المبحث الخامس
تلخيص ما كتبه الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله
في مسائل الحج والعمرة
من كتبه
تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان
الفتاوى السعدية بهجة قلوب الأبرار
القواعد والأصول الجامعة الفروق والتقاسيم
رسالة في القواعد الفقهية المختارات الجلية
مختارات من فتاوى السعدي الإرشاد إلى معرفة الأحكام
تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن فتح الرحيم الملك العلام
أحكام المناسك
مجموع الفوائد واقتناص الأوابد مراسلات العلامة ابن سعدي مع طلابه ومحبيه
ترجمة مختصرة لسماحة الشيخ عبد الرحمن ابن سعدي
اسمه ونسبه:
هو الشيخ الفقيه المربي العلامة أبو عبد الله عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله بن ناصر آل سعدي، من قبيلة تميم.
ولادته ونشأته:
ولد في بلدة عنيزة في القصيم سنة: (1307هـ)، وتوفيت والدته وعمره أربع سنين، وتوفي والده بعدها وله سبع سنين، فتربى يتيمًا، وقد قرأ القرآن بعد وفاة والده ثم حفظه عن ظهر قلب، وأتقنه وعمره إحدى عشرة سنة، أخذ عن الشيخ إبراهيم بن حمد بن جاسر، والشيخ محمد بن عبد الكريم الشبل، والشيخ صالح بن عثمان القاضي (قاضي عنيزة)، والشيخ على الناصر أبو وادي، قرأ عليه في الحديث، وأخذ عنه الأمهات الست وغيرها، وأجازه في ذلك.
بعض أخبار الشيخ:
للشيخ رحمه الله أخبار وطرائف كثيرة تجدها مبثوثة في كتاب ولده: (مواقف اجتماعية من حياة الشيخ)، ومما تميز به لطفه مع الناس، فقد كان يراعي حاجاتهم العامة والخاصة.
وله مشاركات في المجلات الإسلامية العالمية، وله ذوق رفيع في التدريس والتأليف قلّ أن تجده في أهل زمانه، وله مصنفات كثيرة فريدة نافعة أشهرها: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، وللشيخ رحمه الله آراء فقهية سبقت زمانه.
ومن أكبر طلابه شيخنا الشيخ العلامة الفقيه عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل رعاه الله من كل مكروه، وسماحة الشيخ محمد الصالح العثيمين والشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام رحمهما الله تعالى.
وفاته:
توفي الشيخ ابن سعدي رحمه الله في مدينة عنيزة ليلة الخميس 23 جمادى الآخرة سنة (1376هـ)،
قال الشيخ عبد الله البسام: والحقيقة أن عنيزة منذ تأسست لم تصب بمصيبة عامة مثل مصيبتها به.
أولاً: مسائل الحج والعمرة
من كتاب تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان
(1) معنى ((وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى)): يحتمل أن يكون المراد بذلك المقام المعروف الذي قد جعل الآن مقابل باب الكعبة، وأن المراد بهذا ركعتا الطواف, يستحب أن تكونا خلف مقام إبراهيم, وعليه جمهور المفسرين. ويحتمل أن يكون المقام مفردًا مضافًا, فيعم جميع مقامات إبراهيم في الحج، وهي المشاعر كلها؛ من الطواف, والسعي, والوقوف بعرفة, ومزدلفة، ورمي الجمار، والنحر, وغير ذلك من أفعال الحج، فيكون معنى قوله: (مُصَلًّى) أي: معبدًا, أي: اقتدوا به في شعائر الحج. ولعل هذا المعنى أولى؛ لدخول المعنى الأول فيه, واحتمال اللفظ له.(65)
(2) أخبرنا تعالى أن الصفا والمروة من شعائره أي: أعلام دينه الظاهرة التي تعبد الله بها عباده, وإذا كانا من شعائر الله فقد أمر الله بتعظيم شعائره فقال: ((وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ))، وقد قال: ((إن الصفا والمروة من شعائر الله))، فدل مجموع النصين أنهما من شعائر الله, وأن تعظيم شعائره من تقوى القلوب، والتقوى واجبة على كل مكلف, وذلك يدل على أن السعي بهما فرض لازم للحج والعمرة, كما عليه الجمهور, ودلت عليه الأحاديث النبوية، وفعله النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «خذوا عني مناسككم»( ).(76)
(3) في قوله تعالى: ((فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا)) يدل تقييد نفي الجناح فيمن تطوف بهما في الحج والعمرة أنه لا يتطوع بالسعي مفردًا إلا مع انضمامه لحج أو عمرة، بخلاف الطواف بالبيت؛ فإنه يشرع مع العمرة والحج, وهو عبادة مفردة، فأما السعي، والوقوف بعرفة ومزدلفة, ورمي الجمار فإنها تتبع النسك، فلو فُعلت غير تابعة للنسك كانت بدعة؛ لأن البدعة نوعان: نوع يتعبد لله بعبادة لم يشرعها أصلاً، ونوع يتعبد له بعبادة قد شرعها على صفة مخصوصة, فتفعل على غير تلك الصفة, وهذا منه.(76)
(4) يدل قوله تعالى: ((وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ)) [البقرة:196] على أمور:
أحدها: وجوب الحج والعمرة, وفرضيتهما.
الثاني: وجوب إتمامهما بأركانهما وواجباتهما التي قد دل عليها فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله: «خذوا عني مناسككم».
الثالث: أن فيه حجة لمن قال بوجوب العمرة.
الرابع: أن الحج والعمرة يجب إتمامهما بالشروع فيهما ولو كانا نفلاً.
الخامس: الأمر بإتقانهما وإحسانهما, وهذا قدر زائد على فعل ما يلزم لهما.
السادس: وفيه الأمر بإخلاصهما الله تعالى.
السابع: أنه لا يخرج المحرم بهما بشيء من الأشياء حتى يكملهما, إلا بما استثناه الله, وهو الحصر.(90)
(5) قوله: ((فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ)) أي: اذبحوا ما استيسر من الهدي, وهو سبع بدنة, أو سبع بقرة, أو شاة يذبحها المحصر, ويحلق ويحل من إحرامه بسبب الحصر، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لما صدهم المشركون عام الحديبية، فإن لم يجد الهدي فليصم بدله عشرة أيام، كما في المتمتع، ثم يحل.(90)
(6) ويدل قوله: ((وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ)) على أن إزالة الشعر من محظورات الإحرام؛ سواء كان بحلق أو غيره؛ لأن المعنى واحد من الرأس أو من البدن؛ لأن المقصود من ذلك حصول الشعث والمنع من الترفه بإزالته, وهو موجود في بقية الشعر، وقاس كثير من العلماء على إزالة الشعر تقليم الأظفار بجامع الترفه، ويستمر المنع مما ذكر حتى يبلغ الهدي محله, وهو يوم النحر، والأفضل أن يكون الحلق بعد النحر, كما تدل عليه الآية.(91)
(7) يستدل بالآية السابقة أيضًا على أن المتمتع إذا ساق الهدي لم يتحلل من عمرته قبل يوم النحر، فإذا طاف وسعى للعمرة أحرم بالحج, ولم يكن له إحلال بسبب سوق الهدي.(91)
(8) إنما منع تبارك وتعالى من إزالة الشعر لما فيه من الذل والخضوع لله, والانكسار له, والتواضع الذي هو عين مصلحة العبد وليس عليه في ذلك من ضرر، فإذا حصل الضرر بأن كان به أذى من مرض ينتفع بحلق رأسه له, أو قروح, أو قمل ونحو ذلك؛ فإنه يحل له أن يحلق رأسه, ولكن يكون عليه فدية من صيام ثلاثة أيام, أو إطعام ستة مساكين, أو نسك ما يجزئ في أضحية, فهو مخير. والنسك أفضل, فالصدقة, فالصيام، ومثل هذا كل ما كان في معنى ذلك, من تقليم الأظفار, أو تغطية الرأس, أو لبس المخيط, أو الطيب؛ فإنه يجوز عند الضرورة مع وجوب الفدية المذكورة؛ لأن القصد من الجميع إزالة ما به يترفه.(91)
(9) يدل قوله تعالى: ((فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ)) على أن المتمتع يلزمه ما تيسر من الهدي, وهو ما يجزئ في أضحية، وهذا دم نسك, مقابلة لحصول النسكين له في سفرة واحدة, ولإنعام الله عليه بحصول الانتفاع بالمتعة بعد فراغ العمرة, وقبل الشروع في الحج، ومثله القران لحصول النسكين له، ويدل مفهوم الآية على أن المفرد للحج ليس عليه هدي، ودلت الآية على جواز بل فضيلة المتعة, وعلى جواز فعلها في أشهر الحج.(91)
(10) يدل قوله تعالى: ((فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ)) على أن من لم يجد الهدي أو ثمنه فعليه صيام ثلاثة أيام، أول جوازها من حين الإحرام بالعمرة, وآخرها ثلاثة أيام بعد النحر, أيام رمي الجمار, والمبيت بـ«منى»، ولكن الأفضل منها أن يصوم السابع والثامن والتاسع.(91)
(11) معنى ((وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ)) أي: فرغتم من أعمال الحج, فيجوز فعلها في مكة, وفي الطريق, وعند وصوله إلى أهله.(91)
(12) يرجع الضمير ((ذَلِكَ)) في قوله تعالى: ((ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ)) على الحكم المذكور من وجوب الهدي على المتمتع؛ بأن كان عند مسافة قصر فأكثر, أو بعيدًا عند عرفات, فهذا الذي يجب عليه الهدي؛ لحصول النسكين له في سفر واحد، وأما من كان أهله من حاضري المسجد الحرام فليس عليه هدي, لعدم الموجب لذلك.(91)
(13) كان الحج من ملة إبراهيم التي لم تزل مستمرة في ذريته معروفة بينهم.(91)
(14) المراد بالأشهر المعلومات عند الجمهور: شوال, وذو القعدة, وعشر من ذي الحجة, فهي التي يقع فيها الإحرام بالحج غالبًا.(91)
(15) الشروع في الحج يُصيّره فرضًا ولو كان نفلاً.(91)
(16) استدل الشافعي ومن تابعه بقوله تعالى: ((فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ)) على أنه لا يجوز الإحرام بالحج قبل أشهره. قلت: لو قيل: فيها دلالة لقول الجمهور, بصحة الإحرام بالحج قبل أشهره لكان قريبًا، فإن قوله: ((فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ)) دليل على أن الفرض قد يقع في الأشهر المذكورة وقد لا يقع فيها, وإلا لم يقيده.(91)
(17) معنى قوله تعالى: ((فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ)) أي: يجب أن تعظموا الإحرام بالحج, وخصوصًا, الواقع في أشهره, وتصونوه عن كل ما يفسده أو ينقصه: من الرفث، وهو الجماع ومقدماته الفعلية والقولية, خصوصًا عند النساء بحضرتهن، والفسوق، وهو جميع المعاصي, ومنها محظورات الإحرام، والجدال, وهو المماراة والمنازعة والمخاصمة؛ لكونها تثير الشر, وتوقع العداوة.
والمقصود من الحج: الذل والانكسار لله, والتقرب إليه بما أمكن من القربات, والتنزه عن مقارفة السيئات؛ فإنه بذلك يكون مبرورًا، والمبرور ليس له جزاء إلا الجنة، وهذه الأشياء وإن كانت ممنوعة في كل مكان وزمان؛ فإنه يتغلظ المنع عنها في الحج، واعلم أنه لا يتم التقرب إلى الله بترك المعاصي حتى يفعل الأوامر.(91)
(18) يدل قوله تعالى: ((فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ)) [البقرة:198] على أمور:
أحدها: الوقوف بعرفة, وأنه كان معروفًا أنه ركن من أركان الحج، فالإفاضة من عرفات لا تكون إلا بعد الوقوف.
الثاني: الأمر بذكر الله عند المشعر الحرام, وهو المزدلفة, وذلك أيضًا معروف, يكون ليلة النحر بائتًا بها, وبعد صلاة الفجر يقف في المزدلفة داعيًا حتى يسفر جدًا, ويدخل في ذكر الله عنده إيقاع الفرائض والنوافل فيه.
الثالث: أن الوقوف بمزدلفة متأخر عن الوقوف بعرفة, كما تدل عليه الفاء والترتيب.
الرابع والخامس: أن عرفات ومزدلفة كلاهما من مشاعر الحج المقصود فعلها, وإظهارها.
السادس: أن مزدلفة في الحرم, كما قيده بـ(الحرام).
السابع: أن عرفة في الحل, كما هو مفهوم التقييد بمزدلفة.(92)
(19) معنى قوله: ((ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) أي: أفيضوا من مزدلفة من حيث أفاض الناس من لدن إبراهيم عليه السلام إلى الآن. والمقصود من هذه الإفاضة كان معروفًا عندهم, وهو رمي الجمار, وذبح الهدايا, والطواف, والسعي, والمبيت بمنى ليالي التشريق، وتكميل باقي المناسك. ولما كانت هذه الإفاضة يقصد بها ما ذكر, والمذكورات آخر المناسك؛ أمر تعالى عند الفراغ منها باستغفاره والإكثار من ذكره في الآية التي بعدها: ((فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً))، فالاستغفار للخلل الواقع من العبد في أداء عبادته وتقصيره فيها.
وذكر الله: شكر الله على إنعامه عليه بالتوفيق لهذه العبادة العظيمة والمنة الجسيمة، وهكذا ينبغي للعبد كلما فرغ من عبادة أن يستغفر الله عن التقصير, ويشكره على التوفيق, لا كمن يرى أنه قد أكمل العبادة, ومَنَّ بها على ربه, وجعلت له محلاً ومنزلة رفيعة, فهذا حقيق بالمقت ورد الفعل، كما أن الأول حقيق بالقبول والتوفيق لأعمال أخر.(92)
(20) الأيام المعدودات: هي أيام التشريق الثلاثة بعد العيد, ذكرها الله تعالى لمزيتها وشرفها, وكون بقية المناسك تفعل بها, ولكون الناس أضيافًا لله فيها, ولهذا حرم صيامها، فللذِكِرِ فيها مزيةٌ ليست لغيرها, ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله»( )، ويدخل في ذكر الله فيها ذكره عند رمي الجمار, وعند الذبح, والذكر المقيد عقب الفرائض؛ بل قال بعض العلماء: إنه يستحب فيها التكبير المطلق كالعشر, وليس ببعيد.(93)
(21) التعجل في يومين هو الخروج من منى والنفر منها قبل غروب شمس اليوم الثاني.(93)
(22) أباح الله التعجل والتأخر، ومن المعلوم أنه إذا أبيح كلا الأمرين فالمتأخر أفضل؛ لأنه أكثر عبادة.(93)
(23) النهي عن قتل الصيد عند الإحرام بالحج أو العمرة يشمل النهي عن مقدمات القتل, وعن المشاركة في القتل, والدلالة عليه, والإعانة على قتله, حتى إن من تمام ذلك أنه ينهى المحرم من أكل ما قُتِلَ, أو صِيدَ لأجله، وهذا كله تعظيم لهذا النسك العظيم, أنه يحرم على المحرم قتل وصيد ما كان حلالاً له قبل الإحرام.(244)
(24) إنما نص الله على المتعمد لقتل الصيد في قوله: ((وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا)), مع أن الجزاء يلزم المتعمد والمخطئ, كما هو القاعدة الشرعية: أن المتلف للنفوس والأموال المحترمة فإنه يضمنها على أي حال كان إذا كان إتلافه بغير حق - لأن الله رتب عليه الجزاء والعقوبة والانتقام, وهذا للمتعمد، وأما المخطئ فليس عليه عقوبة, إنما عليه الجزاء، هذا جواب الجمهور من هذا التقيد الذي ذكره الله، وطائفة من أهل العلم يرون تخصيص الجزاء بالمتعمد، وهو ظاهر الآية، والفرق بين هذا وبين التضمين في الخطأ في النفوس والأموال: أن التضمين في هذا الموضع الحق فيه لله، فكما لا إثم لا جزاء لإتلافه، بخلاف نفوس الآدميين وأموالهم.(244)
(25) المثلية في قوله: ((مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ)) أي الإبل, أو البقر, أو الغنم، فينظر ما يشبهه من ذلك, فيجب عليه مثله, يذبحه ويتصدق به، والاعتبار بالمماثلة ((يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ)) أي: عدلان يعرفان الحكم, ووجه الشبه كما فعل الصحابة رضي الله عنهم، حيث قضوا في الحمامة بشاة, وفي النعامة بدنة, وفي بقر الوحش - على اختلاف أنواعه - بقرة، وهكذا كل ما يشبه شيئًا من النعم ففيه مثله، فإن لم يشبه شيئًا ففيه قيمته, كما هو القاعدة في المتلفات.(244)
(26) الهدي الذي يقابل الصيد لا بد أن يكون ((هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ)) أي: يذبح في الحرم، ((أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ)) أي: كفارة ذلك الجزاء طعام مساكين, أي: يجعل مقابل المثل من النعم طعام يطعم المساكين. قال كثير من العلماء: يُقَوّم الجزاء, فيشترى بقيمته طعام, فيطعم كل مسكين مد بر أو نصف صاع من غيره، ((أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ)) الطعام ((صِيَامًا)) أي: يصوم عن إطعام كل مسكين يومًا.(244)
(27) لما كان الصيد يشمل الصيد البري والبحري, استثنى تعالى الصيد البحري فقال: ((أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ)) أي: أحل لكم - في حال إحرامكم - صيد البحر، وهو الحي من حيواناته, (وطعامه) وهو الميت منها, فدل ذلك على حل ميتة البحر.(244)
(28) يؤخذ من لفظ (الصيد) في قوله تعالى: ((وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا)): أنه لا بد أن يكون وحشيًا؛ لأن الإنسي ليس بصيد، ومأكولاً؛ فإن غير المأكول لا يصاد, ولا يطلق عليه اسم الصيد.(245)
(29) معنى قوله تعالى:(( جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ)) [المائدة:97] أي: يقوم بالقيام بتعظيمه دينهم ودنياهم, فبذلك يتم إسلامهم, وبه تحط أوزارهم, وتحصل لهم - بقصده - العطايا الجزيلة والإحسان الكثير. ومن أجل كون البيت قيامًا للناس قال من قال من العلماء: إن حج بيت الله فرض كفاية في كل سنة، فلو ترك الناس حجه لأثم كل قادر؛ بل لو ترك الناس حجه لزال ما به قوامهم, وقامت القيامة.(245)
(30) يوم الحج الأكبر هو يوم النحر.(328)
(31) افترض الله حج هذا البيت الذي أسكن به ذرية إبراهيم, وجعل فيه سرًا عجيبًا, جاذبًا للقلوب, فهي تحجه, ولا تقضي منه وطرًا على الدوام؛ بل كلما أكثر العبد التردد إليه ازداد شوقه, وعظم ولعه وتوقه.(427)
(32) يدخل في تطهير البيت, تطهيره من الأصوات اللاغية والمرتفعة التي تشوش المتعبدين بالصلاة والطواف. وقدم الطواف على الاعتكاف والصلاة لاختصاصه بهذا البيت.(537)
(33) معنى: ((وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)) أي: القديم, أفضل المساجد على الإطلاق، وهذا أمر بالطواف خصوصًا بعد الأمر بالمناسك له عمومًا, لفضله وشرفه, ولكونه المقصود وما قبله وسائل إليه، ولعله والله أعلم - أيضًا - لفائدة أخرى, وهو: أن الطواف مشروع كل وقت؛ وسواء كان تابعًا لنسك, أم مستقلاً بنفسه.(537)
(34) المراد بالشعائر في قوله تعالى: ((ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)) [الحج:32]: أعلام الدين الظاهرة, ومنها المناسك كلها, كما قال تعالى: ((إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ))، ومنها الهدايا والقربان للبيت، وتقدم أن معنى تعظيمها: إجلالها, والقيام بها, وتكميلها على أكمل ما يقدر عليه العبد، ومنها الهدايا, فتعظيمها باستحسانها واستسمانها, وأن تكون مكملة من كل وجه، فتعظيم شعائر الله صادر من تقوى القلوب، فالمعظم لها يبرهن على تقواه وصحة إيمانه؛ لأن تعظيمها تابع لتعظيم الله وإجلاله.(538)
(35) معنى قوله تعالى: ((لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ)) [الحج:33] (لكم فيها) أي: في الهدايا (منافع إلى أجل مسمى) هذا في الهدايا المسوقة من البدن ونحوها, ينتفع بها أربابها بالركوب والحلب ونحو ذلك مما لا يضرها (إلى أجلٍ مسمى) مقدار مؤقت، وهو ذبحها إذا وصلت محلها، وهو الْبَيْتِ الْعَتِيقِ، أي: المحرم كله منى وغيرها، فإذا ذبحت أكلوا منها, وأهدوا, وأطعموا البائس الفقير.(538)
(36) مكة المكرمة أفضل البلدان على الإطلاق، خصوصًا وقت حلول النبي صلى الله عليه وسلم فيها.(925)
ثانيًا: مسائل الحج والعمرة
من كتاب الفتاوى السعدية
(37) في الحج والعمرة خواص اختصت بها من بين سائر العبادات:
الأول: العبادات لا يجب إتمام نوافلها، والحج والعمرة إذا شرع فيهما يجب إتمامهما؛ لأن الشروع في عقديهما بمنزلة إيجاب العبد على نفسه شيئًا من العبادات، ولذا قال تعالى: ((فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج)) [البقرة:197] أي: أوجبه على نفسه، ((ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم)) [الحج:29]، فسمى متعبدات النسك نذورًا، إلا أنه أوجبها على نفسه بعقد الإحرام.
الثاني منها: أن من عليه حجة الإسلام لا يصح أن يصرفها عن غيرها، ولا أن يحج عن غيره، فإن فعل ذلك انقلبت إلى نفسه عن حجة الإسلام؛ لأن أول نسك بعد وجوبه على المكلف غير قابل لغير الفريضة الإسلامية التي هي فريضة العمر، فمهما نوى العبد فيها من النيات المنافية لهذا القصد بطلت تلك النيات المعارضة، وبقي الأصل سالمًا.
الثالث منها: أن المفرد والقارن إذا طاف للقدوم، وسعى بعده سعي الحج، ثم قلب ذلك ونسخه إلى العمرة؛ كان هذا المشروع، والأفضل أن ذلك الطواف الذي كان للقدوم، وذلك السعي الذي كان للحج ينقلبان للعمرة ركنين من أركانها، مع أنه أدى الطواف بنية النفل وهو طواف القدوم، وأدى السعي بنية سعي الحج، ثم انقلبا كما ترى، وهذا يعد من الغرائب، والسبب في ذلك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة»( )، والعمرة أيضًا هي الحج الأصغر.
وأيضًا: إذا فسخ القران والإفراد ناويًا التمتع، فهو في الحقيقة لم ينقص ما سبق له من الأعمال والنيات، وإنما أتى بها على وجه أكمل، فهو لم يصرفها إلى شيء آخر، وإنما أدارها من صفة إلى صفة أحسن منها وأتم، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بعدما طافوا وسعوا أن يجعلوها عمرة، واكتفوا بذلك الطواف والسعي عنها، مع أن أكثرهم لم ينسخ إلا بعدما كان السعي، فللحج والعمرة من الارتباط الوثيق ما ليس لغيرها من العبادات، فهذا الذي أوجب استغراب هذه المسائل التي لا نظير لها، بل تخالف نظائرها.
الرابع منها: لو أراد المحرم الخروج من إحرامه قبل الفراغ من نسكه بدون عذر حصر أو نحوه؛ لم يتمكن من ذلك، وفسخه غير معتبر وغير مبطل للنسك، لما ذكرنا من لزوم إتمام فرضها ونفلها، وعدم قبول النسك لشيء آخر، والله أعلم.(80)
(38) رخص السفر كلها من قصر وجمع وفطر وغيرها، يترخص بها كل من سافر سفرًا يستعد له بالزاد والمزاد دون تقديره بيومين، لأن اليومين؛ ليس عليهما دليل؛ بل قصر المسلمين مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وجمعهم بعرفة ومزدلفة من غير فرق بين أهل مكة وغيرهم، يدل على أن مثل هذا السفر يترخص فيه برخص السفر، والله أعلم.( ) (126)
(39) يستفاد من إباحة النبي صلى الله عليه وسلم لصيام أيام التشريق للمتمتع والقارن الذي لم يجد الهدي دون قضاء رمضان، مع أنه أكمل وأعظم فائدتان:
إحداهما: أن الوقت إذا كان متسعًا للواجب الأعلى، متعينًا للواجب الأدنى، أنه من مرجحات المفضول على الفاضل.
وفائدة أخرى: أنه إذا تعارض واجب ومحرم؛ تعين تقديم الواجب، وبهذه الحال لا يصير حرامًا في حق المؤدي للواجب، كما يجب على المتمتع الحلق إذا فرغ من عمرته بعد دخول ذي الحجة، ويحرم على المضحي أخذ شيء من شعره، فهذا لا يدخل في المحرم، والله أعلم.(165)
(40) مراد الفقهاء بقولهم: (نفقة محرم المرأة في الحج عليها)، ما صرحوا به أن عليها الزاد والراحلة لها وله، والزاد: اسم جامع لكل ما يحتاج إليه للتزود في سفره، وأما الحوائج الأخر غير المتعلقة بذلك السفر فلا تدخل في ذلك.(167)
(41) المرأة العجوز الفقيرة الكفيفة التي لم تحج حجة الإسلام، لا يحج عنها إذا كانت تطيق الركوب - واليوم كل يطيق الركوب - ولا بد أن تحج بنفسها؛ لأن لها أولادًا ومحارم ولو أنهم غائبون.(167)
(42) اشتراط الأصحاب رحمهم الله أن النائب عن الغير في حجة الإسلام لا يصح إلا من بلده، أو بلد أبعد إلى مكة من بلده، قول ضعيف لا دليل عليه، وغاية ما استدل له أنه كان يجب على المنوب عنه السعي من بلده إلى الحج، وهذا مثله، وهذا الاستدلال ضعيف جدًا؛ فإن المنوب عنه لو صادف أنه وقت السعي إلى الحج في بلد أقرب من بلده؛ بل لو كان بمكة وهو لم ينو من بلده الحج، ولكن النية لم تحصل إلا في ذلك المحل؛ فإنه لم يقل أحد: إنه يجب عليه الرجوع إلى بلده لينوي بها، فنائبه أولى بها.
وأيضًا: فهذا التَقَوّل مخالف لعمومات الأدلة الشرعية؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز النيابة فيه ولم يشترط أن يكون من بلده، ولو كان شرطًا لبينه.
وأيضًا: فإن الواجب والفرض إنما هو الإحرام وما بعده من أفعال الحج، وأما ما قبله وما بعده فلم يأت ما يدل عليه - أي: على الوجوب - وهذا القول قول لبعض الأصحاب، وهو الذي نختاره.
(43) عند الأصحاب: إذا حصل للنائب عذر فقد جوزوا له أن يستنيب من يكمل الحج عنه، وقد قالوا في عباراتهم: وتجوز الاستنابة في الحج، وفي بعضها: النفل مطلقًا، والفرض عند العذر، مع أني لم أجد عنهم تصريحًا في بعضيات النسك إلا في الرمي فقط، وأنا ما زالت هذه المسألة من زمان طويل في نفسي؛ لأن الذي وقصته راحلته وهو واقف بعرفة( ) لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أحدًا أن ينوب عنه في بقية نسكه.
والمقصود أن كلامهم في هذه المسألة لا تطمئن له النفس، والقول إذا لم يبن للإنسان دليل ظاهر عليه فليس له أن يفتي به، مع أن الذي انعقد في خاطري أن هذا القول مخالف للدليل، ولم أر ما يدل على جوازه.(168)
(44) إذا استأجر من يحج عنه تكون الحجة لمن باشرها وحجها؛ لأن العقد عليها باطل( )، وأما صحتها بلا نية له فلأن الحج يخالف غيره في هذه المسألة؛ فإنه إذا نوى من عليه حجة الإسلام أن يحج عن غيره؛ انقلبت عن نفسه، وإذا نوى المفرد والقارن بعد طواف القدوم والسعي التمتع؛ انقلب الإحرام وما بعده من الطواف والسعي للعمرة، فكذلك هذا الذي استأجره غيره إجارة لازمة تبين فسادها، فوقعت لمن باشرها لا لمن نويت له؛ لفساد العقد، ولكن يبقى الكلام على مسألة النفقة؛ فإن كان الأجير الذي باشر الحج عالمًا بفساد العقد وعدم صحته عن غيره، فليس على المؤجر شيء؛ بل النفقة والمصرف على الذي باشر الحج، وإن كان جاهلاً بالحكم كانت إجارة فاسدة، والإجارة الفاسدة يجب فيها أجرة المثل، وهي النفقة والمصرف الذي يحتمله مثله عرفًا، والله أعلم.(171)
(45) إذا رمى عن نفسه وعن الصبي بدأ بالرمي عن نفسه، والأفضل إذا كمل الجمرات الثلاث عن نفسه استأنفها للصبي، فإن وقف عند كل واحدة من الجمار فرماها عن نفسه ثم رماها عن الصبي، فالصحيح أن ذلك جائز، لا سيما إذا كان ازدحام ومشقة، فالأمر -ولله الحمد- واسع.(171)
(46) المشهور في المذهب عند الحنابلة المتأخرين في مسألة من طاف وسعى محمولاً لعذرٍ، ونوى كل من الحامل والمحمول عن نفسه: أنه لا يجزئه إلا عن المحمول، وهو ضعيف لا دليل عليه، ولا تعليل صحيحًا يدل عليه( )، والصحيح في هذا مذهب أبي حنيفة: أنه يجزئ عن كل واحد من الحامل والمحمول، وهو قول في مذهب الحنابلة، استحسنه الموفق، وهو الصواب الذي تدل عليه الأدلة؛ فإن من طاف حاملاً أو محمولاً لعذر - أو لغير عذر على القول الآخر - فإنه قد أدى فريضة طوافه، وقد صدق على كل منهما أنه طاف بالبيت العتيق، يؤيد هذا قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات»( )، وهذان كل واحد منهما نوى الطواف لنفسه وفعله، يؤيد هذا أنه بالاتفاق إذا حمله في بقية المناسك؛ كالوقوف بعرفة ومزدلفة وغيرها، أن النسك قد تم لكل منهما، فما الفرق بينهما وبين الطواف والسعي؟ يؤيد هذا أنه لم ينقل أن أحدًا من الصحابة والتابعين قال: إنه لا يجزئ عن الحامل، وقد وقع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وزمن أصحابه والتابعين قضايا متعددة من هذا النوع، فلم يأمروا الحامل أن يطوف طوافًا آخر وسعيًا آخر، وإذا كان الولي المحرم ينوي الإحرام عن الصبي الذي لا يعقل ما يقوله، ويحضره في المشاعر كلها، ويجزئ عن الجميع، فما بال الطواف والسعي؟!
وهذا القول كلما تدبره الإنسان عرف أنه الصواب المقطوع به.
وأيضًا فإن طواف الراكب على بعير وغيره، يجوز على الصحيح لعذر ولغير عذر، وعلى القول المشهور من المذهب: أنه يجوز لعذر الطواف عن المحمول فجرًا قولاً واحدًا، فما الفرق بين الراكب على الحيوان والمحمول على ظهر الإنسان؟ والحاجة تدعو إلى كل منهما؛ بل الحاجة إلى حمل الإنسان أشد من الحاجة إلى حمل الحيوان؛ بل الحيوانات في هذه الأوقات متعذر دخولها إلى المسجد الحرام، كما هو معروف، والله أعلم، مع أن الحامل إذا نوى عن نفسه كان أحق بوقوعه عنه.(171)
(47) اختلف العلماء في وجوب الإحرام على من قصد مكة وهو لا يريد حجًا ولا عمرة، والصحيح أنه لا يجب عليه أن يحرم، وإنما يستحب له.(173)
(48) من أراد الذهاب إلى مكة بقصد الإقامة في الشرائع؛ فإنه لا يحرم من الميقات، فإذا أراد أن يدخل مكة ويمشي من الشرائع أحرم، إلا إذا كان قصده الحج، فلا يتجاوز الميقات حتى يحرم.(173)
(49) إذا أحرم الجاهل بالحج والعمرة ولبى بهما ونيته وقصده التمتع؛ فالمدار على القلب، ولهذا إذا غلط فلفظ بغير ما نوى من صلاة أو صوم أو طهارة أو حج أو عمرة، فغلطه لا يضره، والمدار على القلب، وقد ذكر هذا الفقهاء رحمهم الله حيث قالوا: ولا يضر سبق لسانه بغير ما نوى، وهذا عام في كل العبادات، وسبق اللسان إما أن يكون نسيانًا أو جهلاً، والله أعلم.(173)
(50) المتمتع هو الذي يحرم بالعمرة في أشهر الحج التي أولها شوال وآخرها ذو الحجة، ثم يحج من سنته، فعليه دم شاة أو سبع بدنة أو سبع بقرة، فإن لم يجد صام عشرة أيام؛ ثلاثة في الحج، وسبعة إذا رجع.
ومثل ذلك القارن، وهو الذي يحرم بالنسكين - يعني بالحج والعمرة - جميعًا، فعليه الهدي المذكور، فإن لم يجد صام عشرة أيام؛ ثلاثة في الحج، وسبعة إذا رجع.
ولكن هذا في حق القادم من مسافة القصر، أي: يومين فأكثر، أما أهل مكة ومن كان قريبًا منها مثل الشرائع وجدة ونحوها، فليس عليه هدي ولا صيام، كما قال تعالى: ((ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام)) [البقرة:196]، واختلف أهل العلم في المقيمين بجدة: هل إذا أحرموا متمتعين أو قارنين عليهم الهدي المذكور، أم أنهم مثل أهل مكة؟ والاحتياط أن يهدوا إذا تمتعوا وقرنوا، وأما المفرد الذي لم ينو إلا الإحرام بالحج وحده، فليس عليه هدي ولا صيام.(173)
يتبع إن شاء الله...