ضيف الحلقة :
الشيخ عبد الوهاب الطريري -الرياض
موضوع الحلقة :
مع الرسول صلى الله عليه وسلم (وفد عبد القيس-2)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، حياكم الله أيها الأخوة والأخوات والأبناء والبنات لنستتم الخبر الذي بدأنا بدأه في الحلقة الماضية وكان يقتص خبر وفد عبد القيس كيف وصلهم الإسلام مع منقذ بن حيان الذي لقيه النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة واحتفى به وسأله عن قومه وأشرافهم قبل أن يعرض عليه الدين حتى إذا أنس برسول الله صلى الله عليه وسلم وألفه وفتحت مصاريع قلبه له إذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يعرض الدين على نفس متهيئة لتقبله واستقباله فأسلم منقذ بن حيان رضي الله عنه وحمل رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومه وعرضها أول من عرضها عليه على المنذر بن عائض سيد قومه أشج عبد القيس فأسلم وأسلموا ثم جاؤوا تسير بهم بطاح الجزيرة العربية من شرقها إلى غربها من الأحساء إلى المدينة النبوية هذه المسافة الواسعة الشاسعة سالت بهم بطاحها ووهادها لا حاجة لهم ولا أرب إلا أن يلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي آمنوا به واتبعوه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه وإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم لما علم بنبأ قدومهم وقربهم من المدينة يهيء أصحابه لاستقبالهم إذا أقبلوا وقدومهم إذا قدموا فيقول سيأتيكم وفد عبد القيس غير ناكثين ولا مبدلين ولا مرتابين ما أسلم قوم حتى وتروا إلا هم كأنما يريد النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل أن يهيء أصحابه لاستقبالهم بما يليق بمن قدموا إليهم من هذه المسافة البعيدة والشق الشاسعة ليستقبلوا بما يليق بقدومهم إذا قدموا وإقبالهم إذا أقبلوا ، قدم وفد عبد القيس فما إن استبانت لهم المدينة النبوية التي تكن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى غلبتهم أشواقهم فاندفعوا من مطيهم وإبلهم يعدون سراعا ليلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولتتروى عيونهم الظمأى من محياه المنور المبارك صلوات الله وسلامه وبركاته عليه إلا أن المنذر بن عائض سيدهم لم يفعل كما فعلوا ولكن كان يزينه الأناة فإذا به يمسك الركاب التي اندفع أصحابها منها فيعقلها ثم يخرج من شملته ثوبين جديدين ثم يغتسل ويتهيأ ثم يلبس ثوبين جديدين فيلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد أن وصل قومه كلهم إليه في حال من التهيؤ والاستعداد واللباس الحسن وبعد أن عقل إبل قومه وهيأها وصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان في تصرفه غاية الأناة ، الأناة والروية في ما عمل فقدموا إلى رسول الله وجلسوا إليه وقالوا يا رسول الله إنا نأتيك من شقة بعيدة وبيننا وبينك أحياء من الكفار لا نستطيع أن نأتيك إلا في الشهر الحرام فأمرنا بأمر فصل نلزمه في أنفسنا وندعو إليه وإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يعجب بهذا الفقه في المسألة ، بهذا الفقه في المسألة أمرنا بأمر فصل نلتزم به أنفسنا وندعو به غيرنا فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بجوامع الإسلام وقال لهم آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع وأخبرهم بشرائع الدين وعرض عليهم هذه الشرائع فالتزموها وعرفوها أمرهم بشهادة أن لا إله إلا الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وأن يؤدوا الخمس من المغانم ونهاهم عن أنواع من الأواني التي ينتبذ فيها فالناس في ذلك الوقت حديثوا عهد بتحريم الخمر فنهاهم عن الانتباذ في الآنية التي يسارع النبيذ فيها إلى التخمر ثم انتقل النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إلى أمر
آخر فقال تبايعونني على الإسلام أنتم ومن وراءكم قالوا نعم يا رسول الله وإذا بأشج عبد القيس المنذر بن عائض الذي كان عنده الأناة والروية يقول يا رسول الله وكأنما يستدرك على قومه بقولهم نعم نبايعك عنا وعن من وراءنا إذا به يستدرك على قومه فيقول يا رسول الله إنك – تأملوا في عقل هذا الرجل – إنك لن تحاول أمر رجلا عن شيء كما تحاوله عن دينه يعني هذا أمر شاق أن نحاول الناس عن أديانهم ولكن نبايعك عن أنفسنا نحن وسندعو من وراءنا وسندعو من وراءنا فمن اتبعنا فمن آمن بدعوتنا واتبعنا فهو منا ومن أبى قاتلناه فأعجب النبي صلى الله عليه وسلم بهذا العقل فأقبل على أشج عبد القيس وسيد عبد القيس المنذر بن عائض قائلا إن فيك لخصلتين يحبهما الله ماهما يا رسول الله الحلم ( العقل) والأناة (الروية) قال يا رسول الله خلقان تخلقت بهما أم الله جبلني عليهما قال بل الله جبلك عليهما قال الحمد لله الذي جبلني على ما يحبه الله ورسوله.
أيها الأخوة والأخوات والأبناء والبنات هذه القصة فيها مشاهد كثيرة معبرة ولها دلالة لابد أن نقف عندها لكني أقف مع أمرين مهمين الأمر الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعو دعوته ويبلغ رسالته كان يحسن التأتي يحسن فتح أغاليق القلوب لم يكن يلقي الدعوة وكأنما هي عبئ يلقيه وتنتهي مسئوليته له ولكن يتلطف غاية التلطف ويتألف المدعو غاية التألف وكأنما هذا إنجاز يريد أن ينجزه على أتم وجه كأنما هذا المدعو إدخاله في الدين إنجاز فخم لابد أن يحتفي به ويستعد له ويأتيه من جميع السبل المناسبة له ، انظر إليه مع دعوته لمنقذ بن حيان حال التلطف حسن التأتي المنقذ بن حيان فيناديه باسمه ثم كيف جميع هيئتك كيف أحوالك كيف فلان وكيف فلان من أشراف قومه فيسأله عن أهله ويسأله عن عشيرته ويسأله عن أشراف قومه هذا السؤال لإنسان غريب يفعل فعل السحر في إنسان يعيش في غربة فإذا به يجد من يسائله عن أموره وعن حاجاته وعن قضاياه ويقبل عليه ويسأله عن أشراف قومه ويسأله عن قومه وعن عشيرته هذا الاهتمام وهذه الحفاوة فعلت فعلها في نفس منقذ بن حيان فلذلك لما دعي دعي من حفي به دعي ممن اهتم بشؤونه إن الدعوة كانت جزءا من اهتمامه به إن الذي دعاه دعاه وهو مهتم به حفي به ولذلك تلقى الدعوة وتقبلها بقبول حسن هذا الشأن هل نحن منه على ذكر عندما ندعو هل نحن عندما نقدم الدعوة نقدمها بقالب من الاهتمام والحفاوة بالمدعو نشعر المدعو أنه يهمنا كله يهمنا كله ومن اهتمامنا به دعوتنا له لو شعر المدعو أن دعوته غنما هي جزء من اهتمامنا به وأن الدعوة ليست وصاية ليست مظهر سيادة الدعوة عملية استنقاذ هي اهتمام كبير بهذا المدعو هي احتفاء به ينبغي أن يشعر المدعو بهذا الاهتمام وبهذه الحفاوة وأن الدعوة إنما هي أعلى مراتب الاهتمام به والصورة الخالصة من الحفاوة به عند ذلك تعطي النفوس قيادها وتفتح القلوب أغاليقها وهذا الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم مع منقذ بن حيان إذ قبل أن يدعو فتح القلب وتألف النفس واحتواها هذا الاحتواء فجاءت منقادة متقبلة متشربة لهذه الدعوة يشعر المدعو أن الداعي ماهو بالمستعلي عليه وماهو بالمستتبع له ولكنه المحب المحتفي ، الشيء الثاني سعت معارف النبي صلى الله عليه وسلم إن جواثة هذه البلدة البعيدة بلدة عبد القيس يفصلها عن المدينة النبوية أكثر من ألف كيلو في الأحساء في شرق الجزيرة العربية والمدينة النبوية في غربها ومع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم كان عنده معرفة بجغرافية الجزيرة العربية ومعرفة برجالاتها على بعد الشقة وبعد المسافات ولذلك كان يعرف رجال هذه البليدة فما بالك برجال غيرها ويعرف أشرافها وهذا شأن الداعية لابد أن تكون معارفه واسعة لابد أن تكون اهتماماته منوعة وهذا المعنى واضح في حياة النبي صلى الله عليه وسلم معرفته برجالات الناس معرفته بقبائلها معرفته بجغرافية البلاد معرفته حتى بما ينبت فيها معرفته بأحوالها بلهجاتها إن هذا التنوع المعرفي عند الداعية هو سلاح له في دعوته وهذا كان واضح والنبي صلى الله عليه وسلم يشبه أو يبين كانت هذه المعارف واضحة في دعوته عندما يقول لأصحابه ويذكر حديث الجهنميين فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل ألا ترونها إذا نبتت ماكان منها إلى الشمس أخيضر وما كان منها إلى الظل أصيفر قالوا يا رسول الله كأنك نشأت في البادية يعني هذه الثقافة لا يعرفها إلا من نشأ في البادية لكن النبي صلى الله عليه وسلم يذكر هذا التشبيه حتى يتلقاه أهل البادية فيفقهونه إن الداعية لابد أن يكون ذا ثقافة منوعة وذا خبرة بمن يدعوهم وذا بصيرة في حال المدعو فإذا دعا دعا بمعرفة بحال من يدعوهم معرفة بطبائعهم وسلوكياتهم فتنفذ دعوته إلى المدعوين على بصيرة بحالهم وعلى بصيرة في طريقة التخاطب معهم وبصيرة ثقافتهم وهذا من أمضى الأسلحة عند الداعية وهذا كان واضح في حال النبي صلى الله عليه وسلم عندما لقي رجلا من شرق الجزيرة فإذا به يسائله عن قومه وأشرافهم أما حفاوة النبي بعبد القيس لما جاؤوه أما إقباله على سيدهم وقوله إن لفيك خصلتين يحبهما الله فكلها فنون نبوية كريمة من فنون تأليف القلوب علينا جميعا أن نكون على فقه بها إنها الدعوة على بصيرة إنه منهج النبي صلى الله عليه وسلم داعيا فيا كل مسلم هذه حال نبيك داعيا فلنكن جميعا في تقفينا لنبينا صلى الله عليه وسلم في دعوته نتقفى أسلوبه في الدعوة وفقهه في الدعوة فهو إمامنا صلى الله عليه وسلم داعيا وهذه فنون دعوته فصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبد الله اللهم صلي وسلم وبارك على نبيك محمد أطيب صلاة وسلام وبركة وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه البررة المرضيين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.