قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.
يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب):"لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين)فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُمِصْرَعلى سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض،والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحيفيلسوف العمارة ومهندس الفقراء:هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية،وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول،اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن،ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كوروناغير المتوقعة للبشريةأنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباءفيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض..فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي"رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي(رحمه الله)قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني،وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.
ارتكزت النهضة اليابانية الحديثة على قاعدة اقتصادية وفَّرت للنظام الجديد الموارد اللازمة لبناء قوته العسكرية، ونظامه التعليمي، ومؤسَّسات الدولة الحديثة، وكان جانبٌ من تلك القاعدة الاقتصادية موروثًا عن عصر طوكوجاوا، ولكن ما أُدخِل عليه من إصلاحات جعله يندمج في البناء الاقتصادي الحديث ويدعم الاقتصاد الوطني.
وكان في مقدمة الإصلاحات التي أدخلتها حكومة مايجي إقرار حق الملكية الفردية للأرض الزراعية، وتخليصه من القيود الموروثة من الماضي.
احتفال مهرجان زراعة الأرز باليابان.
وكان صدور قرار إلغاء الإقطاع (أغسطس ١٨٧١م) أول خطوة في هذا السبيل؛ فقد تحرَّر الفلاحون مِن الإقطاع، وأصبحوا يتمتعون —من الناحية النظرية— بالحقوق الكاملة على حيازتهم الزراعية، وإن لم يصدر نصٌّ قانوني صرَّح بذلك، وفي سبتمبر من نفس العام، صدر قرار إطلاق يد الفلاح في اختيار المحصول الذي يزرعه، وأصبح باستطاعة الفلاح الصغير أن يستدين بضمان الأرض، ولما كانت ظروفه المادية لا تمكنه —غالبًا— من سداد الدين، فإن أرضه كانت تتعرَّض للمصادرة وفاءً للديون، وبذلك تراكمت حقوق الملكية في أيدي أثرياء الفلاحين من المرابين، وتحول صغار الفلاحين إلى مجرَّد مستأجرين للأرض، ووضع نظام جديد لضرائب الأطيان ساعد على تدهور أوضاع صغار الفلاحين لصالح كبارهم.
لقد كانت عجلات التاريخ تتحرك بالفعل في الاتجاه نحو دعم الملكية الفردية للأرض الزراعية والعمل على تركزها في أيدٍ محدودة، وفي كل بلد من البلاد التي شهدت مثل هذه الحركة، كان الفلاح البسيط —سواء كان حائزًا للأرض أو مالكًا صغيرًا أو مستأجرًا— هو الضحية التي تتمزق أشلاء تحت تلك العجلات، هكذا كان مصير الفلاح الياباني في مجتمع بدأ يتحرك صوب الرأسمالية.
وفَقَد صِغارُ الفلاحين أملاكهم لعجزهم عن سداد الضرائب الحكومية التي تراكمت عليهم، وعجزهم عن سداد الديون التي حصلوا عليها بضمان الأرض، وشهد عقد الثمانينيات من القرن التاسع عشر ذروة انتقال الملكيات الزراعية من صغار الملاك إلى كبارهم، وترتَّب على ذلك تطوُّر اجتماعي سريع الإيقاع شهده الريف الياباني خلال ذلك العقد من الزمان، فقد أدَّى ذلك إلى وجود فائض كبير في العمالة اتجه نحو الصناعة المنزلية أو نزح إلى المدن التماسًا للرزق في الأعمال التي لا تتطلب مهارة خاصة.
وكان وجود هذا الفائض في العمالة الريفية مُشجعًا لبعض أصحاب المشروعات الصناعية الصغيرة على الاتجاه بمشروعاتهم نحو الريف لتنشيط الصناعات المنزلية، والاستفادة من وفرة ورخص الأيدي العاملة، وبذلك ساعد الإصلاح الزراعي —الذي أدخلته حكومة مايجي— على خلق سوق العمل التي تُعَد شرطًا من الشروط الأساسية للتطور الرأسمالي، فارتبط نشوء سوق العمل بذلك الفائض الكبير في الأيدي العاملة من الفلاحين المُعدَمين، ومن مُلاك المساحات الضئيلة من الأطيان ولكن امتصاص الصناعة الحديثة لتلك الأيدي العاملة كان بطيئًا نتيجة تطوُّرها الوئيد، فظل هذا الفائض في العمالة راكدًا في الريف، مما أدى إلى هبوط مستوى المعيشة والأجور معًا، وفي أواخر عصر مايجي، أخذ فائض العمالة الريفية يزحف —تدريجيًّا— على الصناعة الحديثة، وانخفضت نسبة العاملين بالزراعة من نحو ٨٠٪ من السكان عند بداية عصر مايجي إلى ٥٨٪ من السكان عام ١٩١٣م.
ولمَّا كانت الدولة تستمد معظم مواردها المالية من ضرائب الأطيان، فقد أولت الزراعةَ اهتمامًا خاصًّا، في نفس الوقت الذي كانت تعمل فيه على إقامة صناعة حديثة على النمط الغربي، فبذلت الدولة جهودًا كبيرة لتطوير الزراعة واستصلاح الأراضي، وكان الاتجاه العام للسياسة الزراعية لحكومة مايجي يستهدف في زيادة الإنتاج القومي من الزراعة —وخاصةً من زراعة المحاصيل النقدية الجديدة— لخدمة التجارة الخارجية والصناعة المحلية على حدٍّ سواء، ونتيجة لذلك زاد الإنتاج الزراعي فيما بين ١٨٧٨–١٩١٢م بنسبة ١٢١٪ عما كان عليه عند بداية الفترة، أي بمعدل نمو قدره ٢٫٧٪ سنويًّا، وزادت إنتاجية الأرض بنسبة ٧٦٪ خلال تلك الفترة، وإنتاجية العمل بنسبة ١١٧٪.
وقد حمل قطاع الإنتاج الزراعي عبء سياسة التصنيع التي تبنَّتها حكومة مايجي؛ لأن الحكومة كانت تدفع معونات مالية سخية للبيوتات التجارية وأصحاب المشروعات الصناعية الحديثة تشجيعًا لهم على المساهمة في الاستثمار الصناعي، هذا فضلًا عن قيام الحكومة بتأسيس الصناعات الاستراتيجية والعسكرية الهامة، مما تطلب موارد مالية تحمَّلها بالكامل قطاع الزراعة، فضاق مُلاك الأراضي بالأعباء الضريبية الملقاة على عاتقهم، كما عانى الفلاحون شظف العيش، وانعكس ذلك على حركة الفلاحين الاحتجاجية والثورية وخاصة في العقدين الأولين من عصر مايجي.
وإذا كانت سياسة الدولة الخاصة بالتصنيع وإتاحة فرصة النمو أمام رأس المال التجاري على حساب الزراعة والمجتمع الريفي، من أقوى بواعث تلك الحركة، فإن ذلك يدفعنا إلى إلقاء نظرة على تلك السياسة التي كانت حجر الزاوية في النظام الاقتصادي الذي أقامته حكومة مايجي.
رأس المال المصرفي كانت حكومة مايجي تعقد العزم على تطوير الاقتصاد الياباني في الاتجاه نحو التصنيع على الطريق الرأسمالي، وتريد أن تحقق —في سنوات قليلة— ما حققته الدول الغربية المتقدمة في حوالي القرنين من الزمان، ولمَّا كان تحقيق تلك الآمال العريضة يحتاج إلى قاعدة مالية على درجة عالية من الكفاءة، فقد أصلحت الحكومة النظام المالي والنقدي، وضمنت لنفسها موارد ثابتة من ضرائب الأطيان الزراعية، ثم رَنَت ببصرها إلى البيوت التجارية المالية، فراحت تنظمها وتعمل على ضمان التسهيلات الائتمانية التي تقدمها تلك البيوت، كما عملت على تثبيت قواعد سوق النقد ومحاولة تركيز رأس المال المتاح عن طريق تكوين الشركات التجارية والشركات المصرفية، ووضعت وزارة التجارة —التي تأسست عام ١٨٦٩م— نظامًا لتلك الشركات، يضمن لها أن تستظل بحماية الدولة.
أحد المصارف الحديثة في اليابان.
ونال بذلك رأس المال الخاص دفعة قوية، زاد من قوتها التزام الدولة بسداد ديون المقاطعات القديمة التي كانت قد اقترضتها من البيوت المالية، وانضم إلى رأس المال الخاص وافد جديد تمثل في الساموراي الذين حصلوا على معاشات استبدلوا بها سندات الدولة، حتى إذا اكتملت لرأس المال الخاص أسباب القوة، اندفع نحو العمل المصرفي كسبيل للاستثمار، وظل رأس المال المصرفي يحرز قصب السبق على رأس المال الصناعي حتى قيام الحرب الصينية اليابانية (١٨٩٣-١٨٩٤م) وبذلك تدعم مركز أصحاب المصارف (الذين عرفوا بالماليين Zaibatsu) وقد ساعد على تركز رأس المال سياسةُ الحكومة التي استهدفت حماية رأس المال وتشجيعه، وتهيئة ظروف النمو له، وساعد على سرعة تركز رأس المال الهبوط النسبي لمستوى تراكم رأس المال، وحاجة الحكومة إلى الأموال للبدء في المشروعات الصناعية الحديثة، وإدخال نظام الشركات المساهمة في اليابان منذ ١٨٦٩م، وما تقتضيه منافسة الدول الأجنبية من ضرورة تركيز رأس المال.
وحينما استطاعت الصناعة الحديثة أن تبلغ بإنتاجها حد القدرة على منافسة منتجات البلاد الأوروبية في السوق المحلية والسوق الخارجية، تكونت الكارتلات (الاتحادات الاحتكارية) للسيطرة على تلك الصناعة، مثلما حدث في صناعة النسيج في الثمانينيات وفي هذا الصدد لا يُعَد رأس المال الياباني نسيجًا فريدًا، فقد جرت عادة رأس المال الكبير في الغرب على النمو عن طريق ابتلاع رءوس الأموال الصغيرة، وخاصة عند وقوع الأزمات الاقتصادية وما يصحبها من تضخُّم.
وكان نمو رأس المال الكبير عن طريق ابتلاع رءوس الأموال الصغيرة هو السمة البارزة للزايباتسو (أو الماليين) في اليابان الذين كوَّنوا أربعة بيوت مالية كبرى، وتسلحت تلك الحقبة المحدودة من كبار الرأسماليين بما توافر لديها من قدرة على المنافسة غير المتكافئة من خلال هيمنة على المصارف والقطاعين الصناعي والتجاري، وإن ظل العمل المصرفي —الذي دعمته حكومة مايجي— حصنها الحصين.
طبق خزفي مرسوم من القرن ١٨ من الصناعات التقليدية.
وكانت المصارف تقدم للحكومة القروض التي تقيم بها المشروعات الصناعية التي تتطلب استثمارات كبيرة، بينما عانى رأس المال الصغير من الحاجة إلى التمويل، واضطُر إلى الاقتراض من المصارف بفوائد كبيرة، لذلك كانت رءوس الأموال الصغيرة تفضل الحياة على فتات موائد رأس المال الكبيرة في المجالات التي يعفُّ رأس المال الكبير عن ولوجها، وخاصة الصناعات التقليدية مثل: الخزف، والحرير، والخمور، والصناعات الغذائية البسيطة التي كانت بعيدة عن المنافسة الأجنبية، ولكن —مع مرور الزمن— لم تسلم تلك المنشآت الصناعية التقليدية من الوقوع في فخ المصارف والتورط في الاستدانة.
فن الخزف؛ من الفنون اليدوية اليابانية المميزة.
وعلى حين كان رأس المال المصرفي منفصلًا —في الغالب— عن رأس المال الصناعي في الكثير من البلاد التي شهدت هذه المرحلة من مراحل نمو الرأسمالية، مرَّ رأس المال الصناعي في اليابان بظروف مختلفة تمام الاختلاف، فقد بدأت الدولة حركة التصنيع، وما كادت الصناعة الجديدة تقف على أقدامها، حتى سلمتها الحكومة لعدد محدود من الشركات الخاصة التابعة للمصارف الكبرى، مقابل شروط متواضعة للبيع، وتسهيلات مناسبة للسداد، ولذلك لم تظهر في اليابان طبقة جديدة من الرأسماليين الصناعيين، ولكن ترتَّب على هذه الظاهرة تقوية رأس المال المصرفي ورأس المال الربوي، وتحوُّلهما —جزئيًّا— إلى رأسمالية صناعية.
الصناعات الاستراتيجية كانت الصناعة اليابانية —في عصر مايجي— ذات طابع فريد، فهي صناعة احتكارية، يخضع القطاع الاستراتيجي منها لهيمنة الدولة، ونعني بالصناعات الاستراتيجية تلك الصناعات ذات الصلة بالمجهود الحربي، أو تلك التي تنتج سلعًا ذات أهمية خاصة بالنسبة لأسواق الصادرات، ومن ثَم تحظى بتشجيع الحكومة وحمايتها ودعمها المادي حتى تستطيع الصمود في وجه منافسة بضائع البلدان الأخرى في الأسواق الخارجية.
أول مصنع للغزل في اليابان يستخدم أسلوب الإنتاج الجماعي سنة ١٨٧٢م.
فقد أوقفت حكومة مايجي جهودها على إقامة جيش وطني قوي، ونظام حديث للشرطة حتى تستطيع مواجهة التحديات الداخلية ممثلة في تمرد الساموراي وانتفاضات الفلاحين والتحديات الخارجية ممثلة في خطر التدخُّل الأجنبي وخاصةً أن ما حدث للصين على يد القوى الاستعمارية كان ماثلًا في أذهان حكام اليابان في ذلك العصر.
وإذا كانت حكومة مايجي قد وَرِثت عن العهد السابق عليها نواة قوة عسكرية دربت على النسق الفرنسي، فإن تلك القوة كانت تفتقر إلى المقوِّمات المادية التي تضمن تزويدها بالعتاد والعدة، والتي لا تتوافر إلا من خلال الصناعة الحديثة ونظام النقل الحديث، ولذلك كان لا بد من وضع خطة للتصنيع من أجل سد الحاجات العسكرية المُلحة، وخاصةً أن قضية الأمن كانت أساسية في مطلع عصر مايجي، ومن ثَم كان الاهتمام بالصناعات الثقيلة والصناعات الهندسية والتعدين التي أصبحت —بالنسبة للحكومة— صناعات استراتيجية، وإن كانت نواتها قد بدأت في أواخر عصر طوكوجاوا استجابة للتحدي الغربي.
فكان لمقاطعات: ساتسوما، وهيزن، وتشوشو، فضل الريادة في إقامة الصناعات الحربية الحديثة، فأقيم أول فرن حديث لصهر الحديد بمدينة ساجا (مقاطعة هيزن) لخدمة صناعة المدافع عام ١٨٥٠م، وبدأ إنتاجه عام ١٨٥٢م، وكانت تلك المقاطعة قد بدأت صناعة المدافع على الطراز الهولندي قبل ذلك التاريخ بعشر سنوات، وأُقيمت أفران الحديد الحديثة —بعد ذلك— في ساتسوما (عام ١٨٥٣م) وميتو (عام ١٨٥٥م)، كذلك أقامت حكومة طوكوجاوا مصنعًا حديثًا للحديد (عام ١٨٥٣م)، وانتهى العمل في إنشاء مصنع صب المدافع في ساتسوما عام ١٨٥٤م، وتمكنت تلك المقاطعة من تجهيز ست سفن بالمدافع من إنتاج ذلك المصنع (عام ١٨٥٧م) كذلك أقامت مقاطعة ميتو مصنعًا لصب المدافع، وقد تم ذلك كله بالرجوع إلى الكتب الهولندية وبطريق التجربة والخطأ، بالاعتماد على الذات ودون الاستعانة بخبراء أجانب.
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
موضوع: رد: الفصل الثاني السبت 29 يونيو 2024, 9:23 am
بداية صناعة الأسلحة النارية –انتقلت من البرتغاليين– ورشة في كيوشو.
وفي عام ١٨٥٧م قامت حكومة طوكوجاوا ببناء سفينة تجارية كما أقامت مصانع يوكوسوكا الشهيرة للحديد، وترسانة لبناء السفن بالاستعانة بالخبرة الفرنسية، فتم إنجازها عام ١٨٧١م (بعد سقوط طوكوجاوا) والتزم المقاول الفرنسي بتسليمها للسلطة الجديدة (حكومة مايجي) وهكذا كانت نواة الصناعات الاستراتيجية في اليابان قد بدأت قبل عصر مايجي لأسباب تتصل بمواجهة التحدي الغربي.
وورثت حكومة مايجي هذه المشروعات عن العهد السابق، فاستولت عليها وعملت على تطويرها فأصبحت تتصدر العمل في مجال الصناعات الثقيلة والتعدين، واستخدمت الحكومة مُدرِّبِين من الأجانب لرفع مستوى الكفاية الفنية والإنتاجية، كما أقامت مركزًا خاصًّا للتدريب على صناعة المدافع، وأنشأت ترسانة أوساكا، كما استولت الحكومة على بعض ترسانات بناء السفن التي كانت للمقاطعات القديمة، وأنشأت الحكومة المدارس الهندسية والفنية لإعداد الكوادر لتلك المؤسسات الصناعية، واستخدمت لتلك المدارس معلمين من الأجانب، كما أوفدت المبرزين من الطلاب إلى الخارج لإتمام دراستهم واكتساب الخبرة اللازمة للعمل بتلك الصناعات الهامة.
وسارت الحكومة على نفس الدرب فيما يتصل بصناعة التعدين، فاستولت على جميع المناجم التي كانت تُدار لحساب الحكومة السابقة والمقاطعات القديمة، وباعت جانبًا كبيرًا منها للبيوت المالية ذات الحظوة لديها، وأبقت لنفسها نحو عشرة من تلك المناجم تولت إدارتها، حتى إذا وقف إنتاجها على أقدامه، باعتها بدورها للقطاع الخاص، واستخدمت الحكومة الخبراء الأجانب للعمل على زيادة إنتاج تلك الصناعة الهامة.
وتطور قطاع النقل والمواصلات بسرعة كبيرة بفضل جهود حكومة مايجي، التي ركزت اهتمامها على هذا القطاع لارتباطه بحماية المصالح الوطنية للبلاد، وخدمة السوق الوطنية بتوسيع نظامها وتنشيط حركتها، وكان أول خط حديدي يتم بناؤه في اليابان (هو خط طوكيو-يوكوهاما) خطًّا حكوميًّا، عنيت الدولة بإنشائه بقرض بريطاني، وما كاد القرن التاسع عشر يبلغ نهايته، حتى كان حجم رأس المال الخاص في ذلك القطاع يفوق حكم الاستثمار الحكومي، ولكن الحكومة ما لبثت أن قامت بتأميم السكك الحديدية عام ١٩٠٦م، وتركت الخطوط الحديدية الضيقة بيد القطاع الخاص، وكان الهدف من التأميم استخدام عائدات السكك الحديدية في توسيع الشبكة لتُغطي جميع أنحاء البلاد، وتم عقد قرض وطني لتوفير الأموال اللازمة لشراء الخطوط التي كانت تملكها الشركات الخاصة.
محطة سكة حديد طوكيو – من الطوب الأحمر سنة ١٩١٤م.
وبذلك تغلبت الاعتبارات الاستراتيجية على مصالح رأس المال الوطني، فقد جاء إنشاء بعض الخطوط الجديدة لخدمة المجهود الحربي بالدرجة الأولى، ونجد صدى تغليب المصالح الاستراتيجية يتردد بوضوح فيما يتعلق بالمواصلات السلكية (التليفونات والتلغرافات) فعندما اقترحت بعض الشركات الخاصة أن تأخذ على عاتقها مد خطوط البرق والهاتف، اعترض «مجلس الدولة» على ذلك (٢ أغسطس ١٨٧٢م) وبرر اعتراضه بضمان سرية الاتصالات الحكومية التي لا بد أن تتم عبر تلك الخطوط، كما أن نظام المواصلات السلكية يربط اليابان بالعالم الخارجي مما يُكسِبه أهمية خاصة، ولذلك يجب أن يكون مرفقًا حكوميًّا.
وعندما طرحت فكرة جعل الخدمة الهاتفية الداخلية —التي تخدم الجمهور— استثمارًا خاصًّا (١٨٩٩م) رفضت الحكومة الفكرة وأخذت على عاتقها مد تلك الخدمة للجمهور، وأصدرت —في العام التالي— لوائح لتنظيم الخدمة الهاتفية.
وهكذا كان حكام اليابان في عصر مايجي على درجة كبيرة من الحساسية في كل ما يتصل بالنواحي الإستراتيجية، فحرصوا على أن يضعوا الصناعات الحربية والنقل والمواصلات السلكية تحت إدارة الدولة ورقابتها، رغم ما يترتب على ذلك من زيادة أعباء الإنفاق الحكومي مما أدى إلى زيادة الأعباء الضريبية على قطاع الزراعة الذي كان عليه أن يتحمَّل عبء بناء مؤسسات الدولة الحديثة، وبذلك ضمنت الحكومة بقاء الصناعات الاستراتيجية بمنأًى عن الضغوط التي يُمكِن أن تنشأ عن تركها بيد رأس المال الوطني والأجنبي مما قد يعرض أمنها القومي للخطر.
رعاية الدولة للقطاع الخاص ولكن ذلك لا يعني أن الحكومة احتكرت الإنتاج الصناعي لنفسها، بل —على نقيض ذلك— قدَّمت الحكومة لرأس المال الخاص العديد من المشروعات الصناعية التي بدأتها، فقامت بنقل ملكيتها إلى الشركات الخاصة عن طريق البيع تطبيقًا لقانون «نقل ملكية المصانع» الصادر في ٥ فبراير ١٨٨٠م الذي نصَّ على أن هدف الحكومة تشجيع الناس على الاستثمار في الصناعة لزيادة ثروة الأمة.
غير أن السبب الرئيسي الذي دفع الحكومة إلى بيع مصانعها (غير الاستراتيجية) إلى الشركات الخاصة، هو الفشل في إدارتها وتعرضها للخسارة مما جعلها تشكل عِبئًا على الخزانة العامة للدولة، وكان هذا التصرُّف جزءًا من سياسة الانكماش الاقتصادي التي لجأت إليها الدولة لمعالجة التضخم، ولذلك عندما طُرِحت تلك المصانع والمناجم للبيع، كان الإقبال على شرائها محدودًا، مما جعل الحكومة تطرحها للبيع بأسعار زهيدة وشروط سداد مريحة، فكان بيع تلك المشروعات بمثابة معونة حكومية مستترة لرأس المال الخاص، ولولا سلوك الحكومة هذا المسلك، لما أبدى القطاع الخاص اهتمامًا بامتلاك تلك المشروعات —التي كانت تحقق خسائرَ— بأسعارٍ تُعبِّر عن القيمة الحقيقية لأصولها، وقامت الشركات التي اشترت تلك المصانع والمناجم بإضافة استثمارات جديدة إلى الأصول التي قامت بشرائها من الحكومة، وحولت تلك المشروعات إلى نواة لإمبراطورية صناعية ضخمة لا زالت باقية حتى اليوم.
وقد حققت سياسة بيع المشروعات الصناعية الحكومية نوعًا من الحرية الاقتصادية ولكن الحكومة أيقنت أن المشروعات الصناعية الخاصة لا تستطيع أن تمضي قُدُمًا في ممارسة نشاطها دون أن تنال مساعدتها، وإذا كان التساهل في بيع المشروعات الحكومية يُعَد نوعًا من المعونة غير المباشرة للقطاع الخاص الصناعي، قُصِد به تشجيع الاستثمارات الوطنية الخاصة، فإنَّ الحكومة قدمت المزيد من التشجيع والمعونات للصناعة كان بعضها يسير وفق خطة معينة تخدم مصالح الدولة، على حين كان بعضُها الآخر يخدم مصالح حفنة من رواد الصناعة اليابانية الحديثة.
مستودع «إيتشيجويا» للأقمشة والمنسوجات أنشئ سنة ١٦٧٣م في إيدو وقد تطوَّر هذا المستودع ليُحدِث انقلابًا في العادات التجارية، وقد صار متجر «ميتسوي كوشي» للسلع المتنوعة حاليًّا.
وتعددت أشكال المساعدة الحكومية للصناعات اليابانية، ولكن أهمها حرص الحكومة اليابانية على تدعيم تلك الصناعات بشراء جانب كبير من إنتاجها، فقد كانت السوق اليابانية قادرةً على استهلاك إنتاج صناعة المنسوجات القطنية، ما دامت تلك الصناعة قادرة على منافسة المنسوجات الأجنبية، وكذلك كانت الحال بالنسبة للصناعات التقليدية، ولكنَّ الأمرَ كان يختلف تمامَ الاختلاف بالنسبة للصناعات الكهربية والكيماوية مثل صناعة الأسمنت والطوب والورق والزجاج والجلود، حيث كانت المشروعاتُ الخاصة المستقلة بتلك الصناعات تُعاني من مشكلة تصريف إنتاجها، وخاصةً أن الناس كانوا يُحجِمون عن استهلاك موادَّ لم يعتادوا استخدامها من قبل، كما أنَّ احتياجاتِهم كانت أقل مِن أن تستوعب الإنتاج الكبير لتلك الصناعات، وجاءت مشتريات الحكومة لتنقذ هذه المشروعات من إفلاس محقق، وخاصةً في السنوات الحرجة السابقة على عام ١٨٩٥م، فأقبلت الحكومة على شراء معظم إنتاج الجلود لتغطية احتياجات الجيش، والورق لسد حاجة الأجهزة الإدارية، والأسمنت والطوب والزجاج لمشروعاتها العمرانية والمنسوجات الصوفية لصنع البزات العسكرية والبطاطين للجيش.
ورشة غزل ونسيج الثياب الحريرية – لوحة من القرن الثامن عشر.
واقتفت حكومة مايجي أثر النظام السابق عليها في إسناد مهمة توريد احتياجاتها المختلفة إلى موردين بعينهم، مما جعل هؤلاء يحققون أرباحًا خيالية، ولم تحاول الحكومة أن تنقص من أرباحهم ما دامت تلك الأرباح تُستَثمر في مشروعات صناعية حديثة، وكان كبار الموردين الذين تتعامل معهم الحكومة، هم —في نفس الوقت— أساطين الصناعة اليابانية الحديثة.
بورصة طوكيو أكبر البورصات المؤثرة في الاقتصاد العالمي.
ولكن الصناعات الخفيفة لم تحظَ بالدعم الحكومي على نحو ما حظيت به الصناعات الهندسية والثقيلة، فلم تنل صناعة غزل ونسج القطن وصناعة الحرير أي دعم مالي من الحكومة بعد عام ١٨٨٤م، وحتى المساعدات التي نالتها في الحقبة السابقة على ذلك التاريخ كانت ضئيلة القيمة، واقتصر دور الدولة على نشر المعرفة الفنية، وإفساح المجال أمام المنسوجات الوطنية في السوق المحلية عن طريق إثارة الشعور الوطني ضد المنسوجات الأجنبية مما أدى إلى تثبيت دعائم سوق المنسوجات الوطنية وجعلها في غنًى عن معاونة الحكومة، وكانت المعارض والأسواق أداة الدولة في تشجيع وترفيه الصناعات الخفيفة، وما لبثت أن أصبحت المنسوجات في مقدمة السلع اليابانية التي غزت الأسواق الأجنبية.
غير أن الرواج الذي أصاب النشاط الصناعي بفضل سياسة حكومة مايجي —سواء عن طريق الدعم المباشر أو غير المباشر— تم على حساب العمل والعمال، فلم تُولِ الحكومةُ اهتمامَها لتحسين ظروف العمل وشروطه، وتغاضت عن الجور الذي عاناه العمال على أيدي أصحاب الأعمال، وأصمَّت آذانها عن سماع شكواهم وأنينهم، بعدما وجدت أن إتاحة فرصة التراكم لرأس المال الوطني «ضرورة قومية» يجب أن تتحقق ولو كان ذلك على حساب العمل والطبقة العاملة اليابانية.
النمو الاقتصادي ولعل من المناسب —على ضوء ما تقدم— أن نُلقِي نظرةً على النمو الاقتصادي الذي حققته اليابان في عصر النهضة؛ لنقفَ على ما أثمرته التجربة التي لفتت الأنظار إلى ذلك البلد وحولته من كيان مُهمَّش إلى دولة قوية يُحسَب لها ألفُ حساب.
يتفق الباحثون المعنيون بدراسة التطور الاقتصادي لليابان على تقسيم النمو الاقتصادي إلى ثلاث مراحل: (١) المرحلة الأولى: وتشمل الفترة التي تُسمَّى «فترة الانتقال» وتقع بين (١٨٦٨–١٨٨٥م) وبداية بناء الاقتصاد الحديث (١٨٨٦–١٩٠٥م). (٢) المرحلة الثانية: وتشمل البناء الاقتصادي الحديث (١٩٠٥–١٩٢٥م). (٣) المرحلة الثالثة: وتشمل الانتعاش وإعادة البناء الاقتصادي الحديث بعد الحرب العالمية الثانية وتمتد إلى تحوُّل اليابان إلى قوة اقتصادية كبرى في الوقت الحاضر.
أمَّا المرحلة الأولى فتُمثِّل النمو الاقتصادي الحديث منذ أصبح «هدفًا قوميًّا» مع بداية العصر حتى كانت بداية تحقيقه عمليًّا (١٩٠٥م) وليس ثَمة دليل يشير إلى أن الإنتاج الحقيقي للفرد كان يزيد بمعدل سريع، أو حتى في حدود سد الحاجات الضرورية —خلال الستينيات من القرن التاسع عشر— كما أن السكان لم يتزايدوا بمعدلات كبيرة، وفي السبعينيات مِن نفس القرن كان ما يتراوح بين ٧٠–٨٠٪ من السكان القادرين على العمل يشتغلون بالزراعة، وقدمت الزراعة نحو ٦٥٪ من الإنتاج القومي، وكان نصيب الفرد من الإنتاج القومي يقدر بعشرين ينًّا سنويًّا، وفي أوائل سبعينيات القرن التاسع عشر بلغت قيمة الإنتاج الصناعي نحو ٣٠٪ من جملة الإنتاج السلعي.
وكانت الفترة (١٨٦٨–١٨٧٦م) تتسم بثبات نسبي في الأوضاع الاقتصادية واعتمدت الحكومة على الأصول التي ورثتها عن النظام القديم فيما يتعلق بالموارد وطرق الاستفادة بها، كما لعبت القروض الأجنبية وزيادة الإنتاج المحلي دورًا هامًّا في استغلال الموارد المتاحة.
وكان لسنوات التضخم المالي (١٨٧٦–١٨٨١م) أثرها على النظام النقدي والمركز المالي للبلاد، بقدر ما كان لسنوات الانكماش الاقتصادي (١٨٨١–١٨٨٥م) مِن أثرٍ على إدخال التغيرات الأساسية على بنية الاقتصاد الياباني؛ فقد كانت سياسة الانكِماش محاولة جريئة وناجحة لخلق الظروف الملائمة للنمو الاقتصادي الحديث الذي كان —عندئذٍ— يُمثل ضرورة حيوية مُلحَّة بالنسبة لليابان، فتم وضع حد للفوضى التي اتسم بها النظام النقدي، كما تم ترشيد رأس المال الوطني بفضل المرونة التي توفرت للنظام النقدي، وأمَّنت الحكومة موارده المالية، وبذلك فتح الباب أمام النمو الاقتصادي الحديث.
وعندما بدأت عملية بناء الاقتصاد الحديث في تلك المرحلة (١٨٨٦–١٩٠٥م) أصبح لدينا قطاعان اقتصاديان: أحدهما تقليدي، والآخر حديث، وكانت الزراعة قاعدة الاقتصاد التقليدي، وظلت تحظى بأهمية خاصة في تلك المرحلة التي كان فيها دور الاقتصاد الحديث دورًا محدودًا وتمثل في اقتباس التقنية من الغرب.
وإن كان التمييز بين القطاعين؛ التقليدي والحديث من الصعوبة بمكان؛ فقد كانا يستندان إلى بعضهما البعض، وكثيرًا ما كانا يشتَبِكان معًا، وتجمع بينهما رابطة الانتماء إلى نظام اقتصادي واحد، وكان الالتقاء بينهما في رحاب الصناعات الريفية التقليدية التي استفادت استفادة نسبية من مُستحدَثات التقنية الإنتاجية، وفي الحدود التي تُشكل استجابة لتحديات السوق في ظل الظروف الجديدة التي أوجدتها سياسة التصنيع.
ولكن الفضل في زيادة معدلات النمو الاقتصادي —في المرحلة التي تلت عام ١٩٠٥م— يرجع إلى السياسة الإمبريالية التي انتهجتها حكومة مايجي، واتخذت شكل التوسُّع على حساب كوريا والصين لخلق سوق خارجية ملائمة لتصرف منتجات الصناعة اليابانية الحديثة، وإتاحة فرصة النمو السريع أمام رأس المال الياباني. ==========================