أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: الباب الثاني: مناهج المحدثين في مصر الأحد 26 مايو 2024, 12:15 am | |
| الباب الثاني: مناهج المحدثين في مصر الفصل الأول: قبل سقوط بغداد الدور الأول: عصر الرواية المثبتة ومنهجهم فيه ... الباب الثاني: مناهج المحدثين في مصر الفصل الأول: قبل سقوط بغداد نقصد بالمنهج في هذا المقام طريقة عرض السُّنَّة على طلابها في نواحيها المختلفة بأنواع علومها المتعددة، مسندة أو غير مسندة، مستوعبة لأبوابها أو مقتصرة على بعض هذه الأبواب، مقرونة ببيان قيمة الأحاديث كلا أو بعضًا أو غير مقرونة.
وقد مرت السُّنَّة بأدوار متعددة في طريقها إلينا، وكان عصر الصحابة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعده وعصر كبار التابعين أول هذه الأدوار، ثم تلاهم مَنْ نقل السُّنَّة عن طريق الرواية أو التدوين جمعًا أو ترتيبًا وتهذيبًا، أو اختصارًا وتقريبًا على النحو التالي: الدور الأول: عصر الرواية المتثبتة ومنهجهم فيه 1 لم تكن السُّنَّة في القرن الأول مدونة في كتب، ولا مسطورة في أوراق، وإنما كانت مسجلة على صفحات القلوب، وكانت صدور الصحابة وكبار التابعين هي مهد التشريع ومصدر الفتيا، ومبعث الحكم والأخلاق، فقد عرف الصحابة والتابعون نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن كتابة شيء غير القرآن فيما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب على متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار" أخرجه مسلم.
كان القرآن ينزل، وكان كتاب الوحي يكتبونه، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتلو على أصحابه كتاب الله، ويحدثهم بالبيان عنه والتفسير لما جاء فيه، ولو أنه صرح لهم بالكتابة لكتبوا عنه ما يقول، وفيما يقوله قرآن وغير قرآن، فيختلط بالقرآن غيره، ويصعب التمييز بينهما في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا على حفاظ كتاب الله، ولا يؤمن بعد ذلك العهد أن بختلط القرآن بالسُّنَّة ويلتبس بها، وتكون فتنة كبرى لا يعلم مداها إلا الله.
فهم الصحابة هذا المعنى الذي أشرت إليه، والذي رجحه كثير من العلماء، فكان امتناعهم عن تدوين السُّنَّة واعتمادهم على حفظها في الصدور، وحين كتب الصحابي عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لم يكتب إلا بإذن منه، وكان من بين ما كتبه صحيفته "الصادقة" التي رواها حفيده عمرو بن شعيب عن أبيه عنه وهي عنده من أصح الأحاديث وعدها بعض أئمة الحديث في درجة أيوب عن نافع عن ابن عمر، واحتج بها الأئمة الأربعة. ---------------------------- 1 تلخيص بتصرف عن مفتاح السُّنَّة ص15 وما بعدها. ---------------------------- أقول: إن عبد الله بن عمرو حين كتب عن النبي صلى الله عليه وسلم هذه الصحيفة وغيرها مما رواه قد أمن على نفسه وعلى ما يكتب من تحقق علة النهي فيما فهمه الصحابة من الحديث الشريف.
لقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة قبيل مرضه الذي مات فيه أن يكتبوا، وذلك بعد أن كاد يتم نزول القرآن، وأمن عليه من اللبس بالحديث، وكان إذنه صلى الله عليه وسلم خاصًّا ببعض الصحابة، ولكنهم رضوان الله عليهم وجهوا اهتمامهم إلى ما كتب من القرآن بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم فبادروا إلى جمعه في موضع واحد، وسموا ذلك المصحف واقتصروا عليه، ولم يفعلوا بالحديث مثل ما فعلوا بالقرآن، بل صرفوا همهم إلى نشره بالرواية؛ إما بنفس الألفاظ التي سمعوها من النبي صلى الله عليه وسلم إن كانت لا تزال باقية في أذهانهم، أو بما يؤدي معناها إن غابت عنهم مع التنبيه إليه أحيانًا، فإن المقصود بالحديث هو المعنى غالبًا، أما القرآن فمقصود معناه ومبناه، لتعلق الإعجاز بألفاظه، ولذلك استحق أن يسجل بالكتابة خشية أن تنسى الألفاظ مع بعد العهد وطول الزمان، وتقييد السُّنَّة مباح ما أمن الاختلاط.
إن القرآن وإن كان بدعًا في أسلوبه، فريدًا في نظمه، يمتاز على غيره بالإعجاز، إلا أن المسلمين في بداية عهدهم لم يكونوا قد مرنوا عليه، وقد كان النازل منه يسيرًا، ولم تكن ملكة التفرقة بينه وبين غيره قد تربت لديهم، فكان من الممكن أن يشتبه عندهم بغيره، ويختلط وحي يتلى بوحي لا يتلى، فكان لا بد من تمييز الوحي المتلو بالكتابة، حتى إذ مرن المسلمون على أسلوب القرآن، وطال عهدهم بسماعه وتلاوته في الصلاة وفي غير الصلاة أذن لبعضهم في كتابة الحديث لأمن اللبس.
ولعل من دواعي النهي عن كتابة الحديث ثم الإذن فيها ما كان من قلة العارفين بالكتابة حينئذاك، فاقتضت الحكمة قصرهم على كتابة القرآن، فلما توافر عددهم أذن صلوات الله وسلامه عليه في كتابة الحديث.
لكل هذه الدواعي أو لبعضها لم يتجه الصحابة إلى كتابة الحديث -كما سبق أن ذكرت- بل جعلوا أفئدتهم أوعية له، وألسنتهم أدوات لنقله وروايته، وكان علم الصحابة وكبار التابعين في الصدر الأول بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وائتمارهم بأمره وانتهاؤهم بنهيه أكبر من أن يسمح لمجموعهم بالنسيان بعد الحفظ، أو أن يندس بين المسلمين من يتقول على الرسول الكريم، وقد علموا ما أوعد الله به كاتم العلم، وما هدد به الرسول صلى الله عليه وسلم من تقول عليه بما لم يقل، فبادروا إلى تبليغ ما عرفوه من حديثه ابتغاء للرحمة وخروجًا من التبعة، وسرعان ما كان ينتشر بين الجماهير ما بلغوه، فإن نسي بعضهم بعضًا منه فرب مبلغ أوعى من سامع، وما دام العهد قريبًا، وصوت النبي صلى الله عليه وسلم ما يزال صداه يرن في آذانهم، وصورته الكريمة ماثلة أمامهم، فإن من البعيد في ذلك الوقت أن يضيع شيء من السُّنَّة أو يخفى على جمهرة المسلمين.
كان الصحابة يتثبتون في رواية الحديث، فقد علموا أن من الحديث ما يحلل وما يحرم، وما يخطئ وما يصوب، وأن سبيل ذلك هو اليقين أو غلبة الظن، وكانت لهم نظرة فاحصة في الراوي والمروي وكان بعضهم لا يقبل من الحديث إلا ما عليه شاهد معضد، أو يمين حاسمة تميط لثام الشك عن وجه اليقين.
كان الخليفة الأول أبو بكر الصديق أو المتثبتين في رواية الحديث، وكان أول من سن للمحدثين التثبت في النقل، روى ابن شهاب عن قبيصة أن الجدة جاءت إلى أبي بكر تلتمس أو تورث فقال: ما أجد لك في كتاب الله شيئًا، ثم سأل الناس، فقام المغيرة فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيها السدس، فقال له: هل معك أحد؟ فشهد محمد بن مسلمة بذلك، فأنفذه لها أبو بكر رضي الله عنه.
وتبعه على التثبت في النقل عمر بن الخطاب، وربما كان يتوقف في خبر الواحد إذا ارتاب، روى الجربزي عن أبي نضرة عن أبي سعيد أن أبا موسى سلم على عمر من وراء الباب ثلاث مرات فلم يؤذن له، فرجع، فأرسل عمر في أثره فقال: لم رجعت؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا سلم أحدكم ثلاثًا فلم يجب فليرجع 1 " قال: لتأتيني على ذلك ببينه أو لأفعلن بك، فجاء أبو موسى منتقعًا لونه ونحن جلوس فقلنا: ما شأنك؟ فأخبرنا وقال: فهل سمع أحد منكم؟ فقلنا: نعم كلنا سمعه، فأرسلوا معه رجلًا متهم حتى أتى عمر فأخبره.
وهذا علي رضي الله عنه يقول: كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا نفعني الله بما شاء منه، وإذا حدثني عنه محدث استحلفته فإن حلف لي صدقته، وأن أبا بكر حدثني وصدق أبو بكر. ومن هنا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقلون من الرواية عنه خشية أن يدخلوا في الحديث ما ليس منه -سهوًا أو خطأ- فيتعرضوا لشيء من وعيد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أولئك الزبير وأبو عبيدة والعباس بن عبد المطلب، وكانوا ينكرون على من يكثر من الرواية، فالإكثار مظنة الخطأ، والخطأ في الدين عظيم الخطر، وقد التزم الصحابة وكبار التابعين بهذا المنهج في كل مكان نزلوه، وفي كل قطر حلوا فيه، وكانت خطتهم في مصر هي نفس ما ألزموا أنفسهم به في المدينة ومكة وسائر بلاد الإسلام: رواية قليلة متثبتة لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. ---------------------------- 1 أخرجه البخاري في كتاب السلام. ---------------------------- ولما أنكروا على أبي هريرة رضي الله عنه إكثاره من الرواية اضطر لتبرئة ساحته أن يبين السبب الذي حمله على الإكثار فقال: إن الناس يقولون: أكثر أبو هريرة، ولولا آيتان من كتاب الله ما حدثت حديثًا، ثم يتلو: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ، إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} 1.
وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم الصفق في الأسواق، وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم، وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشبع بطنه ويحضر ما لا يحضرون ويحفظ ما لا يحفظون. ---------------------------- 1 سورة البقرة الآيتان 159، 160، والحديث في صحيح البخاري. ---------------------------- الدورالثاني: عصر تدوين الحديث مختلطًا بغيره ومنهجهم فيه ثم انتشر الإسلام وتفرقت الصحابة في الأمصار، ومات كثير منهم، وقل الضبط وكثر الابتداع، فاشتدت الحاجة إلى تدوين الحديث وتقييده بالكتابة، وكتب عمر بن عبد العزيز أمير المؤمنين على رأس المائة إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عامله وقاضيه على المدينة: انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء، وأوصاه أن يكتب ما عند عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية والقاسم بن محمد بن أبي بكر، كما كتب إلى عماله في أمهات المدن الإسلامية يأمرهم بجمع الحديث، ومن أبرز من كتب إليهم، محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري المدني أحد الأئمة الأعلام، وعالم أهل الحجاز والشام.
ثم شاع التدوين في الطبقة التي تلي الزهري، فكان أول من جمعه ابن جريج بمكة، وابن إسحاق ومالك بالمدينة، والربيع بن صبيح وسعيد بن أبي عروبة وحماد بن سلمة بالبصرة، وسفيان الثوري بالكوفة، والأوزاعي بالشام، وهشيم بواسط، ومعمر باليمن، وجرير بن عبد الحميد بالري، وابن المبارك بخراسان، وكل هؤلاء من أهل القرن الثاني.
ومن أشهر الكتب المؤلفة في القرن الثاني موطأ مالك، ومسند الإمام الشافعي، ومختلف الحديث له، ومسند عبد الرزاق بن همام الصنعاني، ومصنف شعبة بن الحجاج، ومصنف سفيان بن عيينة، ومصنف الليث بن سعد، ومجموعات من عاصرهم من الحفاظ كالأوزاعي والحميدي وغيرهم ممن سأذكر مؤلفاتهم في الباب الثالث موزعة على فصوله بإذن الله.
وقد اتسم طابع التدوين في القرن الثاني بجمع الحديث مختلطًا بغيره من أقوال الصحابة وفتاوى التابعين.
الدور الثالث: عصر تدوين الحديث مفروزا ومنهجهم فيه ثم كان القرن الثالث فاختلفت فيه طريقة الجمع عنها في القرن الثاني، وبدأ رواة الحديث وأئمته يفردونه بالجمع والتدوين عن أقوال الصحابة وفتاوى التابعين، وكان من هؤلاء الأئمة من جمع كل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث من غير تمييز بين صحيح وسقيم، ومنهم من أفرد الصحيح وخصه بالجمع دون سواه ليخلص طالب الحديث من عناء البحث ومشقة السؤال، وكان أول من راد هذا الطريق الصعب هو شيخ المحدثين محمد بن إسماعيل البخاري، فجمع في كتابه الجامع الصحيح ما ثبتت لديه صحته من الأحاديث، واقتفى أثره الإمام مسلم بن الحجاج القشيري -وكان من الآخذين عنه- ثم تبعهما على خطتهما كثير من الأئمة والحفاظ، ويمتاز البخاري بأنه كان ربما أورد بعض الآثار قبل إيراد الحديث، تعزيزًا لما يرمي إليه في تراجمه التي يذكرها قبلها دالة على فقهه فيما يذكر بعدها من أحاديث.
لهذا كان القرن الثالث أجل عصور الحديث وأسعدها بخدمة السُّنَّة، فقد ظهر فيه كبار المحدثين وجهابذة المؤلفين وحذاق الناقدين، وأشرقت على أمة الإسلام شموس الكتب الستة التي كادت تستوعب الحديث الصحيح، والتي يعتمد عليها الناس في السُّنَّة منذ ذلك الحين إلى عصرنا الحاضر.
ويمكن أن يقال: إن بانتهاء هذا القرن كاد ينتهي جمع الحديث وتدوينه، ويمتاز الجمع في هذا القرن وما قبله بأوليته وعدم تعويل العلماء على سابق لهم فيه، ويبدأ بعد ذلك عهد ترتيبه وتهذيبه، وتيسيره للدارسين والعاملين، ومن أشهر الكتب المؤرفة في القرن الثالث صحيح البخاري المتوفى سنة 251هـ، وصحيح مسلم المتوفى سنة 261هـ، وسنن أبي داود المتوفى سنة 275هـ، وسنن النسائي المتوفى سنة 303هـ وجامع الترمذي المتوفى سنة 279هـ، وسنن ابن ماجه المتوفى سنة 273هـ، ومسند الإمام أحمد المتوفى سنة 241هـ، والمنتقى في الأحكام لابن الجارود المتوفى سنة 307هـ، ومصنف ابن أبي شيبة المتوفى سنة 235هـ، وتهذيب الآثار للطبري المتوفى سنة 310هـ، وقطعة من مسند ابن عباس لبقي بن مخلد القرطبي المتوفى سنة 237هـ، ومسند عبد بن حميد المتوفى سنة 249هـ، وسنن الدرامي المتوفى سنة 205هـ، ومسند أبي يعلى الموصلي المتوفى سنة 307هـ، ومسند ابن أبي أسامة الحارث التميمي المتوفى سنة 282هـ، ومسند ابن أبي عاصم المتوفى سنة 287هـ، وفيه نحو خمسين ألف حديث، ومسند ابن أبي عمرو محمد بن يحيى العدني المتوفى سنة 243هـ، ومسند أبي هريرة لإبراهيم بن العسكري المتوفى سنة 282هـ، ومسند الإمام النسائي المتوفى سنة 303هـ، ومسند العنبري إبراهيم بن إسماعيل الطوسي المتوفى سنة 280هـ والمسند الكبير للبخارى، ومسند مسدد بن مسرهد المتوفى سنة 228هـ، ومسند محمد بن مهدي المتوفى سنة 272هـ، ومسند الحميدي المتوفى سنة 219هـ، ومسند إبراهيم بن معقل النسقي المتوفى سنة 295هـ، ومسند إبراهيم بن يوسف الهنجابي المتوفى سنة 301هـ، ومسند مالك للنسائي المتوفى سنة 303هـ، والمسند الكبير للحسن بن سفيان المتوفى سنة 303هـ، والمسند المعلل لأبي بكر البزار المتوفى سنة 292هـ، ومسند ابن سنجر المتوفى سنة 258هـ، والمسند الكبير ليعقوب بن شيبة المتوفى سنة 262هـ، ولم يؤلف أحسن منه لكنه لم يتم، ومسند علي بن المديني المتوفى سنة 234هـ، ومسند ابن أبي عزرة أحمد بن حازم المتوفى سنة 276هـ، ومسند عثمان بن أبي شيبة، وغيرها كثير.
ورتبة كتب المسانيد دون كتب السنن، فقد جرت عادة مصنفيها أن يجمعوا في مسند كل صحابي ما يقع لهم من حديثه صحيحًا كان أو سقيمًا، ولذلك لا يسوغ الاحتجاج بما فيها إلا ما تثبت صحته، وقد استثنى بعض المحدثين منها مسند الإمام أحمد بن حنبل.
الدور الرابع: عصر الترتيب والتهذيب ومنهجهم فيه ثم يأتي القرن الرابع وقد جمعت السُّنَّة ودونت، فكان عمل أهل هذا القرن هو ترتيب هذه المادة المجموعة من الحديث وتهذيبها وتصنيفها، وأكثر من دونوا الحديث فيه كانوا عالة على المتقدمين: ولكنهم امتازوا عليهم بالترتيب والتهذيب، والتصنيف والتبويب.
ومن أشهر الكتب المؤلفة في القرن الرابع المعاجم الثلاثة: الكبير والصغير والأوسط؛ للإمام سليمان بن أحمد الطبراني المتوفى سنة 360هـ، وسنن الدارقطني المتوفى سنة 385هـ، وصحيح ابن حبان المتوفى سنة 354، وصحيح أبي عوانة يعقوب بن إسحاق المتوفى سنة 316هـ، وصحيح ابن خزيمة محمد بن إسحاق المتوفى سنة 311هـ، وصحيح المنتقى لابن السكن سعيد بن عثمان البغدادي المتوفى سنة 353هـ، والمنتقى لقاسم بن أصبغ المتوفى سنة 340هـ، ومصنف الطحاوي المتوفى سنة 321هـ، ومسند ابن جميع محمد بن أحمد المتوفى سنة 402هـ، ومسند ابن إسحاق المتوفى سنة 313هـ، ومسند الخوارزمي المتوفى سنة 435هـ، ومسند أبي إسحاق بن نصر المروزي المتوفى سنة 385هـ.
الدور الخامس: عصر التقليد والاختصار والتقريب ومنهجهم فيه وبعد القرن الرابع الهجري كاد ينتهى عصر الاجتهاد في جمع السنن من أفواه الرواة، والنظر في رجال الأسانيد، وإنزال كل منهم منزلته، وبيان صحيح الحديث وسليمه من عليله وسقيمه، وركن الناس إلى التقليد، ولهذا نجد أكثر الكتب المؤلفة بعد هذا القرن سلكت مسلك التهذيب والترتيب، أو جمع الشتيت وبيان الغريب، أو لجأت إلى الاختصار والتقريب، وأغلب من تكلموا على الأسانيد بعد المائة الرابعة كانوا عيالًا على ما دونه أئمة الحديث فيما سبقهم من القرون.
وإلى جانب العناية بمتن الحديث كانت العناية موجهة غلى تاريخ الحديث وعلومه الأخرى، كان التأليف في الغريب، والناسخ والمنسوخ، وإظهار حال الرجال، والكشف عن علوم الحديث ومصطلحاته، وغير ذلك من الأغراض الجليلة والأقسام المتنوعة.
كان العلماء في ذلك العهد يرتبون ما جمع من الحديث على غير نظام المسانيد، ألفوا الجوامع في الأطراف والزوائد، وضحوا المبهمات في كتب الشروح والغريب ومشكل الحديث والأثر، وألفوا في أصول الحديث، وكتبوا في التخريج، وفي علم الرجال بفنونه وأنواعه -وسوف نذكر بيانًا لذلك ونماذج منه فيما يأتي من هذا الكتاب إن شاء الله فلا نطيل هنا بذكره- وظل علماء السُّنَّة في سائر بلاد العالم الإسلامي في الحجاز والعراق والشام ومصر يلتزمون هذا المنهج، يطوفون حول ما جمع السابقون من حديث، وما ألفوا من علومه بالترتيب والتهذيب، والاختصار والتبويب، والشرح والتقريب، واستنباط الفوائد، واقتناص الشوارد، ومحاولة إضافة الجديد إلى علوم الأولين، والانتفاع بذلك كله في الدراسة والتعليم، وإفادة الأمة به في شئون الدنيا والدين.
ومن الطبيعي ألا يكون علماء مصر في ذلك الحين، بمعزل عن الحياة العلمية في البلدان الأخرى فإن رحلتهم في طلب العلم إلى تلك البلاد، ورحلة علماء تلك البلاد إليهم جعلت هناك تقاربًا في المناهج بين المحدثين، سواء في ذلك الرواية أو الدراية أو التدوين أو التأليف، ولذلك نستطيع أن نقرر أن مناهج المحدثين في مصر قبل سقوط بغداد لم تختلف من غيرها في البلاد الأخرى، وأنها قد مرت أيضًا بهذه الأدوار الخمسة.
|
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب الثاني: مناهج المحدثين في مصر الأحد 26 مايو 2024, 12:16 am | |
| واختلفت مناهج المحدثين فيها على النحو التالي: 1- الرواية المتثبتة. 2- تدوين الحديث مختلطًا بغيره. 3- تدوين الحديث مفروزًا. 4- الترتيب والتهذيب. 5- التقليد والاختصار والتقريب.
وقد التزم كل من العلماء منهجًا عامًّا باختياره نوعًا معينًا من علوم الحديث يتناوله بالدراسة والعرض في كتابه، ومنهجًا خاصًّا يلتزم به في عرضه لهذا الكتاب، وقد أكثر العلماء من التأليف في تلك العلوم المتعددة، فمنهم من كتب في نوع من هذه العلوم، ومنهم من كتب في أكثر من نوع منها.
وقد استوعب صاحب الرسالة المستطرفة ما يتعلق بما نحن بصدده من مناهج المحدثين، ولذلك رأينا أن نعتمد عليها في تناول تلك المناهج، وأن نقتبس منها ما نرى ضرورة اقتباسه في هذا المقام، ولا سيما في سرد بعض الكتب وأسماء مؤلفيها وتعداد أنواعها ملخصًا ومرتبًا على النحو التالي: نقل عن ابن حجر في أول مقدمة فتح الباري ما يفيد أن آثار النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن في عصر التابعين مدونة ولا مرتبة، ثم حدث في أواخر عصر التابعين أن دونت الآثار وبوبت الأخبار، عندما انتشر العلماء في الأمصار، وكثر الخوارج والروافض ومنكري الأقدار.
فأولُ مَنْ جمع في ذلك الربيع بن صبيح وسعيد بن أبي عروبة وغيرهما، وكانوا يصنفون كل باب على حدة إلى أن قام كبار الطبقة الثانية في منتصف القرن الثاني فدونوا الأحكام، فصنف ابن أبي ذئب بالمدينة موطأ، وصنف الإمام مالك موطأه بالمدينة كذلك، متوخيًا فيه القوي من حديث أهل الحجاز، ومزجه بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين ومن بعدهم، كما صنف ابن جريج بمكة، والأوزاعي بالشام، وسفيان الثوري بالكوفة، وحماد بن سلمة بن دينار بالبصرة، ومعمر بن راشد وخالد بن جميل باليمن، وجميل بن عبد الحميد بالري، وابن المبارك بخراسان، ثم تلاهم كثير من أهل عصرهم في النسخ على منوالهم في جمع الأحاديث مختلطة بغيرها من الآثار والفتاوى.
ثم رأى بعض الأئمة أن يفرد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة، وكان ذلك على رأس المائتين، فصنف عبيد الله بن موسى العبسي الكوفي مسندًا، وصنف مسدد بن مسرهد البصري مسندًا، وصنف أسد بن موسى الأموي مسندًا، وصنف نعيم بن حماد الخزاعي نزيل مصر مسندًا، ثم اقتفى الأئمة أثر هؤلاء السابقين في التصنيف على المسانيد، فكان مسند أحمد بن حنبل، ومسند إسحاق بن راهويه، ومسند عثمان بن أبي شيبة وغيرهم.
ومن العلماء من صنف على المسانيد والأبواب معا كأبي بكر بن أبي شيبة، ومنهم من رتب على العلل بأن جمع في متن كل حديث طرقه واختلاف الرواة فيه، بحيث يتضح إرسال ما يكون متصلًا، أو وقف ما يكون مرفوعًا أو غير ذلك، ومنهم من رتب على الأبواب الفقهية وغيرها ونوعه أنواعًا، وجمع ما ورد في كل نوع وفي كل حكم إثباتًا أو نفيًا في كل باب، بحيث تتميز أحكام الصوم عن أحكام الصلاة، ومن أهل هذه الطريقة من التزم الصحيح كالشيخين، ومنهم من لم يتقيد به كباقي الكتب الستة، ومنهم من اقتصر على الأحاديث المتضمنة للترغيب والترهيب، ومنهم من حذف الإسناد واقتصر على المتن كالبغوي في مصابيحه، واللؤلئى في مشكاته.
وأول من صنف في الصحيح المجرد محمد بن إسماعيل البخاري، وهو أصح كتاب عندنا بعد كتاب الله عز وجل، ثم صحيح مسلم بن الحجاج، ثم مسند أبي داود، وجامع الترمذي، وسنن النسائي، وسنن ابن ماجه، وهذه هي الكتب الستة الأصول وأشهر أمهات كتب الحديث.
ومن الكتب ما التزم مؤلفوها الصحة غير ما تقدم كصحيح ابن خزيمة، وصحيح ابن حبان وصحيح الحاكم، وصحيح الحافظ، النيسابوري -وهو من تلاميذ مسلم- وكتاب الأحاديث الجياد المختارة مما ليس في الصحيحين للضياء المقدسي من المتأخرين1 وقد التزم فيه الصحة، وذكر أحاديث لم يسبق إلى تصحيحها، وسلمت له إلا اليسير مما تعقب عليه، وكذلك كتاب المنتقى لابن الجارود، والمنتقى لقاسم بن أصبغ، والصحيح المنتقى لابن السكن البغدادي المصري.
ومنهم من خرج كتبا على الصحيحين أو أحدهما وهي كثيرة، كمستخرجات الحافظ الجرجاني والغطريفي وابن أبي ذهل وابن مردويه، وهي مستخرجات على البخاري، ومستخرجات الحافظ أبي عوانة وقاسم بن أصبغ والحافظ أبي جعفر أحمد بن سنان الحيري، والحافظ أبو بكر محمد بن رجاء النيسابوري الإسفراييني والجوزقي والشاركي وأبي نعيم الأصفهاني والخلال وأبي ذر الهروي وابن منجويه، وغير هؤلاء كثير.
ومنها كتب الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبوعة: مالك بن أنس في الموطأ، وأبي حنيفة النعمان، ومحمد بن إدريس الشافعي، وأحمد بن حنبل الشيباني في مسانيدهم.
ومنهم من جمع السنن، وهي في اصطلاحهم الكتب التي رتبت على أبواب الفقه من الإيمان والطهارة والصلاة والزكاة إلى آخرها، وليس فيها شيء من الموقوف؛ لأن الموقوف لا يسمى في اصطلاحهم سنة ويسمى حديثًا، وأولها سنن ابن جريج المكي أول المؤلفين في الإسلام، ومنها -زيادة على ما تقدم من السنن- الأربعة الأصول، سنن الإمام الشافعي وسنن النسائي الكبرى وهي التي لخص منها الصغرى التي تعد من كتب الأصول -وهي التي يسميها المحدثون المجتبى- وسنن الدرامي وسنن البيهقي، وسنن سعيد بن منصور بن شعبة المروزي، وسنن أبي مسلم الكشي، وسنن الدارقطني وسنن أبي جعفر الدولابي، وسنن موسى بن طارق، وسنن أبي بكر أحمد بن محمد الأثرم، وسنن الخلال، وسنن أبي عمرو "زنجلة"، وسنن الصفار، وسنن أبي بكر الهمداني، وسنن أبي بكر بن لال، وسننن أبي بكر أحمد بن النجاد، وسنن أبي إسحاق إسماعيل القاضي الأزدي، وسنن أبي محمد يوسف بن يعقوب القاضي الأزدي، وسنن أبي القاسم بن هبة الله اللالكائي.
ومنهم من جمع كتب السُّنَّة، وهي الكتب التي تحث على اتباع السُّنَّة وترك البدعة، منها كتاب السُّنَّة للإمام أحمد، ولأبي داود، ولأبي بكر بن الأثرم، ولعبد الله بن أحمند، ولأبي القاسم اللالكائي ولحنبل بن إسحاق بن حنبل -ابن عم الإمام أحمد وتلميذه- ولأبي بكر أحمد بن محمد بن هارون البغدادي المعروف بالخلال، ولأبي القاسم الطبراني، ولابن منده، والدارمي، وابن أبي حاتم، وأبي الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي، ومنها كتاب الإبانة عن أصول الديانة لأبي نصر عبيد الله بن سعيد بن حاتم السجزي. ---------------------------- 1 الضياء المقدسي هو أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن المهدي المقدسي المتوفى سنة 643هـ وكتابه المختارة مرتب على المسانيد لا على الأبواب في ستة وثمانين جزءًا ولم يكمل. ---------------------------- ومنهم من رتب الكتب على أبواب الفقه مشتملة على السنن وما هو في حيزها أوله تعلق بها، وسمى بعضها مصنفًا وبعضها جامعًا، منها مصنفات وكيع بن الجراحن وحماد بن سلمة بن دينار، وأبي الربيع سليمان بن داود، وأبي بكر بن أبي شيبة، وعبد الرزاق؛ وبقي بن مخلد، وجوامع سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وأبي عروة معمر بن راشد، وأبي بكر الخلال، والجامعين، الكبير والصغير، كلاهما للبخاري، وجامع مسلم، وكتاب الآثار لمحمد بن الحسن الشيباني، وشرح السُّنَّة للبغوي، وكتاب الشريعة في السُّنَّة لأبي بكر الآجري، وغيرها كثير.
ومنهم من ألف كتبًا مفردة في أبواب مخصوصة، كالآجرى في كتابه التصديق بالنظر لله، وأبي نعيم الأصبهاني في كتابه تثبيت الرؤيا لله، وأبي بكر عبد الله بن محمد بن عبدي بن سفيان بن قيس المعروف بابن أبي الدنيا في كتابه الإخلاص، وكذلك صنف في الإخلاص أبو الفرج جمال الدين عبد الرحمن المعروف بابن الجوزي، وكأبي بكر بن خزيمة في كتابه التوحيد وإثبات الصفات، والبيهقي في كتابه الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد، وغير ذلك من الكتب المؤلفة في نواح من العقائد، وهناك كتب في بعض أبواب الفقه كالطهور لأبي عبيد القاسم بن سلام، ولأبي بكر عبد الله بن أبي داود السجستاني كتاب في الطهور كذلك، ولمسلم بن الحجاج مؤلف في الانتفاع بجلود السباع، ولأبي نعيم الأصفهاني كتاب في فضل السواك، وقد ساق صاحب الرسالة المستطرفة كثيرًا من الكتب المفردة في الأبواب المخصوصة نكتفي بالإشارة إليها1.
وهناك كتب ليست على الأبواب ولكنها على المسانيد، وهي الكتب التي موضعها جعل أحاديث كل صحابي على حده صحيحًا كان أو حسنًا أو ضعيفًا مرتبين على حروف الهجاء في أسماء الصحابة كما فعله غير واحد -وهو أسهل تناولًا- أو على القبائل، أو السابقة في الإسلام، أو شرف النسبة، أو غير ذلك، وقد يقتصر في بعضها على أحاديث صحابي واحد كمسند أبي بكر، أو أحاديث جماعة منهم كمسند الأربعة أو العشرة، أو طائفة مخصوصة جمعها وصف واحد كمسند المقلين، ومسند الصحابة الذين نزلوا مصر، إلى غير ذلك؛ والمسانيد كثيرة جدًّا: منها مسند أحمد -وهو أعلاها- وهو المراد عند الإطلاق، ومنها مسند البخاري الكبير، والمسند الكبير على الرجال لمسلم بن حجاج، ومسند أبي داود بن الجارود الطيالسي، ومسند أسد بن موسى بن إبراهيم بن الوليد المصري المعروف بأسد السُّنَّة، ومسند أبي الحسن مسدد بن مسرهد الأسدي البصري وهو في مجلد لطيف، وله آخر قدره ثلاث مرات وفيه كثير من الموقوف والمقطوع.
وأطال صاحب الرسالة كثيرًا في سرد المسانيد بما لا يحتمله هذا المقام2، ثم ذكر أن من المصنفات الحديثية كتبًا في التفسير ذكرت فيها أحاديث وآثار بأسانيدها كتفسير عبد الرحمن بن أبي حاتم -وهو في أربع مجلدات- عامته آثار مسنده، وإسحاق بن راهويه، وأبي بكر بن أبي شيبة، وأخيه عثمان بن أبي شيبة، وأبي عبد الله بن ماجه القزويني، وعبد بن حميد، وعبد الرزاق الصنعاني، ومحمد بن يوسف الفريابي وأبي الشيخ بن حيان، وأبي حفص بن شاهين -وهو في ألف جزء- ووجد بواسط في نحو ثلاثين مجلدًا، وبقي بن مخلد. ---------------------------- 1 الرسالة المستطرفة 34-46. 2 الرسالة المستطرفة 46-57. ---------------------------- وقد قال ابن حزم: ما صنف في الإسلام مثل تفسيره أصلًا، لا تفسير محمد بن جرير ولا غيره، والإمام سنيد، وابن جرير الطبري، الذي قال النووي فيه: أجمعت الأمة على أنه لم ينصف مثل تفسيره، وقال السيوطي: هو أجل التفاسير وأعظمها، وقال أبو حامد الإسفراييني: لو سافر أحد إلى الصين في تحصيله لم يكن كثيرًا، وأبي بكر بن مردويه، وأبي القاسم الأصبهاني وله التفسير الكبير في ثلاثين مجلدا، وتفاسير أخر، ثم أورد عدة كتب في التفسير بالأحاديث والأسانيد1.
كما أورد عدة كتب معينة في المصاحف والقراءات، فيها أيضًا أحاديث وآثار بأسانيد، ككتاب المصاحف لأبي داود، وكتاب المصاحف لأبي بكر محمد بن القاسم بن محمد بن بشار الأنباري، وكالمعجم في القراءات لأبي بكر النقاش، وكتاب الوقف والابتداء لأبي بكر بن الأنباري إلى أن قال: ومنها كتب في الناسخ، والمنسوخ من القرآن أو الحديث بإسناد أيضًا: فمن الأول وهو ما يتعلق بالقرآن كتاب الناسخ والمنسوخ لأبي عبيد القاسم بن سلام، ولأبي بكر بن الأنباري، ولأبي جعفر بن النحاس، ومن الثاني وهو المتعلق بالحديث كتاب الناسخ والمنسوخ لأحمد بن حنبل، ولأبي داود.
ومنهم من ألف في الأحاديث القدسية الربانية، وهي المسندة إلى الله تعالى، بأن أضيفت إليه عز وجل ولم يقصد منها الإعجاز، كالأربعين الإلهية لأبي الحسن بن المفضل المقدسي، وكتاب مشكاة الأنوار لابن عربي.
ومنهم من ألف في الأحاديث المسلسلة، وهي التي تتابع رجال إسنادها على صفة أو حالة، كالمسلسل بالأولية لأبي طاهر عماد الدين أحمد بن محمد بن إبراهيم سلفة، وللحافظ الذهبي كتاب يسمى بالعذب السلسل في الحديث المسلسل، ومن هذا النوع كتاب لتقي الدين السبكي، وكذلك أحمد بن إبراهيم البزار، وأبو نعيم الأصفهاني، وابن الطيلسان محمد بن أحمد بن سليمان، وعلم الدين السخاوي المفسر اللغوي. وهناك مؤلفات في المراسيل، ككتاب المراسيل لأبي داود صاحب السنن في جزء لطيف مرتب على الأبواب فيها كذلك، ومن بين ما ذكره في هذه الأبواب باب ما ذكر في الأسانيد المرسلة أنها لا تثبت بها حجة. ---------------------------- 1 الرسالة المستطرفة 58، 59. ---------------------------- وهناك أجزاء حديثية: ومصطلح الجزء عندهم يرجع إلى تأليف الأحاديث المروية عند رجل واحد من الصحابة أو من بعدهم، ومنها جزء الحسن بن أبي سفيان الشيباني النسائي صاحب المسند، وكتاب الوحدان -والمراد بها من لم يرو عنه إلا راو واحد من الصحابة أو التابعين فمن بعدهم- وقد صنف في ذلك الإمام مسلم وغيره، ومنها جزء أبي عاصم الضحاك بن مخلد، وجزء أبي علي الحسن بن عرفة، وجزء أبي مسعود أحمد بن الفرات، وغيرها كثير جدًّا.
ومنها كتب ألفت في الفوائد: كفوائد تمام بن محمد بن عبد الله بن جعفر الرازي، وفوائد أبي بشر، وفوائد أبي عمرو عبد الوهاب بن محمد المعروف بابن منده، وفوائد أبي بكر بن المقري، وفوائد ابن بشكوال وغيرها.
وهناك كتب وضعت في الشمائل النبوية والمغازي: فمن كتب الشمائل كتاب الشمائل للترمذي والشمائل لأبي بكر المقري الحافظ، وكتاب الأنوار في شمائل النبي المختار، رتبه على واحد ومائة باب على طريقة المحدثين بالأسانيد، ومثلها دلائل النبوة لأبي نعيم الحافظ، وكذلك أبو بكر للبيهقي الذي يقول الذهبي فيه: عليك به فإنه هدى ونور، ومثله لأبي بكر الفريابي ولأبي حفص بن شاهين, وأعلام النبوة لأبي داود السجستاني، ودلائل الرسالة لأبي المطرف عبد الرحمن بن محمد بن عيسى بن فطيس وهو في عشرة أسفار، ودلائل الإعجاز لأبي عوانة، وكتاب الوفا في فضائل المصطفى زادت أبوابه على خمسمائة في مجلدين، وكتاب الشفا بالتعريف بحقوق المصطفى للقاضي عياض، وهو الذي خرج السيوطي أحاديثه في مناهل الصفا وتناولناه بالحديث في مناسبته من هذا الكتاب، وفي كتاب الشفا أحاديث ضعيفة، وأخرى قيل إنها موضوعة، مما يدل على أنه لم يلتزم في منهجه تصحيح الحديث، وقد أفرد بعضهم الأحاديث المسندة فيه وهي ستون حديثًا في جزء.
ومن كتب السير والمغازي كتب السيرة لأبي بكر الزهري التابعي، والسيرة لابن إسحاق، وهي أكبر مراجع السيرة، وقد هذبها أبو محمد عبد الملك بن هشام المصري وصارت تنسب إليه، وكتاب السيرة لأبي عمرو الواقدي، والسيرة لأبي حفص الموصلي وكتاب شرف المصطفى لأبي سعيد النيسابوري في ثمان مجلدات، والمغازي لمحمد بن إسحاق، ولأبي أيوب يحيى بن سعيد الأموي ولموسى بن عقبة وغيرهم.
ومن الكتب ما ألف في أحاديث شيوخ مخصوصين من المكثرين، كأحاديث سليمان بن مهران الملقب بالأعمش، ومؤلفه أبو بكر الإسماعيلي، وأحاديث الفضيل بن عياض التميمي للنسائي، وأحاديث الزهري لأبي عبد الله الذهلي -وهي المسماة بالزهريات- في مجلدين، وقد جمع عدد من المحدثين أحاديث الزهري في مؤلف.
ومن المؤلفات الحديثية كتب تجمع طرق بعض الأحاديث، كطرق حديث: "إن لله تسعة وتسعين اسمًا" لأبي نعيم الأصفهاني، وطرق حديث الحوض للمقدسي، وطرق حديث قبض العلم للطوسي، إلى غير ذلك.
ومنها كتب في رواة بعض الأئمة المشهورين أو في غرائب أحاديثهم، ككتاب تراجم رواة مالك للخطيب البغدادي، ذكر فيه من روى عن مالك فبلغ بهم ألفًا إلا سبعة، ومثل كتاب التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لأبي عمر بن عبد البر، فإنه ترجم فيه لرواة مالك في الموطأ على حروف المعجم مع الكلام على متونها، وإخراج الأحاديث المتعلقة بها بأسانيده، وهو كتاب كبير الجرم في سبعين جزءًا غزير العلم لم يتقدمه أحد إلى مثله، وكذلك كتاب غرائب مالك للدارقطني، ومثله لقاسم بن أصبغ البياني، وللطبراني، ولأبي القاسم بن عساكر وهو في عشرة أجزاء إلى غير ذلك.
|
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب الثاني: مناهج المحدثين في مصر الأحد 26 مايو 2024, 12:17 am | |
| ومنها كتب في الأحاديث الأفراد -جمع فرد- وهو قسمان: فرد مطلق، وهو ما تفرد به راويه عن كل أحد من الثقات وغيرهم بأن لم يروه أحد من الرواة مطلقًا إلا هو، وفرد نسبي، وهو ما تفرد به ثقة بأن لم يروه أحد من الثقات إلا هو، أو تفرد به أهل بلد بأن لم يروه إلا أهل بلدة كذا كأهل البصرة، أو تفرد به راويه عن راو مخصوص بأن لم يروه عن فلان إلا فلان وإن كان مرويًّا من وجوه عن غيره، ومن الكتب المصنفة فيها كتاب الأفراد للدارقطني، وهو كتاب حافل في مائة جزء حديثية، وعمل أطرافه أو الفضل بن طاهر، وكتاب الأفراد لأبي حفص بن شاهين، والأفراد المخرجة من أصول أبي الحسن أحمد بن عبد الله بن حميد بن رزيق البغدادي نزيل مصر، وصنف أبو داود السنن التي تفرد بكل سنة منها أهل بلدة، كحديث طلق بن علي في مس الذكر، وقال: إنه تفرد به أهل اليمامة، وكحديث عائشة في صلاته صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء في المسجد، فإن الحاكم قال: تفرد أهل المدينة بهذه السُّنَّة.
ومنها كتب في المتفق لفظًا وخطًّا من الأسماء والألقاب والأنساب ونحوها وهو مفترق معنى، وفي المؤتلف أي المتفق خطأ منها وهو مختلف لفظًا، وفي المتشابه المركب من النوعين وهو المتفق لفظًا وخطًّا من اسمين أو نحوهما مع اختلاف اسم أبينهما لفظًا لا خطًّا أو العكس، فمن الأول كتاب الخطيب البغدادي المتفق والمفترق وهو كتاب نفيس في مجلد كبير، والمتفق والمفترق أيضًا لأبي عبد الله محمد بن النجاد البغدادي، وكذلك لأبي بكر الجوزقي وهو مشهور، وله آخر أبسط منه في نحو ثلاثمائة جزء، ومن النوع الثاني كتاب المختلف والمؤتلف للدارقطني، ولأبي محمد عبد الله بن علي الرشاطي كتاب الأعلام بما في المؤتلف والمختلف للدارقطني من الإبهام، وكتاب المؤتلف والمختلف لأبي سعد الماليني، والمختلف والمؤتلف لعلاء الدين المارديني وغير ذلك كثير.
ومنهم من ألف في معرفة الأسماء والكنى والألقاب، أي أسماء من اشتهر بكنيته وكنى من اشتهر باسمه، وألقاب المحدثين ونحو ذلك، ككتاب الأسماء والكنى للإمام أحمد بن حنبل، ومثله لأبي بشر الدولابي، والأسماء والألقاب لأبي الفرج بن الجوزي، وهو المسمى كشف النقاب عن الأسماء والألقاب، ومجمع الآداب في معجم الأسماء والألقاب لأبي الوليد بن الفرضى، والكنى والألقاب لأبي عبد الله الحاكم، والألقاب والكنى لأبي بكر أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي، ومنتهى الكمال في معرفة ألقاب الرجال لأبي الفضل علي بن الحسين الفلكي.
ومنهم من ألف في مبهم الأسانيد أو المتون من الرجال أو النساء، ككتاب عبد الغني بن سعيد المصري في ذلك، وهو المسمى بكتاب الغوامض والمبهمات، وكذلك الغوامض والمبهمات للخطيب البغدادي، وإن كان تحصيل الفائدة منه عسير لترتيبه أسماء المبهمات على حروف المعجم، فإن من عرف المبهم لا يحتاج إلى الكشف عنه، ومن جهله لا يعرف موضعه، والغوامض والمبهمات لابن بشكوال جمعها دون ترتيب، وكذلك صنف في الغوامض والمبهمات شمس الدين محمد بن طاهر المقدسي المعروف بابن القيسراني، وقد جمع فيه نفائس إلا أنه توسع بذكر ما ليس من شرط المبهمات.
ومنهم من ألف في الأنساب، ككتاب الأنساب لأبي سعد السمعاني وهو كتاب عظيم في هذا الفن لم يصنف فيه مثله، واختصره عز الدين بن الأثير محمد بن محمد بن عبد الكريم، وزاد فيه أشياء أهملها واستدرك على ما فاته وسماه اللباب، وهو كتاب مفيد في ثلاث مجلدات، وكتاب أنساب المحدثين لمحب الدين محمد بن النجار البغدادي، ولأبي فضل محمد بن طاهر المقدسي مثله، وذيل عليه تلميذه أبو موسى محمد بن أبي بكر المديني، وكتاب العجالة لأبي بكر محمد بن موسى الحازمي، وكتاب الأنساب لأبي محمد عبد الله بن علي بن عبد الله بن خلف الرشاطي المسمى باقتباس الأنوار والتماس الأزهار في أنساب الصحابة ورواة الآثار.
ومنهم من ألف كتبًا في معرفة الصحابة مرتبًا إياهم على الحروف أو على القبائل أو غير ذلك. ككتاب معرفة الصحابة لأبي أحمد الحسن بن عبد الله العسكري وهو مرتب على القبائل، ولأبي محمد عبد الله بن محمد بن عيسى، وكتاب المعرفة في مائة جزء، ولأبي العباس جعفر بن محمد المستغفري كتاب أيضًا، ولأبي الحسن علي بن المديني الحافظ الثقة كتاب سماه كتاب معرفة من نزل من الصحابة سائر البلدان في خمسة أجزاء لطيفة، ولأبي عبد الله محمد بن إسحاق بن منده الأصبهاني كتاب كبير جليل قال ابن عساكر، وله فيه أوهام، وكتاب معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني في ثلاث مجلدات، وقد ألف في الصحابة كذلك أبو القاسم البغوي، وأبو حفص بن شاهين، وأبو حاتم محمد بن حبان البستي، وأبو بكر أحمد بن عبد الله بن البرقي، وأبو منصور محمد بن سعد الباوردي -وهو من شيوخ ابن منده- وغير هؤلاء كثير.
وإن منهم من ألف في تواريخ الرجال وأحوالهم، كتاريخ البخاري الكبير، وتاريخ ابن معين وتاريخ صاحبه محمد بن حاتم الهاشمي مولاهم الدوري، وتاريخ العجلي، وتاريخ ابن أبي شيبة، وتاريخ أبي عمرو خليفة بن خياط، وتاريخ محمد بن سعد كاتب الواقدي، وتاريخ أبي بكر أحمد بن أبي خيثمة، وتاريخ أبي محمد عبد الله بن محمد بن الجارود، وتاريخ حنبل بن إسحاق، وتاريخ أبي العباس محمد بن إسحاق السراج، وتاريخ ابن حبان، وتاريخ أبي زرعة الدمشقي، وتاريخ أبي يعلى الخليل بن عبد الله بن أحمد القزويني، وتاريخ مصر لأبي سعيد عبد الرحمن بن أحمد صاحب الشافعي يونس بن عبد الأعلى الصدفي، ألف لمصر تاريخين أحدهما وهو الأكبر يختص بالمصريين، والثاني يختص بالغرباء.
ومنهم من ألف المعاجم، وهي كتب تجمع فيها الأحاديث على ترتيب الصحابة أو الشيوخ أو البلدان أو غير ذلك، ويغلب ترتيبها على حروف الهجاء، وذلك كمعجم الطبراني الكبير رتبه على حروف المعجم فيما عدا مسند أبي هريرة فقد أفرده في مصنف، ومعجمه الأوسط في أسماء شيوخه وهم كثير، وأكثر فيه من غرائب حديثهم، وهو في ست مجلدات كبار، ومعجمه الصغير وهو في مجلد، خرج فيه عن ألف شيخ يقتصر فيه على حديث واحد -غالبًا- عن كل واحد من شيوخه، وكتاب معجم الصحابة لأحمد بن علي بن لال، ومثله لأبي الحسين بن قانع، وأبي منصور البارودي، وأبي القاسم البغوي، وأبي القاسم بن عساكر الدمشقي الذي ألف أيضًا معجم البلدان ومعجم النسوان، ومن المعاجم معجم أبي يعلى الموصلي، ومعجم أبي العباس محمد بن عبد الرحمن الدغولي، ومعجم الشيوخ للإسماعيلي أبي بكر، ولأبي نعيم الأصبهاني ولأبي عبد الله الحاكم الضبي. وغيرها.
ومنهم من كتب في الطبقات، وهي الكتب التي تشتمل على ذكر الشيوخ وأحوالهم ورواياتهم طبقة بعد طبقة، وعصرًا بعد عصر إلى زمن المؤلف، ومنها كتاب الطبقات لمسلم بن الحجاج، ومثله للنسائي، والطبقات الكبرى لابن سعد كاتب الواقدي في نحو من خمسة عشر مجلدًا، وله طبقات أخرى صغرى ثانية وثالثة، وطبقات التابعين لأبي حاتم محمد بن إدريس الرازي من أقران البخاري ومسلم، ومثله لابن منده ولغيره، وطبقات النساك لأبي سعيد بن الأعرابي، وطبقات الرواة لأبي عمرو خليفة بن خياط، وطبقات الهمدانيين لأبي الفضل صالح بن أحمد الهمداني، وطبقات القراء لأبي عمرو عثمان بن سعيد الأموي مولاهم القرطبي الداني، وطبقات الصوفية لأبي عبد الرحمن السلمي، وكتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم الأصبهاني في عشر مجلدات ضخام وفيها الصحيح والحسن والضعيف وبعض الموضوع.
ومنهم من ألف في المشيخات، وهي كتب تشتمل على ذكر الشيوخ الذين لقيهم المؤلف وأخذ عنهم، أو أجازوه وإن لم يلقهم، كمشيخة الحافظ أبي يعلى الخليلي، ومشيخة أبي يوسف ابن جوان، ومشيخة أبي الحسن بن المهدي، وغيرها كثير.
ومن العلماء من ألف في علوم الحديث "أي مصطلح الحديث أو أصول الحديث" وذكروا فيها أحاديث بأسانيد، ككتاب المحدث الفاصل بين الراوي والواعي للقاضي أبي محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهزي، وهو أول كتاب جامع ألف في هذا النوع، ثم كتاب علوم الحديث لأبي عبد الله الحاكم، وتلاه أبو نعيم الأصبهاني فعمل على كتابه مستخرجًا وأبقى أشياء لمن يتعقبه، ثم جاء بعد هؤلاء الخطيب أبو بكر البغدادي فصنف كتابًا سماه الكفاية جمع فيه أصول الرواية وقوانينها، وكتابًا سماه الجامع لآداب الشيخ والسامع، وكل منهما بلغ الغاية في بابه، وجاء القاضي عياض فصنف كتاب الإلماع إلى معرفة أصول الروايات وتقييد السماع، وكتاب ما لا يسع المحدث جهله للحافظ أبي حفص الميانجي وإيضاح ما لا يسع المحدث جهله للحافظ أبي جعفر عمر بن عبد المجيد المقدسي. إلى غير ذلك من المؤلفات.
ومنهم من ألف كتبًا في الضعفاء والمجروحين من الرواة، أو في الثقات منهم، أو فيهما معًا، ككتاب الضعفاء لكل من البخاري والنسائي وأبي حاتم بن حبان وأبي عبد الله محمد بن عبد الرحيم البرقي، وأبي بشر الدولابي، وكذلك لأبي جعفر محمد بن عمرو بن موسى العقيلي، ولأبي نعيم الجرجاني، ولأبي الفتح محمد بن الحسين بن النعمان الأزدي، ولابن عدي الجرجاني في كتابه الكامل الذي ذكر فيه كل من تكلم فيه ولو كان من رجال الصحيحين، وذكر في ترجمة كل واحد حديثًا فأكثر مما رواه من الغرائب والمناكير في نحو ستين جزءًا، وهو أكمل كتب الجرح وعليه الاعتماد فيها ... إلى غير ذلك من المؤلفات.
ومن العلماء من ألف في العلل "وهي عبارة عن الأسباب الخفية الغامضة التي تقدح في صحة الحديث مع أن الظاهر سلامته منها"، ككتاب العلل للبخاري، ومثله لمسلم وللترمذي، وممن ألفوا في العلل أيضًا الإمام أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني وأبو بكر الأثرم، وأبو علي النيسابوري وابن أبي حاتم، وأبو عبد الله الحاكم، وأبو بكر أحمد بن هارون البغدادي الخلال، وزكريا بن يحيى الضبي الساجي، والدارقطني وكتابه أجمع كتاب في العلل مرتب على المسانيد في اثني عشر مجلدًا، جمعه له تلميذه الحافظ أبو بكر البرقاني، وابن الجوزي في كتابه العلل المتناهية في الأحاديث الواهية... وغير ذلك.
ومنهم من ألف في الموضوعات كأبي عبد الله الجوزقي في كتابه الموضوعات من الأحاديث المرفوعات، وابن الجوزي في الموضوعات الكبرى، وأبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي في كتابه تذكرة الموضوعات.
ومن المؤلفين من كتب في غريب الحديث، ككتاب غريب الحديث والآثار لأبي عبيد القاسم بن سلام البغدادي الذي يقال: إنه أول من ألف في غريب الحديث على سبيل الاستقصاء، وإلا فإن أول من ألف فيه على الصحيح هو النضر بن شميل المازني، وذيل عليه أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، وذيل على ابن قتيبة أبو محمد قاسم بن ثابت بن حزم العوفي السرقسطي في كتابه الذي سماه: الدلائل في شرح ما أغفله أبو عبيد وابن قتيبة من غريب الحديث، ومات عنه ولم يكمله، فأتمه أبوه أبو القاسم ثابت بن حزم السرقسطي الحافظ المشهور، وكتاب غريب الحديث أيضًا لأبي سليمان حمد الخطابي البستي، وهذه هي أمهات كتب الغريب المتداولة في الحديث، وهناك كتب أخرى في الغريب نشير إلى بعضها في موضعها فيما يأتي بإذن الله.
ومن العلماء من ألف في اختلاف الحديث أو في تأويل مختلف الحديث، كالإمام الشافعي في كتابه اختلاف الحديث، وأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة في تأويل مختلف الحديث، وأبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي في كتابه مشكل الآثار.
ومن المؤلفات كتب الأمالي، وقد كان الإملاء من وظائف الحافظ من المحدثين في القديم، كان الحافظ يخصص لتلاميذه يومًا من أيام الأسبوع: الثلاثاء أو الجمعة غالبًا، يلتقي بهم في المسجد، وبدون المستملي عن شيخه ما يمليه عليه في المجلس، ويبدأ تدوينه ببيان عن زمان المجلس ومكانه وشيخه فيه، بأن يقول: هذا مجلس أملاه شيخنا فلان بجامع كذا في يوم كذا ويذكر التاريخ، ثم يورد المملي بأسانيده إلى الشيوخ أحاديث أو آثارًا يفسر غريبها، ويورد من الفوائد المتعلقة بها بإسناد أو بدونه ما يختاره ويتيسر له، وقد كان الإملاء شائعًا في الصدر الأول، ثم قل الإملاء يموت الحفاظ، وأحياه بعض الأعلام المتأخرين في مصر، كالعراقي وابن حجر والسيوطي، ومن كتب الإملاء الكثيرة كتاب الأمالي لأبي القاسم بن عساكر، ولولده أبي محمد قاسم، ولأبي زكريا يحيى بن عبد الوهاب بن منده ولجده أبي عبد الله محمد بن إسحاق بن منده، ولأبي بكر الخطيب، ولأبي طاهر المخلص، ولأبي محمد الحسن الخلال، ولأبي عبد الله الحاكم، ولعبد الغافر الفارسي ولأبي حفص بن شاهين... ولكثير جدًّا غير هؤلاء.
ومنهم من ألف في رواية الأكابر عن الأصاغر، والآباء عن الأبناء وعكسه، وهي أنواع مهمة ولها فوائد، والأصل في النوع الأول رواية النبي صلى الله عليه وسلم عن تميم الداري خبر الجساسة، ومنها كتاب ما رواه الكبار عن الصغار والآباء عن الأبناء للحافظ أبي يعقوب إسحاق بن إبراهيم المنجنيقي نزيل مصر، وكتاب رواية الصحابة عن التابعين، وكتاب رواية الآباء عن الأبناء كلاهما للخطيب البغدادي، وكتاب رواية الأبناء عن آبائهم لأبي نصر عبيد الله بن سعيد السجزي، وكتاب من روى عن أبيه من الصحابة والتابعين لأبي حفص بن شاهين، وجزء من روى عن أبيه عن جده لابن أبي خيثمة، وغيرها من المؤلفات.
ومنها كتب في آداب الرواية وقوانينها، منها كتاب الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي، وكتاب الكفاية في معرفة أحوال علم الرواية له أيضًا، وكتاب أدب إملاء الحديث لأبي سعد بن السمعاني، وكتاب سنن التحديث للحافظ الثقة صالح بن أحمد الهمداني.
ومنها كتب في عوالي بعض المحدثين، وهي كثيرة، منها كتاب عوالي الأعمش لأبي الحجاج يوسف بن خليل، وعوالي عبد الرزاق للضياء المقدسي في ستة أجزاء، وعوالي سفيان بن عيينة لأبي عبد الله محمد بن إسحاق بن منده، وعوالي مالك لأبي عبد الله الحاكم، وعوالي مالك أيضًا لأبي الفتح سليم بن أيوب. وغير ذلك كثير.
ومنها كتب في التصوف وطريق القوم، وذكرت فيها أحاديث بأسانيد، ككتاب أدب النفوس لأبي بكر الآجري، وكتاب المجالسة لأبي بكر الدينوري، وكتاب الأولياء لابن أبي الدنيا، وكرامات الأولياء، لأبي محمد الحسن الخلال البغدادي، وكتاب الجليس والأنيس لأبي الفرج المعافى بن زكريا النهرواني، ورياضة النفس للحكيم الترمذي، والرسالة القشيرية لأبي القاسم عبد الكريم بن هوازن القشري، وعوارف المعارف للسهروردي، والفتوحات المكية لابن عربي، وغير ذلك.
ومنها كتب الأطراف، وهي التي يقتصر فيها على ذكر طرف الحديث الدال على بقيته مع الجمع لأسانيده، إما على سبيل الاستيعاب، أو على جهة التقييد بكتب مخصوصة كأطراف الصحيحين لأبي مسعود إبراهيم بن محمد بن عبيد الدمشقي، ومثله لأبي محمد خلف بن محمد بن حمدون الواسطي، ولأبي نعيم الأصبهاني، وأطراف الكتب الخمسة -البخاري ومسلم وأبو داود الترمذي والنسائي- لأبي العباس أحمد بن ثابت الطرقي، وأطراف الستة -وهي الخمسة المتقدمة مضافًا إليها مسند ابن ماجه- لأبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي، وأطرافها كذلك لجمال الدين يوسف بن عبد الرحمن الحلبي، وكتاب الكشاف في معرفة الأطراف وهو للحافظ شمس الدين أبي المحاسن محمد بن علي بن الحسن بن حمزة الحسيني الدمشقي، وأطراف الأحاديث المختارة للضياء المقدسي وأطراف الفردوس له أيضًا، وأطراف الغرائب والأفراد للدارقطني لأبي الفضل بن طاهر.
ومنها كتب الزوائد وهي الأحاديث الزائدة في بعض كتب الحديث على بعض آخر منها وسوف نشير إلى عديد منها بإذن الله في الفصل الخاص بها في هذا الكتاب.
ومنها كتب في الجمع بين بعض الكتب الحديثية، كالجمع بين الصحيحين للصاغاني، وهو المسمى مشارق الأنوار النبوية من صحاح الأخبار المصطفوية، والجمع بين الأصول الستة -البخاري ومسلم والموطأ والسنن الثلاثة لأبي داود والترمذي والنسائي- لأبي الحسن رزين العبدري، وهو المسمى بالتجريد للصحاح والسنن، وجامع الأصول لأبي السعادات المبارك ابن الأثير الجزري، وغير ذلك.
ومنها كتب مجردة أو منتقاة من كتب الأحاديث المسندة خصوصًا أو عمومًا، كمصابيح السُّنَّة للبغوي، وقسمها إلى صحاح وحسان، وأراد بالصحاح ما أخرجه الشيخان أو أحدهما، وبالحسان ما أخرجه أرباب السنن الأربعة مع الدارمي أو بعضهم، وهو منهجه واصطلاحه، ومن منهجه أنه لا يعين من أخرج كل حديث على انفراده، ولا الصحابي الذي رواه، وكتاب الأحكام الشرعية الكبرى لابن الخراط في ست مجلدات انتقاها من كتب الاحاديث.
ومنها كتب في أسماء الصحابة من غير ما مضى، كذيول الاستيعاب في معرفة الأصحاب لأبي عمر بن عبد البر ومختصراته، ومنها كتاب أسد الغابة ومختصراته.
ومنها كتب في بيان حال الرواة غير ما تقدم، وضبط أسمائهم وأسماء بلدانهم، ككتاب أبي نصر الكلاباذي في رجال البخاري سماه الهداية والإرشاد، وكتاب التعديل والتخريج لمن روى عنه البخاري في الصحيح لأبي الوليد سليمان بن خلف الباجي، وكتاب معجم البلدان لياقوت الحموي، وغيرهما مما سنذكره في موضعه بإذن الله.
هذه أشهر العلوم الحديثة التي تناولها الأقدمون بالتدوين خدمة للسنة، وفي كل منها مؤلفات كثيرة وضخمة وضعت في دقة وأمانة تشهد لأصحابها بعلو الهمة وصدق العزم، وتؤكد أن ما بذلوه من جهاد شاق وكفاح مضن لم يكن إلا ابتغاء رضوان الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ورغبة في رعاية السُّنَّة وحمايتها من الدخيل. |
|