وعليه دمٌ، خلاف التحقيق الذي لا شك فيه، والظاهر أنه لم يصح عن مالك.(26)
(74) المراد بالحبل في قول جابر رضي الله عنه: (كلما أتى حبلاً من الحبال أرخى لها قليلاً): الرمل المستطيل المرتفع.(28)
(75) لا شك أنه ينبغي للحاج أن يحرص على أن يفعل كفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فيبيت بمزدلفة.(40)
(76) اعلم أنه ينبغي التعجيل بصلاة الصبح يوم النحر بمزدلفة في أول وقتها، كما فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم.(41)
(77) كل مزدلفة موقف.(41)
(78) اعلم أن معنى قول ابن مسعود رضي الله عنه: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة إلا لميقاتها إلا صلاتين: صلاة المغرب والعشاء بجمع، وصلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها)( ): أنه صلاها قبل ميقاتها المعتاد الذي كان يصليها فيه، أما أنه صلّاها قبل الفجر فذلك ممنوع إجماعًا.(42)
(79) الأظهر عندي أنه يجب المبيت إلى الصبح في مزدلفة؛ لأنه لا دليل مقنع يجب الرجوع إليه مع من حدد بالنصف الأخير، ولا مع من اكتفى بالنزول، وقياسهم الأقوياء على الضعفاء قياس مع وجود الفارق.(44)
(80) النصوص الصحيحة تدل على جواز تقديم الضعفة والنساء من المزدلفة ليلاً.(48)
(81) إن الذي يقتضي الدليل رجحانه أن الذكور الأقوياء لا يجوز لهم رمي جمرة العقبة إلا بعد طلوع الشمس، وأما الضعفة والنساء فلا ينبغي التوقف في جواز رميهم بعد الصبح قبل طلوع الشمس؛ لحديث أسماء وابن عمر رضي الله عنهما المتفق عليهما في الترخيص لهم في ذلك، وأما رميهم قبل طلوع الفجر فهو محل نظر، أما الذكور الأقوياء فلم يرد في الكتاب ولا في السنة دليل يدل على جواز رميهم جمرة العقبة قبل طلوع الشمس؛ لأن جميع الأحاديث الواردة في الترخيص للضعفاء، وليس شيء منها في الأقوياء الذكور.(56)
(82) يجمع بعض أهـل العلم بيـن حـديث عائشـة رضي الله عنها أنهـا قالـت: (أرسـل النبـي صلى الله عليه وسلم بأم سلمة ليلة النحر، فرمت الجمرة قبل الفجر، ثم مضت فأفاضت، وكان ذلك اليوم اليوم الذي يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم، تعني عندها)( )، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أغيلمة عبد المطلب على جمرات، فجعل يلطخ أفخاذنا ويقول: أي بني! لا ترموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس)( )، فحملوا حديث ابن عباس على وقت الأفضلية، وحديث عائشة على وقت الجواز، وله وجه من النظر.(57)
(83) اعلم أن وقت رمي جمرة العقبة يمتد إلى آخر نهار يوم النحر، فإن فات يوم النحر ولم يرمها، فقال بعض أهل العلم: يرميها ليلاً، واختلفوا في الرمي هل هو قضاء أم أداء؟(58)
(84) اعلم أنه لا بأس بلقط الحصيات من المزدلفة، أعني السبع التي ترمى بها جمرة العقبة يوم النحر.(67)
(85) اعلم أن جمهور العلماء على أن رمي جمرة العقبة واجب يجبر بدم.(70)
(86) اعلم أن الأفضل في موقف من أراد رمي جمرة العقبة أن يقف في بطن الوادي، وتكون منى عن يمينه ومكة عن يساره؛ لما دلت الأحاديث الصحيحة على أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك.(71)
(87) أظهر الأقوال عندي أن الحلق نسك.(75)
(88) التحقيق أن الطيب، ولبس الثياب، وقضاء التفث، يحل له بالتحلل الأول؛ لحديث عائشة رضي الله عنها المتفق عليه، والذي هو صريح في ذلك، وأن الجماع لا يحل إلا بالتحلل الأخير وظاهر قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ)) [المائدة:95]، يدل على حرمة الصيد، وأنه لا يحل إلا بالتحلل الأخير كذلك.(83)
(89) رمي الجمار واجب يجبر بدم.(85)
(90) اعلم أن التحقيق أنه لا يجوز رمي الجمار قبل الزوال في أيام التشريق، ولا ينبغي لأحد فعله، والقول بجوازه لا مستند له ألبتة، مع مخالفته للسنة الثابتة.(89)
(91) الترتيب في رمي الجمار شرطٌ، فلو أخطأ أعاد.(91)
(92) الأقرب فيما يظهر لنا أنه لا بد من رمي الحصاة بقوة، فلا يكفي طرحها، ولا وضعها باليد في المرمى؛ لأن ذلك ليس برمي في العرف.(92)
(93) لا بد أن تقع الحجارة في المرمى، وهو الجمرة التي يحيط بها البناء، واستقرارها فيه.(92)
(94) الصواب أنه لو ضربت الحجارة شيئًا دون المرمى، ثم طارت وسقطت في المرمى، أن ذلك يجزئه، بخلاف ما لو جَاءَتْ في محمل أو ثوب رجل، فتحرك المحمل أو الرجل فسقطت في المرمى، فإنها لا تجزئ.(92)
(95) الصواب أن الحجارة إن جاءت دون المرمى، فأطارت حصاة أخرى، فجاءت هذه الحصاة الأخرى في المرمى، فإنها لا تجزئه.(92)
(96) الصواب أن الحجارة إن أخطأت المرمى ولكن سقطت قريبًا منه، أن ذلك لا يجزئه، خلافًا لمن قال: يجزئه.(93)
(97) الأقرب أن الحصاة إن وقعت في الشقوق في البناء المنتصب في وسط الجمرة، وسكنت فيها لا تجزئ؛ لأنها وقعت في هواء المرمى لا في نفس المرمى.(93)
(98) لا ينبغي الرمي إلا بالحجارة.(93)
(99) الأقرب أنه لا يلزم غسل الحصى؛ لعدم الدليل على ذلك.(94)
(100) يصح الرمي بالحجارة النجسة.(94)
يتبع إن شاء الله...