أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: المبحث السادس والعشرون: تطور الموقف السياسي والعسكري خلال فترة الهدنة الثالثة الثلاثاء 20 ديسمبر 2011, 1:54 am | |
| المبحث السادس والعشرون تطور الموقف السياسي والعسكري خلال فترة الهدنة الثالثة أولاً: تطور الموقف الدولي إزاء إصرار إسرائيل علي رفض الانسحاب من الأراضي التي استولت عليها خلال فترة القتال الثالثة اقترح "رالف بانش" القائم بأعمال الوسيط الدولي علي مجلس الأمن تشجيع الدول العربية وإسرائيل علي الدخول في مفاوضات لتحويل الهدنة المؤقتة إلي هدنة دائمة ـ منعاً لتجدد القتال ـ وتهيئة الظروف اللازمة للتوصل إلي تسوية سلمية نهائية.
واستجابة لتوصيات "بانش" أصدر مجلس الأمن في الرابع والسادس عشر من نوفمبر قرارين يدعو فيهما الأطراف جميعاً إلي العمل من أجل التوصل إلي اتفاقيات هدنة دائمة ـ عن طريق المفاوضات التي تجري مباشرة أو عن طريق القائم بأعمال الوسيط الدولي ـ تتضمن رسم خطوط دائمة لهدنة لا يجوز لقوات الأطراف المتنازعة أن تتخطاها، وسحب وتخفيض القوات المسلحة بما يضمن الحفاظ علي الهدنة خلال فترة الانتقال إلي الصلح الدائم، وذلك دون الإخلال بأمر القائم بأعمال الوسيط الدولي المتعلق بسحب القوات الإسرائيلية في النقب إلي خطوط 14 أكتوبر. (اُنظر ملحق القرار الرقم 61 (1948) بتاريخ 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 1948. الدعوة إلى سحب القوات وإقامة خطوط هدنة دائمة) و(ملحق قرار رقم 62 (1948) بتاريخ 16 تشرين الثاني ـ (نوفمبر) 1948. إقرار إقامة هدنة في جميع أنحاء فلسطين)
ورغم أن معظم الدول العربية ظلَّت ترفض ذلك القرار، فإن مصر أخذت موقفاً أكثر اعتدالاً بترحيبها بالتفاوض من أجل الوصول إلي تسوية، إلا أنها اشترطت أن يكون ذلك التفاوض مع الأمم المتحدة وليس مع الإسرائيليين، ولم يلبث هؤلاء الرافضون ان أصبحوا أكثر واقعية، وطلبوا في ديسمبر من مجلس الأمن اتخاذ الوسائل اللازمة لتطبيق قرارات الأمم المتحدة السابقة، بما في ذلك قرار السادس عشر من نوفمبر الذي سبق لهم أن رفضوه.
أما إسرائيل فقد سعت إلي تجنب إشراك الأمم المتحدة في أي إجراءات للتسوية حتى تتجاهل قرارات المنظمة الدولية، التي قد تعرقل أطماعها التوسعية من ناحية، وحتى تستطيع استخدام موقفها المتميز وتفوقها العسكري في المساومة من خلال المفاوضات المباشرة مع العرب من ناحية أخري.
وفي الوقت الذي كان مجلس الأمن يبحث الاعتداءات الإسرائيلية في النقب والجليل، كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة ولجنتها السياسية تبحث عدة مشروعات قرارات لتسوية المشكلة، وفي الحادي عشر من ديسمبر وافقت الجمعية العامة علي مشروع قرار بريطاني بعد إجراء عدة تعديلات عليه، وقد نص ذلك القرار (194 ـ فقرة 3) علي إنشاء لجنة توفيق تابعة للأمم المتحدة تضم مندوبين من فرنسا وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية تقوم بكافة مهام الوسيط الدولي، واتخاذ الخطوات الكفيلة بمساعدة الأطراف علي تحقيق تسوية سلمية، سواء تحت إشراف اللجنة أو بالمفاوضات المباشرة، علي أن تقدم اللجنة إلي الجمعية العامة في دورة انعقادها التالية مقترحات تفصيلية لنظام دولي لمدينة القدس، كما كُلفت لجنة التوفيق ببحث الترتيبات اللازمة للمساعدة في تطوير المنطقة اقتصادياً، وتسهيل توطين واستقرار وتأهيل اللاجئين اجتماعياً واقتصادياً.
ثانياً: تطور الموقف العربي استكمالاً لجهوده السابقة من أجل ضم الأراضي التي يسيطر عليها الفيلق الأردني في فلسطين إلي مملكته، أوعز الملك عبدالله إلي الهيئة التنفيذية للمؤتمر العربي الفلسطيني الأول ـ الذي سبق عقده في عمان ـ بالدعوة إلي عقد مؤتمر جديد في " أريحا" في أول ديسمبر 1948، وكان اختيار " أريحا" مكاناً لعقد المؤتمر الثاني يهدف إلي تصوير الموقف وكأن الفلسطينيين يتصرفون بوحي من إرادتهم الحرة، وحين عُقد المؤتمر الذي حضره نحو ثلاثة آلاف مندوب من كل أنحاء فلسطين، قَرَّروا أن "تتألف من فلسطين والمملكة الأردنية الهاشمية مملكة واحدة، وأن يُبايع جلالة الملك عبدالله بن الحسين ملكاً دستورياً علي فلسطين".
وقد أثارت مقررات "أريحا" ثائرة الدول العربية التي تقف في وجه أطماع الملك عبدالله وعلى رأسها مصر التي شنت إذاعتها حملة شديدة علي المؤتمر ومقرراته. وفي محاولة لتهدئة مصر، بعث الملك عبدالله برسالة شفهية إلي النقراشي باشا رئيس الوزراء حملها إليه الوزير الأردني المفوض في القاهرة، يوضح له فيها أن مقررات "أريحا" هي تعبير عن رأي أهل فلسطين الذين يوجد منهم آنذاك سبعمائة ألف لاجئ يستغيثون به أن يتولى شؤونهم، وإنه وإن لم يتعجل الرد علي تلك المقررات فإنه يري أن عليه أن يُغيث من لاذوا به وأن يتحمل مسؤوليته تجاههم. (اُنظر ملحق رسالة الملك عبدالله إلى رئيس الوزراء المصري ورد الأخير عليه، وتوضيح رئيس الوزراء الأردني (6 ، 8 ، 12 ديسمبر 1948))
وفي ردِّه على رسالة الملك عبدالله أشار النقراشي باشا إلي أن الدول العربية دخلت فلسطين مجتمعة لإنقاذ أهلها، ومن ثمَّ فإنه من غير الملائم أن تنفرد دولة واحدة بحل سياسي يتعلق بذلك البلد، وأن تعبير الفلسطينيين عن آرائهم يجب أن يتم في ظروف طبيعية وفي مناسبات لا تثير شكاً لدي أيٍّ من الدول العربية، مؤكداً علي أن مصر التزمت دائماً بمبدإ أن فلسطين لأهلها وأنها ستظل وفيه لهذا المبدإ وأنه يرجو ألا يتخذ الملك قراراً يؤدي إلي تنابذ الدول العربية، مما يشوه قضيتها وصورتها أمام العالم (اُنظر ملحق رسالة الملك عبدالله إلى رئيس الوزراء المصري ورد الأخير عليه، وتوضيح رئيس الوزراء الأردني (6 ، 8 ، 12 ديسمبر 1948)).
ومن جانبه قام الملك فاروق بالاتصال بالملوك والرؤساء العرب الآخرين علي أمل أن يؤدي التعاون فيما بينهم إلي تنبيه الملك عبدالله إلي خطورة الموقف الذي يُعِّرض الوحدة العربية للانهيار. وبالرغم من تلك الاتصالات علي مستوي القمة العربية فقد مضي الملك عبدالله في مخططه، حيث عرضت قرارات "أريحا" علي كل من مجلس الوزراء والبرلمان الأردني فصادقاً عليها. (اُنظر ملحق رسالة رئيس الجمهورية السورية إلى الملك فاروق (15 ديسمبر 1948))
وإزاء تزايد الصَدَّع بين مصر والمملكة العربية الأردنية رأت الحكومة البريطانية ضرورة إجراء المصالحة بين البلدين حفاظاً علي مصالحها في المنطقة، ومن جانبه قبل الملك عبدالله تبادل وجهات النظر مع المصريين دون التخلي عن مقررات "أريحا" إلا أن ذلك كان غير مقبول من مصر، ومن ثمَّ طرحت بريطانيا فكرة تقسيم ما تبقي من فلسطين بين مصر والمملكة الأردنية. ولم يكن "أرنست بيفن" وزير الخارجية البريطانية يمانع في حصول الملك عبدالله علي كل "النقب" وعلى كل ـ أو جزء من ـ القسم العربي في فلسطين.
ولما كان ذلك العرض سيتأثر بموقف الإسرائيليين، فقد حثت الحكومة البريطانية الملك عبدالله علي مواصلة محادثاته التي كانت قد بدأت مع ممثلين عن الجانب الإسرائيلي لمعرفة نواياهم وتهيئة السبل للتسوية النهائية إذا كان ذلك ممكنا. وقد انتهت المباحثات الأولية بين الجانب الأردني والإسرائيلي إلي توقيع هدنة نهائية بين الجانبين في منطقة القدس اعتباراً من الساعة 800 يوم 29 نوفمبر.
1. مؤتمر رؤساء أركان حرب الجيوش العربية نجح شبح الهزيمة في دفع رؤساء أركان حرب الجيوش العربية إلي الاجتماع في القاهرة خلال الفترة من 10 إلي 12 نوفمبر لبحث الموقف والتقدم بتوصياتهم إلي اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية. (اُنظر ملحق إجراءات مؤتمر رؤساء هيئة أركان حرب الجيوش العربية لبحث الموقف في فلسطين (10 ـ 12 نوفمبر 1948))
إلا أنَّ القرارات التي أَسْفرت عنها اجتماعات رؤساء الأركان كانت تعني تجميد الموقف العسكري لحين تنفيذ توصيات المؤتمرين من أجل تدارك الموقف العربي المتدهور.
فبعد أن قارن المؤتمرون موقف القوات العربية والإسرائيلية وأوضاعها، خرجوا بأن القوات الإسرائيلية قد أصبحت متفوقة علي القوات العربية من حيث العدد والتسليح بكافة أنواعه، فضلاً عما تقدمه لها شبكة المستعمرات الإسرائيلية الحصينة وطرق المواصلات الجيدة من دعم لأعمال الحشد والمناورة بالقوات في ظل قيادة إسرائيلية موحدة علي كل الجهات وهو ما لم يتوفر للعرب.
أما بالنسبة لمقدرة القوات العربية آنذاك، فقد وجد المؤتمرون أنَّ العجز في هذه القوات وافتقارها إلي الأسلحة المعاونة وحاجتها المُلَّحة إلي الذخائر المختلفة والعتاد، وما طرأ علي قواتها الجوية والبحرية من خسائر ونقص، يُجبرها علي اتخاذ أوضاع دفاعية لحين استكمال احتياجات تلك القوات.
ولخص رؤساء أركان حرب الجيوش العربية الأسباب التي أَدَّت إلي تدهور الموقف العربي العسكري في خمس نقاط هي: أ. عدم استعداد الجيوش العربية لخوض حرب طويلة.
ب. عجز الدول العربية عن حشد القوات الكافية للتغلب علي القوات الإسرائيلية.
ج. عدم حشد الدول العربية جميع مواردها لأغراض الحرب.
د. عدم تشكيل قياده عربية موحدة للجيوش العربية لإدارة الحرب وتوجيه القوات تبعاً لمقتضيات الموقف.
هـ. عجز الحكومات العربية عن الانتفاع من الهدنتين السابقتين لدعم قواتها بمثل ما فعلت الحكومة الإسرائيلية.
وفي النهاية جاءت توصيات رؤساء أركان الجيوش العربية كما يلي: أ. تدارك ما تحتاجه القوات من الأسلحة والذخائر و العتاد والطائرات والقوة البحرية، والتغلب علي جميع الصعوبات والعراقيل التي تحول دون ذلك مهما كلف ذلك من تضحيات.
ب. تسخير كل ما في البلاد العربية من موارد واستخدام جميع الإمكانات لأغراض الحرب ولو أدي ذلك إلي إعلان التعبئة العامة.
ج. ترك حرية العمل للعسكريين وحصر جهود الحكومات العربية ومساعيها في تأمين احتياجات جيوشها وتعبئة جميع القوى للمجهود الحربي.
د. ضرورة تشاور السياسيين مع القيادات العسكرية قبل اتخاذ أية قرارات سياسية تتعلق بتدخل القوات المسلحة.
إلا أنه يمكن القول أن التوصيات السابقة لم تكن تَعْني شيئاً لدي الحكومة الأردنية التي عقدت العزم علي التوصل إلي تسوية ملائمة مع الإسرائيليين بالنسبة للجبهة الأردنية. فبعد أقل من أسبوع من فض اجتماعات رؤساء أركان حرب الجيوش العربية في القاهرة كان "موشي ديان" قائد منطقة "القدس" يجتمع مع عبدالله التل قائد القوات الأردنية في نفس المدينة يوم 18 نوفمبر للتمهيد لبحث وقف إطلاق النار بشكل نهائي في منطقتهما، وهو ما انتهى بتوقيع الجانبين يوم 29 نوفمبر علي هدنة في منطقة "القدس".
ولم يأت الرابع من ديسمبر حتى كانت الجبهة الأردنية كلها قد أصبحت خارج الحرب، ثم تعددت اللقاءات بين القائدين التي حضرها بعض الساسة من الجانبين أيام 13، 14، 20 ديسمبر 1948، ثم 5 يناير 1949 قبل أن يجتمع الملك عبدالله نفسه بالساسة والعسكريين الإسرائيلين في قصره بالشونة ليلة 16/17 يناير لبحث التسوية النهائية معهم.
2. تطور الموقف علي الجبهة المصرية أ. تطور أوضاع القوات المصرية خلال فترة الهدنة الثالثة، وعلي ضوء الأوضاع التي انتهت إليها العملية "يوأف" قامت قيادة الجبهة المصرية بسحب قواتها المهددة بقطع خطوط مواصلاتها بين "غزة" و"أسدود" وأعادت تنظيم قواتها وأوضاعها الدفاعية علي شكل قوس يحيط ببطن منطقة النقب التي تسيطر عليها القوات الإسرائيلية، وانكمشت المناطق التي تسيطر عليها القوات المصرية إلي خمس شرائح علي النحو التالي: (1) الشريحة الساحلية الممتدة من "رفح إلي غزة" بمواجهة 35 كم.
(2) الشريحة الداخلية من "رفح" إلي "العوجة" بمواجهة 65 كم.
(3) شريحة "العوجة/ بئر العسلوج وتباب الشريف" بمواجهة 50 كم.
(4) شريحة "الفالوجا/ عراق المنشية" المحاصرة.
وقد راعت عملية إعادة تنظيم الدفاع أن يتم تدعيم وتقوية الدفاع عن "غزة" و"رفح" و"العوجة" مع تجهيز منطقة "الخليل/ بيت لحم" كقاعدة لإمداد قوات "الفالوجا" والاحتفاظ بقوة ضاربة كاحتياط في مكان متوسط لصد أي هجوم إسرائيلي جديد وخاصة ضد "رفح" أو غزة".
وعلي ذلك تعدل الفتح التعبوي للقوات المصرية في الجبهة ليصبح علي النحو التالي: (1) قطاع"غزة" دُعمت القوات المتمركزة بمنطقة "غزة" ليصبح إجمالي هذه القوات أربع كتائب منها كتيبتا مشاه (الثالثة والسابعة) وكتيبتا احتياط (الثالثة والثامنة)، بالإضافة إلي خمس سرايا سعودية، وقوة ضاربة مكونة من الكتيبة التاسعة المشاة وتروب هاون وجماعتي مدافع ماكينة وجماعة مدافع مضادة للطائرات، وما يلزم هذه القوة من العناصر الإدارية والمعاونة، وأسندت قيادة القطاع إلي اللواء محمود فهمي نعمة الله قائد اللواء الثاني المشاة.
(2) قطاع خطوط المواصلات لتأمين المواصلات بين "غزة" و"رفح" بطول 37 كم قُسمت تلك المنطقة إلي قطاعين فرعيين هما، قطاع" دير البلح" وقطاع" خان يونس"، وخُصص للدفاع عن كلِّ من القطاعين الفرعيين كتيبة وسريتا مشاه بالإضافة إلي قوة ضاربة مشكلة من قوة مماثلة للقوة الضاربة في منطقة "غزة". وأُسندت مسؤولية القطاع الفرعي الأول إلي القائمقام أحمد إبراهيم سيف الدين، بينما أُسندت مسؤولية القطاع الفرعي الثاني إلي العميد محمد سليمان هجرسي.
(3) قطاع "رفح" دُعم الدفاع عن قطاع "رفح" بحيث أصبح يتمركز به أربع كتائب منها ثلاثة من قوات الاحتياط وواحدة من القوات المرابطة، بالإضافة إلي بعض العناصر الإدارية والمعاونة، وأُسندت قيادة هذا القطاع إلي القائمقام محمد حسني.
(4) قطاع "العسلوج/ العوجة" دُعمت الدفاعات في قطاع "العسلوج/ العوجة" بحيث أصبحت القوة المتمركزة فيه تتكون من كتيبتين إحداهما مشاه والأخرى احتياط بالإضافة إلي سريتين من القوات المرابطة، وبعض العناصر الإدارية والمعاونة، وأُسندت قيادة هذا القطاع إلي الأميرالاي فؤاد ثابت قائد اللواء الأول المشاة.
(5) قطاع "الخليل/ بيت لحم" وتمركز بهذا القطاع القوات الخفيفة وبعض العناصر الإدارية.
(6) قطاع "الفالوجا/عراق المنشية" وتمركز بهذا القطاع مجموعة اللواء الرابع المشاة المحاصرة وأُسندت قيادته إلي القائمقام السيد محمود طه.
(7) قاعدة "العريش" وتمركزت بها كتيبة احتياط للحراسة والوحدات الإدارية ووحدات المدفعية المضادة للطائرات وأُسندت قيادتها إلي القائمقام عبدالحميد بدران.
ب. العملية "دمشق" أدى انسحاب قوات "بيت جبرين" إلي "الخليل" ـ خوفا من التطويق ـ في أعقاب العملية "يوآف" وتأخر انسحاب قوات المحور العرضي من مواقعها علي نحو ما اقترحه اللواء المواوي علي رئاسة أركان حرب الجيش في القاهرة، إلي إحكام حلقة الحصار حول قوات ذلك المحور، التي لم يبق أمامها سوى تقوية دفاعاتها والاستعداد لحصار طويل.
وعندما بلغ رصيد القوات المحاصرة من مواد الإمداد حد الخطر نجحت قيادة القوات المصرية في دفع قافلة مكونة من 45 جملاً اخترقت الحصار يوم 20 نوفمبر وهي تحمل الأطعمة والأدوية والذخائر التي كانت القوات المحاصرة في أشد الحاجة إليها.
وفي 12 نوفمبر وجَّه الفريق محمد حيدر وزير الحربية المصري خطاباً إلي الملك عبدالله يطلب فيه معاونة الجيش الأردني في تخليص القوات المصرية المحاصرة. وعلي ضوء هذا الطلب جرت عدة مشاورات بين "القاهرة" و"عمان" و"بغداد" و"دمشق" انتهت بعقد اجتماع عسكري في "الزرقاء" بالأردن تم الاتفاق فيه علي أن تُقدم سوريا فوجين لاحتلال مواقع فوجين عراقيين، ثم يقوم الفوجان العراقيان بالتعاون مع أحد الأفواج الأردنية بهجوم مفاجي، لاحتلال "بيت جبرين" والاتصال بقوات "الفالوجا".
وقد وافق الملك عبدالله علي قرارات مؤتمر الزرقاء كما دعمت سوريا موافقتها بإرسال الفوجين فعلاً إلي "درعا" في طريقهما إلي منطقة المثلث. إلا أنه سرعان ما توقفت العملية نتيجة لمعارضة الجنرال "جلوب" ونجاحه في إقناع الملك عبدالله بأن اشتراك القوات الأردنية في هذه العملية سيؤدي إلي إنهاء حالة الهدنة بين القوات الأردنية والإسرائيلية وتعريض" عمان" للقصف الجوي الإسرائيلي، الأمر الذي لا تؤمَن عواقبه.
وقدم "جلوب" خطة بديلة أطلق عليها اسم العملية "دمشق" كانت تقضي بقيام الفوجين العراقيين والفوج الأردني فقط بمناوشة القوات الإسرائيلية في "بيت جبرين" في الوقت الذي تقوم فيه القوات المحاصرة بتدمير أسلحتها الثقيلة والتسلل سيراً علي الأقدام من دروب غير معلومة خلف الدليل البريطاني الميجور (الرائد) "لوكيت" الذي وصل "الفالوجا" يحمل تفاصيل خطته إلي القائمقام السيد طه، بينما أرسل الأميرالاي سعد الدين صبور ملخصاً لتلك الخطة إلي "القاهرة".
وعُقد في رئاسة هيئة العمليات المشتركة في القاهرة مؤتمرٌ لمناقشة الخطة "دمشق" وحضر هذا المؤتمر رئيس هيئة العمليات المشتركة وكلٌ من مدير العمليات الحربية ومدير العمليات الجوية ومدير المخابرات الحربية وبعض ضباط هيئة العمليات المشتركة. وبعد بحث الخطة وموقف القوات، أستقرَّ رأي المؤتمرين علي أن تنفيذ هذه الخطة يحمل خطرأ بالغاً علي قوات "الفالوجا" فور خروجها من مواقعها للاعتبارات التالية: (1) إن تدمير الأسلحة الثقيلة فضلاً عن أنه سيُلفِت نظر الإسرائيليين ـ فإنه سيؤثر سلباً علي الروح المعنوية للقوات وثقتها في نفسها.
(2) سيؤدي تدمير الأسلحة المعاونة قبل إنسحاب القوات إلي إضعاف قوة نيرانها وقدرتها علي المقاومة ويحرمها من الأسلحة الضرورية لتغطية عملية الانسحاب وأعمال المؤخرة.
(3) إن انسحاب ما يقرب من أربعة آلاف جندي علي طريق واحد يسمح للعدو بتركيز جهوده علي هذا الطريق خاصة وأن الطريق المقترح للانسحاب يمر بمنطقة جبلية يصعب الخروج منها.
وكان من رأي المؤتمرين أن أحسن وسيلة للمساعدة في فك الحصار عن جيب "الفالوجا" هي قيام قوة ما بشق طريقها إلي "الفالوجا" وتوصيل حملة وذخيرة إليها مع تأمين الطريق إلي أن يتم انسحاب القوات المحاصرة بجميع معداتها وأسلحتها.
ولم يكن رأي اللواء أحمد فؤاد صادق ـ القائد الجديد للجبهة المصرية ـ والقائمقام السيد طه قائد القوات المحاصرة يختلف عن رأي المؤتمرين في هيئة العمليات المشتركة. فعندما عرض الميجور "لوكيت" خطته علي الأخير ساورته الشكوك وأخطر اللواء صادق بهواجسه، فقام الأخير وهيئة قيادته بدراسة الخطة وقرر رفضها للاعتبارات التالية: (1) لا يمكن الاعتماد علي خطة وضعها الجنرال "جلوب" فضلاً عن أن انسحاب نحو 4000 جندي سيراً علي الأقدام خلال المواقع الإسرائيلية أمر محفوف بالمخاطر خاصة وأن محور الانسحاب المقترح يمر "بخربة الأمير" التي يسيطر عليها الإسرائيليون، ويقع علي طريق رمال ناعمة تمتد من "عراق المنشية" إلي "القبيبة" و"لاشيش" "والدوايمة" لمسافة تزيد علي 45 كم يستحيل قطعها سيراَ علي الأقدام في ليلة واحدة طبقاً لما جاء في الخطة.
(2) إن تدمير الأسلحة والمعدات الثقيلة سوف يجذب انتباه القوات الإسرائيلية التي سوف تجد في قوات "الفالوجا" آنذاك صيداً سهلاً.
(3) إن عملية المناوشات لأشغال القوات الإسرائيلية عند "بيت جبرين" عملية مكشوفة سوف لا تخدع أحداً.
وعلي أثر رحيل الميجور "لوكيت" واليوزباشي (النقيب) معروف الحضري ـ الذي كان يرافقه من "الفالوجا" ليلة 21/22 نوفمبر، توجه الأخير إلي خربة "وبيدة" التي كانت تدفع إليها الإمدادات المرسلة من القاهرة إلي قوات الفالوجا عن طريق النقل الجوي إلي مطار عمان ـ وعاد منها ليلة 23/24 نوفمبر وبصحبته قافلة ثانية من 45 جملاً تحمل 77 ألف طلقة و88 قذيفة مدفع عيار 25رطلاً و240 قذيفة مدفع 6 رطل، بالإضافة إلي بعض الأدوية ومواد الترفية.
وقد كشفت الأيام صحة القرار الذي اتخذه قائد الجبهة المصرية وقائد قوات "الفالوجا"، إذ أن العملية دمشق كانت قد تسربت إلي العدو وأعدت رئاسة الأركان الإسرائيلية خطة أُطلق عليها اسم "القاهرة" للقضاء علي قوات "الفالوجا" فور خروجها من مواقعها.
ج. الإمداد الجوي للقوات المعزولة في "الفالوجا" و"قطاع الخليل/ بيت لحم" أجبرت الظروف التي أحاطت بعزل قوات "الفالوجا" وحصارها وحاجتها العاجلة إلي الإمداد، قيادة السلاح الجوى علي استخدام طائرات القوة الجوية التكتيكية في إمداد قوات "الفالوجا" المحاصرة جواً، مع استخدام طائرات النقل الجوي لإمداد قطاع "الخليل/ بيت لحم" الذي تم عزله بعد سقوط "بئر السبع" ـ عن طريق مطار "عمان".
وقد نبعت هذه الضرورة من تعذر استخدام طائرات النقل نهاراً، نظراً لدرجة تعرضها العالية للمقاتلات الإسرائيلية ـ التي كانت تتربص بأي نشاط جوي أو بري لإمداد القوات المحاصرة ـ وضيق رقعة الأرض التي تحتلها القوات المصرية في جيب "الفالوجا" والتي لا تسمح باستخدام طائرات النقل ليلاً، سواء لإسقاط مواد الإمداد أو لهبوط الطائرات.
ونظراً لأن الطائرات المقاتلة غير مصممة أصلاً لأعمال الإمداد الجوي فقد ابتُكرت لها بعض الوسائل التي تمكنها من تنفيذ مهامها الجديدة، مثل استخدام خزانات الوقود الاحتياطية كعبوات لأنواع الذخائر التي تحرج موقفها في "الفالوجا"، واستعمال حوافظ جلدية ـ أمكن الحصول عليها من المخلفات البريطانية ـ كعبوات لمواد الإمداد، كما صُممت بورش السلاح الجوي مستودعات خاصة يمكن تركيبها في حمالات القنابل وتعبئتها بمواد الإمداد الملائمة.
وقد استمر إمداد القوات المصرية في جيب "الفالوجا" جواً بالمواد الحرجة اعتباراً من الثلاثين من أكتوبر، وحتى السابع عشر من نوفمبر، وقد تم خلال هذه الفترة 87 طلعة طائرة أسقط فيها آلاف الأرطال من الذخائر والمواد الطبية وبعض أصناف الأطعمة للقوات المحاصرة.
إلا أنه مع تضييق دائرة الحصار وزيادة تعرض طائرات الإمداد لنيران الأسلحة الإسرائيلية المضادة للطائرات، فضلاً عن تحرُّج موقف القوة الجوية التكتيكية بسبب الأمطار التي كانت تحد من استخدامها لأرض الهبوط الجديدة جنوب "العريش" (المطار رقم 15)، فقد رأت إدارة العمليات الجوية – بعد موافقة قائد قوات "الفالوجا" نفسه ـ ضرورة إيقاف تلك العملية، خاصة وقد انتفت الحاجة إليها بعد نجاح قوافل الجمال في التسلل عبر الخطوط الإسرائيلية محملة بمواد الإمداد اللازمة.
أما طائرات النقل فقد قامت بإمداد القوات المصرية المعزولة في قطاع "الخليل/ بيت لحم" عن طريق مطار "عمان" وقد أمكن نقل ما يزيد علي مائتي ألف رطل (90.7 طن) من مواد الإمداد المختلفة، خلاف مئات الجنود من القاعدة إلي الخطوط الأمامية وبالعكس، سواء كانوا من الجرحى أو أفراد الإجازات أو قوات الغيارS.
ثالثاً: تطور الموقف الإسرائيلي 1. الهجوم علي "عراق سويدان" في الوقت الذي رفضت فيه الحكومة الإسرائيلية الانسحاب إلي خطوط 14 أكتوبر، أصدر "بن جوريون" إلي رئاسة الأركان الإسرائيلية توجيهاته بالإعداد لتصفية جيب "الفالوجا" وعلي ذلك قررت القيادة الإسرائيلية الاستيلاء علي أقصي المواقع المصرية من جهة الغرب، التي تضم موقع قلعة شرطة عراق سويدان الحصين، الذي تكسرت عليه من قبل سبع هجمات إسرائيلية.
ولتلافي الأخطاء السابقة حشدت قيادة الجبهة الجنوبية للهجوم قوة متفوقة تشكل الكتيبة التاسعة من اللواء الثامن المدرع رأس الحربة فيها، ودعمتها بأعداد كبيرة من المدفعية والهاون والدبابات لتحقيق تفوق كاسح في النيران والأفراد علي القوة المصرية المدافعة عن القلعة.
وتحدَّدت الساعة 1600 يوم 9 نوفمبر لبدء الهجوم لتكون الشمس في أعين المدافعين، وكانت خطة الهجوم تقضي القيام بتمهيد جوي ومدفعي لم يسبق له مثيل في تلك الحرب قبل بدء هجوم النسق الأول من الكتيبة التاسعة، في الوقت الذي يجري فيه هجوم آخر تضليلي علي المواقع المصرية في قرية "عراق سويدان".
وجرى تنفيذ الهجوم في الوقت المحدد، فبعد تمهيد جوي وقصف مدفعي عنيف استمر ساعتين، بدأت مشاة النسق الأول المحمولة بالمجنزرات تقدمها نحو المواقع المصرية في القلعة تعاونها الدبابات، ثم قامت باختراق سياج الأسلاك الشائكة بعد فتح الثغرات فيه بالشحنات الناسفة، في الوقت الذي كانت فيه جماعات التفجير تقوم بفتح ثغرة في جدران القلعة اندفعت منها القوات المهاجمة لتطهير القلعة بالنيران وقاذفات اللهب، وسرعان ما سقطت القلعة في أيدي القوات المهاجمة بعد أن بلغ الإنهاك من القوة المدافعة مداه. وبذلك تقلص جيب "الفالوجا" ليشمل فقط شريحة الأرض المحصورة بين "عراق المنشية والفالوجا".
وطوال شهري نوفمبر وديسمبر بذلت قيادة الجبهة الإسرائيلية الجنوبية جهودها للضغط علي قوات الجيب المحاصر لإجبارها علي التسليم، واستخدمت في ذلك كل أشكال الضغط العسكري والحرب النفسية. وعندما لم يُجْد كل ذلك التقي الجنرال "إيجال آلون" قائد الجبهة الجنوبية بالقائمقام السيد طه لإقناعه بأن موقف قواته ميئوس منه وأنه لا جدوي من استمرار المقاومة في ظل الحصار المضروب علي تلك القوات، إلا أن "آلون" لم يسمع من القائد المصري سوى أن قواته مستعدة للقتال حتى آخر رجل وآخر طلقة دفاعاً عن شرف العسكرية المصرية.
ومن ثمَّ استمرت أعمال القصف الجوي والمدفعي الإسرائيلي ضد القوات المحاصرة التي تزايد إصرارها علي المقاومة والصمود، واستمرت عملية الحصار بواسطة اللواء "جعفاتي" في البداية ثم بواسطة اللواء "اسكندروني" بعد ذلك حتى فترة القتال الرابعة، عندما جرت المحاولة الإسرائيلية الفاشلة والأخيرة لتصفية جيب " لفالوجا" أثناء تنفيذ العملية "حوريف" (حويب)، وعلي ذلك ظلت القوات المحاصرة صامدة في مواقعها حتى تم سحبها بعد هدنة رودس عام 1949.
2. العملية "لوط" استغلت القيادة الإسرائيلية الهدنة وتفسخ الموقف العربي مرة أخري لتمد سيطرتها شرقاً من بئر سبع حتى سدوم جنوب البحر الميت فيما أسماه الإسرائيليون بالعملية "لوط" ففي الثالث والعشرين من نوفمبر دفعت قيادة الجبهة الجنوبية رتلاً من لواء "النقب" إلي سدوم، فاحتل قرية "كرنب" دون قتال، وفي اليوم التالي انضمت إليه باقي كتيبة استطلاع ذلك اللواء.
وفي الخامس والعشرين من نوفمبر وصلت إلي المنطقة قوة أخري اجتازت "كرنب" إلي "معالية عقربيم" (ممر العقارب) ثم اندفعت إلي وادي "عرابة" وقامت باحتلال مركز شرطة "عين حصب" دون قتال أيضاً، ثم تقدمت إلي "سدوم" لتنقذ مشروع بوتاس جنوب البحر الميت الذي ظل معزولاً ستة أشهر.
3. العملية "أساف" (عساف) (5 ـ 7 ديسمبر) في الثالث من ديسمبر دفعت القيادة المصرية بعض دوريات الحدود لاحتلال تل "الفارعة" وتل "جما" وخربة "أبو ستة" شرق "خان يونس" لمراقبة التحركات الإسرائيلية شرق وغرب وادي "الشلالة"، الأمر الذي استغلته القيادة الإسرائيلية في الجبهة الجنوبية لمد سيطرة قواتها غرباً في اتجاه "خان يونس" تمهيداً لعملياتها الهجومية التالية التي كان يجري الإعداد لها لطرد المصريين من "النقب".
ووقع علي عاتق اللواء الثامن المدرع القيام بالعملية التي أطلق عليها اسم العملية "أساف" (عساف) بعد دعمه بكتيبة مشاة من اللواء "جولاني" دُفعت من الشمال إلي النقب، وقد استهدفت تلك العملية الاستيلاء علي تبه "الشيخ نوران" وخربة "معين" وتل "الفارعة" وتل "جما" ومد السيطرة الإسرائيلية غرب وجنوب غرب وادي "الشلالة" أقرب ما يمكن من المواقع المصرية في منطقة "خان يونس".
وكانت خطة العملية تقضي بشن الهجوم علي مرحلتين، يتم في الأولي احتلال تبة "الشيخ نوران" وخربة "معين" شرق "خان يونس"، بينما يتم في الثانية احتلال تل "الفارعة" وتل "جما" ومن السيطرة الإسرائيلية إلي تخوم المواقع المصرية شرق "خان يونس".
وطبقاً لخطة العملية كان علي الكتيبة التاسعة كوماندوز من اللواء الثامن المدرع التقدم لاحتلال تبة "الشيخ نوران" بعد أن تقوم الكتيبة الثانية من نفس اللواء بتطهير قرية "الشعوت" جنوب التبة الأخيرة، كما كان علي كتيبة "جولاني" احتلال المواقع التي تستولي عليها الكتيبة التاسعة في طريق تقدمها نحو أهدافها المحددة، بينما تقوم كتيبة الإغارة بهجوم تضليلي خلال المرحلة الأولي.
وبدأ تنفيذ العملية يوم 5 ديسمبر طبقاً للخطة، فأطبقت مجنزرات كتيبة الكوماندوز التاسعة علي تبة "الشيخ نوران" من الجنوب والتفت حولها من الشرق لتقتحمها من جهة الشمال وتجبر كتيبة سيارات الحدود المصرية التي كانت تحتلها علي الانسحاب منها. وفي الساعة 530 وصلت مشاة كتيبة "جولاني" إلي التبة لاستكمال احتلالها لإخلاء مجنزرات الكتيبة التاسعة التي كان عليها مواصلة التقدم شمالاً للاستيلاء علي خربة "معين" التي وجدتها خالية، كما وجدت دورية الاستطلاع التي دُفعت إلي تل "الفارعة" التل خالياً أيضاً.
وفي اليوم التالي واصلت مجنزرات الكتيبة التاسعة تقدمها لإحتلال تل "جما" في الوقت الذي كانت فيه قوة الإغارة تقوم بهجومها التضليلي علي قرية "عبسان" غرب خربة "معين". وفي الوقت الذي احتلت فيه قوات الكتيبة التاسعة تل "جما" دون مقاومة تذكر، لم يلق هجوم قوة الإغارة النجاح المأمول لاصطدامها بالمواقع المصرية شرق "عبسان" والتي أصلتها بنيرانها الحامية من كل اتجاه وأجبرتها علي الارتداد.
وعلي الجانب الآخر قرر قائد قطاع "خان يونس" ـ فور ورود الأنباء عن احتلال القوات الإسرائيلية لتبة "الشيخ نوران" وخربة "معين" ـ شن هجوم مضاد لاستعادة المواقع المصرية في هاتين المنطقتين، وخصص لهذا الهجوم كتيبة مشاة مدعمة بكتيبة دبابات (لوكست) وكتيبة سيارات حدود وفصيلة مدافع ماكينة وجماعة مهندسين، بالإضافة إلي تروبي مدفعية مضادة للدبابات (عيار 2 رطل) وتروب مدفعية ميدان (عيار 18 رطلاً). وقُسمت القوات السابقة إلي قوتين فرعيتين، كُلفت القوة الرئيسية منها بالتقدم علي الطريق المار بخربة "خزاعة" لاسترداد تبة "الشيخ نوران" بينما كان علي القوة الفرعية التقدم علي الطريق الآخر شمالها لاسترداد خربة "أبو ستة".
ولما كانت الكتيبة السابعة المشاة التي وقع علي عاتقها القيام بالمهمة الرئيسية في الهجوم المضاد موجودة في "العسلوج" حين وقع الهجوم الإسرائيلي يوم 5 ديسمبر، فقد صدرت إليها الأوامر بالاستعداد للتحرك والعودة إلي خان يونس ليلاً، فوصلتها في الساعة 500 صباح السادس من ديسمبر، ودُفعت علي الفور لتأخذ محلاتها في تشكيل المعركة دون أن يأخذ أفرادها قسطا من الراحة أو النوم قبل شن الهجوم المضاد الذي كان عليها القيام بالدور الرئيسي فيه.
وبعد إجراء الاستطلاع بدأت المدفعية في الساعة 1000 من نفس اليوم تمهيدها للهجوم المضاد علي المواقع الإسرائيلية في تبة "الشيخ نوران" وخربة " أبو ستة" وفي الساعة الحادية عشرة بدأ تقدم تروب (سرية) الدبابات تتبعها كتيبة سيارات الحدود لاقتحام المواقع الإسرائيلية في تبة "الشيخ نوران"، إلا أن الدبابات توقفت عن التقدم بعد أن التفت حول الجانب الأيسر للمواقع الإسرائيلية لإصابة ثلاث منها بواسطة المدفعية المضادة للدبابات التي تدعم مشاة كتيبة "جولاني" فوق التبة، ومن ثم توقفت كتيبة سيارات الحدود علي مسافة 500متر غرب المواقع الإسرائيلية في تلك التبة.
وعندما عاودت القوات المصرية الهجوم في الساعة 1500 ـ بعد إعادة تجميع الدبابات الصالحة ـ وصلت إحداها ومن خلفها سرية المشاة إلي مسافة مائة متر من المواقع الإسرائيلية إلا أنها أُُجبرت علي التوقف والارتداد نتيجة لكثافة النيران المحكمة للقوة الإسرائيلية المدافعة، ومن ثم اتخذت القوة المصرية مواقع دفاعية علي مسافة 500 م جنوب غرب المواقع الإسرائيلية في التبة، في الوقت الذي استمرت فيه المدفعية المصرية في قصف تلك المواقع حتى حل الليل فهدأت نيران الجانبين اللذين كانا يستعدان لجولة أخرى صباح اليوم التالي.
وفي الوقت الذي كانت تجري فيه أعمال القتال السابقة علي المحور الرئيسي للهجوم المضاد المصري تقدمت القوة الثانية (الفرعية) في اتجاه كرم "أبو ستة" الساعة 1100 يوم 6 ديسمبر، حيث تقدمت الدبابات تتبعها كتيبة سيارات الحدود، وبعد أن قامت الدبابات بتطهير الكرم احتلته علي الفور كتيبة السيارات وفي الساعة 1140 بدأت الدبابات في التقدم نحو خربة "معين" والقيام بحركة التفاف حول الجانب الأيمن للمواقع الإسرائيلية، واستمرت في تقدمها حتى وصلت إلي مواقع مقابلة لتبة "الشيخ نوران" وبقيت في محلاتها.
وفي الساعة 1240 تقدمت سرية المشاة خلف حمالاتها المدرعة للهجوم علي المواقع الإسرائيلية في منطقة الخربة تحت ستر نيران السيارات، إلا أنها اضطرت للتوقف علي مسافة نحو مائتي متر من المواقع الإسرائيلية في خربة "معين" لشدة نيران الأسلحة الإسرائيلية الآلية والمضادة للدبابات، واستمر التراشق بالنيران حتى الساعة 1600، عندما اضطرت كتيبة السيارات إلي اتخاذ مواقع دفاعية غرب خربة "معين"، في الوقت الذي استمر فيه القصف المدفعي ونيران الدبابات لتليين الدفاعات الإسرائيلية التي تقرر معاودة الهجوم عليها في الصباح.
وفي الوقت الذي كانت تستعد فيه القوات المصرية لمعاودة الهجوم صباح اليوم التالي كانت الكتيبة التاسعة من اللواء المدرع الإسرائيلي الثامن تستعد هي الأخرى لسبق المصريين بالهجوم علي تجمعاتهم التي كانت تعيد تنظيم صفوفها لاستئناف الهجوم صباح يوم 7 ديسمبر. وقد أدَّي الهجوم الاستباقي الإسرائيلي الناجح صباح ذلك اليوم إلي إحباط التحضيرات المصرية لاستئناف الهجوم علي كل من تبة "الشيخ نوران" وخربة "معين" وأجبرت القوات المصرية علي الارتداد إلي مواقعها الأصلية شرق " خان يونس". |
|