الجـــن والسحـــر الدرس (6-7)
السحر وأنواعه
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممَّنْ يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
السحر:
أيها الأخوة الكرام، مع الدرس السادس من دروس النهي عن التعاون مع السحرة والمشعوذين و الدجالين، ننتقل في هذا الدرس إلى موضوع السحر بالذات، كلمة يكثر تردادها على ألسنة المسلمين، و في بعض هذه الأقوال وضع لا أصل له، من أبرز هذه الأقوال الموضوعة التي لا أصل لها: "تعلم السحر ولا تعمل به"، لا أصل لهذا الكلام إطلاقاً في تراث النبوة، على كلٍّ وردت كلمة السحر في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في معرض الحديث عن البيان، فقال: إن من البيان لحكمة، وإن من الشعر لحكمة.
الهدف الأكبر للسحرة أن تشقى نفس الإنسان:
والحكم الشرعي في الشعر أنه كلام حسنه حسن، وقبيحه قبيح، إلا أن المعني في هذا الموضوع الشعر الذي أساسه التعامل مع الجن، فمن تعريفات السحر الشرعية ما كان من عمل فيه اتصال بالشياطين بقصد الفتنة، أو التوكل على غير الله عز وجل في الدواء، وجلب الشفاء.
حينما يوهم المسلم أن جهة غير الله يمكن أن تشفيك، أو أن تعطيك، أو أن تحميك، أو أن تدفع عنك الضر فهذا من أكبر أهداف السحر، أن تنصرف عن الله إلى غيره، أو أن يفتن بالدنيا، أن يغرق في المعصية، أن يتجه إلى الملذات التي حرمها الله عز وجل، أي ليس هناك من هدف لأي نوع من أنواع السحر إلا أن يضل إنسانًا أو أن يفسد، أن يضل عقله، وأن تشقى نفسه، هذا هو الهدف الأكبر للسحرة الذين يتعاونون مع شياطين الجن، الجني المسلم المؤمن اسمه جني، أما الجني الكافر فاسمه شيطان، فإذا قلنا كلمة شيطان، أي مع القسم الثاني من الجن، وليس هناك تعاون، ولا اتصال، ولا خدمات يؤديها الجن للإنس إلا من أجل إضلال الخلق وإفساده.
تعريف السحر:
الدين تقرب إلى الله والسحر تقرب إلى الشيطان.. ومن تعاريف السحر الدقيقة أنه عمل يُتقرب فيه إلى الشيطان بمعونة منه.
تعريف آخر:
السحر عزائم، وعقد يؤثر في القلوب والأبدان، أحياناً الإنسان إذا أصابه مس من الشيطان تضعف قواه، لا يقوى على أن يقف، تغلب عليه السوداوية والتشاؤم والكآبة، ويكاد يخرج من جلده من الضغط النفسي الذي يحدثه الشيطان على ابن آدم، لكن يكاد يكون أكبر هدف للسحرة الذين يتعاونون مع الشياطين إفساد العلاقة بين الزوجين.
هدف الشيطان الأول أن يرغب الإنسان بغير زوجته:
التفكك الأسري أكبر هدف للسحرة والشيء المؤلم أشد الألم، وأنا لا أبالغ والله في كل مئة أسرة مسلمة سبعون أو ثمانون أسرة مفككة بفعل الشيطان، هدف الشيطان الأول أن تكره زوجتك، أو أن تمل منها، أو أن تقول: إنني لا أشعر معها بشيء، وهدف الشيطان الأول أن يرغبك بغير زوجتك، حتى إن كل الأعمال التي توصف بأنها أعمال فنية هدفها أن يكره الإنسان زوجته، وأن يتجه إلى غير زوجته، وهذا من فعل الشيطان، والذي يقطع هذا الموضوع كلياً أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((الحمد لله الذي رزقني حبَّ عائشة)) [ورد في الأثر].
وأنا أدعو كل زوج أن يبذل المستطاع كي يحب زوجته، وكي تحبه زوجته، هذا هو الذي يرضي الله وحده، وما سوى ذلك لا يرضي الله، لأن الله عز وجل حينما قال: "وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ" [سورة الشورى: 29]، "وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ" [سورة فصلت: 37]، "وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً" [سورة الروم: 21]، فالذي لا يحب امرأته، ولا تحبه امرأته، والذي يشعر أن بين الزوجين شرخاً كبيراً ومللاً وسآمة وضجراً هذا البيت بخلاف منهج الله عز وجل.
أراد الله من الزوجين أن يكون بينهما مودة ورحمة:
لذلك قال تعالى: "فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ" [سورة البقرة: 102]، أي أهل الإيمان كل مودتهم ومحبتهم وإخلاصهم لزوجاتهم، وأهل الفسق والعصيان كل محبتهم ومودتهم لغير زوجاتهم، فتجده شرساً إلى أبعد الحدود مع زوجته، قاس إلى أبعد الحدود مع زوجته، متجهم مع زوجته، وأحلى وألطف عبارة يسوقها لمَنْ لا تحل له، في البيوت، في اللقاءات، في الاحتفالات، في السفر، في النزهات، في العمل، في الوظيفة، كل لطافته، ومودته، ورقته، ونعومته، واعتذاره الشديد، وابتسامته، والتعليقات اللطيفة التي يسوقها لغير زوجته، وكل غلاظته لزوجته، هذا الواقع لأن الشيطان فعل فعله، الآية صريحة: "فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ" [سورة البقرة: 102].
العقد المحكمة التي أرادها الله عز وجل يريد الشيطان لها أن تكون مفككة: ثم في قوله تعالى: "وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ" [سورة الفلق: 4]، الآية لها معان كثيرة، من معانيها: أن هذه العقد المحكمة التي أرادها الله: "وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا" [سورة النساء: 21]، هذه العقدة التي ينبغي أن تكون محكمة يريد الشيطان لها أن تكون مفككة، لذلك مرة السيدة عائشة رضي الله عنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له: ((كيف حبك لي؟ قال: كعقدة الحبل))، أي عقدة لا تفك، فأصبحت كلمة العقدة رمز بينهما، تسأله من حين لآخر: كيف العقدة؟ يقول عليه الصلاة والسلام: ((على حالها لا تزال متينة))، مرة فيما تروي الأحاديث الصحيحة أن السيدة عائشة روت للنبي الكريم قصة أبي زرع، حدثته عن أخلاقه، وعن طيبته، وعن مؤانسته، وعن، وعن، وجعلته الزوج الأول، إلا أنها قالت في النهاية: غير أنه طلق امرأته، فقال عليه الصلاة والسلام: أنا لك كأبي زرع، غير أني لا أطلقك.
أحياناً أخواننا الكرام، وهذا شيء أنا ألاحظه كثيراً، أن الزوج لا يحلو له المزاح مع زوجته إلا بالزواج الثاني، هو لا ينتبه، هو يمزح، لكنه بهذا المزاح يهز كيانها، يزلزلها، يجعلها قلقة، هذا مزح يؤذي، قال لها صلى الله عليه وسلم: غير أني لا أطلقك، طمأنها، يوجد أزواج كثر لا يحب أن يطمئن امرأته أبداً، دائماً في قلق، كلما ارتاحت يمزح، أيها الأخوة الكرام، من تعريف الإمام القرطبي للسحر أنه حق، السحر حق، بمعنى واقع، لكن غير مشروع، مُحَرَّم، الزنا حق، ما معنى الزنا حق؟ أي واقع، يوجد زنا غير أنه محرم، يخلق الله عند السحر ما يشاء.
الكرامة والمعجزة:
أخواننا الكرام، الأنبياء كي يشهد الله لهم أنهم أنبياء، وأنهم مبعوثون من قبل الله عز وجل يعطيهم المعجزات، فكل خرق للعادات يجري على يد الأنبياء هو من نوع المعجزات، والأنبياء مكلفون أن يتحدوا الناس بالمعجزات، وكل خرق للعادات يجري على أيدي الأولياء، فمن هو الولي بالمعنى القرآني؟
تعريف دقيق جداً:
"أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ*الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ" [سورة يونس: 62-63]، لا يوجد أي حاجة ليطير الشخص حتى يصبح ولياً، قال له: سيدي الشيخ يطير؟ قال له: نعم، لكن ليس هو الذي يطير، إنما إخوانه يُطيرُونه، أي يكذبون، الولي لا يوجد حاجة لأن يمشي على وجه الماء، ولا بحاجة إلى أن يطير في الهواء، ولا أن يخرق العادات: "أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ*الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ" [سورة يونس: 62-63].
هذا المعنى الدقيق للولي، لكن إذا أراد الله أن يكرم ولياً ما، يُجري على يده بعض الخروق للعادات، الولي ممنوع أن يذكر هذه الكرامات، لأنه غير معصوم، فإذا ذكرها كذَّبه الناس، لذلك أنا أرى أن الكرامة ينبغي ألا تروى، وألا تُكَذَّب، فإذا أجري خرق للعادات على يد غير الأنبياء فهي الكرامات، السيدة مريم نبية؟ لا، هي صدّيقة، فحينما ولدت سيدنا عيسى من غير أب هذه كرامة هل بالإمكان أن ننكرها؟ أهل الكهف هل هم أنبياء؟ لا: "وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا [سورة الكهف: 25]، إذاً، إن جرى خرق العادات على يد الأنبياء فهي المعجزات، وإن جرى خرق العادات على يد الأولياء بالمفهوم القرآني فهي الكرامات.
أعظم كرامة يكرم الله بها الإنسان هي كرامة العلم:
وخرق العادات على يد السحرة ضلالات، لكن أروع ما في الموضوع أن أعظم كرامة يكرمك الله بها العلم، كرامة ما بعدها كرامة، و هذه الكرامة لا تحتاج إطلاقاً إلى خرق للعادات، من قوله تعالى: "وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا" [سورة النساء: 113]، لذلك خرق العادات على يد الأنبياء معجزات، وعلى يد الأولياء كرامات، وخرق العادات على يد السحرة ضلالات، وقد يكون هناك خرق للعادات السبب أن الجن الذين يتعاونون مع الساحر، عندهم قدرات لا يملكها البشر، كتخطي المسافات، واستراق المعلومات، وما إلى ذلك، فلذلك الشيطان الذي يتولى هذا الساحر يمده بمعلومات لا من غيب المستقبل أبداً، ولكن من غيب الحاضر، أو غيب الماضي عن طريق قرين الإنسان من الجن.
الشيطان الذي يمد الساحر بالمعلومات لا يمكنه أن يتنبأ بالمستقبل لعدم معرفته بالغيب:
لا يمكن للساحر أن يتنبأ بالمستقبل، لأنه لا يعلم الغيب إلا الله، قولاً واحداً: "قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ" [سورة الأنعام: 50]، فعندما كلَّف سيدنا سليمان الجن بأعمال شاقة، ومات، وهم مجهدون بأعمالهم الشاقة، قال تعالى: "فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ" [سورة سبأ: 14]، فالشيطان الذي يمد الساحر بالمعلومات لا يمكنه أن يتنبأ بالمستقبل، إلا أن غيب الحاضر ممكن، أنت جالس في دمشق، قد ينتقل الشيطان من حلب إلى دمشق بزمن قصير جداً، فقد يخبر هذا الساحر أنه حدث بحلب كذا، هذا اسمه غيب الحاضر، وغيب الماضي عن طريق استحضار قرين هذا الإنسان، فقد يَدَّعُونَ أنهم يُحَضِّرُونَ أرواح الموتى، هم لا يُحَضِّرُونَ أرواح الموتى، ولكنهم يتصلون مع قرين الميت، فيُعطي دقائق حياته اليومية، فيتوهم الإنسان أن هذا من نوع استحضار أرواح الموتى، وهو كذب بكذب، أي قد يخرق على يد الساحر بعض العادات، هذه اسمها ضلالات.
للسحر أثر في القلوب بالحب والبغض وإلقاء الشرك:
صار هناك معجزة، وكرامة، وضلالة، على يد مؤمن مستقيم طاهر كرامة، على يد نبي مُرسل معجزة، على يد ساحر ضلالة، هذا ينقلنا إلى أن كل شيء حيادي، لأن الإنسان مُخير، حتى خرق العادات يمكن أن يكون كرامات، أو أن يكون ضلالات.
ويوجد تعريف آخر للسحر:
أنه حيل صناعية يتوصل بها إلى اكتساب المال، غير أنها لدقتها لا يحسنها إلا آحاد الناس، قال تعالى: السحر أيضاً هو حيل صناعية لاكتساب المال: "سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ" [سورة الأعراف: 116]، أنا حدثني صديق أنه ذهب إلى الهند فرأى ما يلي: رأى ساحراً، ومعه غلام، ومع الساحر حبل طويل، فألقاه إلى الأعلى، فعلق، فصعد الغلام، حتى اختفى، أمره أن ينزل فلم ينزل، فتبعه الساحر، وبعد حين وقع رأسه، ثم يده، ثم يده، ثم جسمه، شيء لا يُصدق، جاء وفد صحفي، وصور، لم يجد في الفيلم شيئاً، هذا معنى قول الله عز وجل: "سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ" [سورة الأعراف: 116]، لا ينكر أن السحر له أثر في القلوب بالحب والبغض، وإلقاء الشرك، فالساحر مهمته الأولى التفريق بين المرء وزوجه، وأن يحول بين المرء وقلبه بإدخال الآلام، وعظيم الأسقام، وهذا مدرك بالمشاهدة، وإنكاره مُعاندة، السحر واقع.
حكم السحر:
الآن إخواننا الكرام: حكم السحر: السحر محرم قطعاً، وقد نص أصحاب الإمام أحمد أن يكفر المرء بتعلمه وتعليمه، أي يخرج من ملة الإسلام بتعلمه وتعليمه، فأين قول العوام تعلم السحر ولا تعمل به؟ لا أصل له، والإمام مالك والإمام أبو حنيفة صرحوا أن الساحر كافر، واعتمدوا على بعض أقوال النبي، أنه من سحر فقد كفر، أي تعاون بين الإنس وشياطين الجن هو سحر، والسحر كفر، والسحر معصية.
المؤمن في حصن حصين:
أيها الأخوة الكرام، جملة القول أن السحر علم حرمه الله تعالى على الإنس، فيه تمويه، وتخييل، وأحياناً خفة يد، وقد يكون بالأدوية، والأدخنة، والتعاويذ المحرمة، وقد يكون بالاستجارة بملوك الجن، وأربابه، بكلمات وعبارات معينة ذات معنى لديه، لإيقاع الأذى في النفوس، والممتلكات، ولإفساد الصلات، والروابط، والعلاقات، يوالي فيه مردة الجن أشرار الإنس، لما يحصل لهم فيه من بذل الخضوع من الإنس، وصرف العبادة للجن بدل الله عز وجل، لذلك الآية الجامعة المانعة الواضحة الصارخة المتعلقة بالعلاقة بين الجن والإنس: "وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ" [سورة الأنعام: 129]، فظلمة الجن يتمكنون من ظلمة الإنس، أما الإنسان المستقيم الطاهر المؤمن المتصل فـ: "إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ" [ سورة الحجر: 42]، المؤمن في حصن حصين، وحرز حريز، والذي مسه طائف من الشيطان معه سلاح فتاك، الاستعاذة بالله عز وجل.
أنواع السحر:
أيها الأخوة الكرام، أنواع السحر: هناك سحر الكذابين الذين كانوا يعبدون الكواكب السيارة، ويعتقدون أنه تبدل العالم، وأنها تأتي بالخير والشر، وهذا هو التنجيم، ألا تستمعون إلا كلمة (منجمون)؟ المنجم هو الذي يعتقد أن الكواكب السيارة هي تدير العالم، وتأتي بالخير والشر، إذاً تعبد من دون الله التنويم المغناطيسي سحر أصحاب الأوهام، يوجد عندنا سحر لا علاقة له بالجن، مصطلحه الحديث التنويم المغناطيسي، له شخصية قوية جداً، فإذا حدق في إنسان نومه، وأخضعه، هذا الموضوع ورد في علم النفس بشكل مفصل، هذا سماه العلماء المسلمون سحر أصحاب الأوهام والنفوس القوية، هذا أيضاً لا علاقة له بدرسنا، أما السحر الذي يبنى على الاستعانة بالأرواح الأرضية، وهم الجن، هو المعني بهذا الدرس، السحر أن يستعين الساحر بشياطين الجن، إذا شخص ربط فرضاً بكمه من الداخل مطاطة، وربطها بعملة، وأمسكها، ثم تركها، فاختفت، أين ذهبت؟ خفة اليد ليست من سحر الاتصال بالشياطين.
هذا لا علاقة له أيضاً بالدرس، هذه يسمونها خفة يد، وشعوذة، وأبواب سيما، إنسان عنده مهارة فائقة قد يتصرف هذه التصرفات، فنحن لا يعنينا من الدرس خفة اليد، وأبواب سيما، والمهارات الفائقة جداً، كما أنه لا يعنينا موضوع القوة النفسية، والتنويم المغناطيسي، كما أنه لا يعنينا المنجمون الذين يعتمدون على الكواكب في التنبؤ بالمستقبل، ولكن يعنينا من موضوع السحر العلاقة بين إنسان ساحر وبين شيطان من الجن، هذا الدرس.
قراءة الفنجان تفسد العلاقات بين الناس:
سحرة فرعون كيف سحروا أعين الناس؟ يوجد تفاصيل وردت في الكتب، جاؤوا بأنابيب مطاطية، ولونوها على شكل ثعابين، ووضعوا فيها الزئبق، ثم وضعوا هذه الثعابين فوق سطح ساخن، فالزئبق تمدد بالحرارة فاضطرب؛ عندما اضطرب اضطرب معه الثعبان، فقال تعالى: "يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى" [سورة طه: 66]، هذه نسميها أعمالاً عجيبة، آلات دقيقة، أو أن نستخدم أدوية معينة لها تأثير معين، تأثير تخديري، تأثير إنعاشي مثلاً، الآن يوجد مخدرات، الذي يتناول المخدرات يرى نفسه فوق البشر، يصعد في السماء، يقع بأوهام كبيرة جداً من فعل المخدر، أو يوجد من نشاطات السحرة الإيقاع بين الناس، أنه قرأ بالفنجان أن فلاناً عدوك اللدود يتربص بك، يكيد لك، فحينما تفسد العلاقات بين الناس فهذا أحد أكبر أهداف السحرة والمشعوذين، إذاً هناك فرق بين السحر الذي هو بمعنى التمويه، والتخييل نتيجة لخفة اليد، والحيلة، والدهاء، وبين ما هو سحر بالاتصال بمردة الجن الذين يتصلون بالكهان، والمنجمين، والسحرة، والمشعوذين، عن طريق تعاويذ غير شرعية، وهذا الذي يمكن أن يكون موضوع هذا الدرس إن شاء الله.
السحر كفر بنص القرآن الكريم:
القرآن الكريم: "وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ" [سورة البقرة: 102]، سيدنا سليمان ما فعل السحر، وما كفر سليمان، أصبح السحر كفراً، ولكن الشياطين كفروا، هذا أول حكم؛ السحر كفر،
استمتاع الجن بخضوع الإنس لهم:
الآن: "وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ" [سورة الأنعام: 128]، أي أضللتم أناساً كثيرين: "وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ" [سورة الأنعام: 128]، وتحدثت في دروس سابقة عن موضوع الاستمتاع بين الجن والإنس، الإنس يستمتعون بأن يأخذوا بعض المعلومات يتباهون بها، أو تأتي على أيديهم بعض خرق العادات، والجن يستمتعون بخضوع الإنس لهم، استكثرتم من الإنس، أي أضللتم منهم كثيراً.
في سورة يونس: "فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ" [سورة يونس: 81]، أي مستحيل و ألف ألف مستحيل أن ينجح المفسد في إفساده، يشوش، يعمل شيئاً، أما أن ينجح النجاح المطلوب فهذا مستحيل، في سورة طه: "إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى" [سورة طه: 69]، لا يفلح، ولا ينجح، "قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ" [سورة يونس: 77]، الإنسان الذي يتعامل مع السحرة إنسان أفاك أثيم كاذب، آخر دليل قرآني: "هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ" [سورة الشعراء: 221-222 ].
كذاب منحرف:
"هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ" [سورة الشعراء: 221-223]، صفة جامعة مانعة، فالذي يتعامل مع السحرة، أو الساحر الذين يتعامل مع شياطين الجن، أفاك أثيم كاذب.
السحر أحد أكبر الكبائر وهو نوع من الشرك:
الآن بالسنة، أخرج الإمام البخاري و مسلم في صحيحهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟قَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ)) [متفق عليه عن أبي هريرة].
مَنْ صَدَّقَ عرافاً لم تُقبل صلاته أربعين يوماُ
السحر أحد أكبر الكبائر، طبعاً الساحر كما يرى بعض العلماء هو نوع من الشرك، لذلك ينبغي أن يستتاب قبل أن يعاقب، الآن: عَنْ صَفِيَّةَ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ لَمْ يُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمًا)) [مسلم عَنْ صَفِيَّةَ]، صلاة أربعين يوماً لا تقبل إذا جاء كاهناً فسأله وصدقه،وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)) [الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنِ]، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: ((ليس منا من تطيّر أو تطيّر له أو تكهن أو تُكُهِّن له أو تسحر أو سُحر له)) [المنذري ورواه الطبراني باسناد حسن عن ابن عباس مرفوعاً].
أسئلة وأجوبة:
س ـ هل يمكن للساحر التنبؤ بحقائق علمية مخبأة وغير مكشوفة عن طريق الجن؟
ج ـ إذا كانت الحقائق من اختصاص الجن يمكن، وإذا كانت الحقائق متعلقة بالحاضر أو الماضي ممكن، الشرط أن تكون من اختصاص الجن وتتعلق بالحاضر أو الماضي.
س ـ هل هناك علاقة بين البشر والجن المسلم؟
ج ـ لا، لأن العلاقة أساسها الإضلال والإفساد، والجني المسلم لا يفعل هذا، والإنسان ليس بحاجة إلى الجن أبداً، لذلك أية علاقة بين الإنس والجن هي علاقة محرمة وآثمة، والعلاقة حصراً مع شياطين الجن.
س ـ سواء أصدقت أن النبي سُحر أو لم تصدق كلاهما سيان؟
ج ـ إما أنه سُحر ولم يؤثر فيه السحر، أو أنه لم يُسحر، تماماً كمركبة مضادة للرصاص إما أنه أطلق عليها الرصاص فلم تتأثر، أو لم يطلق، فأنت حر، يوجد طبعاً حديث آحاد أنه سحر، ويوجد آيات كثيرة: وما أنت من المسحرين، فعلى كلٍّ القضية بالخيار، أي سواء أصدقت أنه سُحر -السحر لم يؤثر فيه إطلاقاً- أو لم تصدق كلاهما جائز دون أن ندخل في التفاصيل، وأوضح مثل سيارة مضادة للرصاص، سيان أنه قد أطلق عليها الرصاص فلم تتأثر أو لم يطلق، لكن بشكل عام حينما يحفظ الله شيئاً لا يعني أنه لا تجري محاولة للنيل منه، حينما يحفظ الله قرآنه لا يعني أنه يستحيل أن تطالعنا الصحف والأخبار المعلوماتية أن هناك فرقاناً يؤلف في أمريكا، وأن من آياته يا محمد أأنت أضللت عبادي؟ يقول: يا ربي أنا ضللت فأضللتهم، فليس من لوازم حفظ الله للقرآن ألا تجري محاولة لتغييره لكنها لا تنجح، هذا المعنى.
س ـ المسلم الذي يداوي إنساناً من مسّ الجن له هل هو كذاب أم صادق؟
ج ـ إذا دلّه على الله وقرأ له القرآن صادق، أي إذا اتبع الأساليب التي أمر بها القرآن، وأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم، لا يوجد عليه شيء أبداً، أما أحضر ديكاً أسوداً، وخاروفاً بقرنين، وزنه يعطيه وزناً خيالياً، سعره مرتفع، ويعطيه كلمات لا معنى لها إطلاقاً، ويدخل لغرفة فيها بخور ودخان، ولا يوجد بها إضاءة أبداً، فهذا كله كذب، أما إذا قال له: اقرأ القرآن، اتصل بالله عز وجل، ادع الله بقلب حاضر، أكثر من ذكر الله عز وجل، اقرأ البقرة، اقرأ آل عمران، اقرأ المعوذتين، اقرأ آية الكرسي، كن مع الله، هذا شيء لا يوجد به شيء.
والحمد لله رب العالمين.