أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: 3. أهم الثورات الكردية في العصر العثماني السبت 08 ديسمبر 2012, 11:00 pm | |
| 3. أهم الثورات الكردية في العصر العثماني
شهدت منطقة كردستان، في العهد العثماني، العديد من الانتفاضات والثورات المحلية، الناجمة، في الغالب، عن إلغاء الامتيازات والإقطاعيات الممنوحة للأغا أو الإقطاعيين الأكراد. أو هي نشبت لرفع الظلم والجور، الحاصلين من القوات العثمانية، ومن جمع الضرائب والتكاليف الباهظة، التي أثقلت كاهل الشعب الكردي. أو هي اندلعت، طلباً للاستقلال. وتعاقبت الثورات، طوال القرن التاسع عشر الميلادي. ومنها:
أ. كانت أعظم انتفاضات هذه الفترة، تلك التي اندلعت أثناء الحرب الروسية ـ العثمانية، في القرم (1853 ـ 1856) تحت قيادة يزدان شير، في منطقتَي حكاري وبوتان. بعَيد اندلاعها، استطاعت تحرير كل المنطقة، الممتدة بين بحيرة وان وبغداد. ومن أبرز خصائص تلك الانتفاضة، أنها لقيت تأييداً واسعاً من فئات الشعب، على نقيض ما حدث في الانتفاضة، التي قادها بدرخان. وقدم السكان المسيحيون العون إليها، بل أسهموا في القتال. وما أن حل يناير 1855، حتى بلغ تعداد قوات يزدان شير ثلاثين ألفاً، ثم ارتفع، في فبراير، إلى ستين ألفاً، ثم بلغ مائة ألف، من بينهم يونانيون وعرب.
وحاول القائد الكردي، أن يتعاون مع الجيش الروسي على محاربة العثمانيين، إلا إنه لم يفلح.
ودامت الانتفاضة عامين. ثم أرسلت بريطانيا قواتها، لمعاونة العثمانيين، من طريق مبعوثها، نمرود، ونجحت في إقناع يزدان شير بالصلح مع السلطان، فركن إلى الوعود، التي قطعت له، وسافر إلى القسطنطينية، وبسفره انتهت الانتفاضة. إلا أنها تركت آثاراً عميقة في المراحل التالية لنضال الأكراد. وما فتيء اسم يزدان شير، يُرَدَّد، بالتمجيد، في الفلكلور الكردي، حتى اليوم.
ب. في عام 1834، ثار أمير بدليس الشهير، شريف خان، ضد العثمانيين، حينما أرادوا إلغاء امتيازات إمارته، وكان مصير هذه الثورة الفشل.
ج. وثار في كردستان الشيخ عبيدالله (النهري) النقشبندي، من شمدينان، عام 1880، أثناء انشغال الدولة العثمانية بحربها مع روسيا. وكان الشيخ يهدف إلى تشكيل دولة كردية مستقلة، تشمل الجزء الجنوبي من ولاية وان، والجزء الشمالي من ولاية الموصل، على أن تكون تحت الإدارة العثمانية. وكان له نفوذ ديني واسع على مريديه وأتباعه، فأوقد فيهم الحماس، حتى اندفعوا إلى بلاد أورمية، حيث ارتكبوا مذابح ضد الشيعة.
وقد أفلح عبيدالله في بسط نفوذه على منطقة واسعة، بين بحيرة أورمية وبحيرة وان. واتخذ إصلاحات من شأنها القضاء على السلب والنهب، وتشجيع الزراعة والأعمال البناءة، واتَّبع سياسة ودية تجاه الأرمن والنساطرة.
وفي عام 1883، بعثت عليه الحكومة العثمانية حملة عسكرية، بالتعاون مع القوات الإيرانية، اضطرته إلى التسليم. ثم نُفي إلى الحجاز، ومكث في مكة حتى توفي فيها.
د. في أواخر القرن الثامن عشر بادر زعيم الملليين، وهم قبيلة خليط من التركمان والأكراد، تقطن في ما بين ماردين وديار بكر، تيمور باشا، إلى جمع العُصاة وقُطاع الطرق حوله، وهدد وُلاة ديار بكر، وأخل بالأمن. فجهزت الدولة العثمانية حملة عسكرية، قوامها ثلاثون ألف فارس، اتجهت إلى ماردين، حيث قضت عليه، وفرقت شمل عصابته، عام 1791. إلا أن حفيد تيمور باشا، تيماوي بك، ثبت لضربات الصدر الأعظم، رشيد باشا، الذي وجّه إليه حملات عسكرية، للقضاء على الإمارات الكردية. وخلفه ابنه محمود، الذي احتفظ بنفوذه بين قبائل الملليين، في ديار بكر. وترك لخلفه، ابنه إبراهيم باشا، اتحاداً قبائلياً قوياً، في أيام السلطان عبد الحميد.
ومع إعلان الدستور العثماني، وإطاحة السلطان عبدالحميد، عام 1908، لجأ إبراهيم باشا التيماوي، متزعماً قبيلة المللية، إلى أعمال العصيان، في تلك المنطقة. وجمع المغامرين، الذين التفوا حوله، فبسط نفوذه على المنطقة، حتى لقب بملك كردستان غير المتوج، مما اضطر الحكومة العثمانية إلى توجيه حملة تأديبية ضده، فقبضت عليه، ونفته إلى سيواس. وبعد فترة وجيزة، استطاع الهرب، والعودة إلى موطن قبيلته، في "يران شهر". وانتهز فرصة إعادة تكوين الحكومة العثمانية التشكيلات العسكرية الحميدية، فانخرط مع أتباعه فيها، وحصل على رتبة "مير ميران"، رئيس الرؤساء، مما هيأ له بسط نفوذه في الجزيرة وديار بكر، وأخضع القبائل الكردية المجاورة، وسيطر على المنطقة الممتدة بين ماردين والرها وأورفا وقراجه داغ. وبعثت عليه الدولة العثمانية حملة كبيرة، بعد عام 1908، وقبضت عليه وأعدمته.
هـ. وفي عام 1913، ثار الأكراد في ولاية بدليس، بقيادة الملا سليم، وشهاب الدين، وعلي، وانتهت ثورتهم بالفشل. ولجأ الملا سليم إلى القنصلية الروسية، في بدليس، حيث بقي مختبأ، إلى أن أعلنت الدولة العثمانية الحرب على روسيا، في الحرب العالمية الأولى، 1914. فاقتحم الجنود العثمانيون القنصلية، وقبضوا على الملا سليم، وشنقوه في أحد شوارع بدليس.
ومن جهة أخرى، عمدت الحكومة التركية، بحجة التراجع أمام القوات الروسية الزاحفة، إلى ترحيل سبعمائة ألف كردي من مواطنهم. وقد هلك كثير من هؤلاء قبل أن تنتهي فترة الإخلاء الإجباري هذه. وفي غمار الحرب العالمية الأولى، دمِّر العديد من القرى الكردية، وهلك العديد من قطعان ماشية الأكراد. وقتل آلاف من السكان المسالمين على يد القوات العثمانية، لا في كردستان تركيا فحسب، بل في كردستان إيران، كذلك.
4. سبب فشل الثورات الكردية
حملت الثورات الكردية عناصر فشلها، لأنها لم تكن مستندة إلى إيمان منبثق من تبلور الوعي، الثقافي والسياسي، بين الأكراد، كما كان ينقصها التعاون. وقد كان أغلب قادة تلك الثورات من زعماء القبائل. وكانت قبائلهم تأتمر بأوامرهم. وكان التعاون بين رؤساء القبائل ضعيفاً بل منعدماً. ومعظمهم كانوا يتمسكون بمصالحهم الذاتية، نتيجة سيادة النظام الإقطاعي. لذلك، كان كل زعيم كردي، يهتم بمصالحه الخاصة، غير معني بدعوات الزعماء الوطنيين. وآية ذلك، أن أغلب تلك الثورات، قد أخمدت بمعاونة رؤساء أكراد، مناوئين للزعماء الثائرين، بدوافع شخصية، أو بوحي من الحكومة العثمانية.
5. الألوية الحميدية الكردية
عقب الانتفاضات، التي جرت في أواخر القرن التاسع عشر، أخذ الباب العالي ينتهج سياسة أكثر مرونة، تجاه الأكراد. فأسست الدولة العثمانية، عام 1892، مدارس للقبائل، عرفت باسم "عشيرت مكتبلري"، ضمت إليها أبناء القبائل، العربية والكردية، وأبناء الأعيان، بهدف ربط هذا الجيل من الشباب، واستطراداً قبائلهم، بالدولة، وتنشئته على الولاء لها. وفي عام 1885، أنشأ السلطان عبدالحميد (1878 ـ 1908) كتائب محاربة، من أبناء العشائر الكردية، أطلق عليها اسم ألوية الخيالة الحميدية "حميدية آلاي لري"، ليستخدمها في حروب الدولة العثمانية مع الروس. وأنيطت بهذا الجيش الكردي، غير النظامي، مسؤولية توطيد النظام، وتقوية نفوذ الحكومة في كردستان. وفي الوقت نفسه، كانت تلك الألوية عاملاً مهماً في المحافظة على امتيازات الزعماء الأكراد، وسلطان رؤساء العشائر الكردية.
اضطلعت هذه التشكيلات بدورٍ مهمٍ في حماية الحدود العثمانية، مع روسيا وإيران، وشاركت في المعارك التركية ضد روسيا القيصرية. كما تورطت في الحوادث الدامية، الناجمة عن ثورة الأرمن، عامَي 1894 و 1895، حين ساعدت التشكيلات الكردية الدولة العثمانية على ارتكاب مذابح جماعية ضد الأرمن، في منطقتَي صاصون وحكاري، وتدمير قراهم ومدنهم.
ولكن العثمانيين لم يثقوا كثيراً بتلك الكتائب. فقد نص نظام الكتائب الحميدية، الصادر عام 1895، على منع أفرادها من ارتداء البزات العسكرية، وحمل السلاح، خارج فترات التدريب. ويمكن استدعاؤهم، خارج فترات التدريب، كذلك، إلى المحاكم الاعتيادية.
وبعد إعلان الدستور العثماني،عام 1908، أعيد تنظيم التشكيلات العسكرية الكردية، فاندمجت في أربع فِرق ولواء واحد، وكلها من قوات الخيالة الخفيفة. ثم ألغيت، بعد سنة من إعلان الحرب العالمية الأولى.
ثانياً: الحركة الوطنية الكردية، في النصف الأول من القرن العشرين
1. الوعي السياسي
بدأت الحركة الوطنية الكردية، في المجال السياسي، في عاصمة الدولة العثمانية، إستانبول، بعد خلع السلطان عبد الحميد الثاني، وصدور الدستور العثماني، وتولّي حزب الاتحاد والترقي أمور الحكم، في 23 يوليه 1908.
وعلى غرار النشاط القومي للمثقفين والضباط العرب في الآستانة، لإحياء القومية العربية، والمطالبة بالحكم الذاتي، كردّ فعل على الاتجاهات القومية التركية، ونتيجة للاتجاهات القومية، التي انتشرت بين الشعوب، في القرن التاسع عشر الميلادي - بادر عدد من النواب الأكراد في مجلس المبعوثان، إلى المطالبة بحق الأكراد في الحرية والإخاء والمساواة. وظهرت جمعيات كردية ثقافية، عام 1908، وصدرت صحف كردية، لتنمية الوعي بين الأكراد، وتعريف العالم بالقضية الكردية.
وكانت التنظيمات السياسية الكردية الأولى، تقف موقفاً إيجابياً من حكومة الاتحاد والترقي. فسمحت لها بالنشاط الثقافي، على أنها فروع لحزب تركيا الفتاة.
وقبْل ذلك، أصدر الأمير مدحت بدرخان جريدة كردية، عام 1315هـ/1898م، باسم "كردستان"، لتعريف الأمم والدول بالقضية، وتنمية وعي الأكراد أنفسهم بقضيتهم. وصارت هذه الجريدة لسان حال المثقفين الأكراد. وعلى أثر مرض صاحبها، ورئيس تحريرها، واصل شقيقه، عبدالرحمن بدرخان، إصدارها من القاهرة، ثم من جنيف، ثم من فولكستون . وبعد إعلان الدستور العثماني، عام 1908، عادت الجريدة الكردية إلى الصدور من استانبول، برئاسة الأمير ثريا بدرخان، ثم صدرت من القاهرة، في أثناء الحرب العالمية الأولى.
تأسست أول جمعية سياسية كردية، في الآستانة، عام 1908، تحت اسم "كردستان تعالي جمعيتي"، أي جمعية تقدم كردستان، على يد مجموعة من الأكراد البارزين، مثل: الأمير أمين عالي بدرخان، والفريق شريف باشا، والسيد عبد القادر (الذي شنقه الكماليون، فيما بعد، في ديار بكر)، والداماد (الصهر) أحمد ذو الكفل باشا. وأصدروا، كذلك، جريدة "الترقي والمساعدة الكردية المتبادلة".
وفي الوقت عينه، تأسست جمعية أدبية، فكرية، كردية، في الآستانة، باسم "جمعية نشر المعارف الكردية". ووفقت، عام 1910، في فتح مدرسة كردية، في إستانبول، من أجل تعليم أبناء الأكراد في الآستانة.
وتأسست جمعية "كرد تعاون وترقي جمعيتي"، أي جمعية التعاون والتقدم الكردية، عام 1908.
أقفلت هذه الجمعيات، والمدرسة الكردية، من قِبل حكومة الاتحاد والترقي، عام 1909، بعد إمعان الحكومة في سياسة تتريك شعوب الدولة العثمانية. فاضطرت جمعية تقدم كردستان إلى ممارسة نشاطها خفية.
وفي عام 1910، تأسست جمعية للطلبة الأكراد، في الآستانة، باسم " كرد هيوي طلبه جمعيتي"، أي جمعية الأمل للطلبة الأكراد، على يد عمر جميل أفندي وقدري جميل باشا، من أعيان ديار بكر، وفؤاد تمو بك الوانلي، ومحمود سليم، وزكي بك، من طلبة مدرسة الزراعة في إستانبول، وذلك بإيعاز من خليل خيالي الموطكي (موتكي) وتشجيعه. وأصدرت الجمعية عام 1913، جريدة "روزا كورد"، أي يوم الكرد، ناطقة باسمها. وتغير اسمها، بعد العدد الرابع، إلى "هه تاوي كورد"، أي شمس أو يوم الكرد. وواصلت هذه الجمعية نشاطها، حتى دخول إستانبول الحرب العالمية الأولى، فتعطلت أعمالها، بسبب سفر جميع أعضائها إلى ميادين الحرب.
بعد انتهاء الحرب عام 1918، عاودت جمعية "هيفي" أو "هيوي" نشاطها، حتى دخول مصطفى كمال أتاتورك إستانبول، عام 1922.
في الوقت عينه، كان يصدر عدد من مثقفي الأكراد، في الآستانة، جريدة كردية، باسم "زين"، أي الحياة.
وكانت قد تشكلت بعد الهدنة، عام 1918، في إستانبول، جمعية سياسية، باسم "جمعية استقلال الكرد". وضمت بين أعضائها جميع الأمراء والزعماء الأكراد. ثم انشق عنها بعض الأمراء، وأسسوا جمعية أخرى، باسم "كردستان اجتماعي تشكيلاتي جمعيتي"، أي جمعية التشكيلات الاجتماعية لكردستان. وتأسست جمعية أخرى، باسم "جمعية الشعب الكردي"، ومركزها القاهرة.
وأعاد نخبة من رجالات الأكراد، في الآستانة، تشكيل "جمعية تقدم كردستان"، عام 1918، وافتتحوا نوادي كردية، في عدد من مدن شرقي تركيا، مثل موش وبيتليس.
وواصل كثير من هذه الجمعيات نشاطها، في الآستانة، وعبْر فروعها في كردستان، حتى دخلت الحكومة التركية، بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، إستانبول، فانتقلت إلى بلاد أخرى، حيث واصلت نشاطها.
واقتصرت مطالب تلك الجمعيات والمنظمات على الحكم الذاتي لكردستان، وتقليص الضرائب المجباة، ونشوء إدارات محلية، وبناء مدارس، تدرَّس فيها اللغة الكردية، وأن يكون جميع الموظفين والضباط، العاملين في كردستان، من الأكراد.
ولم يكن لهذه الجمعيات أي تأثير في كردستان، الغارقة في الجهل، والبعيدة عن مراكز النشاط السياسي.
وأدى نشوب الحرب العالمية الأولى، عام 1914، إلى توقف كل هذه الأنشطة. وعندما أعلنت الدولة العثمانية الجهاد المقدس، أسهم فيه الأكراد بكل قواهم، من رجال وأموال. وتكبدوا خسائر كبيرة على يد القوات الأرمنية، التي انضوت تحت لواء الجيش الروسي، وانتقمت من الأكراد، في منطقة "بايزيد" و"الشكرد" و"وان"، وثأرت بما لحق بالأرمن، من قبْل، على يد الأكراد.
ورفض قادة جمعية تقدم كردستان أي أعمال ضد الأتراك، عندما طالب الشباب الكردي، من أعضاء الجمعية 1919م، باتخاذ قرار، حول إعلان استقلال كردستان، وطرد جميع القوات الأجنبية منها، بما فيها التركية ووقف سيد عبدالقادر ضد هذا الاقتراح، لأنه لا يليق بالحركة الكردية، في رأيه، الوقوف ضد الأتراك، في مثل هذا الظرف العصيب.
2. تقرير مصير الأكراد، في معاهدة سيفر (Sevres)، عام 1920 (أُنظر ملحق نصوص المواد الثلاث المتعلقة بالأكراد في معاهدة سيفر (Sèvres)، في 10 أغسطس 1920)
عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، بانتصار الحلفاء، وهزيمة الدولة العثمانية، شعر فريق من الزعماء الأكراد بأن الحلفاء المنتصرين، يبيِّتون للأكراد سوءاً، إذ عزموا على إنشاء دولة أرمنية، تمتد حدودها من ساحل بحر قزوين حتى ساحل البحر الأسود، وتنحدر، غرباً، إلى البحر المتوسط، فتشمل ولايات: طرابزون وأرضروم ووان وبيتليس وديار بكر، وهي المناطق، التي يؤلف الأكراد أغلب سكانها.
ولذلك، نشط الحزب الوطني الكردي، في إستانبول، الذي يرأسه الأمير عبدالقادر شمدينان، مع أبناء بدرخان بجهود جبارة، لإقناع الحلفاء بتوحيد المناطق الكردية، ومنحها حكماً ذاتياً.
كما أخذ الجنرال شريف باشا السليماني، المقيم في باريس، على عاتقه تمثيل الجماعات السياسية الكردية، في مؤتمر الصلح، في باريس، في 22 مارس 1919، وفي أول مارس 1920. وقدم مذكرتَين إلى ذلك المؤتمر، ضمّنهما مطالب الأكراد، وحقهم في استقلال بلادهم ووحدتها السياسية، وأرفق بهما خريطة لكردستان كلها.
وكان شريف باشا، قد توصل إلى اتفاق مع رئيس الوفد الأرمني، بوغوص بوبار باشا، ينص على أن تكون البلاد الكردية مستقلة عن الدولة الأرمنية، المزمع إنشاؤها. ونتيجة لهذا الاتفاق، تقدَّما إلى مؤتمر الصلح، ببيان مشترك، يحددان فيه حقوق أمَّتَيهما. وقد وافق المؤتمر، مبدئياً، على هذا البيان.
وفرض ممثلو الحلفاء على الحكومة العثمانية المنهزمة معاهدة سيفر (Sèvres)، في 10 أغسطس 1920. وكان من مقتضاها تأليف حكومة أرمنية في ولايات طرابزون وأرضروم ووان وبيتليس (بدليس) (المواد 8- 93). وأشارت إلى إنشاء نوع من الحكم الذاتي للأكراد، القاطنين في منطقة، تصوروا حدودها في شرق الفرات وجنوبي بلاد أرمينيا، تحدها تركيا وسورية والعراق.
وشُرط الحكم الذاتي، باستفتاء أهالي المنطقة الكردية، المشار إليها. في ما إذا كانوا يريدون الانفصال عن الأتراك أم لا؟ ثم تُعرض نتيجة الاستفتاء على مجلس عصبة الأمم، لمناقشتها، وإصدار قراره في ضوئها، ذلك، حول الاستقلال الكردي. فإذا قررت عصبة الأمم جدارة الأكراد بالاستقلال، يبلغ القرار إلى الحكومة التركية، التي عليها أن تذعن له. فإذا بلغ الأمر إلى هذا الحدّ، لا يمانع الحلفاء، حينئذٍ، في انضمام أكراد الموصل إلى أكراد هذه الحكومة المستقلة استقلالاً ذاتياً.
على أن معاهدة سيفر، ولدت ميتة، فلم يكتب لها التنفيذ، إذ مزقتها انتصارات تركيا الحديثة، بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، الذي دحر اليونانيين، وحرر الأناضول، وتفاهم مع الفرنسيين والإيطاليين. ثم عقد معاهدة لوزان، في 24 يوليه 1923، التي قضت على كل أمل في أن يكون للأكراد دولة مستقلة، أو اعتراف دولي.
وقد انتهى موضوع الأكراد إلى استبدال نصوص حول وجوب احترام الحقوق، الثقافية والدينية، للأقليات، بحقوقهم القومية والحكم الذاتي. وهكذا، خرج الأكراد من الحرب العالمية الأولى، وهم موزعون بين أربع دول: تركيا والعراق وإيران وسورية، إلى جانب أقليات كبيرة في جمهورية أرمينيا، التي كانت تابعة للاتحاد السوفيتي.
يتبع إن شاء الله...
|
|