ضيف الحلقة :
الشيخ عبد الوهاب الطريري ( الرياض - السعودية )
موضوع الحلقة :
مع الرسول صلى الله عليه وسلم ( الرسول داعيا – 1 )
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وحياكم الله أيها الأخوة والأخوات والأبناء والبنات حياكم الله مع لقاء يتجدد ، يتجدد مع أنفاس النبوة وأنوار الرسالة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نلتقي هذا اللقاء مع من أرسله ربه شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا مع من أنزل الله عليه ( ادعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ) مع من قال ( هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة ) مع الرسول في دعوته ولكن قبل ذلك إجابة قول الله عز وجل ( يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه مع الرسول في دعوته من أين نبدأ من هناك حيث جبل شامخ في أرض قفر النبات ومحمد في فؤاد الغار فيتنزل عليه الوحي ويفجأه روح القدس في لحظة مهولة ينتقل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم من كونه بشرا يمشي مع البشر كغيره من الناس إلى بشر يستقبل تحمل أعباء مهمة هي أعظم مهمة تحملها بشر إنها أعباء الرسالة وتكاليف النبوة ومسئولية إنقاذ البشرية كلها من النار تنزل الروح القدس على رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار حراء وكانت لحظة مهولة فاجأه فيها الوحي فلما عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد إلى بيته وهو مكروب خائف من هذه اللحظة المهولة التي تلقى فيها أعباء الرسالة ومسئولية إنقاذ البشرية فعاد إلى بيته ترجف بوادره ترعد فرائصه هذه اللحمة التي بين المنكب والعنق ترعد من شدة الخوف لمواجهة هذه المسئولية عاد صلى الله عليه وسلم إلى أهله إلى المرأة الفقيهة العالمة والزوجة الرؤوم الحنون خير مأوى لرسول الله صلى الله عليه وسلم عاد إليها ليقول لقد خشيت على نفسي فإذا بهذه المرأة الفقيهة خديجة عليها مرضاة ربي وسلامه إذا بها تقول له باستقراء تاريخي ، باستقراء تاريخي لسنن الله عز وجل مع البشر( والله لا يخزيك الله أبدا ) والله لا يخزيك الله أبدا يمين تقولها بغاية الوثوق والله لا يخزيك الله أبدا فما هي المؤهلات لهذه العصمة من الخزي ماهي المؤهلات التي استقرأتها خديجة عليها مرضاة ربي وسلامه يوم قالت بيقين ووثوق ويمين بارة والله لا يخزيك الله أبدا لنستمع إلى المؤهلات إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتقري الضيف وتكسب المعدوم وتعين على نوائب الحق خمس خصال جميلة كريمة وافية اجتمعت فيك ومن كان هذا حاله فإنه لا يخزى لا يتخلى الله عنه ولا يسلمه ولا يخزيه خمس خصال لذا تأملها :
إنك لتصل الرحم وتقري الضيف وتحمل الكل الأمر الشاق الذي يشق بالناس تحمله عنهم الإنسان الذي لا حيلة له فهو كل تحمله وتعينه وتكسب المعدوم فيوجد عندك ما هو معدوم عند غيرك يكسبه الناس منك وتعين على نوائب الحق وهي كلمة جامعة لهذه الخصال الكريمة الجميلة فكل ينوب الحق أنت تعين عليه إن هذه الخصال الكريمة الوافية تعدها خديجة صفات ومؤهلات في رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت راسخة فيه قبل أن يتنزل عليه الوحي وقبل أن تلقى إليه أعباء الرسالة كانت هذه الخصال الشريفة المنيفة متمثلة فيه وهنا نتلمس معنى جليا براقا مشرقا لمحته خديجة بفقهها وعبقريتها وهو أن الرسالة تنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه مؤهلات لتلقي الرسالة ومن أوضحهها خصال المروءة فكانت في رسول الله صلى الله عليه وسلم خصال المروءة التي عددتها خديجة تبني حال الناس تبني قضاياهم نفس شريفة كريمة لا ترى خلة إلا سدتها ولا حاجة إلا أعانت عليها ولا فاقة إلا سترتها ولا لهفة إلا أغاثتها خصال فيها التفاؤل مع الناس قضاء حوائجهم نفعهم برهم كانت هذه الخصال في النفس الكريمة نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تتنزل رسالة الله عليه ولذلك رأت فيها خديجة عليها مرضاة ربي وسلامه مؤهلات لا يخزى من كانت فيه وهذا المعنى مما نحسب أنه موجود في رسل الله الذين يبلغون دعوته وإذا كان هذا واضحا في سمة محمد صلى الله عليه وسلم قبل نبوته فهو أيضا واضح وجلي في سيرة أنبياء الله وانظر هذا المشهد يقصه الله عز وجل عن نبيه موسى عليه السلام ( ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونه امرأتين تذودان) مشهد رجال أقوياء يزدحمون على الماء وامرأتان قد انتبذتا وابتعدتا عن الناس فلا طاقة لهما بزحام الرجال فسألهما ما خطبكما فأجابت المرأتان جوابا حييا يبين الحال ويعتذر عن حضورهما مع الرجال نحن لا نسقي حتى يصدر الرعاع وما جاء بكما وأبونا شيخ كبير كأنهما تقولان لو كان قويا لجاء ولم نأتي ونحن امرأتان ضعيفتان ولكن ضعف أبينا وشيخوخته وكبره جاء بنا إلى هنا وضعفنا أقصانا عن المورد فلا نسقي منه حتى يصدر الرعاع وتتساءل وتتعجب ولا ينقضي العجب كل هؤلاء الذين وردوا على المورد لم يساءلوا هاتين المرأتين لم يغيثوا لهفتهما لم يقضوا حاجتهما إنما تركوا هاتين المرأتين منتبذتان مكانا قصيا أما موسى عليه السلام الذي جاء طريدا خائفا جاء مجهدا مكدودا جاء من مسافة بعيدة ومع ذلك أبت عليه شهامته مروءته وأريحيته ونفسه الكريمة أن يرى هذا المشهد ثم لا يتساءل ولا يتعجب ولم ينقضي دوره أن تساءل ولكن جاءت الآية بتعبير جميل ( فسقى لهما ) الفاء تقتضي التعقيب والترتيب بمجرد أن سألهما سقى لهما سقى لهما وفرج لهفتهما ورحم ضعفهما ولم تحتمل نفسه رؤية ضعف المرأتين أمام قوة الرجال فسقى لهما وهو المجهود المكدود الخائف الجائع الفقير إلى كل خير يأتيه من ربه وهذا يبين ويكشف هذه النفس العظيمة الكريمة التي صنعت على عين الله ولتصنع على عيني .
أيها الأخوة والأخوات والأبناء والبنات يا كل محب لرسول الله متبع لدينه إن هذين المشهدين يكشفان أن أصحاب الدعوات هم أصحاب النفوس الكريمة والقلوب النبيلة وأن الذي يتحمل دعوات الرسل ينبغي أن يحمل أيضا خصالهم يتبنى حاجات الناس يتبنى قضايا الناس يغيث اللهفة يقضي الحاجة يبسط نفسه للناس وهكذا كان أصحاب التأثير من علماء الأمة الربانيين الذين كان لهم حضور في حياة الأمة وكانوا دعاة حق وكان لدعوتهم أثر في حياة الناس ، شعبة بن الحجاج أمير المؤمنين في الحديث ومن العلماء الدعاة والدعاة العلماء يصف الناس حاله أنه كان سخيا بعلمه سخيا بحاله بما يجد على قلة ما يجد حتى أنه جاءه يوما مسكين يسأله فدخل بيته فلم يجد إلا عجينا قد عجن ليخبز فأخذه فأخرجه فدفعه إليه ولو كان يجد غيره لتصدق به ، شيخ الإسلام ابن تيمية وتبنيه لقضايا الناس كان عجبا من العجب يسجن فيذهب فيغيث لهفته ويخرجه من سجنه يهجم التتار فيتبنى قضايا الناس ويذهب يستنجد السلاطين لنصرة أهل الشام وقصصه في البذل والكرم شهيرة معروفة ثم شاء الله أن ترى أعيننا مشهدا من مشاهد العلماء الربانيين الذين عاشوا هذا المعنى بوضوح وجلاء وكان سماحة شيخنا العلامة الداعية الإمام الشيخ عبد العزيز بن باز فما رأت أعيننا على كثف من رأت أكثر منه بسطا للنفس لحاجة الناس ولهفة إلى قضاء لهفات الناس وإغاثة لهفات الناس فكان داعية ولكنه مع دعوته تبنى قضايا الناس يغيث الملهوف يقضي الحاجة يقري الضيف فانحطم الناس إليه فوسعهم بره ووسعتهم مروءته ووسعهم كرمه فكان الداعية المؤثر الذي قبس من أخلاق النبوة الدعوة وأخلاق الداعية فيا كل داعية إلى دعوة محمد صلى الله عليه وسلم إن من مؤهلات الدعوة ما رأيت خبره تبني قضايا الناس إغاثة لهفاتهم بسط النفس لهم الاندماج معهم الانجذاب إليهم لينجذبوا إليك قضاء حوائجهم وتبني همومهم وإغاثة لهفاتهم وإن الناس تنجفل قلوبهم إلى من انجفل إليهم هذا المعنى الجلي يشرق علينا من سيرة محمد صلى الله عليه وسلم قبل نبوته وبعد نبوته (فيا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.