ضيف الحلقة:
الشيخ مصطفى العدوي ( مصر)
موضوع الحلقة:
فقه الأخلاق ( المواساة )
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد فنحن مع باب عظيم من أبواب جلب المودة والمحبة وتوطيد العلاقات بين المؤمنين ألا وهو باب المواساة فالمواساة لها أثر عظيم فيما ذكر وأصلها العلاج والمداواة والإصلاح فكأن المواسي يعالج المواسى ويداويه ويصلحه المواساة أحياناً تكون بالمال شخص يواسي شخصاً فقيراً بماله أو يواسي شخصاً أصيب بخسارة فيعطيه من المال ما به تخفف عنه هذه الخسارة أحياناً تكون المواساة بالجاه أحياناً تكون المواساة بكلمة طيبة أحياناً تكون المواساة بزيارة في الله فللمواساة صور متعددة ومختلفة فمن المواساة بالمال ما صنعه الأنصار مع المهاجرين رضي الله عنهم أجمعين قال الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم:
والذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم هم الأنصار يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أتوا ويسيرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاص ومن يوقى حش نفسه فأولئك هم المفلحون ضرب الأنصار أروع الأمثلة في المواساة والإيثار مواساة إخوانهم المهاجرين بل وإيثارهم على أنفسهم هذا ومن صور المواساة بالمال قول النبي صلى الله عليه وسلم من كان عنده فضل زاد فليعد به على من لا زاد له فقول النبي صلى الله عليه وسلم :
من كانت له أرض فليزرعها أو فليمنحها أخاه ومن صور ذلك أيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم طعام الواحد يكفي الاثنين وطعام الاثنين يكفي الأربعة وقوله صلى الله عليه وسلم وقد أتاه أضياف من كان عنده طعام اثنين فليأخذ ثالثاً فل يأخذ شخصاً ثالثاً مع الطعام الذي يكفي الاثنين فيكون عدد الأكلة ثلاثة فطعام الاثنين يكفي الثلاثة كما قد جاء عن رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام ومن صور المواساة بالمال التي يقام بها الأنصار مع إخوانهم المهاجرين قول سعد بن الربيع لعبد الرحمن ابن عوف رضي الله عنهما وقد أخا النبي صلى الله عليه وسلم بين سعد وبين عبد الرحمن قال له إني أكثر أنصاري بالمدينة مالاً فهلم إلي أشاطرك مالي أي أقسم مالي بيني وبينك نصفين بل وقال له أعظم من ذلك قال له ولي زوجتان فانظر إلى آيتهما أعجب إليك أنزل لك عنها وتتزوجها قال عبد الرحمن بارك الله في أهلك ومالك ولكن دلوني على السوق الحديث هذا من المواساة والإيثار ما صنعه أبو الدحداح رضي الله تعالى عنه
إذ قد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن لفلان من الناس نخلة فدعه يعطيها لي يا رسول الله أقيم بها حائطي فقال النبي صلى الله عليه وسلم لصاحب النخلة أعطه إياها و لك بها نخلة في الجنة فأبى هذا الرجل فذهب أبو الدحداح بعد أن تفرق المجلس إلى هذا الرجل إلى صاحب النخلة وقال له أعطيك بستاني وتعطيني نخلتك بعني نخلتك ببستاني قال قد فعلت فأخذ أبو الدحداح النخلة وذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
يا رسول الله النخلة التي سألت الرجل ها هي يا رسول الله خذها ضعها حيث أراد الله قال النبي صلى الله عليه وسلم كم من رزق في الجنة رواه لأبي الدحداح فذهب أبو الدحداح إلى امرأته وهي في البستان فقال يا أم الدحداح اخرجي يا أم الدحداح فقد بعت بستاني بنخلة في الجنة قالت له زوجته ربح البيع ربح البيع فرضي الله تعالى عنهم أجمعين هذه بعض صور المواساة بالمال قال النبي صلى الله عليه وسلم في باب المواساة بالطعام كذلك إن الأشعريين إذا أرملوا بالغزو فنفذت أزوادهم أو قل طعامهم أمروا بكل طعام أو بالأطعمة التي مع كل واحد منهم فأتى بها فجعلوها في مكان واحد واقتسموها فيما بينهم بالسوية فهم مني وأنا منهم بنحو هذا قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكذلك واسى المهاجرون رسول الله صلى الله عليه وسلم بأموالهم فأتى أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله هذا مالي قال يعني يتصدق به أو يتطوع به للنبي عليه الصلاة والسلام يصرفه كيف يشاء في مصالح المسلمين قال عليه الصلاة والسلام ما أبقيت لأهلك يا أبا بكر قال:
أبقيت لهم مثله يا رسول الله عفوا ًقال ما أبقيت لهم يا أبا بكر قال أبقيت لهم الله ورسوله أما عمر رضي الله تعالى عنه فأتى بنصف ماله فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم ما أبقيت لهم يا عمر قال أبقيت لهم مثله يا رسول الله هذا وسمى أنواع أخر وصور أخر من المواساة فمن ذلك على سبيل المثال التذكير بمصائب الآخرين فبها يخفف البلاء عن أل الابتلاء قال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل وقال الله له ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ومن صور المواساة بالكلمات قول أبي بكر رضي الله تعالى عنه من كان يعبد محمد فإن محمد صلى الله عليه وسلم وقد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ومن صور المواساة أيضاً التذكير بالأجر الأخروي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأم حارثة رضي الله عنهما يا رسول الله أخبرني عن حارثة وكان قد قتل في بدر رضي الله تعالى عنه أفي الجنة فإن كان في الجنة صبرت واحتسبت وإن كان غير ذلك لا يرون الله ما أصنع قال النبي صلى الله عليه وسلم أوهبلتي يا أم حارثة إنها جنان وإن ابنك قد أصاب الفردوس منها فمثل هذه الكلمات تهون الخطوب على آل الابتلاءات والمصائب ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما من مسلمين يقدما أو ما من امرأة تقدم ثلاثة من الولد أو يموت لها ثلاث من الولد إلا لم تمسها النار إلا تهلت القسم قالت امرأة واثنان يا رسول الله قال واثنان فمثل هذه البشارات لأهل الابتلاءات تخفف عنهم ما هم فيه ومن ذلك أيضاً من صور المواساة قول النبي صلى الله عليه وسلم اصنعوا لآل جعفر طعاما ً هذا حديث قد حسن من بعض العلماء وإن كان فيه كلام يسير ومن صور المواساة كذلك قول المهاجرين أو قول الأنصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم :
يا رسول الله اقسم بيننا وبين إخواننا اقسم بيننا وبين إخواننا يعنون النخيل فأبا النبي عليهم ذلك قالوا يا رسول الله إذاً يكفونا ألمؤنه والعمل ويشاركوننا في الثمرة فرضي بذلك منهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فالمواساة لها أثر طيب في تطييب الخواطر والنفوس ومن المواساة أيضاً عيادة المريض ولذا قد شرعت ودلت عليها جملة من النصوص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم عودوا المريض قال عليه الصلاة والسلام عودوا المريض وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى أنه يقول يوم القيامة عبدي مرضت فلم تعدني فيقول العبد كيف أعودك وأنت رب العالمين فيقول الله له أما علمت أن عبدي فلان قد مرض فلم تعده أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده وقد قال البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيادة المريض فعيادة المريض فيها نوع من أنواع المواساة وخاصة إذا ذكرت المريض بالأجر الذي ادخر له إذا ذكرته نحو الوارد عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ما يصيب المسلم من هم ولا حزن ولا نصب ولا وصب حتى الشوكة يشاكها إلا حط الله بذلك من خطاياه كما تحط الشجرة ورقها فمثل هذا الكلام يثني عن المريض وكما قال النبي صلوات الله وسلامه عليه .
وقد ذهب إلى أعرابي يزوره قال له عليه الصلاة والسلام لا بأس طهورٌ إن شاء الله فإذا ذكرت المريض بالأجر الأخروي الذي أعد له فإنك بهذا تخفف عنه بعض الذي هو فيه إذ الاحتساب يحمل الشخص على الصبر بإذن الله ويهون عليه الخطب والمصاب فمن صور المواساة عيادة المرضى ومن صور المواساة كذلك إتباع الجنائز ولذا فالنبي صلى الله عليه وسلم ذكر فضل عظيم في إتباع الجنائز فإذا اتبعت الجنازة من بيتها إلى أن يصلى عليها شئت الصلاة عليها فلك قيراط فإن اتبعتها من بعد الصلاة عليها إلى أن تدفن فلك قيراط أخر والمحروم من حرم الأجر والثواب هذا والتعزية مشروعة أعني تعزية أهل البلايا ومن مات لهم ميت فتعزيتهم تسري كثيراً عنهم ومن ثم كان النبي صلوات الله عليه وسلامه عليه يعزي أهل الابتلاءات ويعزي عليه الصلاة والسلام من مات له ميت فرسولنا صلوات الله وسلامه عليه لما قتل جعفر رضي الله تعالى عنه وجعفر صحابي جليل بطل مغوار رضي الله تعالى عنه لما قتل في مؤتى أمهل النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً ثم ذهب إلى أل جعفر يزورهم عليه الصلاة والسلام فأتت له أسماء بنت ميس بأولاد جعفر فمسح النبي صلى الله عليه وسلم رؤوسهم ودعا لهم بالبركة وأتى بالحلاق فحلق لهم رؤوسهم وطمأن أسماء بنت ميس رضي الله تعالى عنها طمأنها رضي الله عنها وقد قال أبو بكر أيضاً لعمر بعد أن مات رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلق بنا يا عمر إلى أم أيمن نزورها
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يزورها فهذه أيضاً من المواساة ومن ذلك أيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم إن من أضر البر أن يصل الرجل أل ود أبيه بعد موته فإذا كان أبوك يحنوا على أقوام فمات أبوك فقم بذلك الحنو مواصلة لصنائع المعروف التي كان أبوك يعملها تؤجر ويؤجر أبوك كذلك فقد سن لك سنة حسنة تتبع جعلنا الله وإياكم من المؤثرين على أنفسهم من المواسين لعباده المؤمنين وجمعنا الله وإياكم في الفردوس وصلي أللهم على نبينا محمد وسلم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .