أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: المبحث التاسع: جهود التسوية الدولية الجمعة 02 مارس 2012, 10:55 pm | |
| المبحث التاسع
جهود التسوية الدولية:
في إطار تعامل الحكومة السودانية مع الأزمة في دارفور على المستوى الدولي، تحرك المسؤولون السودانيون على ثلاثة محاور رئيسية: الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، وذلك بهدف إقناع المجتمع الدولي بصدق مسعى الحكومة لحل أزمة دارفور, والإفلات بذلك من العقوبات، ومن التدخل العسكري الدولي في البلاد.
غير أن قرار مجلس الأمن الأخير الرقم 1706 لسنة 2006, الصادر في شأن دارفور, جاء لطمة لها, حيث عالج الأزمة كغيره من القرارات السابقة، في إطار الفصل السابع من الميثاق, ما يُعد خطوة نحو التصعيد، على عكس ما سعت إليه الحكومة السودانية في أروقة الأمم المتحدة, وجدير بالذكر أن هذا الفصل يعطي مجلس الأمن سلطة تقديرية غير محدودة في التدخل لمعالجة الأزمة, ويتدرج هذا التدخل من تخفيض التمثيل الدبلوماسي في الدولة المعنية بالقرار, وذلك مروراً بالعقوبات الاقتصادية بأنواعها, وانتهاء التدخل العسكري الدولي في تلك الدولة, بما في ذلك مجال النفط.
وكما يعكس هذا القرار تشدد الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي ضد الحكومة السودانية, يشير إلى حقيقة أن الصين، برغم تهديدها باستخدام الفيتو لإيقاف القرار, فإن لها حسابات مع القوي الكبرى، تفوق مالها من مصالح في السودان.
أولاً: دور الأمم المتحدة في تسوية أزمة دارفور:
1. طبيعة الدور الذي تقوم به الأمم المتحدة في تسوية الأزمة: بدأ الانحدار إلى دوامة العنف في أواخر أغسطس 2004، بتحديد الحكومة مناطق في دارفور لتكون "سالمة وآمنة" للأشخاص المشردين داخلياً، وفقا لخطة العمل المتفق عليها مع الأمم المتحدة.
ومن سوء الطالع أن تلك الوثيقة التي كان يقصد منها أن تكون متابعة لبيان الأمم المتحدة والحكومة الصادر في 3 يوليه 2004، جرى التفاوض عليها ثنائيا بين الممثل الخاص للأمين العام لدى السودان، يان بروك، ووزير الخارجية السوداني، مصطفى إسماعيل، من دون إسهام من حركة العدل والمساواة وجيش تحرير السودان أو الاتحاد الأفريقي.
واتُفق على سبعة مواقع يتعين على الحكومة أن تؤمن حولها مسافة عشرين كم من كل الجهات.
وكان يتعين إعادة نشر القوات الحكومية في تلك المناطق لتكون في مقار الرئاسة والحاميات العسكرية وإحضار المزيد من قوات الشرطة.
إن التناقضات العديدة لهذا الترتيب مع اتفاق انجامينا لوقف إطلاق النار، الموقع في 8 أبريل 2004، أشعلت صدامات جديدة بين الحكومة وجيش تحرير السودان.
أولاً: أن مسافة العشرين كيلومتر تتداخل مع المناطق التي يسيطر عليها جيش تحرير السودان في بعض الحالات، ما يعطي الحكومة حقاً في مخالفة وقف إطلاق النار والهجوم على جيش تحرير السودان، للوفاء بالتزاماتها بموجب خطة العمل، وهذا موضع جدل.
ثانياً: أن تغيير أماكن القوات المسلحة يتناقض مع نص اتفاق انجامينا، الذي يرد فيه أنه يجب على كل طرف أن "يتخلى ويمتنع عن أي نشر للقوات أو تحرك أو عمل يمكن أن يؤدي إلى توسيع المنطقة الواقعة تحت سيطرته، أو يمكن أن يؤدي إلى استئناف الأعمال العدائية".
أن القتال الذي اندلع، في 26 أغسطس 2004، أدى إلى زيادة الشك والتوتر بين الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، الذي كان يرصد الانتهاكات اليومية ويتحقق منها.
وهجوم الحكومة، لاستعادة مناطق من المتمردين، بذريعة توسيع محيط "المناطق الآمنة"، أدى إلى كثرة انتهاكات وقف إطلاق النار من الجانبين، وكان سبباً أساسياً في فشل الجولة الأولى من محادثات أبوجا للسلام.
بعد أن تبين للأمم المتحدة خطأها، سعت إلى إنشاء آلية للتعامل مع الصدامات حول المناطق الآمنة.
وفي اجتماع لآلية التنفيذ المشتركة (الهيئة التي أنشئت لمراقبة تنفيذ بيان 3 يوليه 2004)، اتفقت الحكومة والأمم المتحدة ولجنة الاتحاد الأفريقي لوقف إطلاق النار (التي تشمل جيش تحرير السودان وحركة العدل والمساواة)، في 17 سبتمبر 2004، على اتخاذ إجراءات للتوفيق بين مختلف الاتفاقات.
وعلى وجه الخصوص، وعدت الحكومة بألا تحرك قواتها إلى داخل المناطق المعروفة لجيش تحرير السودان وحركة العدل والمساواة، في إطار مسافة العشرين كيلومتر للمناطق الآمنة.
وإذا كانت السيطرة على المنطقة غير معروفة، ينبغي لها أن تطلب التوضيح من لجنة الاتحاد الأفريقي لوقف إطلاق النار، التي ستخطرها إن كان يمكنها أن تتقدم.
ومع ذلك، سرعان ما تم التخلي عن مفهوم المناطق الآمنة، ولم يعد يشار إليه من قبل الأمم المتحدة أو الحكومة.
وبدد تدمير الحكومة لمخيم الجير، في نوفمبر 2004، والتهديدات الموجهة إلى مخيم عطاش في نيالا، أي فكرة لسلامة الأشخاص المشردين داخلياً في تلك المناطق.
على الرغم من أن الخرطوم لا تبدو قلقة من أي عقوبات دولية قد تفرض عليها على خلفية أزمة دارفور، اعتماداً على تعهدات دول كبرى بعرقلة العقوبات، وعلى أساس أنها تقوم بما عليها من واجبات لإنهاء الأزمة؛ إلا أن هناك مخاوف حقيقية من لجوء الدول الغربية الكبرى لسيناريو العراق نفسه تجاه السودان، القائم على التصعيد عبر مجلس الأمن، بقرارات متوالية تقيد حركتها، وتدفع باتجاه التدخل العسكري، بعدما انتهت مهلة الشهر التي حددها أول قرار لمجلس الأمن، يوم 30 أغسطس 2004، من دون أن يتحقق كل ما طالب به المجلس.
ورغم أن الحكومة السودانية أعلنت في مناسبات عديدة أنها غير معنية بمهلة الشهر، التي منحها لها مجلس الأمن، لنزع سلاح ميليشيا الجانجويد في دارفور، ومحاكمة المسؤولين عنها، وأنها ملتزمة فقط بما سُمِّي "خريطة الطريق"، التي رسمت مع الأمين العام للأمم المتحدة، كوفي عنان، والمفترض أن تتجدد شهرياً، بناءً على تقارير مبعوث الأمين العام للخرطوم، يان برونك..
فقد جاء آخر تقرير أصدره منسق الأمم المتحدة لمساعدات الإغاثة للنازحين، يوم 30 أغسطس 2004، سلبيًّا للغاية، واتهم الخرطوم، بوضوح، بالفشل في قمع ميليشيات الجانجويد، والفشل في توفير الحماية الكافية للنازحين، وهو ما يهدد بقرارات أو عقوبات دولية.
2. الضغوط التي تمارسها الأمم المتحدة من أجل تسوية الأزمة:
جاءت مشاركة المنظمات الإقليمية والدولية في الأزمة بدءا بالأمم المتحدة، فقد زار الأمين العام للأمم المتحدة، كوفي أنان، السودان، وزار دارفور، وانتقد طريقة إدارة الخرطوم للأزمة، وأنها كانت بطيئة في ضمان وصول المساعدات الإنسانية.
وقد حصل على تعهدات من الرئيس السوداني عمر حسن البشير بإزالة جميع العقبات التي تعرقل وصول المساعدات الإنسانية إلى المهجرين، وتوفير أمن المدنيين في هذه المنطقة، وبمحاكمة المسؤولين عن أعمال العنف المسلح، ووقّع بيان مشترك بين الحكومة السودانية والأمم المتحدة، تعهدت فيه حكومة السودان بنزع أسلحة الجانجويد والجماعات المسلحة الأخرى الخارجة على القانون فورا، والسماح بنشر مراقبين لحقوق الإنسان وإلغاء القيود على العمل الإنساني من معوقات وتأشيرات دخول للعاملين، وحرية تحرك في دارفور، ومحاكمة الأفراد والمجموعات المتهمة بانتهاكات حقوق الإنسان.
كما تعهدت الأمم المتحدة، بأقصى ما يمكن، لتوفير الحاجات الإنسانية لمواطني دارفور، واللاجئين السودانيين في تشاد، خلال خطة للعمل الإنساني، تنفذ في 90 يوماً، إلى جانب المساعدة في النشر السريع لمراقبي وقف إطلاق النار في الاتحاد الأفريقي.
وبالفعل، تم تعيين إيان برونك ممثلاً للأمين العام للأمم المتحدة، لمتابعة الاتفاق بين السودان والأمم المتحدة، وبالفعل، بدأ، في 26 أغسطس 2004، زيارة إلى دارفور، لإجراء تقييم شامل على الأرض لمجمل السياسات والتدابير، التي وضعتها الحكومة للإيفاء بتعهداتها، وقد قدم برونك، بداية شهر سبتمبر 2004، تقريره عن الوضع الأمني في دارفور، والذي على أساسه قد يتخذ المجلس قراراً جديداً بشأن السودان.
وكذلك فعلت بعض المنظمات التابعة للأمم المتحدة، مثل منظمة الهجرة الدولية، التي وقعت اتفاقية مع السودان بقصد برامج العودة الطوعية، والتعاون لمعالجة الأوضاع في دارفور للنازحين، وبسط الأمن والحماية للمراقبين، وأمنت هذه المنظمة على التحسن الواضح في توفير الأمن والاستقرار.
3. موقف مجلس الأمن من أزمة دارفور:
وضع تقرير الأمين العام لبنة قوية بُني عليها تقرير لجنة التحقيق الدولية الذي تلقفه قرار مجلس الأمن الرقم 1593، ومؤداه أنه يجب تقديم المسؤولين عن الجرائم التي ارتكبت في دارفور للمحاكمة، وعند هذا الحد بدأ جدل جديد حول الجهة المنوط بها توجيه الاتهام، والجهة المنوط بها المحاكمة، وفي أخر أيام شهر فبراير 2005، تمكن مجلس الأمن، بعد جدل طويل، دام أكثر من أسبوعين، من إصدار القرار الرقم 1593 بناء على مشروع قرار فرنسي، ساندت الولايات المتحدة الأمريكية كل فقراته، ما عدا الإشارة إلى المحكمة الجنائية الدولية.
وكان المجلس قد أصدر هذا القرار، بغالبية? صوتاً، من دون معارضة، بينما امتنعت عن التصويت أربع دول، هي الجزائر، والبرازيل، إضافة إلى الصين، والولايات المتحدة الأمريكية، التي فسرت موقفها بأنها امتنعت عن التصويت بدلاً من الاعتراض، بعد أن قبلت فرنسا استثناء الجنود الأمريكيين في السودان من الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية.
أما مندوب الجزائر فهاجم القرار بشدة، بسبب هذا الاستثناء الأمريكي، ما يوضح أن الدول الصغيرة لها أن تمتنع عن التصويت، في مجلس الأمن، على القرارات، التي لا توافق عليها، لكنها لا تملك حق المعارضة.
يبدو أن مجلس الأمن والدول الدائمة العضوية فيه التقت عند مصلحة معينة مع الولايات المتحدة الأمريكية في دارفور، فأصبح المجلس أحد الأدوات الثلاث للتصعيد ضد السودان، إلى جانب العقوبات الأمريكية المباشرة، والضغوط الأوروبية المتأثرة بالموقف الأمريكي.
لقد صعد المجلس موقفه ضد السودان بسبب دارفور في قرارات عدة، صدرت متعاقبة، في الشهور الأخيرة، منذ منتصف عام 2004، وتضمنت الضغوط المتصاعدة على السودان، وانتهت في القرار الرقم 1574 بأن المجلس ينوي تطبيق جزاءات المادة 41 على السودان، ما لم يتعاون مع الأمم المتحدة في تحقيق أهداف القرار ومتطلباته.
وركزت الولايات المتحدة الأمريكية على الجانب الإنساني في أزمة دارفور، وقدّم الأمين العام للأمم المتحدة تقريرًا لم يؤكد فيه ما أعلنته الولايات المتحدة الأمريكية من أن الجرائم المرتكبة في دارفور، من جانب القوات السودانية والقبائل المتعاونة معها، تصل إلى حد جرائم الإبادة الجماعية، وإنما هي جرائم حرب.
في إطار هذه الصورة، صدر قرار مجلس الأمن الرقم 1593 لسنة 2005، ومثل خطوة جديدة في اتجاه يظهر واضحاً، للمرة الأولى، في تاريخ المنظمة الدولية، وإن كان ظهر بدرجة أقل في حادثة لوكيربي، حين طلب المجلس من ليبيا تسليم مواطنيها المشتبه في ضلوعهما في الحادث، للمثول أمام المحاكم الأمريكية أو البريطانية.
وفي هذا الصدد، شدد مندوب الأرجنتين على أن الاستثناء الأمريكي لا يجوز أن يصبح قاعدة، وأن هذه السابقة الأولى يجب أن تؤدي إلى احترام روح ونص ميثاق روما، وأن تضع في حسبانها مخاوف الدول، وأن الاستثناء الأمريكي ينطبق فقط على الدول غير الأطراف في نظام المحكمة.
ومن الملاحظ أن قرار دارفور أشار إلى استثناء المواطنين الأمريكيين، الذين يرتكبون جرائم في السودان، من تقديمهم إلى المحكمة الجنائية الدولية، أو إلى أية محاكم وطنية أخرى، وهو تمييز انتقدته منظمات حقوق الإنسان الدولية.
كان القرار الأول الرقم 1325 لسنة 2000 الذي أصدره مجلس الأمن بشأن دارفور يفرض حظر السلاح وتجميد الأرصدة، وحظر السفر لكل من يتحدى جهود السلام، لكن القرار الثاني الرقم 1556 الصادر في 30 يوليه 2004 تضمن إرسال عشرة آلاف جندي لحفظ السلام بين الطرفين لإنهاء واحد وعشرين عاماً من الحرب الأهلية.
وبينما أكدت الخرطوم، التي رفضت القرار رفضاً قاطعاً، وشنت حملة شعبية ضده، اختصاص القضاء السوداني وحده بهذه القضية، أبدت الولايات المتحدة الأمريكية رغبتها في أن يحال المتهمون إلى محكمة أفريقية، وهو ما لم يلق تأييداً واسعاً في مجلس الأمن، ولذلك فإن حصول الولايات المتحدة الأمريكية على ضمانات لمصلحة مواطنيها، هو الذي شجعها على التخلي عن استخدام الفيتو ضد مشروع القرار. أخذ القرار علماً بتقرير اللجنة الدولية للتحقيق في انتهاكات القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان في دارفور مشيراً إلى المادة 14 من نظام المحكمة التي تمنع التعقب أو الاستدلال من جانب المحكمة قبل مضي ?? شهراً على طلب مجلس الأمن ذلك.
وتضمن القرار، في الديباجة، أن الوضع في السودان "وليس في دارفور" لا يزال يشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين، وأن المجلس يتصرف بموجب الفصل السابع من الميثاق، كما يتضمن القرار إحالة الموقف في دارفور، منذ الأول من يوليه?، إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، وألزم القرار حكومة السودان والأطراف الأخرى في الأزمة بالتعاون التام، وتقديم المساعدة الضرورية للمحكمة وللمدعي، كما يحث كل الدول الأخرى غير الأعضاء في نظام المحكمة على التعاون، وكذلك الاتحاد الأفريقي.
إذا كانت الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية تضمنها تقرير المندوب السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، وهي البديل الثالث إلى جانب القضاء السوداني والمحكمة الأفريقية، فإن الدولتين الأفريقيتين في المجلس، وهما: تنزانيا وبنين، أيدتا، تماماً، قرار المجلس، بينما امتنعت البرازيل والجزائر عن التصويت، اعتراضاً على استثناء الرعايا الأمريكيين.
أما السودان فانتقد قرارات المجلس غير الحكيمة ضد بلاده، كما انتقد تحالف الدول الكبرى ضد الدول النامية، مؤكداً أن القرار يزيد تعقيد المسألة، وأظهر أن المحكمة الجنائية الدولية لن تكون إلا أداة لممارسة التفوق الثقافي ضد الدول الضعيفة النامية، كما انتقد إغفال المجلس لاقتراح نيجيريا رئيس الاتحاد الأفريقي.
فإذا كان من الواضح أن قرار مجلس الأمن خطا خطوة أخرى في تصعيد المشكلة، هذه المرة، ضد المسؤولين السودانيين، فإن المجلس يشدد على أن مسلسل الجرائم، التي ارتكبها المسؤولون السودانيون، لن يمر بلا عقاب، ويبدو أن المجلس احتفظ لنفسه بالسر حول أسماء الأشخاص المتهمين، الذين تردد أنهم حوالي 51 اسماً، بينهم كبار المسؤولين السودانيين.
ويفترض قرار المجلس، كما سبق أن افترض في المسألة السورية ـ اللبنانية، أن الدولة السودانية نفسها متورطة في هذه المذابح، ومن ثَم، فإن إحالة المسؤولين فيها إلى القضاء الدولي سببه عدم الثقة في أن تتحقق العدالة للضحايا أمام المحاكم السودانية.
وإذا كان قرار مجلس الأمن صحيحاً من الناحية الشكلية؛ إذ يتحدث عن عدالة دولية ضد جرائم الإبادة الجماعية ما لا يقوى أحد على معارضته، إلا أن هذا القرار استخدم لتحقيق أغراض سياسية لا علاقة لها بالعدالة المزعومة، فالمجلس ينزع، هنا، الشرعية عن الحكومة السودانية، ويضعها في قفص الاتهام، منتهكاً بذلك مبادئ السيادة والاستقلال للدول، ودور مجلس الأمن في مثل هذه الظروف.
ولكن الأخطر هو أن المجلس استخدم لتنفيذ مخطط ضد السودان وتمزيقه، وربما انتزاع دارفور من أحضانه، ولذلك فإن مساندة العالم العربي للحكومة السودانية أصبحت أكثر إلحاحاً.
صحيح أن هذا الصراع في دارفور راح ضحيته كثيرون من أبناء الشعب السوداني، وأن هذه القضية تظل دولية في آثارها، لكنها سودانية في محتواها وإطارها.
ثانياً: دور الصين (الدولة الفاعلة):
يمثل السودان للصين واحدة من أكبر خمس شركاء لها في أفريقيا، إلى جانب جنوب أفريقيا وأنجولا ونيجيريا ومصر، و في هذا الصدد تستورد الصين جزءاً كبيراً من النفط من السودان، وتعد السودان نموذجاً يوضح مدى التأثير الصيني في أفريقيا، حيث ركّزت الصينَ على تدعيم روابطِها مع الحكومةِ في الخرطوم، وقد أسهمت بدور في ترغيب تلك الحكومة من أجل تَقليل وتيرة العنفِ وحالة عدم الاستقرار في مناطق متعددة من البلادِ، وفي الوقت نفسه، كان الصينيون يَضْخّونَ عشراتَ الآلاف من براميلِ النَفط الخامِّ، وقد زاد هذا بشكل واضحُ عندما فَرضتْ دول أخرى مقاطعة تجارية على السودان، وهناك عدة شركات نفطية صينية نشطة، تعمل منذ سنوات في حقولِ نفطية (Muglad) في الجنوبِ، حيث يَأْخذونَ 50 % من إنتاجِ تلك الحقول.
واستمراراً، فإن السودان تُزوّدُ الصين بما يعادل نسبة 5 % مِنْ الإجمالي الكلي الذي تستورده الصين من النفطِ، وفقاً لإحصائيات عام 2005.
وفي مجال صناعة النفط، أسهم العُمّالُ الصينيونُ في التأسيس لحوالي 1600 كم من خطِوط الأنابيب.
وتوجد ثلاث عشرة شركة صينية، من أصل خمس عشرة شركةِ أجنبيةِ، تعمل في هذا المجال النفطي.
وتحرص الصين على تعزيز علاقاتها بعناية مع النظامِ القائم في السودان، وذلك على الرغم من الانتقادات الموجهة إلى السودان من العديد من الدول الأجنبية الفاعلة الأخرى.
ويبدو ذلك جلياً عندما طرح اقتراح من جانب الأُمم المتّحدةِ (القرار الرقم 1564) بفَرْض حظرَ التزود بالسلاح على الحكومةِ السودانيةِ، حيث هدّدتَ الصين باستخدام حق النقض (الفيتو)، وهو الأمر الذي ترتب عليه التخفيف من حدة القرارَ، ومع ذلك امتنعت الصين عن التصويت على القرار.
وفي إطار دور الصين كقوة فاعلة، فإنها اتخذت مواقف معتدلة في مجلس الأمن تجاه القضية السودانية، ورأت أن ما تقوم به السودان من رفض عملية التدويل هو حق سوداني أصيل، وأنها صاحبة الحق في اتخاذ ما يلزم من تدابير لا تنتقص من سيادتها الوطنية.
وعلى صعيد تقريب وجهات النظر بين أطراف الصراع، فإن الصين عملت على تهدئة الوضع في دارفور، ووقف إطلاق النار بين الجهات المتصارعة، ولهذا زار مساعد وزير الخارجية الصيني السودان، خلال شهر يناير 2007، وصرح، في 15 يناير 2007، بأن الرئيس الصيني سيزور السودان، خلال شهر فبراير من العام نفسه، وذلك في إطار جهود الصين للتسوية. |
|