أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: المبحث الثامن: جهود التسوية الوطنية والدولية الأحد 19 فبراير 2012, 5:49 pm | |
| المبحث الثامن
جهود التسوية الوطنية والإقليمية:
أولاً. الجهود الوطنية:
بذلت الحكومة السودانية منذ اندلاع الصراع في دارفور العديد من الجهود الوطنية، لتطويق الأزمة هناك، والسعي لإيجاد تسوية مناسبة، بعيداً عن أي تدخل خارجي، ويمكن الإشارة إلى ذلك في ما يلي:
1. التوجه العام لتسوية أزمة دارفور على المستوى الوطني:
كانت أهم محاولة لإبداء رأي أوسع من أجهزة النظام هي ملتقى الفاشر التشاوري، في 25 مارس 2003.
لكن الحكومة رفضت توصياته.
وجرت محادثات في مناطق مختلفة، أهمها ما كان برعاية الحكومة التشادية، تمخضت عنه اتفاق بين الحكومة السودانية وحركة تحرير السودان، في 3 سبتمبر 2003، في أبشي.
لكنه كان اتفاق إجرائي، لم يخاطب أسباب النزاع المؤجل بحثها لمرحلة لاحقة.
هذا الاتفاق ونتائج المحادثات الأخرى هشة ولا تضع حداً نهائياً للاقتتال.
وتعددت وساطات المواطنين، لاسيما من أبناء الإقليم من دون جدوى، حتى ربما لأن الحكومة ظلت تشكك في جدية المحاولات، كما تشكك فيها الحركات المسلحة.
وعلى الرغم من الإعداد لمؤتمر صلح قبلي، إلا أن هذا النوع من المؤتمرات ليس مجدياً؛ لأنه سيجري على نمط المؤتمرات السابقة، والتي تعتمد على حشد الضغوط على أطراف النزاع لإبرام صلح.
والعمل على تسوية الثأر القبلي، ووقف الأعمال الاستفزازية المتبادلة، وإيجاد معادلة بين المزارعين والرعاة، وفي كل هذه المصالحات يعتمد المؤتمر على نفوذ زعماء العشائر.
أما في الوقت الراهن، فإن الظروف تبدو متغيرة تماماً، حيث أن هنالك حركات مسلحة، ذات أهداف سياسية مستعصية على الدولة، ومن باب أولى على زعماء العشائر، الذين أضعفت الدولة نفوذهم بإدراجهم في حزبها.
وكذلك القيادات من المثقفين داخل الإقليم وخارجه الذين اكتسبوا علاقات خارجية، واستحسنوا أساليب الحركة الشعبية وجيشها.
إن اتفاق السلام الذي وُقِع مؤخراً قد بعث الآمال في أن يكون السلام الدائم في دارفور وشيكاً أيضاً.
ولكن من المرجح أن يكون الأثر الملموس هناك ضئيلاً في المدى القريب.
وهناك نوعان من الفوائد ذات الصلة، وكلاهما يحتاج إلى وقت ليحدث أثره.
الأول يتمثل في نماذج وأحكام الحكم الذاتي للولاية، وسوابق تقاسم السلطة والثروة بين الحكومة المركزية والحكومات الإقليمية، والمؤسسات الوطنية الجديدة الرامية إلى تعزيز مشاركة الولاية في الحكومة المركزية، التي يحددها اتفاق السلام.
والثاني هو دخول الحركة الشعبية لتحرير السودان في حكومة الوحدة الوطنية، فهي شريك موثوق به لدى متمردي دارفور، وبصفتها شريكاً في الخرطوم مع حكومة المؤتمر الوطني الحاكمة حالياً، ينبغي أن يكون بوسعها، في النهاية، تلطيف سياسة الحكومة في دارفور، وتشجيع الوصول إلى حل سلمي.
والسلطات والحقوق والترتيبات السياسية المحددة في اتفاق السلام الشامل إذا ما أخذت معاً تمثل أساساً قوياً لإيجاد حل سياسي لدارفور.
ونموذج الحكم الذاتي للولاية، الذي صيغ لجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، يتضمن بعض الأحكام ذات الصلة.
وعلى وجه التحديد، يهدف إلى قيام حكومة منتخبة ديمقراطياً للولاية، ويجري تداول الحكم لفترات متساوية بين الطرفين قبل الانتخابات.
وستخضع اللجنة الأمنية لتوجيه الحاكم وهو يملك السلطة، ما يخول له عملياً إدارة المسائل المتعلقة بأمن الولاية والأجهزة الأمنية.
من النقاط الإضافية، في اتفاق جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، ذات الصلة بدارفور، القوائم المحددة التي تنص على سلطات الولاية ومصادر دخلها، وهي أكبر من سلطات الولايات الشمالية ومصادرها.
فوفقاً لاتفاق السلام الشامل، يكون للجنة أراضي الولاية السلطة لمراجعة إيجارات وعقود الأراضي الموجودة ومعايير توزيع الأراضي، وتقديم توصيات بشأن التغييرات اللازمة، بما في ذلك إعادة الحقوق أو التعويض.
وبما أن مسائل الأراضي من أكثر المسائل إثارة للشقاق في صراع دارفور، فإن قيام لجنة الولاية للأراضي (التي لا توجد إلا في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق) سيكون عنصراً بالغ الأهمية من عناصر الحل.
وهناك أحكام أخرى من بروتوكولات إيجاد، يمكن أن تساعد أيضاً على بناء أساس للحل.
فمثلاً، إنشاء هيئتين وطنيتين جديدتين، مجلس الولايات (وهو مجلس تشريعي أعلى، يتكون من ممثلين اثنين من كل ولاية) ولجنة المالية والمخصصات والرقابة المالية (وتشمل جميع وزراء مالية الولايات، وثلاثة ممثلين من حكومة جنوب السودان، وثلاثة من الحكومة الوطنية، لتحديد المدفوعات من موارد الحكومة الوطنية إلى الولايات)، من شأنه أن يساعد على تحسين مشاركة الولاية في صنع القرار في الحكومة المركزية. وهذا بدوره سيساعد على إعادة بناء الولاية والمؤسسات المحلية، التي ضعفت كثيراً خلال سنين من إهمال النظام.
وفي إطار الجهود الوطنية، عملت حكومة السودان على بذل الجهود لتقريب وجهات النظر مع كل من حركة العدل والمساواة وجيش تحرير السودان.
وفي 15 يناير 2007، اتفق كل من جيش تحرير السودان، وحركة العدل والمساواة، على توقيع بروتوكول لإقرار السلام في دارفور، اعتماداً على ما ورد في اتفاق أبوجا.
2. المساعي الرامية لإزالة التهميش:
إن مختلف الحقوق والمبادئ، التي اتفق عليها في برتوكولات اتفاق السلام الشامل الأخرى، مثل تأكيد المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وإعادة تأكيد أن المواطنة ـ هي أساس الحقوق المتساوية في السودان، من شأنها أن توفر لمتمردي دارفور أساساً قانونياً؛ لمعالجة مطالبهم المتعلقة بإزالة التهميش والتمييز.
والنص في بروتوكول تقاسم السلطة، على أن الخدمة المدنية ستكون ممثلة تمثيلاً عادلاً لجميع سكان الوطن، وأنها ستستخدم التمييز الإيجابي، وبرامج التدريب لتحقيق هذا الغرض، من شأنه أيضاً أن ينال رضا المتمردين، الذين يعلنون رغبة سكان دارفور في الحصول على تمثيل أفضل في المؤسسات الوطنية، والالتزام بإجراء انتخابات على جميع المستويات قبل نهاية السنة الرابعة من الفترة الانتقالية، ذات السنوات الست، يشمل دارفور أيضاً في عملية التحول الديمقراطي الوطني.
3. مبدأ تقاسم السلطة والثروة كآلية لتسوية أزمة دارفور:
على الرغم من أن تلك الأمور المتعلقة بضرورة إزالة التهميش السابق الإشارة إليها مجتمعة تؤلف أساساً قوياً لصياغة حل تفاوضي لدارفور.
إلا أن هناك ثغرات رئيسية في تقاسم السلطة، وبمدى أقل في تقاسم الثروة.
فترتيب تقاسم السلطة في الولايات الشمالية (70 %لحزب المؤتمر الوطني، و10 % للحركة الشعبية، و20 % للقوى السياسية الأخرى) قبل إجراء الانتخابات، من المرجح كثيرا ألا يرضي المتمردين.
ونموذج جنوب كردفان/ جنوب النيل الأزرق (حيث تتقاسم الحركة الشعبية وحزب المؤتمر الوطني مقاعد المجلس التشريعي للولاية بنسبة 45 % و55 %، يقدم بديلاً، ولكن لتعدد المجموعات التي تقاتل في دارفور يصبح تقاسم السلطة أكثر تعقيداً.
والمشكل الأكبر تقاسم السلطة على المستوى الوطني، حيث إن 14 % فقط من مقاعد البرلمان مخصصة لمختلف القوى الشمالية المعارضة في الفترة السابقة لإجراء الانتخابات.
وإذ تطالب عضوية مظلة المعارضة، المتمثلة في التجمع الوطني الديمقراطي، بالتمثيل العادل لجميع القوى السياسية في اللجنة، التي ستعد مشروع الدستور الانتقالي وفي الهيئات الانتقالية الأخرى، على نقيض النسب المئوية الثابتة المتفق عليها في اتفاق السلام الشامل، لن يكون هناك سوى مجال صغير جداً لمتمردي دارفور في البرلمان الوطني.
وإذا ما لاح في الأفق، أيضاً، اتفاق مع جماعات شرق السودان، كما يبدو الآن، فإن المقاعد المتاحة ستنقص مرة أخرى. بإيجاز، إن ترتيبات تقاسم السلطة قبل الانتخابات، وخاصة بين الجماعات السياسية الشمالية، من المرجح أن تكون عقبة أمام أي حل سياسي في دارفور، ومن المحتمل بالنسبة لشرق السودان أيضاً.
وأنسب حل لهذه المشكلة أن يوافق حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية على إعادة تقييم هذه الترتيبات، وإتاحة تمثيل أكبر للكثير من الجماعات الموجودة الآن خارج العملية السياسية.
وإذا ما بدا أنهما مصران على استبعاد الجماعات السياسية الأخرى من صنع القرار، فإن ذلك سيبذر بذور المزيد من الصراع في دارفور وشرق السودان ومناطق أخرى.
4. دور الحركة الشعبية لتحرير السودان في جهود التسوية في دارفور:
لا تستطيع الحركة الشعبية أن تغير سياسة الخرطوم في دارفور على الفور، لكن يمكنها أن تبدأ العمل مع المتمردين، ولاسيما جيش تحرير السودان للمساعدة في قبول اتفاق السلام الشامل أساساً للحل.
ويمكنها أن تعمل أيضاً مع جيش تحرير السودان لمحاولة التغلب على انقساماته الداخلية.
وينبغي للحركة الشعبية محاولة إرسال وفد في جميع الجولات المقبلة لمفاوضات دارفور.
وهي ستكون في موضع فريد لتكون وسيطاً بين الأطراف الرئيسية في الصراع.
وينبغي للمجتمع الدولي أن يرحب بمشاركة الحركة الشعبية في العملية، وأن يشجعها على ذلك، لأن قيادة الحركة تدرك أن اتفاق السلام الشامل لا يمكن أن يستمر إذا ما استمرت مشكلة دارفور.
بل هناك حاجة إلى جعل استقرار دارفور أولوية عليا لتنفيذ اتفاق الإيجاد.
وينبغي أن تكون هناك مشاركة أكبر في عملية أبوجا، التي يقودها الاتحاد الأفريقي، ومحاولة بناء نوع من الشراكة الداخلية ـ الخارجية، والتي نجحت كثيراً مع بلدان الإيجاد في نيفاشا، حيث كان يجري التفاوض بشأن اتفاق السلام الشامل.
يتبع إن شاء الله... |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المبحث الثامن: جهود التسوية الوطنية والدولية الأحد 19 فبراير 2012, 5:53 pm | |
| ثانياً: الجهود الإقليمية لتسوية أزمة دارفور:
شهدت أزمة دارفور تطوراً في الجهود الرامية نحو إيجاد تسوية مناسبة لها، وبادرت العديد من الدول للمساهمة في هذا الشأن، إضافة إلى الاتحاد الأفريقي، وحاولت جامعة الدول العربية أن تقوم بدور في هذا المجال، وفي ما يلي توضيح للمساعي والجهود الإقليمية، الرامية لوضع نهاية للصراع في دارفور، وإحلال السلام في تلك المنطقة:
1. الإطار العام للجهود الإقليمية الرامية لتسوية أزمة دارفور:
لقد بدأت جهود التسوية السياسية لأزمة دارفور من اتفاقية أبشى، لكي تصل إلى محطتها الرئيسية في أبوجا، تحت إشراف الاتحاد أفريقي، مروراً بمحطات أخرى في انجامينا وطرابلس وأديس أبابا.
وفى كل مرحلة من هذه المراحل كانت الأزمة تنتقل من طور إلى آخر، وتواجه في كل جولة قضايا وتحديات، تنبع من طبيعة المرحلة، وتقتضي استحداث آليات أو مبادرات جديدة، وإن كان الخيط الذي يربط كل هذه المراحل جميعاً، ويفسر عدم القدرة على إحداث اختراق واضح نحو الحل السياسي، يتمثل في الخلافات داخل حركتي التمرد والانشقاقات الداخلية في كل منهما، ما أدى إلى غياب الرؤية السياسية أو الموقف التفاوضي المتماسك، وأحياناً، غياب هيكل محدد للوفود المفاوضة، الأمر الذي تمثل في تغيير المفاوضين باستمرار، وعدم اتفاق أعضاء الوفد الواحد، والطعن في شرعية تمثيلهم من الأجنحة المناوئة لهم، فضلاً عن اختلاف القاعدة الاجتماعية القبلية لكل من الحركتين، واختلاف تحالفاتهما الداخلية والإقليمية تبعاً لذلك، ما أثر على مواقفهما التفاوضية، وأخيراً، اختلاف مرجعيات طرحهما السياسي، فإحداهما تتبنى العلمانية، والثانية تتبنى طرحاً إسلامياً.
ويتمثل السبب الثاني في تعدد الأدوار والفاعلين في ساحة التفاوض بشأن أزمة دارفور، بمرور الوقت، وعلى الرغم من اختلاف حجم الأدوار، وطرائق عملها السافرة والمستترة، إلا أن الأجندات الإقليمية والدولية، تؤثر على تطورات الأزمة واتجاهاتها، وتحدث قدراً من الإرباك، لأنها لا تعمل بشكل متساوٍ بطبيعة الحال.
وعلى الرغم من طول المباحثات وتعدد المنابر، منذ سبتمبر 2003، وهو تاريخ أول اتفاق، وحتى انتهاء الجولة السادسة من مفاوضات أبوجا، في أكتوبر 2005، أي بعد أكثر من 25 شهراً من المفاوضات، إلا أن الجهود السياسية للتسوية لم تسفر سوى عن توقيع اتفاق هش لوقف إطلاق النار، في انجامينا، (أبريل2004)، والبروتوكولين الأمني والإنساني في الجولة الثالثة في أبوجا، ثم إعلان المبادئ في الجولة الخامسة، في يوليه 2005.
أ. تحفيز جامعة الدول العربية للقيام بدور في جهود التسوية:
في إطار السعي لإيجاد تسوية للأزمة في دارفور نشطت الحكومة السودانية، في هذا المجال، على مستويين: المنظمات الإقليمية والعلاقات الدولية الثنائية.
فعلى صعيد جامعة الدول العربية, حققت الدبلوماسية السودانية نجاحاً ملحوظاًً, فقد استطاعت أن تقنع الأنظمة العربية بضرورة مساندتها, للوقوف ضد الهجمة الأمريكية الصهيونية المسؤولة ـ حسب رؤيتها عن أزمة دارفور ـ والتي تهدف في النهاية إلى تغيير الهوية العربية الإسلامية للسودان.
هذا وقد يسَّر مهمة الحكومة أن خطر التدخل الدولي أصبح يهدد كل الأنظمة في المنطقة العربية.
وجدير بالملاحظة أن الرأي العام العربي قد توحد مع حكوماته في الرؤية, وذلك في موقف نادر الحدوث.
وقد تعود هذا الظاهرة إلى أن كثيراً من المحللين السياسيين العرب يرون الأزمات الأفريقية من خلال الصراع العربي الإسرائيلي, وذلك رغم اختلاف الظروف الداخلية واللاعبين الرئيسيين وأهدافهم من منطقة إلى أخري.
ب. تحفيز الدول والمنظمات الإسلامية للقيام بدور في جهود التسوية:
على صعيد آخر, نجحت الحكومة السودانية في استقطاب الانتماء الإسلامي الغالب في المنطقة العربية وإيران, وذلك باتصالاتها اتحاد علماء المسلمين والهيئة الإسلامية العالمية للدعوة والإغاثة وغيرهما من التنظيمات الإسلامية.
ولأن أهالي دارفور مسلمون بنسبة 100%, لم تستنفر الدبلوماسية السودانية في مسعاها هذا, حمية الدفاع عن العقيدة الإسلامية في ذاتها, بل استنفرت الدفاع عن المشروع الإسلامي السياسي الذي تطرح نفسها حامية له، من عدوى العلمانية التي صارت قانوناً معمولاً به في الجنوب, ويتطلع إليه كثير من النخب الفكرية والسياسية في الشمال, ولا ريب أن هذا المشروع الإسلامي السياسي يصادف هوى لدى بعض التيارات الفكرية والاجتماعية في المنطقة العربية.
غير أن هذا النجاح، على مستوي المحور الإسلامي في المنطقة العربية, لم يتمدد في الفضاء الأفريقي, فقد انحاز المسؤولون والرأي العام، في الدول الأفريقية جنوب الصحراء، إلى العنصر الأفريقي في الأزمة السودانية, وذلك بغض النظر عن ديانته.
لذلك، وقف الاتحاد الأفريقي موقفاً مختلفاً إزاء الأزمة في دارفور, فهو يلعب دور الوسيط المحايد، وإن مال نحو إنصاف القبائل الأفريقية.
ج. التجاوب مع الدور الذي يقوم به الاتحاد الأفريقي لتسوية أزمة دارفور:
من الملاحظ صغر دور الاتحاد الأفريقي وضآلة تأثيره في الجهود والمساعي الرامية لتسوية الأزمة في دارفور, وذلك على الرغم من الدعم المالي واللوجستي الكبير، الذي يأتيه من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية.
وقد يعود ذلك إلى سببَين، أولهما: عدم ارتياح الجانبين المتفاوضين لوساطته، ذلك أن الحكومة تفضل الظهير العربي, في حين تدعو الحركتان العسكريتان إلى التدخل الدولي المباشر.
وثانيهما أن الاتحاد الأفريقي ذاته لا يملك الآليات المناسبة.
أما عن التحرك الدبلوماسي السوداني، على المستوي الإقليمي الثنائي, فقد أسفر عن تولي مصر قيادة الخط العربي سابق الذكر نحو دعم الحكومة السودانية داخلياً ودولياً, في حين كان يغلب الغموض على الموقف الليبي نحو الأزمة, فيستطيع المراقب أن يلتقط عنه إشارات متناقضة، سببها أن ليبيا مرتبطة ارتباطاً مؤثراً بجميع أطراف الأزمة على الرغم من الخلافات الواسعة التي تفرق بينها, وقد تعاظم دورها في الأزمة حتى استطاعت أن تستقطب في طرابلس قمة خماسية، تهدف إلى تسوية النزاع في دار فوار بالطرق السياسية.
أما تشاد، فقد ظل موقفها يميل إلى مساندة الحكومة السودانية تارة, وذلك بسبب الروابط الاجتماعية والمصلحة المشتركة بين الجانبين, ويميل إلى جانب المتمردين في دارفور تارة أخرى، وعندما تتصاعد الاتهامات لها، من جانب الخرطوم بدعم هؤلاء المتمردين، تتهم بدورها الحكومة السودانية بدعم حركة التمرد في تشاد، وتارة أخرى كانت تنخرط في الوساطة بين أطراف الصراع، وتقف إثيوبيا موقفاً مشابهاًً, وإن تمسكت بالمظهر المحايد محافظة على وضعها بوصفها قوة إقليمية في شرق أفريقيا, أما إريتريا، فقد ظلت في موقع المتهم بمساعدة المعارضة السودانية لإسقاط نظام الإنقاذ.
لم يقتصر عدم وفاء جيش التحرير بالتزاماته على الملاحق المنصوص عليها في الاتفاق، وإنما فيما يتصل بالسيطرة على القوات والتحكم فيها وتجميعها أيضاً، وكان ذلك مقدمة للتنصل من الاتفاقية كلها، وفي خطوة لاحقة، انطلاقاً من وعيه بضعف موقفه، وهزال الاتفاق الذي تفاوض حوله ـ حسب ما جاء في تقرير مجموعة الأزمات الدولية 25 مارس 2004 ـ دعا جيش التحرير أنصاره لاجتماع، في منتصف أكتوبر 2003، لاستخلاص الدروس من مفاوضات سبتمبر 2003، وفي ترقية أجندة الحركة السياسية للجولات المقبلة من عملية التفاوض.
وفي غضون ذلك، تواصلت خروقات وقف إطلاق النار، والتي نسبت لحركة العدل والمساواة، التي لم تكن طرفاً في اتفاقية السلام، وأبرزها الهجوم على معسكر القوات المسلحة في منطقة أبو قمره، في 4 ديسمبر 2003، وعُدت تلك الخروقات نوعاً من تبادل الأدوار بين حركتي التمرد.
وخلال المفاوضات التمهيدية، التي سبقت الجولة الثالثة في انجامينا، اتفق الرئيس التشادي "إدريس ديبي" مع "منى أركو مناوي" على بنود، أهمها أن يمنح المتمردون عفواً عاماً، وأن يستوعبوا في القوات النظامية، وأن يجمع سلاح الجانجويد متزامناً مع تسليم المتمردين سلاحهم، وأن تبدأ تنمية المناطق التي تأثرت بالحرب وتعميرها، غير أن المتمردين، وخلافاً لما هو متفق عليه، بأن تبدأ المفاوضات من حيث انتهت في أبشي الثانية، ووفق ما وصلت إليه المفاوضات التمهيدية ـ طرحوا عند بداية الجولة الثالثة شروطاً كانت تعجيزية؛ ما دفع الوسيط التشادي لإعلان انهيار المفاوضات، وتحميل المتمردين المسؤولية عن ذلك، وقد تمثلت تلك الشروط في مطالبتهم بخضوع ولايات دارفور الثلاث لقيادتهم في ظل نظام فيدرالي، وأن تكون هناك فترة انتقالية، تمتد من عامين إلى أربعة أعوام، وأن يتسلم جيش التحرير قيادة المنطقة العسكرية الغربية، ومنحهم 13% من الدخل القومي، ووزارات سيادية، إلى جانب رقابة دولية على تنفيذ الاتفاق.
واستؤنفت المفاوضات مجدداً، بعد ثلاثة أشهر من انهيار المفاوضات، في انجامينا، في 16 ديسمبر 2003، تحت رعاية الرئيس التشادي "إدريس دبي" وبحضور مراقبين من الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، حيث وصلوا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، في 8 ابريل 2004، لتسهيل إيصال العون الإنساني للنازحين واللاجئين والمتأثرين بالحرب، على أن تعقد محادثات سياسية، بعد أسبوعين من الاتفاق، غير أن الاتفاق الذي أبرم لاحقاً، في انجامينا، في أبريل الماضي، حول مشاركة حاملي السلاح في مؤتمر جامع، يُعنى بمعالجة كل قضايا دارفور ـ أثار انقسامات داخل حركتي التمرد، وأعلنت قياداتها تنصلها من الاتفاق، وفي الفترة من 8 ابريل 2004، تاريخ التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار، وحتى 22 يونيه 2004، سجلت ولاية شمال دارفور 43 خرقاً للاتفاق من قبل حاملي السلاح، وفقاً لما ذكره والي شمال دارفور.
2. المفاوضات والاتفاقات الرامية لتسوية أزمة دارفور:
تعددت الجهود ومحاولات إيجاد تسوية مقبولة لدى أطراف الأزمة، ومن تلك المحاولات:
أ. اتفاق أبشي:
نصت الاتفاقية، في ديباجتها، على أنها نتجت عن رغبة المجموعات المكونة لجيش تحرير السودان في الحوار، لوضع أسس للحل السلمي، ومخاطبة جذور المشكلة، والاعتراف بسلطة الدولة على المستوى الرئاسي والولائي. ويذكر أن هذه المجموعات المسلحة تتكون من خمس فصائل رئيسة، تقطن مناطق دار زغاوة، وجبل سى، وجبل ميدوب، وجبل مرّه، وأخيراً منطقة مورنى.
وذلك تحت قيادة القائد الميداني عبد الله أبكر، الذي كان قد قاد الهجوم على مدينة الفاشر.
وقد رفضت حركة العدل والمساواة الاشتراك في هذه المفاوضات، لأنها قدّرت أن الوسيط التشادي غير محايد ومتحيز إلى الخرطوم، ومن ثم، فقد اشتملت الاتفاقية على ثلاثة أطراف رئيسيين، هم: الحكومة السودانية، وحملة السلاح بدارفور (جيش تحرير السودان)، إضافة إلى الحكومة التشادية، التي تقوم برعاية الاتفاقية.
كما نصت اتفاقية أبشي، الموقعة بين الحكومة وجيش تحرير السودان، في 3 سبتمبر 2003، على وقف إطلاق النار بين الطرفين، ووقف كل العمليات العدائية، التي من شأنها أن تؤدى إلى تفاقم الأوضاع، والتحكم والسيطرة على المجموعات المسلحة غير النظامية في مسارح العمليات وأن يطلق الطرفان سراح أسرى الحرب والمعتقلين الذين لهم صلة بهذه القضية كافة، وأن تجميع قوات جيش تحرير السودان في مواقع يحدد باتفاق الطرفين، وأكد التزام الطرفين بإرساء دعائم السلام الشامل والدائم في المنطقة، من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية، إلى جانب تكوين لجنة ثلاثية، من الحكومة السودانية والحكومة التشادية وجيش تحرير السودان؛ لمتابعة تطبيق بنود هذه الاتفاقية.
ونص البند "السابع من الاتفاق" على بدء المفاوضات الخاصة بملاحق الاتفاق، بعد 45 يوماً من تاريخ التوقيع على الاتفاقية، للوصول إلى سلام شامل، مع تسليم الأسلحة في فترة لا تتعدى الأسبوعين، بعد الاتفاق النهائي حول الملاحق.
وبسبب عدم إحضار الملاحق من قبل جيش تحرير السودان، في الفترة المحددة، لم تحرز الجولة الثانية من المفاوضات، التي انعقدت في أبشي، أيضاً، تقدماً في الفترة من 26 أكتوبر 2003 إلى 4 نوفمبر 2003.
وصدر بيان مشترك، منح مهلة 30 يوماً لجيش تحرير السودان لإحضار الملاحق، بعد أن أثبت البيان عدم التزام جيش التحرير بإحضار تلك الملاحق المذكورة في اتفاقية السلام، بتاريخ 3 سبتمبر 2003، وأكد البيان المشترك أن الإطار القانوني للمفاوضات المقبلة حول الملاحق هو اتفاقية السلام، كما نص على السماح للمنظمات الإنسانية الوطنية والدولية بالدخول للمناطق التي تأثرت بالحرب، وضمان حرية تنقل الأفراد والممتلكات.
يتبع إن شاء الله... |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المبحث الثامن: جهود التسوية الوطنية والدولية الإثنين 20 فبراير 2012, 2:11 am | |
| ب. جولة مفاوضات انجامينا الأولى ديسمبر 2003:
تقرر أن تنعقد الجولة التالية من المحادثات في انجامينا العاصمة، في 16 ديسمبر 2003، وذلك حتى يستطيع الرئيس التشادي "إدريس ديبي" الاشتراك فيها مباشرة.
وكانت آمال كبيرة تعلق على هذه الجولة، التي كان من المفترض أن تصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، ووضع الأسس لاتفاق نهائي.
وبالنظر لأهمية هذه الجولة، كان الرئيس "ديبي" قد سافر قبلها بيومين إلى الخرطوم، للاجتماع مع الرئيس البشير، للبحث في سبل تجاوز العقبات المعلقة.
وعلى الرغم من كل ذلك فقد انهارت المفاوضات قبل أن تبدأ، إذ إن وفد حركة تحرير السودان طرح مطالب جديدة، لم تكن واردة من قبل، كان من أهمها إعطاء حكم ذاتي واسع النطاق لإقليم دارفور، من خلال حكومة فيدرالية برئاستهم في ولايات دارفور الثلاث، وأن تكون هناك فترة انتقالية، تمتد من عامين إلى أربعة أعوام، مع الحصول على حصة من عوائد البترول تقدر بـ 13%، وكذلك الاحتفاظ بجيش تحرير السودان خاضعاً لحركة تحرير السودان، على أن يتسلم قيادة المنطقة العسكرية الغربية، بعد إخلائها من القوات المسلحة السودانية، مع منحهم وزارات سيادية، إلى جانب رقابة دولية على تنفيذ الاتفاق، الأمر الذي دعا الرئيس "ديبي" إلى الطلب من وفد حركة تحرير السودان أن يغادر الأراضي التشادية فوراً، كما أعلن تخليه عن الوساطة. وأعلن أن حركة تحرير السودان هي المسؤولة عن فشل المفاوضات.
وأشارت التقارير الصحافية إلى إغلاق للحدود السودانية التشادية، الأمر الذي يعنى انقطاع الإمدادات اللوجستية عن المتمردين.
قامت الحكومة السودانية، في أول رد فعل لها على انهيار المفاوضات، بإعلان حالة الطوارئ في ولايتي شمال وجنوب دارفور، وإعلان التعبئة العامة فيهما، واستدعاء قوات الدفاع الشعبي، وحظر التجول من العاشرة مساء إلى السادسة صباحاً في جميع أنحاء هاتين الولايتين، وعقد رئيس الاستخبارات العسكرية السودانية، الذي كان يقود الوفد الحكومي، مؤتمراً صحفياً تفصيلياً، اتهم فيه اريتريا وحزب المؤتمر الشعبي الذي يقوده الترابي وأطرافاً خارجية، بأنها هي التي تقف وراء حركة تحرير السودان، وتقدم لها المساعدات المالية والسلاح والكوادر والتخطيط.
وقد بادرت الحكومة السودانية، عقب ذلك، إلى اعتقال بعض قادة حزب المؤتمر الشعبي في دارفور، واتهمت الحزب بأنه يسعى إلى إحداث فتنة في غرب السودان، يحاول من خلالها إسقاط النظام، والتأثير على المفاوضات الجارية آنذاك في نيفاشا.
في هذه المرحلة يبدو أن وجهتي نظر كانتا متصارعتين داخل النظام، إحداهما كانت ترى ضرورة الاستمرار في محاولات التسوية السلمية عن طريق التفاوض، بسبب صعوبة السيطرة الأمنية على الإقليم في حالة اندلاع عمليات عسكرية واسعة النطاق، بينما رأت وجهة النظر الأخرى أن حركات التمرد غير جادة في الوصول إلى تسوية، وأنها تسعى إلى كسب المزيد من الوقت، الأمر الذي قد يزيد من جاذبيتها لدى السكان المحليين، ويمكنها من استقطاب الدعم والمؤازرة من الخارج، ويؤدي استمراراً إلى خلق أساس موضوعي لمطالبها السياسية الآخذة في التصاعد، خاصة أن الحركات المسلحة أعلنت أن المناطق الواقعة تحت سيطرتها مناطق محررة.
وضح أن وجهة النظر هذه قد تغلبت، بعد فشل هذه الجولة من المفاوضات، في انجامينا، قبل أن تبدأ، وبعد أن حمل الرئيس التشادي حركتي التمرد مسؤولية انهيار المفاوضات.
وقد أدى ذلك إلى إطلاق حملة عسكرية هائلة ضد مواقع التمرد، شاركت فيها القوات المسلحة (بما فيها القوات الجوية) وميليشيات الدفاع الشعبي، التي جاء معظم أفرادها من أبناء القبائل العربية، والتي عُرفت إعلامياً فيما بعد باسم الجانجويد.
وقد عمدت هذه الحملة إلى قصف القرى والأماكن، التي ينطلق منها التمرد، في محاولة لعزله عن أي مصدر للدعم أو المساندة، ما أدى إلى وقوع الكارثة الإنسانية، ورغم ضخامة وهذه الحملة وعنفها، وإعلان الرئيس البشير، في 9 فبراير 2004، أن قد قُضِيَ على التمرد، إلا أنها لم تقد إلى النتائج المطلوبة في تحقيق الاستقرار والأمن.
ج. جولة مفاوضات انجامينا الثانية إبريل 2004:
في ظل تردى الأوضاع الإنسانية، وازدياد حدة القتال، بدأت المساعي التشادية في العودة إلى الساحة، من أجل عقد اتفاق سلام بين الحكومة والمتمردين.
وقد حظيت هذه الجهود بدعم الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، اللتين قدمتا إلى تشاد مقترحاً بعقد المفاوضات ببلجيكا أو تشاد، غير أن الأمر استقر على بقاء المفاوضات في تشاد، حيث بدأت المحادثات بالفعل، في 30 مارس 2004، في انجامينا، وإن كانت هذه المرة تجرى بهيكل مختلف عن جولة انجامينا الأولى التي انهارت في 16 ديسمبر 2003، وكانت امتداداً لاتفاقية أبشي.
ويمكن القول إن انجامينا الثانية قد مثلت قطيعة مع الجهود السابقة، حيث أصبحت الوساطة التشادية أقرب إلى الدور الذي تلعبه كينيا تحت مظلة الإيجاد في رعاية مفاوضات سلام جنوب السودان، وأصبح هيكل المفاوضات يشتمل على مراقبين من الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، كما شاركت فيها حركة العدالة والمساواة التي لم تشارك في اتفاقية أبشي، والتي كانت تصر، في السابق، على إعطاء الأولوية لمناقشة المطالب السياسية قبل تناول القضايا الإنسانية، على عكس موقف حركة تحرير السودان، التي كانت تسعى إلى التناغم مع مواقف داعميها الدوليين.
كما تجدر الإشارة، أيضاً، إلى أن انجامينا الثانية لم تبدأ من حيث تعثرت المفاوضات السابقة، ولكنها تناولت أجندة جديدة، أصبحت الأولوية فيها لحل القضايا الإنسانية، طبقاً لأولويات المجتمع الدولي، ثم تناقش القضايا السياسية بعد ذلك.
وهكذا بدأت خطوة جديدة في تدويل قضية دارفور، شملت تدويل المنبر التفاوضي وأجندة التفاوض كليهما، الأمر الذي أسس بوضوح لقبول دور دولي في الإشراف والرقابة على أي بنود تتفق عليها الأطراف.
د. وقف إطلاق النار ابريل 2004:
بعد خلافات كثيرة، وقع الطرفان، في 8 أبريل 2004، اتفاقاً لوقف إطلاق النار، اشتمل على عشر نقاط أساسية، كان من أهمها وقف الأعمال العدائية لمدة خمسة وأربعين يوماً قابلة للتجديد، وإطلاق سراح أسرى الحرب والآخرين الموقوفين بسبب الصراع، وتسهيل وصول إمدادات العون الإنساني للنازحين والضحايا المدنيين الآخرين، ووقف الخصومات والحملات الإعلامية.
كما التزمت الحكومة بالسيطرة على الميلشيات المسلحة، على أن تُجمع قوات المعارضة في مواقع محددة، مع تكوين لجنة مشتركة تضم الأطراف والوساطة التشادية والمجتمع الدولي، بشرط احترام سيادة جمهورية السودان.
وبالإضافة إلى ذلك، كان هناك بند ينص على اجتماع الأطراف للتفاوض، لإيجاد حل لمشكلاتهم، والتفكير في إيجاد حل شامل ودائم لمشكلة دارفور، خاصة تنميتها الاقتصادية والاجتماعية، في إطار مؤتمر يضم كل ممثلي دارفور.
وعلى الرغم من وصول المراقبين، الذين بلغ عددهم 80 مراقباً إلى دارفور بالفعل، إلا أنهم لم يتمكنوا من أداء جيد لعملهم، لافتقادهم الدعم اللوجستي المناسب (مقار إقامة مجهزة، عربات للتنقل، أجهزة اتصال حديثة، قوات لحماية تحركاتهم)، كما استمرت انتهاكات وقف إطلاق النار في دارفور، وألقيت المسؤولية بالدرجة الأولى على قوات الجانجويد، وهو ما أثار احتجاجات دولية مستمرة، ووصل الأمر إلى إعلان الاتحاد الأوروبي استعداده لإرسال مراقبين إلى دارفور لمراقبة وقف إطلاق النار، وتحديد الأطراف التي تنتهك هذا الاتفاق، وهو ما رفضته الحكومة السودانية، استناداً إلى أن اتفاق انجامينا لوقف إطلاق النار بين الحكومة السودانية والمتمردين، يحدد التزامات للطرفين بهدف إعادة الاستقرار إلى المنطقة، ولم يشر الاتفاق إلى أي تدخل خارجي لحفظ السلام أو المراقبة في دارفور، وإنما حدد تدابير يعود عبرها الاستقرار, ويتمثل دور المجتمع الدولي في مساعدة الطرفين لتنفيذ ما اتُفق عليه. |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المبحث الثامن: جهود التسوية الوطنية والدولية الإثنين 20 فبراير 2012, 2:24 am | |
| هـ. قمة الاتحاد الأفريقي بأديس أبابا:
عقد الاتحاد الأفريقي قمته الثالثة، في الأسبوع الأول من يوليه 2004، في أديس أبابا، حيث استحوذت أزمة دارفور على النصيب الأكبر من اهتمام القمة، وتكونت قمة أفريقية مصغرة خاصة بمشكلة دارفور، برئاسة الرئيس النيجيري، "أوبا سانجو"، رئيس دورة الاتحاد الأفريقي، وعضوية كل من رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، "عمر كوناري"، ورؤساء كل من السودان والسنغال وجنوب أفريقيا.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه في إطار هذه القمة، كان هناك خلاف حول مهمة القوات الإضافية المقرر إرسالها لحماية المراقبين، إذ رأت الخرطوم أن مهمة القوة هي حماية المراقبين لا تتعداها، في حين يرى كل من الرئيس النيجيري ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، أن هذه المهمة تشمل حماية المدنيين في حالة تعرضهم للاعتداء.
وفى كل الأحوال مثلت القرارات، التي صدرت عن هذه القمة بشأن دارفور، نقلة نوعية مهمة في مفاوضات دارفور، إذ أصبحت المفاوضات تجري برعاية الاتحاد، ويتولى مسؤولية تنظيمها.
دعا الاتحاد الأفريقي إلى جولة جديدة من المفاوضات، بين حكومة السودان وجماعات المعارضة السودانية، في 15 يوليه 2004، في العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، لحل الأزمة في الإقليم، وقد انعقدت مفاوضات أديس أبابا في موعدها المحدد، إلا أن تمثيل وفدى التمرد كان منخفضاً، حيث بعثوا بقيادات من الصف الثاني قامت بتكرار المطالب عينها، التي سبق طرحها قبيل انعقاد المباحثات، وذلك في أجواء من الصخب.
وسادت في هذه الجولة أجواء غير إيجابية عموماً، حيث أفصح رئيس وفد حركة العدالة والمساواة، "أحمد محمد تاجود"، عن رأى سلبي في جهود الاتحاد الأفريقي، بالقول إنه ليس في إمكان أفريقيا أن تحل أزمة دارفور، رغم أننا واثقون من رغبة الاتحاد في حلها.
وقد انتهت المفاوضات، بعد يومين من بدء انعقادها، بانسحاب وفدي التمرد من دون الوصول إلى نتائج محددة.
ومن جانبها، رأت الحكومة السودانية أن المتمردين لم يلتزموا بتجميع قواتهم في معسكرات محددة، كما أشارت اتفاقية انجامينا، في إبريل 2004، ومن ثَم، فليس لهم الحق في المطالبة بتنفيذ بنود هذه الاتفاقية التي تخص الجانب الحكومي، في الوقت الذي لم ينفذوا فيه ما عليهم من التزامات.
وأشار الدكتور "مجذوب الخليفة"، رئيس الوفد الحكومي المفاوض، عقب عودته من أديس أبابا، بعد انهيار المفاوضات، إلى أربعة أسباب تقف وراء انسحاب وفد متمردي دارفور:
(1) أن موقف وفدي التمرد تكتيكي، ويهدف إلى نقل ملف القضية من الاتحاد الأفريقي إلى الأمم المتحدة.
(2) أن وفدي حركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان لم يكونا على اتفاق تام أو توافق واضح، وذلك بسبب التباين في الطرح والمواقف السياسية.
(3) غياب الإستراتيجية الكلية، وعدم توافر الرؤية السياسية لدى قيادات المتمردين.
(4) عدم وجود قيادات أو شخصيات ذات وزن وخبرة تمثل المتمردين.
و. مفاوضات أبوجا الأولى أغسطس/ سبتمبر 2004:
أحاطت المشكلات والخلافات بجولة أبوجا الأولى، التي انعقدت في الفترة من 23 أغسطس إلى 15 سبتمبر 2004، وذلك رغم الحضور الإقليمي والدولي الكثيف من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، ولذا، فقد جرى التركيز على منهج الفصل بين الملفات المختلفة للقضايا المطروحة، وتقسيمها إلى ثلاثة ملفات رئيسية تتعلق بالشئون الإنسانية، والوضع الأمني، وقضايا الحل السياسي والمسائل الاقتصادية ـ الاجتماعية، على أن تكون القضية الإنسانية على رأس الاهتمام لضرورة إغاثة النازحين واللاجئين، ثم تليها القضايا الأمنية لضرورة لحفظ الأمن والاستقرار، وتأمين الطرق والوسائل المناسبة لانسياب عملية الإغاثة ووصولها إلى النازحين، ثم تأتي بعد ذلك المسائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وقد عُد الوصول إلى مثل هذا التفاهم على جدول التفاوض إنجازاً وتقدماً في المفاوضات، الأمر الذي يوضح مدى الارتباك والمراوحة عند الطرفين.
لم تنشب الخلافات في هذه الجولة بين الجانبين بشأن القضايا الإنسانية، ولكنها نشبت بالأساس حين الدخول في القضايا الأمنية، فبالنسبة للقضايا الإنسانية جرى استعراض تقريرين مختصرين حول الأوضاع الإنسانية في الإقليم من مندوب الأمم المتحدة في الخرطوم ومن الوفد الحكومي، إلا أن وفدي المعارضة طالبا بالانتظار حتى تقدم الأمم المتحدة وحكومة السودان تقارير شاملة ومفصلة حول الوضع الإنساني في دارفور. أما بالنسبة للمسائل الأمنية، فقد شهد موقف الحكومة السودانية قدراً من المرونة بشأن المسائل الأمنية، وذلك في اتجاه الموافقة على زيادة حجم قوات الاتحاد الأفريقي في دارفور للقيام بمهمة نزع السلاح من المتمردين ووضعهم في ثكنات محددة، إلا أن خلافات نشبت بشأن تجميع قوات المتمردين، والتي وردت في المحور الأمني، وهو ما دفع وفدي حركتي تحرير السودان والعدل والمساواة إلى الانسحاب من المحادثات، ما كاد يهدد بانهيارها في مرحلة مبكرة.
في محاولة لتقريب الخلافات بين الحكومة والمعارضة، اقترح وفد الوساطة التابع للاتحاد أفريقي مشروعاً بشأن الأمن ونزع السلاح، يشدد على ضرورة تطبيق اتفاق انجامينا لوقف كامل إطلاق النار، ووقف الغارات على المدنيين، وتقديم قائمة بأسماء الجانجويد، وتقديم زعمائهم إلى المحاكمة، والسماح للقوات الأفريقية بمراقبة تحركاتهم.
وقد عرض الاتحاد أفريقي هذا المشروع على حركتي دارفور والحكومة السودانية، ولكنهم رفضوه.
ز. القمة الخماسية في ليبيا:
أجري خمسة من القادة الأفارقة، في العاصمة الليبية، يوم 17 أكتوبر 2004، مباحثات لوضع أسس لإنهاء النزاع بإقليم دارفور، منعاً لـ"تدويله"، وتفادياً لفرض الأمم المتحدة عقوبات على حكومة الخرطوم.
وشارك في القمة، التي استغرقت يوماً واحداً، قادة ثلاث دول مجاورة للسودان هم: الزعيم الليبي "معمر القذافي"، والرئيس المصري "حسني مبارك"، ونظيره التشادي "إدريس ديبي"، والرئيس السوداني "عمر البشير"، فضلاً عن الرئيس النيجيري "أوليسيجون أوباسانجو" الذي كانت بلاده تترأس الاتحاد الأفريقي في ذلك الحين.
وكانت طرابلس قد وجهت الدعوة إلى متمردي دارفور للاجتماع مع القذافي، غير أنهم لن يشاركوا في القمة.
وكانت الأهمية الرئيسية للقمة تتمثل في إظهار استعداد القوى الإقليمية التدخل في أزمة يخشى أن تمزق بلداً يكافح بالفعل حرباً أخرى في الجنوب، ويواجه عدم استقرار في الشرق".
ويبدو أن الزعيم الليبي، عندما وجه الدعوة إلى عقد هذه القمة، كان يرمي إلى أهداف ثلاثة، وهي:
1. تأمين وصول الغذاء إلى النازحين في الإقليم.
2. تحقيق الأمن.
3. إيجاد حل شامل للأزمة، بطريقة مباشرة، بوجود زعماء دول الجوار.
وذلك لتفادي تدويل النزاع، وتجنب عقوبات مجلس الأمن على السودان، إذا لم يف بتعهداته، فيما يتعلق بنزع سلاح ميليشيات الجنجويد"، التي يزعم الغرب أنها مدعومة من الحكومة السودانية.
وكان وزير الخارجية الليبي، "عبد الرحمن شلقم"، قد أبدى تفاؤله بنتائج هذه القمة، مشيراً إلى أن هناك "موافقة دولية على عقد هذه القمة، وتأييداً واسعاً لها من الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي.
ح. الجولة الثانية من أبوجا:
انعقدت الجولة الثانية من المفاوضات، في الفترة ما بين 21 أكتوبر إلى 10 نوفمبر 2004، وعلى أية حال، فإن النتيجة الأبرز لهذه الجولة تمثلت في التوقيع على البروتوكولين الخاصين بتعزيز الأوضاع الإنسانية والأمنية في إقليم دارفور، وشهد التوقيع الرئيس النيجيري، "اوليسيجون اوباسانجو"، إضافة إلى عدد كبير من الوسطاء الأفارقة والغربيين. وقد نص البروتوكول الأمني في أهم بنوده على ما يلي:
(1) موافقة الأطراف على الالتزام الصارم بأحكام اتفاقيتي انجامينا وأديس أبابا، والالتزام مجدداً بضمان وقف فاعل لإطلاق النار براً وجواً.
(2) اتفاق الأطراف على دعم اتفاقية انجامينا وتسهيل تطبيقها.
(3) امتثالاً للمادة الخامسة من اتفاقية انجامينا، تلزم الأطراف نفسها بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الأشخاص المعتقلين لعلاقتهم بالأعمال العدائية في دارفور.
أما بروتوكول القضايا الإنسانية، فقد نص في أهم بنوده على ما يلي:
(1) حرية التنقل والدخول إلى المناطق.
(2) التعهد بضمان حرية دخول المساعدة وعمال الإغاثة الإنسانية، من أجل الوصول إلى جميع المحتاجين في كل مكان في دارفور، ويشمل ذلك:
(أ) إلغاء القيود والإجراءات كافة، التي تعرقل حرية التنقل والدخول براً وجواً.
(ب) أن تصرح حكومة السودان، إذا وجدت الأمم المتحدة ذلك ضرورياً، بمرور الأنشطة الإنسانية عبر الحدود من قبل الوكالات والمنظمات الإنسانية الدولية.
وبهذا الخصوص، تلتزم بالسماح لمثل هذه المساعدة بحرية المرور.
(ج) تنفيذ كل الالتزامات المتعلقة بحماية المدنيين، بما فيها تلك التي جاءت في البيان المشترك، وقرارات الاتحاد الأفريقي ذات الصلة، وقرار مجلس الأمن الرقم 1556 (2004)، وخطة العمل حول دارفور، الموقعة بين حكومة السودان والممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لدى السودان في الخرطوم، بتاريخ 5 أغسطس 2004، بما يطابق اتفاقي انجامينا وأديس أبابا.
ومطالبة بعثة الاتحاد الأفريقي، في السودان، بمراقبة تنفيذ هذا الالتزام، وتقديم تقرير منتظم للجنة المشتركة المنصوص عليها في اتفاق انجامينا.
ط. القمة السداسية بليبيا:
شارك الرئيس السوداني، عمر البشير، في القمة السداسية بشأن دارفور، التي انعقدت بالعاصمة الليبية طرابلس، في 13 مايو 2005، بمشاركة رؤساء السودان ومصر وليبيا ونيجيريا وتشاد والجابون، وذلك بهدف تهيئة مناخ المفاوضات النهائية لقضية دارفور تحت إشراف الاتحاد الأفريقي.
وقال الدكتور مجذوب الخليفة، رئيس الجانب الحكومي في مفاوضات أبوجا، إن القمة السداسية جاءت تعزيزاً للحوار الاجتماعي، ودعماً لتهيئة مناخ المفاوضات النهائية لقضية دارفور.
مشيراً إلى أن القمة هي واحدة من قرارات القمة الأفريقية التي انعقدت في أبوجا.
وأوضح أن القمة نتاج لقرار الاتحاد الأفريقي في قمته السابعة، التي أشارت إلى أهمية أن تنعقد هذه القمة في دولة ذات صلة مباشرة بقضية دارفور مثل مصر أو نيجيريا أو تشاد أو ليبيا، وكان المشاركون في الملتقى الجامع لأبناء دارفور، الذي ضم ممثلي الإدارة الأهلية وحركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان بدارفور، وأبناء دارفور في المهجر، قد وقعوا قبل انعقاد المؤتمر إعلان طرابلس، حيث أكدوا التزامهم بوقف إطلاق النار، تنفيذاً للاتفاقات والبروتوكولات، الموقعة بين الحركتين والحكومة، إلى جانب إدانة أشكال الاعتداءات كافة من نهب وسلب واختطاف.
يتبع إن شاء الله... |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المبحث الثامن: جهود التسوية الوطنية والدولية الثلاثاء 21 فبراير 2012, 6:12 am | |
| ي. وثيقة إعلان المبادئ لمستقبل الحوار السياسي في إقليم دارفور:
بدأت الجولة الخامسة في 10 يونيه 2005، وبعد تعثر طويل وقعت الحكومة السودانية مع الحركتين المسلحتين الرئيسيتين، في 5 يوليه 2005، وثيقة إعلان المبادئ، الذي يؤسس لمستقبل الحوار السياسي في الإقليم، وجرت مراسم التوقيع في العاصمة النيجيرية أبوجا، في ختام الجولة الخامسة للمفاوضات.
واتفقت الأطراف على العودة، مجدداً، إلى طاولة المفاوضات، في 24 أغسطس 2005.
ونص الاتفاق على إشاعة الديموقراطية والتعددية السياسية والحرية، وقيام مجتمع مدني، واستقلال القضاء والإعلام، وحقوق المواطنة وحرية التعبير والتجمع لكل السودانيين.
كما اتفقوا على قيام نظام فيدرالي، وإعادة تأهيل الإقليم، وتوزيع منصف للثروات.
وحول تأخر حركة تحرير السودان في توقيع الإعلان، قال حافظ يوسف حمودة، القيادي في الحركة، إن السبب يعود إلى أننا طالبنا بإدراج عدة نقاط إلى إعلان المبادئ من بينها، فصل الدين عن السياسة، وتوصلنا إلى صيغة وسط بألا يكون الدين عامل تفرقة بين المواطنين.
وأضاف أنهم طالبوا بتعديل صيغة متعلقة بملكية الأراضي، على أن تستمر الصيغة القديمة الموروثة في معالجة إشكالات الأراضي.
كما أشار إلى أن حركته ثبتت قضايا الديموقراطية وحقوق الإنسان والشفافية في الديباجة.
وقد نص إعلان المبادئ لحل النزاع السوداني على أهمية قيام نظام ديمقراطي، يحقق التعددية السياسية والحرية، وقيام مجتمع مدني يتسم بالحركة والنشاط.
وأشار الإعلان، الذي احتوى على 17 محوراً، إلى تمكين سيادة القانون، واستقلال القضاء، وحرية وسائل الإعلام، والمساءلة والشفافية، والعدل والمساواة للجميع، بغض النظر عن العرق والعقيدة والجنس، أساساً للمشاركة لجميع المواطنين السودانيين في إدارة شؤونهم الخاصة، وعملية اتخاذ القرار على كل مستويات الحكم.
ك. القمة الإفريقية السباعية في طرابلس:
خلصت القمة السباعية، التي احتضنتها ليبيا، في 17 مايو 2005، وشارك فيها قادة ليبيا والسودان وتشاد وإريتريا ومصر برئاسة الرئيس النيجيري بصفته الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي، وبحضور ممثلين عن الجابون، وتجمع دول الساحل والصحراء (س. ص)، والجامعة العربية والاتحاد الأفريقي ـ إلى تفويض القذافي للاستمرار في اتصالاته مع كافة الأطراف في دارفور إلى أن يتحقق حل دائم للمشكلة، والتشاور والتنسيق في هذا الشأن مع القادة والرؤساء المشاركين في هذه القمة.
وجاء هذا التفويض بعدما قام القذافي بوساطة للمساعدة في تعزيز الثقة بين الأطراف المتحاربة وتسوية الخلافات, فيما قال وزير التعاون والتكامل الأفريقي بالحكومة النيجيرية، لاوان جانا جوبا، إن المحادثات الرامية إلى وضع حد لهذا الصراع، والتي يرعاها الاتحاد الأفريقي، ستستأنف في نيجيريا، في الثلاثين من شهر مايو 2005.
وقال الرئيس السوداني، عمر البشير، إن القمة قررت استبعاد أي تدخل أجنبي في قضية دارفور، وان تظل القضية إفريقية، كما اتفق على أن تبعث الدول المشاركة في الجولة أيضاً ممثلين للمساهمة في تقريب وجهات النظر بين المتفاوضين.
من جانبه أعلن الدكتور مصطفي عثمان إسماعيل، وزير الخارجية السوداني، عقب القمة، الاتفاق على عقد مؤتمر جامع، يضم كل مواطني دارفور، بعد الفراغ من مباحثات أبوجا, معتقداً أن القمة وضعت خارطة طريق لمسيرة المباحثات لحل المشكلة حلاً نهائياً، على أن يقتصر الوجود العسكري في دارفور على القوات الإفريقية فقط، ورفضت القمة أي وجود لقوات أجنبية غير إفريقية.
وقال إن الدول الأخرى يمكنها الإسهام بتوفير المعينات من وسائل النقل والاتصالات, موضحاً أن القمة قررت دعم توصيات ملتقى أبناء دارفور الثالث، والذي تمخض عنه نداء طرابلس الثاني، حيث تبنت القمة العمل على تنفيذ توصيات الملتقي، وتحويلها إلى واقع بدارفور.
ل. القمة السداسية الثانية في ليبيا:
في محاولة لتأكيد دعم الأفارقة لرفض السودان نشر قوات دولية في إقليم دارفور، عُقدت يوم 21 نوفمبر 2006، في العاصمة الليبية طرابلس، قمة سداسية مصغرة، بحضور ثلاثة من الرؤساء العرب.
وشارك في أعمال القمة، التي خصصت لمعالجة تطورات الوضع الراهن في دارفور ومتابعتها، كل من الرئيس المصري، "حسني مبارك"، ونظرائه السوداني "عمر حسن البشير"، والتشادي "إدريس ديبي"، والإريتري "أسياس أفورقي"، ورئيس جمهورية أفريقيا الوسطى "فرنسوا بوزيزي"، إضافة إلى الزعيم الليبي، العقيد "معمر القذافي"..
وبدأت القمة أعمالها بجلسة مغلقة، يبدو أنها سعت إلى احتواء ملف الخلافات السودانية ـ التشادية، وخصوصاً بعد تجدد الحرب الإعلامية المتبادلة بين الخرطوم ونجامينا.
واستبق مبارك والبشير والقذافي القمة الأفريقية المصغرة بعقد قمة عربية مصغرة، جرى خلالها مناقشة ملف إقليم دارفور من جهة العلاقة مع الأمم المتحدة، وكيفية إدارتها بما لا يعرض السودان لأي عقوبات دولية، ويجنبه أي مواجهة محتملة مع المجتمع الدولي، وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية، التي تقود اتجاهاً غربياً يدعو إلى نشر قوات تابعة للمنظمة الدولية لحفظ السلام في الإقليم.
كما أكد الاجتماع أهمية استمرار الجهود المبذولة لحل المشكلة في دارفور، وذلك انطلاقاً من قمة طرابلس الأفريقية الخماسية، الخاصة بالوضع في الإقليم، وتأسيساً عليها للتوصل إلى مصالحة حقيقية في دارفور، وخصوصاً بعد الاتفاق الذي وُقِع في طرابلس، مطلع أوائل نوفمبر 2006، بين حركة جيش تحرير السودان والحكومة السودانية، والذي مثل خطوة إلى الأمام في هذا الاتجاه في إطار حل المشكلة أفريقياً.
وبعدما انضم الرئيس التشادي إلى القمة الثلاثية، خُصّص الاجتماع لمناقشة العلاقات السودانية التشادية، في ضوء الاتفاقات الموقعة بين الجانبين، بناء على مبادرات القذافي، باحتواء التوتر الطارئ على هذه العلاقات، وإعادتها إلى طبيعتها.
وتتمسك الخرطوم بضرورة استمرار عملية حفظ السلام في دارفور بقيادة الاتحاد الأفريقي، على أن تعزّز بمزيد من الأموال ومهمات الإمداد والتموين.
وكان الزعيم الليبي قد أكد ضرورة عدم السماح بالتدخل الخارجي في السودان، "لأنه ينطوي على مخاطر على السودان وعلى دول الجوار"، مشيراً إلى أنه إذا جاء حلف شمال الأطلسي، ووضع جنوده على حدود السودان، فستكون هذه كارثة على السودان ودول الجوار.
3. جهود جامعة الدول العربية لتسوية أزمة دارفور:
تابعت الجامعة العربية أزمة دارفور منذ تفجرها.
فخلال الفترة من 29 أبريل إلى 15مايو 2004، أوفد الأمين العام بعثة رسمية للوقوف على الأوضاع في دارفور (كانت أول بعثة دولية لتقصي الحقائق في دارفور)، وشملت مهمة البعثة زيارة السودان، حيث عقدت لقاءات مع الوزراء والمسؤولين بالحكومة السودانية في الخرطوم، إضافة إلى زيارات ميدانية إلى شمال دارفور (الفاشر)، وجنوب دارفور (نيالا)، وغرب دارفور (الجنينة)، لتفقد الأوضاع في الولايات الثلاث وفي مخيمات النازحين واللاجئين شرق تشاد.
كما شملت مهمة البعثة زيارة إثيوبيا، وعقد لقاء في أديس أبابا مع رئاسة الاتحاد الأفريقي ومع مفوض شئون الأمن والسلم في الاتحاد الأفريقي، وكذلك زيارة تشاد، حيث عقدت بعثة الجامعة العربية لقاءات مع المسؤولين في الحكومة التشادية المعنية بالأزمة، إضافة إلى زيارة مخيمات اللاجئين في شرق تشاد.
كما عقدت البعثة أيضاً لقاءات مع مسؤولي وكالات الأمم المتحدة المعنية بالشأن الإنساني.
وتضمن تقرير البعثة عرض الأسباب وأبعاد الأزمة وتطوراتها، وما أسفرت عنه من انتهاكات جسيمة في مجال حقوق الإنسان، وأزمة إنسانية حادة خلفت عدداً كبيراً من النازحين واللاجئين.
تدارس مجلس الجامعة، في دورته غير العادية على المستوي الوزاري، التي عقدت، في 8 أغسطس 2004، تطورات الأوضاع في دارفور، في ضوء تقرير بعثة الجامعة العربية لتقصي الحقائق، وشارك في هذا الاجتماع رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي وممثله الخاص لدارفور، ويان برونك ممثلاً للأمين العام للأمم المتحدة، ووزير الدولة النيجيري ممثلاً للرئيس أوباسانجو رئيس الاتحاد الأفريقي.
وقرر المجلس تقديم الدعم الكامل للاتحاد الأفريقي، في قيادة الجهود الرامية إلى حل الأزمة، ومشاركة الدول العربية، الأعضاء في الاتحاد الأفريقي، في دعم بعثة مراقبي وقف إطلاق النار وقوات حمايتها في دارفور.
ويمكن القول إن هذا الاجتماع قد صاغ خطة عربية ـ أفريقية دولية للتعاطي مع الأزمة في دارفور.
فقد بدأت المفاوضات السياسية لتسوية أزمة دارفور بين حكومة السودان وحركتي التمرد المسلح (حركة تحرير السودان وحركة العدل والمساواة)، في العاصمة النيجيرية أبوجا، في أغسطس 2004، وشارك أمين عام الجامعة العربية في افتتاح المفاوضات بدعوة من الرئيس أوباسانجو، والسيد "ألفا عمر كوناري"، رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، كما شاركت الجامعة بفعالية في جهود الوساطة تحت رعاية الاتحاد الأفريقي ومشاركة المجتمع الدولي خلال جولات المفاوضات كافة، والتي أسفرت عن توقيع البروتوكولين الأمني والإنساني، في 9 نوفمبر 2004، وإعلان مبادئ عامة لحل النزاع السوداني في دارفور، بتاريخ 5 يوليه 2005.
كما شاركت الجامعة في الآلية المشتركة بين الحكومة السودانية والأمم المتحدة، لتقييم الالتزامات الواردة في البيان المشترك الصادر عنهما، واللجنة المشتركة لوقف إطلاق النار لمراقبة الاتفاق الإنساني لوقف إطلاق النار الموقع في انجامينا، في 8 أبريل 2004.
واعترافاً من ممثلي المجتمع الدولي، في هذه المفاوضات، بأهمية البعد والدور العربيَين في تسوية أزمة دارفور، واستناداً إلى المحصلة الدبلوماسية، التي تقوم بها الجامعة لدي سائر أطراف الأزمة، منذ بداية جولات التفاوض، اختير ممثل الجامعة العربية لكي يتولي تنسيق التعاون بين ممثلي المجتمع الدولي المشاركين في المفاوضات، وكان المتحدث باسم الأطراف الدولية، حتى توقيع الاتفاق، في 5 مايو 2006، بين الحكومة السودانية وحركة تحرير السودان، بشهادة ممثل الجامعة العربية وتوقيعه، إلى جانب بقية الشركاء.
أما موقف الجامعة من قرار مجلس الأمن الرقم 1706 لسنة 2006، فقد أبرزه اعترف مبعوث الولايات المتحدة الأمريكية الخاص بالسودان، "اندرو ناتسيوس"، بأن مباحثاته مع الأمين العام للجامعة العربية، عمرو موسى، في القاهرة، في هذا الشأن، لم تنجح في الوصول إلى اتفاق حول نشر قوات دولية في إقليم دارفور غرب السودان.
كما أشار إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تؤيد القرار الرقم 1706، لأنه صادر من الأمم المتحدة، وأن هناك جهود تبذل، للوصول إلى طريقة مناسبة، لرأب الصدع بين موقف الحكومة السودانية والأمم المتحدة حول هذا الموضوع.
كما وصف ناتسيوس لقاءه مع أمين الجامعة العربية بأنه كان مفيداً وبناءً، بشأن الوضع في دارفور بصفة خاصة والسودان عامة، والوضع الإنساني هناك، وحقوق الإنسان في دارفور.
وأشار إلى أنهما اتفقا على خطوات سريعة وفورية وعملية، تنفذ في الوقت الحالي، وكذلك اتفقا على سرعة التحرك، ليس فقط مع الحكومة السودانية والمتمردين، ولكن أيضاً مع الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية"، مؤكداً الحاجة إلى موقف جماعي لحل هذا الموضوع.
وأشار ناتسيوس إلى أنه ناقش مع موسى اقتراحاً مصرياً عربياً، لتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1706 الخاص بدارفور.
وأن الإدارة الأمريكية تدرس الاقتراح المقدم من جانبهما بشأن الأزمة.
كان عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية، قد أعلن أن مجلس الجامعة أصدر قراراً لدعم السلام والتنمية والوحدة في السودان، يؤكد ضرورة الحصول على موافقة حكومة السودان المسبقة، قبل إرسال أي قوات أخرى إلى دارفور.
وقال موسى إن القرار يرحب بنتائج مفاوضات أبوجا للسلام حول دارفور، والتي أسفرت عن توقيع اتفاق سلام دارفور، يوم 5 مايو 2006، بين الحكومة السودانية وحركة تحرير السودان، كما حث الأطراف على تنفيذه بالسرعة اللازمة، ومناشدة كافة الأطراف، التي لم توقع عليه، إلى الالتزام بالحوار وسيلة وحيدة لتحقيق السلام في دارفور.
وينص القرار على تقدير الدور الذي قامت به الأمانة العامة، في مفاوضات أبوجا، وصولاً إلى توقيع اتفاق السلام، وطلب منها مواصلة جهودها، مع مفوضية الاتحاد الإفريقي، والمنظمات الدولية الأخرى ذات العلاقة، لضمان تنفيذ الاتفاق، وذلك من خلال مشاركتها في الآليات واللجان المنشأة بموجب اتفاق السلام.
ويشيد القرار بالخطوات الإيجابية، التي اتخذتها الحكومة السودانية وحركة تحرير السودان بقيادة "منى أركو ميناوى"، نحو بدء تنفيذ سلام دارفور، وما أفضى إليه ذلك من تطورات ملموسة، على الصعيد السياسي والأمني والإنساني، ودعوتهما إلى الإسراع باستكمال ما اتفق عليه، والعمل على تهيئة المناخ الملائم لعقد مؤتمر الحوار الدارفوري، وتكثيف جهود التنمية وإعادة الإعمار بدارفور تنفيذاً لاتفاق السلام.
يتبع إن شاء الله... |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المبحث الثامن: جهود التسوية الوطنية والدولية الثلاثاء 21 فبراير 2012, 7:13 am | |
| ودعا القرار المجموعات المسلحة، التي لم توقع على اتفاق سلام دارفور، إلى نبذ التصعيد العسكري، ومطالبة المجتمع الدولي ببذل الجهود للحيلولة دون مناهضة الاتفاق عسكرياً، أو من خلال إثارة النعرات القبلية داخل معسكرات النازحين واللاجئين، مرحباً برغبة الحكومة السودانية في الحوار مع هذه المجموعات من دون التأثير على اتفاق أبوجا.
وقال "عمرو موسى"، الأمين العام للجامعة العربية، إن مجلس الجامعة، على المستوى الوزاري، رحب، في القرار الخاص بدعم السلام والتنمية والوحدة في السودان، بالتطورات الإيجابية، التي شهدتها العلاقات السودانية-التشادية، وكذلك العلاقات السودانية ـ الاريترية، وانعكاساتها الملموسة على مجمل الأوضاع في السودان والمنطقة.
وأضاف أن مجلس الجامعة أكد ـ بعد إطلاعه على قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1706 ـ ضرورة الحصول على موافقة حكومة السودان المسبقة قبل إرسال أي قوات أخرى إلى دارفور، تجنباً لنتائج رفض وجودها.
كما دعا إلى الحوار والتشاور، بين الحكومة السودانية والأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية وأعضاء مجلس الأمن، من أجل التوصل إلى تفاهم، يسهم بفاعلية في تنفيذ اتفاق أبوجا للسلام في دارفور.
وأكد المجلس، كذلك، أهمية جهود بعثة الاتحاد الإفريقي في معالجة الأزمة، وأهمية تنفيذ قرار قمة الخرطوم العربية الأخيرة والخاص بتحمل تكلفة قوات الاتحاد الإفريقي، ابتداء من أول أكتوبر 2006، وتحويل المساهمات إلى حساب صندوق دعم السودان بالجامعة العربية.
ودعا المجلس الدول العربية الأفريقية إلى تعزيز مشاركتها في قوات بعثة الاتحاد الإفريقي ومراقبيها، في دارفور، تأكيداً على أهمية جهود بعثة الاتحاد الإفريقي في معالجة الأزمة، وفقاً لاتفاق السلام الموقع.
كما دعا المجتمع الدولي إلى الوفاء بالتزاماته، نحو دعم اتفاق سلام دارفور وإنفاذه، وتقديم الدعم اللازم ـ بما في ذلك المادي ـ إلى بعثة الاتحاد الإفريقي، في دارفور، لإنجاز مهامها.
وطالب القرار الخاص بدعم السلام في السودان الأمانة العامة للجامعة العربية باتخاذ الإجراءات المناسبة والعاجلة نحو إيفاد وفد للتباحث مع مفوضية الاتحاد الإفريقي ومجلس السلم والأمن الإفريقي، من أجل بحث تطورات الأوضاع في دارفور، وسبل تعزيز جهود بعثة الاتحاد الإفريقي في دارفور، ومواصلتها بموجب اتفاق أبوجا والاتفاقات الأخرى ذات الصلة.
كما طالب مجلس الأمن الدولي بدراسة الخطة الشاملة المقدمة من حكومة السودان، في الثاني من أغسطس 2006، لتحسين الأوضاع وحفظ الأمن في دارفور، والدخول في حوار مع الحكومة حولها.
وطالب، كذلك، رئاسة مجلس الجامعة، والعضو العربي في مجلس الأمن، والأمين العام لجامعة الدول العربية، بمتابعة المباحثات، التي تعقد في إطار أجهزة الأمم المتحدة من أجل بحث الأوضاع في دارفور، والعمل على طرح مضامين قرارات مجلس الجامعة بشأن تسوية أزمة دارفور، على أساس الاحترام الكامل لسيادة السودان واستقلاله ووحدة أراضيه.
وحث القرار الدول الأعضاء في الجامعة العربية على تقديم أشكال الدعم المادي والفني كافة لمساعي الاتحاد الإفريقي نحو التوعية بدور اتفاق السلام في رفع المعاناة الإنسانية عن السودانيين بدارفور، ونشر ثقافة السلام في هذه المنطقة، وتحقيق الأمن والاستقرار لأبنائه.
ودعا الدول الأعضاء، ومنظمات وأجهزة العمل العربي المشترك، وصناديق التمويل والاستثمار العربية، والغرف التجارية العربية، والمنظمات الأهلية العربية، والقطاع الخاص العربي، للمشاركة في المؤتمرات العربية، التي تعقد لدعم ومعالجة الأوضاع الإنسانية في دارفور، بهدف توفير دعم عربي ملموس، يسهم في معالجة الحاجات الإنسانية، التي خلفها الصراع في دارفور، والمساعدة على العودة السريعة للاجئين والنازحين، من أهالي دارفور، إلى ديارهم.
ودعا، كذلك، الدول الأعضاء إلى المشاركة الفاعلة، في اجتماع المانحين الدوليين، لإعادة إعمار دارفور، والمقرر عقده في لاهاي بهولندا، خلال الأشهر المقبلة.
وفى شأن الأوضاع في جنوب السودان، رحب القرار الخاص بدعم السلام في السودان بالخطوات المتخذة، لتنفيذ اتفاق السلام الشامل، بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان، الموقع في العاصمة الكينية نيروبي.
داعياً الطرفين إلى الإسراع في مواصلة جهودهما لتنفيذ الاتفاق.
وكُلِّفت اللجنة الوزارية للسودان بمتابعة موضوع تقديم مساهمات الدول العربية المالية إلى الصندوق العربي لدعم السودان، وتنمية جنوبه والمناطق المتأثرة بالحرب، ووضع جدول زمني وفق الأولويات التي تقترحها حكومة السودان.
ودعا القرار الأمانة العامة للجامعة العربية إلى الإسراع بافتتاح مكتب للجامعة في جوبا، بجنوب السودان، لتنسيق العون العربي، والمساهمة في تنفيذ اتفاق السلام الشامل، كما دعا الدول العربية وصندوق النقد العربي وصناديق التمويل العربية المعنية إلى عقد اجتماع طارئ، لبحث معالجة الديون السودانية لها، دعما لمسيرة السلام وحفزاً لمجهودات التنمية، وإعادة الإعمار في ربوع السودان كافة.
وحث الدول والصناديق ومؤسسات التمويل العربية إلى مواصلة الجهود والمشاركة الفاعلة في الاجتماع التنسيقي الرابع للتنمية والاستثمار في جنوب السودان، خلال النصف الأول من عام 2007، لتنسيق الاستثمارات التنموية في جنوب السودان والمناطق المتأثرة بالحرب، وخاصة في مجالات البنية الأساسية والخدمات العامة والاجتماعية.
مع كل ما ذكر، يرى بعضهم أن غياب الدور العربي والجامعة العربية، وتسليم أمر الخرطوم للاتحاد الأفريقي، الذي يتعاطف ضمنياً مع مطالب المتمردين، بصفتهم من العنصر الأفريقي، الذي تروج الدعاية الغربية أنهم مضطهدون من جانب العنصر العربي ـ يسهم في تحكم أكبر للأطراف الغربية في ممارسة الضغوط المتنوعة على السودان.
4. الوساطة التشادية لتسوية أزمة دارفور:
لقد تدخل الأفارقة في القضية بتبني الوساطة التشادية، والتي تصر الحكومة السودانية على جعلها الأساس لعدة اعتبارات، منها أنها تستطيع الضغط على تشاد على أساس أن التهديد الأمنى للحكومة التشادية دائما يأتى من السودان عبر دارفور، وأن تشاد تعتمد اقتصادياً على السودان، عبر بوابة بور سودان لنقل وارداتها، ولقد استغل المتمردون ضعف الموقف التشادي ذريعة لعدم حضور المفاوضات. وقد أدى الموقف من قضية دارفور إلى تمرد داخلي، في صفوف النخبة الحاكمة، بتشاد، وإخماد محاولة انقلاب ضد إدريس دبي، قالت بعض أجهزة المخابرات الغربية أن اثنين من إخوته غير الأشقاء متورطان فيها، وهما: تيمان دبي، ذو النفوذ الديني الواسع، ودوسة دبي، اعتقاداً بأن الحكومة التشادية تخلت عن الزغاوة.
وذكرت بعض التقارير الغربية أن أكثر من 150 من ضباط الجيش التشادي قد التحقوا بأقربائهم المتمردين في السودان، كما أن الجيش التشادي يمد المتمردين بانتظام بالسلاح والمؤن.
5. الدور المصري في المساعي لإيجاد تسوية للأزمة:
يُعَد ما يحدث في السودان، بصفة عامة، وما يحدث في دارفور بصفة خاصة، سابقة بالغة الخطر، يجب التنبه لها، في إطار سياسة تفكيك العالم العربي، ثم تفتيت دوله، وحتى لا يفيق العالم العربي على سودان جديد ممزق الأوصال، قد زالت عنه صفته العربية والإسلامية، وأصبح ساحة للصراع العربي الأفريقي، بدلاً من أن يكون أرضاً للتعايش بين العرب والأفارقة، وجسراً متيناً للتضامن بين الطرفين، وإذا كان الاتحاد الأفريقي غير مقتنعٍ بالطرح الأمريكي، الذي يركز على أن الصراع في دارفور هو صراع بين العناصر العربية والأفريقية.
فإنه من المناسب أن تبدأ الجامعة العربية، على الفور، حواراً مع الاتحاد الأفريقي، لتنسيق المواقف العربية والأفريقية، لاسيما أن قرارات مجلس الأمن تعطي مساحة واسعة لدور الاتحاد الأفريقي، ذلك أن حصر القضية في إطار إقليمي يمكن أن يساعد على البحث عن حل عربي لصلب المشكلة، بدلاً من الدوران حول مضاعفاتها أو المتاجرة السياسية بمثل هذه المآسي الإنسانية، في إقليم دارفور وغيره من الأقاليم السودانية، والعمل في إطار مخطط أوسع ضد العالم العربي والإسلامي.
ولا شك أن السودان الموحد الديموقراطي إضافة مهمة للمصالح المصرية والعربية، ولذلك فإن الطريق التي يتجه إليها السودان تمثل تحدياً حقيقياً للمصالح المصرية والعربية، وتتطلب من مصر رؤية ودوراً يتناسبان مع إدراكها لخطورة هذه التطورات.
إن الخشية الحقيقية، في هذا الصدد، أن تكون مصر غير قادرة على استيعاب ما يحدث في السودان ومضاعفاته عليها، أو أن تكون غير قادرة على التحرك بذرائع، لا يمليها سوى القعود عن الدفاع عن المصالح، والعجز عن إدراك الأهداف، وفي كل الأحوال، فإن مصر هي الخاسر الأكبر في معادلة السودان، وستدفع أجيالها القادمة ثمن القعود والعجز الذي لازم الموقف المصري من قضايا السودان طيلة السنوات الماضية.
رغم الأهمية القصوى والمصالح الكبيرة لمصر في السودان، فإن التحرك المصري جاء متواضعاً، ولا يرقى إلى المستوى المناسب للمصالح والعلاقات مع السودان، وتركز السياسة المصرية في هذا الصدد على اتخاذ موقف وسط بين ما يصدر من قرارات عن مجلس الأمن، وما تمارسه الدول الفاعلة في المجتمع الدولي من ضغوط على السودان، وما يجب أن تقوم به من أدوار تجاهه.
وعلى سبيل المثال، في أعقاب صدور قرار مجلس الأمن الرقم 1706 لسنة 2006، وفي أعقاب لقاء بين وزير الخارجية المصري والمبعوث الأمريكي إلى السودان، صرح الوزير المصري أنه طرح على الموفد الأمريكي بعض الأفكار التي ترى مصر أنها يمكن أن تسهم في تجاوز الأزمة، وتعد حلاً وسطاً بين الموقف السوداني الرافض لنشر القوات الدولية، والموقف الداعي إلى سرعة إرسال تلك القوات إلى إقليم دارفور، وأن الحلول الوسطى المطروحة يمكن أن تضمن توفير التمويل اللازم لقوات حفظ السلام من ميزانية الأمم المتحدة، من دون الحاجة للوقوع تحت ضغوط الحاجة لتوفير التمويل من الأطراف المانحة، وأن مصر تركز على أهمية أن ينصب الاهتمام الدولي في التعامل مع الأزمة من خلال التركيز على دعم البعثة الأفريقية، وضم الأطراف غير الموقعة على اتفاق سلام دارفور إلى الاتفاق والبدء الفوري في إطلاق حوار دارفور ـ دارفور، مع محاولة الوصول إلى صيغة يتفق عليها بين الأطراف، تسمح بتولي الأمم المتحدة دوراً في حفظ السلم والاستقرار في دارفور، من دون المساس بالسيادة السودانية.
تجدر الإشارة إلى أنه في الوقت الذي كان يستعد فيه وزراء الخارجية العرب لعقد اجتماعهم الطارئ بالقاهرة، يوم الأحد 8 أغسطس 2004، بناءً على طلب السودان، ومع تحركات تبذلها مصر، لمد المهلة الممنوحة للحكومة السودانية، لحل مشكلة دارفور، قدَّم أعضاء بلجنتَي الشئون العربية في مجلسي الشعب والشورى المصريين إفادات أمام وزير الخارجية، أحمد أبو الغيط، تؤكد الرفض المطلق لأي محاولات للتدخل الأجنبي في أزمة دارفور في السودان، وضرورة إتاحة الفرصة الكاملة للحكومة السودانية، وبالتعاون عربيًا وأفريقياً، من أجل إنهاء الأزمة.
وأوضح الأعضاء أن أي تدخل أجنبي، في مشكلة دارفور، سوف يعقد من مسيرة الانفراج لها خلال هذه المرحلة.
6. الدور الليبي في المساعي لإيجاد تسوية للأزمة:
دأبت الجهود والمساعي الليبية في التحرك من أجل إنهاء الصراع الدائر في دارفور، وإيجاد تسوية مقبولة من أطراف الصراع المختلفة لها، والتي اعتمدت القمم التي دعت ليبيا إلى انعقادها، آلية مناسبة للمساعدة في تحقيق ذلك ومنها القمة الخماسية التي عقدت، يوم 17 أكتوبر 2004، بمشاركة كل من ليبيا والسودان ومصر وتشاد ونيجيريا، من ناحية أخرى، فإن ليبيا التي رأت ضرورة توحيد مواقف الأطراف المتناحرة، قبل الإقدام على أية وساطة لحل هذا الصراع، كانت قد نجحت في استضافة أعمال الملتقى الثالث لأبناء دارفور، الذي اختتم أعماله قبل انعقاد القمة الخماسية، التي عقدت في العاصمة الليبية طرابلس، يوم 17 أكتوبر 2004 بثلاثة أيام، بتوقيع ممثلي حركتي العدل والمساواة وتحرير السودان وممثلين عن الإدارة الأهلية في إقليم دارفور على إعلان طرابلس، الذي تضمن عشر نقاط منها:
تأكيد الالتزام بوقف إطلاق النار، والنص على تعاون الإدارة الأهلية والحركتين المسلحتين على فتح طرق الإغاثة والتجارة بين مدن دارفور وخارجها، وكذلك تكوين آلية اتصال بين الإدارات الأهلية والحركتين وزعماء العشائر، والعمل على إطلاق سراح المعتقلين وأسرى الحرب كافة، سواء من جانب الحكومة أو الحركتين، بسبب النزاع في دارفور، تنفيذاً للبروتوكول الأمني الموقع في أبوجا 2004، كما ينص على الاستئناف العاجل للمفاوضات للوصول إلى حل سياسي للأزمة وتحقيق الاستقرار والأمن والتنمية.
كذلك كانت القمة السداسية للدول الأفريقية المتاخمة للسودان، التي بدأت أعمالها، يوم 13 مايو 2005، بمشاركة كل من ليبيا والسودان ومصر وتشاد ونيجيريا والجابون، للوصول إلى حل عملي، لإنهاء المأساة الإنسانية في دارفور، إلا أن هذه القمم لم تتمخض سوى عن توصيات بمواصلة المفاوضات، بينما لا يتغير شيء على أرض الواقع.
وقد توصل قادة الدول الأفريقية الست، في قمتهم المصغرة المنعقدة في طرابلس، حول أزمة دارفور، إلى اتفاق على استئناف محادثات السلام المتعثرة في السودان، في موعد أقصاه نهاية شهر أغسطس 2004، وهو ما أكده الرئيس السوداني عمر حسن البشير.
وكان وزير الخارجية السوداني مصطفى إسماعيل قد أوضح في ختام جلسة قصيرة من المحادثات قبل القمة أن أهم شيء في هذا الاجتماع هو إقرار استئناف محادثات السلام، وأضاف قائلاً:"أعددنا خارطة طريق أكثر وضوحا لحل المشكلة في دارفور من أجل الوصول إلى سلام شامل".
ومن جانبه دعا الرئيس النيجيري أولوسيجون اوباسانجو، جميع الأطراف المعنية إلى بذل المزيد من الجهود للوصول إلى قرار صريح لحل الأزمة أو إفساح المجال أمام العالم لتقديم هذا الحل إذا كانوا عاجزين عن ذلك.
وكانت قمة سداسية أخرى قد عقدت أيضاً في العاصمة الليبية طرابلس في 21 نوفمبر 2006 وشارك في أعمالها، التي خصصت لمعالجة ومتابعة تطورات الوضع الراهن في دارفور، كل من الرئيس المصري "حسني مبارك" ونظرائه السوداني "عمر حسن البشير" والتشادي "إدريس ديبي" والاريتري "أسياس افورقي" ورئيس جمهورية أفريقيا الوسطى "فرنسوا بوزيزي"، إضافة إلى الزعيم الليبي العقيد "معمر القذافي".
يلاحظ أن الجهود الإقليمية المبذولة، من أجل إيجاد تسوية مناسبة، للصراع الدائر في إقليم دارفور، ووضع حد للأزمة فيه، سواء كانت بمبادرات من دول أفريقية فاعلة كمصر وليبيا وتشاد ونيجيريا، قد كانت أكثر حيوية وايجابية من تلك الجهود الدولية، التي لم تسفر سوى عن مجموعة من القرارات الصادرة عن مجلس الأمن، دفع إلى إصدارها دفعاً من جانب دول فاعلة فيه، مثل الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وفرنسا. ويمكن إيجاز أهم بنود الاتفاقية في:
الاتفاق على وقف الأنشطة العدائية لمدة 45 يوماً، والسيطرة على المجموعات المسلحة غير النظامية في مسارح العمليات، إطلاق سراح أسرى الحرب والموقوفين، وتجميع قوات جيش تحرير السودان والانسحاب المتزامن للمجموعات المسلحة، بالإضافة إلى إقامة لجنة ثلاثية (الخرطوم، تشاد، جيش تحرير السودان) لمراقبة تنفيذ الاتفاق. كما اتفق على أن تبدأ المفاوضات الخاصة بالملاحق وبتنفيذ هذه البنود بعد 45 يوما من التوقيع على الاتفاق للوصول إلى سلام شامل على أن تسلم الأسلحة في خلال فترة لا تتعدى أسبوعين بعد الاتفاق النهائي على الملاحق التي تتبع هذه الاتفاقية والمذكرات التفسيرية التابعة لها.
وقد أعطت الاتفاقية مطلباً وحيداً لحركة التمرد السياسية، جاء في المادة الخامسة وهو ضرورة التزام الطرفين بإرساء دعائم السلام الدائم والشامل في المنطقة من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وكانت الترتيبات الأمنية التي تقوم بتجميع قوات جيش تحرير السودان وتجريد المتمردين من السلاح تنص على أن ذلك مقابل انسحاب المجموعات المسلحة غير النظامية، ولم تلزم الاتفاقية الحكومة بتجريد الميلشيات التابعة لها من السلاح. |
|