منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم Empty
مُساهمةموضوع: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم   أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم Emptyالأحد 09 ديسمبر 2012, 12:40 am

بسم الله الرحمن الرحيم

أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم Aqeda010

أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم:

الحمد لله الذي خلق وأمر، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وهدىً للبشر، وعلى أصحابه الذين حملوا لواء دعوته فأقاموا بها دولة الإسلام على كل بيت وبر ومدر، وعلى من تابعهم بإحسان إلى أن تقوم الساعة على من جحد وكفر.

وبعد:

فهذا نداء قرآني كريم إلى أهل الإيمان، إلى عباد الرحمن الذين بلغتهم دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم في حال بئيسة من الجهل والضلال، لا مكانة لهم بين الأمم، ولا ذكر لهم في صفحات التاريخ، فأعزهم الله تعالى بهذا الدين، وأنزل فيهم حُكمَه ليكون هدىً لهم ولسائر الناس أجمعين، حيث قال الله تعالى: (يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله وإلى الرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسن تأويلاً) [سورة النساء: آية 59]، فلم يكن لهم من عزٍ إلا بهذا الدين، ولم ينالوا مكانةً بين الأمم إلا بهذا الدين، ولم يكونوا شهداء على باقي الأمم إلا بهذا الدين..

وسر المسألة أن الصحابة رضوان الله عليهم تلقوا هذا الدين بمنطلق التسليم واليقين المطلق بأن ما فيه هو الهدى وما عارضه مما في سواه هو الجهل والضلال، ويوجز لنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما هذا المنطلق فيقول: "إن الله عز وجل بعث إلينا محمداً صلى الله عليه وسلم ولا نعلم شيئاً، فإنما نفعل كما رأينا محمداً صلى الله عليه وسلم يفعل" [صحيح ابن خزيمة 2/72- الأثر رقم 946]..

قلت: وإنما يفعل رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بوحيٍ من السماء كما قال عز وجل: (وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحيٌ يوحى) [سورة النجم آية 3-4]، وإنما الرسل الكرام صفوة الله تعالى من خلقه صنعهم على عينه كما قال لموسى عليه السلام: (ولتُصنع على عيني) [سورة طه آية 39]، فتأمل..

لهذا كان الفلاح كل الفلاح في اتباع هذا الدين، ولا شك أن الاتباع يحتاج مع التصديق إلى الانقياد والمتابعة، ولا طريق لهذا إلا بطاعة الوحي فيما به أمر وعنه نهى وزجر..

ولئن كان التلقي المباشر من الوحي سمة عصر النبوة، فإن شمولية هذا الدين لكل زمان ومكان بعد ختم الرسالة ووفاة النبي صلى الله عليه وسلم تستلزم آليةً لاستمرار الاتصال بالوحي من جهة، والتوقيع عن رب العالمين في إعلام المكلَّفين حكمَ الله تعالى في كل ما يستجد في الحياة من جهة أخرى..

ولئن كانت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم قاصمةً للمسلمين، فإنه صلوات الله وسلامه عليه توفي بعد أن أكمل الله تعالى له الدين وأسس له الدولة التي تحكم به وتقيم حدوده وتدعو إليه العالم بأسره. لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن بلّغ عن الله تعالى، وبعد أن طبق لنا بالمثال العملي المنظومة الإسلامية الكاملة ديناً ودولةً، شريعةً وسياسة..

وهذا الذي نحتاج إلى فهمه اليوم، ولا بد من أن يُفهم الأمر بإقامة الدين على هذا النحو المتكامل الذي تحرس فيه هيبةُ الدولة بيضةَ الدين، ويسوس فيه حكمُ الدين نظامَ الدولة، وفي هذا السياق الذي نؤكد حاجة الأمة إليه اليوم نحاول أن نتدبر الآية التي معنا، ونحاول أن نتلمس سبل الانقياد لما في هذا النداء القرآني من خير، وسبل الوقاية مما يحذر منه من الشر، تحقيقاً لصفة الإيمان على الوجه الصحيح بإذن الله تعالى..

أولاً: أطيعوا الله:

أول أمر توجهت به هذه الآية الكريمة إلى المؤمنين هو الأمر بطاعة الله عز وجل، والمقصود هنا هو الأمر الشرعي، وهو ما جاءنا عن طريق الوحي ليُعلمنا مرادَ الله تعالى منا فعلاً وتركاً، ولا تستقيم دعوى الإيمان من أحد ما لم تقترن بما يدل على صحتها من انقيادٍ لأمر الله تعالى، والتزامٍ لتكاليفه الشرعية التي خاطب بها عباده المؤمنين، وهل يكون مؤمناً بالله إلا من سمع أمر الله تعالى: (قولوا آمنا بالله وما أُنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم) [سورة البقرة آية 136]..

فقال: آمنت بالله وما أنزل إلينا وما أُنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم، وسمع أمر الله تعالى: (وأقيموا الصلاة) [9] فصلى، وسمع أمر الله تعالى: (وآتوا الزكاة) [10] فزكى، وسمع أمر الله تعالى: (ثم أتموا الصيام إلى الليل) [11] فأتم صيامه إلى الليل، وسمع أمر الله تعالى: (وأتموا الحج والعمرة لله) [12] فـأتمهما لله سبحانه وتعالى، وسمع أمر الله تعالى: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا) [13] فقاتل في سبيل الله ولم يعتدِ، وسمع أمر الله تعالى: (وآتوا اليتامى أموالهم) [14] فآتى اليتيم ماله، وسمع أمر الله تعالى: (وآتوا النساء صدُقاتهن نحلة) [15] فآتى زوجه مهرها كاملاً بطيب نفس، وسمع أمر الله تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) [16] فنفذ وصية الله في أولاده كما أمر، وسمع أمر الله تعالى: (الرجال قوامون على النساء) [17]..

فأقام ميزان العدل في بيته بقوامة الرجل على المرأة قِوامة حقٍ دون تعسف ولا ميوعة، وسمع أمر الله تعالى: (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) [18]..

فأقام ميزان العدل في الجراحات بين الناس بالتمكين من حكم الله بالقصاص، وأقام سوقَ الآخرة بقبول العفو بين المؤمن وأخيه المؤمن بعد أن تمكن من حقه ونزع الله سخيمة صدره، ومن سمع أمر الله تعالى: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم) [19]..

فحكم بين الناس بما أنزل الله تعالى ولم يتبع هواه ولا هوى أحدٍ من المخلوقين، ومن سمع أمر الله تعالى: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحدٍ منهما مائة جلدة) [20] فأقام حد الله بجلد الزانية والزاني بأمر الحاكم المسلم أو من ينوب عنه، وسمع أمر الله تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) [21] فغض بصره عما لا يحل له، وسمعت أمر الله تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخُمُرهن على جيوبهن) [22] فضربت الحجاب بينها وبين من لا يحل لها من الرجال، وسمع أمر الله تعالى: (اذكروا الله ذكراً كثيراً. وسبحوه بكرةً وأصيلاً) [23] فلم يزل لسانه رطباً بذكر الله تعالى يسبحه آناء الليل والنهار، وسمع أمر الله تعالى: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً) [24]..

فصلى وسلم على رسوله صلوات الله وسلامه عليه، وسمع أمر الله تعالى: (يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة) [25] فلم يوال عدو الله ولم يلقِ إليه بحبل الود والمحبة، وسمع أمر الله تعالى: (ذلك أمرُ الله أنزله إليكم) [26] فامتثل لأمر الله تعالى وأطاع، هل يكون مؤمناً بالله إلا من سمع هذه الأوامر كلها فأطاع الله تعالى؟

ولقد ذكرنا شيئاً من هذه الأوامر الشاملة لكل نواحي الحياة البشرية من عبادات ومعاملات لنؤكد أن هذا الدين الذي أمر الله تعالى بالإيمان به والانقياد له ليس دين محاريب وصوامع، بل هو دينٌ شاملٌ للحياة بكل نواحيها من عبادةٍ وعلمٍ وعملٍ وعمارةٍ للكون تحت عنوان العبودية الشاملة لله عز وجل.

كما أن هذا الحشد من الأوامر الإلهية وهو قليلٌ من كثير يبين لنا أن الإيمان حقيقة مركبة من القول والعمل، وأنه حقيقة قابلة للزيادة والنقصان بقدر ما يزيد العبد من التزامه بأوامر خالقه أو ينقص منها، ولندرك أن طاعة الله عز وجل ميدانٌ فسيح من ميادين التنافس في العبودية لله عز وجل يشترك فيه المؤمنون في أصل الإيمان، ثم يتفاوتون بمقدار ما يقطعونه في ميدان السبق..

فلا يستوي إيمان من أقام الواجبات دون النوافل والمستحبات مع إيمان من أقام الواجبات والنوافل والمستحبات، ولا يستوي إيماني وإيمان من يقرأ هذه الكلمات اليوم مع إيمان أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وعن غيرهم من الصحابة الكرام الذين حازوا قصبة السبق في مضمار الإيمان الفسيح وثبت لهم الرضا من الله عز وجل وشهد القرآن لهم بالخيرية والرضوان.

إن طاعة الله عز وجل التي تحقق الاستجابة الصحيحة لهذا النداء القرآني هي الطاعة التي يلتزم بها العبد أوامر الله عز وجل، ثم يتعهد نفسه بالتطبيق العملي على قدر وسعه وطاقته، فهو كالحادي الذي يحدو الإبل يسير نحو غاية محددة معلومة لديه لا يبغي عنها بدلاً، ثم مع هذا القصد والغاية يجتهد في تحفيز وتهييج إبله نحو هذه الغاية؛ فكلما كلّت زادها تهييجاً، وكلماً أسرعت زادهاً حماسةً، وإذا تلفتت يمنةً أو يسرةً قوَّم مسيرها، وهكذا العبد المؤمن قد عرف غايته وهي طاعة الله في كل ما به أمر وعنه نهى وزجر..

ثم أخذ نفسه بالحداء يحثها على المسير نحو تلك الغاية؛ فإن كلّت هيجها بالشوق إلى منزلة المطيع لله المنفذ لمراد مولاه، وإذا أسرعت ونشطت زادها حماسة بما ينتظره من الرضوان عند خالقه ومليكه الذي يسير في طاعته، وإن تلهَّت بتلفُّت ذات اليمين أو ذات الشمال فسرعان ما يقوِّمها ويصلح مسيرها، وإن كبت أو زلت فسرعان ما يستنهضها بهمة وعزيمة ليدرك ما فاتها من الخير ويلحق بمن سبقها في المسير، كما قال الله تعالى: (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائفٌ من الشيطان تذكّروا فإذا هم مبصرون) [27].

ثانياً: وأطيعوا الرسول:

وهذا هو الأمر الثاني في هذا النداء القرآني العظيم لأهل الإيمان وهو الأمر بطاعة الرسول، وأول ما يسترعي النظر في هذا الموضع هو تكرار لفظ الطاعة استقلالاً مع الرسول، وما ذلك إلا لأن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شقيقة القرآن الكريم ومثيلته في الحجية والاعتبار.

فليس الأمر مجرد أمرٍ بطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته في جزئيات معينة، بل هي طاعةٌ عامةٌ شاملةٌ لسنته الثابتة الصحيحة في حياته وبعد مماته، قال الإمام الطبري رحمه الله: "والصواب من القول في ذلك أن يقال: هو أمرٌ من الله بطاعة رسوله في حياته فيما أمر ونهى، وبعد وفاته في اتباع سنته، وذلك أن الله عمَّ بالأمر بطاعته، ولم يخصص ذلك في حال دون حال، فهو على العموم حتى يخص ذلك ما يجب التسليم له" [28].

وإن من نظر في القرآن الكريم وجد مصداق هذا الفهم مبثوثاً في آيات كثيرة، فقد قال الله تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم. قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين) [29]؛ أي إن تولوا عن طاعة الله والرسول فقد كفروا، لأن الأمر جاء بطاعتهما، ولو لم يكن لطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم معنى وأثر مستقل لكان الكلام لغواً وهذا محال في كلام الله عز وجل.

وتأمل قول الحافظ ابن كثير رحمه الله: "قال تعالى آمراً لكل أحد من خاص وعام: (قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا) أي تخالفوا عن أمره: (فإن الله لا يحب الكافرين)، فدل على أن مخالفته في الطريقة كفر، والله لا يحب من اتصف بذلك وإن ادعى وزعم في نفسه أنه محب لله ويتقرب إليه، حتى يتابع الرسول النبي الأمي خاتم الرسل ورسول الله إلى جميع الثقلين الجن والإنس، الذي لو كان الأنبياء بل المرسلون بل أولو العزم منهم في زمانه ما وسعهم إلا اتباعه والدخول في طاعته واتباع شريعته"[30]، اهـ.

وقال الله تعالى: (وما أرسلنا من رسولٍ إلا ليُطاع بإذن الله) [31]، وقال تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يُحكِّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلِّموا تسليماً) [32]، وقال الله تعالى: (من يُطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً) [33]، وقال تعالى: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نولِّه ما تولَّى ونصله جهنم وساءت مصيراً) [34]، وقال الله تعالى: (إنما كان قول المؤمنين إذا دُعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون. ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقْهِ فأولئك هم الفائزون) [35]، وقال الله تعالى: (قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حُمِّل وعليكم ما حُمِّلتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين) [36]..

وقال الله تعالى: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذابٌ أليم) [37]، وقال الله تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) [38]، والحاصل أن الأمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم هو أصل الدين الثاني بعد الأمر بطاعة الله عز وجل، وإذا كان طريق طاعة الله تعالى هو التزام القرآن الكريم، فإن طريق طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم هو التزام السنة النبوية، والتحقيق أنه لا فرق بين وجوب الطاعتين، فمن أطاع الرسول فهو مطيعٌ لله تعالى، ومن أراد طاعة الله فلا طريق له إلى ذلك إلا الرسول، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي بلغنا القرآن الكريم عن الله تعالى، وإذا علمت هذا أدركت سر تلازم الشهادتين؛ فمن شهد أن لا إله إلا الله لزمه شهادة أن محمداً رسول الله، فإن كفر بالثانية فقد كفر بالأولى، وبالله التوفيق.

وسأذكر في هذا الموضع موقفاً مهماً من مواقف الصحابة رضوان الله عليهم في تأصيل هذا الركن من أركان الدين، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:" لعن الله الواشمات والمستوشمات، والمتنمصات والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله. فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب، فجاءت فقالت: إنه بلغني أنك لعنت كيت وكيت. فقال: ومالي لا ألعن من لعن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ومن هو في كتاب الله. فقالت: لقد قرأت ما بين اللوحين، فما وجدت فيه ما تقول. قال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه؛ أما قرأتِ: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)، قالت: بلى. قال: فإنه قد نهى عنه. قالت: فإني أرى أهلَك يفعلونه، قال: فاذهبي فانظري، فذهبت فنظرت فلم تر من حاجتها شيئاً، فقال: لو كانت كذلك ما جامعتها" [39].

نعم، هذا هو الموقف الصحيح من السنة الصحيحة؛ إنها شقيقة القرآن ومثيلته في الحجية والاعتبار، وهذا هو الموقف الصحيح من طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إنها في الحقيقة طاعة لله عز وجل، ومن فرَّق بينهما فقد فرَّق بين متماثلين، ومن التزمهما فقد التزم طريق الرشد بلا ريب، ومن زعم أنه يريد إقامة الدين بقصر الناس على القرآن الكريم وترك ما عداه من السنة الصحيحة فهو ضالٌ مضل، وهو كاذب في دعواه التزام القرآن فوق كذبه في دعواه إقامة الدين، وهذه شبهةٌ قديمة قد فضحها الصحابة رضوان الله عليهم..

فعن عمران بن حصين رضي الله عنه أن رجلاً أتاه فسأله عن شيء فحدَّثه فقال الرجل: حدِّثوا عن كتاب الله ولا تحدثوا عن غيره. فقال: إنك امرؤ أحمق؛ أتجد في كتاب الله أن صلاة الظهر أربعاً لا يُجهر فيها، وعدد الصلوات وعدد الزكاة ونحوها، ثم قال: أتجد هذا مفسراً في كتاب الله؟ إن الله قد أحكمك ذلك، والسنة تفسر ذلك" [40]، أي أن القرآن جاء بالمحكمات المجملات والسنة جاءت بالبيان والتفصيل.

ثالثاً: وأولي الأمر منكم:

وأول ما يلفت انتباه المتدبر للآية هنا خلو المعطوف من تكرار فعل الأمر بالطاعة، خلافاً لما تقدم حيث كان المعطوف هو الرسول، وكأني بالمعنى من قوله تعالى (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) أي أطيعوا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم استقلالاً، وأطيعوا أولي الأمر منكم تبعاً؛ أي طالما أطاعوا الله ورسوله، فإن عصوا فلا طاعة لكائن من كان، فكل إنسان يُؤخذ منه ويُرد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولقد أصل خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه لهذا في خطبة البيعة له حيث قال فيها: "أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم" [41]، وهكذا قال أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز: "يا أيها الناس من أطاع الله فقد وجبت طاعته، ومن عصى الله فلا طاعة له، أطيعوني ما أطعت الله، فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم" [42].

ونحن نجد أقوال أهل العلم في تحديد (أولي الأمر) المأمور بطاعتهم يدور حول صنفين اثنين هما: الأمراء والعلماء.

والخطب يسير في الجمع بين القولين بإذن الله، فنقول بتوفيق الله:

إن الأصل في ولاية أمر المسلمين أن تجمع بين أمرين اثنين هما الدين والسياسة، أو قل العلم والإمارة.

قال الإمام الماوردي رحمه الله: "الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا به" [43].

ولا يخفى أن حراسة الدين لا تكون إلا بالعلم الشرعي الصحيح، وأن سياسة الدنيا به تحتاج مع هذا العلم إلى سلطانٍ يزع وهيبةِ حكمٍ تردع، ولقد تحقق اجتماع هذين الأمرين معاً بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حكم الخلفاء الراشدين رضوان الله تعالى عليهم، ثم مضى عهد الخلافة الراشدة ولكن بقيت دولة الإسلام قائمة تتحاكم إلى شرع الله تعالى ولا تعرف لها دستوراً سواه في الحكم والقضاء، ولكن افترق في شخص الحاكم مقامُ الإمارة عن مقامِ العلم، وكان هذا الافتراق متفاوتاً بين حاكمٍ وآخر، ولربما جاء حكم بعض أولي الأمر جامعاً بين الوصفين حيناً أو مبايناً لهما تمام التباين حيناً آخر، فإذا حصل هذا الاجتماع تحقق للناس الأمران وهما: حفظ الدين وسلامة الأمن العام لدولة الإسلام..

وإذا حصل الافتراق تحقق الأمن العام للدولة الإسلامية من خلال شوكة الحكم على ما في الحاكم من فسق أو جور أو ظلم أو جهل بالدين، وتحقق حفظ الدين من خلال أهل العلم الأمناء على ميراث النبوة رغم ما قد يعتريهم من ضعف الشوكة أو حتى حيف السلطان عليهم، ولم يكن للناس مندوحةً آنذاك عن حفظ عقد البيعة للسلطان المسلم حفظاً لهيبة الدولة وأمنها، وعن حفظ مقام العلماء والرجوع إليهم حفظاً للدين عن عبث السلاطين، إذ أن ضياع السلطة مفسدة للدين والدولة، وضياع أهل العلم ضياع تام لهما لا محالة.

وتأمل هذه الأبيات البليغة لعبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى:

رأيت الذنوبَ تُميت القلوب

وقد يورثُ الذلَّ إدمانُها

وتركُ الذنوبِ حياةُ القلوب
وخيرٌ لنفسك عصيانُها

وهل أفسد الدينَ إلا الملوك
وأحبارُ سوءٍ ورهبانُها

إذا تبين ذلك، فليُعلم أن قول المفسرين في المقصود بطاعة أولي الأمر أنه الأمراء أو العلماء هو في الحقيقة شاملٌ لهما من حيث اعتبار جهة استحقاق الطاعة؛

• فجهة الإمارة تستحق الطاعة لحفظ نظام الجماعة المسلمة وأمن الدولة الإسلامية، لأن ذلك وسيلة لازمة لإقامة شعائر الدين الظاهرة من عصمة الدماء والأعراض والأموال وتأمين معايش الناس وسبلهم والحكم بينهم بما أنزل الله، وإقامة الحدود، وعقد ألوية الحج والجهاد وإقامة العلاقات مع الدول غير الإسلامية دعوةً إلى الإسلام، أو هدنةً، أو ذمةً، أو حرباً وغير ذلك مما لا يقوم إلا بالإمام.

• وجهة العلم تستحق الطاعة من جهة أن العلماء الربانيين هم المبلغون عن الله عز وجل والموقعون عنه، الوارثون لعلم النبوة فهم وسيلة حفظ هذا الدين من الشبهات والزيغ والضلال، وهم الوازع للأمة الإسلامية والمراقب لسيرها على وفق منهاج الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

فإن اجتمعت الجهتان أي الإمارة والعلم في الحاكم فبها ونعمت، وإن افترقت الجهتان كانت طاعة الحاكم المسلم من الوجه الذي ذكرنا فيما لا معصية فيه لله ورسوله، وطاعة أهل العلم فيما ائتمنوا عليه من الدين، وإن الحاكم المسلم يدخل دخولاً أولياً في طاعة العلماء كما يدخل العلماء دخولاً أولياً في بيعة الحاكم المسلم، لأنهما قوام الدولة الإسلامية والناس سواهم تبعٌ لهم، والله الموفق.

رابعاً: الرد إلى الله ورسوله عند التنازع:

إن عمل الحاكم والعالم المأذون به شرعاً لا يخرج عن كونه عملاً بأمرٍ محكم أو اجتهاداً في أمرٍ مشتبه، فإن خرج عن ذلك فقد خرج عن المأذون، ووقع تبعاً للشبهات أو الشهوات أو تبعاً لهما، وحيث تعددت الشبهات والشهوات عند الناس تتعدد وتختلف الآراء ويحصل التنازع، وعندها ينتصب ميزان الحق حيث قال الله تعالى: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله وإلى الرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسن تأويلاً) [44]، نعم هذا هو ميزان الحق عند من يؤمن بالله واليوم الآخر، فالذي يؤمن بالله لا يرى مرجعيةً سوى شرعه ودينه، والذي يؤمن باليوم الآخر لا يصر على مخالفة الشرع متى تبين له أن الحق في غير ما التزمه.

إن الأمر بطاعة أولي الأمر إذاً مسؤولية كبرى على المأمور بالطاعة وعلى المأمور بطاعته..

• فالمأمور بالطاعة عليه أن يتحرى طاعة أولي الأمر من الأمراء والعلماء ما لم يؤمر بمعصية، فإن أُمر بمعصية فلا ولا كرامة، ولكن لا يعني هذا الإفضاء إلى الفتنة والتهارج كلا، فالأمر يتبعض بلا ريب، وإلا فمَن الذي يسلم من الزلل. وتأمل معي هذا الموقف السامي لأمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه: فعن عبيد الله بن عدي بن خيار أنه دخل على عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو محصور [45] فقال: "إنك إمامُ عامة، ونزل بك ما ترى، ويصلي لنا إمامُ فتنةٍ ونتحرج" فقال: "الصلاة أحسن ما يعمل الناس، فإذا أحسن الناس فأحسن معهم، وإذا أساؤوا فاجتنب إساءتهم" [46]..

فتأمل هذا الفقه الدقيق والورع الشديد في حفظ عماد الدين وهو الصلاة، وحقن دماء المسلمين مع كونه هو المظلوم صاحب الحق، والشاهد هنا على كل حال قوله رضي الله عنه: "فإذا أحسن الناس فأحسن معهم، وإذا أساؤوا فاجتنب إساءتهم"، وهكذا مع الأمراء والحكام المسلمين، فالأصل العام ألا تنزع يداً من طاعة، ثم تفصيل الأمر الدوران مع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم عند التنازع والاختلاف.

• وأما المأمور بطاعته وهم الحكام المسلمون وأهل العلم الربانيون فلعمري إن المسؤولية عليهم ثقيلة والأمانة الملقاة على عاتقهم عظيمة، لأنهم مأمورٌ لهم بطاعةٍ مشروطةٍ بالتزامهم هم بالطاعة لله والرسول صلى الله عليه وسلم، فليس الأمر لهم بالطاعة حصانةً أو إعفاءً لهم من المسؤولية، وإنما هو حفظ لدولة الإسلام من انفراط عقدها وانكسار شوكتها وتضييع دينها.

وهنا كلمة لا بد منها في واقعنا المعاصر وهي أن المسؤولية الكبرى اليوم هي على عاتق العلماء، فكل مخالف للشرع اليوم حكاماً ومحكومين يمكن التماس العذر له بالجهل أو الإكراه أو التأويل الفاسد، ولكن أيُّ هذه الأعذار يقوم للعلماء بين يدي الديان يوم القيامة؟ إن مسؤولية العلماء اليوم هي المعترك، إذ كلٌ يستطيع أن يعتذر بهم وأنهم سكتوا عن الحق وأقروا المنكر ولو بصمتهم ولكن بمن يستطيع العلماء أن يعتذر؟ وتأمل هذه الكلمات البليغة لأحد العلماء الزهاد في رسالة له يعظ فيها معاصريه حيث قال فيها: "فإن الكتاب لا ينطق حتى يُنطق به، وان السنة لا تعمل حتى يُعمل بها، فمتى يتعلم الجاهلُ إذا سكت العالم فلم يُنكر ما ظهر ولم يأمر بما تُرك..

وقد (أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه) [47]، اتقوا الله؛ فإنكم في زمانٍ رقَّ فيه الورع، وقلَّ فيه الخشوع، وحمل العلمَ مفسدوه فأحبوا أن يُعرفوا بحمله، وكرهوا أن يُعرفوا بإضاعته، فنطقوا فيه بالهوى لما أدخلوا فيه من الخطأ، وحرّفوا الكلم عما تركوا من الحق إلى ما عملوا به من باطل، فذنوبهم ذنوبٌ لا يُستغفر منها، وتقصيرهم تقصيرٌ لا يُعترف به، كيف يهدي المستَدَلُ المسترشِدَ إذا كان الدليلُ حائراً؟ أحبوا الدنيا وكرهوا منزلة أهلها، فشاركوهم في العيش وزايلوهم بالقول، ودافعوا بالقول عن أنفسهم أن ينسبوا إلى عملهم، فلم يتبرءوا مما انتفوا منه، ولم يدخلوا فيما نسبوا إليه أنفسهم" [48]، اهـ.

فالله الله أيها العلماء، انطقوا بالكتاب واعملوا بالسنة وانصحوا للحكام والمحكومين، فإن سكتم على انحراف الحكام فلا تستبعدوا أن يكونوا أسعد بالحجة منكم أمام الله تعالى يوم القيامة إذا قالوا في جواب سؤال: لم عملتم؟ قالوا: ربنا عملنا فلم يُنكر علينا العلماء الموقعون عنك الوارثون لعلم النبوة الذين استحفظتهم على الدين، بل إنهم أقرونا على ما كنا نقول ونعمل. فإذا أحيل السؤال عليكم أيها العلماء فكيف الجواب عن هذا؟

إن المجتمع المسلم مجتمع بشري غير معصوم عن الخطأ، ولا منزه عن العيوب والمعاصي، ولكن الذي يميز هذا المجتمع عن غيره هو تحاكمه إلى شريعة الله عز وجل، والذي يميز هذا المجتمع أن الكل فيه سواء أمام القانون الرباني حقيقةً خلافاً للزيف الذي يدعيه أتباع النظم الوضعية من أن الجميع سواء أمام القانون الوضعي، وكيف يكون جميع أفراد المجتمع سواء أمام القانون الوضعي وهو من وضع بعض أفراد هذا المجتمع الذي يفترض أنهم سواء مع غيرهم أمام هذا القانون الذي وضعوه بأنفسهم!

إن المجتمع المسلم مجتمع نظر إلى قول الله تعالى (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله وإلى الرسول) نظرة (إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) واستجابوا استجابة من علم أن (ذلك خيرٌ وأحسن تأويلاً)، لقد استجابوا استجابة من أذعن لقول الله تعالى: (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقومٍ يوقنون) [49] أي لا أحد أحسن من الله حكماً، ولكن لا يؤمن بهذا إلا من آمن بالله العليم الحكيم الخبير، وآمن باليوم الآخر الذي يرد فيه العباد إلى رب العباد ليُروا أعمالهم، وليُروا كيف استجابوا لأمر ربهم بطاعته، وتحكيم شريعته، ونبذ ما سواها، وعدم إشراك أحد مع الله تعالى في حكم ولا وتشريع.

فإذا عُلم هذا فإن الواقع الذي تعيشه الأمة الإسلامية اليوم واقعٌ مؤسف بسبب عزوف الأمة عن التحاكم إلى شرع الله عز وجل، ولا أقصد في هذا الموضع الانزلاق إلى حدية مصطلحات التكفير المتعلقة بالتحاكم إلى غير شرع الله، لأن هذا المنزلق يوهم أن الخلل واقع في جهة واحدة من المجتمع هي جهة الحكام، في حين أن تشخيص واقعنا المعاصر يحكي خللاً أعم من ذلك، إنه خلل في جهتي المجتمع حكاماً ومحكومين، تماماً كما بينّا أن الخلل اليوم متناول لجهتي استحقاق الطاعة وهم الأمراء والعلماء، فكذلك هو اليوم متناول لجهتي المجتمع حكاماً ومحكومين، فكم من المحكومين اليوم يتوق حقاً إلى تحكيم شرع الله ومخالفة داعية هواه؟ وكم من المحكومين اليوم ينغص عيشَه تركُ التحاكم إلى الله أشد مما ينغصه نقصُ مأكل ومشرب ومسكن ومنكح ومرتبة ورياسة؟!

والمطلوب هنا أن نتحول من منطلق التنابز والتقاذف بالتهم إلى منطلق التناصح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر؛ نتناصح فنخلص في بيان كفر التحاكم إلى غير شرع الله دون أن ننزلق إلى التكفير والتقاتل والتهارج غير المنضبط، ونتواصى بالحق فلا نداهن أحداً على حساب شرع الله فنسمي المعروف معروفاً والمنكر منكراً بضوابط الحسبة الشرعية، ونتواصى بالصبر لأن هذا الطريق شائك ومحفوف بالفتنة والأذى والعبء فيه متفاوت بين درجة العامة والخاصة وبين درجة طلاب العلم وأهل الحل والعقد من علماء الأمة.

وأنبه على أن من اعتقد أن كائناً من كان من أفراد المجتمع بعيدٌ عن أن تصيبه رحمة الله فيستجيب إلى هذه الدعوة فينقطع عن دعوته لأجل ذلك فقد وقع في مكيدة إبليسية محكمة، وليعلم أن الذي يصده عن دعوة كائن من كان إلى الانقياد إلى حكم الله أحد أمرين: إما سوء ظن بالله أنه لا يهدي مثل هذا، أو خوف من غير الله يصده عن قول كلمة حق عند سلطان جائر فيتذرع بمثل هذا الكلام، ولا يضر وجودُ هذين الدائين إلا صاحبَه، فليدع ما هو فيه وليهتم بمداواة نفسه، أما أن يدفعه هذان الداءان إلى تنكب سبل غير مشروعة للتغيير فيأخذ زمام الأمور بيده دون مراعاة لفقه الإنكار وفقه التغيير وفقه المصالح والمفاسد، فهذا والله الذي جر على الأمة كثيراً من الفتن، وضيع كثيراً من الحق، ولبَّس كثيراً من المسائل على الناس، والله المستعان.

الخلاصة:

إن أكذوبة الحرية التي يروج لها اليوم ضمن حزمة المبادئ الحضارية الخادعة ليست إلا نوع تلبيس بلفظ مجمل يشمل حقاً وباطلاً؛ نعم إن الحرية قيمة إنسانية تجعل الإنسان مسؤولاً عن تصرفاته اعتقاداً وقولاً وفعلاً، ولكنها بهذا المعنى ليست انفلاتاً مطلقاً من كل ضابط أو حد، فلئن كان المقصود بالحرية التخلية بين الناس والاختيار بين سبيل الرشد وسبيل الغي بعد أن تبين كل منهما دون إكراه فهذا -مع العقل- هو مناط التكليف، ولأجل تحقيق هذه الحرية شرعت الدعوة إلى الله والجهاد في سبيل الله.

ولئن كان المقصود به التحرر من التزام العبد تجاه خالقه سبحانه وتعالى، وتجاه دعوة الرسل، وتجاه نظام المجتمع الإسلامي الذي يسوسه الحاكم المسلم ويرشد مسيره العالم المسلم، فذلك هو الكفر بالله، وذلك خلع ربقة الإسلام، وهذا هو الخطر الحقيقي الذي يسير بالمجتمع إلى الهاوية.

لقد اشتمل هذا النداء الإيماني العظبم على منظومة متكاملة تتعلق بمرجعية السلطة في الدولة الإسلامية، وهي مرجعية متوازنة تحقق الأمن العلمي والأمن العملي للمجتمع المسلم، وفي ضوء هذا التوازن المصلحي الدقيق يجب أن يتحرك المسلم اليوم..

وأوجز فيما يلي بعض العبر والفوائد من هذه الآية الكريمة:

1. إن الطاعة المطلقة هي لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم.

2. إن طاعة ولي الأمر المسلم حاكماً كان أم نائباً أم وكيلاً عنه فيما أقامه فيه ملزمةٌ شرعاً طالما هي في حدود ما أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فإذا أمر بمعصية فلا طاعة في هذه المعصية ولا يستلزم ذلك خلع الطاعة العامة.

3. كل واحد من المخلوقين يؤخذ منه ويُرد ما عدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما أمر به كالذي أمر الله تعالى به، وما نهى عنه فكالذي نهى الله عنه.

4. إن مسؤولية ولاة الأمر المسلمين مسؤولية علمية ومسؤولية عملية؛ فبالأولى يحفظ الدين، وبالثانية يحفظ أمن الجماعة المسلمة. فإذا تحقق المناطان في الحاكم المسلم أو نائبه فهذه هي الصورة الأكمل، وإن افترقت الصورتان حفظ لولي الأمر المسلم حق الطاعة حفظاً لأمن الدولة المسلمة، وتحقيقاً للمقاصد التي لا تتحقق إلا بالإمام والحاكم المسلم والتي لا بد منها لحفظ معايش الناس، وقام أهل العلم من العلماء الربانيين بسد الثغرة العلمية فينصحون لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، ويكونون المرجعية الشرعية لهم، وبهذا يتكامل نظام المجتمع المسلم.

5. لا منجاة من هاوية التفرق والتشرذم، ولا طريق لحفظ الأمن والإيمان إلا بالاستجابة لهذا النداء القرآني العظيم: (يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله وإلى الرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسن تأويلاً) [50].

فالله نسأل أن يوفقنا لطاعته وطاعة نبيه صلى الله عليه وسلم، والله نسأل أن يوفق من ولاه شيئاً من أمر المسلمين أن يحكم بشرع الله، وأن يوفق من ورث شيئاً من أثر النبوة أن يقوم بأداء أمانته بحق، وأن يوفق عامة المسلمين إلى حسن الطاعة لمن أطاع الله ورسوله، وحسن المخالفة لمن عصى الله ورسوله، وأن يبرم لهذه الأمة أمر رشد يُعزُّ فيه أهل طاعته، ويُذلُّ فيه أهل معصيته، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجميعن، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الهوامش:

[9] سورة البقرة – آية 43


[10] سورة البقرة – آية 43

[11] سورة البقرة – آية 187

[12] سورة البقرة – آية 196

[13] سورة البقرة – آية 190

[14] سورة النساء – آية 2

[15] سورة النساء – آية 4

[16] سورة النساء – آية 11

[17] سورة النساء – آية 34

[18] سورة المائدة – آية 45

[19] سورة المائدة – آية 49

[20] سورة النور – آية 2

[21] سورة النور – آية 30

[22] سورة النور – آية 31

[23] سورة الأحزاب – آية 41-42

[24] سورة الأحزاب – آية 56

[25] سورة الممتحنة – آية 1

[26] سورة الطلاق – آية 5

[27] سورة الأعراف – آية 201

[28] تفسير الطبري – 5/147

[29] سورة آل عمران – آية 31-32

[30] تفسير ابن كثير – 1/359

[31] سورة النساء – آية 64

[32] سورة النساء – آية 65

[33] سورة النساء – آية 80

[34] سورة النساء – آية 115

[35] سورة النور – آية 51-52

[36] سورة النور – آية 54

[37] سورة النور – آية 63

[38] سورة الحشر – آية 7

[39] صحيح البخاري – كتاب التفسير – باب (وما آتاكم الرسول فخذوه) – حديث (4886)، وقوله: ما جامعتها: أي ما اجتمعنا (الفتح -9/620).

[40] مسند ابن المبارك – 1/143

[41] مصنف عبد الرزاق – 11/336 – رقم الأثر 20702

[42] صفة الصفوة – ابن الجوزي – 2/115

[43] الأحكام السلطانية – الماوردي – 1/13

[44] سورة النساء – آية 59

[45] أي محاصرٌ في الفتنة التي قُتل فيها شهيداً عدواناً وظلماً رضي الله عنه وأرضاه.

[46] صحيح البخاري – كتاب الأذان – باب إمامة المفتون والمبتدع – حديث 695.

[47] سورة آل عمران – آية 187

[48] سنن الدارمي – 1/168 – من رسالة عباد بن عباد الخواص الشامي إلى بعض إخوانه.

[49] سورة المائدة – آية 50

[50] سورة النساء – آية 59



أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مع الرسول صلى الله عليه وسلم ( الرسول داعيا – 1 )
» زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم
» مع الرسول صلى الله عليه وسلم (وفد عبد القيس-2)
» أطفالنا وحب الرسول صلى الله عليه وسلم
» من دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الأحداث الفارقة في حياة الدول :: ثـورة 25 ينـاير 2011م :: مقالات في الثورات العربية-
انتقل الى: