أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: وقوع الشرك في الأمة السبت 02 يونيو 2012, 4:46 am | |
| قال تعالى (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ) يوسف (111) وبهذا يصير القرآن حياً في حياة الناس ونوراً يستبصرون في سيرهم إلى ربهم فيخرجون من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد ..
أما إذا لم تحصل العبرة بقصص القرآن وأمثاله ويصير القرآن مجرد كلمات تُتلى وآي تقرأ لا علاقة لها بحياة الناس وأحوالهم كما هو الحال في زماننا هذا فإننا نرى من يختم القرآن ويقرأه مراراً وتكراراً لكنها مجرد قراءة وتلاوة عارية عن التدبر والتفهم وبعيدة عن الدراسة والتعلم كحال بنى إسرائيل الذين حكى الله صفاتهم في سورة البقرة وأن حظهم من الكتاب مجرد التلاوة فقط (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ)البقرة(78) ..
فالحذر الحذر من اتباع مسلك اليهود في ذلك بأن يصير حظنا من كتاب الله عز وجل مجرد التلاوة فقط .
فإن الله سبحانه هو الخلاق العليم الذي خلق كل شئ وأحاط بكل شئ علماً قد سطر ما سيكون من أحوال وأحداث متجددة إلى يوم القيامة بنظمها في تلك الأمثال المذكورة في القرآن الكريم ومن هنا تظهر لنا موافقة الكتابة الكونية من خلق وتقدير وتصريف وتدبير للكتابة الشرعية التي هي أمثال القرآن المسطورة ..
إن الذي خلق كل شئ إلى يوم القيامة من الناس والدواب والأحداث والبلاءات هو الذي أنزل القرآن (قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَْرْضِ) الفرقان (6) وبالتالي فقد ضمن لنا أننا لا نستوعب كل هذه الأحداث والوقائع إلى يوم الدين ولكن لا يعقلها إلا العالمون وقد يبين الله هذا المعنى فقال (مِن كُلِّ مَثَلٍ) فإذا كان القرآن الكريم قد ضرب للناس في آياته الأمثال بالشرك الذي وقعت فيه الأمم السابقة والمثل كما سبق يقتضي وجود شبيه ونظير ..
فهذا دليل على وقوع الشرك في هذه الأمة مماثلاً ومشابهاً لما وقعت فيه الأمم السابقة .
وقفه مع مثل من أمثال القرآن الكريم :ـ
إن أخطر وأكثر الأمثال في القرآن إنما هو عند أهل الكتاب وهم الأميين الكثيرين أمة الغضب (اليهود) وأمة الضلال (النصارى) وهذه الأمثلة تُذكر في القرآن الكريم للتحذير مما صنعوا فما من شئ فعلوه إلا وقد ورثته هذه الأمة عنهم أو ورثت شبيهاً له على الأقل .
وهذا ما سيتضح لنا بعد قليل إن شاء الله .. إن الله جلت قدرته وهو أحكم الحاكمين تعالى أن يقول العبث أو يتكلم به ..
إذن فلماذا ذكر الله تعالى في كتابة هذه الأمثال إذا كانت أمة محمد بعيدة عنها وفى مأمن فيها ؟ كما يزعم المضلون الذين يقولون إن الإنسان بمنأى من الشرك وبمعزل عنه إذا نطق بالشهادتين أو خرج إلى الدنيا من أبوين مسلمين !!
وستأتى النصوص الصريحة الصحيحة من الصادق المصدوق (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) تبطل هذه المزاعم وتجتثها من أصولها ولكن قبل ذلك سأضرب مثالاً من القرآن الكريم بالآيات من سورة البقرة : (أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) البقرة (75)
وقال سبحانه يحكى عن اليهود وحالهم بعد هذه الآية بقليل (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ)البقرة (78،79) فهذه الآيات تحكى صفة ثلاث أصناف من بنى إسرائيل وظهر في أمة محمد من حاكاهم وشبابهم وهاكم الأصناف الثلاثة:ـ
الأول:
فريق يحرفون كلام الله بعد ما عقلوه وفهموه ـ وشبيه هؤلاء في هذه الأمة أرباب الفرق الضالة الذين حملوا الكتاب والسنة على ما أصلوه من البدع الباطلة فوضعوا من المعاني ما يخالف ويناقض ما أراده الله سبحانه ثم زعموا أن هذا مراد الله وأنه من عند الله وما هو عند الله فحرفوا الكلم عن مواضعه وألبسوا الحق ثوب الباطل وغيروا المعاني ولقد رأينا في زماننا هذا من كتب تفسيراً بديعاً لكتاب الله ورائعاً .. ثم لما تولى المناصب وتقلد الهيئات خشي على ذهاب دنياه فصار يفتى الناس بما يعلم مناقضته للحق الذي سبق وأن دونه في تفسيره والأمثلة لا حصر لها.
الثاني:
من بنى إسرائيل هم العوام الذين لم يأخذوا حظاً من العلم فحظهم من الكتاب التلاوة فقط (لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ) وهذا حال أكثر عوام المسلمين اليوم حيث أقبلوا على كتاب الله تلاوة أو سماع والحال أنهم أبعد شئ عن تدبره وتفهم معانية فتراهم يقرءون آيات الربا وما تحمله من الوعيد الشديد وآيات الحجاب التي تبين أنه من الواجب الأكيد وغير ذلك ثم يتعاملون بربا البنوك ونساؤهم وبناتهم متبرجات كاسيات عاريات مائلات مميلات.
وإذا ما حدث بينهم تشاجر أو اختلاف سارعوا إلى القوانين الوضعية يتحاكمون إليها وهم يسمعون ليل نهار (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ.. المائدة (44) وبعد ذلك يحسبون أنهم مهتدون ..
والفريق الثالث:
كتبوا كتاباً بأيديهم مخالف لما في كتاب الله لينالوا به الدنيا وقالوا إنه من عند الله ـ وشبيه هؤلاء في هذه الآمة أولئك الوضاعون الذين يكتبون أقوالاً من عند أنفسهم وينسبونها إلى أحاديث رسول الله على أنها أحاديث بنوبة وقد تجرءوا على السنة لأن الله تعهد بحفظ القرآن الكريم فلم يجدوا إليه سبيلاً ..
ووجد في هذه الأمة من يصنف الكتب المناقضة لأصول الدين كمن صنف كتاباً يدعوا إلى ترك الحجاب ويرى عدم وجوبه ثم هم يقولون عن هذه الكتب أنها من الشرع والدين وأنها جمعت فأوعت من معاني الكتاب والسنة وأن هذا هو مذهب السلف الأئمة وهذه أصول الدين التي يجب اتباعها على الكفاية والأعيان ..
وأكثر كتب الصوفية على هذا المنوال وهذا مجرد مثال على ضلال من ضل من أهل الكتاب ومن شابههم .
ولقد اختصرت الكلام في هذا الموضوع اختصاراً شديداً لأن الكلام فيه يحتاج إلى مصنف كبير يجمع فيه ما كان من شأن الفرق منذ نشأت وإلى الآن ولكن سترد أمثلة أخرى عن أهل الكتاب في الكلام على وقوع الشرك في هذه الأمة .
واجب المسلم تجاه دعاة الضلال :ـ
إذا ثبت بالأدلة الشرعية والتاريخية والواقعية وقوع الشرك يقيناً ثم خرج علينا من يقول بعكس ذلك مستنداً إلى شبهة هو فيها جاهل صاحب هوى ثم هو يتحدث حينما يتحدث بالكلام الناعم اللين متظاهراً بالإخلاص والتجرد والأدب ..
أقول إذا خرج علينا من يقول بذلك فما الذي يجب على المسلم العاقل حيال مثل هؤلاء؟
الإجابة واضحة..
لأن القائل إذا كان جاهلاً فكيف نتركه يعيث بجهله فساداً في عقائد الأمة ؟ إنه بذلك يلقى الأمة في مهاوي الغي والضلال وما يترتب على ذلك من العقوبات الشديدة التي تنزل بالأمة كما هو واقع الآن ..
إن مثل الذي يفعل ذلك كمثل حارس جهول يحرس إخوانه النائمين فرأى حية سامة عظيمة قابعة بين النائمين فظن أنها حبلاً أو دودة لا خطر فيها فانقضت الحية عليهم فقتلتهم ..
أما إذا كان القائل بذلك سيئ القصد ممن يحرف الكلم عن مواضعه ويحرف كلام الله بعد ما عقله وفهمه وهو بذلك يقصد الانتصار لشيوخه وبدعهم إذا كان هذا حاله فيكف يمر دون عقاب ؟
إن مثل هذا كمثل حارس يحرس إخوانه النائمين فرأى ثعباناً عظيماً يحوم حولهم فتركه وهو يعلم فتكه وخطورته ـ تركه لأن له مصلحة يرجوها من نوم الناس ـ بل بلغ غدره وخيانته أن لو أستيقظ أحد النائمين وشك في وجود الخطر سارع يُطمأنه أنه لا خطر هنا ..
قولوا لي بربكم ماذا يبقى للأمة إذا تفشى فيها الشرك بأنواعه ولا حول ولا قوة الإ بالله العلي العظيم ..
وقوع الشرك في الأمة:
أهل الأهواء من الصوفية وغيرهم يعتقدون اعتقادات باطلة ويعملون أعمالاً نص الشرع على أنها شرك بالله .. منها ما هو شرك أصغر ومنها ما هو شرك أكبر ..
ومن قام يدعوهم إلى الدين الخالص ويحذرهم من الشرك قاموا عليه وشنعوا عليه التشنيع كله وكالوا له الاتهامات كيلاً وصبوا عليه الغضب صباً محتجين بأن الأمة معصومة من الشرك وأن الشرك لا يمكن أن يقع ممن يقول (لا إله إلا الله) وحجتهم في ذلك هذا الحديث :ـ
عَنْ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :" إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ "رواه مسلم (5030) في صفات المنافقين.
وهذه طريقة القوم أنهم يتعمدون في أصول دينهم على الشبهات التي توافق أهوائهم فإذا نظروا في النصوص الدينية ووجدوا فيها المحكمات والمتشابهات أضربوا صفحاً عن المحكمات وتمسكوا بما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وهذا ما سلكه هؤلاء المضلون الذين يقولون بعدم وقوع الشرك في هذه الأمة أنهم عموا وصموا عن النصوص الكثيرة الصحيحة الصريحة التي تخبر بوقوع الشرك في هذه الأمة وأعرضوا عنها لأنها لا توافق أهواءهم وأباطيلهم .
ولو كانوا صادقين في محبة الله ورسوله لبحثوا كيف يمكن الجمع بين الأحاديث التي قد يبدو من ظاهرها التعارض .
والحق أنه لا تعارض فيها ولبحثوا كيف يُنزهون كلام الصادق الأمين عن التناقص الذي يبحث عنه أعداء الإسلام لهدم الدين من أساسه ولكنهم يتبعون أهواءهم بغير هدى من الله ..
وإليكم الآن مناقشة الاستدلال بهذا الحديث الذي استدلوا به:
1) إن إخبار النبي بيأس الشيطان من أن يعبده المصلون لا يدل على عدم وقوع الشرك لأن الحديث يبين أن هذا هو ظن الشيطان وتوقعه لأنه لما رأى قوة الإسلام وكثرة الفتوحات ودخول الناس في دين الله أفواجاً ـ يئس وظن أنه لن يُعبد في جزيرة العرب .. وليس في هذا كما سبق دليل على عدم وقوع الشرك لأن الأمر قد يقع على خلاف ما ظن الشيطان فيحدث الشرك ..
2) إن هذا الحديث خاص بالصحابة لأن الشيطان لما رآهم قد تمكنوا من التوحيد علماً وعملاً وبلغوا فيه غاية عظمى .. عند ذلك آيس أن يعبده الصحابة وهذه حكمة أحكم الحاكمين أن عصم الصحابة رضوان الله عليهم من الوقوع في الشرك .
لأنهم هم الذين حملوا القرآن وهم خير القرون وحملة الدين وجمعوا السنة ونقلوها إلى من بعدهم حتى وصلت التابعين صافية .. فلو وقع الصحابة في الشرك وهذا حالهم فلن ينجوا أحد من الأمة من الشرك ـ ومن ثم فلا مطمع للشيطان في عهدهم في وقوع الشرك في عقر دارهم في جزيرة العرب ـ وهذا لا يمنع وقوعه بعد انتهاء زمانهم ..
وبذلك أمكن الجمع بين النصوص بحمد الله وظهر توافق والتئام كلام النبوة واستقامته واندحرت مطامع الأعداء في النيل من صدق الرسالة وكمالها ..
ولنبدأ الآن في ذكر النصوص الصحيحة والصريحة الدالة على وقوع الشرك في هذه الأمة بالأدلة الآتية:ـ
الدليل الأول :
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :" لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى قَالَ فَمَنْ؟" رواه البخاري (3197) ومسلم (4822)
والحديث الشريف جاء بلفظ سنن جمع سنة أي طريقة…. والمعنى على هذا لتتبعين طرائق وجاء بلفظ سنن (بفتح السين) أي طريق .. ويبين رسول الله (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) في هذا الحديث صفة مشابهة هذه الأمة لما سبقها من الأمم وأنها شبرا بشبر وذراعاً بذراع فلو أنهم حادوا عن الحق فيه شبر حادت الأمة قيد شبر ولو حادوا ذراعاً لحادت هذه الأمة مثله وبنيت الرواية الثانية من الحديث دقة المثلية والمشابهة ..
وفي رواية لأحمد (16512) "… حَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ" فقال صلى الله عليه وسلم والقذة : ريشة السهم .. فكل سهم به أكثر من ريشة كل ريشة مساوية تماماً لأختها ولولا هذا التساوي لأنحرف السهم ولم يُصب هدفه ..
فهذه الرواية تبين أن هذه الأمة ستماثل الأمم السابقة في انحرافها كما تماثل ريشة السهم أختها ـ ومن أجل هذا الخطر العظيم وهو وقوع الضلال في هذه الأمة كما وقع في سابقيها من الأمم.
أقول:
من أجل هذا الخطر الداهم فرض الله لنا الدعاء بوقايتنا من هذا الضلال والزيغ وأمرنا سبحانه بتكرار ذلك بعدد ركعات الصلاة ولا تصح الصلاة بغير هذه الدعوات الواردة في النصف الثاني من سورة الفاتحة (اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ) الفاتحة (6) (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ) الفاتحة (7) ..
وقد فسر رسول الله المغضوب عليهم بأنهم اليهود وفسر الضالين بأنهم النصارى فكان الدعاء الذي في الفاتحة هو أفضل وأجمع الأدعية على الإطلاق ..
وفرض الله علينا التوسل بأنواعه الثلاث مثل هذا الدعاء وهذا في النصف الأول من الفاتحة فمن أولها إلى قوله تعالى (مَـلِكِ يَوْمِ الدِّينِ) توسل بالأسماء الحسنى والصفات العلي ـ وقوله (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) توسل بالعمل الصالح وهو إفراد لله بالعبادة والاستعانة به على ذلك .. وفى قوله سبحانه (اهدِنَـا) توسل بدعاء الصالحين المصلين إذ كل من قرأها طلب الهداية لنفسه ولجميع المسلمين ..
وفقه للتأمل :ـ
ولنا هنا وقفه للتأمل .. إذا كان الأمر كما يقوله هؤلاء المضلون من استحالة وقوع الشرك في الأمة فلماذا إذن هذه الطاعات المتنوعة والعبادات والأدعية المتعددة توسل بأنواعه الثلاث .. ودعاء يتكرر بعدد ركعات الصلاة بالهداية للصراط المستقيم واجتناب صراط اليهود والنصارى ـ إذا كانت الأمة في مأمن من الشرك والضلال فلا فائدة إذن من هذه الأدعية المتكررة المتعددة ـ وتكون من قبيل اللغو والعبث وحاشا لله أن تكون كذلك ..
لكن الحق والصواب أن الله سبحانه أمر بهذه الأدعية المتكررة لأنه سبحانه أحكم الحاكمين وهو العليم الخبير الذي خلق الخلق ويعلم سبحانه أن في هذه الأمة من سيتبع سنة اليهود والنصارى وسيوافق طريقتهم حذو القذة بالقذة ولهذا أمر سبحانه بالدعاء وطلب الهداية إلى الصراط السوي والعصمة من صراط المشركين الضالين ..
وهذه أمثله توضح بعض الانحرافات التي وقعت من اليهود والنصارى وما يشابهها في هذه الأمة :ـ
أ – تحريف كلام الله وكتمان الحق:ـ
وقد سبق الكلام عنه في قوله تعالى (أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ.. الآية) وقد شابههم من هذه الأمة الذين يكذبون في الأحاديث وينسبونها إلى رسول الله ..
ب – الإعراض عن التحاكم إلى كتاب الله:ـ
وذلك في قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ)آل عمران(23) فهذه الآية تحكى إعراض اليهود عن التحاكم إلى كتاب الله كما قال سبحانه .. وأنظر إلى كتاب الله سبحانه المنزل للحكم بين الناس به ..
أين هو الآن في بلاد المسلمين إلا قليلاً .. ولئن ذكرهم الدعاة بالشريعة والحدود عموا وصموا وأداروا ظهورهم وأعرضوا ومنهم من أرتد عن الإسلام بالكلية ورضى بالعلمانية ديناً بديلاً عن الإسلام ولم يقف عند هذا الحد بل تجرأ على ربه وأساء الأدب مع مولاه وزعم أن الشريعة لا تصلح لهذا الزمان ولو أننا قطعنا يد السارق لصار كثر من الناس معوقين ولتعطل الإنتاج ولو أننا طبقنا الشريعة لأحتقرنا الغرب وأتهمونا بالرجعية والتخلف إلى آخر ما يحدث في أمتنا الآن من ضلالات وحدث ولا حرج...
يتبع إن شاء الله...
|
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: وقوع الشرك في الأمة السبت 02 يونيو 2012, 4:54 am | |
| ج – الإيمان بالجبت والطاغوت :ـ
قال سبحانه (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً)النساء (51) والجبت : السحر والصنم والكهانة وهو الإيمان بوجود قوة غيبية فوق عالم الأسباب لغير الله عز وجل يعتقد فيها النفع والضر كمن يعتقد ذلك في موتى الصالحين مثلاً ..
ومن ثم يدعونهم من دون الله أو مع الله خوفاً وطمعا حتى لقد بلغ من بعضهم أن يُعظم تلك الجبت أكثر من تعظيمه لله سبحانه فتجد أحدهم يحلف بالله كاذبا فإذا أستحلفته بوليه ومعبودة من دون الله تلجلج وتلعثم وأمتنع عن الحلف بوليه ـ فهل بعد هذا الكفر من كفر وفعل في هذا الشرك غموض أو خفاء ؟
والطاغوت :
من الطغيان وهو مجاوزة الحد وأخطر من ذلك في التشريع وتحليل الحرام وتحريم الحلال كما سبق بيانه وقد وقع هذا النوع من الإيمان بالطاغوت في الأمم السابقة كما جاء في قوله سبحانه في سورة التوبة (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا اله واحد لا اله إلا هو) وقد جاء بيان ذلك في حديث عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ :" أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ… وَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ أَمَا إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَيْئًا اسْتَحَلُّوهُ وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا حَرَّمُوهُ" رواه الترمذي …
والمقصود أنه كما كان في أهل الكتاب من يؤمنون بالجبت والطاغوت فقد وجد في هذه الأمة من ماثلهم في ذلك حذو القذة بالقذة ..
أما قوله في الآية : (وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً) حدث ذلك عندما سأل كفار مكة اليهودي كعب بن الأشرف عند النبي وأصحابه فقال لهم كعب: أنتم أهدى سبيلاً منهم ، وقد رأينا هذا وسمعناه في هذه الأمة ـ فمنهم من يقول لأهل الغرب .. أنتم أهدى من الإسلاميين سبيلاً وأقوم منهم .. أنتم أهل التقدم والحضارة وهم أرباب الرجعية والتخلف !!! إلى آخر هذه المقولات الفاجرة ..
د- الغلو في الصالحين :ـ
وهذا الغلو له مظاهر عدة منها : بناء المساجد على قبورهم ودعاؤهم والذبح لهم والنذر لهم وغير ذلك.. وهذا الغلو كان موجوداً في الأمم السابقة (اليهود والنصارى) كما قَالَ ِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ" رواه البخاري (417) وفي رواية لمسلم (827) تقول:"… أنبيائهم وصالحيهم.."
وقد ورثت هذه الأمة عنهم هذا الغلو ولا يخفى على أحد ما نقرأه ونشاهده من فضائح الصوفية والشيعة الذين يرفعون مشايخهم وأولياءهم إلى رتبه الألوهية ويستشفعون بهم شفاعة شركية لا شفاعة حقة ..
وأشتهرت عندهم في ذلك كلمة المحاسيب ـ بل بلغ من كفرهم وباطلهم إعتماد الكون على أربع أقطاب ليتحكمون فيه هم (البدوى ـ الرفاعى ـ الدسوقى ـ الجيلانى) وأعتقدوا في السيدة زينب أنها رئيسة الديوان وصاحبة المشورة لأن الله (سبحانه وتعالى) لا يفعل شيئاً إلا باستشارتها ..
تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً .. وذكر فضائحهم يحتاج إلى مجلدات ..
ولذلك حذر رسول الله من الغلو الذي أهلك السابقين فقال: (إياكم و الغلو في الدين فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين) رواه النسائي وابن ماجة وأحمد وفي صحيح الجامع(2860).. وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ قَالَهَا ثلاثًا"رواه مسلم (4823)..
وأول وقوع الشرك في بنى آدم كان بسبب الغلو في الصالحين . فقد قال ابن عباس رضى الله عنهما في تفسير قوله تعالى (وَقَالُوا لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدًّا وَلاَ سُوَاعًا وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا ، وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا)نوح(23،24) قال : فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ أَنْ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمْ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَابًا وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ فَفَعَلُوا فَلَمْ تُعْبَدْ حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وَتَنَسَّخَ الْعِلْمُ عُبِدَتْ"رواه البخاري (4539).
هـ – الغلو في الأنبياء :ـ
غالت النصارى في المسيح بن مريم فجعلوه إبنا لله ـ وثالث ثلاثة ـ وجعلوه هو الله .. وقد نهاهم الله سبحانه عن هذا المسلك فقال سبحانه (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ) المائدة(77) وقال النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"لا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُه "رواه البخاري(3189)
والإطراء: مجاوزة الحد في المدح ، وقد ورثت هذه الأمة شيئاً من غلو السابقين في أنبيائهم فقالوا في نبيهم (أول خلق الله) وقالوا (خلق من نور الله) وقالوا (خلق الله الكون من نور محمد) وقال البوصيرى في البردة يزعم أنه يمدح النبي محمد (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) :ـ (ومن جودك الدنيا وضرتها .. ومن علومك علم اللوح والقلم) فخالف بجهله وضلاله صريح القرآن والسنة ورفع النبي إلى مرتبة الألوهية وجعل من جوده الدنيا وضرتها وهى الآخرة ..
والله تعالى يقول (وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى) وهو قد جعل الدنيا والآخرة جزء من جود النبي وجعل علم اللوح والقلم بعضاً من علومه (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وهذا محض إفك وإفتراء وبهتان ..
فعلم اللوح والقلم مما أستأثر الله تعالى به.. قال تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا، إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ) الجن (26،27) وقال تعالى: ( وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء..) البقرة (255) (ومن غلوهم) الذميم وإفكهم القديم أنهم قالوا في هذه الآية الكريمة (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) الفتح (9) قالوا: وتسبحوه.. أي تسبحوا رسول الله.. فسبحوا الرسول كما سبحوا رب الأرباب وهذا من أقبح الشرك وأشنعه..
ومن ضلالهم (وغلوهم) أنهم طلبوا المدد من رسول الله وطلبوا منه الغوث فقالوا: مدد يا رسول الله ـ أغثنا يا رسول الله ..
وهذا دعاء والدعاء عبادة والعبادة لا يستحقها إلا المعبود الله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له فأعطوا المخلوق حق الخالق الذي لا يشاركه فيه أحد وخالفوا بذلك صريح الدين وكفروا بالله رب العالمين ..
ومن غلوهم وضلالهم أن قالوا إن الرسول ليس له ظل أو أن نوره يطفئ ظله إذا مشى في الشمس! وأم المؤمنين عائشة قالت (كنت أمد رجلي بين يديه (وهو في صلاته) وتعتذر بأن البيوت ليس فيها مصابيح فلو كان النبي له نور لكفاها ولم تعتذر !!) ولكن القوم أضلهم الغلو..
ومن ضلالهم وغلوهم قولهم إن الله يقول في الحديث القدسي :"…وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي ملأ ذَكَرْتُهُ فِي ملأ خَيْرٍ مِنْهُمْ" رواه البخاري ومسلم، قالوا: الرسول معنا إذا ذكرناه !!!
ولهذا تجد من أولئك الغلاة في ليله المولد إذا ذكر القارئ المضل كلمة المصطفى قاموا جميعاً قيام رجل واحد يقولون إن الرسول حضر مجلسنا بنفسه فقمنا إجلالاً له مع أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا أشد إجلالاً للنبي من الجميع ومع ذلك كانوا إذا دخل عليهم يكلمونه وهم جلوس لا يقومون له هذا والنبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بين ظهرانيهم ..
ومن غلوهم وضلالهم أنهم يقولون في دروسهم ومحاضراتهم مع أتباعهم حال اللقاءات الخاصة في البيوت يقولون : إن الرسول حضر .. فإذا أقيمت مثلاً مائة محاضره في مائة موقع في آن واحد يكون الرسول حسب زعمهم حاضراً فيها كلها !!!
وهذا قليل من كثير من كذبهم وأباطيلهم وهو لا يقل ضلالاً وشركاً وكفراً عما فعله اليهود والنصارى مع المسيح من أجل ذلك جاء حديث النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) "لا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُه "رواه البخاري(3189) والإطراء: مجاوزة الحد في المدح ، فالرسول عبد مخلوق فلا يُعبد ورسول فلا يُكذب (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ)الكهف(110)
ولهذا يقول المصلى في صلاته عندما يُسلم عليه ويشهد له بالرسالة : أشهد أن محمداً عبده ورسوله .. وهذا هو أفضل وصف أختاره الله له وأختاره الرسول (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لنفسه وقد قال سبحانه ينهى أهل الكتاب عن غلوهم (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ)النساء(171) فالغلو منهي عنه في كل رسالات السماء نهى عند رب العزة ونهانا الرسول (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) عن التشبه بالأمم السابقة والوقوع فيما وقعوا فيه ..
و- سماع الكذب وأكل السحت :ـ
قال سبحانه حكاية عن حال اليهود (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) المائدة(42) فقلوبهم تغتذي على الكذب وأبدانهم على السحت وقد ورثت هذه الأمة منهم نصيباً كبير من هذه الصفة الخبيثة .
فكثير من هذه الأمة يأكلون الربا والسحت .. هذا في أكل السحت .. أما استماع الكذب (والمراد به سمعه وقبوله والعمل به) فهذه صفة من أشد الصفات الخبيثة التي أتصف بها اليهود حتى تشابهت قلوبهم فيها إلى يوم القيامة لأن الباطل الذي يُدّونه أحبارهم وعلماؤهم (كالتلمود مثلاً وشروحه) يتم ترويجه عليهم جيلاً بعد جيل فتخرج الأجيال على نفس الصفات الخبيثة فلا تنفع معهم دعوة ولا يسمعون للصدق والحق المُخالف لباطلهم ـ وإذا نظرنا إلى هذه الأمة لوجدنا فيها من شابه اليهود في هذه الصفة الخبيثة وهى سماعهم الكذب ..
ذلك أن الكتاب والسنة الصحيحة بين أيديهم ويتركونها ويقبلون على دعاة الكذب والضلال والتحريف فيقبلون منهم ويعملون بأمرهم دون تثبت أو تبين هل هذا من الحق أو الباطل ..
والعجب أن الناس لا يتثبتون ولا يتبينون مع تمكنهم من ذلك وقدرتهم عليه ـ ذلك أن دعاة الحق معروفون ومعروف كلامهم بالحق والصدق لأنه صادر عن أدلة صحيحة وبراهين واضحة ـ والذى يقبل الكلام ولا يتثبت من حقيقته وصدقه مع تمكنه من ذلك مثله كمريض أعياه المرض وأضناه التعب ثم هو يترك الطبيب الصادق الأمين الذي يُبين له حقيقة مرضه ويحذره من مغبته ويوصله بالعلاج الناجح ـ يتركه ويُقبل على الطبيب الكذاب المخادع الغير مختص بحالته الباحث عن الأموال فقط فيخدعه ويغرره ويخبره أنه سليم خال من الأعراض والأسقام والمريض يسمع ويطيع لأنه سماع للكذب ..
ومن أعجب ما قرأت قصة مدعى النبوة المختار بن أبى عبيد الثقفي الذي غلب على الكوفة في أول خلافة بن الزبير وأظهر التشيع لآل البيت ودعا الناس للثأر من قتلة الحسين ومن عاون على قتله فأحبه الناس وأطاعوه ـ فلما رأى الأمر قد أستتب له خرج على الناس بإفكه وباطلة فزعم أن جبريل يأتيه بالوحي وأنه رسول الله ـ وتابعه وصدقه كثير من هؤلاء والمدهش أنه يعلن إيمانه وأن الله حق والقرآن حق ومحمداً (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) حق والجنة حق وكذلك أتباعه يؤمنون بذلك ـ فإذا كانوا يؤمنون بالقرآن ألم يعلموا أن في القرآن (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ)الأحزاب (41) فالنبوة خُتمت بمحمد صلى الله عليه وسلم ؟ فلا نبي بعده ـ فكيف تابعوه ؟ لأنهم سماعون للكذب..
ونحن الآن في واقعنا المعاصر نرى وسائل الإعلام تُزخرف الأقوال وتُزين الباطل وإذا بالناس يُقبلون ويُصدقون ما تنهدم به الثوابت الشرعية ويُصدقون أن المؤمنين المتمسكين بالكتاب والسنة إرهابيون متشددون ورجعيون !!! ومن يسمع ذلك ويُصدق دون تحرٍ أو بحث فإنه من السامعين للكذب فليحذر كل مسلم أن يكون كذلك وليحذر أن يكون من أصحاب البدع والخرافات والضلالات .
فإنه ما انتشرت البدع ولا تفشت الخرافات إلا على سماعي الكذب ـ فالشيعة والصوفية مثلاً ـ وكمثال لأصحاب الضلال والبدع يتركون صريح القرآن وصحيح السنة المشرفة والنصوص المحكمة التي تنهى عن الشرك والغلو والابتداع في دين الله ويسمعون كلام المضلين مشايخهم وأئمتهم المبتدعين وكل ذلك لأنهم سماعون للكذب ..
ز- المحاباة في الحق والمجاملة في حدود الله :ـ
قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُقِيمُونَ الْحَدَّ عَلَى الْوَضِيعِ وَيَتْرُكُونَ الشَّرِيفَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ فَعَلَتْ ذَلِكَ لَقَطَعْتُ يَدَهَا"رواه البخاري(6289) وقد وقع هذا في هذه الأمة قبل أن يتم تنحيه الشريعة عن الحكم في أكثر بلاد المسلمين والمثال على ذلك ما يحدث في الجزيرة العربية وهو معلوم ..
ح – التحايل على محارم الله واستحلالها بأني الحيل :ـ
قال تعالى في سورة الأعراف (163) ( واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) فهذه طائفة من اليهود خالفوا أمر الله سبحانه لأنه أمرهم أن يُعظموا يوم السبت ولا يعدوا يوم السبت فلجئوا إلى الحيل حيث نصبوا الشباك وحفروا الحفر لحبس الحيتان يوم السبت ثم يستخرجونها يوم الأحد وما بعده .. وأيضاَ لما حرم الله عليهم شحوم البقر أذابوها وجمدوها ثم باعوها وهذا محله من التحايل على شرع الله .. وقد وقع هذا التحايل في هذه الأمة وصورة تستعصي على الحصر ..
ط – قسوة القلب بطول الأمد : ـ
قال تعالى: ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَْمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) الحديد (16) ولقد حصل في هذه الأمة من قسوة القلب ما لا يخفى على أحد وقد أخبر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك في قوله: "لا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ " وقوله "أول شيء يرفع من هذه الأمة الخشوع حتى لا ترى فيها خاشعا"صحيح، صحيح الجامع (2569).
وهكذا كلما مر الزمان قست القلوب في المجموع وليست في الجميع لأنه تزال طائفة من هذه الأمة على الحق منصورة وأصحاب اليمين ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ـ والسابقون ثلة من الأولين وقليل من الآخرين ..
الدليل الثاني :
من أدلة وقوع الشرك في هذه الأمة ما رواه أبو داود في الفتن والملاحم وابن ماجة من حديث طويل أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:"… وَإِذَا وُضِعَ السَّيْفُ فِي أُمَّتِي فَلَنْ يُرْفَعَ عَنْهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَإِنَّ مِمَّا أَتَخَوَّفُ عَلَى أُمَّتِي أَئِمَّةً مُضِلِّينَ وَسَتَعْبُدُ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي الأَوْثَانَ وَسَتَلْحَقُ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي بِالْمُشْرِكِينَ وَإِنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ دَجَّالِينَ كَذَّابِينَ قَرِيبًا مِنْ ثَلاثِينَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ وَلَنْ تَزَالَ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ مَنْصُورِينَ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) رواه ابن ماجة (3942) ومثله في صحيح الجامع (1773).
وقد تكون من بلاد متفرقة بعضهم من قبيلة والآخر من قبيلة أخرى وقد وقع هذا فعلاً .. فهذا الحديث لا كلام بعده لم يريد إضلال المسلمين وتحذير الناس بأن لا خوف من الشرك.
الدليل الثالث :
وهو مجموعة من الأدلة المتشابهة المتقاربة من كتاب الله تعالى :ـ قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ) إبراهيم (35) فإذا كان خليل الرحمن يخشى على نفسه الشرك وعبادة الأصنام ويدعو ربه أن يُجنبه ذلك فمن يأمن على نفسه بعد إبراهيم عليه السلام .. ؟
وجاءت الآية من سورة الأنعام فبينت أن الأمن لا يكون إلا لمن آمن ولم يلبس إيمانه بشرك (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) لما نزلت هذه الآية حزن أصحاب النبي (صلي الله عليه وسلم) وقالوا: أيُنا لم يظلم نفسه ؟ فبين لهم رسول الله أن الظلم المراد هنا هو الشرك وليس ما دونه من المعاصي ..
وأستدل بقول لقمان لولده (يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)لقمان(13) وأكثر من ذلك ذكر الله في سورة الأنعام ثمانية عشر نبياً ثم قال (ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) الأنعام (88) بل وجه خطاباً خاصاً لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم فقال (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ، بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ) الزمر (65،66)
ومعلوم أن النبي (صلي الله عليه وسلم) معصوم من الشرك ومما دون الشرك ـ ولقد عصمه الله حتى قبل الرسالة من اللهو والمعازف حين هّم بحضور عُرس فيه لهو ومزمار فألقى الله عليه النوم ومنعه من ذلك إذن فالمراد من هذا الخطاب التحذيري جميع الأمة ومنهم الصديق والفاروق .. ولو كان الشرك مستحيلاً في الأمة فما الحكمة من ذكر هذه الآيات والله تعالى أحكم الحاكمين لا يقول العبث ولا يتكلم به ..
الدليل الرابع :
قوله النبي صلي الله عليه وسلم :" لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ .."رواه البخاري ، صحيح (5466) صحيح الجامع ، والاستحلال شرك وكفر لان القائل بهذا منازع لله في حكمه مُبدل لشرع الله وهناك فرق بينه وبين من يفعل هذه الأشياء وهو يعتقد حرمتها فهذا معصية وكبيرة يرجى لصاحبها الغفران إذا تاب عنها ـ أما المستحيل فهو متجرأ على الله مشرك به وقد جاء هذا الحديث في البخاري تحت باب (ما جاء فيمن يشرب الخمر يسميها بغير اسمها) وذلك كالذين يسمونها الآن مشروبات روحية منعشة ..!!
الدليل الخامس :
حديث ذات أنواط : أخرجه الترمذي في الفتن عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَرَجَ إِلَى حُنَيْنٍ مَرَّ بِشَجَرَةٍ لِلْمُشْرِكِينَ يُقَالُ لَهَا ذَاتُ أَنْوَاطٍ يُعَلِّقُونَ عَلَيْهَا أَسْلِحَتَهُمْ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُبْحَانَ اللَّهِ هَذَا كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَرْكَبُنَّ سُنَّةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ "صحيح (3601) صحيح الجامع ، فهذه ذات أنواط شجرة يُعلق عليها المشركون أسلحتهم تبركاً فطلب الجدد (حديثوا عهد بالكفر) طلبوا من النبي أن يجعل لهم شجرة مثلها ينوطون بها أسلحتهم تبركاً ولم يريدوا عبادتها ولم يفعلوا ذلك ولم يحصل منهم التبرك أصلاً إنما سألوا النبي ذلك وهم يحسبون أن هذا الفعل سيقربهم من الله لأن الرسول لو أجازها لهم لأصبحت عبادة مشروعة لكنا علمنا كيف أن الرسول (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) حسم الموقف لأن التبرك بالأشجار نوع من الشرك فكيف يطلبه من يقول لا اله إلا الله.
إن النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كبر استعظاماً وتعجُباً من هذا الطلب وأنكر عليهم حفظاً وحماية لجناب التوحيد وأعتبر مقالتهم هذه مثل قول بنى إسرائيل لنبيهم موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة .. أفبعد هذا يكون الشرك مستبعداً في هذه الأمة ؟ وخاصة في هذه الأزمان التي أنتشر فيها الجهل وعم الضلال.
الدليل السادس :
اشتراط الحنيفية لتحقيق الدين القيم والتوحيد الخالص الذي أمر الله به الناس كافة وإلا لم يحصل الانتفاع ولا النجاة من النار لقوله سبحانه (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) البينة (5) وقال تعالى فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) الروم (30) وقال تعالى : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَْوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ، حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ)الحج (30،31)
وهذا واضح في قول رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ "رواه مسلم (34) فهذه الآيات صريحة في اشتراط الحنيفية وهى الميل عن الشرك وكل دين باطل .
فإذا كان الشرك مستحيل الوقوع في هذه الآمة بزعمهم فلماذا اشترطت الآيات الميل عنه واجتنابه ؟
الدليل السابع :
قال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ ، وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ، وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ، وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ، أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) المؤمنون (57،61) فبعد أن ذكرت الآيات أعلى صفات الإيمان وهى الإشفاق من خشية الله والإيمان بجميع الآيات لم تجعل ذلك كافياً للعلاج حتى ينفي عنهم الشرك الأكبر والأصغر والجلىّ والخفىّ ـ فكيف يُقال بعد ذلك لا خوف على الآمة من الشرك وإذا كانت الأمة في مأمن منه فلماذا اشترطت الآيات ذلك ؟
أليس هذا كلام أحكم الحاكمين المنزه عن العبث ؟ ولأبن أبى حاتم عن حذيفة قال : أنه رأى رجلاً في يده خيط من الحمى فقطعة وتلا قوله تعالى (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ) يوسف (106) أي وهم متلبسون بالشرك .
فهذا رجل مؤمن ولكن كان لبسه لهذا الخيط نوع من الشرك الأصغر، إذن فقد أجتمع في الرجل إيمان وشرك وإن كان هذا من الشرك الأصغر لكن الشرك الأصغر خطر عظيم إذ هو أكبر من جميع الكبائر وأكبر من قتل المؤمن عمداً .
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الشِّرْكُ الأَصْغَرُ ، قَالَ: الرِّيَاءُ"رواه أحمد (22528) صحيح (1555) صحيح الجامع.
فليس الشرك الأصغر إذن بالأمر الهين . وأخرج أحمد وصححه الألباني من حديث عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ مرفوعاً يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:" مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ "رواه أحمد (16763) فتأمل هذا الحديث وتأكل كيف قال رسول الله (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) من (تعلق) ولم يقل من "علق" لأن التعلق فيه معنى أوسع وأشمل من "علق" فإنه يدل على تعلق الأمر بقلبه ونفسه بحيث ينزل خوفه ورجاءه وأمله به معتقداً فيه جلب النفع ودفع الضر .
وأخرج أبو داود وابن ماجة وصححه الألباني عن ابن مسعود قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :"إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ " رواه أحمد وابن ماجة وأبو داود، صحيح(1632)صحيح الجامع.
والرقى جمع رقيه والمقصود بها هنا ما كان بغير ما ورد به الشرع كتلك التي تكون غير مفهومة المعاني وبألفاظ أعجمية ـ وهذه بخلاف الرقية الشرعية المسنونة مثل (الفاتحة ـ آية الكرسي ـ سورة الإخلاص ـ المعوذتين .. الخ)
أما التمائم :
مع تميمة وهى التي تسمى العزائم وهى شئ يُعلق على الأولاد أو على السيارات أو باب الشقة والمنزل دفعاً للعين والشر والآفات مثل ما نراه من كثير من المسلمين الآن مثل الذي يعلق (حدوة حصان ـ نعل طفل صغير ـ خمسة وخميسة … ونحو ذلك ..)
وأما التولة فهي شئ يعلقونه على الزوج أو الزوجة يزعمون أنه يحبب الزوجة إلى زوجها والعكس .
وهذا شرك وكل ذلك منتشر في الآمة يعرفه الجميع ويرونه رأى العين . ومن هنا يتبين لنا مدى خطورة دعاة الضلالة من الصوفية المبطلين وغيرهم فإنهم برغم هذه الضلالات والبدع الشركية الواضحة ـ يؤكدون للناس سلامة اعتقادهم وصحة دينهم وخلوة من الشرك ثم يريدون من دعاة الحق أن يتوقفوا عن توضيح الحق للناس وبيان التوحيد الذي هو أصل الدين وبيان ضده وهو الشرك ..
الدليل الثامن :
قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاةِ " رواه مسلم(117) فإذا كان أكثر الناس الآن تراهم تركوا الصلاة والحديث يُصرح أن ترك الصلاة من الشرك والكفر أليس هذا من أبين الأدلة على وقوع الشرك في الآمة ؟
وكذلك حديث :" مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ"رواه أبو داود والترمذي وأحمد، صحيح (6204) صحيح الجامع، وهذا مما نراه ونسمعه تفشي وعمت به البلوى ـ الحلف بسيدي فلان ـ الحلف بالنبي ـ ورحمة والدي ـ وتربة أمي ـ وشرف سعادتك … وهكذا .. فإنا لله وأنا إليه راجعون ..
الدليل التاسع :
قوله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ، وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ) البقرة (165) وكثير من المنتسبين للإسلام اليوم يُحب غير الله كالمال والجنس الآخر والجاه أكثر من محبته لله ..
ومنهم من يحب أرباب القبور سواء الأولياء حقاً أو زعماً أكثر من محبته لله ..
ومنهم من يأتون إلى مكة والمدينة ويرون أن زيارة قبر الرسول أعظم من زيارة البيت الحرام لأنهم يجدون في نفوسهم حُباً لرسول الله (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كحب الله وأشد ـ وحقيقة هذه المحبة التي يدّعيها هؤلاء باطلة لأنها قائمة على الغلو والأوهام والعاطفة الكاذبة إذ أنهم يعتقدون الأباطيل في رسول الله كقولهم إنه خُلق من نور وأن من جوده الدنيا والآخرة وأنه يملك الشفاعة إلى غير ذلك من الأمور الباطلة ..
فمحبة تقوم على أساس باطل فهي باطلة .. والعجيب أنك تراهم يدّعون هذه المحبة وكلهم أعراض عن منهج رسول الله (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) تاركين لسنته وهديه غارقين في المعاصي والخطايا ـ بل ومستهزئين بالمتمسكين بهدى النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ..
والمحبة الحقة بخلاف ذلك كله .. ذلك أن الذي يُحب رسول الله يُجب أن يعتقد فيه الاعتقاد الصحيح الحق ويسارع ويسابق في إتباع هديه والإقتداء والاهتداء بسنته وهذا منهج أهل السنة والجماعة .. يحبون رسول الله (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لأنه رسول الله .. لا لأنه محمد بن عبد الله فحسب .. محمد الرسالة والرسول .. فمحبته تابعة لمحبة الله سبحانه وتعالى ودلالة هذه المحبة الاهتداء بسنته والحرص على نشر رسالته (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ…)آل عمران(31).
يتبع إن شاء الله...
|
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: وقوع الشرك في الأمة السبت 02 يونيو 2012, 5:47 am | |
| الدليل العاشر :
ورد لفظ الجاهلية في القرآن 4 مرات (ظن الجاهلية ـ حكم الجاهلية ـ حمية الجاهلية ـ تبرج الجاهلية) وهذه الأربع منتشرة في الأمة الآن على أوسع نطاق ..
منها ما هو شرك أكبر ومنها ما هو شرك أصغر ومنها ما هو معصية وقد عقد الإمام البخاري في كتابة باباً في كتاب الإيمان فقال ( بَاب الْمَعَاصِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ…) وذكر فيه حديث عَنْ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ : لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ وَعَلَى غُلامِهِ حُلَّةٌ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلاً فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ"رواه البخاري (29) ومسلم (3140)
وجاء في حديث آخر في صحيح مسلم أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :"أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لا يَتْرُكُونَهُنَّ الْفَخْرُ فِي الأَحْسَابِ وَالطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ وَالاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ وَالنِّيَاحَةُ وَقَالَ: النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ" رواه مسلم (1550) والترمذي وأحمد. ومعلوم أن الاستسقاء بالنجوم شرك فهل بعد كلام النبي عن كلام ؟
أسئلة وأجوبة:
س1- ما هو سر هذا الاغترار العجيب والافتتان الكبير من عباد الأصنام بموتى الصالحين لدرجة دعائهم والاستشفاع بهم ورجائهم في دفع الضر وجلب النفع مع أنك تجد منهم من هو بصير بدنياه وماهر وذو دهاء وذكاء شديد أما في أمر دينه فلا ترى منه إلا التقليد الأعمى والسير وراء الأوهام والسراب ؟
الجواب: الله سبحانه وتعالى غنىُُ بذاته (لا يحتاج لغيره) أما الإنسان فقير بذاته (لا يكون إلا مُحتاجاً لغيره) ودائماً يطلب حوائجه .. وهى نوعان :ـ
النوع الأول :
حاجة لغذاء الروح والقلب وهذا الغذاء هو التأله الحق لإله الحق وبه تحصل الحياة الطيبة فإن لم تتناول هذا الغذاء أضطر لتناول البديل والبديل كله داء عضال وسم قتال وهو التأله الباطل للآلهة الباطلة وبهذا تحصل المعيشة الضنك والحياة النكدة .. وحاجة الإنسان إلى غذاء الروح والقلب أشد ضرورة من حاجة البدن إلى الهواء والطعام والشراب .
النوع الثاني :
حاجات الجسد من طعام وشراب وملبس ونحو ذلك والإنسان مولع دائماً بقضاء حاجته وإزالة ضروراته فإذا قضيت حاجاته بالأسباب فهذا هو الأمر الطبيعي ..
أما إذا تعثرت الأسباب مثل السعي على الأرزاق أو الهدية أو الصدقة أو القرص أو العلاج ..
فإن الإنسان يتجه إلى ما وراء الأسباب فالذي حقق التوحيد وعلم أنه لا اله إلا الله يعلم أنه لا قوة تؤثر وتنفع وتضر إلا الله سبحانه .. وهذا هو الحنيف التارك للشرك المائل عنه المتجه إلى الله سبحانه المُنيب إليه .. المتوكل عليه في كل شئونه وأحواله .
أما الجاهل الضال فإنه سماع للكذب فلا يزال يصغي ويُلقى سمعه إلى الحكايات المكذوبة والقصص المختلفة التي يروجها القبوريون من أن فلانا استغاث بقبر فلان فنفعه .. وفلان لجأ إلى الشيخ فلان في شدته فخلصه .. ورزقه ولد .. أو شفى له المريض .. وفلان نزل به ضر فأسترجى صاحب الضريح الفلانى فكشف عنه ضره !!
وأن المشهد الفلانى أو ضريح فلان ترياق مُجرّب !! الخ هذا الشرك والإفك ويستدلون على هذا الباطل بأحاديث موضوعة مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي يظهر كذبها من ألفاظها لأنها تناقص أصل الدين وعقيد المسلمين مثل قولهم زوراً بهتاناً يُحدثون عن رسول الله (إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور) (ولو أعتقد أحدكم في حجر لنفعه) فيقع الجاهل والعياذ بالله في براثن الشرك والإلحاد خصوصاً عند نزول الشدة به وحدوث العسرة له فإن الشيطان يتربص به ويدعوه إلى الشرك خطوة خطوة حتى تغوص أقدامه في مستنقع الكفر بالله رب العالمين .. فأنه يدعوه أولاً إلى دعاء الله والاستغاثة به عند قبر فلان .. فيدعو بحرقه وخضوع وذلة وانكسار فيكون هذا سبباً في استجابة دعوته لأنه سبحانه يجيب دعوة المضطر إذا دعاه ..
وعندها يوهمه الشيطان أن الدعاء عند القبر هو سبب استجابة الدعاء وأنه أرجى وأنفع من الدعاء في سائر الأماكن كالبيت والمسجد وغير ذلك وهكذا يُلبّس عليه الشيطان .
فإذا تقرر ذلك عنده نقله من هذه إلى خطوة أخرى ـ فيأمره بالدعاء بصاحب القبر والإقسام على الله به ـ ثم بعد ذلك ينقله إلى خطوة أخرى فيأمره أن يتخذ هذا القبر وثناً يعبده ويصلي عليه ويوقد عليه الشموع ويعلق عليه الأستار ويبنى فوقه المسجد ويطوف حوله ويُقّبله ويسجد له ويحج إليه ويذبح عنده ويسجد على بابه .
ثم بعد ذلك ينقله إلى خطوة أخرى فيأمره أن يدعو الناس إلى هذا الشرك بشد الرحال إلى تلك القبور واتخاذها عيداً ومنسكاً .
وقد يقع الجاهل في الشرك وهو لا يعلم شيئاً مما سبق دون أن يعتقد عقيدة الشرك ودون أن يسمع حكايات وقصص الدجالين وإنما يكون الأمر محض اختلاط وتلبيس عليه من الشيطان الرجيم ..
وذلك كان يدخل إلى مسجد ليصلى فيه لله تعالى ويتضرع إلى الله فيجد في هذا المسجد قبراً لأحد الأموات (الصالحين كما يزعم الناس) والميت المقبور غيب عن الأحياء ـ فيختلط الأمر عند هذا الجاهل وهو لا يشعر وتختلط رغبته ورهبته لله برغبته ورهبته للولىّ الميت ويختلط التأله والتضرع لله بمثلهما للموتى دون أن يدرى ويجتمع عليه جهله وكيد الشيطان له كما سبق مع ما هو فيه من الكرب والشدة فتستقر عنده الأوهام وتتحقق لديه الظنون شيئاً فشيئا حتى يعتقد أن للولىّ المقبور شيئاً من التأثير الغيبي على الأسباب (وهذا هو الإيمان بالجبت).
فيقع في الشرك الأكبر ويعتقده كعُبّاد الأصنام تماماً ـ والأدهى والأمّر أنه مع هذا الضلال يحسب أنه يُحسن صنعاً ويُعد نفسه من الموحدين المقربين الصالحين .
من أجل ذلك وحَذراً من اغترار الجهال وافتنانهم واختلاطهم أغلق النبي (صلي الله عليه وسلم) ذلك الباب تماماً ومنع من اجتماع المسجد والقبر أبداً حماية لجناب التوحيد وسداً لذريعة الشرك ولعن من بنى على القبور المساجد ، وأخبر أنهم شرار الخلق عند الله يوم القيامة ، ثم خص قبره بدعاء عظيم نفع به الأمة قَالَ :"اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ"رواه الإمام مالك (376) والإمام أحمد (7054)
وأستمر في التحذير من ذلك حتى آخر حياته وحتى عند اشتداد المرض الثقيل عليه كان يَقُولُ:" لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا" رواه البخاري (4089) ومسلم (825) والنسائي (2020) وأبو داود (2808) وأحمد (10298) ومالك (1387) والدارمي (1367) واللفظ للبخاري، وغير ذلك من الأحاديث التي بلغت حد التوتر بمعناها وإن لم تتواتر بلفظها.
ولم يقتصر نهيه (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) على اجتماع القبر والمسجد فحسب بل تعدى ذلك إلى القبور العالية المرتفعة على الأرض وذلك أيضاً سداً لذريعة المشرك وقطعاً لأسبابها كما قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لرئيس الشرطة أَبِي الْهَيَّاجِ الأَسَدِيِّ قَالَ: ألا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لا تَدَعَ تِمْثَالاً إلا طَمَسْتَهُ وَلاَ قَبْرًا مُشْرِفًا (أي مرتفعاً) إِلا سَوَّيْتَهُ ولاَ صُورَةً إِلاَّ طَمَسْتَهَا"رواه مسلم (1609) والنسائي (2004) والترمذي (970) وأبو داود (2801) وأحمد (645) صحيح، صحيح الجامع (7264)...
وموضوع اتخاذ القبور مساجد طويل لا نريد الاستطراد فيه الآن ومن أراد مزيد تفصيل فيه فليرجع إلى المصادر المحال إليها في آخر هذا البحث ..
س2- أليست زيارة القبور من السنة ؟
الجواب– الإجابة من كتاب إغاثة اللهفان لابن القيم بتصرف بسيط وهى: نعم زيارة القبور سنة ـ ومقصود هذه الزيارة في السنة ثلاث أشياء هي:
الأول : التذكير بالآخرة فيورث ذلك الاتعاظ والعبرة ..
الثاني : الإحسان إلى الميت وإلا يطول هجر الحي للميت فينساه ولا يذكره كما لو ترك زيارة الحي مدة طويلة فيؤدى ذلك إلى نسيانه فإذا زاره الحي فرح بذلك ..
فالميت أولى لأنه قد صار في دار قد هجر أهلها أهليهم وإخوانهم وأخواتهم ومعارفهم فإذا زاره وأهدى إليه هدية من دعاء أو صدقه أو قربة ازداد سرور الميت بذلك وفرح به أكثر من فرحة بالزيارة المجردة عن ذلك تماماً مثلما يسر الحي الزيارة مع الهدية ولهذا شرع النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) للزائرين أن يدعون لأهل القبور بالمغفرة والرحمة وسؤال العافية ولم يشرع أن يدعونهم أو يدعون بهم ولا أن يُصلوا عندهم.. الثالث: إحسان الزائر إلى نفسه باتباع السنة والوقوف عندما شرعة الرسول (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
فيحُسن إلي نفسه وإلي المزور وهذه صفة الزيارة الصحيحة التي سنها النبي ويؤجر صاحبها .
أما الزيارة الشركية التي تتضمن الدعاء والتوسل بالأبواب إلى الله سبحانه وتعالى أو يدعون الأموات أنفسهم ويطلبوا منهم قضاء حوائجهم وكشف الضر أو جلب النفع هذه الزيارة أصلها مأخوذ عن عبادة الأصنام وذلك لأنهم قالوا: الميت المُعظم الذي لروحه قرب ومنزله عند الله لا تزال تأتيه الألطاف وتفيض على روحه الخيرات فإذا علق الزائر روحه بهذا الميت وأدناها منه فاض من روح الميت على روح الزائر من تلك الألطاف..
وقالوا: تمام الزيارة أن يتوجه الزائر بروحه وقلبه إلى الميت ويعكف بهمته عليه ويوجه قصده كله إليه وكلما كان جمع الهمة والقلب على الميت أكبر كلما كان الانتفاع أعظم وهذه الزيارة الشركية بهذه الصفة قد ذكرها الفارابي وابن سينا وغيرهما وصرح بها عُبّاد الكواكب وأضافوا: إذا تعلقت النفس الناطقة بالأرواح العلوية فاض عليها منها النور وبهذا السر عبدوا الكواكب وأتخذوا لها الهياكل وصنفوا لها الدعوات وأتخذوا الأصنام المُجسمة لها وهذا بعينه هو الذي أوجب لعُبّاد القبور اتخاذها أعياداً وأوجب لهم تعليق الستور عليها وإيقاد السرج والقناديل وبناء المساجد فُوقها وهذا هو الذي قصد رسول الله إزالته بالكلية وإبطاله وسد الذرائع المفضية إليه فعارضه المشركون وحاربوه وناصبوه العداء وصاروا في شق والرسول (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) في شق وهذا هو معنى المُشّاقة لله ورسوله ..
والذي حدا بالمشركين وعباد الأصنام تعظيم أصنامهم هو نفس الشيء الذي حدا بعُبّاد القبور عبادتها وتعظيمها وهو اعتقادهم أنها ستشفع لهم عند الله أو تقربهم منه زُلفا (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) الزمر (3) وقاسوا في ذلك قياساً باطلاً من أفسد المقاييس فقالوا: إن العبد إذا تعلقت روحه بروح الوجيه المُقرب عند الله وتوجه بهمته إليه وعكف عليه بقلبه صار بينه وبينه إتصال يفيض عليه به منه نصيب، مما يحصل من الله ـ وشبهوا ذلك بمن يخدم ذا جاه وحظوة وقربه من السلطان فهو شديد التعلق به مما يحصل بذلك من الإنعام والإفضال الذي يمنحه السلطان وينال ذلك المتعلق به بحسب قوة تعلقه !!
س3- أو ليست الشفاعة حقاً ؟
الجواب- قبل الإجابة على هذا السؤال يحسن بنا أن نقدم مقدمة بين يدي الإجابة لنُبين فيها معنى الشفاعة ولمن هي والشفاعة الحقة والشفاعة الشركية .
والأدلة على ذلك فنقول وبالله التوفيق :ـ
معنى الشفاعة : مأخوذة من الشفع والشفع هو جعل الشيء اثنين وهو ضد الوتر قال تعالى (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ)الفجر(3) فالوتر هو الفرد والشفع هو الزوج والله سبحانه وتر أي أنه واحد في ذاته وصفاته وأفعاله فلا يصدر حكم في القدر والتشريع والجزاء إلا منه وحده لا شريك له ولا يُؤثر عليه شئ أبداً .
فلو جاء إنسان وأدعى في شيخ معين أو ولى من الأولياء أو صاحب ضريح ادعى أنه يملك الشفاعة عند الله فيعبده ويتضرع إليه ويرجو لدفع الضر وجلب النفع ويقول هذا شفيعي عند الله فهذا الإنسان مشرك بربه كافر بمولاه حرم الله عليه الجنة ومأواه النار إن مات على ذلك .
قال تعالى (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ)يونس(18)
وبيان وجه الشرك في تلك الشفاعة ما يلي :ـ
هذا الإنسان الذي يعبد من دون الله آلهة الباطل ويدّعى أنها تشفع له عند ربه ووقع في الشرك لأنه يصبح إذا حكم الله سبحانه بحكم فلن يكون هذا الحكم صادر عن الوتر الواحد الأحد بل سيكون صادر عن شفع أي أثنين عن الله وعن انضمام الشفيع إليه ـ تعالى الله عن ذلك ـ لأن الله سبحانه له ملك السماوات والأرض لا يُشاركه ولا يُنازعه في الملك أحد ومن تمام ملكه وسلطانه ألا يكون في السماوات والأرض شفيع إلا بإذنه ـقال تعالى: ( قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) وتمام المُلك أن تكون الشفاعة كلها له وحده ولهذا قال:(قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا)
ومعنى كون الشفاعة جميعاً له سبحانه أنه يملك الشافع ،والمشفوع فيه ، ووقت الشفاعة وهو الذي يحدد الشفاعة وكما جاء في حديث الشفاعة الطويل "ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ"رواه البخاري (4166) ومسلم (284) ومن ثم فلا يستطيع أحد كائناً من كان أن يشفع عند الله سبحانه إلا من بعد إذنه (وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَى) النجم (26)
نظرة في آية الكرسي :ـ هي أعظم آية في كتاب الله عز وجل ـ قال تعالى?اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ)البقرة(255) أثبت سبحانه لنفسه كمال الحياة والقيومية بنفي الضد، فكمال الحياة لا تأخذه سبحانه سنة ولا نوم .. (لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ) أثبت سبحانه لنفسه تمام ملك السماوات والأرض فهو سبحانه يملك الأشياء وأحوال الأشياء ونفى الضد فقال:(مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ) وتمام ملك السماوات والأرض لا تكون هناك شفاعة إلا بإذنه ـ
أما عند ملوك الدنيا فالشفاعة جائزة بإذنهم وبغير إذنهم فمن كان قريباً من السلطان يمكن له أن يشفع دون أن يستأذن أما عند الله فلا لأنها كلها له لا يشاركه فيها غيره قال تعالى: ( قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي اْلأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ)
فنفت الآية 3 أشياء:
نفت أن يملك أحد من دون الله مثقال ذرة في السماوات والأرض .. ونفت أن يكون لأحد من هذه الآلهة مشاركة لله في ملك السماوات والأرض .. ونفت أن يكون له منهم ظهير أو معين …
فإذا انتفت هذه الثلاثة فلم يبق إلا الشفاعة وقد نفاها الله بقوله (وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) وعن النواس بن سمعان قال : قال رسول الله (صلي الله عليه وسلم) إذا أراد الله أن يوحي بأمره تكلم بالوحي فإذا تكلم أخذت السماوات منه رجفة أو قال رعدة شديدة من خوف الله فإذا سمع بذلك أهل السماوات صعقوا وخروا لله سجداً فيكون أول من يرفع رأسه جبريل فيكلمه الله من وحيه بما أراد فيمضى به جبريل على الملائكة كلما مر بسماء قال ملائكتها ماذا قال ربنا قال جبريل قال : الحق وهو العلي الكبير ـ فيقول كلهم مثل ما قال جبريل ..)
فإذا كان هذا حال الملائكة المقربين إذا سمعوا كلام الله وحال السماوات والرعدة التي تصيبها من خوف الله أفبعد هذا يستطيع إنسان ضعيف من بنى آدم أن يتقدم أو يتجزأ بين يدي رب العالمين دون إذن ليقول : أعف عن هذا الرجل أو أترك هذا من أجلى ؟ سبحانك ربنا هذا بهتانُُ عظيم ..!!
وبعد .. فهذا غيض من فيضه وقليل من كثير في الكلام على إبطال الشفاعة الشركية ونفيها أما الشفاعة الصحيحة التي أثبتَها في القرآن وفى السنة هي شفاعة أهل التوحيد بشرط إذن الله تعالى للشافع والمشفوع له ـ فإن قيل إن الله تعالى قادر على أن يعطى المشفوع له ما يشاء بدون واسطة الشافع فما الفائدة من تلك الشفاعة ؟
الجواب– من المعلوم أن الله سبحانه لو شاء لأعطى المشفوع له … لو أعطى المشفوع له بلا شفاعة فهذه مشيئة .. ولكن الله كريم أراد من هذه الشفاعة إكرام الشافع ببيان فضله أمام الناس فإن من المعلوم أن من قبل الله شفاعته فهو عنده بمنزله عالية فيكون في هذا إكرام للشافع من وجهين :
الأول : إكرام الشافع بقبول شفاعته .
الثاني : إكرام الشافع بإظهار جاهه وشرفه ومنزلته عند الله تعالى وبهذا تم الكلام بإيجاز شديد عن الشفاعة ،
وبيان الشركية منها والمشروعة وأنها لله جميعاً لا شريك له فيها ولا شفاعة إلا بعد إذنه ورضاه وتبين أن مُلك الشفاعة من تمام مُلك الله للسماوات والأرض وأي نقص أو خدش في ملكية الشفاعة هو نقص وقدح في ملك الله للسماوات والأرض...
بقلم فضيلة الشيخ فوزي السعيد غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
|
|